كاظم نصار: أنتمي لجيل (الحساسية الجديدة) وعروضي لـ(مابعد الحرب)
مدونة مجلة الفنون المسرحية
كاظم نصار: أنتمي لجيل (الحساسية الجديدة) وعروضي لـ(مابعد الحرب)
كاظم نصار.. مخرج مسرحي عراقي حفر اسمه بالذهب في حاضر المسرحين العراقي والعربي، عبر سلسلة من الأعمال الناجحة التي لاقت صدى محليا وعربيا واسعا.
نصار.. الخارج من معطف المقاهي البغدادية، وأرصفة الوطن المتمردة بكتبها المستنسخة، أخذ يقود جيل "الحساسية الجديدة" في العراق، من خلال عروض مسرحية غير تقليدية نالت حظوتها من النقد والتغطيات الإعلامية، وحصدت جوائز محلية وعربية.
المخرج العراقي المبدع، فتح قلبه لـ"العالم الجديد"، عقب أحدث عروضه الناجحة "أحلام كارتون" والتي قدمها في عمّان مؤخرا، وحازت على إعجاب النقاد والمتابعين:
بدايةً.. الى أي حد تعتقد أن أعمالك نجحت في ملامسة البنية الفكرية والثقافية للمجتمع، وهل تعدّ مسرحيتك (مطر صيف) أبرز عمل ضمن هذا الاطار؟
أنا أسعى بالتأكيد الى ملامسة الواقع ومماحكته، منذ بواكير أعمالي، حتى حدوث التغيير عام 2003 حين قمت بعده بلعب دور الراصد الموضوعي لما تشكّل من ظواهر اجتماعية وسياسية في بلادنا، مع إهمال السياسة اليومية المتحركة والمتحولة، مؤكدا على الظواهر والمتغيرات الحاسمة، فقد اشتغلت على مزاج جديد لم يسمح الماضي باشاعته بسبب الرقابة على العروض انذاك، وبشكل ادق الخوف من قراءة ذلك، والرعب الذي يسببه التحرش بالبنى السياسية والاجتماعية انذاك.
فقدمت بعد مرحلة التغيير عروضا من شأنها أن ترسخ ذلك الأسلوب، وهي: (كونشرتو) و(نساء في الحرب) و(خارج التغطية) و(مطر صيف) و(أحلام كارتون)، وحتى العرض الاحتجاجي (نون)، كلها عروض أزعم انها اقتربت وسعت الى ملامسة البنية المجتمعية، لكن (مطر صيف) تتميز أكثر لكونها، أحدثت اصطداما عنيدا بما حصل بعد التغيير، وفق مزاج ومعالجة أقرب الى الكوميديا السوداء (Black comedy)، وهو عرض حقق مغايرة حتى لعروضي الأخرى.
يصنفك بعض النقاد ضمن جيل "الحساسية الجديدة"، هل لك أن تفسر لنا ذلك؟
مايميز المسرح العراقي هو تدفق وحيوية أجياله وإضافاتهم لونا ومزاجا واهتماما مضمونيا مختلفا.. نحن تشكلنا من مزيج حروب الثمانينيات والتسعيينيات الحصارية وحروبها العسكرية والاقتصادية وتدهور المعيشة الى درجة مريعة، وهجرة عدد كبير خارج البلاد، ومن ثم استشراء المسرح التجاري، وحلول بلاءات ما أنزل الله بها من سلطان من جوع ورعب وموت وحصار.. هل استمرينا في العمل.. الجواب نعم.. ثمة ارادة غريزية وارادة واعية ليبقى المسرح.. هل كنا عقلاء لا ادري هل هو ياس خلاق؟ ربما، هل هو مقامرة حين كنا نقدم عروضا انتحارية تتقاطع مع توجهات النظام وسياسته.
ثمة جيل تشكل في منتصف التسعيينيات، كان يملك زمام المغايرة، ويمتلك مزاجا ورؤية مختلفة.. إنه جيل المقاهي والأرصفة والكتب المستنسخة والغضب.. أطلق النقاد علينا جيل الحساسية الجديدة.
كثيرا ما نسمع بأنك تنتهج طريقة (الكابريه السياسي)، هل هناك تسمية عراقية لهذا النمط، أم هو امتداد لمسارح عربية أو أجنبية أخرى؟
أحلام كارتون هو أول عروضي ضمن هذا الفضاء الساخر (الكابريه السياسي)، واقول فضاء لأنني حاولت عبر بحث ودراسة، أن أحدث طريقة الاشتغال من داخله، وهو ما ازعم أنني عملته.
كنت قد قدمت بحثا عن الكوميديا والسياسة ضمن الندوة الفكرية لمهرجان المسرح الاردني الدولي عام 2012 وخلال الاطلاع على مصادر عدة اكتشفت خزينا مسرحيا هائلا يناسب التغيرات الحالية في الكابريه السياسي الموجود اصلا في عروض عربية عدة في العراق ومصر وسوريا ولبنان.. فصمّمت على العمل عليه بمزاج ورؤية الحاضر.
وأعتقد أننا نجحنا في انتزاع اعتراف عدد من النقاد العرب الذين شاهدوا عرضنا (أحلام كارتون)، حيث قالوا بأن "هناك متغيرا نوعيا في شكل المسرح العراقي"، وصفوه بـ"الجديد والمهم".
نعم كان هناك المسرح السياسي، وهو ملمح معروف وعمل عليه كثيرون، لكننا اليوم نستفيد منه، ونسعى الى تحديثه، عبر وضع لمسات أكثر جرأة وحداثة، وهو ما سنعمل عليه في عروضنا القادمة.
أي الأعمال العديدة في مسيرتك المسرحية تعتبرها الانطلاقة الحقيقية بالنسبة لك؟
شخصيا عملت على مشروع قدمت من خلاله أكثر من تجربة وعرض أطلق النقاد عليه مسرح مابعد الحرب، وهي أشرت التغيرات التي طرأت على الفرد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ومن هذه العروض (أمام الباب) و(جزرة وسطية) و(عرس الدم) و(السحب ترنو الي)، حيث حازت تلك العروض على جوائز وحظيت بملف نقدي هام، لكنها وبسبب تداخل الظرف السياسي والثقافي وتعقيداته ظلت محصورة في الاطار المحلي، الا أن ما تسرب منها الى المنصات العربية أحدث ضجة فنية، وأوجد تلقيا مختلفا.. كما حصل مع (عرس الدم) الذي عرض في عمان قبل 15 عاما، وقدمني الى المتلقي العربي الذي ظل يتابع أعمالي منذ ذاك.
تنتمي أعمالك الى حقبة ما بعد الحرب.. الى أي حد ترى التسمية دقيقة؟ وهل تظن أن الحرب قد انتهت فعلا؟
النقاد أرادوا أن يضعوا خطا فاصلا بين عروض الحرب الدعائية وبين عروض مابعد الحرب وظلالها التي اضفت وجعا وقصص وحكايات وغربة قاتلة، ورسائل اولئك الذين كانت امهاتهم بانتظارهم في الكراجات.
عروض مابعد الحرب عروص احتجاجية، فالشاعر الذي يعود الى مدينته بعد الحرب ويراها محطمة في عرض (أمام الباب).. الامهات المنتظرات في عرض (السحب ترنو الي).. الحرب المنتظرة في عرض (للحرب بقية).. الجنرال الذي يجعل من البيت معسكرا في عرض (عائلة توت)، وهكذا...
عروضي صنفت على أساس انها انعكاس دامٍ لمرحلة مابعد الحرب حتى عام 2003 أما بعدها فهناك تفكير ومزاج آخرين، ومتغيرات بالضرورة انعكست على عروضنا.
أخرجت نصوصا عالمية وأخرى عالمية أيهما الأقرب الى نفسك؟ وأيهما أكثر قربا من مشروعك الذي تعمل عليه؟
النصوص المحلية نصوص محنة، وهي تغوص في المعطى العراقي ماضيا وحاضرا.. والأقرب الى حساسيتنا وتفكيرنا ومزاجنا واغلب العروض التي قدمتها كانت مزيجا من اثار الحروب والازمات السياسية والاجتماعية، وكانت اقرب للمتلقي ووجدانه.. لكن النصوص العالمية اختيرت لقربها من محنتنا واسقاطها على الواقغ العراقي.
النص العراقي نص ساخن وجارح، وطبعا لم أختر طيلة مسيرتي نصوصا باهتة، وليس لها صلة بالمحنة العراقية، لذلك فقد كان التفاعل معها على الدوام تفاعلا ساخنا بدءا من عناوينها (جزرة وسطية) و(نساء في الحرب) و(خارج التغطية) و(مطر صيف) و(حياة مدجنة) وغيرها.. ناهيك عن موضوعها الموجع، لكن ليس على حساب المستوى الفني والجمالي.
أخيرا.. ماهو عملك القادم؟
أتطلع لتقديم عرض اسمه (فلك أسود) للكاتب المميز علي عبد النبي الزيدي، خلال موسم 2015، فبعد تجربتنا الناجحة (مطر صيف)، والتي حازت على أربع جوائز في مهرجان طقوس الدولي عام 2012، أتوقع ان نخوض تجربة مثيرة جديدة بموضوعها ونظامها الجمالي.
بغداد – بهاء حداد
الصباح الجديد