أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

المسرح السياسي في تونس مسرحية خمسون لجليلة بكار نموذجا / بوجمعة الدنداني

مجلة الفنون المسرحية



المسرح السياسي في تونس مسرحية " خمسون " لجليلة بكار نموذجا  / بوجمعة الدنداني


موقف

..إن الكاتب هو "في موقف" في عصره، إذ أن لكل كلمة صداها،ولكل صمت أيضا.إنني اعتبر"فلوبير"و"الأخوين جونكور"مسؤولين عن القمع الذي تلا حكومة الكوميونة لأنهما لم يكتبا حرفا واحدا لمنعه .

                                                  جون بول سارتر

مدخل عام

حول مفهوم المسرح السياسي العربي 

 

هل يمكن أن نحدد مفهوما للمسرح السياسي العربي؟

ظلت المفاهيم النقدية  المتعلقة بالإبداع غائمة في اغلب الحالات وذلك يعود أساسا لعاملين هما أن المبدع لا يقبل أن يوضع في قالب معين ونذكر مثلا قولة الشاعر أبو العتاهية ( أنا اكبر من العروض) أما العامل الثاني فمرتبط بالأول وهو أن الإبداع ليس علما صحيحا حتى تحدد له أسس وحدود وضوابط بل هو في اكبر معانيه الحرية، حرية الكاتب بل لعل أجمل النصوص التي كتبت تلك التي خرجت على كل النواميس دون أن يعني ذلك غياب التناسق والضوابط الداخلية لكل نص بتعبير أخر كل نص يصنع قوانينه الداخلية.

سنحاول في هذه المحاولة المتواضعة أن نحدد مفهوما للمسرح السياسي العربي رغم ندرة الدراسات في هذا الباب ، فالنقاد الدين درسوا ظاهرة المسرح وخا صة في تونس ركزوا على أبعاد طبقية آو جمالية أو اجتماعية أو تحولات اجتماعية وغيرها لكن المسرح السياسي في تونس قد تم تجاهله والتغاضي عنه  .

أجمل الأستاذ عبد الرحمان حمادي خصائص المسرح السياسي الغربي  (1) في هذه العناصر.

·         لم يأت كردة فعل على حدث سياسي عابر

·         نشأ ليستمر حتى وان انتهت الظاهرة السياسية السلبية

·         شكله شكل متقشف بعيدا عن البذخ

·         لا يطرح نفسه بديلا للمسرح التقليدي أو البورجوازي

ونضيف إليها

·         اعتماد التوثيق والحقائق وهو ما ذهب إليه مثلا اروين بيسكاتور في كتابه تسييس المسرح الصادر بألمانيا سنة1992

·         أدب مقاوم مثل المسرح الزنجي في أمريكا

ويعرفه الأستاذ مهند علي بأنه المسرح الراديكالي الذي يسعى لدعم التغيير الجوهري للايدولوجيا المسيطرة (2) وبهذا المعنى يكون المسرح وسيلة من وسائل الصراع وبالتالي يحارب بقية الأشكال المسرحية الأخرى لأنها ربما تعتبر مدجنة للمواطن آو بورجوازية ..الخ.

  كتب اسعد اردش :

ألم يكن المسرح سياسيا منذ نشأته ؟هل يخلو مسرح سوفوكل وموليير وشكسبير وشو وتولستوي من السياسة ؟ ويضيف نحن نقول بكل الاطمئنان إن كل المسرح الخالد ينطوي على الدعوة إلى الحقوق المقدسة للإنسان . ولكن رواد المسرح السياسي يقولون لا يكفي أن تتضمن الكلمة هذه الدعوة وإنما يجب  أن تفرض وان تستفز وان تتحول من مجرد الدعوة إلى التوعية والتثقيف والتوضيح والتحريض(3)

وغير بعيد عن هذا الفهم يقدم لطفي زغلول مفهومه للمسرح السياسي فيقول بأنه المسرح الذي يوظف القضايا والمشكلات السياسية الداخلية منها والخارجية إضافة إلى ماذكر بمجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية سواء المعلنة أو التي تدور في كواليس السياسة أو تلك التي تدركها الجماهير بفهمها الخاص ويتناولها هذا الفن بالنقد اللاذع والعبارات الساخرة، وينبه الأستاذ لطفي زغلول إلى الاحتياط من هذا المسرح لأنه قد ينزلق في التهريج ويقترب من التقليد السطحي والخوف كذلك من أن يجير لحساب السلطة بعدما كان من واجبه نقدها.. الخ(4)

عن سؤال  توجه به الصحفي حكمت الحاج للكاتبة جليلة بكار هل نحن نتحدث في نصوصك  عن السياسة ؟ أكدت على معنى الالتزام وذهبت إلى انه وعي سياسي أيضا وفضلت أن تسميه  مسؤولية المواطنة وكأنها بذلك أرادت أن تقول أن السياسة ليست بمعزل عن بقية الحقول الأخرى فكلها مندغمة في بعضها البعض ولكن أمام إلحاح المحاور: هو مسرح سياسي إذن ؟ أجابت بوضوح نعم .(5)

لقد رسمت حدود المسرح السياسي لنصها وهو الالتزام، الالتزام بالمواطن والوطن وان صراع الأجيال مثلا هو مسرح سياسي.

ألا يعطي هذا التفسير مفهوما فضفاضا للمسرح السياسي.

       فالمسرح السياسي العربي كما نلاحظ يكاد يكون على  نقيض المسرح الغربي  فهو عندنا يطمح إلى ضرب بقية الأشكال المسرحية واعتبارها مسرحا تهريجيا أو مواليا للسلطة  والبحث عن مسرح بديل لما هو سائد  كما أن، وهو الأهم ، النصوص المسرحية مرتبطة غالبا بظروف سياسية وليست ذات بعد استشرافي  مع استثناءات قليلة .

    إلى ماذا يمكن أن نخلص ؟

لا شك أن المعنى لا يبتعد كثيرا عن مفهوم النقد ، النقد للحياة السياسية ،لمكونات المجتمع السياسي ، لأسس النظام السياسي نفسه . فالنقد لا يترك مجالا لا "يفضح" فيه آو به السلطة السياسية آو الحياة العامة إلا ويستعملها وفضح أساليب القمع والتعذيب  ومنع الحق في التعبير وكذلك مقاومة الاستعمار

باختصار انه نقد مسالة الحكم. بعيدا عن استدرار عطف الجمهور او الميلودراما او التهريج والإسفاف آو دغدغة العواطف

هل يمكن القول أن المسرح التونسي مسرح سياسي ؟

 

اتفق النقاد والباحثون (6) على أن أول نص مسرحي تونسي كتبه محمد الجعايبي بعنوان (السلطان بين جدران يلدز) سنة 1909 (7) وبعده محمد الحبيب بنص (الواثق بالله الحفصي).. الخ.

         ومسرحية (السلطان بين جدران يلدز) تحكى في أربعة فصول عن فترة حكم السلطان عبد الحميد ا لثاني والحيرة التي تملكته بسبب ما أحاط بملكه من الدسائس ومؤامرات سواء من الداخل أومن الخارج والغربة التي أصبح يعيشها ولم يبق أمامه من منفذ إلا الصمود حماية لعرشه ولو لزم عليه استعمال القوة والعنف واستعمال الجواسيس والدسائس وتصفية الخصوم.

         وأبرز محمد الجعايبي فساد الحكم ورغم إمضائه لقرار إعلان الدستور إلا أن المظاهرات لم تنقطع بين مؤيد للدستور ومعاداته إلى أن تمت محاصرة وإسقاط السلطان.

         لقد سعى محمد الجعايبي إلى تصوير حاكم مستبد معزول ساهم مساهمة كبيرة في خلق الدسائس والمؤامرات وإطماع الدول الغربية في بلاده وكيفية التعامل مع المعارضين بالإغراءات  المالية أو بالتصفية. (8)

 

         يتضح لنا مما تقدم أن أول نص مسرحي يكتبه تونسي يتعرض فيه لمسألة الحكم.الحكم في الآستانة وتونس تحت الاحتلال التركي والفرنسي 

والنص الثاني الواثق بالله الحفصي لمحمد الحبيب تدور أحداثه حول قضية الحكم الشرعي الذي يجب أن يكون معتمدا سواء على الشرائع الإسلامية أو على العرف أو العادة، أما الحكم المزيف فهو غير شرعي وغير شريف وظالم وسافك للدماء وهاتك للحرمات...إلخ

         والنص الثالث في هذا التسلسل مسرحية احمد خير الدين (بدر الدجى  ) وهي مسرحية تتحدث عن فترة الدولة الفاطمية عندما تعلقت همة المعز لدين الله الفاطمي بفتح مصر وجعلها مقرا للخلافة الفاطمية بعد فشل كل من حاول قبله ذلك....الخ

         ولو نظرنا نظرة بانو رامية للمسرح التونسي الحديث لوجدنا إن كتابا عديدين اهتموا بمسألة الحكم ونذكر خاصة الكاتب عز الدين المدني سواء في رباعيته ثورة صاحب الحمار وديوان الزنج ورحلة الحلاج ومولاي السلطان الحفصي، وهي مسرحيات تعرضت لمسألة الثورة في المجتمعات وكيفية انهزامها وفشلها ولكنها في المسرحية الأخيرة تنجح لأن الشعب أخذ الأمر بيده ولم يعوّل على الحكام ولا الثوار. كما أن مسرحية (تعازي فاطمة) من أخطر المسرحيات التي في اعتقادي لم يلتفت إليها النقاد وهي مسرحية تفضح  الدسائس والدجالين من أجل الاستيلاء على السلطة وتقويض أركان الحكم باسم الدين والدين براء من كل ذلك..وكيف قام دجال شيعي باسم المهدي المنتظر ودس جواسيسه في بلاد المغرب العربي لإقامة الدولة الفاطمية .الخ

         أما مسرحيات جليلة بكار – موضوع دراستنا - وهي على التوالي (البحث عن عائدة) و(جنون) و(خمسون) التي سنتعرض إليها بالتفصيل لاحقا، فكلها مسرحيات تفضح أدوات الحكم.

ففي مسرحية (البحث عن عائدة)تروي الكاتبة جزء من نضالها ونضال احد أقاربها الذي تطوع للنضال في فلسطين وكيف تطوع ثم أعيد قبل أن يجتاز حدود إحدى الدول العربية وبهذا الموقف تضع الشعب المناضل في صف والأنظمة العربية في صف أخر ثم تروي قصة الفتاة عائدة الفلسطينية التي هجرت من بلادها سنة48 لتستقر بأحد المخيمات في لبنان

وتظل الكاتبة تبحث عن عائدة الضائعة والمطاردة من بلد لبلد. البحث عن القضية الفلسطينية

التي ضاعت وتعمدت الأنظمة العربية والأجنبية طمسها .

 وهكذا التهجير والتشريد وإقليمية الأنظمة العربية قادت إلى هزيمة67.

أما مسرحية (جنون)فرغم أنها مقتبسة عن دراسة حالة نفسية إلا أن الكاتبة استغلت الدراسة جيدا ووظفت شخصية( نون) توظيفا يتجاوز الشخصية ليشرح عائلة( نون )ومن ورائه المجتمع المصاب بالفصام : الأب سكير ومستبد ويؤدي فرائضه الدينية وأم مسحوقة وإخوة عاطلون عن العمل وأخوات مومسات  واستغلال وفقر وبطالة وعجز . انه مجتمع ضعيف ومفرغ من كل عناصر القوة فكيف يمكن له أن يواجه الأزمات الداخلية والخارجية .

مريض مصاب بالفصام لايكاد يدرك شيئا ولا يعي شيئا وبالتالي مسلوب الإرادة .معوق.

طبيعي جدا أن تقود هذه الوضعية الاجتماعية إلى الجنون . أن يغيب الإدراك والوعي ويتحول المرء إلى مجرد آلة عاجزة ومحاطة بكل أسباب السقوط..

النص تغلب عليه الصبغة الاجتماعية ولكن في مفهوم جليلة بكار هذا نص سياسي لأنه يبحث عن جذور هذا الجنون فيجده في آليات اجتماعية وسياسية قادت نون إلى هذا الوضع الاجتماعي المتأزم والمجتمعي المشلول.

كأن هناك من يرغب في أن يكون المجتمع على هذه الحالة المزرية المهينة والمهانة .

مما تقدم يمكن أن نحدد بعض العناصر التي يقوم عليها المسرح السياسي العربي عموما والتونسي خصوصا

·         مسرح تغلب عليه النزعة النخبوية ولهذا مازال بعض الكتاب يعتقدون بان المسرح والإبداع عموما نخبوي وان سعى سعد الله ونوس في مقدمة مسرحيته( راس المملوك جابر) إلى تقديم شكل فني يمسح ما هو موجود بين صالة العرض والمسرحية لخلق مسرح قريب من الجمهور وهو ما سعى إليه أيضا عزا لدين المدني من خلال إشراك الجمهور في مسرحياته وترك الحوار مفتوحا معه.ولعل هذا يعود إلى أن هذا الفن الجميل يعتبر فن مستورد وبالتالي مازالت الذائقة لم تستسغه .

·         مسرح اديولوجي بديل

·         تكون تحت وصاية المؤسسات العمومية مثلا مسرحية( واقدساه) للمنصف السويسي

·         مرتبط بظروف سياسية معينة ، اغلب المسرحيات العربية جاءت كردة فعل على واقع عربي مهزوم وخاصة اثر هزيمة 67

·         يعتمد على التاريخ ، ابرز التجارب اعتمدت على التاريخ ونذكر خصوصا تجارب سعد الله ونوس وعزا لدين المدني

·         يعتمد على التوثيق والتأريخ

·         مسرح بدأ يقتحم مناطق محرمة مثل اختيارات السلطة الحاكمة

المـراجع

(1)المسرح السياسي في الغرب ونظيره في الوطن العربي

Alfawanis.com/masrah

(2) المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية مهند علي

Airssforum.com

         (3) راجع المخرج في المسرح المعاصر-سعد اردش-سلسلة عالم المعرفة    لسنة1979

            (4) اتحاد كتاب الانترنت العرب المسرح السياسي العربي /لطفي زغلول

           (5) حوار بجريدة القدس  لجليلة بكار Facebook.com

(6) راجع نص المسرحية في كتاب رواد التأليف المسرحي في تونس-الشركة التونسية للتوزيع للكاتبين عزا لدين المدني ومحمد السقا نجي وكذلك تعليق محمد المديوني على المسرحية بمجلة الحياة الثقافية الخاص بالمسرح لشهر جوان 2009   

(7) هناك اختلاف بين المرجعين المذكورين في الملحوظة رقم (6) حول تاريخ كتابة مسرحية محمد الجعايبي ففي حين يعتبرها عزالدين المدني ومحمد السقا نجي سنة 1909 يعتبرها محمد المديوني سنة 1911   

 (8)الحياة الثقافية/عدد خاص بالمسرح/ محمد المديوني ص 57 جوان 2009

خـمسون

مسرحية سياسية بامتياز

 

لماذا اعتبرنا هذه المسرحية مسرحية سياسية بامتياز؟ سنحاول أن نجيب على هذا السؤال بعد أن نستعرض أهم الشخصيات والأحداث

نص المسرحية :

 

لو أعدنا ترتيب مشاهد المسرحية  حسب التسلسل الزمني لقلنا إن البداية كانت مع انتماء يوسف للعمل النقابي والجمعياتي ثم الحزب الماركسي ودخوله السجن، يوسف متزوج من مريم ولهما ابنة تدعى أمل.

مريم رأت السجن عندما ذهبت لرؤية والدها المورط مع الحركة اليوسفية وعمرها اثني عشر سنة ثم انتحر من جراء التعذيب. ثم عادت للسجن لرؤية زوجها المورط مع العامل التونسي ثم لزيارة أخيها سنة 78 المتورط مع النقابيين وإليه رجعت لزيارة ابنتها. ابنتها التي أطردت من الجامعات التونسية بسبب مشاركتها في المظاهرات المنددة بزيارة شارون لتونس فالتحقت بالجامعات الفرنسية وهناك تحصلت على الأستاذية في اللغة الفرنسية وتعرفت إلى خديجة وجاك دومينيك، ناشطين في جمعيات ثم تعرفت إلى الطبيب فرنسوا، سيف الدين كان تروتسكيا ثم اعتنق الإسلام، وتعلقت به أمل وأصبحت خطيبته.

عندما أنهت دراستها عادت إلى تونس وقد ارتدت الخمار. تصل معلومة من المخابرات التونسية, أن فرنسوا اختفى فقام الأمن التونسي بإيقاف أمل في المطار واستجوابها. ثم أطلق سراحها وعادت إلى منزلها ولكن والدها أطردها من المنزل بسبب ارتدائها للخمار فخرجت تبحث عن مأوى إلى أن عثرت على جودة وحنان، فتاتان واحدة مطلقة وأستاذة فيزياء وعلى علاقة بتلميذها أحمد ألمي والأخرى خطيبة جميل.

جودة سرقت معلومات من أحمد الذي كان يعد لعملية انتحارية وقد استلف مخزن جميل وقام بتصوير شريط وهو يعد للعملية الانتحارية لكن جودة كشفت الخطة. وأخذت المتفجرات التي تم إعدادها في بيتها وذهبت لمعهدها وفي الساحة فجرت نفسها وذلك في نفس الفترة التي انعقدت فيها بتونس الندوة العالمية للمعلومات.

يقوم الأمن بإيقاف الفتاتين أمل وحنان والشابين أحمد وجميل ويدخل طور التعذيب. تتذكر مريم تعذيب زوجها الماركسي وما وصل إليه من تحطيم. وترى صدفة  البوليس قدور الذي عذب زوجها وطاردته لتعرف منه الحقيقة والحقيقة ليست أكثر من أنه ما قام به إنما هي تعليمات وأوامر وليست اجتهادات فردية وبالتالي الإدانة تتجه مباشرة للسلطة وليس لعون الأمن المنفذ.

وتتم إدانة أحمد واعترافه واضح، ويقر بصنع المتفجرات.

 أمل متصوفة أكثر منها مؤمنة بالأفكار المتطرفة. وفي نفس الوقت الذي تحن فيه أمل لأبيها وتعترف بحبها له وبحسن تربيتها يموت الأب يوسف يوم 20 مارس 2006، يوم الاحتفال بخمسين سنة على الاستقلال.

المسرحية تفتح بانتحار أستاذة شابة، أستاذة فيزياء، وتنغلق بموت يوسف بعد صراع طويل مع المرض.
..................................

راجع نص المسرحية /عن دار الجنوب –تونس2007

 

شخصيات المسرحية وأحداثها

1-             شخصية يوسف :

يوسف انتمى للعامل التونسي فحوكم وحكم عليه باثني عشر سنة سجنا. لا نعرف عنه أشياء كثيرة سوى هذا الانتماء السياسي الذي انجر عليه تهشيم في ركبته ومرض السرطان في الحنجرة، انجر عنه عدم القدرة على الكلام فظل صامتا طوال المسرحية ولا يظهر إلا محطما ، ضعيفا مسلوبا. يدخله رفاقه ثم يغادرون ويتركونه وحيدا ولا يجد إلا زوجته مريم تتحمل مرضه وعجزه وتنطعه .

 أزمة يوسف الجديدة تتمثل في تحجب ابنته وهو آخر ما كان يتوقعه. تعود من فرنسا، بلد العلمانية بحجاب. فرفض قبولها وأطردها من منزله واختلى بنفسه وأغلق الباب عليه.

ظل يوسف يعاني مرضه( الركبة المهرشمة والأربعة عمليات والوجايع اللي لتوه تتحير وتبيته فايق يغوث) ص135 ومرض السرطان في الحنجرة

 ودخل المستشفى لينتهي إلى الموت يوم 20 مارس 2006 يوم الاحتفال بعيد الاستقلال الخمسين. ص 135.

الكاتبة قمعت دور يوسف ووجوده.وإذا كانت شخصية الأب في المسرحيات البحث عن عائدة او جنون غائب تماما (1) فان وجود الأب في خمسون وظهوره لم يكن إلا انتقاما منه. انه خرقة باتم معنى الكلمة .حضور سلبي عاجز تصرف اخرق ردة فعل تجاه ابنته مثلا لاتنم عن وعي وإدراك لما يحدث ، تجمد فكره و أصبح عاجزا مثلما كان عاجزا محكوما بالسجن عاجزا عن الكلام، محروما واليوم لم يستطع أن يستعيد ابنته. رفض كليا قبول تحولها إلى التيارات الدينية مهما كان نوعها.ورفض أن يفهم وكأن العالم توقف عند الجدلية المادية.

فقد يوسف ابنته أمل ففقد الأمل .حاولت لمياء أن تعوضه هذا الفقدان( احسبني بنتك/ سي يوسف /انت البو اللي كنت نحلم بيه/ من حيت كنت صغيرة) ص148وان تذكره بأيام النضال عندما كان صوته يملا القاعة ويكهرب الجو وأنها اليوم جاءت لتعبر له عن تقديرها له وان الفكر الذي دافع عنه لم يمت ومازال يدفع بعجلة التطور والتقدم وأنها ضد الاستسلام والتخاذل والنسيان ص149.

لكن مريم ترفض ذلك لأنها مازالت مؤمنة بان ابنتها أمل سترجع عن الطريق الذي سارت فيه:  أمل بنته

 وبنته الوحيدة ص150

.......................................

(1)          راجع مجلة الحياة الثقافية عدد جوان 2009 احمد الحاذق العرف ص57

ويموت يوسف. وإذا كان موت جودة كان مدويا، فإن موت يوسف كان هادئا وفي صمت وببرودة تامة.

2-             شخصية مريم :

أ‌-                 مريم ويوسف

أول مرة يرد فيها ذكر مريم يرد في موقف ابنتها أمل (أم ملحدة) ص 46 مريم زوجة يوسف بالناصر، المناضل الماركسي وأم أمل المتهمة بالانتماء لتيار ديني متطرف.

أم موزعة بين تيارين متطرفين ترفض مريم أن تكون رهينة لتيارين متطرفين

je refuse d ‘être l’otage de deux inlegismes)   ص 96).

لكنها تتعامل مع هذه الوضعية بمسؤولية الزوجة ومسؤولية الأم، مريم وجدت نفسها في وضعية عائلية معقدة : الأب يوسفي حوكم وتم سجنه إلى أن مات تأثرا بالتعذيب وبالانهيار النفسي الذي عاشه ومنعت هي من حقها في الحصول على جائزة بسبب هذه التهمة وهي لم تبلغ الثانية عشر من عمرها.. ثم في سنة 72 حوكم زوجها يوسف بتهمة الانتماء للعامل التونسي وحكم عليه باثنتي عشر سنة سجنا وظلت تنتقل بين سجني برج الرومي و9 أفريل، ثم في سنة 78 تورط أخوها مع النقابيين والآن تتورط ابنتها سنة 2004 في تهمة الانتماء لتيار ديني متطرف هذا دون اعتبار إيقافاتها هي التي تواضعت ولم تذكرها.

علاقة مريم بيوسف علاقة استثنائية. رجل شبه ميت عاجز تماما ولكنه ظل مؤمنا بأفكاره و قناعاته تحولت إلى أوامر (إذا أمل تلبس الخمار نقطعها) هذا ما قاله يوسف عن ابنته عندما بلغه أنها ارتدت الخمار. عبرت لصديقتها المحامية عن رفضها لهذا التطرف ولكنها تحاشت مواجهته. مريم لم تنس ما أصاب يوسف رغم مرور السنوات، سنوات عديدة ودخلت في متاهة المرض والمستشفيات ورغم كل هذه الظروف القاسية لم تنس أن تهديه يوميا وردة ص133 إلى درجة أن جرت سخرية البوليس على هذا السلوك الحضاري . وحاولت الانتقام لزوجها من البوليس قدور الذي هشم ركبته بمسطرة حديدية. ظلت تراقبه وتبعته من البار إلى الشارع إلى منزله وحاصرته بالأسئلة ، لقد مارست عليه القمع الذي تدينه وحققت معه لمعرفة الحقيقة.

البوليس قدور أحيل على التقاعد، كان يصلي، توقف وعاد للشرب، كبر يجر رجله اليسرى. فكرت في إحدى المرات بقتله بسيارتها ولكنها تراجعت حتى لا تتحول إلى مجرمة (ص 121). قدور فقد كل شيء مهنته،  أسنانه، يتبول في الشارع، لا يتحكم في خطواته. لكنها مارست عليه ضغطا قويا، تبعته في كل مكان، لماذا هذا التعذيب لماذا حرمها هي وزوجها وابنتها من حياة كريمة هانئة وزيارة الأقارب (ص135) وتذكره بالركبة التي هشمها وبالعمليات التي أجراها والآلام التي يشعر بها والجسد الذي تشوه وبزند يوسف الذي غرس فيه قدور أسنانه وظلت إلى الآن الآلام والآثار على الزند.

مطاردة البوليس قدور أدخلت مريم في دائرة الشبهات. رآها أحمد، تلميذ جودة التي فجرت نفسها، تدخل إلى بار وتخرج مع قدور البوليس. يهاتف جميل ويعلم جودة وحنان بأن أم أمل (امرأة فاسدة وكافرة)ص140 ولكن مريم تواصل التحقيق اليومي مع قدور وتصل معه إلى أنه يتلقى أوامر فيطبقها، قد يجتهد ويبالغ ولكن هو لا يكره الذين عذبهم ولا يعرفهم وليس بحاقد عليهم  هو يحب زوجته شاذلية وأبناءه.ص192 انه بشر. فالإدانة متجهة لمن يأمرونه والجهة التي تأمره بالتعذيب. (ص153)

ب – مريم وأمل :

أمومة فائضة "الحمد لله موش بنتي الحمد لله موش بنتي" (ص65) لفظت بها عندما بلغها خبر تفجير الأستاذة جودة نفسها في إحدى المعاهد، كانت تشك، قد تكون ابنتها ولكن سي خميس الموظف بوزارة التربية أكد لها أن المعنية ليست ابنتها، ففرحت ولم تخف فرحتها ورددتها مائة ومائتان خمسون ألف مرة بها في سرها. إنها الأمومة التي تظهر وتبرز رغما عن كل الإيديولوجيات والانتماءات رغم موقف ابنتها منها (أم ملحدة) وتقصد طبعا شتمها. تواصل الأم "ما نحبش اللي صار لجودة يصير لأمل. نحب بنتي تحي تكبر تعشق تحبل تعيش (ص64)" .

وتدافع بضراوة عنها وهي الموقوفة بتهمة خطيرة ضد البوليس ليث، كل التهم عند مريم (هدرة فارغة ص 64) Foutaises. وأمام ضغط البوليس تقول "أعطيني حجة تدل اللي بنتي متورطة". وتضيف "أمل متصوفة وتكره العنف " وأمام إلحاح ليث تقول (هذا كله من شارون)  وتلك هي القنبلة التي تفجرت في وجه الجميع.

عندما تراها بعد الإفراج عنها تنظر إليها غير راضية على الخمار تبدأ المواجهة فتقول "كاينك بباصة" إشارة إلى تشابه ما يسمى بالزي " الإسلامي" بلباس الأخوات المسيحيات. ولكن بسرعة تسأل "ضربوك ؟ ضعفت تحب تاكل حاجة" (ص 92-93) حضرت لك بيتك" فتضعف أمل أمام هذه العواطف فترتمي في حضن أمها. ولكن الصدمة مع الأب الذي يرفض قبولها ومع ذلك تظل الأم محافظة على عواطفها الجياشة تجاه ابنتها التي ترفض البقاء وتصر على المغادرة ولكن مريم في لحظة فيضان الأمومة تصرخ باتجاه غرفة يوسف (طبعا لم يسمعها) "ما عندوش الحق يعمل هكة" وتقول جملتها الخطيرة جدا باللغة الفرنسية (أرفض أن أكون رهينة حركتين متطرفتين) ص96).

الأم غير قابلة لتحول ابنتها ولكن مستعدة للنقاش وهو أمر يرفضه يوسف .

من خلال هذا الموقف يبرز أن مريم ليست رهينة فعلا لزوجها ولا لابنتها بل هي مدركة للوضعية وتحاول أن تصلح ما يمكن إصلاحه دون أن تتنازل عن قناعتها الإيديولوجية التي قد  تقودها إلى فقدان ابنتها.لكن الأمر يستحق المحاولة. ربما أيضا مستعدة للتعايش بين الإيديولوجيتين رغم رفضها لموقف ابنتها غير المفهوم .

تعايش يحافظ على توازن الأسرة.

مريم دينامو العائلة. حريصة على مسك العصا من الوسط إن لزم الأمر. خروج أمل مطرودة لم يفقد مريم الأمل في العثور عليها وظلت تبحث عنها إلى أن عثرت عليها في جامع أثناء الصلاة. فتدخل وتضع الخمار على رأسها وتنتظر ابنتها إلى أن تنتهي من الصلاة ويتفرق المصلون. وتبدأ المواجهة التي تبدأ بصيغة استعطاف ( بوك دخل للسبيطار) ص 103. أمل تتجاهل وتطرد أمها (استناني لبرة) ربما لأنها ملحدة لا يحق لها الدخول إلى الجامع، تصر الأم على أن الأب مريض ولا بد من عيادته فتصر البنت على أنه أطردها، الرجل الذي رباها على الحرية واحترام حق الاختلاف "يطردني" وكأن الأم تتحمل مسؤولية ذلك فتقوم وتبتعد عنها وتلاحقها الأم "لكنه خائف عليك، لقد علمك الجدلية المادية والتساوي بين الجنسين فتتركين ذلك وتلتحقين بمن يريدون منك العودة إلى الوراء وتحلمين بمجد الأولين وتربطين تاريخ تونس فقط بالفتح الإسلامي، علّمك اللغة العربية وتاريخ الأديان علّمك كيف تكونين حرة فإذا بك تحجبين شعرك وتغطين زندك وكأنك (عورت عينك ونقبت وذنك وخيطت فمك وحرقت يدك) ص 106 ولكن الالتقاء لا يتم فأمل ترفض أن تكون مجرد مطية لأي فكر كان.

3-شخصية أمل :

درست بفرنسا وتخرجت أستاذة فرنسية. وتعرفت هناك على خديجة، طالبة مسلمة  جزائرية الأصل قادتها إلى حلقات نقاش وجمعيات عمل تطوعي لإعانة المساكين والمهمشين والغير مندمجين إلى أن وصلت أمل إلى درجة من الانهيار فعرفتها على صديقها الطبيب فرنسوا شهر سيف الدين تروتسكي قديم وأصبح مسلما وأحبته. أمل في البداية كانت ترفض الانتماء إلى التيارات الدينية (ص73) ولكن تحت إلحاح خديجة دخلت ولم تخرج. وقررت أمل أن تعلم والدها بتحولها الفكري. وتتفاجأ الأم ويوسف، يوسف أغلق على نفسه في بيته والأم لم تستسلم وظلت تحاول إقناع ابنتها بالطريق الخطأ الذي تسير فيه ولكن أمل تضع كل الذي تعلمته من لائكيه و مادية جدلية وتساوي الجنسين في كف وأن النضال في سبيل الله هو الدائم.

أمل وجدت نفسها بين خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، متناقضين كل التناقض.خط بنى رؤيته الفكرية على فكر مجرد كأنه مسقط إسقاطا على الطبيعة البشرية. لم يراع الذات ولا النفس البشرية ولا الطبيعة ولا التاريخ ولا التراث ولا الدين والفكر والوطن.حاول أن يرتفع فوق ذلك كله ليؤسس لنظرية أسماها بالمادية الجدلية.العالم كله مادة و مادة فقط. وخط نقيض ذلك كله اعتبر أن الدين الذي ناقضه الخط المادي واعتبره أفيون الشعوب، هو أساس الحياة وأن الله هو المشرع وحياة الناس ليست أكثر من غيب وأن النص الديني بتأويلاتهم الخاصة هو المرجع وبالتالي الإنسان : رجل وامرأة  والمرأة في مرتبة أقل بكثير من الرجل ،حسب النص الديني والتأويل الإخواني وكل التيارات الدينية مهما كان مصدرها ..

لماذا "انحرفت" أمل :

وجدت أمل نفسها في عائلة ماركسية لا تؤمن بالدين بل تعاديه ولا تعتبر الإنسان إلا مادة بلا روح. حلقات متواصلة غير منقسمة. الماركسية تعتبر الإنسان ابن لحظته مفصوم عن تاريخه ومفصول عن السماء . التيارات الدينية تعتبر نفسها ابنة السماء ومفصولة عن الأرض والحياة والدين.

خطان لايلتقيان أبدا.

في هذا التضارب والتناقض وجدت أمل نفسها مجبرة أن "تسقط" في الشق الثاني لأن الشق الثاني غيبي بلا حجة سوى حجة الدين والله والآخرة والترهيب في حين أن التيار الأول يمتاز بعقلانية والعقلانية دائما ضعيفة أمام الغيب والشعوذة والسحر.لان الإنسان بطبعه ضعيف ويبحث عن الإجابة التي تريح أكثر من الإجابة المجهدة . ظلت أمل تقاوم في البداية ولكن في النهاية أسلمت أمرها لصديقتها خديجة وخطيبها سيف الدين. الدين يملؤها روحانيا ويريحها من البحث عن أسئلة جوهرية ووجودية كثيرة لتلقي أتعابها وإرهاقها وعجزها على قوة غيبية هي المنظمة للكون وهي التي لديها الإجابة. ولكن هل أن أمل استسلمت فعلا للتيار أم هي ردة فعل استوجبتها ظروف سياسية؟

هنا إدانة ضمنية ومباشرة أيضا للفكر الذي يبحث عن جذوره بعيدا عن أصوله وفكره. وتتجلى هذه العدوانية الماركسية في معاداة كل ما هو عربي (إمالا نخليك تحلم بالجواد العربي الأصيل ص 107).

وعندما تذهب أمل إلى فرنسا تتعلم اللغة الفرنسية وعندما تعود ويقبض عليها تتكلم باللغة الفرنسية في بلد لغته العربية. إنه الانبتات الفكري فذهاب أمل للدين هو رفض للفكر الذي تربت فيه ولم تجد فيه ذاتها بل وجدت كل شيء مسخا في هذا الانتماء للعالم وللكون والإنسانية وليس هناك انتماء خارج الانتماء للذات أولا وأخيرا.

 ألم يقل بعض الكتاب والمفكرين إن انتماءهم للإنسانية كان من انتمائهم لخصوصيتهم .

النقطة الثانية التي أدت بأمل إلى هذا" الانحراف" تتمثل في قول مريم الأم :"هذا كله من شارون" طبعا شارون ليس فقط الذي دنس المسجد الأقصى الشريف سنة 2000 بل الاستعمار بكل أصنافه احتلال فلسطين واحتلال العراق وأفغانستان واحتجاجات الطلبة والمسيرات والإضرابات وتدخل الأنظمة بالقمع والمنع والامبريالية والصهيونية والأنظمة العميلة والعجز العربي ومتابعة القنوات لإحصاء عدد الموتى وهو ما فسرت به غضب جودة وانقيادها لتفجير نفسها : جودة كان هززها غش كبيرو نقمة(ص44).

النقطة الثالثة وهي التي شعرت بها أمل عندما انتقلت للدراسة بفرنسا و نظرة الآخر إليك كعربية،إلى ثقافتك وتاريخك رغم أنها تربت على عقلية أنها ابنة البشرية والإنسانية Citoyenneté du monde وآمنت بها. لا فرق عندها بين الناس والأجناس والأديان والملل والنحل ولكن هناك اصطدمت بتهمة عربية مسلمة رغما عنها. الآخر هو الذي يذكرك دائما أنك تختلف عنه بالرغم من أنك مستعد لتجاوز هذا الاختلاف أو احترام هذا الاختلاف.

النقطة الرابعة : لها صبغة ذاتية، فتاة تريد أن تعبر عن مواقفها مما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان. طالبة بالجامعة فترة فورة دم الشباب والانتماء والإحساس بالمسؤولية وبالتعبير عن الآراء ،وفي غمرة هذه الاحتجاجات وقع منشور في يد الأمن انجر عنه إحالة أمل على مجلس تأديب الجامعة وطردها من كل الجامعات التونسية.

بورقيبة كان يقول البلد الذي لا توجد به جامعة حية متحركة نشيطة هو بلد ميت.

نقطة أخرى لها بعد تربوي، مهما كانت الثقافة في مجتمع عربي مسلم لا يقبل بسهولة ثقافة غربية ليبرالية مهما كانت درجة الحرية. أن تقوم أم لابنتها بنصيحتها عندما تعلمها بعــلاقتها بالطبيب فرنسوا شهر سيف الدين باستعمال الواقي ،préservatif

هكذا باللغة الفرنسية مما يعني الإحراج الذي تشعر به الأم وهي تنصحها بممارسة الجنس مع استعمال الواقي. اللغة الأجنبية غطاء لعجزنا عن التعبير بلغتنا في أدق تفاصيل حياتنا الجنسية. فلنتحرر لغويا أولا .

أعتقد أن الملاحظة على بساطتها ظاهريا خطيرة فكريا. فالفتاة هنا وكأن والدتها وضعتها في موضع الشبهة. عقلية ليبرالية لا تستقيم في مجتمع مسلم ما زال يقدس العذرية (ص72) والدها الماركسي يرفض هذه العلاقة و لم يتخل عن غيرته وهي مشاعر لا علاقة لها بالمادية الجدلية.

النقطة الأخرى تتعلق بالجو الذي عاشته أمل. الأب سجن لمدة اثنتي عشر سنة. الأم كذلك أوقفت عديد المرات. جدها يوسفي انتحر من جراء التعذيب، خالها كذلك حوكم مع النقابيين. هذه المحاكمات والاعتداءات تتخمر في الذهن وتخلق عداوة تجاه سلطة ما ويصبح المرء يبحث عن وسيلة للانتقام ويكون مهيأ للانتماء . قد تكون أمل وصلت إلى قناعة أن الفكر العقائدي لا يوصل إلى نتيجة بل لا بد من "فكر" غيبي يجر وراءه الانتصار.خاصة أن بعض التيارات الدينية استولت على السلطة في إيران مثلا وفي أفغانستان أو قامت ببعض العمليات الاستشهادية المدوية .

شابة مستعدة للسقوط.

نقطة أخرى أيضا هي هذا المد القوي الذي تسربل بالدين واعتمد الجهاد. ظاهره الجهاد، ضد المحتل والأنظمة العميلة وباطنه الدين والرجعية والتخلف. تحولت إلى حركات خيرية واجتماعية تحمي الشباب من الشوارع والبطالة والفقر وتعلمهم وتؤطرهم (ص35). هذا المد الديني أصبح عالميا ولم يعد يكتفي بالنصيحة وبالأفكار بل تحول إلى مارد يضرب في كل مكان ويقتل ويدفع بالشباب إلى تفجير نفسه. كل الوسائل متاحة ومباحة.

نقطة أخرى وهي الشعور بالدونية، عندما نرى المجرم شارون يدنس القدس الشريف ويعتدي على الفلسطينيين ثم يأتي ليشارك بمؤتمر عالمي حول الإعلامية ليدنس أرضنا عوضا عن محاكمته ورفض قدومه جملة وتفصيلا حتى وإن كان المؤتمر ينضوي تحت منظمة الأمم المتحدة فالدول لها سيادتها. هذا الشعور بالغبن يولد الرفض يولد البحث عن أسباب هذا التخاذل والضعف والدونية. حتى المواطن البسيط الغاضب يريد التعبير عن رأيه عن رفضه، يتجمعون ولكن البوليس يوقفهم (ص39) يتفرقون أذلاء.

الكاتبة بتقديمها لكل هذه المبررات لم تلجأ إلى طريقة التقليل من قيمة هذه التيارات، لم تتعارض مع نفسها في حق هذه التيارات في الوجود وإن كانت ترفض ذلك فكريا. ولكن حرية الرأي مكفولة للجميع وإن كان البعض يستعملها باسم الديمقراطية لأغراض شخصية سياسية بحتة لا علاقة لها بالفكر. لم تقل الكاتبة مثلا انحراف هذا الشباب يؤدي إلى أزمات نفسية مثلا بل حمّلت السلطة كل هذه الانحرافات.

لا بد من الإشارة إلى أن الكاتبة لم تذهب ما ذهب إليه الكثير من المحللين والسينمائيين (ألنوري بوزيد) والروائيين (عمارة يعقوبيان) من أن الفقر هو الذي يقود إلى الانحراف والانتماء للتيارات الدينية وفيه تنمو كل التيارات اليمينية المنحرفة. فطه الشاذلي مثلا في رواية علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) انتمى للتيار الديني وتطوّع بنفسه ليقوم بعملية جهادية إثر رفض دخوله إلى مدرسة الشرطة لأن والده فقير وبواب عمارة ولأنه في كلية الاقتصاد التي انتمى إليها لاحقا وجد نفسه ضئيلا وحقيرا أمام إغراءات  المال الفاحش.

فأمل وجودة وحنان وجميل واحمد وسيف وغيرهم أساتذة وأطباء وطلبة لهم ثقافة وإطلاع ولم يذهبوا إلى هذه التيارات من باب الجهل أو الفقر .

علينا أن نبحث عن أسباب أخرى لهذا السقوط .

4-شخصية المحامية

شخصية المحامية ليست مؤثرة في الأحداث ولكن خطورتها تنبع من كونها مثقفة تدخلاتها طريفة ودفاعها وتعاليقها الساخرة : هاني جبتها لكم كاملة

                                    تنجمو تثبتو/

                                    عرسولها ص92

متحدثة عن أمل بعد إطلاق سراحها وكأنها لم تتعرض للاغتصاب.

لكن الأهم بالنسبة للمحامية أنها جسدت المثقف الانتهازي بامتياز:

                                  عاهدك بيهم تصالحو/

                                  يساريين

                                  قوميين

                                  واسلاميين

                                الناس الكل وخيان ص94

5-التعذيب والعنف الفكري

تنفتح المسرحية على مشهد لمحجبات وهن يقمن بعملية الوضوء ونزع الأحذية ومسح الأحذية ومسح الساقين والتنقل فوق السجاد والتيمم وهن يرتدين نفس اللباس والرجال كذلك يقومون  بنفس الحركات ويضعون عراقيات سود على رؤوسهم – ص9-10 مقابل ذلك يبدأ هيجان الناس وفوضاهم وهم يخبطون خبط عشواء في الطرقات ويجهلون ما حدث وآذانهم مصوبة تجاه وسائل الإعلام الأجنبية  لمعرفة ماذا حدث لماذا فجرت نفسها ؟ وهل المعلومة صحيحة أم لا؟–ص15-

إنهما صيغتان من صيغ التعذيب والقمع، تعذيب في أن تقوم بحركات جماعية متشابهة غالبا ما تكون غير إرادية  تقليد أعمى يفسر ذهنية متواكلة مستسلمة وتنبئ بعقلية لا تفكر، والقمع عندما تجهل ما يحدث حولك وأن هناك من يملك المعلومة ويحرمك منها.

         ركزت الكاتبة على نوعين من التعذيب إذا استثنينا احتلال الشعوب وغزوها، التعذيب المعنوي والتعذيب الجسدي.والقمع الفكري

التعذيب المعنوي:

 يبرز خاصة في الشتائم : هاو اليوم كبلك سعدك ص24. ما لا  تهردت عليك ص 25 هاو قال عاملين ميخانة ص25. البوليسية تعيط في وجهو ص29 إنت اليوم إنسان باش يتهرس ص33 – ياخنينة ص34- لازم فاقت بيك موش راجل ص35- سخطة على قبك- ص50 ما أبهمك ما تعرفش يابقرة –ص54 tu es vierge -  ص55- بليدة-ص91 –شر –ص 125-أش يهم أصلك – ص136- في حوار بين جميل والبولسة يطلب كأس ما ء فيرفض يترجاه فيقول له يلعن ولديك فيسأل لماذا فتجيبه وسيلة على خاطر ما كش راجل؟؟

تعبر هذه الأمثلة التي يعج بها النص  عن عدم احترام لحقوق الإنسان وعدم احترام للذات البشرية فالمتهم مدان في أعين الأمن سواء ثبتت عليه التهمة أم لم تثبت .المهم كما قال قدور"اتلهى بيه"ص129

التعذيب الجسدي:

تقتحم جودة ساحة المعهد وتفجر نفسها ص13 قمة العنف والتعذيب الجسدي كردة فعل على ممارسات سواء داخلية أو خارجية غير مقبولة ، ويبدأ تطويق الحومة والمداهمات والاعتداءات ص14 ويهيج الشارع ثم مداهمة حنان ص16 وتبدأ التحقيقات والأبحاث والتنكيل والحرمان من الأكل والنوم .ياحنان ...ياحنان

في بالك منعت مني

أنا اليوم نفتقك من بعضك

شعرك انتفهولك شعرة شعرة

ظوافرك نقلعهملك بكلاب حامي

نزنطك

ونبعثك للزميل شفيق

يطفي فيك باكو ارتي يا حنان

لهنا الكل يعرفوني

نانا وسيلة إذا وعدت .ص168

ويصرخ جميل كأس ماء

باش نموت بالعطش ص176

تصوير للبشاعة التي يمكن أن تقدم عليها بوليسة  أو بوليس لا فتكاك معلومات من فم متهم مهما كان الثمن.

لعل تعذيب يوسف هو الذي بلغ حدا من العدوانية والاستهتار بالقيم الإنسانية إلى الحد الذي يفقد فيه ركبته ويصاب بمرض السرطان ص135. مذكرات يوسف فضحت ممارسات قدور الذي كان يعذب ويتلذذ ويستعمل كل الطرق التي يمكن أن تشعر يوسف بالألم (كان صمتي يستفزه فيزداد وحشية يرفع العصا الحديدية ليكون وقع الضربة على ركبتي اشد)ص152(...يعضني من زندي كان لا يسمع إلا وقع العصا ولم يكن بإمكان أي إنسان أن يخطر بباله أن الأمر يتعلق بمواجهة بين كائنين بشريين) ص152 ويضيف (لمدة خمسة أيام كنت أتعرض يوميا إلى التعذيب عاري الجسم يقيدونني من معصمي ثم يدخلون ركبتي بين يدي المقيدتين ويمررون عصا غليظة تحت ركبتي وفوق يدي في مستوى المرفقين،ويعلقونني بين طاولتين انه وضع الدجاجة المصلية) صص152-153.

لعل قدور من كثرة ماقضى من وقت في هذه الأماكن المظلمة والمخيفة والمغلقة أصبح مصابا بداء الخوف منها. بعد ما أصيب بسقوط في الأسنان وفي رجليه وتساقط شعره

طبعا ونحن نتحدث عن العنف لا يمكن أن نتجاهل عنف الصهاينة وممارساتهم اليومية القذرة ضد العرب والفلسطينيين والكاتبة أشارت إلى حادثة دخول المسجد الأقصى من طرف شارون وما انجر عنه من قمع للمظاهرات التي ارتفعت في كل مكان ومحاكمات وتعذيب وقهر.

وهذا بدوره يحيلنا إلى احتلال العراق بعد أفغانستان ص73 .دولة ذات حضارة وتاريخ تحتل لمجرد أن صدام حسين قال لا للامبريالية والصهيونية ونهب ثروات الشعوب .

وكذلك رفض الأخر لك هو عنف مبطن هو متقدم وأنت متخلف والحقيقة ليست كذالك بل هي تخفي عنصرية وحقد تاريخي على تاريخك ودينك وثروتك البشرية والاقتصادية

العنف الفكري:

هذه الممارسة وهو العنف الفكري لم ينفرد به جهاز الأمن بل مارسته التيارات السياسية الدينية والماركسية على السواء.

فالتيارات الدينية مارست سواء في داخلها أو على المجتمع ككل  .لقد بعثوا برسائل التهديد ضد التبرج ص30 وبعث نوادي لتعليم رياضة الملاكمة  ص35 الفصل بين الرجال والنساءص103 تهم تلقى لمجرد الشبهة مرا فاسدة وكافرة ص140 وصناعة المتفجرات ص161 .

ولكن الذي اعتبره إرهابا فكريا بامتياز هو النقاش الذي حصل بين أمل وحنان صص144-145 بعد اتهام احمد لمريم بالفساد . حوار الصم باتم معنى الكلمة وحوار يكشف أن الدين لايمكن أن ينظم حياة الناس لان النص القرآني يحتمل كثير من التأويلات والاجتهادات فأي تأويل أو اجتهاد نعمل به .ومن له الحق في أن يكون هو المرجع ؟ الفصل بين الدين والدولة هو الضامن للعدالة نبين الجميع وهنا تحضرني القولة الشهيرة الدين لله والوطن للجميع.

العنف الفكري لدى التيارات الماركسية أنها هي أيضا  تؤمن بالمقدس، قدسية ماركس وما جاء في كتابه راس المال خاصة هو مقدس ومن لايؤمن به هو بورجوازي رجعي ، وهو عنف ضد الآخرين . يقول يوسف إذا أمل تلبس الخمار نقطعها ص76 ويطردها ص95 . وتشبه مريم لباس ابنتها بأنه شبيه بلباس الأخوات المسيحيات ص92 وهو اعتداء على معتقد . حقد مريم على قدور البوليس بلغ حد التفكير في قتله : تعفسه

تغفصه

تخرج له بزيزه

تهرشم له عظامه ص121

التعذيب أو العنف الفكري هو العمود الفقري للمسرحية. فالكاتبة أدانت بهذا النقد اختيارات السلطة . وأدانت كذلك العنف الفكري المضاد . هل حقا لايمكن لأي سلطة أن تبقي وتتواصل إلا باستعمال العنف.؟ هل يمكن أن نشهد مجتمعا خاليا من العنف لا يتاجر  بالأفكار ويعتبر الإنسان هو القيمة الوحيدة الثابتة والصحيحة والباقي تأويل .

 

6-قراءات في التواريخ والأرقام والأسماء :

القراءة الأولى :

أعتقد أن الكاتب الجيد هو الذي يكتب نصا أدبيا افتراضيا يقنع القارئ بأن ما يقرؤه إنما هو الحقيقة. فخيال الكاتب يتحول إلى واقع وحقيقة في ذهن القارئ. بتعبير آخر على القارئ أن يصدق الكاتب ويؤمن بأن ما يكتبه إنما هو حقيقة وليس خيالا أو هلوسة كاتب. ومن بين العناصر المهمة التي اعتمدتها الكاتبة لتؤكد هذا المنحى هو ذكرها للتواريخ الوطنية وربطها ببعض الأحداث العربية وهو مزيد من الإتقان في محاصرة القارئ وإقناعه بأن ما يقرؤه إنما هو الحقيقة. فإذا ما صدق القارئ ذلك فإنه يجب أن يصدّق أن هناك تعذيبا وهناك قمعا فكريا وهناك غيابا للديمقراطية ..إلخ

ولم تكتف الكاتبة بذكر التواريخ بل ذكرت أيضا منشورا مشهورا وهو المنشور عدد 108 والمعروف بأنه ضد ارتداء الحجاب. منشور أسال الكثير من الحبر، كما أنها أشارت وأكدت على القانون الخاص بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال المؤرخ في 10/12/2003. وهو قانون يعتبر إرهاب كل جريمة لها علاقة بشروع فردي او جماعي من شانه ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص أو بث الرعب بين السكان للتأثير على الدولة لتغيير سياستها

أو السلم والأمن الدوليين ..الخ

وضمنت نصها قصيدة لأولاد احمد وأشارت إليه بالاسم. وهي شخصية معروفة ومحبوبة إضافة إلى أن القصيد له نفس وطني. والاستشهاد بالآيات القرآنية ، وذكرت كذلك أسماء معروفة لدى العامة والبعض الآخر لدى الخاصة مثل الرئيس الحبيب بورقيبة وبعض المناضلين مثل نور الدين وجلبار وحمة.. إلخ.

ولعل البوليس قدور منقلة وليث والهادي ..الخ أسماء حقيقية  أيضا.

طبعا بهذا المعنى تصبح المسرحية، إلى جانب بعدها الإيديولوجي ، لها بعد توثيقي. وهو ما يمكن اعتباره وثيقة إدانة وليس مجرد هلوسة كاتبة أو خيال يشطح بها . بل وثيقة تجريم و التعذيب كإدانة لا يسقط بتقادم الزمن ورأينا هذه الأيام على صفحات الصحف التونسية التهمة التي أثيرت ضد السيد أحمد التليسي  الذي اعترف صراحة أنه قام بتعذيب اليوسفيين (1) .

ونذكر أيضا المناضل الذي قدم قضية بمجموعة من أعوان الأمن اتهمهم تعذيبه إلى أن فقد ساقيه فحكمت له المحكمة بالتعويض .

فعندما تقدم الكاتبة نصا موثقا بتواريخه وأسمائه فكأنها فكريا تطالب الجمهور أو القارئ بإدانة ذلك وسياسيا بمحاكمة الواردة أسماؤهم في النص لأنهم مارسوا التعذيب وهي ممارسة مدانة ويجرمها القانون.

___________________________

(1)          راجع مثلا جريدة الشعب الذاكرة الوطنية بين محاولات الطمس والإنعاش /سالم حداد 8و15 أوت 2009.

 

 

القراءة الثانية :

تمثل زيارة شارون للقدس سنة 2000 النقطة الفاصلة . بعد هذه الزيارة (لوث الجامع الأقصى الشريف بكرعيه) ص 69 تبدأ بقية التواريخ والأحداث كذلك :

في 20 مارس 2003، يوم الاحتفال باستقلال تونس يتم الهجوم على العراق وفي 09 افريل 2003 يوم الاحتفال بعيد الشهداء في تونس يتم إسقاط بغداد ودخول القوات الغازية إلى العراق. وفي 10 ديسمبر 2003 يصدر في تونس قانون مقاومة الإرهاب وبين أفريل 2003 وسبتمبر 2004 ارتفعت وتيرة المظاهرات مندّدة بالاحتلال وبتدنيس القدس. في 15 أكتوبر 2004 يوم الاحتفال بالجلاء عن بنزرت وخروج آخر جندي من تراب الجمهورية يتم إيقاف أمل في المطار بعد عودتها من باريس. يوم 11 نوفمبر 2005 الأستاذة جودة تفجر نفسها بأحد معاهد الجمهورية. وتنتهي كتابة المسرحية يوم 20 مارس 2006. أي بعد مرور خمسين سنة على الاستقلال. في هذا اليوم يموت يوسف بالسرطان في الحلق.

كل التداعيات جاءت على اثر هذه الزيارة ، ترابط بين ما هو وطني وقومي.

التواريخ كلها صحيحة و حقيقية.

طبعا هناك بعض التواريخ قبل زيارة شارون.

فيفري 1972 تم فيه محاكمة اليسار.

ماي 55 نزعت نجاة السفساري لتعود إليه بعد ذلك، أي بعد أكثر من نصف قرن لماذا هذا التراجع . هل أن الحرية الفردية تتناقض مع حرية الشعوب ؟ هل أن الحرية الشخصية إغراء غربي لاستعباد الشعوب؟

ولادة أحمد كانت يوم 15 نوفمبر 1987 من مواليد العهد الجديد والتحول.هل قصدت الكاتبة أن هذا التيار الديني استفاد كثيرا من التحول في تونس وأصبح يمتلك جريدة ويتحرك إعلاميا وولد من رحم السلطة قبل أن تنقلب عليه السلطة أو يحرضها هو بتطرفه وتكفيره للمجتمع للانقلاب عليه.

 أما أمل فإن ميلادها كان في 18/08/1981.وسنة 1981 سنة ثرية جدا في تونس وهو مااطلق عليها السيد الطاهر بلخوجة ربيع الديمقراطية ففيه سمح بالتعددية ونقح الدستور لإجراء انتخابات تعددية وسابقة لأوانها لتنقلب السلطة بأمر من بورقيبة ويتم تدليس الانتخابات ويعود منطق الحزب الواحد فأمل كان يمكن أن تكون كذلك ولادتها سليمة  لو وفت السلطة السياسية بوعودها(1)

............................................................................

(1)        راجع الطاهر بلخوجة الفصل السابع من كتاب  

les trois decennies bourguiba 1999 publisud

7-الشكل واللغة

اللهجة المستعملة في النص ليست الدارجة التونسية المعروفة والمستعملة أو الفصيحة ، هي لهجة منحوتة نحتا خاصا. تبتعد كثيرا عن النصوص المعروضة في الساحة التونسية والتي تنبني على التوليد توليد الجملة والفكرة والتداعي والتكرار والإلحاح .

في هذا النص لا نجد إلا الضروري .الكلمة البرق.

لا اعتقد أن هناك كلمة يمكن أن تقتلع من مكانها أو تضاف.النص مرصوص رصا ومبني بناء محكما إلى درجة تتصور انك في قصر وإذا سحبت منه كلمة سقط كله.

جمل قصيرة بل في الأغلب كلمات فقط معبرة واضحة ورشيقة،توحي الحركة.النص وكلما قل الكلام كثرت الحركة .

بناء المسرحية بدا بتفجير جودة لنفسها في احد المعاهد وانغلق بموت يوسف كما بدا بالتحقيق وانغلق بالتحقيق . افق معدوم ومغلق . لا أمل في فضاء أرحب أو بلا موت.

مسرح تعبيري وهو مسرح عرف خاصة بألمانيا ومن ثم انتشر. مسرح يحاول أن يوظف كل شيء : اللغة الفكرة الموسيقى الصمت الخ من اجل خلق صدمة لدى القارئ أو المتفرج ويدفع به إلى تبني افكارالكاتب أو التعاطف معه ورأينا سابقا كيف وظفت الكاتبة مثلا التواريخ والاستشهادات الدينية "لإجبار" المتفرج على التماهي بالكاتبة.

الكاتبة ، بحكم أنها ممثلة، كانت تكتب بالصورة. ومن يقرا النص ولم يشاهد المسرحية على الركع لم يخسر الكثير سوى متعة أن يرى هذه الحيوات وهي تجول على الركع وتبث الحياة في الشخوص وتستمتع بأداء الممثلين .

الكاتبة لم تعتمد على التاريخ أي أحداث وقصص من التاريخ القديم بل ذهبت مباشرة إلى الموضوع ، موضوع معاصر وحي بشخوصه وإحداثه دون ابتذال أو استعطاف للجمهور وتهريج .

طبعا غير خاف أن الكاتبة أبرزت هنا سلبا آو إيجابا دور المرأة . فجودة هي التي فجرت نفسها ومريم هي التي تحملت أذى الابنة والأب والسلطة ، المحامية امرأة

أمل البنت المترددة امرأة، الخ . المرأة هي الفاعلة في الأحداث وفي تطورها .

 

الخاتمة

-        ماذا يمكن أن نقول عن هذه المسرحية بعد استعراضنا لأهم الشخصيات والأحداث ؟ ولماذا اعتبرناها مسرحية سياسية بامتياز؟ هل لأنه تم منعها من العرض ثم سمح لها ذلك باحتشام ولنا  أن نتساءل لماذا منعتها السلطة  هل رأت فيها ماهو تجاوز للحدود أو حدة في معالجة موضوع التعذيب أم أن التعذيب في حد ذاته موضوع محظور لأنه يمس جهاز الأمن الذي ظل بمنأى عن كل نقد أم أن تقييم المسرحية لخمسين سنة من الاستقلال والنتائج التي تحققت من محاكمات وتعذيب وقمع أغضبت السلطة ؟.

إن شجاعة الكاتبة تتمثل في طرق اللامطروق من المواضيع  والممنوع منها بجرأة وحرفية وفنية بعيدا عن التهريج وهو ما تجرأت عليه الكاتبة بكل دقة ملتزمة بالتاريخ وبوقائع تاريخية وشخصيات حقيقية مما ينفي عنها التهويل والمبالغة وان كان ذلك لو حدث ، فالكتابة تبرز النتوءات والإمراض والعيوب. الكتابة لا تهادن . أليست التزاما كما ذهبت إلى ذلك الكاتبة؟.

الكاتبة مما لاشك فيه دخلت مناطق محرمة جدا فالأمن من الأجهزة التي لا احد يقبل التعرض إليها لأنها وسيلة وآلية من آليات السلطة في ضبط الأمور من وجهة نظرها وقمع من  وجهة النظر المقابلة .

-        هذه المسرحية التي بدت أنها نقدية لممارسات السلطة مع المعارضة لم تكن نقدية في هذا الاتجاه فقط بل توجهت للتيارات السياسية الأخرى خاصة الماركسية منها والدينية ،هذه التيارات التي انغلقت على ذاتها وأصبحت تمارس القمع الفكري والتخوين والتكفير، واعتقدت ولازالت تعتقد أنها تمتلك الحقيقة.انغلاق في كل الاتجاهات : سلطة تقمع اليسار واليمين بلا أي منطق سيست الدين واحتكرته لنفسها وممنوع على غيرها من الحركات السياسية استعماله وسيست الدين لضرب اليسار العلماني ،فأين تقف السلطة ، وماهي اختياراتها السياسية؟

استنتاج آخر يصب في نفس الاتجاه وهوهل أن التيارات الدينية وليدة السلطة والماركسية أيضا ؟ نعرف جميعا أن التيار الديني في تونس ولد و نما في الكتاتيب وخاصة في إدارة الشؤون الدينية ثم استعملته  السلطة كعصا لضرب البعثيين والماركسيين والقوميين  خاصة في الجامعات لكنه بعد أن اشتد عوده تمرد وأصبح يشكل خطرا على السلطة نفسها. وهو وليد الماركسية المتطرفة الملحدة التي كفرت بإرث الشعب وتاريخه وفكره ودينه ، فكانت ردة فعل عاطفية عنيفة ولدت تيارا متطرفا . 

وهنا لا بد من الانتباه جيدا إلى شجاعة الكاتبة لأنها بهذا التصوير الذي قدمته : أمل تتمرد على والدها على فكره الماركسي يعنى أن الماركسية أنجبت التيارات الدينية في البلاد  العربية خاصة. لأن بكل بساطة العرب لهم حضارة وفكر وتاريخ وتراث ولغة ودين ومعتقدات وليسوا في حاجة إلى أن يستوردوا فكرا آخر ولو كان يساريا من الغرب. فالماركسية في النهاية هي الوجه الآخر للغرب الذي أفرز الرأسمالية  : وجهان لعملة واحدة.

    -    هذه القراءة تعتبر أن الكاتبة بتحديدها لتاريخ  سنة 2000، يوم زيارة شارون للأقصى وربط ذلك بتواريخ أخرى وخاصة احتلال بغداد تكون الكاتبة قد أعطت بعدا قوميا للمعركة. كما اتهمت الأنظمة العربية بالتواطئ مع الصهيونية والإمبريالية ويتجلى ذلك في صدور قانون الإرهاب مباشرة بعد احتلال العراق في تونس مثلا.

-  لماذا استعملت الكاتبة بعض الأسماء التي لها ارتباط ديني مثل يوسف ومريم واحمد أولها ارتباط بالتاريخ مثل خديجة وجميل وسيف .

   طبعا اختيار الكاتبة لاسم يوسف اومريم ليس اعتباطيا، فيوسف النبي ألقى به إخوته في الجب وتركوه وادعوا أن الذئب أكله إلى أن عثر عليه بعض المارة فأنقذوه. يوسف الماركسي أيضا  ادعى النبوة وأنه يملك الحكمة ووحده يملكها، وتغيّر العالم من حوله ونفره رفاقه وظل وحيدا. وإذا كان النبي قد خرج من الجب فإن يوسف الماركسي ظل فيه إلى أن مات وحيدا. إشارة بليغة من الكاتبة على إفلاس يوسف وإفلاس الفكر الذي يحمله.أو ربما إلى أن الفكر العلماني يجد صعوبة في الإقناع والصمود أمام الفكر الغيبي.

أما مريم المناضلة فقد وجدت نفسها بين رجل مهزوم وعاجز وابنة مترددة ومتقلبة فهي ضد الفكر الماركسي لأنه لم يجب على بعض الاسئلةالوجودية وليست مع التيارات الدينية لأنها ضد التطرف وليست معادية تماما للمادية الجدلية  ،إنها حيرة الشباب . وقد ساهمت مريم في منعها من السقوط تماما في أحضان التطرف الديني.

هل قدر مريم(و مريم أم عيسى أيضا) أن تهز النخلة لتطعم أمل وان تواجه المجتمع بكامله من اجل أن تحمي ابنتها من الضياع وأمام أب(رب عيسىايضا) يتفرج على مايحدث ولا يملك إلا أن يغضب ويتوارى في بيته أو ملكوته.

أما بقية الأسماء ففيها الكثير من الحنين إلى ماض متطور وزاه وكأنه رفض للأسماء الجديدة لأنها إما أنها أسماء لا تحمل في طياتها أي معنى أو أنها تحمل مشروعا مغتربا عن تاريخ البلاد والعباد . هو رفض للحاضر ، صيغة من صيغ الاحتجاج ، وهو ما يفسر بمعنى أخر أنها حركات ماضوية لأنها تتوهم انه بالارتباط بالماضي والتشبث به نستطيع الانتصار.

هل تراجعت أمل عن انحرافها ؟ اعتقد أنها عادت لطرح الأسئلة من جديد والتساؤل حول الكون وهل أدركت كنهه حقا  وكانت تعتقد أنها بانتمائها لهذا التيار قد ملكت الحقيقة ، تنزع الخمار وتبدأ من جديد في الوقت الذي يموت فيه يوسف .

الاعترافات  الأخيرة لأحمد وجميل خاصة يدين هذه الحركات باستعمالها للعنف الجسدي وهو توجه خطير خاصة إذا تحول إلى إرهاب وهو كذلك ..

 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption