أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث ودراسات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

قسم الفنون المسرحية يناقش اطروحة عن مقاربات ما بعد الحداثة بين الانزياح والتقويض في العرض المسرحي العراقي

مجلة الفنون المسرحية


قسم الفنون المسرحية يناقش اطروحة عن  مقاربات ما بعد الحداثة بين الانزياح والتقويض في العرض المسرحي العراقي

كلية الفنون الجميلة بغداد : 

ناقش قسم الفنون المسرحية لكلية الفنون الجميلة/  بغداد أطروحة عن  مقاربات ما بعد الحداثة بين الانزياح والتقويض في العرض المسرحي العراقي للباحثة  نبأ جبار مناحي الربيعي
تبدء الباحثة من اهم المقاربات المفاهيمية لما بعد الحداثة  إنشاء البعد الفلسفي للعرض المسرحي عبر صياغة انساق جديدة تمثل ابعاداً قيمية من ناحية التطابق والتقارب الذهني ما بين الخشبة والجمهور وجاء ذلك بعد الاغراق في ازاحة وتقويض الابعاد السائدة في بنية الخطاب التقليدي ما اسهم في فتح نافذة للحوار من بوابة تجديد فضاء العرض المسرحي بما يقترب مع التحديث في بنية المنظور الفلسفي للمسرح، فقد ذهبت غالبية التيارات المسرحية الحديثة الى انتاج مساحات تجريبية تعمد على انتاج النقيض عبر تصدير البيئة الاجتماعية لكونها ظاهرة اجتماعية تناقش على خشبة المسرح،
وعلى ذلك  جاء هدف البحث في التعرف على المقاربات الجمالية من خلال الانزياح والتقويض في عروض ما بعد الحداثة
 وتضمن الاطار النظري ثلاثة مباحث المبحث الأولالتمثلات الفلسفية والجمالية لمفهوم ما بعد الحداثة، المبحث الثاني: المقاربات الجمالية للانزياح والتقويض لمسرح ما بعد الحداثة ، المبحث الثالث : جماليات الخطاب التجريبي في تركيب الرؤية الاخراجية لمسرح ما بعد الحداثة.
ثم وضع الباحثة أهم المؤشرات التي خرجت فيها من الإطار النظري، وتم تطبيقها وفحص صلاحيتها على العروض المسرحية العراقية المقدمة من قبل اهم المخرجين العراقيين وعلى خشبة المسارح العراقية المتنوعة. وقد ثبتت الباحثة في الفصل الرابع النتائج، الاستنتاجات، المقترحات، التوصيات

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

المسرح السياسي في تونس مسرحية خمسون لجليلة بكار نموذجا / بوجمعة الدنداني

مجلة الفنون المسرحية



المسرح السياسي في تونس مسرحية " خمسون " لجليلة بكار نموذجا  / بوجمعة الدنداني


موقف

..إن الكاتب هو "في موقف" في عصره، إذ أن لكل كلمة صداها،ولكل صمت أيضا.إنني اعتبر"فلوبير"و"الأخوين جونكور"مسؤولين عن القمع الذي تلا حكومة الكوميونة لأنهما لم يكتبا حرفا واحدا لمنعه .

                                                  جون بول سارتر

مدخل عام

حول مفهوم المسرح السياسي العربي 

 

هل يمكن أن نحدد مفهوما للمسرح السياسي العربي؟

ظلت المفاهيم النقدية  المتعلقة بالإبداع غائمة في اغلب الحالات وذلك يعود أساسا لعاملين هما أن المبدع لا يقبل أن يوضع في قالب معين ونذكر مثلا قولة الشاعر أبو العتاهية ( أنا اكبر من العروض) أما العامل الثاني فمرتبط بالأول وهو أن الإبداع ليس علما صحيحا حتى تحدد له أسس وحدود وضوابط بل هو في اكبر معانيه الحرية، حرية الكاتب بل لعل أجمل النصوص التي كتبت تلك التي خرجت على كل النواميس دون أن يعني ذلك غياب التناسق والضوابط الداخلية لكل نص بتعبير أخر كل نص يصنع قوانينه الداخلية.

سنحاول في هذه المحاولة المتواضعة أن نحدد مفهوما للمسرح السياسي العربي رغم ندرة الدراسات في هذا الباب ، فالنقاد الدين درسوا ظاهرة المسرح وخا صة في تونس ركزوا على أبعاد طبقية آو جمالية أو اجتماعية أو تحولات اجتماعية وغيرها لكن المسرح السياسي في تونس قد تم تجاهله والتغاضي عنه  .

أجمل الأستاذ عبد الرحمان حمادي خصائص المسرح السياسي الغربي  (1) في هذه العناصر.

·         لم يأت كردة فعل على حدث سياسي عابر

·         نشأ ليستمر حتى وان انتهت الظاهرة السياسية السلبية

·         شكله شكل متقشف بعيدا عن البذخ

·         لا يطرح نفسه بديلا للمسرح التقليدي أو البورجوازي

ونضيف إليها

·         اعتماد التوثيق والحقائق وهو ما ذهب إليه مثلا اروين بيسكاتور في كتابه تسييس المسرح الصادر بألمانيا سنة1992

·         أدب مقاوم مثل المسرح الزنجي في أمريكا

ويعرفه الأستاذ مهند علي بأنه المسرح الراديكالي الذي يسعى لدعم التغيير الجوهري للايدولوجيا المسيطرة (2) وبهذا المعنى يكون المسرح وسيلة من وسائل الصراع وبالتالي يحارب بقية الأشكال المسرحية الأخرى لأنها ربما تعتبر مدجنة للمواطن آو بورجوازية ..الخ.

  كتب اسعد اردش :

ألم يكن المسرح سياسيا منذ نشأته ؟هل يخلو مسرح سوفوكل وموليير وشكسبير وشو وتولستوي من السياسة ؟ ويضيف نحن نقول بكل الاطمئنان إن كل المسرح الخالد ينطوي على الدعوة إلى الحقوق المقدسة للإنسان . ولكن رواد المسرح السياسي يقولون لا يكفي أن تتضمن الكلمة هذه الدعوة وإنما يجب  أن تفرض وان تستفز وان تتحول من مجرد الدعوة إلى التوعية والتثقيف والتوضيح والتحريض(3)

وغير بعيد عن هذا الفهم يقدم لطفي زغلول مفهومه للمسرح السياسي فيقول بأنه المسرح الذي يوظف القضايا والمشكلات السياسية الداخلية منها والخارجية إضافة إلى ماذكر بمجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية سواء المعلنة أو التي تدور في كواليس السياسة أو تلك التي تدركها الجماهير بفهمها الخاص ويتناولها هذا الفن بالنقد اللاذع والعبارات الساخرة، وينبه الأستاذ لطفي زغلول إلى الاحتياط من هذا المسرح لأنه قد ينزلق في التهريج ويقترب من التقليد السطحي والخوف كذلك من أن يجير لحساب السلطة بعدما كان من واجبه نقدها.. الخ(4)

عن سؤال  توجه به الصحفي حكمت الحاج للكاتبة جليلة بكار هل نحن نتحدث في نصوصك  عن السياسة ؟ أكدت على معنى الالتزام وذهبت إلى انه وعي سياسي أيضا وفضلت أن تسميه  مسؤولية المواطنة وكأنها بذلك أرادت أن تقول أن السياسة ليست بمعزل عن بقية الحقول الأخرى فكلها مندغمة في بعضها البعض ولكن أمام إلحاح المحاور: هو مسرح سياسي إذن ؟ أجابت بوضوح نعم .(5)

لقد رسمت حدود المسرح السياسي لنصها وهو الالتزام، الالتزام بالمواطن والوطن وان صراع الأجيال مثلا هو مسرح سياسي.

ألا يعطي هذا التفسير مفهوما فضفاضا للمسرح السياسي.

       فالمسرح السياسي العربي كما نلاحظ يكاد يكون على  نقيض المسرح الغربي  فهو عندنا يطمح إلى ضرب بقية الأشكال المسرحية واعتبارها مسرحا تهريجيا أو مواليا للسلطة  والبحث عن مسرح بديل لما هو سائد  كما أن، وهو الأهم ، النصوص المسرحية مرتبطة غالبا بظروف سياسية وليست ذات بعد استشرافي  مع استثناءات قليلة .

    إلى ماذا يمكن أن نخلص ؟

لا شك أن المعنى لا يبتعد كثيرا عن مفهوم النقد ، النقد للحياة السياسية ،لمكونات المجتمع السياسي ، لأسس النظام السياسي نفسه . فالنقد لا يترك مجالا لا "يفضح" فيه آو به السلطة السياسية آو الحياة العامة إلا ويستعملها وفضح أساليب القمع والتعذيب  ومنع الحق في التعبير وكذلك مقاومة الاستعمار

باختصار انه نقد مسالة الحكم. بعيدا عن استدرار عطف الجمهور او الميلودراما او التهريج والإسفاف آو دغدغة العواطف

هل يمكن القول أن المسرح التونسي مسرح سياسي ؟

 

اتفق النقاد والباحثون (6) على أن أول نص مسرحي تونسي كتبه محمد الجعايبي بعنوان (السلطان بين جدران يلدز) سنة 1909 (7) وبعده محمد الحبيب بنص (الواثق بالله الحفصي).. الخ.

         ومسرحية (السلطان بين جدران يلدز) تحكى في أربعة فصول عن فترة حكم السلطان عبد الحميد ا لثاني والحيرة التي تملكته بسبب ما أحاط بملكه من الدسائس ومؤامرات سواء من الداخل أومن الخارج والغربة التي أصبح يعيشها ولم يبق أمامه من منفذ إلا الصمود حماية لعرشه ولو لزم عليه استعمال القوة والعنف واستعمال الجواسيس والدسائس وتصفية الخصوم.

         وأبرز محمد الجعايبي فساد الحكم ورغم إمضائه لقرار إعلان الدستور إلا أن المظاهرات لم تنقطع بين مؤيد للدستور ومعاداته إلى أن تمت محاصرة وإسقاط السلطان.

         لقد سعى محمد الجعايبي إلى تصوير حاكم مستبد معزول ساهم مساهمة كبيرة في خلق الدسائس والمؤامرات وإطماع الدول الغربية في بلاده وكيفية التعامل مع المعارضين بالإغراءات  المالية أو بالتصفية. (8)

 

         يتضح لنا مما تقدم أن أول نص مسرحي يكتبه تونسي يتعرض فيه لمسألة الحكم.الحكم في الآستانة وتونس تحت الاحتلال التركي والفرنسي 

والنص الثاني الواثق بالله الحفصي لمحمد الحبيب تدور أحداثه حول قضية الحكم الشرعي الذي يجب أن يكون معتمدا سواء على الشرائع الإسلامية أو على العرف أو العادة، أما الحكم المزيف فهو غير شرعي وغير شريف وظالم وسافك للدماء وهاتك للحرمات...إلخ

         والنص الثالث في هذا التسلسل مسرحية احمد خير الدين (بدر الدجى  ) وهي مسرحية تتحدث عن فترة الدولة الفاطمية عندما تعلقت همة المعز لدين الله الفاطمي بفتح مصر وجعلها مقرا للخلافة الفاطمية بعد فشل كل من حاول قبله ذلك....الخ

         ولو نظرنا نظرة بانو رامية للمسرح التونسي الحديث لوجدنا إن كتابا عديدين اهتموا بمسألة الحكم ونذكر خاصة الكاتب عز الدين المدني سواء في رباعيته ثورة صاحب الحمار وديوان الزنج ورحلة الحلاج ومولاي السلطان الحفصي، وهي مسرحيات تعرضت لمسألة الثورة في المجتمعات وكيفية انهزامها وفشلها ولكنها في المسرحية الأخيرة تنجح لأن الشعب أخذ الأمر بيده ولم يعوّل على الحكام ولا الثوار. كما أن مسرحية (تعازي فاطمة) من أخطر المسرحيات التي في اعتقادي لم يلتفت إليها النقاد وهي مسرحية تفضح  الدسائس والدجالين من أجل الاستيلاء على السلطة وتقويض أركان الحكم باسم الدين والدين براء من كل ذلك..وكيف قام دجال شيعي باسم المهدي المنتظر ودس جواسيسه في بلاد المغرب العربي لإقامة الدولة الفاطمية .الخ

         أما مسرحيات جليلة بكار – موضوع دراستنا - وهي على التوالي (البحث عن عائدة) و(جنون) و(خمسون) التي سنتعرض إليها بالتفصيل لاحقا، فكلها مسرحيات تفضح أدوات الحكم.

ففي مسرحية (البحث عن عائدة)تروي الكاتبة جزء من نضالها ونضال احد أقاربها الذي تطوع للنضال في فلسطين وكيف تطوع ثم أعيد قبل أن يجتاز حدود إحدى الدول العربية وبهذا الموقف تضع الشعب المناضل في صف والأنظمة العربية في صف أخر ثم تروي قصة الفتاة عائدة الفلسطينية التي هجرت من بلادها سنة48 لتستقر بأحد المخيمات في لبنان

وتظل الكاتبة تبحث عن عائدة الضائعة والمطاردة من بلد لبلد. البحث عن القضية الفلسطينية

التي ضاعت وتعمدت الأنظمة العربية والأجنبية طمسها .

 وهكذا التهجير والتشريد وإقليمية الأنظمة العربية قادت إلى هزيمة67.

أما مسرحية (جنون)فرغم أنها مقتبسة عن دراسة حالة نفسية إلا أن الكاتبة استغلت الدراسة جيدا ووظفت شخصية( نون) توظيفا يتجاوز الشخصية ليشرح عائلة( نون )ومن ورائه المجتمع المصاب بالفصام : الأب سكير ومستبد ويؤدي فرائضه الدينية وأم مسحوقة وإخوة عاطلون عن العمل وأخوات مومسات  واستغلال وفقر وبطالة وعجز . انه مجتمع ضعيف ومفرغ من كل عناصر القوة فكيف يمكن له أن يواجه الأزمات الداخلية والخارجية .

مريض مصاب بالفصام لايكاد يدرك شيئا ولا يعي شيئا وبالتالي مسلوب الإرادة .معوق.

طبيعي جدا أن تقود هذه الوضعية الاجتماعية إلى الجنون . أن يغيب الإدراك والوعي ويتحول المرء إلى مجرد آلة عاجزة ومحاطة بكل أسباب السقوط..

النص تغلب عليه الصبغة الاجتماعية ولكن في مفهوم جليلة بكار هذا نص سياسي لأنه يبحث عن جذور هذا الجنون فيجده في آليات اجتماعية وسياسية قادت نون إلى هذا الوضع الاجتماعي المتأزم والمجتمعي المشلول.

كأن هناك من يرغب في أن يكون المجتمع على هذه الحالة المزرية المهينة والمهانة .

مما تقدم يمكن أن نحدد بعض العناصر التي يقوم عليها المسرح السياسي العربي عموما والتونسي خصوصا

·         مسرح تغلب عليه النزعة النخبوية ولهذا مازال بعض الكتاب يعتقدون بان المسرح والإبداع عموما نخبوي وان سعى سعد الله ونوس في مقدمة مسرحيته( راس المملوك جابر) إلى تقديم شكل فني يمسح ما هو موجود بين صالة العرض والمسرحية لخلق مسرح قريب من الجمهور وهو ما سعى إليه أيضا عزا لدين المدني من خلال إشراك الجمهور في مسرحياته وترك الحوار مفتوحا معه.ولعل هذا يعود إلى أن هذا الفن الجميل يعتبر فن مستورد وبالتالي مازالت الذائقة لم تستسغه .

·         مسرح اديولوجي بديل

·         تكون تحت وصاية المؤسسات العمومية مثلا مسرحية( واقدساه) للمنصف السويسي

·         مرتبط بظروف سياسية معينة ، اغلب المسرحيات العربية جاءت كردة فعل على واقع عربي مهزوم وخاصة اثر هزيمة 67

·         يعتمد على التاريخ ، ابرز التجارب اعتمدت على التاريخ ونذكر خصوصا تجارب سعد الله ونوس وعزا لدين المدني

·         يعتمد على التوثيق والتأريخ

·         مسرح بدأ يقتحم مناطق محرمة مثل اختيارات السلطة الحاكمة

المـراجع

(1)المسرح السياسي في الغرب ونظيره في الوطن العربي

Alfawanis.com/masrah

(2) المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية مهند علي

Airssforum.com

         (3) راجع المخرج في المسرح المعاصر-سعد اردش-سلسلة عالم المعرفة    لسنة1979

            (4) اتحاد كتاب الانترنت العرب المسرح السياسي العربي /لطفي زغلول

           (5) حوار بجريدة القدس  لجليلة بكار Facebook.com

(6) راجع نص المسرحية في كتاب رواد التأليف المسرحي في تونس-الشركة التونسية للتوزيع للكاتبين عزا لدين المدني ومحمد السقا نجي وكذلك تعليق محمد المديوني على المسرحية بمجلة الحياة الثقافية الخاص بالمسرح لشهر جوان 2009   

(7) هناك اختلاف بين المرجعين المذكورين في الملحوظة رقم (6) حول تاريخ كتابة مسرحية محمد الجعايبي ففي حين يعتبرها عزالدين المدني ومحمد السقا نجي سنة 1909 يعتبرها محمد المديوني سنة 1911   

 (8)الحياة الثقافية/عدد خاص بالمسرح/ محمد المديوني ص 57 جوان 2009

خـمسون

مسرحية سياسية بامتياز

 

لماذا اعتبرنا هذه المسرحية مسرحية سياسية بامتياز؟ سنحاول أن نجيب على هذا السؤال بعد أن نستعرض أهم الشخصيات والأحداث

نص المسرحية :

 

لو أعدنا ترتيب مشاهد المسرحية  حسب التسلسل الزمني لقلنا إن البداية كانت مع انتماء يوسف للعمل النقابي والجمعياتي ثم الحزب الماركسي ودخوله السجن، يوسف متزوج من مريم ولهما ابنة تدعى أمل.

مريم رأت السجن عندما ذهبت لرؤية والدها المورط مع الحركة اليوسفية وعمرها اثني عشر سنة ثم انتحر من جراء التعذيب. ثم عادت للسجن لرؤية زوجها المورط مع العامل التونسي ثم لزيارة أخيها سنة 78 المتورط مع النقابيين وإليه رجعت لزيارة ابنتها. ابنتها التي أطردت من الجامعات التونسية بسبب مشاركتها في المظاهرات المنددة بزيارة شارون لتونس فالتحقت بالجامعات الفرنسية وهناك تحصلت على الأستاذية في اللغة الفرنسية وتعرفت إلى خديجة وجاك دومينيك، ناشطين في جمعيات ثم تعرفت إلى الطبيب فرنسوا، سيف الدين كان تروتسكيا ثم اعتنق الإسلام، وتعلقت به أمل وأصبحت خطيبته.

عندما أنهت دراستها عادت إلى تونس وقد ارتدت الخمار. تصل معلومة من المخابرات التونسية, أن فرنسوا اختفى فقام الأمن التونسي بإيقاف أمل في المطار واستجوابها. ثم أطلق سراحها وعادت إلى منزلها ولكن والدها أطردها من المنزل بسبب ارتدائها للخمار فخرجت تبحث عن مأوى إلى أن عثرت على جودة وحنان، فتاتان واحدة مطلقة وأستاذة فيزياء وعلى علاقة بتلميذها أحمد ألمي والأخرى خطيبة جميل.

جودة سرقت معلومات من أحمد الذي كان يعد لعملية انتحارية وقد استلف مخزن جميل وقام بتصوير شريط وهو يعد للعملية الانتحارية لكن جودة كشفت الخطة. وأخذت المتفجرات التي تم إعدادها في بيتها وذهبت لمعهدها وفي الساحة فجرت نفسها وذلك في نفس الفترة التي انعقدت فيها بتونس الندوة العالمية للمعلومات.

يقوم الأمن بإيقاف الفتاتين أمل وحنان والشابين أحمد وجميل ويدخل طور التعذيب. تتذكر مريم تعذيب زوجها الماركسي وما وصل إليه من تحطيم. وترى صدفة  البوليس قدور الذي عذب زوجها وطاردته لتعرف منه الحقيقة والحقيقة ليست أكثر من أنه ما قام به إنما هي تعليمات وأوامر وليست اجتهادات فردية وبالتالي الإدانة تتجه مباشرة للسلطة وليس لعون الأمن المنفذ.

وتتم إدانة أحمد واعترافه واضح، ويقر بصنع المتفجرات.

 أمل متصوفة أكثر منها مؤمنة بالأفكار المتطرفة. وفي نفس الوقت الذي تحن فيه أمل لأبيها وتعترف بحبها له وبحسن تربيتها يموت الأب يوسف يوم 20 مارس 2006، يوم الاحتفال بخمسين سنة على الاستقلال.

المسرحية تفتح بانتحار أستاذة شابة، أستاذة فيزياء، وتنغلق بموت يوسف بعد صراع طويل مع المرض.
..................................

راجع نص المسرحية /عن دار الجنوب –تونس2007

 

شخصيات المسرحية وأحداثها

1-             شخصية يوسف :

يوسف انتمى للعامل التونسي فحوكم وحكم عليه باثني عشر سنة سجنا. لا نعرف عنه أشياء كثيرة سوى هذا الانتماء السياسي الذي انجر عليه تهشيم في ركبته ومرض السرطان في الحنجرة، انجر عنه عدم القدرة على الكلام فظل صامتا طوال المسرحية ولا يظهر إلا محطما ، ضعيفا مسلوبا. يدخله رفاقه ثم يغادرون ويتركونه وحيدا ولا يجد إلا زوجته مريم تتحمل مرضه وعجزه وتنطعه .

 أزمة يوسف الجديدة تتمثل في تحجب ابنته وهو آخر ما كان يتوقعه. تعود من فرنسا، بلد العلمانية بحجاب. فرفض قبولها وأطردها من منزله واختلى بنفسه وأغلق الباب عليه.

ظل يوسف يعاني مرضه( الركبة المهرشمة والأربعة عمليات والوجايع اللي لتوه تتحير وتبيته فايق يغوث) ص135 ومرض السرطان في الحنجرة

 ودخل المستشفى لينتهي إلى الموت يوم 20 مارس 2006 يوم الاحتفال بعيد الاستقلال الخمسين. ص 135.

الكاتبة قمعت دور يوسف ووجوده.وإذا كانت شخصية الأب في المسرحيات البحث عن عائدة او جنون غائب تماما (1) فان وجود الأب في خمسون وظهوره لم يكن إلا انتقاما منه. انه خرقة باتم معنى الكلمة .حضور سلبي عاجز تصرف اخرق ردة فعل تجاه ابنته مثلا لاتنم عن وعي وإدراك لما يحدث ، تجمد فكره و أصبح عاجزا مثلما كان عاجزا محكوما بالسجن عاجزا عن الكلام، محروما واليوم لم يستطع أن يستعيد ابنته. رفض كليا قبول تحولها إلى التيارات الدينية مهما كان نوعها.ورفض أن يفهم وكأن العالم توقف عند الجدلية المادية.

فقد يوسف ابنته أمل ففقد الأمل .حاولت لمياء أن تعوضه هذا الفقدان( احسبني بنتك/ سي يوسف /انت البو اللي كنت نحلم بيه/ من حيت كنت صغيرة) ص148وان تذكره بأيام النضال عندما كان صوته يملا القاعة ويكهرب الجو وأنها اليوم جاءت لتعبر له عن تقديرها له وان الفكر الذي دافع عنه لم يمت ومازال يدفع بعجلة التطور والتقدم وأنها ضد الاستسلام والتخاذل والنسيان ص149.

لكن مريم ترفض ذلك لأنها مازالت مؤمنة بان ابنتها أمل سترجع عن الطريق الذي سارت فيه:  أمل بنته

 وبنته الوحيدة ص150

.......................................

(1)          راجع مجلة الحياة الثقافية عدد جوان 2009 احمد الحاذق العرف ص57

ويموت يوسف. وإذا كان موت جودة كان مدويا، فإن موت يوسف كان هادئا وفي صمت وببرودة تامة.

2-             شخصية مريم :

أ‌-                 مريم ويوسف

أول مرة يرد فيها ذكر مريم يرد في موقف ابنتها أمل (أم ملحدة) ص 46 مريم زوجة يوسف بالناصر، المناضل الماركسي وأم أمل المتهمة بالانتماء لتيار ديني متطرف.

أم موزعة بين تيارين متطرفين ترفض مريم أن تكون رهينة لتيارين متطرفين

je refuse d ‘être l’otage de deux inlegismes)   ص 96).

لكنها تتعامل مع هذه الوضعية بمسؤولية الزوجة ومسؤولية الأم، مريم وجدت نفسها في وضعية عائلية معقدة : الأب يوسفي حوكم وتم سجنه إلى أن مات تأثرا بالتعذيب وبالانهيار النفسي الذي عاشه ومنعت هي من حقها في الحصول على جائزة بسبب هذه التهمة وهي لم تبلغ الثانية عشر من عمرها.. ثم في سنة 72 حوكم زوجها يوسف بتهمة الانتماء للعامل التونسي وحكم عليه باثنتي عشر سنة سجنا وظلت تنتقل بين سجني برج الرومي و9 أفريل، ثم في سنة 78 تورط أخوها مع النقابيين والآن تتورط ابنتها سنة 2004 في تهمة الانتماء لتيار ديني متطرف هذا دون اعتبار إيقافاتها هي التي تواضعت ولم تذكرها.

علاقة مريم بيوسف علاقة استثنائية. رجل شبه ميت عاجز تماما ولكنه ظل مؤمنا بأفكاره و قناعاته تحولت إلى أوامر (إذا أمل تلبس الخمار نقطعها) هذا ما قاله يوسف عن ابنته عندما بلغه أنها ارتدت الخمار. عبرت لصديقتها المحامية عن رفضها لهذا التطرف ولكنها تحاشت مواجهته. مريم لم تنس ما أصاب يوسف رغم مرور السنوات، سنوات عديدة ودخلت في متاهة المرض والمستشفيات ورغم كل هذه الظروف القاسية لم تنس أن تهديه يوميا وردة ص133 إلى درجة أن جرت سخرية البوليس على هذا السلوك الحضاري . وحاولت الانتقام لزوجها من البوليس قدور الذي هشم ركبته بمسطرة حديدية. ظلت تراقبه وتبعته من البار إلى الشارع إلى منزله وحاصرته بالأسئلة ، لقد مارست عليه القمع الذي تدينه وحققت معه لمعرفة الحقيقة.

البوليس قدور أحيل على التقاعد، كان يصلي، توقف وعاد للشرب، كبر يجر رجله اليسرى. فكرت في إحدى المرات بقتله بسيارتها ولكنها تراجعت حتى لا تتحول إلى مجرمة (ص 121). قدور فقد كل شيء مهنته،  أسنانه، يتبول في الشارع، لا يتحكم في خطواته. لكنها مارست عليه ضغطا قويا، تبعته في كل مكان، لماذا هذا التعذيب لماذا حرمها هي وزوجها وابنتها من حياة كريمة هانئة وزيارة الأقارب (ص135) وتذكره بالركبة التي هشمها وبالعمليات التي أجراها والآلام التي يشعر بها والجسد الذي تشوه وبزند يوسف الذي غرس فيه قدور أسنانه وظلت إلى الآن الآلام والآثار على الزند.

مطاردة البوليس قدور أدخلت مريم في دائرة الشبهات. رآها أحمد، تلميذ جودة التي فجرت نفسها، تدخل إلى بار وتخرج مع قدور البوليس. يهاتف جميل ويعلم جودة وحنان بأن أم أمل (امرأة فاسدة وكافرة)ص140 ولكن مريم تواصل التحقيق اليومي مع قدور وتصل معه إلى أنه يتلقى أوامر فيطبقها، قد يجتهد ويبالغ ولكن هو لا يكره الذين عذبهم ولا يعرفهم وليس بحاقد عليهم  هو يحب زوجته شاذلية وأبناءه.ص192 انه بشر. فالإدانة متجهة لمن يأمرونه والجهة التي تأمره بالتعذيب. (ص153)

ب – مريم وأمل :

أمومة فائضة "الحمد لله موش بنتي الحمد لله موش بنتي" (ص65) لفظت بها عندما بلغها خبر تفجير الأستاذة جودة نفسها في إحدى المعاهد، كانت تشك، قد تكون ابنتها ولكن سي خميس الموظف بوزارة التربية أكد لها أن المعنية ليست ابنتها، ففرحت ولم تخف فرحتها ورددتها مائة ومائتان خمسون ألف مرة بها في سرها. إنها الأمومة التي تظهر وتبرز رغما عن كل الإيديولوجيات والانتماءات رغم موقف ابنتها منها (أم ملحدة) وتقصد طبعا شتمها. تواصل الأم "ما نحبش اللي صار لجودة يصير لأمل. نحب بنتي تحي تكبر تعشق تحبل تعيش (ص64)" .

وتدافع بضراوة عنها وهي الموقوفة بتهمة خطيرة ضد البوليس ليث، كل التهم عند مريم (هدرة فارغة ص 64) Foutaises. وأمام ضغط البوليس تقول "أعطيني حجة تدل اللي بنتي متورطة". وتضيف "أمل متصوفة وتكره العنف " وأمام إلحاح ليث تقول (هذا كله من شارون)  وتلك هي القنبلة التي تفجرت في وجه الجميع.

عندما تراها بعد الإفراج عنها تنظر إليها غير راضية على الخمار تبدأ المواجهة فتقول "كاينك بباصة" إشارة إلى تشابه ما يسمى بالزي " الإسلامي" بلباس الأخوات المسيحيات. ولكن بسرعة تسأل "ضربوك ؟ ضعفت تحب تاكل حاجة" (ص 92-93) حضرت لك بيتك" فتضعف أمل أمام هذه العواطف فترتمي في حضن أمها. ولكن الصدمة مع الأب الذي يرفض قبولها ومع ذلك تظل الأم محافظة على عواطفها الجياشة تجاه ابنتها التي ترفض البقاء وتصر على المغادرة ولكن مريم في لحظة فيضان الأمومة تصرخ باتجاه غرفة يوسف (طبعا لم يسمعها) "ما عندوش الحق يعمل هكة" وتقول جملتها الخطيرة جدا باللغة الفرنسية (أرفض أن أكون رهينة حركتين متطرفتين) ص96).

الأم غير قابلة لتحول ابنتها ولكن مستعدة للنقاش وهو أمر يرفضه يوسف .

من خلال هذا الموقف يبرز أن مريم ليست رهينة فعلا لزوجها ولا لابنتها بل هي مدركة للوضعية وتحاول أن تصلح ما يمكن إصلاحه دون أن تتنازل عن قناعتها الإيديولوجية التي قد  تقودها إلى فقدان ابنتها.لكن الأمر يستحق المحاولة. ربما أيضا مستعدة للتعايش بين الإيديولوجيتين رغم رفضها لموقف ابنتها غير المفهوم .

تعايش يحافظ على توازن الأسرة.

مريم دينامو العائلة. حريصة على مسك العصا من الوسط إن لزم الأمر. خروج أمل مطرودة لم يفقد مريم الأمل في العثور عليها وظلت تبحث عنها إلى أن عثرت عليها في جامع أثناء الصلاة. فتدخل وتضع الخمار على رأسها وتنتظر ابنتها إلى أن تنتهي من الصلاة ويتفرق المصلون. وتبدأ المواجهة التي تبدأ بصيغة استعطاف ( بوك دخل للسبيطار) ص 103. أمل تتجاهل وتطرد أمها (استناني لبرة) ربما لأنها ملحدة لا يحق لها الدخول إلى الجامع، تصر الأم على أن الأب مريض ولا بد من عيادته فتصر البنت على أنه أطردها، الرجل الذي رباها على الحرية واحترام حق الاختلاف "يطردني" وكأن الأم تتحمل مسؤولية ذلك فتقوم وتبتعد عنها وتلاحقها الأم "لكنه خائف عليك، لقد علمك الجدلية المادية والتساوي بين الجنسين فتتركين ذلك وتلتحقين بمن يريدون منك العودة إلى الوراء وتحلمين بمجد الأولين وتربطين تاريخ تونس فقط بالفتح الإسلامي، علّمك اللغة العربية وتاريخ الأديان علّمك كيف تكونين حرة فإذا بك تحجبين شعرك وتغطين زندك وكأنك (عورت عينك ونقبت وذنك وخيطت فمك وحرقت يدك) ص 106 ولكن الالتقاء لا يتم فأمل ترفض أن تكون مجرد مطية لأي فكر كان.

3-شخصية أمل :

درست بفرنسا وتخرجت أستاذة فرنسية. وتعرفت هناك على خديجة، طالبة مسلمة  جزائرية الأصل قادتها إلى حلقات نقاش وجمعيات عمل تطوعي لإعانة المساكين والمهمشين والغير مندمجين إلى أن وصلت أمل إلى درجة من الانهيار فعرفتها على صديقها الطبيب فرنسوا شهر سيف الدين تروتسكي قديم وأصبح مسلما وأحبته. أمل في البداية كانت ترفض الانتماء إلى التيارات الدينية (ص73) ولكن تحت إلحاح خديجة دخلت ولم تخرج. وقررت أمل أن تعلم والدها بتحولها الفكري. وتتفاجأ الأم ويوسف، يوسف أغلق على نفسه في بيته والأم لم تستسلم وظلت تحاول إقناع ابنتها بالطريق الخطأ الذي تسير فيه ولكن أمل تضع كل الذي تعلمته من لائكيه و مادية جدلية وتساوي الجنسين في كف وأن النضال في سبيل الله هو الدائم.

أمل وجدت نفسها بين خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، متناقضين كل التناقض.خط بنى رؤيته الفكرية على فكر مجرد كأنه مسقط إسقاطا على الطبيعة البشرية. لم يراع الذات ولا النفس البشرية ولا الطبيعة ولا التاريخ ولا التراث ولا الدين والفكر والوطن.حاول أن يرتفع فوق ذلك كله ليؤسس لنظرية أسماها بالمادية الجدلية.العالم كله مادة و مادة فقط. وخط نقيض ذلك كله اعتبر أن الدين الذي ناقضه الخط المادي واعتبره أفيون الشعوب، هو أساس الحياة وأن الله هو المشرع وحياة الناس ليست أكثر من غيب وأن النص الديني بتأويلاتهم الخاصة هو المرجع وبالتالي الإنسان : رجل وامرأة  والمرأة في مرتبة أقل بكثير من الرجل ،حسب النص الديني والتأويل الإخواني وكل التيارات الدينية مهما كان مصدرها ..

لماذا "انحرفت" أمل :

وجدت أمل نفسها في عائلة ماركسية لا تؤمن بالدين بل تعاديه ولا تعتبر الإنسان إلا مادة بلا روح. حلقات متواصلة غير منقسمة. الماركسية تعتبر الإنسان ابن لحظته مفصوم عن تاريخه ومفصول عن السماء . التيارات الدينية تعتبر نفسها ابنة السماء ومفصولة عن الأرض والحياة والدين.

خطان لايلتقيان أبدا.

في هذا التضارب والتناقض وجدت أمل نفسها مجبرة أن "تسقط" في الشق الثاني لأن الشق الثاني غيبي بلا حجة سوى حجة الدين والله والآخرة والترهيب في حين أن التيار الأول يمتاز بعقلانية والعقلانية دائما ضعيفة أمام الغيب والشعوذة والسحر.لان الإنسان بطبعه ضعيف ويبحث عن الإجابة التي تريح أكثر من الإجابة المجهدة . ظلت أمل تقاوم في البداية ولكن في النهاية أسلمت أمرها لصديقتها خديجة وخطيبها سيف الدين. الدين يملؤها روحانيا ويريحها من البحث عن أسئلة جوهرية ووجودية كثيرة لتلقي أتعابها وإرهاقها وعجزها على قوة غيبية هي المنظمة للكون وهي التي لديها الإجابة. ولكن هل أن أمل استسلمت فعلا للتيار أم هي ردة فعل استوجبتها ظروف سياسية؟

هنا إدانة ضمنية ومباشرة أيضا للفكر الذي يبحث عن جذوره بعيدا عن أصوله وفكره. وتتجلى هذه العدوانية الماركسية في معاداة كل ما هو عربي (إمالا نخليك تحلم بالجواد العربي الأصيل ص 107).

وعندما تذهب أمل إلى فرنسا تتعلم اللغة الفرنسية وعندما تعود ويقبض عليها تتكلم باللغة الفرنسية في بلد لغته العربية. إنه الانبتات الفكري فذهاب أمل للدين هو رفض للفكر الذي تربت فيه ولم تجد فيه ذاتها بل وجدت كل شيء مسخا في هذا الانتماء للعالم وللكون والإنسانية وليس هناك انتماء خارج الانتماء للذات أولا وأخيرا.

 ألم يقل بعض الكتاب والمفكرين إن انتماءهم للإنسانية كان من انتمائهم لخصوصيتهم .

النقطة الثانية التي أدت بأمل إلى هذا" الانحراف" تتمثل في قول مريم الأم :"هذا كله من شارون" طبعا شارون ليس فقط الذي دنس المسجد الأقصى الشريف سنة 2000 بل الاستعمار بكل أصنافه احتلال فلسطين واحتلال العراق وأفغانستان واحتجاجات الطلبة والمسيرات والإضرابات وتدخل الأنظمة بالقمع والمنع والامبريالية والصهيونية والأنظمة العميلة والعجز العربي ومتابعة القنوات لإحصاء عدد الموتى وهو ما فسرت به غضب جودة وانقيادها لتفجير نفسها : جودة كان هززها غش كبيرو نقمة(ص44).

النقطة الثالثة وهي التي شعرت بها أمل عندما انتقلت للدراسة بفرنسا و نظرة الآخر إليك كعربية،إلى ثقافتك وتاريخك رغم أنها تربت على عقلية أنها ابنة البشرية والإنسانية Citoyenneté du monde وآمنت بها. لا فرق عندها بين الناس والأجناس والأديان والملل والنحل ولكن هناك اصطدمت بتهمة عربية مسلمة رغما عنها. الآخر هو الذي يذكرك دائما أنك تختلف عنه بالرغم من أنك مستعد لتجاوز هذا الاختلاف أو احترام هذا الاختلاف.

النقطة الرابعة : لها صبغة ذاتية، فتاة تريد أن تعبر عن مواقفها مما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان. طالبة بالجامعة فترة فورة دم الشباب والانتماء والإحساس بالمسؤولية وبالتعبير عن الآراء ،وفي غمرة هذه الاحتجاجات وقع منشور في يد الأمن انجر عنه إحالة أمل على مجلس تأديب الجامعة وطردها من كل الجامعات التونسية.

بورقيبة كان يقول البلد الذي لا توجد به جامعة حية متحركة نشيطة هو بلد ميت.

نقطة أخرى لها بعد تربوي، مهما كانت الثقافة في مجتمع عربي مسلم لا يقبل بسهولة ثقافة غربية ليبرالية مهما كانت درجة الحرية. أن تقوم أم لابنتها بنصيحتها عندما تعلمها بعــلاقتها بالطبيب فرنسوا شهر سيف الدين باستعمال الواقي ،préservatif

هكذا باللغة الفرنسية مما يعني الإحراج الذي تشعر به الأم وهي تنصحها بممارسة الجنس مع استعمال الواقي. اللغة الأجنبية غطاء لعجزنا عن التعبير بلغتنا في أدق تفاصيل حياتنا الجنسية. فلنتحرر لغويا أولا .

أعتقد أن الملاحظة على بساطتها ظاهريا خطيرة فكريا. فالفتاة هنا وكأن والدتها وضعتها في موضع الشبهة. عقلية ليبرالية لا تستقيم في مجتمع مسلم ما زال يقدس العذرية (ص72) والدها الماركسي يرفض هذه العلاقة و لم يتخل عن غيرته وهي مشاعر لا علاقة لها بالمادية الجدلية.

النقطة الأخرى تتعلق بالجو الذي عاشته أمل. الأب سجن لمدة اثنتي عشر سنة. الأم كذلك أوقفت عديد المرات. جدها يوسفي انتحر من جراء التعذيب، خالها كذلك حوكم مع النقابيين. هذه المحاكمات والاعتداءات تتخمر في الذهن وتخلق عداوة تجاه سلطة ما ويصبح المرء يبحث عن وسيلة للانتقام ويكون مهيأ للانتماء . قد تكون أمل وصلت إلى قناعة أن الفكر العقائدي لا يوصل إلى نتيجة بل لا بد من "فكر" غيبي يجر وراءه الانتصار.خاصة أن بعض التيارات الدينية استولت على السلطة في إيران مثلا وفي أفغانستان أو قامت ببعض العمليات الاستشهادية المدوية .

شابة مستعدة للسقوط.

نقطة أخرى أيضا هي هذا المد القوي الذي تسربل بالدين واعتمد الجهاد. ظاهره الجهاد، ضد المحتل والأنظمة العميلة وباطنه الدين والرجعية والتخلف. تحولت إلى حركات خيرية واجتماعية تحمي الشباب من الشوارع والبطالة والفقر وتعلمهم وتؤطرهم (ص35). هذا المد الديني أصبح عالميا ولم يعد يكتفي بالنصيحة وبالأفكار بل تحول إلى مارد يضرب في كل مكان ويقتل ويدفع بالشباب إلى تفجير نفسه. كل الوسائل متاحة ومباحة.

نقطة أخرى وهي الشعور بالدونية، عندما نرى المجرم شارون يدنس القدس الشريف ويعتدي على الفلسطينيين ثم يأتي ليشارك بمؤتمر عالمي حول الإعلامية ليدنس أرضنا عوضا عن محاكمته ورفض قدومه جملة وتفصيلا حتى وإن كان المؤتمر ينضوي تحت منظمة الأمم المتحدة فالدول لها سيادتها. هذا الشعور بالغبن يولد الرفض يولد البحث عن أسباب هذا التخاذل والضعف والدونية. حتى المواطن البسيط الغاضب يريد التعبير عن رأيه عن رفضه، يتجمعون ولكن البوليس يوقفهم (ص39) يتفرقون أذلاء.

الكاتبة بتقديمها لكل هذه المبررات لم تلجأ إلى طريقة التقليل من قيمة هذه التيارات، لم تتعارض مع نفسها في حق هذه التيارات في الوجود وإن كانت ترفض ذلك فكريا. ولكن حرية الرأي مكفولة للجميع وإن كان البعض يستعملها باسم الديمقراطية لأغراض شخصية سياسية بحتة لا علاقة لها بالفكر. لم تقل الكاتبة مثلا انحراف هذا الشباب يؤدي إلى أزمات نفسية مثلا بل حمّلت السلطة كل هذه الانحرافات.

لا بد من الإشارة إلى أن الكاتبة لم تذهب ما ذهب إليه الكثير من المحللين والسينمائيين (ألنوري بوزيد) والروائيين (عمارة يعقوبيان) من أن الفقر هو الذي يقود إلى الانحراف والانتماء للتيارات الدينية وفيه تنمو كل التيارات اليمينية المنحرفة. فطه الشاذلي مثلا في رواية علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) انتمى للتيار الديني وتطوّع بنفسه ليقوم بعملية جهادية إثر رفض دخوله إلى مدرسة الشرطة لأن والده فقير وبواب عمارة ولأنه في كلية الاقتصاد التي انتمى إليها لاحقا وجد نفسه ضئيلا وحقيرا أمام إغراءات  المال الفاحش.

فأمل وجودة وحنان وجميل واحمد وسيف وغيرهم أساتذة وأطباء وطلبة لهم ثقافة وإطلاع ولم يذهبوا إلى هذه التيارات من باب الجهل أو الفقر .

علينا أن نبحث عن أسباب أخرى لهذا السقوط .

4-شخصية المحامية

شخصية المحامية ليست مؤثرة في الأحداث ولكن خطورتها تنبع من كونها مثقفة تدخلاتها طريفة ودفاعها وتعاليقها الساخرة : هاني جبتها لكم كاملة

                                    تنجمو تثبتو/

                                    عرسولها ص92

متحدثة عن أمل بعد إطلاق سراحها وكأنها لم تتعرض للاغتصاب.

لكن الأهم بالنسبة للمحامية أنها جسدت المثقف الانتهازي بامتياز:

                                  عاهدك بيهم تصالحو/

                                  يساريين

                                  قوميين

                                  واسلاميين

                                الناس الكل وخيان ص94

5-التعذيب والعنف الفكري

تنفتح المسرحية على مشهد لمحجبات وهن يقمن بعملية الوضوء ونزع الأحذية ومسح الأحذية ومسح الساقين والتنقل فوق السجاد والتيمم وهن يرتدين نفس اللباس والرجال كذلك يقومون  بنفس الحركات ويضعون عراقيات سود على رؤوسهم – ص9-10 مقابل ذلك يبدأ هيجان الناس وفوضاهم وهم يخبطون خبط عشواء في الطرقات ويجهلون ما حدث وآذانهم مصوبة تجاه وسائل الإعلام الأجنبية  لمعرفة ماذا حدث لماذا فجرت نفسها ؟ وهل المعلومة صحيحة أم لا؟–ص15-

إنهما صيغتان من صيغ التعذيب والقمع، تعذيب في أن تقوم بحركات جماعية متشابهة غالبا ما تكون غير إرادية  تقليد أعمى يفسر ذهنية متواكلة مستسلمة وتنبئ بعقلية لا تفكر، والقمع عندما تجهل ما يحدث حولك وأن هناك من يملك المعلومة ويحرمك منها.

         ركزت الكاتبة على نوعين من التعذيب إذا استثنينا احتلال الشعوب وغزوها، التعذيب المعنوي والتعذيب الجسدي.والقمع الفكري

التعذيب المعنوي:

 يبرز خاصة في الشتائم : هاو اليوم كبلك سعدك ص24. ما لا  تهردت عليك ص 25 هاو قال عاملين ميخانة ص25. البوليسية تعيط في وجهو ص29 إنت اليوم إنسان باش يتهرس ص33 – ياخنينة ص34- لازم فاقت بيك موش راجل ص35- سخطة على قبك- ص50 ما أبهمك ما تعرفش يابقرة –ص54 tu es vierge -  ص55- بليدة-ص91 –شر –ص 125-أش يهم أصلك – ص136- في حوار بين جميل والبولسة يطلب كأس ما ء فيرفض يترجاه فيقول له يلعن ولديك فيسأل لماذا فتجيبه وسيلة على خاطر ما كش راجل؟؟

تعبر هذه الأمثلة التي يعج بها النص  عن عدم احترام لحقوق الإنسان وعدم احترام للذات البشرية فالمتهم مدان في أعين الأمن سواء ثبتت عليه التهمة أم لم تثبت .المهم كما قال قدور"اتلهى بيه"ص129

التعذيب الجسدي:

تقتحم جودة ساحة المعهد وتفجر نفسها ص13 قمة العنف والتعذيب الجسدي كردة فعل على ممارسات سواء داخلية أو خارجية غير مقبولة ، ويبدأ تطويق الحومة والمداهمات والاعتداءات ص14 ويهيج الشارع ثم مداهمة حنان ص16 وتبدأ التحقيقات والأبحاث والتنكيل والحرمان من الأكل والنوم .ياحنان ...ياحنان

في بالك منعت مني

أنا اليوم نفتقك من بعضك

شعرك انتفهولك شعرة شعرة

ظوافرك نقلعهملك بكلاب حامي

نزنطك

ونبعثك للزميل شفيق

يطفي فيك باكو ارتي يا حنان

لهنا الكل يعرفوني

نانا وسيلة إذا وعدت .ص168

ويصرخ جميل كأس ماء

باش نموت بالعطش ص176

تصوير للبشاعة التي يمكن أن تقدم عليها بوليسة  أو بوليس لا فتكاك معلومات من فم متهم مهما كان الثمن.

لعل تعذيب يوسف هو الذي بلغ حدا من العدوانية والاستهتار بالقيم الإنسانية إلى الحد الذي يفقد فيه ركبته ويصاب بمرض السرطان ص135. مذكرات يوسف فضحت ممارسات قدور الذي كان يعذب ويتلذذ ويستعمل كل الطرق التي يمكن أن تشعر يوسف بالألم (كان صمتي يستفزه فيزداد وحشية يرفع العصا الحديدية ليكون وقع الضربة على ركبتي اشد)ص152(...يعضني من زندي كان لا يسمع إلا وقع العصا ولم يكن بإمكان أي إنسان أن يخطر بباله أن الأمر يتعلق بمواجهة بين كائنين بشريين) ص152 ويضيف (لمدة خمسة أيام كنت أتعرض يوميا إلى التعذيب عاري الجسم يقيدونني من معصمي ثم يدخلون ركبتي بين يدي المقيدتين ويمررون عصا غليظة تحت ركبتي وفوق يدي في مستوى المرفقين،ويعلقونني بين طاولتين انه وضع الدجاجة المصلية) صص152-153.

لعل قدور من كثرة ماقضى من وقت في هذه الأماكن المظلمة والمخيفة والمغلقة أصبح مصابا بداء الخوف منها. بعد ما أصيب بسقوط في الأسنان وفي رجليه وتساقط شعره

طبعا ونحن نتحدث عن العنف لا يمكن أن نتجاهل عنف الصهاينة وممارساتهم اليومية القذرة ضد العرب والفلسطينيين والكاتبة أشارت إلى حادثة دخول المسجد الأقصى من طرف شارون وما انجر عنه من قمع للمظاهرات التي ارتفعت في كل مكان ومحاكمات وتعذيب وقهر.

وهذا بدوره يحيلنا إلى احتلال العراق بعد أفغانستان ص73 .دولة ذات حضارة وتاريخ تحتل لمجرد أن صدام حسين قال لا للامبريالية والصهيونية ونهب ثروات الشعوب .

وكذلك رفض الأخر لك هو عنف مبطن هو متقدم وأنت متخلف والحقيقة ليست كذالك بل هي تخفي عنصرية وحقد تاريخي على تاريخك ودينك وثروتك البشرية والاقتصادية

العنف الفكري:

هذه الممارسة وهو العنف الفكري لم ينفرد به جهاز الأمن بل مارسته التيارات السياسية الدينية والماركسية على السواء.

فالتيارات الدينية مارست سواء في داخلها أو على المجتمع ككل  .لقد بعثوا برسائل التهديد ضد التبرج ص30 وبعث نوادي لتعليم رياضة الملاكمة  ص35 الفصل بين الرجال والنساءص103 تهم تلقى لمجرد الشبهة مرا فاسدة وكافرة ص140 وصناعة المتفجرات ص161 .

ولكن الذي اعتبره إرهابا فكريا بامتياز هو النقاش الذي حصل بين أمل وحنان صص144-145 بعد اتهام احمد لمريم بالفساد . حوار الصم باتم معنى الكلمة وحوار يكشف أن الدين لايمكن أن ينظم حياة الناس لان النص القرآني يحتمل كثير من التأويلات والاجتهادات فأي تأويل أو اجتهاد نعمل به .ومن له الحق في أن يكون هو المرجع ؟ الفصل بين الدين والدولة هو الضامن للعدالة نبين الجميع وهنا تحضرني القولة الشهيرة الدين لله والوطن للجميع.

العنف الفكري لدى التيارات الماركسية أنها هي أيضا  تؤمن بالمقدس، قدسية ماركس وما جاء في كتابه راس المال خاصة هو مقدس ومن لايؤمن به هو بورجوازي رجعي ، وهو عنف ضد الآخرين . يقول يوسف إذا أمل تلبس الخمار نقطعها ص76 ويطردها ص95 . وتشبه مريم لباس ابنتها بأنه شبيه بلباس الأخوات المسيحيات ص92 وهو اعتداء على معتقد . حقد مريم على قدور البوليس بلغ حد التفكير في قتله : تعفسه

تغفصه

تخرج له بزيزه

تهرشم له عظامه ص121

التعذيب أو العنف الفكري هو العمود الفقري للمسرحية. فالكاتبة أدانت بهذا النقد اختيارات السلطة . وأدانت كذلك العنف الفكري المضاد . هل حقا لايمكن لأي سلطة أن تبقي وتتواصل إلا باستعمال العنف.؟ هل يمكن أن نشهد مجتمعا خاليا من العنف لا يتاجر  بالأفكار ويعتبر الإنسان هو القيمة الوحيدة الثابتة والصحيحة والباقي تأويل .

 

6-قراءات في التواريخ والأرقام والأسماء :

القراءة الأولى :

أعتقد أن الكاتب الجيد هو الذي يكتب نصا أدبيا افتراضيا يقنع القارئ بأن ما يقرؤه إنما هو الحقيقة. فخيال الكاتب يتحول إلى واقع وحقيقة في ذهن القارئ. بتعبير آخر على القارئ أن يصدق الكاتب ويؤمن بأن ما يكتبه إنما هو حقيقة وليس خيالا أو هلوسة كاتب. ومن بين العناصر المهمة التي اعتمدتها الكاتبة لتؤكد هذا المنحى هو ذكرها للتواريخ الوطنية وربطها ببعض الأحداث العربية وهو مزيد من الإتقان في محاصرة القارئ وإقناعه بأن ما يقرؤه إنما هو الحقيقة. فإذا ما صدق القارئ ذلك فإنه يجب أن يصدّق أن هناك تعذيبا وهناك قمعا فكريا وهناك غيابا للديمقراطية ..إلخ

ولم تكتف الكاتبة بذكر التواريخ بل ذكرت أيضا منشورا مشهورا وهو المنشور عدد 108 والمعروف بأنه ضد ارتداء الحجاب. منشور أسال الكثير من الحبر، كما أنها أشارت وأكدت على القانون الخاص بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال المؤرخ في 10/12/2003. وهو قانون يعتبر إرهاب كل جريمة لها علاقة بشروع فردي او جماعي من شانه ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص أو بث الرعب بين السكان للتأثير على الدولة لتغيير سياستها

أو السلم والأمن الدوليين ..الخ

وضمنت نصها قصيدة لأولاد احمد وأشارت إليه بالاسم. وهي شخصية معروفة ومحبوبة إضافة إلى أن القصيد له نفس وطني. والاستشهاد بالآيات القرآنية ، وذكرت كذلك أسماء معروفة لدى العامة والبعض الآخر لدى الخاصة مثل الرئيس الحبيب بورقيبة وبعض المناضلين مثل نور الدين وجلبار وحمة.. إلخ.

ولعل البوليس قدور منقلة وليث والهادي ..الخ أسماء حقيقية  أيضا.

طبعا بهذا المعنى تصبح المسرحية، إلى جانب بعدها الإيديولوجي ، لها بعد توثيقي. وهو ما يمكن اعتباره وثيقة إدانة وليس مجرد هلوسة كاتبة أو خيال يشطح بها . بل وثيقة تجريم و التعذيب كإدانة لا يسقط بتقادم الزمن ورأينا هذه الأيام على صفحات الصحف التونسية التهمة التي أثيرت ضد السيد أحمد التليسي  الذي اعترف صراحة أنه قام بتعذيب اليوسفيين (1) .

ونذكر أيضا المناضل الذي قدم قضية بمجموعة من أعوان الأمن اتهمهم تعذيبه إلى أن فقد ساقيه فحكمت له المحكمة بالتعويض .

فعندما تقدم الكاتبة نصا موثقا بتواريخه وأسمائه فكأنها فكريا تطالب الجمهور أو القارئ بإدانة ذلك وسياسيا بمحاكمة الواردة أسماؤهم في النص لأنهم مارسوا التعذيب وهي ممارسة مدانة ويجرمها القانون.

___________________________

(1)          راجع مثلا جريدة الشعب الذاكرة الوطنية بين محاولات الطمس والإنعاش /سالم حداد 8و15 أوت 2009.

 

 

القراءة الثانية :

تمثل زيارة شارون للقدس سنة 2000 النقطة الفاصلة . بعد هذه الزيارة (لوث الجامع الأقصى الشريف بكرعيه) ص 69 تبدأ بقية التواريخ والأحداث كذلك :

في 20 مارس 2003، يوم الاحتفال باستقلال تونس يتم الهجوم على العراق وفي 09 افريل 2003 يوم الاحتفال بعيد الشهداء في تونس يتم إسقاط بغداد ودخول القوات الغازية إلى العراق. وفي 10 ديسمبر 2003 يصدر في تونس قانون مقاومة الإرهاب وبين أفريل 2003 وسبتمبر 2004 ارتفعت وتيرة المظاهرات مندّدة بالاحتلال وبتدنيس القدس. في 15 أكتوبر 2004 يوم الاحتفال بالجلاء عن بنزرت وخروج آخر جندي من تراب الجمهورية يتم إيقاف أمل في المطار بعد عودتها من باريس. يوم 11 نوفمبر 2005 الأستاذة جودة تفجر نفسها بأحد معاهد الجمهورية. وتنتهي كتابة المسرحية يوم 20 مارس 2006. أي بعد مرور خمسين سنة على الاستقلال. في هذا اليوم يموت يوسف بالسرطان في الحلق.

كل التداعيات جاءت على اثر هذه الزيارة ، ترابط بين ما هو وطني وقومي.

التواريخ كلها صحيحة و حقيقية.

طبعا هناك بعض التواريخ قبل زيارة شارون.

فيفري 1972 تم فيه محاكمة اليسار.

ماي 55 نزعت نجاة السفساري لتعود إليه بعد ذلك، أي بعد أكثر من نصف قرن لماذا هذا التراجع . هل أن الحرية الفردية تتناقض مع حرية الشعوب ؟ هل أن الحرية الشخصية إغراء غربي لاستعباد الشعوب؟

ولادة أحمد كانت يوم 15 نوفمبر 1987 من مواليد العهد الجديد والتحول.هل قصدت الكاتبة أن هذا التيار الديني استفاد كثيرا من التحول في تونس وأصبح يمتلك جريدة ويتحرك إعلاميا وولد من رحم السلطة قبل أن تنقلب عليه السلطة أو يحرضها هو بتطرفه وتكفيره للمجتمع للانقلاب عليه.

 أما أمل فإن ميلادها كان في 18/08/1981.وسنة 1981 سنة ثرية جدا في تونس وهو مااطلق عليها السيد الطاهر بلخوجة ربيع الديمقراطية ففيه سمح بالتعددية ونقح الدستور لإجراء انتخابات تعددية وسابقة لأوانها لتنقلب السلطة بأمر من بورقيبة ويتم تدليس الانتخابات ويعود منطق الحزب الواحد فأمل كان يمكن أن تكون كذلك ولادتها سليمة  لو وفت السلطة السياسية بوعودها(1)

............................................................................

(1)        راجع الطاهر بلخوجة الفصل السابع من كتاب  

les trois decennies bourguiba 1999 publisud

7-الشكل واللغة

اللهجة المستعملة في النص ليست الدارجة التونسية المعروفة والمستعملة أو الفصيحة ، هي لهجة منحوتة نحتا خاصا. تبتعد كثيرا عن النصوص المعروضة في الساحة التونسية والتي تنبني على التوليد توليد الجملة والفكرة والتداعي والتكرار والإلحاح .

في هذا النص لا نجد إلا الضروري .الكلمة البرق.

لا اعتقد أن هناك كلمة يمكن أن تقتلع من مكانها أو تضاف.النص مرصوص رصا ومبني بناء محكما إلى درجة تتصور انك في قصر وإذا سحبت منه كلمة سقط كله.

جمل قصيرة بل في الأغلب كلمات فقط معبرة واضحة ورشيقة،توحي الحركة.النص وكلما قل الكلام كثرت الحركة .

بناء المسرحية بدا بتفجير جودة لنفسها في احد المعاهد وانغلق بموت يوسف كما بدا بالتحقيق وانغلق بالتحقيق . افق معدوم ومغلق . لا أمل في فضاء أرحب أو بلا موت.

مسرح تعبيري وهو مسرح عرف خاصة بألمانيا ومن ثم انتشر. مسرح يحاول أن يوظف كل شيء : اللغة الفكرة الموسيقى الصمت الخ من اجل خلق صدمة لدى القارئ أو المتفرج ويدفع به إلى تبني افكارالكاتب أو التعاطف معه ورأينا سابقا كيف وظفت الكاتبة مثلا التواريخ والاستشهادات الدينية "لإجبار" المتفرج على التماهي بالكاتبة.

الكاتبة ، بحكم أنها ممثلة، كانت تكتب بالصورة. ومن يقرا النص ولم يشاهد المسرحية على الركع لم يخسر الكثير سوى متعة أن يرى هذه الحيوات وهي تجول على الركع وتبث الحياة في الشخوص وتستمتع بأداء الممثلين .

الكاتبة لم تعتمد على التاريخ أي أحداث وقصص من التاريخ القديم بل ذهبت مباشرة إلى الموضوع ، موضوع معاصر وحي بشخوصه وإحداثه دون ابتذال أو استعطاف للجمهور وتهريج .

طبعا غير خاف أن الكاتبة أبرزت هنا سلبا آو إيجابا دور المرأة . فجودة هي التي فجرت نفسها ومريم هي التي تحملت أذى الابنة والأب والسلطة ، المحامية امرأة

أمل البنت المترددة امرأة، الخ . المرأة هي الفاعلة في الأحداث وفي تطورها .

 

الخاتمة

-        ماذا يمكن أن نقول عن هذه المسرحية بعد استعراضنا لأهم الشخصيات والأحداث ؟ ولماذا اعتبرناها مسرحية سياسية بامتياز؟ هل لأنه تم منعها من العرض ثم سمح لها ذلك باحتشام ولنا  أن نتساءل لماذا منعتها السلطة  هل رأت فيها ماهو تجاوز للحدود أو حدة في معالجة موضوع التعذيب أم أن التعذيب في حد ذاته موضوع محظور لأنه يمس جهاز الأمن الذي ظل بمنأى عن كل نقد أم أن تقييم المسرحية لخمسين سنة من الاستقلال والنتائج التي تحققت من محاكمات وتعذيب وقمع أغضبت السلطة ؟.

إن شجاعة الكاتبة تتمثل في طرق اللامطروق من المواضيع  والممنوع منها بجرأة وحرفية وفنية بعيدا عن التهريج وهو ما تجرأت عليه الكاتبة بكل دقة ملتزمة بالتاريخ وبوقائع تاريخية وشخصيات حقيقية مما ينفي عنها التهويل والمبالغة وان كان ذلك لو حدث ، فالكتابة تبرز النتوءات والإمراض والعيوب. الكتابة لا تهادن . أليست التزاما كما ذهبت إلى ذلك الكاتبة؟.

الكاتبة مما لاشك فيه دخلت مناطق محرمة جدا فالأمن من الأجهزة التي لا احد يقبل التعرض إليها لأنها وسيلة وآلية من آليات السلطة في ضبط الأمور من وجهة نظرها وقمع من  وجهة النظر المقابلة .

-        هذه المسرحية التي بدت أنها نقدية لممارسات السلطة مع المعارضة لم تكن نقدية في هذا الاتجاه فقط بل توجهت للتيارات السياسية الأخرى خاصة الماركسية منها والدينية ،هذه التيارات التي انغلقت على ذاتها وأصبحت تمارس القمع الفكري والتخوين والتكفير، واعتقدت ولازالت تعتقد أنها تمتلك الحقيقة.انغلاق في كل الاتجاهات : سلطة تقمع اليسار واليمين بلا أي منطق سيست الدين واحتكرته لنفسها وممنوع على غيرها من الحركات السياسية استعماله وسيست الدين لضرب اليسار العلماني ،فأين تقف السلطة ، وماهي اختياراتها السياسية؟

استنتاج آخر يصب في نفس الاتجاه وهوهل أن التيارات الدينية وليدة السلطة والماركسية أيضا ؟ نعرف جميعا أن التيار الديني في تونس ولد و نما في الكتاتيب وخاصة في إدارة الشؤون الدينية ثم استعملته  السلطة كعصا لضرب البعثيين والماركسيين والقوميين  خاصة في الجامعات لكنه بعد أن اشتد عوده تمرد وأصبح يشكل خطرا على السلطة نفسها. وهو وليد الماركسية المتطرفة الملحدة التي كفرت بإرث الشعب وتاريخه وفكره ودينه ، فكانت ردة فعل عاطفية عنيفة ولدت تيارا متطرفا . 

وهنا لا بد من الانتباه جيدا إلى شجاعة الكاتبة لأنها بهذا التصوير الذي قدمته : أمل تتمرد على والدها على فكره الماركسي يعنى أن الماركسية أنجبت التيارات الدينية في البلاد  العربية خاصة. لأن بكل بساطة العرب لهم حضارة وفكر وتاريخ وتراث ولغة ودين ومعتقدات وليسوا في حاجة إلى أن يستوردوا فكرا آخر ولو كان يساريا من الغرب. فالماركسية في النهاية هي الوجه الآخر للغرب الذي أفرز الرأسمالية  : وجهان لعملة واحدة.

    -    هذه القراءة تعتبر أن الكاتبة بتحديدها لتاريخ  سنة 2000، يوم زيارة شارون للأقصى وربط ذلك بتواريخ أخرى وخاصة احتلال بغداد تكون الكاتبة قد أعطت بعدا قوميا للمعركة. كما اتهمت الأنظمة العربية بالتواطئ مع الصهيونية والإمبريالية ويتجلى ذلك في صدور قانون الإرهاب مباشرة بعد احتلال العراق في تونس مثلا.

-  لماذا استعملت الكاتبة بعض الأسماء التي لها ارتباط ديني مثل يوسف ومريم واحمد أولها ارتباط بالتاريخ مثل خديجة وجميل وسيف .

   طبعا اختيار الكاتبة لاسم يوسف اومريم ليس اعتباطيا، فيوسف النبي ألقى به إخوته في الجب وتركوه وادعوا أن الذئب أكله إلى أن عثر عليه بعض المارة فأنقذوه. يوسف الماركسي أيضا  ادعى النبوة وأنه يملك الحكمة ووحده يملكها، وتغيّر العالم من حوله ونفره رفاقه وظل وحيدا. وإذا كان النبي قد خرج من الجب فإن يوسف الماركسي ظل فيه إلى أن مات وحيدا. إشارة بليغة من الكاتبة على إفلاس يوسف وإفلاس الفكر الذي يحمله.أو ربما إلى أن الفكر العلماني يجد صعوبة في الإقناع والصمود أمام الفكر الغيبي.

أما مريم المناضلة فقد وجدت نفسها بين رجل مهزوم وعاجز وابنة مترددة ومتقلبة فهي ضد الفكر الماركسي لأنه لم يجب على بعض الاسئلةالوجودية وليست مع التيارات الدينية لأنها ضد التطرف وليست معادية تماما للمادية الجدلية  ،إنها حيرة الشباب . وقد ساهمت مريم في منعها من السقوط تماما في أحضان التطرف الديني.

هل قدر مريم(و مريم أم عيسى أيضا) أن تهز النخلة لتطعم أمل وان تواجه المجتمع بكامله من اجل أن تحمي ابنتها من الضياع وأمام أب(رب عيسىايضا) يتفرج على مايحدث ولا يملك إلا أن يغضب ويتوارى في بيته أو ملكوته.

أما بقية الأسماء ففيها الكثير من الحنين إلى ماض متطور وزاه وكأنه رفض للأسماء الجديدة لأنها إما أنها أسماء لا تحمل في طياتها أي معنى أو أنها تحمل مشروعا مغتربا عن تاريخ البلاد والعباد . هو رفض للحاضر ، صيغة من صيغ الاحتجاج ، وهو ما يفسر بمعنى أخر أنها حركات ماضوية لأنها تتوهم انه بالارتباط بالماضي والتشبث به نستطيع الانتصار.

هل تراجعت أمل عن انحرافها ؟ اعتقد أنها عادت لطرح الأسئلة من جديد والتساؤل حول الكون وهل أدركت كنهه حقا  وكانت تعتقد أنها بانتمائها لهذا التيار قد ملكت الحقيقة ، تنزع الخمار وتبدأ من جديد في الوقت الذي يموت فيه يوسف .

الاعترافات  الأخيرة لأحمد وجميل خاصة يدين هذه الحركات باستعمالها للعنف الجسدي وهو توجه خطير خاصة إذا تحول إلى إرهاب وهو كذلك ..

 

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2020

(جدلية الموروث الشعبي في التمييز بين العروض المسرحيه والأفعال الطقسيه (مسرح التعزيه انموذجا ) / حسام الدين مسعد مصر

مجلة الفنون المسرحية


(جدلية الموروث الشعبي في التمييز بين العروض المسرحيه والأفعال الطقسيه (مسرح التعزيه انموذجا )  / حسام الدين مسعد مصر 

«مقدمه»

إن  التراث هو الهوية الفعلية لوجود الأمة الذي يحمل مخزوناً عظيماً من قيمها وإبداعاتها،  فالتراث في مجمله هو الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني، وهو العقيدة والشريعة والعقل والذهنية المتأتية من السلف الصالح ، كما أنه حاضر فينا ومعنا منذ القدم، وبناء على ذلك فإن حاصل ما لدينا الآن هو أن الموروث الشعبي يعني ما اكتسبه جيل عن جيل سبقه، من عادات وتقاليد وقيم وفنون وحرف ومهارات وأدب وحكم وأمثال يلتزمون بها في سلوكهم وممارساتهم وأقوالهم .
والطقوس هي أحد الممارسات الموروثه من جيل إلي جيل 
وتعتبر المراسم والطقوس بأنواعها المختلفة أحد سمات كل المجتمعات الإنسانية، سواء في الماضي أو الحاضر. ولا تقتصر الطقوس والمراسم على الأنواع المختلفة من طقوس الـعبادة، أو الأسرار المقدسة في بعض الأديان أو الطوائف فقط، ولكنها تمتد أيضًا لتشمل طقوس العبور في بعض المجتمعات وطقوس الكفارة، وطقوس التطهير، وقسم الولاء، ومراسم التتويج، والافتتاحات الرئاسية، ومراسم الزواج، والجنازات، وتقاليد الدراسة والتخرج، والاجتماعات، والأحداث الرياضية، وحفلات الـهالووين ومواكب المحاربين القدامى، وموسم تسوق عيد الميلاد، وغيرها الكثير. وهناك العديد من الأنشطة التي يتم تنفيذها ظاهريًّا لأغراض محددة، مثل؛ المحاكمات، وتنفيذ عقوبة الإعدام في المجرمين، والمؤتمرات العلمية، ولكنها مليئة بالإجراءات الرمزية التي تتحكم فيها القوانين أوالتقاليد، ولذا تعتبر مثل تلك الإجراءات مراسم وطقوس بالفطرة. وعلاوة على ذلك، فإن كل الأفعال العامة التي نقوم بها يوميًّا مثل المصافحة أو حتى التحيه الشفاهيه  تندرج تحت مسمى المراسم والطقوس.
والطقوس تختلف من مجتمع الي أخر بل إن ممارستها تختلف من جيل إلي آخر رغم إتحاد الطقس فإن الأفعال الطقسيه تختلف من بلد إلي آخر وبالتالي فإن مسرحة هذه الأفعال الطقسيه المختلفه بإختلاف المجتمعات ستختلف بطبيعة المكان والمتلقي وستشكل جدلية الموروث الشعبي تأثير علي دلالتها الفنيه يؤثر حتما علي دلالة العرض الطقسي .
إشكالية البحث 

إن إشكالية البحث التي انطلقت منها وهي محاولة فك شفرات الإشكاليه الجدليه للموروث الشعبي في التمييز بين الأفعال الطقسيه ومسرحتها ولقد اخترت عينة لبحثي (يوم عاشوراء) كمناسبة طقسيه لها مراسمها وطقوسها المختلفه من بلد إسلامي إلي آخر في محاولة للتمييز بين الأفعال الطقسيه واختلافاتها وتأثير هذه الإختلافات علي العروض المسرحيه .في قراءة متأنيه لمسرح التعزيه كتطبيق لنظرية الطقوس والنظريات العلميه
هدف البحث
تمييز الأفعال الطقسية وعلاقاتها بالقيم من اجل بلوغ فلسفة الفعل الطقسي التي تبرز الجمال عند محاكاته او مسرحته 
«المناسبة الطقسيه »
نظرية الطقوس (1)تنص بأن القاعدة الأساسية للطقوس هي تطبيق القيم الطقوسية على الأشياء والحوادث والمناسبات التي يمكن اعتبارها بمثابة الأهداف ذات المصالح المشتركة التي تربط أعضاء المجتمع الواحد أو تمثل تمثيلاً رمزياً جميع الأشياء التي تستند على تأثير السلوك الرمزي بأنواعه المتعددة.
لكن يثور تسأول هام اذا افترضنا جدلا أن المجتمع الأسلامي مجتمع واحد رغم إختلاف المذاهب و إختلاف اللهجات  وإختلاف السلوكيات والعادات والموروثات الشعبيه الخاصة بكل جماعة إسلاميه تعيش كمجتمع واحد في إقليم مختلف وتحت سلطة سياسيه مختلفه رغم أنها تتحد في الدين وفي ممارسة الشعائر الطقوس الدينيه مع نظيراتها في الأقاليم المختلفه وهنا يكون السؤال «ماهي الأفعال الطقسيه المميزه لكل جماعة عند تطبيق القيم الطقسيه علي المناسبات والحوادث والتي تعتبر ربط مشترك لأعضاء المجتمع ؟»
ولذا فإننا سنبحث سويا مظاهر الأفعال الطقسيه كموروث شعبي  علي مناسبة يوم عاشوراء في (مصر والمغرب والعراق وإيران ) ولم يكن إختيار هذه الدول جاء محض صدفة ولكن لأهمية الطقوس في الموروث الشعبي لهذه الدول وتأثير ذلك علي السلوك الرمزي بأنواعه المتعدده . 
«يوم عاشوراء »
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر مُحَرَّم في التقويم الهجري، ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء وهو اليوم الذي نجّىٰ الله فيه موسى من فرعون ويصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي حفيد النبي محمد في معركة كربلاء، لذلك يعدّه الشيعة يوم عزاء وحزن. كما وقعت العديد من الأحداث التاريخية الأخرى في نفس اليوم. ويعدّ يوم عاشوراء عطلة رسمية في بعض الدول مثل إيران، باكستان، لبنان، البحرين، الهند والعراق والجزائر. ويعدّ الإحتفال بيوم عاشوراء في مصر له طقوسه الخاصه رغم كون هذا اليوم لا يندرج ضمن العطلات الرسميه لكن له مظاهر وأفعال طقسيه ذات موروث شعبي 
«مظاهر الإحتفال بيوم عاشوراء في مصر»
يُنزل المصريون الأيام العشر الأولى من شهر محرم في مرتبة مباركة، فهم، أكثر شعوب العالم تمسكًا بالعادات والتقاليد المتوارثة من قديم الأزل، ويبدو هذا واضحًا جليًّا من خلال طقوس حياتهم اليومية وسلوكهم اليومي، بالإضافة إلى مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات 
 حيث كانت لأبناء النيل طقوس خاصة بهم في الاحتفاء برأس السنة الهجرية، خاصة «يوم عاشوراء».وتحديدا في العصر الفاطمي 

 ابتدع الفاطميون عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر مع حلول أول يوم من شهر محرم.
 واعتمدوا على إقامة السرادقات وتنصيب الخيام وتجميع الناس للاحتفال. كان المصريون يقدمون لبعضهم البعض أطعمة تتكون من اللحوم والأرز والسكر والعسل.
كما  عرف المصريون في العشر الأولي   من شهر محرم عادة شراء «الميعة المباركة». ويقصد بها البخور الذي يستخدمه المصريون آنذاك، للوقاية من «شر العين الحاسدة»، في وقتها كان الباعة ينتشرون في الشوارع، حاملين «الميعة» وصوتهم ينادي: «ميعة مباركة»، «سنة جديدة»، «عاشوراء مباركة»، «إن شاء الله تكون أكثر السنوات بركة على المؤمنين»، «يا ميعة يا مباركة».
كان  استخدم المصريون «الميعة المباركة» وقت شعورهم بـ«عين حاسدة» تحوم حولهم أو حول ذويهم، خاصة الأطفال، فيأخذون حفنة منها لرشها فوق الفحم المشتعل في طبق الإحماء، ويقولون: «رقيتك من عين البنت الغارزة أكثر من المسمار، ورقيتك من عين الست الحادة أكثر من السكين، ورقيتك من عين الولد المؤلمة أكثر من السوط ومن عين الرجل القاطعة أكثر من سكين الفرح»، وبعدها يعلو الدخان، ويغطي وجه «المحسود».
كما  كان من عادة مسلمي مصر في تلك الفترة التصدق بأموالهم بقدر ما تسمح به إمكانياتهم المادية، ويحددون بمنتهى الحرية قيمة صدقاتهم وأصحاب النصيب الذين سينالونها.
 عدد من نساء مصر اعتدن حينها حمل أطفالهن على أكتافهن والانطلاق بهم في شوارع القاهرة أو يعهدن بهم إلى امرأة أخرى بـ«هدف استدرار عطف المتأنقين المتهندمين في الشارع، فيطلبن الزكاة منهم، مناديات: بـ(زكاة العشر يا سيدي)».
كان  نصيب كل طفل من الصدقات وقتها يساوي خمسة قطع من القصه   من كل فرد، ويصرف «أحباب الله» الفضيات التي جمعوها في شراء الحلوي.
وكان للطفل إمكانية الاستفادة من الفضيات في خياطة قلنسوة، يرتديها حتى حلول شهر محرم من السنة التالية.
لقد كانت  مكانة اليوم العاشر من محرم كبيرة لدى المصريين، فيوم «عاشوراء» يقدسونه لأسباب مختلفة، منها أنهم «يعتقدون أنه يوم اللقاء الأول بين آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، وهو اليوم الذي خرج فيه نوح من فلكه»، بالإضافة إلى اعتقادهم بأنه «يوم الأحداث الكبيرة»، فضلًا عن «صوم قدامى العرب في ذلك اليوم قبل بعث الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم».

 يقدس المصريون هذا اليوم خاصة المسلمين منهم ، لأنه «اليوم الذي استشهد فيه الحسين، حفيد الرسول محمد، في معركة كربلاء 
 من بين احتفاء المصريين بشهر محرم أنه كانت تقام احتفالات خاصة بهذه المناسبة في مسجد الحسين، الذي يقال انه  دفن فيه رأس (الحسين بن علي رضي الله عنه )،ولا مرجع لهذه الرواية سوي ما يتم سرده من أساطير علي السن العامه لا صحة تاريخية لها لكن أبرز مظاهر الإحتفال الطقسيه بيوم عاشوراء هي تلك التي كان يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى المسجد، ويكتظ داخل المسجد بالزائرين، وكان يقف نحو خمسين( درويشًا )من المريدين في صفين متقابلين، مرتدين الزي المصري التقليدي، بينما تزينت رؤوس بعضهم بـ«القاووق التركي»، ورؤوس البعض الآخر بـ«الطرطور»، ثم يشبكون أيديهم معًا، ويبدأون حلقة الذكر، مرددين: «الله».
وكان  أحد الدراويش يتوسط حلقة الذكر، ويدور حول نفسه، محركًا قدميه وممددًا ذراعيه، ثم يزيد من اهتزازه وحركته، حتى ينتفخ ثوبه كما المظلة، ويستمر في الدوران نحو عشر دقائق، ثم يجلسون جميعهم للراحة، وبعدها ينهضون ثانية، ويعيدون الكَرّة مرة أخرى.
لقد كانت هذه الأفعال الطقسيه وضف عليها التبرك بمقام الحسين المتواجد بمسجده بمدينة القاهره هي الأفعال الطقسيه التي تتم محاكاتها في العروض المسرحيه مع ذكر الأطعمة الشعبيه التي اعتاد المصريون تقديمها في هذا اليوم والتي استمدت اسمها من المناسبة الطقسيه كصحن  «عاشوراء»، حيث يتكون من القمح المنقوع في الماء لمدة يومين أوثلاثة أيام، ويكون منزوعًا منه قشره، بعد غليه يُحلى بالعسل أو بدبس السكر فوق النار، وقد يستبدل الأرز بالقمح، ويزين عادة بالجوز والبندق .
ومن هنا يتأكد لنا ان الموروث الشعبي وجدليته بين الماضي والحاضر هي المميزة للأفعال الطقسيه فقديما كانت تقام في يوم عاشوراء سرادقات العزاء في العهد الفاطمي حزنا وكمدا علي إستشهاد الحسين لكن مع تقلد الأيوبيين مقاليد الحكم تبدلت مظاهر الإحتفال الطقسيه إلي فرح وسعادة نكاية في الفاطميين .تأكيدا علي ان المظاهر الطقسيه تتغير من جيل إلي جيل ومن سلطة سياسيه إلي اخري لكن ظلت المظاهر الدينيه ثابته إلي يومنا هذا فحلقات الذكر رغم إنحصارها في عدد محدود من الطرق الصوفيه فهي لا تعبر عن المناسبه الطقسيه (عاشوراء) بقدر تعبيرها عن التصوف وحالة العشق السرمدي الإلهي .
«مظاهر الإحتفال بيوم عاشوراء في المغرب »

يوم عاشوراء أو (يوم زمزم) هو مناسبة يحتفل بها المغاربة في العاشر من محرم من كل سنة باحتفالات تختلف عن نظيرتها في بقية البلدان العربية والإسلامية، ولهم في هذا اليوم عادات لها خصوصيتها المحلية. ويصاحب هذا الاحتفال ما يسمى ب"لعشور"حيث يقوم كبار التجار في المنطقة بتوزيع هدايا عن الأطفال والشبان وكذا النساء، وتكون غالبا مبالغ مالية، الشيء الذي يزيد من فرحة هذا اليوم.وهو نشاط للأطفال في فترة عيد عاشوراء حيث يجول الأطفال من منزل لآخر مرتدين الاقنعة والأزياء التنكرية يطلبون الحلوى والفواكه الجافة أو حتى النقود وذلك بإلقاء السؤال "حق بابا عيشور؟" على من يفتح الباب. يعتبر حق بابا عيشور من أهم التقاليد في عاشوراء. حيث يقوم كل من يسكن في حي فيه الكثير من الأولاد بشراء الحلوى والفواكه الجافة وتحضيرها لحين قدوم الأولاد في العيد. أصبح هذا التقليد مشهورا في الأونة الأخيرة حيث يعتبر كبديلا للالعاب النارية التي تؤدي عادة إلى مجموعة من الحوادث
ففي هذا اليوم، يقومون برش الماء على بعضهم البعض. فيقوم أول من يستيقظ من النوم برش الباقين بالماء البارد، ويخرج عدد من الأطفال والشبان، خصوصا داخل الأحياء الشعبية، إلى الشوارع لرش كل من يمر بالماء. ومع مرور الساعات الأولى من الصباح يحمى وطيس "معارك المياه"، خصوصا بين الأصدقاء والجيران. ومن يرفض الاحتفال بماء "زمزم" من المارة، عبر رش القليل منه على ثيابه، قد يتعرض لتناوب عدد من المتطوعين لإغراق ثيابه بكل ما لديهم من مياه. ثم يتوج بوجبة اليوم بوجبة "الكسكس المغربي" الذين يستعملون به القديد الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى، خصوصا لهذا اليوم.
أما في البوادي والأرياف المغربية فإن الماء في هذا اليوم يحتفظ بقدسية خاصة، حيث يلجأ الفلاحون وربات البيوت، مع إعلان الفجر، وقبل أن تطلع الشمس، إلى رش كل ممتلكاتهم بالماء البارد، حيث ترش قطعان الغنم والبقر، وغيرها، كما ترش الحبوب المخزنة، وجرار الزيت والسمن. وتقوم الأمهات برش وجوه الأبناء، الذين يتنافسون في الاستيقاظ المبكر، لأنهم يؤمنون، حسب ما يردده الأجداد، بأن من يكون هذا اليوم نشيطا يقضي كل عامه على نفس المنوال، ومن يتأخر في النوم إلى أن تشرق الشمس، يغرق في الكسل ما تبقى من العام. كما أن الكبار في الأرياف المغربية يؤمنون بأن كل ما مسه الماء هذا اليوم ينمو ويبارك الله فيه، وما لم يمسسه ماء قد يضيع خلال نفس العام.
فيما يتعلق بالتجار، يسعون في عاشوراء لرفع وتيرة البيع، خصوصا داخل الأسواق، التي تخصص لمناسبة عاشوراء، لأن أي حركة بيع أو شراء تكون مباركة، وتؤثر في تجارتهم، بقية العام، مما يضطرهم إلى تخفيض الأسعار، وبذل كل ما يستطيعون، من أجل تشجيع زبائنهم على الشراء. ولا يكاد يحل المساء حتى تفرغ أسواق عاشوراء من السلع، وتصبح في بعض المناطق، التي لا تزال تتمسك بالعادات القديمة فضاءات فارغة من محتوياتها، كأنها لم تكن نشطة قبل ساعات فقط، والسر في ذلك أن اليوم التالي للعاشر من محرم يسمى عند التجار بيوم "الهبا والربا"، أي إن أي ربح يجنونه منه لن يكون إلى ربا لا يلحقه إلا الهباء على تجارتهم، مما يجعلهم يغلقون محلاتهم، ولا يبيعون أو يشترون شيئا في اليوم الموالي.
وتعود عادة رش المياه، التي يحتفل بها أغلب المغاربة، ويعتقدون أنها جزء من العادات الإسلامية، إلى طقوس من الديانة اليهودية، كان يتمسك بها اليهود المغاربة منذ قرون، حيث أنهم يعتقدون أن الماء كان سببا لنجاة نبيهم موسى في هذا اليوم من بطش فرعون وجنوده، كما يؤكد ذلك القصص القرآني، وهو الأمر الذي استوعبه الإسلام السنة وجعله جزء منه، بالتنصيص على صوم يوم عاشوراء، ابتهاجا بإنقاذ الله لنبيه موسى، مع زيادة صوم يوم التاسع من شهر محرم، لمخالفة اليهود والتميز عنهم.
وما يميز عاشوراء المغرب، رغم أنها مزيج من الأديان والمذاهب، أن المغاربة لا يؤمنون إلا بأمر واحد، هو أن احتفالاتهم مغربية موروثة عن الآباء والأجداد فقط، ولا يرون أنها تخالف الإسلام، أو تأخذ من سواه، فالإسلام الراسخ بعمق في قلوبهم رسوخ جبال الأطلس، قد جب كل ما قبله، وجعل من ميراث الأنبياء من قبل جزء من الدين المحمدي، الذي ختم الرسالات السابقة من دون أن ينكر فضلها.
يعقب عاشوراء في المغرب يوم "الهبا والربا" في الأسواق، يعرفها كل المغاربة بليلة "الشعالة"، حيث يتم إشعال نيران ضخمة في الساحات، سواء في البوادي أو داخل بعض المدن، التي لا تزال تردد صدى عادات موغلة في التاريخ، ويحيط بها الأطفال والنساء، وهم يرددون أهازيج، بعضها يحكي قصة موت الحسن والحسين وبعضها يحكي قصصا اخرى.
ومن خلال سرد بعض مظاهر الإحتفال بيوم عاشوراء في المغرب يتضح التمايز بين الأفعال الطقسيه رغم وحدة المناسبة الطقسيه بين إقليم واخر لاسيما أن الأفعال الطقسيه هي موروث شعبي تواتر عن طريق الآباء والأجداد ولا علاقة له بالعقيدة الدينيه 
«التمثيل فعل  إحتفالي بيوم عاشوراء في ايران»
في إيران، ابتدأت الإحياءاتُ العاشورائيّة فترةَ الدولة الصفويّة (1501 – 1726).
ويقول  محمد بن سليمان التنكابني: "التمثيل من مخترعات الصفوية، ولما ظهر مذهب التشيع في بلاد إيران، وحكم الصفويين أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشهداء(ع)، لكن الناس لم تكن تبكي. لأن المذهب لم يترسخ بعد في نفوسهم فأخترعوا التمثيل لعلَّ النَّاس تتألم من مشاهدة مصائب سيد الشهداء (ع) ويرق قلوبهم، وسمي هذا العمل بالتعبئة، وهي بمعنى الاختراع أيضاً، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقه(2)
لكنّ الأمرَ تعاظم طقوسيًّا في مرحلة الدولة القاجاريّة (1794 – 1925). فلقد سعت السلطةُ القاجاريّة إلى ترسيخ صورة الحسين المسكين، الذي يترجّى الماءَ من خصمه، كنوع من تعزيز منطق السلطة المتجبِّر في ذهن المُتلقّي؛ وكأنّ السلطة أرادت القول: إنّ حادثة كربلاء، بما فيها من شدّةٍ وغلظةٍ على الحسين، هي المنطقُ المتوقَّعُ لكلّ فردٍ يريد أن ينال من السلطة. وقد رافق استبدادَ تلك السلطة سكوتُ العلماء ردحًا من الزمن، وهو الأمرُ الذي استمرّ حتّى العهد البهلويّ (1925 – 1979)
 إلي ان استثمرت فلسفة عاشوراء بالإطاحة بالشاه ومن خلال ثورة شعبيه في المشهديه الحسينيه التي تخلت عن محاكاة مصائب سيد الشهداء وغاصت في فلسفته الثوريه الرافضه لتوريث يزيد وشراء البيعة بالذهب من خلال فكر الحق ونيته واستخدام وسائل تعبير كالكلمة والجسد والصرخه كوسائل تعبير طقسيه من أجل إبراز قيمة طقسيه .
إن تطور الأفعال الطقسيه وضحد بعضها بفعل نواهي السلطة السياسيه هو تعديل لمسار الموروث الشعبي للبحث عن قيمة في افعاله الطقسيه هي ذاتها القيمه التي نبحث عنها في مسرحة الطقس والتي سنتطرق اليها لاحقا 
«التطبير كفعل طقسي يميز الإحتفال بيوم عاشوراء في العراق » 
التطبير أو الإدماء هو طقوس يمارسها بعض المسلمين الشيعة الاثني عشرية - بعضٌ منهم يرفضونها - ضمن الشعائر المسمية بالشعائر الحسينية التي تقام من أجل استذكار معركة كربلاء (3)والقتلى الذين قتلوا في هذه المعركة كالإمام الحسين بن علي وأخيه العباس. ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس، ويردد المطبرون أثناء التطبير كلمة (حيدر) والتي تشير إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي توفي بسبب ضربة سيف وجهها إليه عبد الرحمن بن ملجم في حال صلاته. وتخرج مواكب التطبير في عاشوراء والأربعين، وأحياناً في ليلة وفاة علي بن أبي طالب، وليلة وفاة فاطمة الزهراء.
يُستخدم مصطلح طقوس في علم النفس أحيانًا ليشير إلى السلوكيات المتكررة التي يقوم بها الفرد لتقليل أو منع الخوف، وتعد أحد أعراض الوسواس القهري. او ليتحول فيها الجسد من حالة السياده الي 
ورغم أن (التطبير)كفعل طقسي يحاكي واقعة حقيقيه بأفعال حقيقيه وليس بإفتعال تشخيصي فإن هذا الفعل الطقسي الذي يتم فيه جلد الذات الإنسانيه التي رضخت للظلم فندمت أشد الندم وقررت تكرار هذا السلوك لتقليل او منع خوفها من الظالم او ليتحول فيها الجسد من حالة السياده الي اداة طيبه في خدمة الإنسان. الا انني لست مع الرأي القائل بأن (التطبير) حالة تطهير للنفس فكيف ونحن في هذا الزمان ان تتطهر انفسنا بسيل الدماء وجلد الذات الإنسانيه ماديا بالتعذيب 
إن هذا الفعل الطقسي الذي حرمته بعض الأراء الدينيه رغم أن البعض الآخر يعتبره احدي الشعائر الحسينيه كان مثار جدلا متمحور بين الموروث الشعبي وبين ما يتقبله العقل الحداثي .مما دفع السلطات العراقيه  لمنع استخدام السيوف والآلات الحاده عند ممارسة هذا الفعل الطقسي وقد سبقتها ايران في ذلك وقد سبقتهما مصر في إلغاء مراسم العزاء الحسينيه في محاولة لإعمال العقل الذي يدعونا أن نتجادل مع هذا الفعل الطقسي  ومع ممارسته النابعة من موروث شعبي العقل يرفضه .وهذا يدفعنا للتساؤل ماهي قيم الافعال الطقسيه?وماهي الفلسفة الكامنه في مسرحة هذا الفعل الطقسي وليكون السؤال اشمل ماعلاقة مسرح التعزيه بالقيم?وماهي فلسفة مسرح التعزيه ومنطقه?
الإجابة علي هذه التسأولات تنبغي اولا ان نتحدث عن الجسد كأحد اهم وسائل التعبير في مسرح التعزيه  
يكتسب الجسد في المسرح الطقسي أهمية توازي تلك التي تمتاز بها الكلمة و إن كان لا يتفوق عليها، فالكلمة بدورها وسيلة تحرر و تواصل و هناك أبحاث عديدة قد عنيت بدراسة العلاقات بين وسائل العلاج الديونيسوسية ( ووسيلتها الجسد ) و الأبوللية ( ووسيلتها الكلمة ) . و لكن ذلك لا يعني أن المسرح الطقسي و ذلك علي حساب الكلمة و كأن الممثل بالمسرح الطقسي ما هو إلا جسد 

تعريف الجسد بالمسرح الطقسي
يعد الجسد بالمسرح الطقسي مركز الحياة و يتعلم كيف يشعر به مما يتيح التعرف علي جسد الآخر و علي البيئة المحيطة، و بذلك يصبح الجسد بمثابة الميزان الذي يقود إلي الفعل المتزن الذي يحقق التناغم و التلاقي بين الأنا و الآخر و الذي به تتم السيطرة الكاملة علي الحواس، فالجسد هو تلك النقطة في الفراغ التي تلتقي عندكافة مستويات و أشكال الحياة، حيث تنصهر كافة التجارب المعاشة و الطقس هنا لدية القدرة علي تحرير طاقة التعبير التي تختزنها الانقباضات العضلية و الكبت النفسي و هو يسمح للجسد و توابعه بأن يتحول من حالة السيادة إلي أداة طيبة مسخرة لخدمة الإنسان 
وهذا ما تشتغل عليه عروض مسرح التعزيه حين تحاكي(التطبير) فهي تبحث في علاقة الفعل الطقسي بالقيم من اجل بلوغ فلسفة التعزيه 
القيم :هي جملة المقاصد التي يسعي القوم الي أحقاقها متي كان فيها اصلاحهم عاجلا او آجلا 
وهي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وتختلف عن الحياة الحيوانيه وقد وردت في القاموس التربوي بأنها صفات ذات أهمية لإعتبارات نفسيه وإجتماعيه وهي بشكل عام موجهات للسلوك والعمل 
والتفسير البيلوجي للقيمه
يري أن القيمه نوع من المنفعه الحيويه التي يحققها هذا الموضوع او ذاك .
أما التفسير الإجتماعي 
يري أن القيم وليدة الحياة الإجتماعيه فالجماعة تدفع الفرد للإتصاف بمبدأ الغيريه الذي يحقق نسيان الذات والتجرد من المصلحة الشخصيه والمضي نحو تحقيق الغايات المشتركه بين الجماعة بروح ملؤها النزاهة والإخلاص ونبذ الذات 
أما التفسير النفسي 
فيري أنه ليس ثمة قيمه إلا ما يرضي رغبة او يثير انفعالا .
وللقيم خصائص فهي  مرتبطه بنفسية الإنسان ومشاعره وايضا متغيره وليست ثابته فتتغير بتفاعل الإنسان مع البيئه المحيطه 
والقيم متعدده نتيجة لإختلاف حاجات الناس .
وتتنوع القيم حسب المجال الذي تعني به الي عدة أنواع :-
 «القيم النظريه »
وهي رغبة الفرد بالتعلم وسعيه نحو إكتشاف المعلومات والبحث عن مصادرها 
«القيم الإجتماعيه
»وتظهر من خلال رغبة الإنسان بتقديم العون لمن حوله 
«القيم الدينيه
»وتتضح من خلال إلتزام الإنسان بالتعاليم الدينيه وحرصه علي نيل الثواب والبعد عن العقاب 
«القيم الأقتصاديه
»وتتمثل في البحث الدائم عن الإنتاج المربح 
«القيم الجماليه
» ويعبر عنها بالبحث عن الجمال في الأشياء وتقدير الفن 
«القيم السياسيه
» وتظهر في حب القوه والتحكم وفرض القوانين 
وللقيم مصادر متعدده ومن أهم مصادرها 
(الدين -العقل الذي يحلل الأمور وينظر في عواقبها ويستنبط الخير والشر -المجتمع الذي تتنوع فيه القيم التي تلائمه ولا تلائم غيره من المجتمعات  )
وتتكون القيم من عدة مكونات 
*مكون عرفي  :عن طريق إختيار قيمه معينه بين مجموعه من البدائل 
*مكون وجداني :-ويظهر من خلال الفخر بقيمه معينه وسعادة الفرد بإختيارها
مكون سلوكي :-يحدد طريقة الممارسه والتجربه وذلك من خلال ممارسه فنيه معينه في ظروف  مختلفه
*مسرح التعزيه وعلاقته بالقيمه*
إن القيمة الماديه في مسرح التعزيه  تبرز من خلال القدرة الأدائيه والوظيفيه والنفعيه لعروض مسرح التعزيه التي تحمل رسالة تثقيفيه وتوعويه للمتلقي من خلال  مناقشة الطقسيه الحسينيه و من خلال مكونات عرفيه ووجدانيه وسلوكيه تنتج عنها قيمة نفعيه هي التفاعليه التي تحدثها تلك العروض في نفوس متلقيها..
والقيم الفلسفية جزء من الأخلاق 
فقيمة الحق التي يتناولها علم المنطق من خلال تحديد القواعد التي تسمح بتمييز صحيح الفكر من فاسده  تتمثل في مسرح االتعزيه لذي يسعي لطرح قضية الحسين رضي الله عنه للمتلقي و خلق حاله ديالكتيكيه بين المتلقي والعرض تجعل من المتلقي ان يبلغ غايات دلاليه لتمييز صحيح الفكر من فاسده في قضية  الحسين 
أما قيمة الخير والتي توضح القواعد التي ينبغي علي الفرد إتباعها فتتمثل في مسرح الشارع من خلال رسالته التثقيفيه والتوعويه التي يقدمها العرض وصناعه بمد يد العون لمتلقيهم الذين ضلوا طريق البصيره بأن يهتدوا الي قيم الدين السمحة واتخاذ العظه من قصة الحسين 
أما قيمة الجمال والتي يتم فيها البحث في القواعد والمعايير التي يجب توافرها في اي عمل نطلق عليه صفة الجمال اي مراعاة القواعد والنظريات النقديه لمسرح التعزيه  حتي تتصف عروضه بالجمال والكمال 
فلسفة مسرح التعزيه 
مسرح التعزيه  نتاج تمازج بين ملكات الإنسان (العقل -الوجدان-السلوك )
لذا فإن مسرح التعزيه هو تعبير عن (نظريه فلسفيه) من خلال رأي او مذهب او أيدولوجيه تتمثل في قيم وقصة الحسين  المتمثله في الحق وتحقيق العدل ومنهج الحسين الثري 
والنظريه تعني خلفية المعرفه للنظريات العلميه المرتبطه بالفن سواء من نواحي العلوم الأساسيه او غيرها من العلوم التطبيقيه بينما الممارسه ترتبط اساسا بتكنولوجيا الإنتاج ويتم ذلك عادة بواسطة اشخاص لديهم قدر كاف من المعرفه 
منطق مسرح التعزيه 
يتولي علم المنطق دراسة ما يتعلق بجوانب قيمة الحق من خلال سمات لغة التفكير العقلاني 
ومن السمات المنطقيه في مسرح التعزيه 
مسرح التعزيه مرتبط بالشكل او بفضاء المتلقي او خارج العمارة المسرحيه فهو يقدم في ساحة امام المسجد او في الشارع 
موضوعات عروض مسرح التعزيه  تدرس صورة الفكر او التفكير بوجه عام أيا كان الموضوع الذي يدور حوله هذا التفكير حتي مع وحدة الموضوع والمناسبه الطقسيه فإن الموضوعات تخلق حالة جدليه تساعد المتلقي علي بلوغ الغايات الدلاليه من العرض 
ان الطريقة العلميه الأساسيه في تفسير وفهم التفكير العلمي لمسرح تبني علي دراسات علميه تسبق العرض يكون هدفها التجادل مع الموروث الشعبي المنتج للفعل الطقسي من خلال إعلاء قيمة ماتقدمه عروض مسرح التعزيه فتخلق رؤي جديده فكريا وبصريا. 
اخلاق مسرح التعزيه 
قيمة الخير تتمثل في عروض مسرح التعزيه كون تلك العروض 
1-تخدم المجتمع والناس وتمد يد العون للمهمشين والفقراء الغير قادرين للذهاب للمسرح فتذهب تلك العروض اليهم أينما وجدوا قاصدة بذلك تثقيفهم وتوعيتهم وتمييز صحيح الفكر من فاسده لديهم 
2-إعلاء قيمة الإنسانيه من خلال معايير الجمال والنفعيه والملائمه والجودة التي يطرحها العرض و
الجمال في مسرح التعزيه 

إن عروض مسرح التعزيه  والتي هي تعبير عن القضية الحسينيه  هي في حقيقتها إرضاء لرغبات المتلقي ليس علي المستوي الفيزيقي او الإجتماعي فحسب بل ايضا علي مستوي اللذة الخياليه .
وللخيال هنا معني واسع وهو ان أساسيات العمل الفني مثل الإتزان والإنسجام وكذلك المعني والدلالات التي يحملها العرض في مسرح التعزيه من الوجهة الوظيفيه النفعيه تثير الي إستجابة الخيال لدي المتلقي فتشعره بحالة إرضاء معينه تجعله يشعر كما لو أنه حصل علي فائده معينه والقيم الجماليه تتلخص في تحويل القيمه العلميه الي قيمة علي مستوي الجمال .
.النتائج التي وصل اليها الباحث
1-: الموروث الشعبي وإن كان هو المنتج للأفعال الطقسيه إلا ان علاقة الفعل الطقسي بالقيم تسيطر عليها المكونات العرفيه والوجدانيه والسلوكيه للأفراد والجماعات 
2- التمييز بين الافعال الطقسيه التي يتم محاكاتها واقعيا وبين مسرحتها يجب ان يخضع للعقل والمنطق فالمحاكاة افتعال تشخيصي وليست تجسيد واقعي حي
3- قيمة الفعل الطقسي هي موضوع العرض الذي يدرس صورة الفكر او التفكير بوجه عام 
4- مسرح التعزيه حالة طقسيه تهدف لإرضاء رغبات المتلقي ليست علي المستوي الفيزيقي فحسب بل علي مستوي اللذة الخياليه
5- مسرح التعزيه هو المقوم والمبصر للمتلقي في قبول الفعل الطقسي من عدمه وانصهار الفعل داخل بوتقة الموروث الشعبي
خاتمه
لقد عمدت في بحثي هذا لإبراز العلاقة بين الفعل الطقسي الناتج عن الموروث الشعبي  وبين القيم من اجل بلوغ القيمة الفلسفيه لمسرح التعزيه احد روافد المسرح الطقسي 
المراجع
1)الطقوس وجبروت الرموز تأليف منصف المحواشي 
(2)اشكالية المقدس تأليف الطوالبي نور الدين 
إ(3)سيسيولوجيا الخطاب الشيعي تأليف/الحيدري ابراهيم 


تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption