مسرحية " دمية إسمها منى" تأليف عبدالحكيم الوائلي
مجلة الفنون المسرحية
الشخصيات
الطفلة: في نحو الثانية عشرة من العمر ترتدي قميص أبيض وتنورة زرقاء وجوارب بيضاء قصيرة وحذاء أسود.. تعقد شعرها الأشقر الى خصلتين على الجانبين بشريطين أبيضين.
الدمية: طفلة أخرى بملابس دمية قماشية صغيرة ، فستان احمر.. وشعر أسود مرسل .
الإرهابي: رجل في الثلاثينيات ، أشعث شعر الرأس طويله، كث اللحية، حليق الشارب، باللباس الافغاني الاسود المعروف، يتسلح ببندقية ومدية ..
المشهد الاول
غرفة الطفلة ... لها باب جانبي الى اليسار حيث تنتصب خزانة ملابس ..وتتوسط الجدار نافذة مسدلة الستائر تحتها سرير بجانبه طاولة صغيرة عليها مزهرية ..
الطفلة : (جالسة على حافة السرير ترتجف هلعاً وهي تحتضن دميتها) لا تبكي يا عمري.. لا تبكي يا صغيرتي.. أنت في حضن ماما (تقبلها ثم تمسح الدموع عن عينيها) سوف لن يصلو الينا.. قالت ماما الكبيرة إنهم ذاهبون جنوبا .. لا تخافي يا طفلتي بيتنا بأمان .. وسنختبئ بالدولاب كما كنا نفعل دائما ..سوف لن يرانا أحد .. ثم أنهم سيضنون أنك مجرد دمية، وهم لا يؤذون الدمى.. لن يخطر ببالهم انك ابنتي .. لا تخافي .. أعدك أن يمر الزمن سريعا ونعود كما كنا ... إششش ( تسكت إذ يتناهى لسمعها صوت عاصفة هوجاء تقترب حثيثاً يصاحبها أزيز رصاص وانفجارات كانت بعيدة ثم بدأت تقترب شيئا فشيئاً . تضم دميتها الى صدرها وتركض في اتجاهات مختلفة مذعورة مترددة.. تخرج من الغرفة ثم تعود فوراً.. تقف في الوسط .. تتلفت يمينا وشمالاً ) آه يا الهي.. آه يا امي.. إنهم يستعدون للفرار.. أهلنا يريدون مغادرة البيت،آه يا أمي،البيت الذي طالما كنا نلوذ بأمانه بات علينا أن نفر منه الان ( ومن جدار لجدار تواصل الركض مذعورة مثل عصفور في قفص.. تدخل الى الخزانة وتتوارى خلف الثياب وتسحب الباب اليها قليلا) آه يا الهي.. أمي تنادي ..إنها تبحث عني( تترك دميتها في الخزانة ..تهم بمغادرة الغرفة.. ثم تعود الى الخزانة) لا تخافي يا حبيبتي سأعود إليك حالاً ( تغادر الغرفة .. ثم سرعان ما يتناهى صوتها ) كلا يا أمي ..لن أذهب من دون منى.. لا.. لا.. إنها ليست مجرد دمية.. إنها ابنتي كما أنا ابنتك يا أمي.. دعيني أجلبها من الدولاب فقط..أرجوك يا أمي.. (في تلك الأثناء يبتعد صوت الطفلة شيئا فشيئا حتى يتلاشى رجاؤها.. يظل باب الخزانة مواربا تبدو فيه كومة ملابس حيث تقبع الدمية تحتها.. يسود صمت تام تعقبه موسيقى مرعبة لثوان ثم.. )
اظلام
المشهد الثاني
إضاءة كاملة في الغرفة.. وتسمع أصوات الإرهابيين تتردد في أرجاء البيت قبل أن يقتحم أحدهم المكان.. يقف وسط الغرفة الخالية.. يتلفت يمينا ويسارا) لقد هرب الكفرة الجبناء.. لكنهم سيقعون بقبضتنا قريباً.. أين يذهبون.. سنطاردهم الى آخر الدنيا ونصطادهم .وننحرهم كالأغنام (يتكلم وهو يطوف في المكان كالمسعور يرفع الفراش .. ينظر تحت السرير.. يفتح الخزانة على مصراعيها.. يبعثر كومة الملابس.. يقف مذهولا.. يحدق بالدمية القابعة في الداخل ..ثم يسحبها من ذراعها فتخرج الدمية ،،طفلة بنفس ملابس الدمية، ترتجف بين يديه من الرعب)
الارهابي: (يطلق ضحكة انتصار مجلجلة) هاهاهاها.. واخيرا.. كافرة صغيرة تركها الجبناء خلفهم..(يضع يده اليمنى على كتفها بما يشبه الطقس ويهتف) أنت ملك يميني أيتها الجارية الكافرة.. إياك أن تقاومي حتى لا أؤذيك .. ياه.. سبحان الخلاق العظيم.. يا لها من فاتنة.. كأنها دمية.. شكرا لله.. لقد حالفني الحظ هذه المرة بجارية ليست كالأخريات سوف لن أتنازل عنها للأمير هذه المرة.. (يتلفت يمينا ويسارا) اللعنه إنه لا يشبع ولا يقنع منهن.. إسمعي ..سأجعلك أمة مؤمنة مطيعة لله ولي.. حسنا ؟
الدمية : (ترتجف وهي منكمشة من الفزع.. ثم تتوسل اليه) أنا مجرد دمية يا سيدي.. أرجوك اتركني يا سيدي.. أعدني الى الدولاب حيث كنت وغطني بالثياب فأنا أرتجف .. الا ترى يا سيدي أنني مجرد دمية من القماش..
الارهابي : ها هاها.. نعم فعلاً أنت جميلة مثل دمية .. كم عمرك يا حلوتي ؟
الدمية : لست أدري يا سيدي ..لا أدري متى صنعتني ماما الكبيرة من بقايا أثواب ماما الصغيرة التي روت لي تلك الحكاية مراراً.
الارهابي : (وقد كان يصغي لها وقد فغر فمه من الدهشة) اللعنة لقد جنت الصبية.. إسمعي أيتها الكافرة الصغيرة .. لقد سألتك عن عمرك فقط ، وبدأت تهذين .. ماذا بشأن الاسئلة القادمة إذن ؟ ها ؟ إسمعي ! ولن أكرر هذا الأمر ثانية.. ها؟.. كوني مطيعة وإلا..
الدمية : أنا أيضاً أقسم بحياة ماما أنني مجرد دمية..آه يا الهي.. الدمى لا تكذب يا سيدي.. أرجوك صدقني ودعني أتوارى في الدولاب وأعدك أنني لن أحدث ضجة كأي دمية هادئة مسالمة.. إنني أرتجف من البرد والخوف .
الارهابي : (يبتسم ابتسامة ساخرة يهمهم محدثا نفسه) يا إلهي.. يبدو أن حالتها متأخرة ههههه.. حسنا لنتجاوز هذا السؤال فانت على أية حال في السن المفضل عندي والذي طالما حلمت به..ما علينا.. والان أخبريني أيتها الدمية الفاتنة.. ما اسمك ؟ ها ؟
الدمية : منى .
الارهابي : أها ..ها أنت عاقلة مجددا ولك إسم إذن ..مثلنا نحن البشر هاهاها.. فما بالك ترددين طول الوقت بأنك دمية ؟ منى، منى، إسم جميل ..ولكنه بلا معنى مقدس، سوف نغيره الى أم.. أم البراء مثلا ؟ لا لا!ما علينا من الاسم الان، سنختاره فيما بعد.. والان تعالي يا دميتي (يقودها نحو السرير) لنرى كيف تكون الدمية في السرير أولا( يهرع الى باب الغرفة يغلقه باحكام ثم يعود إليها مسرعا وهي مسمرة حيث أوقفها قرب السرير.. يقف أمامها.. يضع يديه على كتفيها ويدفعها بعنف فتسقط على ظهرها.. ومع صرختها يسود الظلام)
اظلام
المشهد الثالث
تتجول بقعة ضوء في فوضى المكان.. حيث كل شيء بات مبعثراً.. الوسادة الشراشف ثم يستقر الضوء على الدمية مكورة في الزاوية اليمنى من الغرفة تلملم أذيالها المهلهلة على ساقيها وهي وترتجف منكوشة الشعر مفزوعة العينين..)
الدمية : (تئن وتهذي ) آه.. آه يا أمي .. ليس كما قلت يا أمي الحبيبة.. ليس كما قلت أبداً.. إنهم يمزقون الدمى أيضاً.. يمزقوننا.. لقد قطعني هذا الوحش الكاسر إربا.. توسلت إليه.. توسلت إليه دون جدوى.. كأنه أصم.. لوكان حجراً لسمع بكائي وتوسلي، لكم رددت أنني دمية ولكنه لم يصدقني. آه..آآآآآه .. آه يا أمي الحبيبة.. توسلت إليه أن يتركني في الخزانة بسلام.. لا جدوى يا أمي .. لقد صفعني بعنف..( تضع كلتا كفيها على خديها) لقد صفعني مراراً.. ليتني أستطيع أن أموت يا أمي ولكن الدمى لا تموت .. إنها تتعذب فقط .. أواه يا أمي أنت لا تدرين مافعلوا بابنتك الصغيرة.. كانوا لا يملون من إيذائي، كل ساعة يقتحم أحد الوحوش هذه الحجرة التي كانت لنا وحدنا.. أتذكرين كم كانت دافئة وحنونة لقد باتت مرعبة وباردة القلب.. ومقطعة الأوصال مثلي.. لقد لوثوا كل جزء منها بتوحشهم.. قتلوا فيها ذكرياتنا الجميلة يا أماه حتى باتت مهجورة مثل روحي ..مهجورة إلا من هذا الصقيع الذي يلفني .. آه يا أمي ليتني ماكنت ليتني ما زلت خرقا بالية متناثرة .. لم جعلتني أحيا.. لم وضعتي في محجري هذين الزرين الأخضرين وجعلتني أرى.. ليتني ما زلت عمياء حتى لا أرى كل هذا الرعب والتوحش والدم لقد رأيت رعبا لا يحتمله أحد فكيف بي أنا الدمية الصغيرة الوحيدة يا أماه.. كيف ؟ لم كنت تحرصين على جعلي جميلة على هذا النحو .. لقد جن جنونهم بالحرير الاحمر الذي طرزته لشفتي فالتهموه حتى غدا وسخا مهلهلا.. وعيناي الزجاجيتان الخضراوان باتتا حمراوين داميتين مثل جمرتين ، من السهر والخوف والدموع.. آه يا أمي يبدو أن لا سبيل للخلاص لأن الدمى لا تموت.. لا تموت.. لا تموت..( ثم فجأة تنتبه لكلماتها وكأنها عثرت فيها على الحل .. فيشرق في نفسها الأمل وهي تردد بهمس مجددا) لا تموت! لا تموت! ولكن هذا الوحش يموت.. نعم إنه يموت.. هذه نقطة ضعفه التي قد يكون فيها خلاصي ..ما دمت لا أموت فلمَ أخشاه وأستسلم لتوحشه ؟.. يا لله يا أمي ..يا لله.. رغم بعدك عني مازالت روحك ترشدني .. شكراً لأنك معي.. ها أنت تشدين على ساعدي أشعر بوجودك معي أعدك بانني لن أضعف بعد الان (تنهض من جلستها المكورة في الزاوية.. تقف وقفة تحدٍ وتقول بروح غير منكسرة هذه المرة) سنرى.. أيها الوحش الجبان الضعيف.. تتمرجل على دمية ؟ حسنا.. سأريك !
الارهابي : ( وقد اقتحم الغرفة بعد أن توقفت الدمية عن الحديث مع نفسها ينظر اليها من فوق الى تحت وبالعكس قبل أن يوجه لها سؤالا مباشراً بلهجة توعد) هي..! أنت! ما ديانتك ؟ أعلم أنك كافرة ولكن من أي الكفرة أنت بالضبط ..ها ؟
الدمية : ( بمسكنة مفتعلة هذه المرة) لا أفهم ماتعني يا سيدي فأنا مجرد دمية .
الارهابي : (يصرخ وقد نفذ صبره) دمية.. دمية.. دمية.. اللعنة ! هل جننت ؟ ألن تكفي عن ترديد هذا الهراء ؟ ( يضحك بخبث) أية دمية ؟ ها ؟.. لقد اجتزت اختبار السرير أيتها الملعونة الصغيرة؟ اجتزته بنجاح.. طيب أيا كان دينك ستكونين في النهاية على الدين الحق.. شئت أم أبيت .. والان تعالي.. تعالي لألقنك أول درس في الطاعة.. (يستل حربته من حزامه ويلقي بها تحت السرير.. وقبل أن يهم بخلع ملابسه يشير إليها بسبابته أن تتقدم.. تتردد.. ترتجف.. تقترب أكثر فاكثر يمسكها من شعرها يقودها الى السرير ويلقي بها .. يلتفت ليضع ملابسه جانبا.. تمد يدها تحت السرير حيث ألقى حربته.. تخبئها خلف ظهرها.. يسود الظلام قبل أن تنفجر صرخة مدوية يعقبها اختلاج مكتوم ويضاء المشهد بوضوح على الإرهابي مسجىً يسبح بدمه والى جانبه دمية من القماش بنفس الثياب، وحربة.. ينطلق حينئذ أزيز رصاص يشبه صوت زغاريد تعلوا شيئا فشيئا .. ثم يعم الصمت فجأة لتدخل الطفلة الى غرفتها تهرع نحو دميتها بلهفة.. تلتقطها من الارض.. تحتضنها بحنان وتجلس على حافة السرير تهدهدها بصوت شجي مع موسيقى تبعث على الفرح والامل)
اظلام
ستار
السيرة الذاتية للمؤلف :
عبدالحكيم الوائلي شاعر، روائي، كاتب مسرحي وباحث
ولد عام1957 في الناصرية لأسرة نجفية وأمضى سني الطفولة والشباب بين البصرة والكوت وبغداد
نال شهادة البكلوريوس بالاقتصاد عام1979 من الجامعة المستنصرية في بغداد وفي تلك الاثناء عمل في فرقة المسرح الجامعي لأربعة أعوام نال خلالهاعدة جوائز توجت أخيراً بالجائزة الاولى للمسرح الجامعي عام1979
بدأ الكتابة منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي بيد أنه فقد معظم نتاجه المبكر بسبب كثرة ترحاله داخل العراق وخارجه لظروف سياسية واقتصادية حتى عاد عام 2005 ونال عضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب، ثم عمل مشرفاً ثقافياً وفنياً في قطاع الشباب والرياضة قبل تقاعده مؤخراً وتفرغه للكتابة.. صدرت له حتى الان المؤلفات التالية:
موسوعة قبائل العرب – 6مجلدات – عمان 2000
موسوعة الاحجار الكريمة – عمان 2000
شاعرات العرب من عصر ماقبل الاسلام الى نهاية القرن العشرين – مجلدين- عمان 2001
شعراء الاندلس – عمان 2001
سفر سيزيف – ديوان شعر – دمشق 2011
دموع ليليا – ديوان شعر – دمشق 2017
قيثارة أنهار – ديوان شعر – بغداد 2020
سكاكر القبلات – مجموعة قصصية – دمشق 2019
زهر الرمان – رواية – بغداد 2021
الحب في سكرة موت – مسرحية غرائبية – تحت الطبع في دار الشؤون الثقافية العامة بوزارة الثقافة 2022
خيوط الوهم – مجموعة مسرحيات – تحت الطبع ضمن منشورات الاتحاد العام للادباء والكتاب لعام2022
وله في الطريق الى المطبعة( الالهة- دراسة في الثيولوجيا)و(مت ياقلب- ديوان شعر)و(أشباح الارملة السوداء- مسرحية)و(المنشار ومسرحيات أخرى)و(تخليق الالماس- مترجم عن الانجليزية)
جوال (009647726020420)
ah.alwaili@yahoo.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق