المسرح السويدي وسلطة الرقيب الوهمية
مدونة مجلة الفنون المسرحية
ايلاف
عندما يتحول كتاب الشعب النائم لمؤلفه رئيس الوزراء السابق فردريك راينفلدت الى عمل مسرحي في ستوكهولم معناه ان الافكار غير خاضعة للرقابة وعندما يطلب من رئيس الوزراء التعليق يكون الجواب؛ نحن لانعلق على حرية العمل الثقافي"، هناك حرية الرأي وجو المناخ الديمقراطي ولكن لايسمح بتقديم مسرحيات تدعوا الى الكراهية والتفرقة والعنصرية والاساءة الى الاديان ودعوات التمييز والعداوة والعنف .ففي السويد احيانآ تعرض مسرحية ليوم واحد فقط لفرق كبيرة ومحترفة ولكن السبب هو اعتكاف الجمهور عن الحضور بسبب طول العرض او المسرحية مملة تجلب الصداع والدوار في الرأس وتدعوا المتفرج ان يتتأب وينام طوال العرض وكنت الشاهد على العديد من هذه المسرحيات. ولن أسمع بإيقاف مسرحية بسبب سلطة الرقيب عندما يكون المسرح والتمثيل تشكل الحياة للمجتمع وكل الفنون روح الامة وثقافة المجتمع السويدي خميرته بالرغم من كل الازمات الاقتصادية وإزدياد نسبة العاطلين عن العمل يبقى المسرح هو روح الامة مصدر ديمومتها والرئة الثقافية التي يتنفس منها المجتمع السويدي ومصدر الهامها وزرع نبتة الامل وتحريك الوجدان والحيوية التي تنشط وتحفز الحياة في السويد، فالمجتمع ينظر للمسرح على انه منبر مهم وجاد في خلق المتعة والفكر يبدأ من المدرسة وصولآ الى الجامعات لذلك يلقى الدعم المالي من الشعب ودافعي الضرائب من البلديات الكومونات والحكومة. اقول هذا كشاهد تطبيقي على على المسرح السويدي وهو يعيش انضج عروضه من ابداع وتألق منطلقآ من صفوف الجمهور الى خشبة المسرح وماتخفيه الكواليس والجدران الوهمية من سحرالمخرج والممثل وارقى التقنيات وكذلك سحر تدفق الجمهور على شكل افواج من سحر شبابهم الى سحرالسيدات في العقد السابع ربما أكثر لكي يتعطروا بسحر الكاتب اوالممثل او الممثلة، أقف مبهورآ واعجابآ بسترندبري وابسن وشكسبير وتشيخوف من خلال سحر خشبة المسرح وشياطين التمثيل والاخرج وما يعرض من ابداع وعشق الجمهور وهو يقف اجلالآ واحترامآ لكل الملائكة ونحن نستحم في محراب متعتهم خلال ساعات. عندما اتناول الحديث عن الثمرة اود ان اركز جل إهتمامي على الشجرة المثمرة فثقافة الشعب نابعة من فهمهم للمسرح كظاهرة ثقافية، الشجرة المثمرة يتناقلها الجمهور والفنان والناقد يكتب عن حلاوة الثمر بعيدآ عن التسلية والمواضيع السطحية. وعنما يكون المسرح صناعة هنا تدخل قيمة الربح والخسارة وهدف الناقد هي حالة تقويمية ليس من باب مصطلح مسرح تجاري بقدر معالجة وتحسين الناتج وقد تعرض بعض العروض والتي تسمى عندنا في الشرق بالعروض التجارية لكن يحلوا لهم ان يطلقوا عليها تسمية مسارح التسلية وهي مدعومة من شركات تهذف الربح وتجد هكذا عروض وتستمر طوال العام المسرح الاستعراضي ريفي تياتر أومسرح الممثل الكوميدي الواحد ممثل المونودراما يجيد فن التقليد والضحك والسخرية من ظاهرة سياسية أو إجتماعية وتجد الصالة وجمهورها بالمئات يضحكون ويملأ قلبهم الفرح ويبقى عرض مسرحية رئيس الوزراء قوز نوشين والكوميديا الساخرة واستخدام النكته والمزاج الشخصي المتقلب مسرحيات تستقطب حب الجمهور وتعاد ولاتدخل ضمن برنامج مسرح الريبرتوار.
اما مسارح الريبرتوار تجد برنامج سنوي لكل العروض والكتاب في العالم ونوع المسرحيات والممثلين ونوع المسارح وخاصة في العاصمة ستوكهولم وبقية المدن الكبيرة مثل غوتنبرغ، مالمو وفي العاصمة ابرزالفرق التي فيها نظام الريبرتوار فرقة مسرح مدينة ستوكهولم، دراماتن المسرح الملكي، دا ر الاوبرا والباليه الملكي، وبيت الرقص في ستوكهولم، والمسرح الوطني الجوال والعديد من الفرق المحلية، وتتلقى هذه المسارح الدعمْ المالي الحكومي فالمسارح الكبيرة تتلقى الدعم لانها تضم عدد كبير من النجوم والممثلين الكبار وهم يتقاضون اجور مهمة تنافس اجور الممثل في السينما والتلفزيون وهذه الفرق تقدم العروض المسرحية ذات المستوى الفني اواحياء التراث المسرحي العالمي وباطر فنية طليعية فالشعب السويدي يعتز بثقافته لكي يدون اسمه في المحفل الحضاري من خلال الاحتفال السنوي وهيبة جوائز نوبل والتي تتبث الحضارة العريقة والمميزة للشعب السويدي في ميدان الحضارة الانسانية ومنافسة دول مثل فرنسا، إنكلترا، المانيا، امريكا وروسيا في حبه للموسيقى والرقص والباليه والمسرح والاوبرا وملوك السويد كانوا يدعمون الثقافة والمسرح بشكل خاص المسرح لكونه بيت جميل يحوي الشعر والموسيقى والجمال فهو يعد الانسان اجتماعيآ وطبيعيا على فعل وحب الخير ورصانة العقل واختيار المواقف وعقلانية الرأي رغم الظلم وسوداوية القلوب لكن المسرح يحفز المتلقي على فعل الخير وطلب العدالة ونشوة السعادة، فالمسرح عبارة عن برلمان يحفز المرء على الحق ويدعوه الى التفاؤل واتخاد القرارات ويعيد الثقة والحق الى اصحابها رغم الصراع مابين الشر والخير فكل الاحتفالات المسرحية تعزز الثقافة الجماعية وتجاوز الفردية، والجانب الجوهري والمهم للمسرح ذات عائد ثقافي ومهم للمجتمع السويدي يضاهي ميادين الصناعة والتكنولوجيا, فمراحل تطور الفن المسرحي في السويد اعتمد الدعم الحكومي والنظام الضريبي والدعم الشعبي للطبقات الواعية والمحبة لفنون المسرح والتي تستهوي الفنون كذلك دعم البنوك والمصانع والشركات لغرض تنشيط الواقع الثقافي والفني وتطور الفئات العاملة في التلفزيون والتطور التقني وبرامج مسرح الاستوديوا التلفزيوني ساعد على اقبال وتشجيع الناس لمشاهدة المسرحيات وكذلك وجود بعض التخفيضات في اسعار التذاكر بالنسبة للطلبة والشبيبة والمتقاعدين وازداد الجمهور المسرحي لمشاهدة على المسرحيات الحية على خشبة المسرح وكذلك دعم الاحزاب ووضع برامج خاصة بها لتطوير الواقع الفني ودعم الفنانين من مجالس ونقابة المسرحيين والمخرجين وتخفيض نسبة الضرائب على الفنون وكثرة الفرق الصغيرة وفرق المحافظات والدولة تضع برامج دعم الفنون ودعم جمالية معمارية المسارح وكل المؤاسسات الثقافية وهناك بنايات مدهشة في العاصمة وكل المدن السويدية وهناك نظام خاص لبعض الفرق مثل المسرح الملكي يقدم عروض كلاسيكية والمسرحيات الحديثة وهناك مسارح الاطفال، فالمواطن رغم شكواه وتذمره من نسبة ارتفاع الضرائب لكنه فخور ان يشاهد الفنون والثقافة مزدهرة في السويد لكي تنافس الفنون في الدول الاوروبية الاخرى واختيار ستوكهولم عاصمة الثقافة الاوروبية وهي جزء من حيوية المجتمع السويدي والتنمية على مستوى الفنون وكل الانشطة الثقافية، فجانب مهم من البحوث والدراسات في المعاهد والجامعات ذات الاقسام المسرحية تهتم بهيكلية المسارح وطرق تنظيمها وهناك متحف خاص للمسرح والرقص في ستوكهولم فيه ارشيف كامل للمسرح السويدي والعالمي وهناك المكتبة الملكية وارشيف المسرح والدراسات المسرحية وكل هذه القنوات منظمة من الناحية الاقتصادية والادارية والتنظيمية وكذلك اقامة المهرجانات المسرحية العالمية والمحلية مثل مهرجان مسرح اوجست سترندبري ومهرجان المسرح العالمي بأسم مسرح انجمار برجمان ومهرجان تحت عنوان كل الايام مسرح وهذا خاص بالفرق المسرحية في المحافظات ومهرجان المسرح الاوروبي في ستوكهولم.
عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي السويد