أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 23 أغسطس 2017

صلاح عبد الصبور والأبداع المسرحي الشعري

مجلة الفنون المسرحية

صلاح عبد الصبور والأبداع المسرحي الشعري

محسن النصار - ملاحق المدى 

لم يظهر الفن  المسرحي إلا في القرن التاسع عشر فقد حاول بعض الشعراء العرب أن يقدموا  للمسرح أعمالا شعرية من ذلك ما قام به الشيخ خليل اليازجي في مسرحية  (المروءة والوفاء) إلا أنها كانت محاولات ناقصة وبقي الأمر كذلك إلى أن جاء  احمد شوقي الذي كانت له صلته بالأدب الفرنسي وطيدة فتأثر بالمسرح التقليدي  الكلاسيكي في استمداد الموضوعات من التاريخ القديم واختيار الأبطال من  علية القوم وتوظيف اللغة الراقية
 فكتب مسرحيات (مجنون ليلى , عنترة , مصرع كليوباترة , قمبيز , علي بك الكبير , الست هدى)وهي خمس مسرحيات درامية وملهاة واحدة. وقد استقى مادتها من التاريخ الفرعوني والعربي والمجتمع المصري في عصره. وكتب بعده عزيز أباظة (غروب الشمس , شهريار , العباسة أخت الرشيد).
ويرى النقاد أن مسرحيات عزيز أباظة أقوى من الناحية الفنية من مسرحيات شوقي. ثم حققت المسرحية الشعرية درجة عالية من النضوج على يد الشاعر صلاح عبدالصبور؛ لما امتلكه الشاعر من رؤية جمالية خاصة، نهلت من المسرح العالمي في وعي وبصيرة مع ثقافة ثرة ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي العربي أتاحت له استيحاء مواقف الدراما الثورية. كل ذلك اتحد بموهبة شعرية فذة أنتجت أعمالاً مسرحية أجمع النقاد على روعتها واعتبارها علامة بارزة ومبدعة في تاريخ المسرحية الشعرية، بل المسرحية العربية بمختلف مصادرها. وقد وصلت أعماله المسرحية من مثل (مأساة الحلاج 1964, الأميرة تنتظر 1969، بعد ان يموت الملك 1975، مسافر ليل1968 وليلى والمجنون ,) إلى مرحلة المسرحية الشعرية الدرامية التي يختلط فيها الشعر بالدراما وتندمج فيها غنائية الشعر وصوره بالبنية الدرامية للشخصيات والمواقف بما يخرج بناءً مسرحياً منسجماً.
عالج فيها مشكلات فلسفية واجتماعية وقد وظف صلاح عبد الصبور هذا النمط الشعري الجديد في المسرح فأعاد الروح وبقوة في المسرح الشعر , وترك عبد الصبور آثارا مسرحية أثرت في أجيال متعددة من الشعراء والمسرحيين في مصر والبلدان العربية، خاصة ما يسمى بجيل السبعينيات، وجيل الثمانينيات في مصر الوطن العربي، وقد حازت أعماله والمسرحية قدرا كبيرا من اهتمام الباحثين والدارسين، ولم تخل أي دراسة نقدية تتناولت المسرح الشعري من دون الإشارة إلى مسرحياته، وقد حملت مسرحياته الشعرية سمات الحزن والسأم والألم وقراءة الذكرى واستلهام الموروث الصوفي، واستخدام بعض الشخصيات التاريخية، ومن أبرز أعماله في ذلك: " " مأساة الحلاج" و" ليلى والمجنون".
وكان التعبير الفني في مسرحياته عن حادثة من حوادث الحياة البشرية بإحياء مشهده وما يجري فيه من عمل. وهكذانجد المشهد المسرحي مشهد ناطق متحرك وهو على حد قول أرسطو محاكاة الأفعال النبيلة والمؤلف في مسرحياته يتوارى عن الأنظار ويظهر الأشخاص بأفعالهم وأخلاقهم. يعتمد على الحوار الشعري مسرحياتة وعلى عناصر أساسية هي:التمهيد أو المقدمة والعقدة والحل.
في التمهيد يعرض الشاعر الشخصيات والموضوع والزمان والمكان ويشترط فيها أن تكون موجزة مجملة تلمح إلى الموضوع تلميحا من غير تفصيل ولا كشف للمجهول ويتم ذلك عن طريق الحوار.أما العقدة فهي العنصر الأساسي في بناء الحبكة الفنية وهي تنطوي على اشتباك الوقائع والأحداث والمصالح والمنازع والمفاجآت والتحولات مما يبعث الشك في صدور المشاهدين والقلق والتطلع إلى الحل.
الحل وهو خاتمة المطاف والنتيجة التي تصل إليها أحداث المسرحية فتنحل العقدة ويتضح مصير البارزين من أبطال المسرحية ويكون مفجعا ومتفقا مع فلسفة الشاعر وافكاره مراعيا مشاعر الجمهور مرضيا لكل توقعات النفس البشرية , وحاز على العديد من الجوائز ومنها (جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته الشعرية (مأساة الحلاج) عام 1966،وقد بلغ المسرح الشعري درجة عالية من النضج والأبداع الفني عند صلاح عبد الصبور.

الاثنين، 21 أغسطس 2017

الثقافة المسرحية.. حقيقة علمية

مجلة الفنون المسرحية

الثقافة المسرحية.. حقيقة علمية

علاء كريم - شبكة اخبار العراق 

الثقافة المسرحية تجربة مغايرة ومميزة؛ تعمل على تنشيط الجانب الثقافي في المجتمع عبر الاحتكاك والتنوع؛ وبالتالي يكون هناك تفاعل يظهر تجربة جديدة تحمل انفتاحا فكريا وثقافيا عند الإنسان يدفعه إلى تغير وضعه الحياتي من جهة؛ والتأثير في عملية نسخ الثقافة بالمعنى البديل للكلمة من جهة اخرى.هذا يؤكد لنا أن الثقافة المسرحية لها ابعاد متعددة منها إنسانية وأخرى جمالية؛ تعمل على خلق واقع مختلف عبر تأثيرها المباشر في بنية المجتمع. لأن المسرح هو مكان الابداع الحقيقي؛ من خلاله ترسم الافعال الفنية الجديدة أشكالا تقوم بجذب الجماهير المتعطشة لكل ما هو جديد؛ وهذا ما عمل عليه الكثير من مخرجي المسرح العالمي؛ ومنهم المخرج بسكاتور الذي عمل إضافة فنية جديدة للعرض المسرحي؛ كأشرطة الأفلام السينمائية (السلايت)؛ كي يجعل من الحدث أو الفعل الدرامي قريبا الى الجمهور؛ كما عمل بسكاتور على تحويل المسرح الى عالم يسمى (اعاجيب حرفية) لأنه عرض في قسم من أعماله المسرحية كتلا على خشبة المسرح تحمل عنصر التغريب لما تعكسه من دهشة لدى المتلقي.
نرى في ملخص مسرحية (رغم كل شيء) اخراج بسكاتور الاستعراض الضخم عن تاريخ الثورات منذ بداية الحرب العالمية الاولى؛ وادخال السينما من ضمن عمل وفكرة المخرج؛ حيث عرض الوثائق التي عثر عليها في هذه المسرحية والمحفوظات الوطنية؛ وصور الحرب الحقيقية؛ وديكور عملاق صنع من شرفات ومن الواح كبيرة؛ ومن سلالم ومسطحات دوارة؛ ومقالات الصحف والصور والشخصيات التاريخية؛ واختلطت السينما بالمسرح ليكون عرض متكامل في كل شيء. استطاع بسكاتور في سنين قليلة أن يدخل سلسلة من التجديدات على المسرح؛ حيث عمل على إنعاش الديكور واعتباره جزء من الحدث؛ حول الخشبة إلى قاعة ميكانيكية وهذا ماجسده في مسرحية (مغامرات الجندي الشجاع شفايك) عن الحرب ؛ قصة للكاتب الروماني  ياروسلاف هاسك؛ الجندي شفايك في الجيش النمساوي والذي بالاعيبه وحيله الساذجة وبلاهته ينتزع من الحرب ومن الجيش اسطورتهما؛ ادخل بسكاتور في هذا العرض الى خشبة المسرح مواكب من مشوهي الحرب؛ على شكل مارشال عسكري كبير.
 وهذا ما جعل المخرج العالمي بسكاتور يقول “لم اكن اعجب بهذا الجو المليء بالمتناقضات؛ لكني في الحقيقة ابحث عن كيفية تحويل المسرح الى عمل درامي مستعينا بالوسائل الحرفية الخارجية حتى تجعل منه مجالا مرنا في خدمة العقل والقلب”. هذا القول يؤكد لنا أن المسرح يستمد موضوعته من فلسفة الإنسان ومركزية وجوده؛ بشرط وجود إجماع روحي يعبر عما هو انساني بالتزامن مع الزمان؛ والمكان؛ الذي يشعر من خلالهما الجمهور ببعض الاندهاش الذي يعطي صفة الاثارة والاستجابة لطريقة الحوار والحركة اللذين يعطيان معنى مطابقا لفكرة العمل شكلا ومضمونا لدى الجمهور. وذلك لوجود مفاهيم مهمة يطرحها العرض تكون موضوعة التحليل والمناقشة من قبل الجمهور؛ هذا يدخل في ثقافة المتلقي واشتراكه لا للسمع فقط؛ بل يستطيع أن يعبر عن رأيه وقراءته للعرض. هذه الثقافة تنتج نقدا لمشهد ما؛ وفي نفس الوقت تبين حالة لها حضور مهم عبر مشاهد المسرحية. ثقافة المسرح تعطينا مسرحا إنسانيا غير تقليدي تتبلور فيه تجارب كثيرة ومعقدة لحياة الإنسان اليومية.
 وقد يعكس هذا انفعالات وانطباعات قصص حياتية للأشكال ما قبل وبعد المسرح جسدت واقعا عفويا احيانا؛ وآخر حياتيا جادا  حاول المخرج (بسكاتور) خلق عدد من أشكال العروض التي تعمل على تشاركية الجمهور مع العرض؛ وخاصة مع الممثل وحركته؛ إذ تمخضت تجربته على المسرح التحليلي الناتج عن المسرح السياسي والملحمي. 
وهذا النوع من المسرح يبنى على أساس الحقيقة العلمية والموضوعية الصادقة؛ المرتبطة بشكل مباشر بواقع المجتمع وبيئته؛ وهذا ما يؤكد على أن المسرح مجال ثقافي تعبيري؛ يتم اللجوء إليه لأنه وسيلة التعبير الأكثر مباشرة والأسرع فاعلية.  كما أن هناك تباينا في الثقافة المسرحية العربيه وما وصل إليه المسرح العالمي، حيث أكد كثير من النقاد العرب على إشكالية غياب الثقافة المسرحية العربية؛ وفقر آليات تطوير عناصر العرض المسرحي وتحقيق أثره لدى المتلقي؛ وذلك لعدم قدرة المسرحيين العرب على التواصل مع قضايا مجتمعاتهم؛ وإذا قارنا بين الثقافة المسرحية عند المجتمع الأوروبي، وما يقابلها عربياً، نرى أن هناك حركة مسرحية أسست المسرح المعاصر في أوروبا خلال عشرينيات القرن الماضي؛ قامت على إعطاء الجمهور حرية الرأي وبالتالي قسم الجمهور إلى فرق؛ الأول يرى العرض المسرحي جميلا ومجددا، والثاني يراه عرضاً فاشلاً.وفي كل الأحوال يبقى معظم الجمهور جالساً في المسرح حتى بعد انتهاء العرض وهذا جزء من ثقافتهم؛ على اعتبار أن الخروج أثناء العرض تصرف لاانساني؛ أما التجربة الثانية المقابلة لها عربياً ابتعدت مفاهيم المسرح وثقافته الباحثة عن التجديد في القيم الجمالية والفكرية للمسرح الانساني؛ لأنه فن محافظ يمتلك دلالات تعود لأزمنة مختلفة؛ فضلا عن أنه فن محافظ؛ بمعنى أنه لا يقبل التجديد إلا بصعوبة؛ رغم أن التجديد يرتبط بمتغيرات عصرنا سريعة التطور.



الأحد، 20 أغسطس 2017

الظاهرة النثرية في أدبنا الحديث

مجلة الفنون المسرحية

الظاهرة النثرية في أدبنا الحديث


د. إبراهيم خليل -  الدستور 

ظهر النثر الأدبي في الأردن، وتطوَّر مع ظهور الصحف، ومن أبرزها صحيفة الجزيرة لتيسير ظبيان، وصحيفة الأردن. فمن المعروف أن رواد القصة، والرواية، في الأردن، ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، تيسير ظبيان، وميشيل الحاج، وأديب رمضان، وعيسى الناعوري(1918- 1985)، وعبد الحليم عباس (1913- 1979)، وشكري شعشاعة (1890- 1963)، ومحمد أديب العامري(1907- 1978)، ومحمود سيف الدين الإيراني (1914- 1974)، وغيرهم.. كانوا يجمعون إلى اهتماماتهم الأدبية الكتابة في الصحف على نحو شبه ثابت. وقد استوحوا مادة كتاباتهم القصصية من واقع الحياة اليومية.  فعبد الحليم عباس كتب روايته الأولى فتاة من دير ياسين ليروي قصة شابين فرقتهما النكبة. وتشاءُ المصادفاتُ أنْ يعاني بطلا الرواية « بيت وراءَ الحدود « لعيسى الناعوري 1959 من تلك المأساة، ومن هاتيك الفرقة التي بدَّدت شمل الحبيبين، وقد واصل الناعوري كتابة الرواية فنشر عددا من الروايات كانت الأخيرة منها بعنوان ليلة في القطار1974 . أما شكري شعشاعة فقد قدم لنا نموذجا يشبه الأيام في روايته السيرة  « ذكريات « وأخرى تشبه رواية زينب لمحمد حسين هيكل 1914 في روايته « في طريق الزمان» ، ولو أن رواية شعشاعة تبرأ من شائبة السيرة التي علقت برواية هيكل المذكورة. وعلى هذه الطريق سار حسني فريز في روايته» مغامرات تائبة « التي نشر بعدها روايات أخرى كالعطر والتراب، ورواية حب من الفيحاء، ورواية في ظلال الزيزفون.. وعندما ننظر في رواية تيسير سبول « أنت منذ اليوم « 1968 نجده يستخدم في خطابه السردي تقنيات سردية حديثة كتيار الوعي، والتناص، فضلا عن الرمز ببعض الاقتباسات من التراث التاريخي(محمد بن القاسم) وما لقيه من عقوبة من الخليفة نظرا لتجاوزه الأوامر ففتح من البلدان أكثر مما هو مسموح به لدى البلاط. وفي موازاة ذلك نجد أمين شنار في روايته « الكابوس» 1968يدعو لتحرير العقل العربي من الأفكار الخاطئة السائدة. وهي دعوة غلب عليها النظرُ الديني والبناء الرمزي.  أما سالم النحاس في « أوراق عاقر « 1968 فيرمز لما حدث في حزيران يونيو 1967 بحريق يشبُّ فجأة في فندق يقيم فيه الراوي- بطل الرواية- ليعاني بعد ذلك من حروق يُنقل على إثرها للمشفى. إلى جانب ذلك ثمة رموز أخرى تشتبك بهذا، فالزوج والزوجة في الرواية يتمنيان الخصوبة والإنجاب، ويترددان إلى طبيب بغية تحقيق هذه الغاية، إلا أن الحريق بما تبعه أحبط أحلامهما هذه، وبدلا من يرزقا بالمولود المنتظر أصيبا بخيبة مريرة كخيبة العرب الذين انتظروا طويلا  بدء الحرب المذكورة ليروا نصرا مؤزرا يفرحون به، فإذا بالنكسة تحبط تلك الأحلام، وتضع حدًا لهاتيك الآمال. 
 النهوض الروائي
وقد توالت بعيد ذلك رواياتٌ تسلط الأضواء على معاناة الشخوص، كرواية الضحك، ورواية سلطانة، والبكاء على الأطلال لغالب هلسا. ورواية وتشرق غرْبًا للكاتبة ليلى الأطرش، التي تلتها رواية امرأة للفصول الخمسة، ورواية ليلتان وظل امرأة، ثم رواية صهيل المسافات، فمرافئ الوهم، ورغبات ذاك الخريف، فرواية أبناء الريح، ورواية ترانيم الغواية. وقد تناولت الأطرش في رواياتها تلك عددًا من مواجع الإنسان العربي، ذكرا وأنثى، من غير تفريق. ففي  الرواية الأولى، مثلا، وقفت بنا إزاء النكبة، ثم ما تلاها من حوادث من أبرزها العدوان الثلاثي على مصر سنة1956 فالنكسة 1967 وما تلاها من تصاعد المقاومة التي نهضت فيها بطلة الرواية هند النجار بدور مهم دخلت بسببه السجن السياسي، وتم تحريرها في تبادل أسرى إلخ.. وعرضت فيها أيضًا للعلاقات بين المرأة والرجل، بصرف النظر عن الدين أو المذهب، ما دام النشاط السياسي المشترك يجمع ولا يفرق. وتطرقت إلى العمل الفلسطيني في امرأة للفصول الخمسة، ولموقف المرأة من ذلك، وإلى المشكلات الأسرية في ليلتان وظل امرأة، وإلى إشكالات نفسية ونسوية في مرافئ الوهم، ومعضلة المثقف العربي في صهيل المسافات، لا سيما إذا كان ذا نشاط سياسيّ في مجتمع تهيمن عليه العشائرية، والبداوة، والتخلف الحضاري بالمعنى الدقيق لكلمة تخلف. ولم تبخل الكاتبة على المهمَّشين، المسحوقين، من اللقطاء، وخريجي دور رعاية الأيتام، فكتبت رواية أبناء الريح من هذا الوحي. 
 طفرة الرواية 
ومن أراد أن يعرض للنثر الروائي، فلا بد أن يتتبَّع ذلك في رواية العودة من الشمال لفؤاد القسوس، وروايات مؤنس الرزاز: أحياء في البحر الميت، واعترافات كاتم صوت، ومتاهة الأعراب.. والذاكرة المستباحة وسلطان النوم وليلة عسل وجمعة القفاري.. . وجمال ناجي في الطريق إلى بلحارث، والحياة على ذمة الموت، ومخلفات الزوابع الأخيرة، وغريب النهر، وعندما تشيخ الذئاب، وموسم الحوريات، وهزاع البراري في تراب الغريب، وأعالي الخوف، بعد الغربان، وحواء مرة أخرى، وسليمان قوابعة.. وزياد قاسم الذي أغنى المكتبة بعدَدٍ من الروايات التي ترصد التحولات الكبرى في المجتمع، وعثمان مشاورة؛ في «مقهى البازلاء « وطاهر العدوان الذي نشرت له ثلاث روايات؛ الأولى وجه الزمان، والثانية حائط الصفصاف، وهما روايتان ترصدان التحولات المطردة في المجتمع الأردني، وأثر النكبة الفلسطينية في هذه التحوُّلات، وأما االثالثة « أنوار» فليست بقوة الروايتين السابقتين. وقد لوحظ، في أواخر القرن الماضي، تزايد ملحوظ في إصدارات الروائيِّين، مما حدا ببعض المتابعين، ممن يولونَ البعد الكمي أهمية أكبر من البعد النوعي، للوقوع في وهم الإحصاء، وتعداد الإصدارات. وتوجُّه بعض كتاب القصة، في ظاهرة أخرى لافتة، إلى الرواية: إلياس فركوح، وهاشم غرايبة، وقاسم توفيق، ومفلح العدوان، ومحمود الريماوي، وجمال أبو حمدان، وسامية العطعوط..وعصام الموسى.. ومنال حمدي.. مثلما تحول بعض الشعراء لكتابة الرواية؛ كإبراهيم نصرالله، وأمجد ناصر، وجلال برجس، وجهاد أبو حشيش. وبعض الروايات التي كتبها هؤلاء الشعراء تغلبُ عليها لغة الشعر، لا لغة النثر القصصي، أو الروائي، فنجد الرموز تشيع في العناوين، مثل: ذئب الماء، أفاعي النار، شرفة الهاوية، أو ذئب الله، وشرفة في قفص إلخ.. وهذا ينم على أن الكاتب الشاعر لم يستطع التخلص من هيمنة الشعر على روايته، وإذا مضى القارئ في متابعة قراءة الرواية اكتشف الكثير من الأحاجي، والألغاز، التي تشبه الطلاسم، مما يبعد الكتابة عن طبيعة الرواية، ويجعلها نصًا هجينًا تختلط فيه أجناس أدبيّة متباعدة. 
 روائيات
ومن الكاتبات اللائي كتبْن الرواية، علاوة على من ذُكرن: سميحة خريس، ورفقة دودين، وسَحَر ملص، وغصون رحال، وفيروز التميمي، وجهاد الرَجبي، ونرمينة الرفاعي، وفادية الفقير، التي نُشرت لها روايات عدة بالإنجليزية، فازتْ إحداهنَّ بجائزة بريطانية، وهي رواية My Name Is Salma وتعد مساهماتهنَّ مؤشرًا على اتساع هامش التقبُّل الشعبي لهذا الفنّ الذي كانَ، إلى زمنٍ قريبٍ، فنًا مرْفوضًا غيرَ مقبول.   
 في القصّة
أما القصة القصيرة، فقد بدأتْ في الأردن على يدي محمد صبحي أبو غنيمة، صاحب « أغاني الليل « المطبوعة بدمشق1922. واغتنت على أيدي كثيرين، منهم عيسى الناعوري(خلّ السيف يقول) و(أقاصيص أردنية )، و(حكايات جديدة)، ومحمود سيف الدين الإيراني (متى ينتهي الليل)، و(ما أقل الثمن)، و(أصابع في الظلام) وغيرها، وحسني فريز(قصص من بلدي) وأمين فارس ملحس (1923- 1983) صاحب مجموعة « من وحي الواقع « وأبو مصطف وقصص أخرى» 1952. وساعدت المجلات على زيادة الاهتمام بهذا النوع الأدبي، نشرًا ونقدًا، لا سيما الرائد، والاثنين، والأفق الجديد، و صوت الجيل، و أفكار، والمهد، وعمّان، وتايكي. علاوة على الملاحق الثقافية للصحف اليومية في الدستور، والرأي، وسابقاً في الجهاد، وفلسطين، والدفاع، وعمان المساء، والصباح، والصحفي، وأخبار الأسبوع، وصوت الشعب، والعرب اليوم. فبرز عدَدٌ من كتاب القصة في « الأفق الجديد « على سبيل المثال، وممَّن يشار إليهم بالبنان فخري قعوار الذي مرت قصصه بمراحل عدة انتقل فيها من السرد الذي يحاكي فيه الحياة الواقعية إلى السرد الغرائبي، متكئًا على الأسطورة، أو الخرافة، أو النموذج التاريخي، الذي يحيلنا فيه لشخصيَّةٍ من التراث. أما جمال أبو حمدان فقد نشر في وقت مبكّر « أحزان كثيرة وثلاثة غزلان» عن دار مواقف ببيروت 1970، وهي قصصٌ توضع على قدم المساواة مع أعمال البارزين من كتاب القصة في الوطن العربي.
 أثر القاصّ 
ومما يجب التنويه إليه، أن لهذه المجموعة أثرًا كبيرًا في القصة الأردنية القصيرة، يعزى ذلك إلى الطرائق الفنية التي جاء فيها بما يشهد على ابتكاره. فهو، من الانطباع الأول، يكتب القصة ذات الحكاية المُكثفة التي يستعيرُ بعض حوادثها من الماضي، أو من التاريخ القديم، أو من الخرافات، والأساطير، كما في « سبارتاكوس « أو « أبو ذر الغفاري « أو « من هنا طريق قيس» وغيرها من قصص، وربما لجأ إلى ما يسمّيه المحدثون اليوم التناصّ الأسْطوري، أوالديني، كما في قصَّتهِ « أحزانٌ كثيرة وثلاثة غزلان « التي تقنّعتْ فيها شخصياتُ القصّة بشخصية زليخة تارَة، وشخصية يوسف تارة، مع أنّه يُسلط الضوءَ على وضْع سياسي راهن،  وهو ما تبع نكسة 5 حزيران 1967 من ردود فعل تعرَّض لها جنديٌ عائد من ساحة القتال. وقصَصُه، على الرغم مما فيها من قِصَر، لا تخلو من المسْحة الدرامية، التي تضع القارئ في جو يشبه الجو المسرحي، ومن ذلك، على سبيل المثال، قصته « سيف الملك المنذر بن ماء السماء» وكذلك قصّة الخلخال في « أمس الغد» التي أعاد الكاتب مسرحتها في نص درامي بعنوان (مكاور) صدر في كتاب مستقل 2017.
ولا تفوتنا الإشارة لكتّاب آخرين منهم: هاشم غرايبة صاحب «بيت الأسرار»، وهند ابو الشعر التي غلب على قصصها المبكرة « شقوق في كف خضرة « 1982 الاهتمام بالمرأة، ولجأت إلى الرموز البسيطة المعبرة عن الواقع تعبيرًا لا يصعب فهمه في « المجابهة «، و» في الوشم «، وفي «حين تصبح الذاكرة وطنا»، وفي « مارشات عسكرية « وغيرها من المجموعات التي ينطوي عليها مجلد الأعمال الكاملة، وما تلاه. ومن كتاب القصَّة أيضًا إبراهيم العبسين وعدي مدانات وبسمة النسور، ومحمد طملية، وبدر عبد الحق، ومحمود الريماوي، الذي يغني القصَّة مع كل جديد يكتبه، وسامية العطعوط، وسحَر ملص، وفايز محمود، ونايف النوايسة، وفؤاد القسوس، وعصام الموسى، وخليل قنديل، وحنان بيروتي، ومحمّد سناجلة، وجواهر رفايعة، ومحمد خليل، وجمال القيسي، ورمزي الغزوي، وخلود جرادة، وأميمَة ناصر، وبسمة النمري، ويوسف ضمرة، وسليمان الأزرعي، ومخلد بركات، وجعفر العقيلي، وخليل قنديل وهشام بستاني.. وآخرون. ويذكر أن الروائي غالب هلسا بدأ مسيرته الإبداعية بكتابة القصة القصة القصيرة، تشهد على ذلك مجموعتاه: وديع والقديسة ميلادة وآخرون(1968) وزنوج وبدو وفلاحون(1974). 
 الحبَّة والقبَّة
وفي العقدين الأخيرين ظهرت موجة جديدة من كتاب ما يسمّى «القصة القصيرة جدًا» أو القصَّة الومْضة، أو التوقيع، تشبيهًا لها بتوقيعات الخلفاء التي قلما تدرج في نوع من أنواع الأدب. وهي تميل ميلا شديدًا للتكثيف على حساب التقاليد المعروفة لهذا الفن. ومن كتاب هذا اللون بسمة النسور وذكريات حرب وتبارك الياسين وجلنار زين وهاني أبو نعيم ومهند العزب ومحمد جميل خضر وجمعة شنب، وسامية العطعوط في آخر أعمالها، وخالد سامح وبسمة النمري في أعمالها الأخيرة. غير أن هذا النوع لا يجد ما تجده القصَّة القصيرة من اسْتحسان لدى النقاد المهتمّين بالسرد القصصي. كونه يقتصرُ، في الكثير من نماذجه، على مُلحة من المُلح، أو نادرة من النوادر المبتكرة التي تكاد تقول، أو لا تقول، شيئا. وقد أساءَ إلى هذا الشكل الهجين تنافسُ الكتّاب على منْ يستطيع أن يقلل حجم القصة أكثر من غيره، حتى تفاخَرَ بعضهم على غيره بأنه يكتب القصة من ستّ كلمات، فيتحداه آخر بكتابة قصة من ثلاث كلمات. وهذا في رأينا لا يسيءُ لفن القصة وحْدَه، بل ينحدر بهيبة الأدب. وبصَرْفُ النظر عن موقفنا من هذا اللون، فإن القصة القصيرة جدًا – بصفةٍ شبه عامَّة إلا منْ استثناءات- لا يمكن لها أن تكون مَوْضوعًا للدراسة، إلا إذا كنا نعتزم العمل بالمثل القائل: يجعلُ من الحبَّة قُبَّة.
 المَسْرح
ولئن كانت القصة، والرواية، لا تحتاجُان إلا لكاتبٍ موهوب، وقارئ، وناشر، كي تظهر وتزدهر، فإن المسرحية، شعرًا كانت أم نثرا، تحتاجُ إلى جانب الكاتب، فريقا من الممثلين، ومخرجًا، ومصمِّما للديكور، والمناظر، ومشرفا للمسرح، ومنتجا يموّل المشروع (العرض) وموسيقيا يؤلف الموسيقى التصويرية المرافقة، وخبيرًا في الماكياج، وجمهورًا، ومبنىً تتوافر فيه المعدّات المناسبة كالإضاءة، والستارة، ومكبرات الصوت إلخ.. وهذا العدد من الفنيين ينبغي له أن يعمل في إطار من التناغم والتنسيق. ولهذا لا نعْجب إذا وجدنا من يقول من الباحثين إن المسرح تأخر ظهوره في الأردن كثيرا عن ظهوره في بلاد أخرى كمصر، ولبنان، والعراق. فأول عمل مسرحي جرى تقديمه في الأردن يعود إلى العام 1918 مقابل أول عمل مسرحي عُرض بلبنان يعود إلى سنة 1846. ويذكر في هذا المقام الأب أنطون الحيحي الذي قيل الكثير عن تأليفه نصوصًا مسرحية أخرجها بنفسه، وأدى بعض الأدوار البارزة فيها، مثلما نُسب إلى الشاعر فؤاد الخطيب كتابته أول نص مسرحي نثري تاريخي بعنوان فتح الأندلس. وتتابعت المحاولات بعد ذلك في إربد، وبيت ساحور، والقدس، ومأدبا. ومن النصوص النثرية التي قدمت: مسرحية ابن وائل، والسموأل، ووفاء العرب، وصلاح الدين الأيوبي، والرشيد والبرامكة، ومن المسرحيات المعرَّبة التي جرى تقديمها مسرحية يوليوس قيصر، وتاجر البندقية، وكلتاهما لوليم شكسبير. مثلما قُدمت مسرحية في سبيل التاج للفرنسي فرانسوا كوبيه. 
وممن نشطوا في الكتابة للمسرح: روكس العزيزي، وصلاح أبو زيد، ومحمد المحيسن، الذي قدمت له مسرحية نثرية بعنوان الأسير عام 1946. وعبد الوهاب أبو السعود الذي كتبَ مسرحية نثرية بعنوان (الوطن) 1946 وعباس علام، وعبد الغني الريماوي. على أن المسرح لم يقتصر في هذه الحقبة على النثر، فقد نُسبت لحسني فريز محاولة مسرحية شعرية بعنوان (الطوفان) وهي ليست مسرحية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وإنما مجموعة من المقطوعات الغنائية التي ينتظمها موضوع واحد، هو عشق آلهة الهواء المرأة إينو. وأما النصوص المسرحية النثرية بعد العام 1948 فكانت تقدم في مهرجانات الاصطياف في رام الله، والبيرة، وفيها عُرضت محاولات لعبد اللطيف البرغوثي، وهدية عبد الهادي (لقاء) 1965. وبعد ذلك جاء ظهورُ « فرقة المسْرح الجامعي « في الأردنية، ليضع الحلول المُمكنة لغياب الفرق، وتوافر الأجهزة، والمُعدّات التقنية. 
وشهد مدرج سمير الرفاعي بواكير العروض المسرحية الجادّة، بعد أن انضمَّ لهذا الفريق المخرج المحترف هاني صنوبر، ولمع في هذا الفريق عدد من الممثلين، مثل: قمر الصفدي، وصلاح أبو هنود، وحسن أبو شعيرة، وجودت صالح، وبهاء أبو طه، ومحمود أبو غريب، وغيرهم.  وشاهد الجُمْهورُ لأول مرة مسرحيات جادة مثل « أفول القمر» لشتاينبك، وبيْت الدمية لهنريك إبسن، وثمن الحرية للإسباني روبيلوس، ومسرحية السلاح والإنسان لجورج برناردشو، وغيرها من عيون المسرح العالمي ومن هذه العناوين يتضح افتقار الفرقة للنص المسرحي المحلي.
 أسرة المسرح الأردني
وفي المقابل أنشأت دائرة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام فرقة مسرحية أخرى باسم «أسرة المسرح الأردني « وانتعش المسرح، إذ اتخذ المسرحيون من أعمال بعض الكتاب المحلِّيين نصوصًا أخضعت للإخراج، ومنها مسرحية « المفتاح « لجمال أبو حمدان، التي عرضت في مهرجان دمشق الدولي، وكذلك مسرحية « الجراد « للكاتب نفسه، وزرقاء اليمامة، وحكاية شهرزاد في الليلة الثانية بعد الألف، وليلة دفن الممثلة جيم وغيرها. وعرضت أيضا مسرحيات من تأليف محمود الزيودي رسالة من جبل النار، والضباع، ومسرحية عبد الرحيم عمر خالدة، ومسرحية وجه بملايين العيون، ومحمود سيف الدين الإيراني الذي حول إحدى قصص مجموعته الأخيرة « أصابع في الظلام « إلى مسرحية بعنوان (الأقنعة) التي عُرضت في مهرجان دمشق الدولي (1974) وعلى خشبة مسرح النادي الأرثذوكسي بعمان. وتواصلت العروض المسرحية، وتعدَّدت الفرق، فظهرت فرق لمسرح الطفل، والمسرح التجريبي، والكوميدي، والفوانيس، وممن نشطوا في مجال للمسرح فؤاد الشوملي، ومصطفى صالح، وعبد الجبار أبو غربية، وعبد اللطيف شما، وليلى الأطرش، وهزاع البراري، الذي أسهم بعدد من النصوص فاز واحدٌ منها بجائزة.. 
 السيرة
يضافُ لهذه الفنون النثرية فن آخر هو السيرة، وحظ السيرة في أدبنا قليل، فمن أوائل من كتبوا السيرة شكري شعشاعة في الكتاب المذكور آنفا (ذكريات) يضاف إليه ما كتبه عيسى الناعوري في الشريط الأسود، وما كتبه سليمان الموسى في ثمانون، وما كتبه أمجد ناصر في كتابين له أولهما بعنوان خبط أجنحة في سماوات بعيدة، والثاني عن بيروت. وهناك كتب أخرى مثل: على جناح الطير لسميحة خريس، والسيرة الطائرة. ونثر السيرة يشبه النثر الروائي حينًا، وفي أحيان يتحول إلى توثيق لا حظ فيه للأدبيَّة. ورب سائل يسأل: ما الذي يختلف فيه نثر هذه الفنون بعضه عن بعض؟ جوابًا عن هذا يمكن القول- في الحدود التي تسمح بها هذه المقاربة الوجيزة – إن النثر القصصي في القصير منه يختلف قليلا عن النثر الروائي، ففي القصة القصيرة نستمع لصوت القاص غالبًا، ولهذا يتسع النثرُ الأقصوصي لمزيد من الاختيارات الأسلوبية، والمَجازيّة، والتراكيب التي تضع النثر في مستوى جمالي يقترب فيه القاص من شعرية السرد، لكن الرواية تعتمد في شعريتها على الاقتراب من لغة الحياة اليومة، لهذا لا نستمعُ فيها لصوت المؤلف وحْدَه، وإنما نستمعُ- في رأي باختين- لأصوات متعددة، هي أصوات الشخوص، وتبعا لذلك نتوقَّع في الرواية حواراتٍ بلهجات ليست متعددة حسب وإنما مختلفة، ومن هنا تعزى بلاغة الرواية لقوانين مباينة لقوانين تراعيها وتلتزم بها فنون الشعر، وإذا لاحظنا في النثر الروائي غلبة هذه القوانين (الشعرية) تأكد لنا الانطباع عن أنّ الرواية كتبت بطريقة مفتعلة، منفصلة، عن الواقع الذي تحاكيه. والحوار – الذي هو المادة الأساسية للمسرح النثري- ينبغي له، هو الآخر، أنْ يقترب بنا من عالم الشخوص (الممثلين) وإلا بدت لنا المسرحية كالمسلسلات المكسيكية المُدبْلجة بالفصحى، بعيدةً جدًا عن الواقع، حيث الخادمة أو المربية أو الطفل يتكلمون بحذلقة، وبتقعُّر، يعلو كثيرًا على فصاحة الفراهيدي، ونحويَّة سيبويه.

الجمعة، 18 أغسطس 2017

النظرية الشعرية بين نص المؤلف ونص المخرج

مجلة الفنون المسرحية


النظرية الشعرية
بين نص المؤلف ونص المخرج

لبروزيين عبيد

إن الحديث عن الجدلية القائمة بين نص المؤلف الدرامي ونص المخرج المسرحي، هو في حقيقة الأمر، حديثٌ نسبيا، مقارنة بتاريخ المسرح العريق، لأن وظيفة المخرج لم تظهر إلا في القرن الثامن عشر مع الدوق ساكس منينجن، ومنذ ذلك الحين، أصبح المخرج يضطلع بدور كبير في تشكيل معالم العروض المسرحية، حيث يعبر عن تصوراته وتوجهاته في الرؤية الإخراجية التي تكوّن، عادة، رؤيته للعالم. 
وأمام المكانة المهمة التي أصبح المخرج يحظى بها في المسرح الحديث والمعاصر، ستقوم الدراسات المسرحية باستثمار السيميائيات في دراسة الجانب الفرجوي، أو ما يسمى بالنص الفرجوي، والمقصود عوالم الخشبة المسرحية وما تزخر به من رؤية إخراجية، وديكور، وسينوغرافيا، وإضاءة، وتمثيل. وهكذا أصبحت مكونات العرض المسرحي معطى للقراءة والتأويل، بعد أن كان النص الدرامي مركز العمل المسرحي، فانتقلنا من هيمنة خطاب المؤلف إلى هيمنة خطاب المخرج.
المسرح بهذا المعنى، فن أدبي وفرجوي بامتياز، لأنه يتكون من نص المؤلف ونص المخرج، أي الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي، وبهذا يتم الانتقال من الخطاب الأدبي إلى خطاب الفرجة، أو من النص الدرامي إلى خطاب الركح، الذي يوظف علامات لغوية وغير لغوية des signe non verbaux لبناء معالم العمل المسرحي، ولكن هذا الانتقال الذي يرتبط بتنويع طرق التعبير، طرح إشكالات نقدية كثيرة، لأن نص المؤلف، باعتباره نصا أدبيا، تحكمه العديد من القواعد، والتي تتأطر تحت نظرية الأجناس الأدبية، فجمالية النص الدرامي ترتبط بمقومات الجنس أو النوع، والقصد بنيته التي تميزه عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى، لذلك يمكن القول إن النص الدرامي، وبانتسابه إلى الأدب، لا يمكن تحديد مقوماته الجمالية إلا بربطه بنظرية الأدب، وبالتالي، سيصبح عمل الناقد المسرحي هو دراسة الأدبية أو الشعرية، وذلك بالتركيز على الخصائص النوعية التي تشكل فرادة المسرحية مثل الانزياحات اللغوية، وتوظيف الزمان والمكان، والشخصيات، والصراع الدرامي، والإرشادات المسرحية...إلخ، بينما يستدعي العرض المسرحي، تصورا شموليا يشكل قالبا يستحضر المؤلف والمخرج والممثل والسينوغراف، وكل هذا خاضع لتصور المخرج المسرحي، لأنه يتحكم في جميع مكونات العرض المسرحي، وهنا سينصب دور الناقد على مفهوم التمسرح Théâtralité، من خلال السيميائيات ونظرية التلقي، أو غيرها من المقاربات التي يمكن أن توظف لدراسة الفرجة المسرحية.
وليس الأمر بالبساطة التي قد يبدو عليه، بل إن اختلاف الوسائل العديدة في المسرح، أدت إلى صراع بين سلطة المؤلف وسلطة المخرج، فألفت العديد من الكتب لتوضيح دور كل منهما، غير أن ما يهمنا هنا، ليس رصد هذا الصراع، بل التركيز على جماليات النص الدرامي في علاقته بشعرية العرض المسرحي، وهو الذي يعكس رؤى مختلفة، تبتدئ برؤيا المؤلف وتنتهي برؤيا المخرج، لذلك، فهما يتكاملان في تشكيل العمل المسرحي، وإن كان هذا لا يعني أن كلا منهما لم يستطع تحقيق استقلاليته الخاصة. وإجمالا، إن شعرية النص الدرامي، كنتاج خالص للمؤلف، يحتكم إلى الخصائص المميزة لهذا النوع الأدبي، وبالتالي فإن جماليته، ترتبط ببنيته، وشكله العام، وطريقة مقاربته، بينما يرتبط العرض بمؤثثات الركح في علاقته بالنظريات المسرحية. 
إن الفصل بين النص الدرامي والعرض المسرحي، أو بين نص المؤلف والمخرج، هو من بين المزالق الكبيرة التي وقع فيها المسرح الحديث والمعاصر، ذلك أن كلا منهما يكمّل الآخر، فكل قارئ لأي عمل أدبي، يعد مخرجا بالضرورة، لأنه يستعمل خياله لتأويل الرموز اللغوية ليبين أفكار النص، فيرسم في أخيلته، ما يتوهم أنه يقرأه، وبالتالي فكل مؤلف مخرج وكل مخرج مؤلف بعديّ.
إن اعتبار النص الدرامي نصا أدبيا، يجعله يحتكم لشروط النتاج الأدبي، وإلى تطور النظريات الأدبية والمناهج النقدية، منذ الشكلانيين الروس إلى ما بعد البنيوية، وهذا يجعلنا نعود إلى ياكوبسون الذي يعتبر الأدبية بأنها هي "التي تجعل من إنتاج ما إنتاجا أدبيا" ، وهذا يعني مراعاة عناصر المسرحية ذات الخصائص الأدبية، وذلك بالتركيز على الانزياحات اللغوية، وبنية النص الدرامي (الشخصيات، الزمان المكان، الصراع...)، وطريقة توظيف هذه العناصر هي التي تجعل النص الدرامي إنتاجا أدبيا.
والعناية بهذه العناصر الأدبية، أيضا، من طرف النقاد والدارسين للمسرح، جعل المؤلف يهيمن –ردحا طويلا من الزمن- على العمل المسرحي ككل، قبل أن نصل إلى عصر سماه رولان بارت في إحدى مقالاته بعصر الصورة، حيث هيمنت الوسائل البصرية على المجتمعات الحديثة، وأصبحت وسيلة للمعرفة، وشكلت وعي الإنسان بنفسه وبالواقع، لذلك، يعد البصريّ والمشاهد من سيمات العصر الحديث، خصوصا بعد توالي ظهور النظريات الأدبية، ومن هنا أصبح المسرح يولي عناية خاصة بالجوانب البصرية في العروض، حيث دخل عوالم التجريب لتظهر سلطة المخرج من جديد، وما أقصده بسلطة المخرج، هو دوره في رسم معالم العرض المسرحي، وليست السلطة بمعنى السيطرة والهيمنة. وحتى الذين يتحدثون عن الصراع في المسرح، هم في حقيقة الأمر، لا يميزون بين التأليف والإخراج بكونهما مهنة، وبين كونهما إبداعا يستقل كل واحد عن الاخر بطرائق التعبير، وانتساب الأول إلى نظرية الأدب والثاني إلى نظرية الفرجة. 
 تقوم حقيقة الصراع بين المؤلف والمخرج عندما قام هذا الأخير بتقليص الملفوظ الحواري على خشبة المسرح، واعتنى بالجماليات البصرية من خلال تجريب طرق جديدة في التعبير، تعتمد بالأساس على توظيف التكنولوجيا والاكتشافات العلمية، وهكذا "نخلص إلى أن التجريب في المسرح الغربي كان هو أسلوب البحث عن حداثة مسرحية تبتعد عن السلطة الأحادية للنص، وترتمي في أحضان جمالية فضائية" .
لقد فتح التجريب افاقا واسعة للمخرج ليبني رؤيته الجمالية على مكونات بصرية، واتسع دوره ليتجاوز الترجمة الحرفية للنص الدرامي، بل أصبحت اللغة الملفوظة فوق خشبة المسرح تتراجع عن مكانتها الرئيسة، وتقلصت هيمنتها الطويلة في المسرح الكلاسيكي، حيث ظهر مايرخولد وكروتوفسكي وأرطو وغيرهم، يدعون إلى اعتماد لغة الجسد والتركيز على اللغة البصرية، خصوصا بعد تأثرهم بالمسرح الشرقي فـ"لإيجاد التأثير الذي كان يرغب فيه أرتو، سعي إلى لغة مسرحية تقوم أولا على الحركة والصوت، وهو بالنسبة لفكرته عن الحركة يدين بالفضل إلى إدراكه لكنه المسرح الشرقي" .
لقد استطاعت التجارب المسرحية الحديثة والمعاصرة، الحد من سلطة المؤلف، بل جعلت أمثال رينيه ويليك، وأوستن وارين في كتابهما "نظرية الأدب" يقران على أن "المسرحية مازالت كما كانت بين الإغريق فنا مختلطا، أدبيا بشكل مركزي ولا شك، لكنه يشتبك أيضا بالعرض يستفيد من مهارة الممثل والمخرج وصانع الأزياء ومهندس الكهرباء"  وهكذا كان المسرح فنا مختلطا باحتوائه أجناسا أدبية مختلفة، وأشكالا فرجوية متعددة. إن النص الدرامي بهذا المعنى، نص مسرحي بامتياز، أي أنه نص أدبي وفرجوي، وهذا يعني أنه فن مختلط، حيث يحتوي على خصائص أدبية وفرجوية في الان نفسه، وكل تصور حول الظاهرة المسرحية يستبعد جانبا من هذه الجوانب يعد تصورا ناقصا.
إن الخروج من هذا المأزق، يستوجب إقامة تصور شامل حول الظاهرة المسرحية باستحضار أبعادها المتعددة، وهو ما نلمسه، حتى الآن على الأقل، في النظرية الشعرية باعتبارها نظرية عامة للأدب والفرجة، وهي قادرة على أن تكشف الخصائص الجمالية والفنية لخطاب المؤلف والمخرج معا، لأن ما يهمنا هنا، ليس رصد الصراع التاريخي بينهما، وهيمنة خطاب على آخر، بقدر ما نصبو إلى الوقوف عند الخصائص النوعية لكل منهما.
تثير النظرية الشعرية العديد من الإشكالات الإبستيمية والإيتيمولوجية، الأولى تتعلق بتاريخ الأدب والفرجة، وما حققاه من تراكم كمي، والثانية ترتبط بالأصل اللسني للكلمة، فهو بمعنى من المعاني، يبحث عن مميزات وخصوصيات الخطاب الأدبي والفرجوي على حد سواء. لكن المسرح - ولكونه فنا بصريا بامتياز- يحتوي في بنيته التعبيرية المركبة أكثر من خطاب، يتجاوز من خلاله النص الدرامي إلى العلامات الركحية التي تشكل العمل المسرحي، وهذا ما يجعل من الشعرية نظرية قادرة على استنطاق النص والعرض على ضوء المناهج النقدية الحديثة.
والشعرية في علاقتها بالمسرح، لا بد لها من رصد الخصائص الفنية للنص الدرامي، الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال وضعه في سياق تطور نظرية الأدب، والوظائف التي تحكمه، فهو يضطلع "بثلاث وظائف: وظيفة درامية، وظيفة شعرية، وظيفة تواصلية، بالنسبة للوظيفة الدرامية، إن النص المسرحي هو أولا الذي يحمل الفعل  l’actionوأحيانا يفسره. إن الحوار محمل بمعلومات واضحة أو مضمرة تتعلق بجريان الفعل أو الحدث. لكن –هذه الوظيفة الثانية- للنص المسرحي وظيفة شعرية، ذلك أنه يستعمل مثل أي نص أدبي، كل الحيل أو المهارات الكتابية، استعارات Métaphores كتابات   Métonymies وهو بذلك يستجيب لغاية جمالية" . 
إن هذه الوظائف الثلاث، هي التي تجعل النص الدرامي نصا أدبيا قابلا للدراسة الأدبية، ولكن التركيز على الوظيفة الثانية، أي الوظيفة الشعرية، تجعل الشعرية قادرة على رصد المقولات الجمالية للنص الدرامي. أما بالنسبة للعرض، فإن الشعرية تركز على دراسة العلامات غير اللغوية من قبيل الحركات والإيماءات والديكور والإضاءة وغيرها من العناصر الركحية الأخرى. 


الأربعاء، 16 أغسطس 2017

المسرح البيئي.. وجماليات التلقي

مجلة الفنون المسرحية

المسرح البيئي.. وجماليات التلقي  

ابتسام يحيى الأسعد


ارتبط المنجز الإبداعي بشكل وثيق بالحياة بشكل عام والإنسان، الذي هو محور الوجود بشكل خاص، وذلك باعتبار أن الفن أداة للتعبير عن مختلف أوجه النشاط البشري بكل تناقضاته. وينطلق هذا الموضوع من "أن العمل والفكر والفن كلها مميزات ضرورية وحاسمة وملازمة لحياة الإنسان"( ). من هنا برزت العلاقة الجدلية بين المنجز الذي يرتبط بذات الفنان واستقبال هذا المنجز الذي يرتبط بالآخر – المتلقي.
إن هذه العلاقة كانت الأرضية التي انطلق منها الفنانون المسرحيون في البحث عن وسائل متعددة للتعبير، خاصة في القرن العشرين. وهذا يرجع لما امتاز فيه هذا القرن من تعدد الأفكار والحوادث المتلاحقة، التي شهدها العصر وتركت أثرها في الفنان. 
فقد شهد المسرح في القرن العشرين اتجاهات عديدة امتازت بابتكار مضامين وأشكال جديدة للتعبير عن الإنسان ومشكلاته، مثلت محاولات للخروج عن الأنماط التقليدية للدراما والعرض المسرحي. هدفت هذه المحاولات إلى إيجاد علاقة من نوع جديد متميزة ومتواصلة مع المتلقي. ابتعدت هذه العلاقة أحياناً وفصلت بين المتلقي والعرض وجعلت من الجمهور مراقباً. بينما اقتربت أحياناً أخرى وجعلت منه، أي الجمهور، مشاركاً في الحدث (العرض). وتطرفت في ذلك فجعلته صانعاً له.
كان احد هذه الأشكال المبتكرة المسرح البيئي الذي أشاعه (ريتشارد ششنر) (1934-)، إذ اعتبر "أن المتفرجين هم صانعوا مشهد ومراقبو مشهد، كما في مشهد الشارع خلال الحياة اليومية"( ). وقد استفاد هذا المخرج من التأثيرات البيئية لإيصال محتوى هذا المسرح. كما عمل عدد من المخرجين في العالم تجارب عديدة في محاولة لإرساء إسلوب عام لهذا الشكل ألا إسلوبي. 
إن الأساليب الجديدة والمثيرة التي قدم فيها مخرجو المسرح البيئي أعمالهم، جعلت منها موضوعا للتأمل. فقد أخذت عروضهم طابعا جماليا من نوع خاص وفريد، وذلك لأن الجمال يسر لمجرد كونه موضوعاً للتأمل، سواء عن طريق الحواس أو في داخل الذهن ذاته . بعبارة أخرى إن التقنيات التي استخدمها مخرجو المسرح البيئي وضعت المتلقي داخل بيئة العرض، محفزة ذهنه وشعوره على تأملها وإمعان التفكير فيها، وبالتالي أصبح منقادا في الدخول في بيئتها. وهو ما أعطى بيئة العمل المسرحي تفردها.
نبع اهتمام المسرحيين في البيئة (Environment) لكونها تمثل العوامل الخارجية، التي يستجيب لها الفرد والمجتمع بأسره. وهذه الاستجابة فعلية كالعوامل الجغرافية والمناخية من سطح ونباتات وموجودات وحرارة، وكذلك تشابه العوامل الثقافية التي تسود المجتمع وتؤثر في حياة الفرد والمجتمع، وتشكلها وتطبعها بطابع معين( ). وقد اعتبرت البيئة نظام متكامل يتألف من مجموعة العوامل والعناصر الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي تحيط بالإنسان ويحيا فيها( ). كما تمثل البيئة المجال الذي تحدث فيه الإثارة والتفاعل لكل وحدة حية. وهي كل ما يحيط بالإنسان من طبيعة ومجتمعات بشرية ونظم اجتماعية وعلاقات شخصية. كما إنها المؤثر الذي يدفع الكائن إلى الحركة والنشاط والسعي، لذلك فان التفاعل متواصل بين البيئة والفرد، فالأخذ بالعطاء مستمد ومتلاحق.
كما لفتت البيئة عناية العاملين في المسرح لكون الدراسات البيئية تقوم بدراسة الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والحضارية التي يعيش فيها الإنسان، والتي يجريها العلماء حول محيطه الاقتصادي والاجتماعي والعوامل المؤثرة فيه. وهي الدراسات التي تتعلق بمادة علم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة البيئة التي يعيش فيها الإنسان، بما فيها من موجودات طبيعية وظواهر اجتماعية تتعلق بمؤسسات المجتمع المختلفة وتقاليده وعاداته وقيمه ومواقفه. كما إن هناك عدداً من الجماعات تعتبر الدراسات البيئة جزءاً من الدراسات الأنثروبولوجية الاجتماعية( ). ولهذا فقد أعتبر المخرج الأمريكي(ريتشارد ششنر) البيئة بأنها: المحيط الدائم والغطاء والمحتوى والأعشاش. وهو المشاركة والفاعلية في الأنظمة الحياتية المترابطة. وهو يرى أن البيئة حيث بدأت الحياة. وقد تأثرت بالكائنات الحية وبالأحداث الطبيعية غير الحية، مثل هيجان البراكين والعواصف والفيضانات والبقع الشمسية…الخ. وعد هذا المخرج أن العلاقة بين ما هو طبيعي وبشري أمر معقد، فمن الممكن أن لا يؤثر الإنسان في الأحداث الطبيعية غير الحية، لكن الفعل الإنساني يؤثر في الطقس (الجو) وعنف وطأته( ).
عالج المسرح البيئي أزمات الإنسان المعاصر، التي أنتجتها الإحداث السياسية في العالم، وما تركته الحروب من دمار على أوضاع الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وقد ربط المسرح البيئي بين المسرح والحياة باعتبار أن ما يحدث في المسرح هو رديف للحياة، يحيلها الفنان إلى المسرح ضمن انطباعات ورؤية خاصة يلعب فيها الخيال دوراً أساسياً، حيث يتعايش الجميع في مواجهة حياتية في بيئة العرض المسرحي تماماً كالحياة. ولهذا فقد أزاح مخرجو المسرح البيئي النص الدرامي الأدبي الجاهز، واعتمدوا على توليفة من أنماط تواصلية مرئية- سمعية، تتناسب وطبيعة تلك العروض ورؤية هؤلاء المخرجين لها. كما حاول مخرجو المسرح البيئي إعطاء عروضهم صفة كونية، سواء في طرح موضوعات عروضهم أو استخدامهم للغات متعددة عالمية. كما استعاض بعض منهم عن لغة الكلمات بلغة الأصوات، مدخلين لغات مرتجلة. واشتغلوا في عملهم على إذابة الطابع المحلي للثقافة الشعبية من اجل إعطائها صفة كونية.
ظهرت بوادر المسرح البيئي (Environmental Theater) عام 1970 على يد المخرج (ريتشارد ششنر)، الذي لخص فيه إسلوبه في التعامل مع فضاء العرض المسرحي والعلاقة مع الجمهور وعدد من البديهيات. وقد التقط (ششنر) مصطلح البيئة (Environment) من (ألن كابرو)* الذي استخدمه في صياغة العمل الفني. وظهر هذا التعبير في كتابه (التجمعات، البيئات، الواقعات) عام 1966، التي يرى أن "مفتاح المفهوم امتداد لفكرة (كابرو) عن البيئة، حيث يعتبر مشهد العرض جزءاً مكملاً للكل، يجمع الممثل والمتفرج ويتفاعلان فيه كوجود أو كينونة. ومثل هذه المحاولة تعني تلقائياً رفض عمارة المسرح التقليدي لصالح الأماكن المناسبة كبيئة"( ).
طور (ششنر) المسرح البيئي من خلال بحثه عن فضاءآت جديدة للعرض المسرحي، يهدف من خلاله إلى "توليد إشارات مسرحية بلا حدود ومعاني لا متناهية، ناتجة عن إمكانية تشكيل لانهائية لمساحة* المسرح"( ). وهو ما عبر عنه (فيلار)** في عام 1948 في قوله: "إن كثيرون منا يفهمون انه مازال ضرورياً أن ندع المسرح "يتنفس" (…). فمستقبل المسرح ليس في المساحات المغلقة"( ). 
بحث المخرج الأمريكي عن ارتباط المتلقي بالفضاء من خلال "امتلاء المساحة، الطرق اللفظية المتعددة التي تنتقل عن طريقها المساحة وتضج بالحياة. وهو ما يعد أساساً في تصميم المسرح البيئي، الذي عد أيضا مصدر تدريب لمؤدي الأدوار المرتبطة بالبيئة. وإذا كان المشاهدون هم احد العناصر التي يجري عن طريقها العرض، فان المساحة المليئة بالحياة هي عنصر آخر. إن هذه المساحة الحية تتضمن كل المساحة في المسرح، وليس ما ندعوه خشبة مسرح فقط"( ).
اعتبر (ششنر) إن البيئات أو بيئة العرض ليس فضاء فقط، بل فاعلية اللاعبين في أنظمة إرسال معقدة، تأخذ مكانها من خلال فضاءآت ساكنة بشكل مبدئي. فبيئة العرض تعني (المكانة) بالمفهوم السياسي، (جسد المعرفة) بالمفهوم العلمي، (المكان الحقيقي) بالمفهوم المسرحي. وهذا يعني انه لتجسيد العرض بيئياً لا يعني مجرد نقله خارج (البروسينيوم)***، بل ان تشترك جميع العناصر التي تؤلف العرض المسرحي كي يعطيها شكل الحياة. وهو يعني احداث التغيير والتطور والتحول وامتلاك الحاجات والرغبات والقدرة على التعبير واستخدام الوعي. فالمسرح البيئي حيثما يكون الفعل: في غرفة الأزياء والماكياج، حيث المشاهد، في الردهة، في مكتب الإدارة في صندوق البريد، وحتى التواليت، وفي وسائط النقل التي تجلب المشاهد إلى المسرح وحتى الكافتريا التي تقدم الطعام، هذه جميعها تشكل بيئة العرض( ).
وقد جاءت جماليات المسرح البيئي من تركيب عناصر مستقاة فعلياً من الابتكارات المسرحية المعاصرة، فقد لجأ مخرجو المسرح البيئي إلى إسلوب جمع المواد الأدبية والفنية والتقنية في أعمالهم، المسرحية. إذ عملوا على "تلقي الصورة الفنية وتبنيها حتى تصبح صورة خاصة بهم. ومن ثم نقل هذه الصورة وهي طازجة إلى المتلقي. يضاف إلى ذلك إن العناصر يتم تقديمها من خلال فكرة "تعليق القراءة"، أي أن تجعل المتلقي يستعيد تجربة مكانه الأليف. وينطلق هذا كله من فكرة "ديناميكية الخيال". أي أن الصورة الفنية والمكان الأليف، والذكريات المستعارة، ليست معطيات ذات أبعاد هندسية، بل مكيفة بالخيال وأحلام اليقظة"( ). وهنا لا بد من التأكيد بان جمع هذه المواد لم يتم تناولها بطريقة عشوائية، ذلك ان السمة الجمالية لأي عمل، إنما يتأتى من توافر عاملين هما: تنظيم عناصر العمل وتآلف تلك العناصر مع بعضها البعض لإخراج عمل فني جدير بالإعجاب، أو لخلق عمل فني مبدع. وهذين العاملين (التنظيم والتآلف) يتبعهما المتذوق إسوة بالفنان، لأنه يمر بنفس المراحل التي يمر بها الفنان في سبيل تمثيل موضوع فنه. ومن ثم محاولة تقييمه والحكم عليه"( ). 
إن الهدف الذي سعى إليه المسرح البيئي في هذه العملية يتشابه وأسلوب السينما المعاصرة. فقد رأى (اونا شودهوري) بان هناك تشابها بين منطق وإسلوب السينما المعاصر والمسرح البيئي؛ حيث تسعى الأولى إلى توسيع مجال الرؤيا الإنسانية ليشمل كل الحقائق وتعرضها للتشريح الإنساني. فهي تشرح الموضوعات الإنسانية وتعرفها وتقدمها تماماً مثل المسرح البيئي( )، ذلك أن "تغييرات المشاهد القصيرة، وتقاطع الحبكة الرئيسية بحبكة ثانوية، إنما هو جانب من الشكل العام لها. وينكشف هذا الشكل ديناميكياً. فالسلسلة المتصلة من المشاهد، التي تشبه إلى حد كبير تسلسل الأحداث في الشريط السينمائي، الذي تتخلل عرضه فترات استراحة وفترات موسيقية بين كل جزء وآخر، هو الذي يقوى تأثيرها ويزيد من قوتها"( ).
يلعب الخيال دوراً أساسياً في تجسيد الصورة مسرحياً عند مخرجي المسرح البيئي، وذلك لكون الخيال، كما يرى (باشلار)، قوة خفية… قوة كونية بقدر ما هو ملكة سايكولوجية. وقد ميز (باشلار) بين نوعين من الخيال: الخيال الشكلي والخيال المادي، ففي حين يخلق الخيال الشكلي كل الجمال غير الضروري داخل الطبيعة مثل الأزهار. فان الخيال المادي يهدف إلى إنتاج ما هو بدائي وخالد في الوجود. وفي داخل العقل الإنساني يكون الخيال الشكلي مغرماً بالخرافة، والجمال الفاتن بالتنوع وبالمفاجئة في الأحداث. بينما يتركز الخيال المادي على عنصر الديمومة في الأشياء. وهكذا فهو يفرز في الطبيعة بذوراً، ومن تلك البذور يترسخ الشكل بعمق في المادة( ). وبهذه الطريقة يصبح للظاهرة الفنية "بعداً موضوعياً، بعداً اجتماعياً، وبعداً نفسياً بالإضافة إلى بعدها الظاهراتي- أي بعد المعايشة والخيال.."( ).
اهتم المسرح البيئي بالانثروبولوجيا الاجتماعية Social Anthropology وهي "الدراسة الاجتماعية للقيم والسلوك الإنساني الخاص بأنواع مختلفة من المجتمعات البشرية. وتركز الدراسة الانثروبولوجية الاجتماعية من الناحية النظرية على فحص المجتمعات البشرية برمتها، الا انها من الناحية العملية تكرس جهودها في تحليل المجتمعات إلى عناصرها الأولية أو وحدتها البنائية. وهي تقوم بتحليل قطاع اجتماعي تحليلاً دقيقاً، وغالباً ما تربطه بقطاعات المجتمع الأخرى. والدراسة العملية الأنثروبولوجية تستلزم استعمال طريقة المشاهدة المباشرة أو طريقة المشاهدة بالاشتراك"( )
وضمن هذا السياق وظف (ششنر) دراسته للأنثروبولوجيا في تقديمه لنموذج (الانتقال/التحول) الذي اعتبر انه نموذج "مفتوح، أي الاستفادة من الثقافات المختلفة والحياة اليومية وتوظيفها في هذه العروض. تماماً كما تم توظيف الطقوس التلقينية** لاولاد (كاهوكو) في (بومبو) في غينيا الجديدة، ومن الممكن الاستفادة أيضاً من التجارب الشخصية مع هذه الشعوب عن طريق دراسة هذه الثقافات. وهو ما تحقق في (باخوسيات) و (فيلوكيتس) لـ (سوفوكلس) و (اوديب) لـ (سنكا)***. ومن الممكن الاستفادة من الرسالة الهندية (نايتاساسترا) ودراما النو( ). وكان اعتماد (ششنر) على كثير من تقنيات تلك الطقوس ينبع من وجهة نظر تفيد بان " تحويل خشبة المسرح إلى طقس هو لمجرد رغبته في تفعيل العرض المسرحي، واستخدام الأحداث المسرحية لتغيير الناس. وذلك بالاعتماد أساساً على الطقس الذي يقوم على عزل المشاركين عن بيئتهم السابقة من خلال نزع الحواس Sensory depoivation وتغيير التوجه disorientation. وهذا الفعل يوحي بالتغيير في طبيعتهم، وإدماجهم في بيئة جديدة بشكل مادي. وهذا يتضح في مشروعات جروتوفسكي "البارامسرحية Paratheatical او في المسرح الحي"( ).
استخدم المسرح البيئي الطقس في سعيه لان تصبح الرموز فوق طبيعة ويصبح المعنى المجازي للحدث على الخشبة مفهوماً دون سؤال، والتواصل بين الخشبة والجمهور كاملاً. وبهذا الشكل يحتفظ الحدث على الخشبة بغموض له نظام واقعي آخر، ولا يمكن الإحساس به، إلا من خلال معايشته كطقس، وكما هو الحال في المسارح الدينية القديمة، تفهم العناصر الطقسية بعموميتها وتعتبر مسلمات وتبقى مقدسة"( ). وبالطبع فان هذا الغموض المطلوب مرتبط بالتلقي من قبل المشاهد، الذي اعتبر هدفاً لمخرج المسرح البيئي، استنادا إلى "أن الفن هو أداة "تغريب" الأشياء وأداة الشكل الذي أصبح صعباً، أي إنه الأداة التي تزيد من صعوبة وإطالة الإدراك، لان عملية الإدراك في الفن غاية في ذاتها ولابد من إطالتها"( )، وهكذا تكون عملية التلقي في المسرح البيئي قد امتلكت إسلوباً وخصوصية في التأويل.
ويتركز عمل مخرجي المسرح البيئي مع ممثليهم في ورش مسرحية معتمدين على العمل الجماعي، بدءاً من إعداد النص إلى تقديم العرض. واعتمدت تقنية الأداء التمثيلي في المسرح البيئي على المرونة العالية للجسد، التكوين، التنويع، والتنغيم في طبقات الصوت، والارتجال المرتبط بتداعيات الممثل. وقد هدفت جميع تلك التقنيات الأدائية إلى خلق علاقة تواصلية مع المتلقي، الذي يعتبر المسرح البيئي جزءاً أساسياً من بيئة العرض المسرحي. لذلك حاول المخرجون توظيف جميع عناصر العرض المسرحي وتقنياته بهدف إدخال المتلقي في تجربة طقسية موحدة، وتوريطه بشكل جمعي في تجربة شاملة يتوحد فيها الجميع بلا تمييز لتحويل العرض المسرحي إلى حدث اجتماعي داخل بيئة العرض.



السبت، 12 أغسطس 2017

تداولية الايماءة في المسرح الصامت (Pragmatics of gesture )

مجلة الفنون المسرحية


تداولية الايماءة في المسرح الصامت  (Pragmatics of gesture )

*د. أحمد محمد عبد الامير

يعرف علم الإيماءات بمعناه الواسع بأنه : علم يخص جميع القنوات غير اللفظية التي تصدر عن الجسم ، فالإيماءة هي حركة العين والنظرة ووضعية الجسد وحركاته المختلفة والمسافة بين المتحدثين ( المسافة المحيطة بالجسد وكيفية التصرف بها ) ، نغمة الصوت وسرعته ، وحتى مدة الصمت .. الإيماءة جزء أساسي من التواصل البشري القديم ومهما يفعل الإنسان سواء تحرك أم لم يتحرك صمت أم لا ، فإن هناك دوماً إشارات تصدر عنه والتي تهدف لإيصال رسالة ما وليس هناك حركة عشوائية ، إذ أنّ كل حركة تدل على شيء ما ( ) . لذا تُعَرَّف على أنها  "حركة وضعية لها دلالتها ومعناها ، إذ إنّ حركة إصبع صغير تؤدي إلى معنى معين " ( ) . وتعدُّ الصورة المتشكلة لما نفكر فيه ، فهي لا توضح مقاصدنا ونوايانا فحسب ، وإنما تصف مواقعنا كما تظهر للآخرين ، وانعكاساً لجذورنا ، ولثقافتنا ولموقعنا الوظيفي ، ولمشاعرنا أيضاً . ومن هنا يبدو مصطلح تداولية الايماءة واستخدامها الاجتماعي امر هام في عملية التواصل والافهام .
تُعرف التداولية ( Pragmatics ) بأنها " دراسة استخدام اللغة في شتى السياقات والمواقف الواقعية وعلاقة ذلك بمن يستخدمها " ( ) . كما تهتم بدراسة العلاقة القائمة بين العلامات ومفسريها ، بمعنى آخر دراسة دلالات العلامة كما يستعملها مستخدموها ضمن الفعل القصدي لديهم ( ) ، وهي مصطلح يدل على العلاقة القائمة بين الأعمال الفنية والوقائع الحقيقية ( ) . وهي أيضاً " علماً يعنى بالبعد الاستعمالي الانجازي للعلامات كما تعنى بالبؤرة المركزية في الثيمات مع التأكيد على العلاقة بين العلامات وسياقها " ( ) . كما يُعرِّف ( بيرس ) التداولية بأنها علم قواعد التأويل،  لأن كل تأويل للعلامات لديه هو تأويل تداولي بالطريقة التي تكون فيه العلامة هي ما تنتجه القراءة المستندة للسياق ، لذا فكل قراءة للعلامات هي قراءة سياقية ، وان كل سياق هو تداول أيضاً ، كذلك يؤكد ( بيرس ) اهتمامها بدراسة الظروف اللازمة لنقل دلالة العلامة من عقل إلى آخر. كما تهتم بدراسة الظروف الشكلية لقوة الرموز أو السلطة التي يمكن أن تمارسها هذه الرموز على العقل ، وبتعبير آخر ، المرجعيات العامة بالنسبة لمؤولاتها ، ومن ثمَّ تكون التداولية نظرية في الظروف العامة التي تحدد مرجعية الرموز والعلامات ( ) .
يؤكد ( بيرس ) هنا ما سبق للباحث أن طرحه في عدة الإيماءة بنية دلالية تختلف اشتغالاتها من سياق إلى آخر ، فهي بنية متحركة قابلة للتحول خاضعة للظروف المجتمعية التي ترد فيها ، لذا يمكن للباحث الإشارة إلى أنّ البعد التداولي الذي يمنح لبنية الإيماءة جعلها أكثر قدرة على نقل البنى الفلسفية ، المجتمعية وإفرازاتها وتحولاتها وظروفها ، أكثر من غيرها كـ( اللغة اللفظية ) ، لأنها لصيقة بالسياق الذي لا يمكن أن تقرأ بمعزل عنه ، حتى تتمكن من نقل الهوية المجتمعية أو الحالة العقلية إلى الآخر ، لهذا تحمل بنية الإيماءة دلالة معرفية تتمثل بالكشف عن خفايا الواقع نفسياً وفكرياً ودلالة جمالية لأنها تقدمه بصورة يمكن احتمال تناقضاته وقسوته إلى المستوى الذي يسمح بقراءتها ولها أيضاً دلالة تواصلية بنائية ، لأنها بنية مستندة بالأساس إلى سياق محبوك ولا يمكن فهم هذه الدلالة من غير تفسير يقع ضمن سياق العرض وفكرته . 
إنّ قدرة بنية الإيماءة على نقل البنى الفلسفية المجتمعية ، تتضح من خلال نمط التحية الذي يقدم بين الشعوب المختلفة للتواصل كتحية المجتمع الشرقي ( اليابان ) المتمثل بضم الكفين تحت الذقن مع الانحناء البسيط من خلال الجذع ، وهي بذلك تختزل ثقافة شعوب تعكس مقدار الود والسلام والاحترام المتبادل بينها . كما تتمثل التحية العربية من خلال رفع كف اليد اليمنى عالياً تجاه الشخص الآخر ، فهي منبثقة من فلسفة مجتمع بكامله تتمثل فيه قيم الفروسية وحمل السيف ، فتبدو التحية فيها حادة كحدة السيف في القطع ، فشكل الحركة وآلية أدائها ( تشكلها الأدائي ) جاور تاريخ البيئة العربية واستطاعت الإيماءة التعبير عن فلسفة مجتمع واختزلت تاريخ صيرورته . 
إنَّ معنى الكلمة لدى ( برتراند رسل ) يأتي من استعمالها والغرض من هذا الاستعمال، فالكلمة تحمل معنى غامضاً ينكشف فقط عن طريق ملاحظة استعمالها ، فالاستعمال يأتي أولاً ومن ثمَّ يتحدد المعنى ( ) . " والمعنى لا يعطى من خلال الكلمة ولا من خلال الأشياء التي تشير إليها بل من خلال آلية التوظيف والاستخدام والذي يمكن أن يدرس بدوره دراسة دلالية تداولية " ( ) . إنّ إشارة ( رسل ) هذه تدل على أن دلالة الإيماءة هي وليدة دقة أو مهارة الاستخدام لها ضمن سياق مناسب لفكرة العرض ، فهذا الاستخدام يعمل على تأجيل الدلالة ، حتى إكمال العرض وبانتهائه تنتهي القراءة الدلالية التداولية له . كذلك تؤكد إشارة ( رسل ) على أنّ الإيماءة ليست بالمفردة الأدائية ، بل هي بنية دلالية يمكن أن تعطي المعنى عندما ترتبط بغيرها من الإيماءات ضمن سياق واحد . ففكرة قيمة الإنسان وكفاحه ونضاله من أجل وجوده كفرد أو كهوية إنسانية ، لا يمكن أن تعطي في لحظة واحدة في جملة إيماءات المشهد الأول أو الثاني بل من خلال جملة العرض كله ، مع ملاحظة أهمية أن تتضح في العرض أبعاد المعنى الكلي في كل مشهد حتى يدرك المشاهد نمو الدلالات مع استمرار قراءته للعرض . كما في السكون الإيمائي أو الصمت في المشاهد اللفظية والذي يتحول إلى فعل إذا جاء ضمن سياق الكلام وهو قدرة دلالية إذا صمت لغاية ما ، ودلالة السكون تتغير بحسب السياق ، إذ قد تكون دلالة السكون غضباً ، أو عجزاً ... الخ  . لذا فقد اهتمت التداولية بدراسة السياق للكشف عن القوانين العامة التي تحدد دلالة الموضوع أو الفكرة . لهذا يمكن للباحث أن يورد المخطط الآتي لتوضيح ذلك : 






لمفهوم السياق وعلاقته بالتداول ، قدم ( هاليدي ) توضيحاً من خلال تأكيده على أن فهم اللغة كنظام يتطلب فهم الكيفية التي تعمل بها في السياق ( النصوص ) . وبذلك يتحول الاهتمام من الجملة إلى مستوى النص ، فالسياق والنص عنده وجهان لعملة واحدة، والسياق هو النص الآخر أو المصاحب وهو يمثل – أي السياق –  البيئة الخارجية ( ) . وقد نشأت نظرية السياق لدى ( هاليدي ) قبل نظرية النص ، معتمداً على مفهوم سياق الموقف الذي طرحه ( مالينوفسكي ) ، والذي قصد به البيئة الشاملة التي يدور حولها النص ، كذلك أضاف ( مالينوفسكي ) مفهوماً آخر هو سياق الثقافة الذي يجد فيه مع سياق الموقف ضروري لفهم اللغات والثقافات ، على اعتبار أن لكل شعب من الشعوب إيماءاته الخاصة به ( إيماءات إقليمية ) والتي لها الأثر البارز في كيفية أدائها في العرض . أما ( فيرث ) " فقد طوّر هذين المفهومين ( سياق الموقف والثقافة ) وجعلهما مفهوماً عاماً وأساساً في نظرية اللغة ، والذي منحه الاهتمام سواء كانت أشياء أو حوادث أو الآثار التي يحدثها الخطاب على المشاركين  فيه " ( ) . على هذا الأساس حاولت التداولية الجمع بين حركة النص نحو الداخل لتمييز الوسائل الفنية المستخدمة مثل( الإضمار ، الافتراض المسبق ، الإقناع ) ، وإلى الخارج لتقيم العلاقة القائمة واللازمة بين هذه العناصر والسياق الموقفي والثقافي للنص ( ) . 
التداولية الاجتماعية ، تهتم بمناسبة أو صحة استخدام المعنى كما يرد في السياق الاجتماعي الذي يتداول فيه ، وتهتم التداولية الجمالية بمفاهيم متعددة من مثل قدرة الحوار ، أي ملاءمة الكلمات لنصوصها اللغوية ( ملائمة المنطوق لفكرة النص ) ، أي معرفة الآلية التي يتم بها توحيد الجمل وتنسيقها شكلياً وبطريقة تعمل على ترابط المعنى ،بينما تهتم إدارة الحوار بالتناوب في إدارة الحوار والاستخدام الأصح للعبارات ، أما قدرة التخطيط فتهتم  بعملية التعويض التي تمكن المشاهد من سد أي فجوة تواجه مشاهده ، وتستخدم لتصحيح أي إعاقة في التواصل ولزيادة حدته أيضاً ( ) . 
بذلك تكون القدرة التداولية المجتمعية أحد الأسس لفهم العرض الإيمائي الصامت ، وذلك من خلال رد دلالات الإيماءات إلى السياق الاجتماعي ، إذ تساعد آلية استخدام وتوظيف بنية الإيماءة على تعزيز ذلك من خلال ملاءمتها مع ثقافة المشاهد وتوحيدها في سلسلة معنوية منسقة أدائياً تكشف بشكل واضح عن ترابط أبعاد الدلالة في العرض ، وبشكل يعمل على قيام حوار جمالي بين أطراف الاتصال ( بنى العرض الإيمائية والمشاهد ) ، يتم من خلاله سد فجوات العرض الجمالية التي تظهر في المشاهدة . 
 يؤكد الباحث على أهمية مراعاة السياق المجتمعي في أثناء التخطيط لتصميم عرض مسرحي إيمائي ، كما يجب عدم إغفال سياقي ( الموقف والثقافي ) ، وما يقدمانه من تفعيل قدرات ( حوارية / جمالية ) تزيد القيمة الوجودية لفكرة العرض المسرحي . 
من خلال ما سبق ، تكون لدلالات بنية الإيماءة المعرفية والجمالية بعداً سياقياً تداولياً يتحكم في العرض ، لأن هذه الدلالات مشتقة أساساً من سياق أوسع هو السياق المجتمعي الثقافي . ويكون هذا التحكم من خلال قيام المشاهد بإرجاع المعنى إليه ، وبالتالي خضوع العرض إلى سياق يشكل أبعاده المعرفية والجمالية . لهذا لابدَّ للعرض الإيمائي الصامت أن يحوي أفكار السياق الثقافية والاجتماعية والتي تؤثر في اكتمال موضوع دلالاته .
         تركيز اهتمام التداولية بهيكل أو بناء السياق بشكل عام وتأثيراته في سياق العمل الفني ، هو لمعرفة الأسس التي تتحكم بدلالة العمل ( الإيماءة ) فإن أي خلل في السياق أو حتى الخطأ فيه ، سيؤدي إلى خرق هذه الأسس ، وتضييع الدلالة وكذلك المعنى ، والذي يسمى بانعدام المواءمة السياقية ، وهذا السياق قد يكون سياقاً ثقافياً أو اجتماعياً أو عرفياً . 
ما يمكن للباحث طرحه هنا ، هو خرق العروض الإيمائية للموائمة السياقية واشتغالاتها على الانزياح الدلالي ، من خلال كسرها لبعض القوانين السياقية أحياناً أو كلياً ، كما هو حاصل حالياً في العروض الحداثوية التي تصل إلى حد تعرية جسد الممثل وتوظيفه لبث سلسلة إيماءات قد تجدها التداولية خرقاً أو طرحاً غريباً ، كما ويحدث أن يضرب العرض بمادية الأشياء المستخدمة لبث الإيماءة وتجريدها ، ولا يستثنى منها دلالة الجسد ، فقد يغير الممثل جنسه من ( ذكر إلى أنثى ) أو العكس لبث إيماءات تتسم بخصائص المرونة والتحول والتكثيف والاختزال . لذا فإن الانزياح الدلالي الذي يتمرد على السياق يعطي للعمل المسرحي تغريباً جمالياً ويدفع المشاهد على تجاوز أطر المشاهدة التقليدية ، أو الحسية ليرتقي به إلى مصاف العقلي المتسامي من غير الالتذاذ بغرائز الجسد أو إيحاءات الإيماءة . 
وبما إن التداولية تدرس المعنى المقصود كما يرد في سياقه ، فإن كسر السياق هو بحد ذاته سيولد المعنى ، وهذا الكسر يخلق حالة من التغريب في المعنى والتشكل الأدائي يمكن أن يؤثر على تحديد معنى إيماءات العرض الأخرى ، وكمثال على ذلك مشهد إيمائي يظهر سياقه حالة عاطفية تزداد حدة بين رجل وامرأة تشتد لتنتهي فجأةً بقتل الرجل للمرأة من غير تلميح أو تمهيد وبما يخالف سير سياقه الطبيعي في المشهد ، فيخلق صدمةً معرفيةً إزاء فعل التغريب الإيمائي ويولد عدة احتمالات دلالية تدفع المشاهد ليعيد تنظيم قراءته وفهمه لدلالة الإيماءات السابقة وقراءته للأحداث اللاحقة والعمل الدرامي ككل ، وبهذا الوصف فهي تتحرك أفقياً وعمودياً في قراءة المشاهد إلى أبعد من الدلالة المباشرة ابتداءً من معطيات الإيماءة الجديدة إلى سياق مرجعي يعتبر قاعدة أساس . 
تهتم التداولية - في موضوع التمثيل الإيمائي الصامت - بالتفاعل المتبادل بين الإيماءة وسياقها ومدلولها ، إذ يتطلب كلاً منها وجود الآخر من جانب ، وبين الإيماءة وسياقها من جانب آخر ، إذ يستدعي سياق الحال بنية إيمائية معينة لتعطي دلالة معينة  مناسبة ، كما في احمرار الوجه عند الخجل والغضب ، أو " ضرب الكف بالكف عند الذم ، كما هو وارد في الآية الكريمة {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } [ الكهف : 42 ] ، وعضّ الأنامل عند الغيظ ، كما في قوله تعالى {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
[ آل عمران : 119 ] " ( ) . وكذلك يعمل السياق على تبادل المعاني التي تعمل على المستوى الحسي ، الحركي ، وتبقى الإيماءات التداولية العرفية ذات طابع تبادلي من ثقافة لأخرى كأعراف الزواج ، والترحاب ... الخ . 
على سبيل المثال ، تشير قبضة اليد المرفوعة إلى جانب الخد وعلى نحو يتجه الإبهام إلى الخلف ، يشير إلى زمن الماضي المنصرم بخط تخيلي للزمن ، أما إشارة المستقبل فتنتج برفع اليد إلى الوجه والإبهام يشير إلى الأعلى ثمَّ تتحرك اليد إلى الأمام ، وكلما كانت حركة اليد إلى الأمام أكثر كانت فترة المستقبل أكبر ( ) .
كما تدخل طقوس التعبد لدى أي قبيلة أو مجتمع أو مذهب أو إيماءة دينية مدلولة لديهم  يضاف إلى ذلك ، وجود الكثير من الإيماءات النفسية المتداولة كوضع اليد على الفم عند الكذب ، أو تفريغ الانفعال في الجيب عند القلق . 
وهناك أيضاً إيماءات ثقافية متداولة ، كتناول وجبات الطعام ، وارتداء الألبسة 
( بروتوكول ) كما يجري حالياً في عدد من الدول ، إذ يدخل رجالها السياسيون والدبلوماسيون دورات داخل معاهد متخصصة للتدريب على الإيماءات البروتوكولية الثقافية ، أو المعاهد الخاصة بالإيماءات التجارية التي تعمل على تأهيل العمال ليتمكنوا من مزاولة مهنتهم القائمة على إقناع وترغيب المشتري ، ونضرب لذلك مثلاً ، معهد ( آلن بيز ) في نيويورك ، ومعهد ( منى غريب للإيحاء والإيماءة ) في دولة الكويت ، ومعهد الإيماءات التجارية في السعودية والفرق المتخصصة بفنون الاداء والايماءة والتمثيل الايمائي الصامت . 


*سيرة ذاتية
أحمد محمد عبد الأمير حمد .
- مواليد بابل / الحلة (1970 م) .
- بكالوريوس تربية مسرحية / كلية التربية الفنية / جامعة بابل (1993- 1994 م) . 
- ماجستير تربية مسرحية / كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل 2002 م بعنوان : (الملامح الفكرية والفنية لمسرح ما بعد الحرب في العراق 1990 – 2000 م) .  
- دكتوراه اختصاص فلسفة التربية المسرحية –  تمثيل صامت / كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل (2009 م) بعنوان: ( الدلالات المعرفية والجمالية للإيماءة في التمثيل الصامت ) .
- الاختصاص الدقيق : مدرس مادة التمثيل الصامت ، واللياقة البدنية .
- يدرس في قسم الفنون المسرحية المواد التالية : التمثيل الإيمائي الصامت ، التمثيل ، اللياقة المسرحية .
- مؤسس ( ورشة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل ) في كلية الفنون الجميلة / بابل المتخصصة في الأعمال الإيمائية الصامتة والراقصة منذ عام (2005 م) .
- عضو هيئة تحرير صحيفة الاديب الثقافية .
- له كتاب : عن دار الأيام للنشر والتوزيع في العاصمة الاردنية عمان كتاب تحت عنوان : المسرح الصامت بين المفهوم والتقنية (التمثيل الإيمائي، الرقص الدرامي، مايم خيال الظل) .
- البحوث المنشورة في المجلات العلمية التابعة إلى جامعة بابل :
1. التصميم الحركي في فن التمثيل الصامت .
2. تطبيقات القوانين الإدراكية للجشتالت في الرقص الدرامي .
3. الملامح الفكرية في نصوص الخيال العلمي المسرحي(مسرحيات كارل تشابيك نموذجاً) .
4. ظاهراتية (انغارد) في العرض الدرامي العراقي الراقص .
5. الادراك الجمالي للعرض الدرامي الراقص في العراق .
6. تقنية الحركة في فن التمثيل الصامت في العراق .
7. جماليات العناصر البصرية والسمعية للعرض المسرحي الصامت في العراق .
8. جمالية العناصر الفنية لعروض مسرح مايم خيال الظل .
- المشاركات الفنية المحلية والقطرية والعربية في مجال العرض المسرح عن طريق جامعة بابل، ونقابة الفنانين، وزارة الثقافة والإعلام، دائرة السينما والمسرح، دار ثقافة الاطفال : 
1. مهرجان المسرح العراقي (1992 م) .
2. مهرجان المسرح البابلي الأول والثاني (97 – 1998 م) .
3. مهرجان منتدى المسرح / بغداد (1998 م) .
4. مهرجان الموندراما الثاني / بغداد (2000 م) .
5. مهرجان الوفاء الخليجي الثاني (2000 م) .
6. مهرجان الوفاء الخليجي الثالث (2001 م) .
7. الملتقى الدولي الخامس لجامعة جنوب الوادي / مصر (2002 م) .
8. مهرجان الحرية الاول ، والثاني / نقابة الفنانين بابل (2003 - 2004 م) .
9. مهرجان كربلاء التجريب (2007 م) .
10. مهرجان الابداع للشاعر موفق ابو خمره / اتحاد الادباء / بابل (2007 م) .
11. مهرجان الشهادة / النجف (2007 م) .
12. المشاركة في الورشة التطويرية للأداء المسرحي ( ورشة المستقبل ) / دمشق  (2008 م) من قبل المعهد السويدي وفرقة أكيتو كعضو إداري .
13. مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الدورة العشرون / القاهرة (2008 م) .
14. مهرجان العرض المسرحي الصامت وزارة الشباب / بابل (2010 م) .
15. مهرجان هواة المسرح / منتدى المسرح بغداد (2010 م) .
16. مهرجان المسرح التعبيري الصامت / الموصل (2010 م) .
17. مهرجان المسرح التعبيري الصامت لوزارة الشباب / فرع بابل (2011 م) .
18. مهرجان مسرح الشوارع الدولي / دربندخان نادي المسرح (2011 م) .
19. المشاركة في ( مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي ) 2012 م ، في عرض ( صور من بلادي / مايم خيال الظل ) على المسرح الوطني .
20. ( مهرجان المسرح التعبيري الصامت ) لوزارة الشباب / فرع بابل 2012 م ، في العرض الايمائي (القضية) .
21. ( مهرجان التراث البابلي الاول ) لوزارة الشباب / فرع بابل 2013 في عرض مسرحية (صور من بلادي) .
22. مهرجان (بابل للثقافات والفنون العالمي الثاني) 2013 م .
23. مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية ( أيام مسرحية عراقية ) المركز العراقي للمسرح في مسرحية (صور من بلادي ) على المسرح الوطني 30 / 9 / 2013 م.
24. (مهرجان بغداد الثالث للطفولة) وزارة الثقافة / دار ثقافة الطفل في المسرحية الصامتة (شارلي شابلن وعازفة البيانو) بغداد 29 / 20 / 2013 م .
25. (مهرجان جماعة المسرح المعاصر الاول للشباب) البصرة الندوة الفكرية الموسومة (مسرح الشباب .. الواقع والافاق المستقبلية) 20 / 10 / 2014 م .
26. المشاركة في مهرجان مسرحنا ضد الارهاب / بغداد صمم مشاهد خيال الظل لعرض (امام الباب ) 20015 م .
27. مهرجانات كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل لسنوات عديدة ومشرفا على اعمال الطلاب .
28. ملتقى فنون العرائس والفرجة العربية الشعبية / الشارقة للهيئة العربية للمسرح شارك في تقديم اعمال ايمائية صامتة 2016 م .
- عضو في : 
عضو عامل في نقابة الفنانين / فرع بابل منذ عام 1993 م .
عضو في فرقة أكيتو للرقص الدرامي / السويد 2002 م ، عضو إداري 2008 م .
عضو مؤسس لفرقة مسرح بابل / دائرة السينما والمسرح – وزارة الثقافة 2010 م .
عضو مؤسس منتدى ثقافة الطفل / اتحاد الأدباء المركز العام / بغداد 2013 م .
- مؤلف ومخرج وممثل مسرحي . 
- الجوائز المشاركات والشهادات التقديرية في مجال المسرح : 
1. جائزة أفضل ممثل / مناصفة في مهرجان المسح البابلي الأول 1997 م .
2. جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان المسرح البابلي الثاني لتألفه مسرحية (أسطورة عودة التنين) 1998 م .
3. جائزة افضل عرض مسرحي متكامل لمسرحية (أسطورة عودة التنين) 1998 م لذات المهرجان .
4. أفضل عرض مسرحي متكامل عن تأليفه ومشاركته في أخراج وتمثيل مسرحية (في انتظار ...) في مهرجان منتدى المسرح / بغداد 1998 م .
5. جائزة نقاد المسرحيين العراقيين لنفس العمل في مهرجان منتدى المسرح / بغداد 1998م.
6. جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في مهرجان الوفاء الخليجي الثاني / بصرة 2000 م.
7. جائزة أفضل مخرج مسرحي عن مشاركته في أخراج عرض مسرحية (الشاهد والمشهود) في مهرجان الوفاء الخليجي الثالث 2001 م .
8. جائزة الإبداع في الملتقى الدولي الخامس / مصر 2001 م .
9. جائزة تقديرية من فرقة (مسرح خور فكان / الإمارات) 2001 م .
10. جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل عن تأليفه ومشاركته في تمثيل مسرحية (حافلة الزمن المفقود) في مهرجان الحرية الأول / بابل 2003م .
11. جائزة مهرجان كربلاء التجريبي لإخراجه العرض الدرامي الراقص (كرستال) / كربلاء 2007 م .
12. جائزة تقديرية من فرقة أكيتو للرقص الدرامي لمشاركته في ورشة المستقبل / سوريا 2008م.
13. أفضل عرض مسرحي صامت عن إخراجه وتقديمه عرض (لاصقوا إعلانات) بانتومايم / بابل 2010 م .
14. جائزة أفضل مؤلف مسرحي في مهرجان هواة المسرح (حافلة الزمن المفقود) ونال العرض جائزة أفضل إخراج وأفضل سينوغرافيا، وأفضل عرض مسرحي متكامل من قبل لجنة نقاد المسرح في العراق 2010 م .
- المشاركة في (مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي) 2012 م في عرض (صور من بلادي / مايم خيال الظل) على المسرح الوطني .
- المشاركة في ( مهرجان يوم المسرح العالمي ) نقابة الفنانين العراقيين / بابل في عرض مسرحية (صور من بلادي) 2013. 
- المشاركة في (مهرجان التراث البابلي) المقام من قبل وزارة الشباب والرياضة  2013 في عرض صور من بلادي  .
- المشاركة في فعاليات ( بغداد عاصمة الثقافة العربية ) أيام مسرحية / للمركز العراقي للمسرح 30 / 9 / 2013 م في عرض (صور من بلادي) على المسرح الوطني . 
- المشاركة في فعاليات (بغداد عاصمة الثقافة العربية) مهرجان مسرح الطفل العراقي / دار ثقافة الطفل الثالث / بغداد في عرض (شارلي شابلن وعازفة البيانو) 29 / 10 / 2013م .
- المشاركة في فعاليات (يوم السلام العالمي) بغداد على مسارح شارع المتنبي في عرض ايمائي صامت للأطفال (أثر صورة) لدار ثقافة الطفل / بابل 2014م .
- المشاركة في الندوة الفكرية الموسومة (مسرح الشباب .. الواقع والافاق المستقبلية) (لمهرجان جماعة المسرح المعاصر الاول للشباب) البصرة 20 / 10 / 2014 م .
- عضو لجنة تحكيم المهرجانات التالية : 
1. مهرجان مسرح الدمى / وزارة الشباب / فرع بابل 2012 م . 
2. مهرجان المسرح المدارسي للمدارس الثانوية / النشاط المدرسي / بابل 2012 م .
3. مهرجان كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل 2013 م .
4. مهرجان المسرح الحسيني الثاني / نقابة الفنانين / بابل 2013 م .
- من مؤلفاته المسرحية ، نص: في انتظار ...، أسطورة عودة التنين ، حافلة الزمن المفقود، معقول، شك . 
- ألف سيناريوهات لأعمال صامتة ( بانتومايم ، مايم ) ورقص درامي ( لورشة دمى للتمثيل الصامت ): لاصقوا إعلانات (بانتومايم)، شك (رقص درامي)، كريستال (رقص درامي )، السينما تحت أقدام شارلي (رقص درامي ، ومايم)، الولوج من الباب الضيق (مايم شوارع)، صور من بلادي (مايم خيال الظل)، شارلي شابلن وعازفة البيانو، أثر صورة (عمل إيمائي صامت للأطفال) قدم لدار ثقافة الطفل/ بابل .
- قدم عدة أعمال مسرحية لعدة مؤسسات فنية : نقابة الفنانين، اتحاد الأدباء، وزارة الشباب والرياضة / مركز شباب بابل، فرقة أكيتو السويدية، نادي المسرح / بابل، المركز العراقي للمسرح / بغداد، دار ثقافة الطفل / بابل .
- قدم دورات حول مادة التمثيل الصامت في مركز شباب بابل 2010 م، 2012 م .
- كتب مقالات تخص الفن المسرحي في عدة صحف ومجلات محلية ومواقع الكترونية . 
- شارك في عدة ورش فنية ( محلية ودولية ) :
1. ورشة فرقة أكيتو للرقص الدرامي بصفة راقص / بغداد 2002 م على المسرح الوطني ومسرح الرشيد . 
2. ورشة خطوة المستقبل ، التابعة للمعهد السويدي التي أقيمت في سورية بصفة إداري ومسؤول عن الأنشطة الطلابية / دمشق 2009 م وشارك فيها عدة دول: سورية، المغرب، الجزائر، العراق. ودرب فيها الجنسيات التالية: السويد، ايطاليا، سورية .
3. ورشة خطوة المستقبل الثانية بصفة إداري / الجزائر 2010 م مدينة وهران .
4. قدم عدة ورش للتمثيل الصامت وخيال الظل في : جامعة بابل وجامعة واسط 2015 – 2016 م ..
5. كتب مقالات تخص الفن المسرحي في عدة صحف ومجلات محلية وعربية ومواقع الكترونية.
6. اشرف على مهرجان العروض الايمائية القصيرة في كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل 2016 م .

    
م . د. أحمد محمد عبد الأمير
Ahmeed_pantomime@yahoo.com


الأربعاء، 9 أغسطس 2017

التأليف المسرحي ومحنة الجوائز

مجلة الفنون المسرحية

التأليف المسرحي ومحنة الجوائز

وليد علاء الدين - العرب 


علينا أن نعيد القيمة إلى التأليف المسرحي بوصفه إبداعًا مستقلًا، وليس مجرد مدخل أولي لعرض مسرحي. المؤلف الذي يكتب للخشبة يظل محدودًا بتصوراته عنها، وهي محدودة مهما اتسعت ومهما بلغت درجة انغماسه وخبرته في المسرح.

بعد إعلان جوائز المهرجان القومي المصري للمسرح، وحجب جائزة “أفضل مؤلف صاعد”، بحثت على الانترنت وعلى موقع المهرجان القومي للمسرح وموقع وزارة الثقافة عن شروط التقدم لنيل هذه الجائزة التي تُمنح للـ”صاعد” وللأسف لم أجد.

بالمنطق العام لن يخرج الأمر عن ثلاث صور: الأولى أن الاختيار يتم من بين العروض المسرحية المشاركة في المهرجان.

وهو في رأيي المتواضع أمرٌ يُعيدنا إلى إشكالية المسرح بين النص والخشبة. فإذا كنا نتحدث عن جائزة أفضل “مؤلف” فليس من الإنصاف أن نحكم على نص المؤلف بعد مروره بكل هذه الفلاتر الفنية وصولًا إلى العرض على الخشبة. فماذا لو أخفق كل هؤلاء وكان النص في أساسه ناجحًا!

إذا كان هذا هو واقع الحال في جائزة “التأليف” في أكبر مهرجان مسرح في مصر، فإنها إشارة إلى أن العقلية التي تدير الأمر متوقفة عند اللحظة التاريخية التي سبقت الجدل الذي أثاره توفيق الحكيم رحمه الله عن المسرح بوصفه نصًّا وعن كون الكتابة لخشبة الذهن هي القائد لنجاح خشبة المسرح. ولا يصبح -والأمر كذلك- حجب الجائزة حكمًا على ضعف حركة التأليف المسرحي بل إدانة للعقول التي تتحكم في المشهد المسرحي الرسمي.

وإذا لم تجد اللجنة بين العروض التي سمحت بمشاركتها عرضًا يستحق جائزة أفضل مؤلف، فعلى أي أساس اختارت هذه العروض للمشاركة في المهرجان؟ إنه في الواقع وضع يستدعي مراجعة شاملة لمنظومة المهرجان ومسابقاته ومفاهيمه.

وعليه فإنني أستبعد هذه الصورة رغم أنها الأقرب إلى واقع ما يحدث، إلى حين توفر المعلومة.

ننتقل إلى الصورة الثانية، وهي أن الاختيار يتم من بين نصوص يتقدم بها المؤلفون أو الناشرون وفق شروط تتعلق بالسن مثلًا -مستوحاة من كلمة صاعد!- أو باللغة، أو بشروط تتعلق بالقضايا التي تعالجها النصوص المسرحية.

ولو كان الأمر كذلك فإن حجب الجائزة -أيضًا – يصبح حكمًا على فشل المهرجان في استقطاب نصوص مسرحية راقية، إما بسبب تراجع مستويات الثقة “فنيًا” في ذائقته وابتعاده إلى حد الانفصال عن المؤلفين الشباب (مستوحاة أيضا من كلمة صاعد) وما يقدمونه من كتابات تحاول تحريك بعض جوامد المسرح المصري التي توقفت في معظمها عند استلهام الغربي أو استدعاء التراث، وإما بسبب تراجع مستويات الثقة عمومًا في كل مؤسسات الثقافة الرسمية التي أثبتت أنها تغرد خارج سرب الشارع والمجتمع. وهو أمر يحتاج إلى وقفة مراجعة شاملة لمعرفة أسباب هذا الانفصال ومعالجتها.

الصورة الثالثة والأخيرة، هي أن يتم الاختيار من خلال رصد شامل لحركة التأليف المسرحي المنشور على امتداد فترة زمنية معينة، أو بشروط محددة تتعلق بكمّ أو نوع ما ينتجه المؤلف لكي يمكن تصنيفه صاعدًا وتأهيله للمشاركة في الجائزة.

هذه الصورة صعبة التحقق بل مستحيلة التنفيذ، خاصة مع ما نعرفه عن الواقع المترهل لمؤسسات الثقافة الرسمية في مصر. لكن، ويا للمفارقة هي الحالة الوحيدة التي يُسمح معها لرئيس لجنة تحكيم جائزة أفضل مؤلف صاعد -مهما كانت شهرته وخبرته- بالحديث عن عدم وجود مؤلفين جديرين بجائزة أفضل مؤلف صاعد!

علينا أن نعيد القيمة إلى التأليف المسرحي بوصفه إبداعًا مستقلًا، وليس مجرد مدخل أولي لعرض مسرحي. المؤلف الذي يكتب للخشبة يظل محدودًا بتصوراته عنها، وهي محدودة مهما اتسعت ومهما بلغت درجة انغماسه وخبرته في المسرح.

مع تكرار الكتابة لخشبة المسرح يتحول المؤلف إلى مجرد ترس في آلة يشعر بضآلته داخلها فيكتب على قدر هذه الضآلة. والمؤلف الحقيقي لا يمكن أن يكون ترسًا ولا ينبغي أن يشعر بالضآلة. إنه ماكينة إنتاج رئيسية منتجها صالح للتداول الفكري والقراءة، به متعته وله لذته ودهشته المتحققة بالفعل. ليس مجرد نص مكتوب من أجل خشبة محددة الملامح وجمهور محدد الصفات ينتظر التحقق فقط فوقها ولهذا الجمهور. إنما نص إنساني إبداعي متفجر، يزداد ألقه وتفجره بلمسات مخرج لا يقل عن مؤلفه في الثقافة والوعي والإبداع فينتقل به إلى مساحة اتصال أخرى على خشبة المسرح مضاعفًا من حضوره بالتأويل مستعينًا بفنون مبدعين آخرين في مجالات عديدة.

هذا ما نحتاج إليه وإلا فقدنا المسرح، وانغلقت علينا –أكثر وأكثر- دائرة التكرار التي سقطنا فيها منذ عشرات السنين، نعيد القديم أو نستلهم تجارب الآخرين بفرح وفخر وكأننا نعيد اختراع العجلة، ونتعجب من انصراف الجمهور، نتحدث عن تجارب محنطة كأنها إنجازات خارقة، ونقدم التجارب المحفوظة وكأنها ابتكارات خرجت لتوها من أفران الإبداع ونتأسف لتراجع الحركة المسرحية، نثبت الكادر على لقطة تنتمي إلى تاريخ مختلف وبشر مختلفين لم يعد أحد يكتب مثلهم لأنهم ببساطة كانوا يكتبون لبشر آخرين، ونندهش: لماذا لم يعد لدينا مسرح مثلما كان!

ادعموا التأليف للمسرح بوصفه إبداعًا مكتوبًا، واتركوه يستقل وينفصل ويحظى بحركة نقد جيدة، وانتظروا فسوف تثمر التجارب النصية تجارب مسرحية متألقة تشبه النبض الذي يسري في أوردة مصر، والذي -بلا أدنى شك- يختلف كثيرًا عن النبض الذي يحاول البعض تحنيطه من فترة ستينات القرن الماضي أو ربما قبلها.


السبت، 5 أغسطس 2017

غنام غنام بالفن ينتشر و ينتصر لقضايا أمته

مجلة الفنون المسرحية

غنام غنام بالفن ينتشر و ينتصر لقضايا أمته

 *د. محمد نصار - شبكة ميديا نيوز 

الابداعات الفنية التي تزاوج الفن بالسياسة ولد من رحمها عظماء خالدين منذ الإغريق ولغاية كتابة هذه السطور .

ولعل غنام غنام من أولئك المبدعين الذين سطروا حكاية إبداعية رائعة قل مثيلها في تاريخ الفن المسرحي العربي المعاصر ، إذ قاد بمعنى الكلمة نهضة فنية مسرحية مؤسسية وأطلق العنان لحرية الفكر والرأي والمعتقد وألهم الكثير من فناني المسرح العربي والسياسيين والمثقفين ورسخ أهمية الفن وقيمته الذهنية من خلال تجاربه التي خطها بيده وفسرها بعروض درامية حازت على اعجاب الجماهير العربية و أقرانه من المبدعين الأردنيين والعرب .

واليوم ينطلق بهذه التجربة ( ليلك ضحى الموت في زمن داعش ) نحو العالمية الى اليابان ويترجمها إلى مشاعر انسانيه وهموم عالمية .

هكذا هو الفن هو إرث الانسان الى الانسان بعيدا عن الجغرافيا والتاريخ والحدود والأسلاك الشائكة .

فن المسرح عند غنام أدب وفن حوار ومناظرة إنسانية ( وسياسية واجتماعية وعبر ودروس و تاريخ وخيال وهموم كانت وما زالت ترجمها جميعها إلى الواقع المعاش ) تجارب يعقبها نقاش يؤثر في جمهوره ومن خلاله كأنه يقول : “إذا أصلح الفنان اختياراته ويختار موضوعاته من رحم هم البشر صلح فانه كله “. وعلى هكذا نهج سار غنام في ابداعاته الإنسانية التي امتدت وتخطت المساحة العروبية وتجهت الى العالمية . وتجارب غنام الإبداعية وإبداعاته المسرحية قد تجاوزت الخمس والعشرين عاما تقريبا
ترعرع غنام الفنان خلالها في حضن الإبداع والمبدعين الاردنيين والعرب وتوج مسيرته في الهيئة العربية للمسرح مولد ابداعاته الفنية فكأنها هديةً إلهية مكسية بحسن الفأل.
والد هناك في الهيئة فاحتضنته كل دوائر الابداعات العربية المتنورة وساهم هو الآخر في رعايتها وعهد وتعليمها وتربيتها لأجّل الفن والفنان العربي .

نعم هو عاش في عمان متجولا بين ومسارحها وساحاتها ومقاهيها قادة ثورة فنية جريئة تمخض عنها إنتاج فكري متنور، أثرت بالفنان الاردني والعربي .
عمل مع معظم فنانينا وشجعهم واستعان بهم في عروضه مخرجا وممثلا. ولولا نخبوية غنام واختياراته الإنسانية ربما كان مصيره مصير الكثيرين من المبدعين العرب الذين تلاشت ابداعاتهم وأثرهم التدريجي في التاريخ الفني العربي .

أخذ غنام مساراً أكثر تألقاً وبوحاً وانفتاحاً مع الهيئة العربية فأصبح غنام أحد نجوم الفن العربي الساطع .
فأضحى الفنانين العرب يحجون الى ابداعاته المقروءة والمرئية في حين كان هو يزود نفسه بالعلم والثقافة العامة والثقافة الفنية وأصبح أكثر انفتاحا على الآخر العربي والعالمي ويحصن نفسه بالتجربة والخبرة والممارسة حتى أصبحت ابداعاته توزن بالذهب وأصر على الإبداع ودعم المبدعين العرب .
اسس اكثر من فرقة مسرحية وقدم عشرات العروض المسرحية محليا وعربيا سواء أكان مخرجا وممثلا او اداريا يرعى الإبداع والمبدعين العرب .
قاد حركة فنية عربية وبها منح التاج المسرحي العربي الذي مكانه إلى دخول الصفوف العالميةً مرموقاً فأصبحت لغة فنية عالمية .

غنام لا زال يجوب عواصم بلاد العرب اوطاني من البحر الى النهر وله من العمر 63 عاما، فكأنما اختار المنفى في حياته رحالا بين عواصم الفنية العربية .

غنام قصة تأمل وشجون لأمة أركان التقليد والنقل والخمول ومنحت للإبداع إجازة مرضية طال أمدها فقاربت على الاستيداع الاختياري وربما التقاعد.
غنام قصة يجب أن تروى لأجيالنا القادمة وظاهرة فريدة تستحق من مدارسنا وجامعاتنا دراستها وتحليلها من منظور فني إبداعي عصري .

*أستاذ التمثيل والإخراج /جامعة اليرموك _ عضو نقابة الفنانين

الاثنين، 31 يوليو 2017

المسرح مابعد الحداثي خلخلة القناعات وتعليق المعنى

مجلة الفنون المسرحية

المسرح مابعد الحداثي خلخلة القناعات وتعليق المعنى


عواد علي - الجديد 


رغم أن أعمال تيار مابعد الحداثة، في الفنون بشكل عام، تراوغ محاولات التصنيف والتحديد دائماً، فإن المسرح مابعد الحداثي هو، ببساطة شديدة، ذلك المسرح الذي يقوم على خلخلة القناعات، وتقويض القواعد والفرضيات العقلانية التي طرحتها الحداثة، واستحالة تحديد المعنى، والتلاعب الواعي بالصور الخيالية، وأنماط تصوير الواقع، وبالرموز والمعاني، واستخدام فن الكولاج، وتدمير استقلالية العرض المسرحي. وقد ظهر بتأثير من أساليب الفن، أو التصميم المعماري مابعد الحداثي، وسمات «المفارقة» «والدلالات المتناقضة» في السرد الروائي، وتقنياته التي كسرت الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية، وبين التاريخ والرواية، وكذلك من نظرية رقص مابعد الحداثة وتجاربه التي تطورت في فترة ستينات القرن الماضي.
بعض نقاد المسرح في الغرب، وخاصةً باتريس بافيس، يرى أن مفهوم «المسرح مابعد الحداثي» مفهوم غامض، فاقد الذاكرة، سريع الزوال، يتسم بعدد من النزعات، أبرزها:

نزعة اللاتسييس: إن مابعد الحداثة تستوي في نظر بعضهم بلاتسييس الفن، وغياب منظور تاريخي، وعودة لقوة المحافظين الجدد الذين يرحبون بتطوير العلم الحديث مادام هذا يتخطى مداه ليحرز تقدماً تقنياً ونمواً رأسمالياً، وينصحون بسياسة نزع الفتيل من المضمون المتفجر الخاص بحداثة ثقافية، أو إبقاء السياسة بعيدة ما أمكن عن متطلبات التبرير الأخلاقي-العلمي.

نزعة الإحكام والشمولية: إن التحدي في وجه العمل الفني، كشمولية، لم يصبح نصيراً لمابعد الحداثة، وقد لاحظت نظرية بريشت في المسرح الملحمي أنه «ليس ثمة ما هو أصعب من قطع عادة معاملة عرض ككل»، لكن هذا التفكيك لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما يصبح المرء معتاداً على إعادة مركز العمل وإكماله ووضعه في وهم الشمولية.

نزعة إفساد الممارسة بالنظرية: لكي يجري تذوّق العرض المسرحي بافتراض أنه لا يمكن استيعابه أو تفسيره، لا بد من فهم طريقة أدائه لوظيفته، وهكذا كانت الشخصية المجردة والمبدئية والمنهجية لكثير من العروض، أو التمييز بين أداة الإنتاج والتلقي، وبين النشاط التأويلي الذي يقوم به المتلقي. إن فن مابعد الحداثة يستخدم ويعيد استثمار النظرية في إنتاج المعنى قي كل مكان وكل لحظة في الإخراج، ويصبح النص والإخراج العمود الفقري في الممارسة الدالة، ويشقان سلسلةً من المسارات تتناقض ويتقاطع بعضها مع بعض، ثم تنفصل مرة أخرى رافضةً دلالةً شاملةً أو مركزيةً.

وبناءً على ذلك فإن مسرح مابعد الحداثة، حسب بافيس، يرفع النظرية إلى مرتبة النشاط العابث، ويقترح القدرة على إعادة تمثيل الماضي بدلاً من التظاهر بإعادة خلقه وامتصاصه كميراث وحيد. وفي ضوء هذه النزعات يمكن اعتبار الفرق بين الحداثة ومابعد الحداثة المسرحية كما يأتي: لم تعد مابعد الحداثة تشعر بالحاجة إلى إنكار أي دراماتورجيا، أو رؤية عالم (كنقيض لمسرح العبث مثلاً)، إنها تعطي لنفسها مهمّة إحداث تفكيكها الخاص كطريقة لتجسيد نفسها لا في تراث شكلي أو موضوعي، بل في وعي ذاتي متأمل للنفس، ومن ثم بأدائها لوظيفتها كما لو أن كل الأشكال والمضامين قد فقدت أهميتها بالنظر إلى الوعي بالأداء الوظيفي والتلفظ. أما العلاقة بين مسرح مابعد الحداثة والميراث الكلاسيكي فإنها تمضي، ليس عن طريق التكرار أو رفض المضمون، بل من خلال ابتكار نوع من العلاقة التي يمكن مقارنتها بذاكرة كومبيوتر.

من أبرز أشكال المسرح مابعد الحداثي ما اصطلح عليه بـ»المسرح مابعد الدرامي»، في منحاه العام، وتفرعاته العديدة مثل «مسرح الهيستيريا الوجودي» الذي أسسه ريتشارد فورمان في نيويورك، وهدفه مسرحة عمليات التفكير في مجموعة من الصور عالية التعقيد لإنتاج مسرح تجريدي يقوم المشاهد فيه بممارسة الاستغراق الذهني وسط هيستيريا وجودية تطلقها الصور المتلاحقة، في حين يقف الممثلون مجرد متحدثين خلف إطارات لإيصال الأفكار! وكذلك أعمال زميله روبرت ويلسون التي تميزت بكونها خاليةً من أيّ بناء سردي، ومفتقدةً إلى أيّ نقطة يمكن اعتبارها بدايةً أو نهاية فعلاً أو ردة فعل، شيئاً من خطاب مكتوب أو شفاهي.

إن هذا الشكل المسرحي ينهض على التشظي والتنافر والتقويض انطلاقاً من مفهوم جاك دريدا للطريقة التي تعمل بها اللغة، ولوظائف العلامات ونسق عملها (عبر علاقات الاختلاف والإرجاء التي يستحيل معها تحديد معنى الدوال بصورة نهائية). وهو أيضا وليد التفتت الاجتماعي للمجتمعات المعاصرة، والتشابك العالمي للأسواق ووسائل الإعلام، حسب توصيف الفيلسوف الفرنسي ليوتار للوضع مابعد الحداثي.

لقد نظّر لمفهوم «المسرح مابعد الدرامي» الباحث والناقد المسرحي الألماني هانز- تيز ليمان (أستاذ الدراسات المسرحية في جامعة غوته بفرانكفورت) عام 1999 في كتاب له بالعنوان نفسه لخّص فيه عدداً من الخصائص والسمات الأسلوبية التي ميزت المسرح الطليعي منذ أواخر الستينات من القرن الماضي. ورغم أن المفهوم ليس جديداً بشكل جذري (إذ أن المسرحي الأميركي ريتشارد شيشنر استخدم المصطلح أول مرة عام 1970 لوصف الأحداث)، فإن ليمان طوره ليصبح نظريةً شاملةً.

شهدت الثقافة المسرحية العربية في السنوات الأخيرة سجالاً فكرياً حول مفهوم «مابعد الحداثة» ومرجعياتهما بشكل عام في المسرح، والمظاهر والرؤى التي أفرزتها تجاربها في المسرح الغربي، وعلاقتها بالتصوّرات الفلسفية والأحداث والتحوّلات

تجارب عالمية

منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ظهرت عروض مسرحية تدور في فلك النماذج الفنية التي أتت بها مابعد الحداثة، مثل: العروض التي قدمها المخرج والكاتب الكندي (الصيني الأصل) بنج تشونج (1946-) في الولايات المتحدة الأميركية، والتي اتسمت بـالتنافر والتشظي، وتوظيف وسائط فنية متعددة تطرح كل واحدة منها قضية منفصلة. وعروض المخرجة الأميركية اليزابيث ليكومبت (1944-) مع فرقتها «ووستر»، ابتداءً من عام 1978، التي جمعت بين عناصر، صوتية وبصرية، شديدة الاختلاف والتباين، مستقاة من مصادر متنوعة (أعمال درامية، وأفلام سينمائية) في كولاج مسرحي مثير، يدمر أفق التوقعات المعتاد. والعروض الأخيرة للفنانة الأميركية جوان جوناس (1936-)، التي تتناول قصصاً مألوفةً، وأساليب وأنواعاً فنيةً معروفةً، وتوظّف عدداً من الوسائل المتنوعة بطريقة تبدو وكأنها تتعمد تدمير قدرة هذه الوسائل والأساليب على الانتظام والتآلف في وحدة فنية كلية.


نحن والمسرح مابعد الحداثي

شهدت الثقافة المسرحية العربية في السنوات الأخيرة سجالاً فكرياً حول مفهوم «مابعد الحداثة» ومرجعياتهما بشكل عام في المسرح، والمظاهر والرؤى التي أفرزتها تجاربها في المسرح الغربي، وعلاقتها بالتصوّرات الفلسفية والأحداث والتحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المجتمعات الغربية، والتيارات الفنية التي تنضوي تحتها، وجذورها في تجارب بعض المسرحيين المتمردين وتنظيراتهم. وقد نظم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في سياق هذا السجال، ندوةً رئيسةً عام 2004 بعنوان «المسرح في زمن مابعد الحداثة». ومن بين الآراء والتصورات التي يستند إليها ذلك السجال:

-1 إن مصطلح «مابعد الحداثة» لا يوجد أكثر غرابة وفوضى واضطراباً وتشويشاً وضلالاً وغموضاً منه في تاريخ الحركة الفنية والأدبية العالمية، والدليل على ذلك، حسب أصحاب هذا التصور، كثرة المسمّيات التي أطلقت عليه، مثل: «مجتمع الاستعراض» طبقاً لجي ديبور، و»المجتمع الاستهلاكي»، كما وصفه هنري لوفيفر، و»مجتمع مابعد الصناعي»، الذي صكه دانييل بل، و»ما بعد الاقتصادي»، حسب هيرمان كاهن، و»مابعد المادي»، طبقاً لرونالد انجلهارت. لكن هذه المسميات التي يستشهد بها هؤلاء المسرحيون هي لمفكرين سوسيولوجيين واقتصاديين، لا لمنظرين أو باحثين مسرحيين، حاولوا تخطي مفاهيم علم اجتماع الحداثة ونظرياته، وقاموا بتأويل أعمال ماركس، وتكريس التوجه الكوني (العولمي)، والإفادة من ثورة المعلوماتية، وبشّروا بمجتمع خالٍ من الطبقات والثقافات المهيمنة (مجتمع الموجة الثالثة)، وبنهاية الأيديولوجيات الكبرى.

-2 إن الحداثة نوع من الشكوكية تجاه ما وراء السرد، إذ تضع في الصدارة ما هو غير صالح للتقديم في التقديم نفسه، ويوضع الفنان أو الكاتب المابعد حداثي في موقع الفيلسوف، فالنص الذي يكتبه، والعمل الذي ينتجه لا يكونان محكومين، أساساً، بقواعد مسبقة، ولا يمكن أن يحكم عليهما على وفق حكم معين.

ويتسم هذا التصور بكونه تصوراً عاماً وبدهياً لطبيعة العمل المسرحي مابعد الحداثي، من دون أن يوضح كيفية خرقه للقواعد المسرحية المتعارف عليها. وإذا كانت تلك ميزته الأساسية، فإن عشرات الأعمال الفنية التي تصنف ضمن حركة الحداثة قد فعلت ذلك منذ أكثر من نصف قرن.

-3 إن المسرح مابعد الحداثي له تاريخ صلاحية محدد، فهو يتنكر للمسرحيات الكلاسيكية، ويتميز بكونه ضد المعنى، ومن أهم سماته: «الكولاج»، و»البارودي»، و»المحاكاة التهكمية»، وإلغاء الفواصل بين الثقافة العليا وثقافة الجماهير وخلط فنونهما معاً، ويركز على ثقافة تتسم بعدم التماسك والتشظي حين يردد مريدوه أن العالم بلا معنى، وأنه مشتت ومتجزئ. وعلى النقيض من ذلك يعد المسرح الكلاسيكي مسرحاً خالداً، لا تنتهي صلاحيته، ويفصل بين الثقافة الرفيعة والثقافة المنحطة.

ومن غير أن ننحاز إلى المسرح مابعد الحداثي يمكن الرد على أصحاب هذا التصور الأخير بملاحظتين أساسيتين أولاهما: أنهم يتناسون أن الكثير من النصوص الكلاسيكية نجحت في العروض المسرحية المعاصرة بفضل القراءات الجديدة لها، سواء المتشظية أو غير المتشظية، والرؤى الإخراجية الحداثية، أو مابعد الحداثية التي صاغتها، والأنماط المختلفة لتلقيها، ومن ثم فإن تلك النصوص اكتسبت صلاحيةً جديدةً بفعل إعادة إنتاجها بوصفها مواد أوليةً، أو خامات قابلةً لاكتساب خصائص مغايرة لطبيعتها الأولى في المختبرات والمشاغل الإخراجية، وفعاليات القراءة والتلقي. أما الملاحظة الثانية فهي أن مصطلح «المعنى» عندهم يفتقر إلى الدقة، أو يشوبه اللبس، فمابعد الحداثة لا ترفض ما يوحي إليه الخطاب الأدبي أو الفني من مدلولات تنتجها إمكانيات التأويل، بل ترفض المدلول المركزي أو الشامل الذي يقترحه منتج الخطاب، وتحل محله عدداً لا نهائياً من المدلولات التي يشكّلها القارئ أو المتلقي، وتدعو إلى تعليق المعنى بدلاً من تحديده، وذلك لأن الخطاب الأدبي أو الفني، من وجهة نظرها، يشق، في ممارسته الدالة، سلسلة من المسارات تتناقض ويتقاطع بعضها مع بعض، ثم تنفصل مرة أخرى رافضة دلالةً قارةً أو مغلقةً.


تجارب عربية

قُدّمت في المسرح العربي تجارب عديدة يمكن إدراجها في سياق المسرح مابعد الحداثي، نذكر منها، تمثيلاً لا حصراً، بعض تجارب المخرج العراقي صلاح القصب، المعروفة بـ»مسرح الصورة»، مثل: (عزلة في الكرستال، الحلم الضوئي، وأحزان مهرج السيرك)، وعروض المخرج الأردني محمد بني هاني (أحلام مقيدة، الثقب الأسود، وسمفونية وحشية)، ومجموعة من تجارب المخرج البحريني عبدالله السعداوي مع فرقة الصواري (سكوريال، الكمامة، الرهائن، القربان، الكارثة، والساعة 12 ليلاً)، وبعض عروض المخرجة الأردنية مجد القصص، مثل (سجون، بلا عنوان، وأوراق الحب).

يُعد صلاح القصب رائداً في هذا الاتجاه، فتجاربه التي تابعناها منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي تقوم على شبكة من التكوينات الجسدية، والأشكال الحركية والإيمائية والسينوغرافية المركبة، الغامضة، المصممة على وفق علاقات إيحائية متغيرة، تصاحبها إيقاعات صوتية بشرية مختلفة، كالتمتمات، والصرخات، والتأوهات، والهمهمات. وتستغني أحياناً عن الحوار استغناءً تاماً، أو تكتفي بالقليل الجوهري منه لإعلاء الجانب البصري في العرض. إن من أبرز ما تميزت به هذه التجارب:

-1 عدم ترابط الأفعال المسرحية، وتقاطع حلقاتها باستخدام أسلوب الهدم والبناء المتكرر للفعل، أو الحافز الواحد، بحيث لا تنمو الأفعال نمواً طبيعياً.

-2 التوكيد على أنماط السلوك التي يفرزها اللاشعور عند الشخصيات، لذا تبدو مفتتة، شعورياً ووجودياً، وعلامات قابلة للتكرار، والموت والانبعاث.

-3 ابتداء لوحات العرض من شكل فوضوي وقلق وملتبس وانتهائها إلى شكل منتظم ومستقر قابل للتأويل والاستنطاق.

-4 نزوع لوحات العرض إلى أن تكون حلماً متدفقاً يثير الدهشة بغرائبيته، وكشفه عن المسكوت عنه، والمطمور في داخل الإنسان.


أحزان مهرج السيرك

في عرض «أحزان مهرج السيرك»، الذي أعده عن سيناريو سينمائي قصير للكاتب والشاعر الروماني ميهاي زامفير، جرّد القصب اللوحات المسرحية من ملامحها الأيقونية، مقدِّماً تجربةً ذات أجواء غريبة تتداخل فيها مستويات عديدة من أشكال التعبير البصري السيريالي والفانتازي والرمزي، في نسيج شديد الكثافة، تفتقر فيه اللقطات والصور إلى الحد الأدنى من المعقولية، فلا وجود لأيّ حبكة، ولا استمرارية للفعل، ولا زمان وفضاء تاريخيين، بل ذاتيان ونفسيان، حيث تبدو معظم المرئيات والكائنات في فضاءات سحرية وحلمية، مقتطعةً من سياقها الطبيعي، موضوعةً في مواقع اعتباطية مدهشة، متنقلةً بحركات سائلة كما لو كانت كائنات أسطوريةً.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption