أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في اليونان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في اليونان. إظهار كافة الرسائل

السبت، 14 نوفمبر 2020

يكوس كازانتزاكيس.. رحلة فيلسوف الرواية إلى الحرية والخلاص

مجلة الفنون المسرحية


يكوس كازانتزاكيس.. رحلة فيلسوف الرواية إلى الحرية والخلاص

أماني حسن 


«لا آمل في شيء، لا أخشى شيئا، أنا حر».. جملة قصيرة من بين اقتباسات عديدة لخص من خلالها الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس نظرته للحياة، ودفاعه عن السلام في مواجهة العنف، وبحثه عن الحرية، التي طالما عبر عنها في مؤلفاته التي أثرى بها الأدب الإنساني.

كازانتزاكيس أحد أبرز أدباء اليونان، ولد عام 1883، في جزيرة كريت التي كانت تحت وصاية الحكم العثماني آنذاك، قضى طفولته بين أب قليل الحديث ذي شخصية مهيبة يدعى مايكل كازانتزاكيس، وأم تدعى ماريا كازانتزاكيس وكان يصفها بالقديسة لانتمائها لطبقة الفلاحين التي يراها معمرة للأرض، ورحل عن العالم في 26 أكتوبر 1957.

بداية مع الفلسفة

«كذبت؟ ضُربت؟» بهذين السؤالين استطاع والده زرع القيم الأساسية التي سيواجه من خلالها الحياة، وتتمثل في الوصول للنجاح بكرامة دون أن يعطي الفرصة لأحدهم بإهانته أو قهره، ليتبنى بعد ذلك قضية الحرية.

رغم ظروف الاحتلال التي عاشها صاحب «زوربا اليوناني» خلال فترة طفولته بما تنطوي عليه من الصراعات النفسية، إلا أنه نشأ في بيئة تهتم بالعلم بالتحاقه بمدرسة الرهبان الفرنسيين الذين اشتهروا بالفكر الفلسفي في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، ليجمع فكره بين الفلسفة اليونانية والفرنسية، الأمر الذي مثل قاعدة فكرية نتج عنها عشرات المؤلفات مختومة بطابعه الخاص الذي ربما لن يتكرر.

بعد إنهاء دراسته بمدرسة الرهبان درس القانون بجامعة أثينا ثم ذهب للبحث وراء العلم الذي وقع في حبه وعاش شغوفًا به في فرنسا لدراسة الفلسفة، وبعد مزيد من الاطّلاع وترجمة الكتب الفلسفية أصبح متأثرًا بشكل واضح بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي علمه كيف يصيغ عالمه الخاص.

نيكوس كازانتزاكيس

في رحاب سيناء

رأى «كازانتزاكيس» أن حياة الإنسان هي امتداد بين ظلمتين الأولى ظلمة الرحم والثانية ظلمة القبر، لذا قضى حياته يتجول في العالم لاهثًا وراء الحقيقة، باحثًا عن المعرفة والخلاص.

كان لزيارته سيناء ثم فلسطين بُعد روحاني انعكس على ذاته، فلم يكن السبب وراء سفره لتلك الأراضي، حيث كان مسار العائلة المقدسة هو البحث عن المعرفة المجردة فقط، بل كان يرى رحلته من منظور تأملي، سيقوده للخلاص الشخصي الذي آمن أنه لن يستطيع الصدق في كتاباته إلا بتحقيقه، فكانت رحلته أشبه ما يكون بالحج.

في كتابه «رحلة إلى مصر الوادي وسيناء» وثق نيكوس كازانتزاكيس رحلته في أرض الفيروز قائلًا: «منذ سنوات وسيناء، ذلك الجبل الذي وطأه الله، تلمع في ذاكرتي مثل قمة لا سبيل إلى الوصول إليها.. ذلك الدير الذي بُني فوق ذلك المرج المحترق الذي لم يفن ولم يهلك، هنا يتجسد الهدف الذي كنت أحن إلى إنجازه طوال السنوات التي كنت أسير خلالها بغير هدى في المدن الكبيرة».

يقول: «بعد رحلة استمرت ثلاثة أيام في هذه الصحراء العابسة، شعرت أن الضمير الإنساني يتشكل هنا وهنا تنتصر الفضيلة على الصحراء، وأنا أتجول بين واحات النخيل التابعة للدير أصبحت إنسانًا شرقيًا فأنا وسط الجبال والردة في الكتاب المقدس»، هكذا شعر الأديب العالمي حين زار سيناء.

بعد انتهاء «كازانتزاكيس» هو ورفيق رحلته «كالموهوس» من التجول بين الجبال والأديرة وتلك الجلسات التي جمعتهما بالرهبان، يقول: «وأنا أتجول عبر الصحراء عند طرف سيناء شعرت قلبي ينبض بشكل متناغم، إن الخروج من أرض العبودية قد بدأ، إننا نعبر الصحراء».

أنسنة الدين

في روايته «الإغواء الأخير للمسيح» استطاع نيكوس كازانتزاكيس تقديم المسيح كنموذج للإنسانية في أسمى معانيها، إذ تحدث عنه في صورة الإنسان المقاوم الذي لا يخشى الألم أو الغواية أو الموت.

«لم أكن قد شعرت بدم المسيح يسقط قطرة قطرة في قلبي بمثل كل ذاك القدر من الحلاوة والألم.. لكي يرتقي إلى الصليب، قمة التضحية، قمة اللا مادية، ولو لم يكن بداخله هذا العنصر الإنساني الدافئ لما تمكن من أن يغدو نموذجًا لحياتنا»، هكذا وصف «كازانتزاكيس» المسيح في مقدمة روايته.

«لطالما مثل جوهر المسيح المزدوج توق الإنسان، التوق شديد الإنسانية، الخارق في إنسانيته ليبلغ الله أو بمعنى أدق ليعود إلى الله، لغزًا مبهمًا عويصًا بالنسبة لي، هذا الحنين إلى الله وهو في وقت واحد غامض وحقيقي تمامًا».. بتلك الكلمات اختتم روايته الشهيرة.

نوبل تفقد كازانتزاكيس

أديب وشاعر وفيلسوف وسياسي ومترجم، تنقلت أعماله الأدبية بين القارات وتُرجمت كتاباته لأربعين لغة، ولم يحصل على جائزة نوبل! ثمة صوت واحد فقط جعل نيكوس كازانتزاكيس يخسر الجائزة التي رُشح لها أمام ألبير كامو عام 1956، الذي رأى أن منافسه «كان يستحقها أكثر بمائة مرة».

في كتاب «الرسائل» الذي ألفته أرملة «كازانتزاكيس» إليني ساميو بعد وفاته لتجمع الرسائل المتبادلة بينه وبين أصدقائه، جاء نص رثاء ألبير كامو كالآتي «لقد كنت أكن الكثير من الإعجاب، وإذا أجزت لي نوعًا من المودة لآثار زوجك، ولا أنسى يومًا بعينه، كنت أسفت فيه على نيل جائزة كان كازانتزاكيس يستحقها أكثر بمائة مرة، فإذا بي أتلقى منه أكثر البرقيات كرمًا، وبغيابه يختفي واحد من أواخر الفنانين الكبار، وأنا من أولئك الذين يستشعرون وسيواصلون استشعار الفراغ الذي خلفه».

في مقال نُشر بموقع «naftemporiki»، هناك بعض الاتهامات التي صاحبت كازانتزاكيس في مسيرته نحو الحرية والخلاص، فقد كان يُنظر إليه من قبل الدولة اليونانية على أنه ملحد، شيوعي، يفسد عقول الشباب.

النضال ضد الاحتلال العثماني

التمرد على الحرب التي فتح عينيه على الحياة ليجدها معلنة من الدولة العثمانية على مسقط رأسه، كان رفيقه في مشواره الأدبي، فاستطاع بروايته «الحرية أو الموت» تناول تاريخ نضال الشعب اليوناني في جزيرة كريت من أجل التحرر من سلاطين الأتراك.

لم يكتفِ نيكوس كازانتزاكيس بأن يعكس بكتاباته مدى تأثره بالحرب ورغبته المستميتة في نيل الحرية، بل كان سياسيًا فاعلًا وتولى عددا من المناصب، فقد عين وزيرا دون حقيبة عام 1945، لكنه لم يستمر في المنصب أكثر من عام لإيمانه بأن الخوض في السياسة أمر لا ينتهي.

وشارك في حرب البلقان التي اتحدت خلالها بلغاريا واليونان والجبل الأسود وصربيا بعد الاستقلال، ضد الدولة العثمانية لتوسيع سيطرتهم وضم القوميات العرقية المماثلة التي تبقت في قبضتها، وبالفعل نجح اتحاد البلقان في مهمته.

الكنيسة ضده حتى مثواه الأخير

اعتقد مؤلف «الإخوة الأعداء» في فترة ما أن الأيديولوجية الشيوعية المتمثلة في الثورة الروسية يمكنها تغيير العالم للأفضل، ما أدى إلى تصنيفه متمردا، رغم أنه قدم نفسه فيما بعد على أنه يعتنق أيديولوجية إنسانية عالمية، فضلا عن موقف الكنيسة المناهض لكتاباته، وظل اللقب المزعج للحكومة اليونانية ملتصقًا به حتى رحل، وبقى جثمانه عالقًا بالحياة لمدة عشرة أيام، وواجهت أرملته الكثير من التحديات والشتائم من أجل دفنه.

القصة بدأت بعدما توفى نيكوس في ألمانيا ونُقل إلى مطار ألفسينا العسكري، وطلبت أرملته من كنيسة اليونان وضع جسده في رحلة حج شعبية، لكن رئيس أساقفة أثينا رفض، وفشلت محاولات الاحتفاظ بجسده في معبد بأثينا.

وانتهى الأمر بنقل جثمانه إلى مدينة هيراكليون بعد قداس في كنيسة أجيوس ميناس، وكتب على قبره: «لا آمل في شيء، لا أخشى شيئا، أنا حر».
------------------------------------------------------------
المصدر : المصري اليوم 

الأربعاء، 8 مارس 2017

العلامات في المسرح الإغريقي

مجلة الفنون المسرحية

العلامات في المسرح الإغريقي

أحمد شرجي 

عرف أرسطو المأساة بأنها "محاكاة فعل نبيل تام، لها طول معلوم، بلغة مزودة بألوان من التزيين يختلف وفقاً لاختلاف الأجزاء، وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات"( أرسطو، فن الشعر، ص 18)، وعليه فإن جوهر المأساة هو الفعل Action أو مجموعة الأفعال، وهي التي تقود الحكاية، بوساطة أشخاص/ شخصيات، حتى تصل إلى الهدف الذي وجدت من أجله وهو التطهير Catharsis.  

بمعنى آخر ارتكزت المأساة على العلامات السيمانطيقية، وأهملت كل ما يحول دون سيادة الملفوظات الدلالية داخل العرض، من أجل إيصاله للمتلقي. والفعل/ الأفعال يكون بمثابة الوحدة الكبرى في التراجيديا Tragedy، وهذا يتجلى أيضا باختصارها للحدث بوحدة زمكانية واحدة. 
والشخصيات ليست سوى علامات إعلامية لترسيخ الفعل/ الحدث، مع الإشارة إلى أنه ليست الشخصية هي المهمة، بل فعلها. ففعل ارتكاب أوديب للخطيئة: قتله لأبيه وتزوجه أمه وإنجابه منها، هذه الأفعال ضد الإرادة الإلهية، وهذا ما تريد أن تصل إليه المأساة، لأن ما قام به أوديب أفعال رذيلة، حتى لو كان خطأ غير مقصود، وإذا كان مقصودا كما في مسرحية بروميثوس مقيداً عندما سرق النار وأنزلها إلى الأرض. فهو أيضا تجاوز للإرادة الإلهية، ومن ثمّ يصبح الهدف جليا من الفعلين (فعل أوديب، وبروميثوس)، ما يساعد المتلقي ليستمد الحكمة والموعظة منهما. وما يهمنا في هذه الأفعال هو كيفية تجسيدها، حيث كثرة الشخصيات التي تقوم بالأفعال، وكل ذلك يتجسد عن طريق الأقنعة، لا شخصيات قائمة بذاتها (ممثلين)، بل الأقنعة هي التي تشير إليها، والممثل ليس سوى الحامل لعلامة الشخصية القناع Mask، إذ هو الثابت الوحيد في حين الأقنعة/ الشخصيات متغيرة. 
يشكل الفعل العلامة الكبرى في المسرح الإغريقي، لأن المأساة تحاكي الأفعال، والأفعال تكمن في الحوار المسرحي الذي استندت إليه الدراما الإغريقية بشقيها المأساة والملهاة، وهذا ما يؤكده أرسطو بقوله: إن "قوة المأساة تظل حتى من غير مشاهدين ومن غير ممثلين"(  نفسه ،ص 21). 
وفي ضوء ذلك يكون النص الدرامي القوة التي ترتكز عليها المأساة، وبهذا فليس من الضروري تجسيدها، بل بقراءتها أيضا، يتم إنجاز هدفها بتوعية الآخر، عبر تبنيه الابتعاد عن تلك الأفعال التي تقف ضد الإرادة الإلهية؛ ولعل هذا من أهم الأسباب التي دعت الدراما الإغريقية ألا تعطي أهمية للعناصر المسرحية الأخرى، حتى تظل العلامات اللغوية متحكمة في الخطاب المسرحي. وهذا ما يؤكده تركيب النص، فالحبكة Plot تتكون من حدث واحد وليست مجموعة أحداث. من أجل عدم التداخل بالأحداث والموضوعات، ومن ثمّ منع تقويض الهدف الجوهري، أي التطهير. وكل الشخصيات/ الأقنعة، تعمل من أجل تعميق الهدف المأساوي الواحد، ولا تحيد عنه، في وقت يجب أن يبقى الفعل مركز الحدث، متسلسلا، متحد الحلقات لا يتجزأ، حتى لا ينفرط عقد (كليته ووحدته) أو يتزعزع كما يقول أرسطو. ولابد من وقفة تنبيه هنا على أن استخدامنا مصطلحي الشخصيات/ الأقنعة بهكذا ثنائية أو ازدواج هو بقصد التنبيه على علاماتية الشخصية (الدور) من جهة تعبيرها عن الحدث وتجسيده وعلى الصلة التعبيرية للأقنعة من جهة كونها أداتنا في متابعة الشخصيات بوصفها دوالّ أو علامات بعينها. 
سيميولوجياً ، يمكننا تلمّس حقيقة أنّ المسرح الاغريقي قد شهد سيادة الملفوظات الدلالية على العناصر الأخرى في العرض المسرحي، على الرغم من أن نشأة التراجيديا كانت قد جاءت من الديثرامب Dithyrambe والرقص إلا أن الأناشيد [الملفوظات] بقيت مادته الأساس. وربما كان أمر سيادة الخطاب الديني في التراجيديا اليونانية هو ما حال دون إبراز العناصر الأخرى... 
 لهذا ارتكزت التراجيديا على ثلاث وحدات Three Unities أساسية هي: (الفعل، الزمان، المكان)، وقسمت الشخصيات إلى أخيار وأشرار. والمحاكاة فيها، هي محاكاة للأفعال وليس للأشخاص، وتتركز على ما تحدثه تلك الأفعال من آثار نفسية عند الجمهورPublic، ببلوغ فعل (التطهر/ التطهير) عن طريق الأفعال الدنيئة التي تقف ضد الإرادة الإلهية، وهذا ما يؤكده أرسطو: "كان المحاكون إنما يحاكون أفعالاً، أصحابها بالضرورة إما أخيار أو أشرار"(نفسه، ص7-8). 
وهذا هو جوهر التراجيديا، منذ ممثلها الأول ثيسبس Thespis الذي كان يمثل شخصيات تاريخية أو أسطورية محاورا الجوقة، لإيصال الخطاب اللغوي.. وعندما كان الممثل الواحد كانت الوسيلة الوحيدة لإيصال الخطاب اللغوي هي القناع، الذي يمنحنا فرص اللقاء بتعدد الشخصيات داخل النص، فهو المصدر الوحيد لتمييز الشخصيات، وليس الممثل، إذ ان الممثل مجرد حامل للشخصية/ القناع، بعبارة أخرى بوصفه جسدا للقناع. فإنّ ما وصلنا هي الأقنعة، بوصفها شخصيات، ولا نستدل على أية إشارة عند أرسطو تشير إلى الممثل، أو التمثيل، بل بمقابل ذلك نجد إشارات كثيرة إلى الأقنعة وتعددها، وإلى وظيفتها، إن كانت داخل المأساة أم الملهاة. 
لقد اندمجت شخصية الممثل مع شخصية الشاعر/ المؤلف، منذ عهد ثيسبس، كأول ممثل محترف، فلقد كان شاعراً إلى جانب كونه ممثلا، يؤدي ما ينظمه، فيما كان قبل ذلك الكورس هو من يجسد كل أحداث التراجيديا بمفرده. لقد جاء دخول ثيسبس ممثلا منفصلا عن الكورس، من أجل إراحة الكورس. كذلك ميز قائد الكورس من خلال القناع.. وبهذا [أي بدخول ثيسبس] يكون أول ظهور للممثل/ العلامة، وإن كان يتخفى خلف أقنعة ­ شخصيات متعددة، يفرضها الحدث... 
 أما مسألة اندماج شخصية الممثل/ الشاعر المؤلف، فلم تقترن بثيسبس لوحده، بل كانت الأرضية التي تأسست عليها الدراما الإغريقية. لأنها في الأصل جاءت بوصفها مسابقة للشعراء، لأنه "...على الشاعر، عند النظم، أن يكون، قدر الإمكان، ممثلا. فمن خلال التعاطف الطبيعي يكون الأكثر إمتاعاً وتأثيراً أولئك الذين هم تحت تأثير العاطفة الحقيقية" (كول توبي، شينوير، هيلين كريش، الممثلون والتمثيل تاريخ التمثيل، ص 34). ولهذا نجد تركيزا شديداً على عملية الإلقاء، وإظهار المشاعر لاستثارة الحس العاطفي للمتفرجين، ودور قائد الجوقة، ما هو إلا دور لتفعيل حالة الحوار، الحوار بين سائل ومجيب "ففي المسرح اليوناني حيث كان النص هو الأساس، والمهارة اللفظية هي المعيار في نجاح الممثل، كان الممثل يُسمى Hipoknites ­ الذي يُجيب"( إلياس، ماري، حسن، حنان قصاب، المعجم المسرجي: مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، ص 47(، لكسر الرتابة في عملية التقديم. 
 وهذا ما أنجزه لاحقا أسخيلوس Eschyle بإضافة الممثل الثاني، ليحول المسرحية إلى وضوح في إبراز الصراع بين الطرفين، وذلك " ليجعل مسرحياته أقل جموداً، لكي يجعل الحبكة المملة تتحرك أفقيا على مستوى الحدث ورأسياً على مستوى الإثارة، فالممثل الثاني يأتي بأخبار طازجة ­ كما فعل (داريوس) وكما فعل الجاسوس في مسرحية سبعة ضد طيبة Seven Against Thebes = Septem، أو يقدم أوجها مختلفة للموقف بالنسبة للبطل­ كما فعل (أوقيانوس) و(إيو) في مسرحية برومثيوس Prometheus (460 ق.م)( ديور، إدوين، فن التمثيل من الآفاق والأعماق، ص 40).  إنَّ حال التداخل في شخصية الممثل/ الشاعر المؤلف التي رافقت مسيرة كل من ثيسبس وأسخيلوس، ستشهد تحولا كبيرا مع سوفوكلس Sophcle، بفكه ذلك التداخل والاندماج، بعد أن فصل التمثيل عن التأليف، وكذلك بتقديمه الممثل الثالث. وهكذا يكون سوفوكلس "قد تنازل عن حق الشاعر في الظهور في عروضه وخرج من تعداد الممثلين وترك التشخيص للمحترفين الذين أصبحوا آنذاك أكثر عدداً وكفاءة"( نفسه،ص 48)، ويرجع ذلك إلى قدرة سوفوكلس ويوربيديس التمثيلية التي لا يمكن مقارنتها مع أسخيلوس الذي يتمتع بمواهب كثيرة فهو "المؤلف، البطل المسرحي، المخرج، غورغراف ومصمم المناظر وكل هذه الوظائف، إضافة إلى موهبته العالية هي التي أعطته قوة بالمقارنة مع سوفوكلس الذي كان ممثلاً ضعيفاً وكذلك يوربيديس"( B. hunning , De opkomst van modern theater, van traditie tot experiment, ,P 2)، وطبعا جاء ذلك الضعف لصالح الممثل والتمثيل لاحقا. وعلى الرغم من هذا التحول والتطور الكبير على مستوى التمثيل (تعدد الشخصيات داخل العرض)، ظل القناع/ الشخصية ملازما لوجه الممثل، فهو العلامة الأكثر حضوراً داخل المسرحية من جهة تميز شخصية من أخرى، ولم يذكر لنا تاريخ المسرح الإغريقي، عن ممثل قام بتجسيد شخصية واحدة طوال العرض المسرحي، بل إنه عادة ما كان يجسد من ثلاث الى أربع شخصيات في العرض المسرحي الواحد، عن طريق تعدد الأقنعة/ الشخصيات. 
 يتبع

----------------------------------------
جريدة المدى 

السبت، 25 فبراير 2017

مسرحية "انتيجوني " لسوفوكليس ومسألة التمرد على نظام الحكم المستبد

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption