حكاية العربة الاحتفالية (85)/ د.عبد الكريم برشيد
مجلة الفنون المسرحية
فاتحة الكلام
الإقامة في المكان المحدود والمحدد سجن ومنفى، هكذا قال ويقول الاحتفالي وهكذا كتب ويكتب دائما. وهروبا من سجن هءا المكان، اخترع الإنسان العجلة. ومعها اوجد العربة. حتى يواجه المكان وامتداداته، حتى يمكن أن يمشي بشكل اسرع، وفي الربرتوار المسرحي الاحتفالي توجد احتفالية مسرحية عنوانها (حكاية العرية) والتي قدمها الرائد والمؤسس الحاج محمد المؤس وذلك على امتداد سنوات طويلة جدا، وفي كل المسرحيات الاحتفالية توجد هذه العربة،مرة وهي تمشي في الطريق ومرة وهي تمشي على السكك الحديدية ومرة وهي تطير وتحلق في السماء
ويبقى الاحتفالي عاشفا للسفر، سواء داخل المكان او خارجه أو داخل الزمان وما بعده، والأصل في فعل هذا السفر الوجودي انه تمرد على الجمود وعلى الموجود وعلى المحدود وعلى المعروف وعلى المالوف وعلى العادي اليومي وعلى الواقعي والطبيعي، وبهذا فهو عشق اولا، هو رغبة إنسانية للتمدد في المكان بكل جهاته الأربع. كما ان هذا السفر هو فعل للجدد في الزمان، ؤذلك عبر محطات الأعمار التي نحياها. ولان الحياة حركة ومحرك وطاقة محركة، فقد قال الاحتفالي دائما بأن هذا الإنسان الحي. في هذا الكون الحي، لا يليق به الجمود، لأنه ليس صخرة وليس حجرة، ولكنه فعل وفاعلية وهو تفاعل وانفعال وهو بحث في ذات هذا العالم عن اجمل الأمكنة وعن اصدق الأزمنة وعن اصدق كل الأيام. والذي هو اليوم الاحتفالي والعيدي
والعيد سفر في النفوس والأرواح اولا
وبخصوص هذه الفاعلية المتجددة في التاريخ الاحتفالي المتجدد يتساءل د محمد الوادي ( ما المثير والمدهش والجديد والمزعج في الاحتفالية؟ وهل الأمر يتعلق ويقتضي بالضرورة فعلا مثيرا ومدهشا وجديدة ومزعجا حتى تحضى نظرية ما بالسؤال النقدي؟)
ولقد كانت المقالة السابقة من هذه الكتابة مزينة بصورة من مدينة مراكش. وتحديدا من خلال عربة كوتشي. تربط الماضي بالحاضر. وتتجه صوب المستقبل. وتعقيبا على الصورة و المقالة يقول د. محمد الوادي (هي عربة سياحية أنيقة ولكنها في مراكش، إلا أن راكبها ليس عاديا، إنه بحر من المعرفة وجبل شامخ من الفكر وكتلة أحاسيس وصقر يرقط التفاصيل الدقيقة ليعيد تكريرها وإنتاجها إبداعيا
دمت في المكانة التي تستحقها.. )
اما د، نور الدين الخديري. وهو احد الباحثين الجادين في مسيرة الاحتفالي وفي مسار الاحتفالية فقد قال
(هي أسفار لا يستشعر سحر عوالمها إلا من كان احتفاليا بالفطرة وبالاكتساب، ولأن الاحتفالية أسفار فهي دائمة الحركة، تسير وتحلق وتصطدم، وتستريح كما كل محارب في ساحة المعركة، تتقوى بكل هذه الأحوال والمقامات، وتعلن عيدها الأبدي ضدا على كل مأتمية تسلب منها الحياة، مودتي وتقديري أخي العزيز الدكتور عبد الكريم برشيد)
اما جناح التامي. والذي هو واحد من الأجنحة التي حلقت بها الاحتفالية عاليا على امتداد نصف قرن فقد قال في تعيبه ما يلي:
(العجلة أصل التطور و الصناعات .
و العربة مسرحية إحتفالية من تأليفكم أيها الكبير Abdelkerim Berrechid .. فيها من الفلسفة من الحكايات و البدايات. ما يجعلنا نؤمن أن الإحتفالية تسير و تزور كل العالم . تحياتي و احترامي لأم الولاد و البنيات )
كل شيء في هذه الاحتفالية يبدأ (لينتهي) وفي كل نهاية بداية اخرى جديدة ومتجددة، وفي هذا المعنى (فإنه لا شيء كامل وتام في ذاته، وما هذا الوجود الذي نسميه الاحتفالية إلا حركة؛ حركة في الوجود وفي التاريخ، وما هذه الحركة إلا طاقة وحيوية، ولعل اهم ما يميز هذه الطاقة هو أنها متجددة بذاتها، وأن فعل الاحتراق فيها يمكن أن يعطي الرماد، وأن هذا الرماد يمكن أن يصبح جمرا، وان هذا الجمر يمكن أن يؤسس نارا جديدة ومتجددة، وأن هذه النار هي اساس الطاقة الإبداعية في الاحتفالية)
ولقد اكد الاحتفالي دائما على ان التجربة تسبق التجريب، وعلى ان الفعل يسبق رد الفعل، وأن أسوأ كل انواع الفعل هو عندما يكون في درجة الافتعال، وهذا ما يجعل الاحتفالي يقول الصناعة قبل التصنع والجمال قبل التجميل
الحياة رحلة وفي كل رحلة حياة
الحياة رحلة، هكذا يقول الاحتفالي. ورحلة الأفكار الرمزية الشفافة، في العالم الرمزي الشفاف، هي الأصدق دائما، ورحلة الاحتفاليين.في حياة المسرح وفي مسرح الحياة، لم تكن في يوم من الآيام نزهة او سياحة، ولو كانت كذلك لأصبحت اليوم مجرد وشم في الذاكرة، ،ولقد كانت هذه الرحلة، وعلى امتداد عقود طيلة جدا، من الزمن،، سباقا مارطونيا ضد الزمن وضد الدهر، وكان لها معنى التحدي الوجودي، اي أن أن نكون في المقدمة والطلبعة او لا نكون. ولقد ظل الاحتفاليون يرردون دائما مع الشاعر العربي قوله (اطاعن خيلا من فوارسها الدهر ) ومن يمكن ان يكون أحق بالتحدي احسن من الزمن ومن عاديات الدهر ومن القدر؟
ولهذا فقد عشق الاحتفاليون الجبل. وعشقوا في هذا الجبل قمته. وراهنوا دائما على الأبعد وعلى الأصعب وعلى الأعلى وعلى الأسمى وعلى الأكبر وعلى الأخطر. وفي كل سفر جديد يولد الإنسان من جديد. وماذا يمكن أن تكون هذه الاحتفالية سوى انها اسفار فكرية ووجدانية الزمن؟
اعرف طريق نفسك تصل إلى عالم الناس
في هذه الاحتفالية شعارات مرحلية وموسمية عابرة. ونحن نمر بها مرور الكلام، ونعبرها عبور المسافرين المستعجلين ونمضي، من غير ان نلتفت إليها، او ان نتاسف على رحيلها، لان ما يهمنا هو ما يبقى. وفي هذه الاحتفالية ايضا مبادئ وقيم واختيارات فكرية وجمالية واخلاقية، دائمة وابدية وسرمدية ومتجددة، وهي تدرك أنها اساسا رؤية فلسفة تشبه جغرافيتها البشرية، تماما كما تشبه لحظتها التاريخية المغربية والعربية والأمازيغية والأفريقية والموريسكية، وهي رؤية. واقعية لم تخرج من فراغ، لأن الذي انبتها اليوم هنا، هو ارضها،وهو تربتها، وهو مناخها، وهو طقسها، وهو رحمها الحضاري، وهو عقلها الجماعي، وهو وجدانها الشعبي العام، ورغم كل خصوصياتها الفنية والتقنية. فإنها تظل في جوهرها فلسفة انسانية وكونية عابرة للأمكنة وعابرة للأزمنة وعابرة للثقافات وعابرة لكل اللغات المتعددة والمتنوعة
وهذه الفلسفة الاحتفالية، في جوهرها الحقيقي. هي قناعات واختيارات ورهانات فكرية وجمالية واخلاقية عامة وشاملة، وبعكس ما قد يظن بعض النقاد، فهي ليست مجرد شعارات تأتي ثم تمضي مع الرياح الموسمية. ومع ذلك، فإن هذه الاحتفالية. وفي كثير من مقولاتها الصغيرة، نجدها تختزل معاني كبيرة وخطيرة جدا، وذلك من مثل ما يلي من الكلمات ومن العبارات التالية. والتي تشرك كل الناس في فعل التفكير الحر. من غير أن تلزمهم برؤيتها وبوجه نظرها. ولهذا فإنني أقول لكل من يعشق أن يكون احتفاليا مفكرا ما يلي:
-- اعرف نفسك بنفسك تجد نفسك، ولا تنتظر مني أن أقول لك انت من انت. واعلم ان صاحب الجرح ادرى بالجراح. وان من يمشي في الطريق ادرى بالطريق
-- وامش في طريق نفسك. وسر باتجاه نفسك تصل إلى نفسك. واحذر في الطريق قطاع الطريق
-- انظر في مرآة نفسك. واخذر أن تخدعك المرايا الخادعة. وليس كل الصور الجميلة في المرايا الجميلة يمكن أن تكون صادقة
-- وانظر دائما إلى الأمام. واعلم بأن الخير امام، واحرص على ألا تمشي في نفس الطريق مرتين. وتأكد بأنه لا يمكن من تعيش في حياتك الواحدة إلا مرة واحدة، وليس مرتين
-- وانظر دائما إلى الأمام وإلى الأعلى والى الأبعد، واحذر ان تلتفت الى الخلف. واعلم بانه في الخلف يوجد التخلف، ومعه يوجد السادة المتخلفون
-- وإياك أن تصدق من يقول لك ( ليس في الإمكان ابدع مما كان) واقنع نفسك دائما بانه (ليس في الامكان ابدع ولا اروع ولا اصدق ولا اجمل مما سوف يكون) وايضا، مما ينبغي ان يكون
-- وابحث عن غيرك ،واعط الفرصة لغيرك ان يبحث عنك. وقل مع مولانا جلال الدين الرومي ( ما تبحث عنه يبحث عنك) وكثيرة هي الأشياء والأفكار والحالات التي قد تكون قريبة منا ونحن لا ندري. أو لا نريد أن ندري
-- ويمكن ان يجهلك او ان يتجاهلك واحد من الناس، او كثير من الناس، وذلك في وقت من الأوقات، او في زمن من الأزمان،، ولكنه ابدا لا يمكن أن يتجاهلك كل الناس في كل زمان ومكان
-- وامش في طريقك وضع في حسابك انه من الممكن أن تسقط. وانه بعد كل سقوط عليك أن تنهض. وان تواصل السير. وان تكون بعد هذا السقوط اقوى
-- وثق بنفسك، واحترم أفكارك، وقل لذاتك، انا على حق.حتى يثبت لي الواقع، وتثبت لي الوقائع العكس
-- واحلم بالقدر الذي تستطيع، واعلم بأن الحلم ليس ممنوعا ولا محرما، وكن على يقين بان عالم الأحلام الصادقة ليس فيه حرس ولا عسس، وأن الدخول إلى اوطانه المفتوحة لا يمر عبر الجمارك ولا عبر حراس الحدود
-- واعلم بان كل ما تقوله وكل ما تكتبه الآن هنا، ليس قرأنا منزلا من السماء. وهو اجتهاد مجتهد، ومن حقك أن تراجعه متى شئت، ولكنه ابدا ليس من حقك أن تتراجع عنه
-- وانني اقول لأي فنان، في بداية الطريق، اهتم بفنك وابداعك اولا، وحاول ألا تثق في اي كلام يقال في حقك، سواء اكان مدحا مجاملا، او كان هجاء محبطا. واعلم ان احسن النقد واصدقه هو النقد الذاتي. وعليه فحاول ان تمارس النقد على فنك. واقرا ما كتبت بعينك الداخلية الصادقة. واستفت قلبك وروحك. ولا أحد يمكن أن يكون أكثر صدقا من القلوب الصادقة ومن الأرواح الصادقة
-- واعلم ان كل سؤال تجد له جوابا نهائيا وبسرعة. لا يمكن ان يكون سؤالا علميا ومعرفيا. واعلم ان كل ولادة إبداعية تحتاج الى حمل شرعي. وتحتاج الى مخاض وتحتاج إلى وجع تعقبه الولادة
-- واعلم بأنه لا يمكن أن تصنع فكرا جميلا وفنا جميلا اذا لم تكن عاشقا للجمال، وذلك في بعده المطلق اولا، كما انه لا يمكن أن تدرك الحكمة اذا لم تكن من عشاق هذه الحكمة. وثق بأنه لا يمكن أن تعطي الناس والحياة إلا مما أعطاك الناس وما اعطنك الحياة
-- وقبل أن تسأل نفسك كيف اكتب مسرحية في الحياة. فكر اولا في السؤال الأساسي والحيوي التالي، والذي هو كيف احيا هذه الحياة، بشكل صدق وأمين. ولهذا يقول الاحتفالي، لكل من يهمه الأمر (عش تجاربك الحياتية اليومية بصدق اولا. وسوف ياتي التعبير الصادق عنها بعد ذلك، وسياتي بشكل تلقاني وعفوي بدون تصنع ولا تكلف. واعلم ان التجريب الذي لا يستند إلى تجربة وجودية. فإنه لا يمكن أن يكون إلا مجرد صناعة وتصنع وتكلف وريم وتقلبد
-- وكما أن فعل الصمت هو كلام اخر، زذلك بلغات اخرى، فإن هذا الذي نسميه الغياب هو حضور آيضا، ولكن بصيغة اخرى مختلفة ومغايرة. وهذا ما يجعل الاحتفالي يقول لك، عندما تقرأ بشكل جيد، فإنه لابد أن تكتب بشكل جيد، اما عندما تقرا فقط، فإن النتيجة هي ان تكتب فقط، وان تقول اي كلام، وما أكثر الكتاب الذين يكتبون فقط، اما بالنسبة المبدعين الحقيقيين فهم بالتأكيد قلة قليلة
0 التعليقات:
إرسال تعليق