أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 28 أبريل 2017

الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً

مجلة الفنون المسرحية


 الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً 

د/ صورية غجاتي

مقدّمة:

تشتغل هذه الورقةُ النقدية على مفهوم الصّورة السينوغرافية في العرض المسرحي، بوصفها خطاباً بصرياً يقوم على مجموعة من العلامات المحمّلة بدلالات يستقبلها المتلقي ويقوم بفكّ شفراتها للوصول إلى فحوى خطابها الجزئي الذي يتضافر مع خطاب الممثّل لتحقيق الهدف العام من العرض المسرحي.وعلى هذا الأساس تشكّل مسار هذه الورقة من محطّتين اثنتين:إحداهما نظرية والأخرى إجرائية:

تحدّدت تضاريس المحطّة الأولى في النقاط الآتية:

أوّلاً: الصورة في المسرح:مقاربة نظرية.    

ثانياً: الصّورة السينوغرافية:

1/ السينوغرافيا: حدّ المصطلح وارتحالاته.                                                      

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل.

أما المحطة الثانية فقد كانت تحليلاً للتشكيل السينوغرافي في واحدٍ من العروض المونودرامية الجزائرية الشهيرة، وهي مونودرام ” حمق سليم ” للراحل عبد القادر علولة، وفق الخطوات التالية:    

ثالثاً: وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”.        

1/ الأكسسوار/ Les Accessoires.  

2/ الملابس/Les Costumes.

 3/ الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage.

 أوّلاً/ الصورة في المسرح:مقاربة نظرية:

من المؤكّد أنّ العرض المسرحي لا يتكامل خطابه بالدلالة اللّغوية فقط، بل في تفاعله مع بقية العناصر المسرحية، وبين المتلقي الذي يتفاعل مع الحركية البصرية واللّغوية.وأيّ عمل مسرحي يحتاج إلى حركة مسرحية تنسجم وتتفاعل مع الألوان في تحليل الإبداعات التشكيلية وبناء الصّورة المرئية.فقواعد المنظور المسرحي تُعطى لتكوين الإيحاء بالمكان المتّسع داخل فراغ المسرح(2) وهو ما يشكّل “الصورة المسرحية” الكليّة.وإذا كانت الصّورة في مفهومها العام تمثيلٌ للواقع المرئي ذهنياً أوبصرياً، أو إدراكٌ مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيداً وحسّاً ورؤيةً(3).فإنّ الصورة المسرحية لا تخرج عن زاوية هذا المنظور؛ فهي «تقليصٌ لصورة الواقع على مستوى الحجم والمساحة واللّون والزاوية.ويعني هذا أنّ المسرح صورة مصغّرة للواقع أو الحياة، وتتداخل في هذه الصورة المكونات السمعية والمكونات البصرية غير اللفظية»(4).ووفْق هذا الطرح يُصبح «كلُّ شيء يُشكّل واقعاً على خشبة المسرح:نصّ الكاتب المسرحي، تمثيل الممثّل، والإضاءة المسرحية.كلّ هذه الأشياء، وفي جميع الحالات ترمز إلى أشياء أخرى.فيكون العرض المسرحي بهذا المعنى مجموعة إشارات»(5).وقد عبّر عن المعنى ذاته (O.zich/أوتكار زيش) في كتابه “علم جمال الفنّ الدرامي” بقوله:«هو فنّ الصور/images وهو كذلك من جميع النواحي على الإطلاق»(6).

تتكوّن الصورة المسرحية من مجموعة من الصور البصرية التخييلية المجسّمة وغير المجسّمة فوق خشبة الركح، منها:الصورة اللّغوية التي يمثّلها النصّ، وصورة الممثّل، والصورة الكوريغرافية، والصورة الأيقونية، والصورة الحركية، والصورة الضوئية، والصورة السينوغرافية، والصورة التشكيلية، والصورة اللونية، والصورة الفضائية، والصورة الموسيقية الإيقاعية، والصورة الرصدية(7).وفي هذا السياق أشار (T.kowzan/ تاديوز كاوزان) إلى وجود ثلاثة عشر شفرة، يُقلّص العالم الدرامي فيها وهي(8): “

“1- الكلمة،

2- النغمة(لهجة المتكلّم)،

3- الإيمائية(تعابير الوجه)،

4- الإيماءة،

5- الحركة،

6- الماكياج،

7- تسريح الشعر،

8- الملابس،

9- الإكسسوار،

10- الديكور،

11- الإضاءة،

12- الموسيقى،

13- الصّوت”.

وقد لاحظ (كاوزان) أنّ العلامات البصرية أكثر حضوراً في العرض المسرحي مقارنةً بالعلامات اللّسانية اللفظية؛ حيث قدّر عددها بتسع علامات من أصل ثلاثة عشر علامة.وتخضع هذه العلامات أو الشفرات إلى قانون التحوّل المستمر في العرض المسرحي، ومن ثمّ لا تُعدّ الصورة المسرحية هي الشكل البصري فحسب، بل هي تلك العلاقات والحوارية البصرية؛ العلاقات البصرية التي تجمع مكونات العرض الفنّي المسرحي ذاته، والحوارية البصرية بين هذه المكونات والممثلين والمتفرجين(9).

ونظراً لتعدّد الصور الفرعية التي يُشكّل تضافرها الصورة المسرحية الكلية، سوف نعمل من خلال هذه الورقة النقدية على التركيز على واحدة من أهم تلك الصور الفرعية التي عرفت إشكالات كثيرة على المستويين النظري والإجرائي وهي الصورة السينوغرافية.

ثانياً/ الصورة السينوغرافية.

   1-  السينوغرافيا :حدّ المصطلح وارتحالاته:

في البدء نُشير إلى أنّ قلّة البحوث والدراسات التي تُعنى بالسينوغرافيا على مستوى التداول والممارسة، سواء ما كان منها تأليفاً أو كان ترجمةً، قد فتح باب الالتباس والغموض والارتباك في فهم حدود هذا المصطلح، شأنه شأن غيره من المصطلحات الأدبية والفكرية والفنية الوافدة على ثقافتنا العربية.ولعلّ قلّة من المسرحيين في المغرب والجزائر وتونس قد أبانوا عن استيعابٍ واضح لهذا المفهوم نظرياً وإجرائياً لقربهم واحتكاكهم بالثقافة الغربية خاصّة الفرنسية.عدا هذا الاستثناء ظلّ مفهوم السينوغرافيا – عربياً- يفتقد إلى إضاءات عبر دراسات جادّة ترفع عنه اللّبس وضبابية الفهم، وتُصادر تلك المقالات المبتسرة الصادرة عن أقلامٍ غير متخصّصة في الصحافة الإلكترونية بالتحديد.

مصطلح السينوغرافيا من المصطلحات الحديثة في الخطاب المسرحي العربي بشقيه الإبداعي والنقدي؛ فقد بدأ تداوله من طرف المسرحيين العرب في ثمانينيات القرن الماضي.ولعلّ أوّل من استخدمه مسرحيو المغرب العربي بحكم اتّصالهم الوثيق بالثقافة الفرنسية.ثمّ بدأ استخدامه تدريجياً في أنحاء أخرى من العالم العربي(10).وقبل أن نقدّم إضاءة لهذا المصطلح ونقف عند حدود مفهومه.نحاول في البدء الكشف عن أصوله في المسرح وارتحالاته نحو مجالات أخرى عبر الأزمنة.

اشتُقّ مصطلح “سينوغرافيا” من الكلمة اليونانية”Skênographia” التي تمّ نحتها من كلمتين هما:” Skêne” وهي الخشبة، وكلمة”graphikos” وتعني تمثيل الشيء بخطوط وعلامات، ويُضاف في اللغة الإنجليزية إلى كلمة “سينوغرافيا” تعبير(Set Design) أي تصميم الخشبة(11). وفي العهد اليوناني اعتبَر(أرسطو/Aristote)(384- 322ق م) المناظر وتجهيزات الخشبة أحد المكوّنات الستّة للتراجيديا، وإن كانت أقلّها أهمية، حيث يقول في هذا الصدد: «صناعةُ المسرح هي أدخل في تهيئة المناظر من صناعة الشّعر(…) والمنظر، وإن كان ممّا يستهوي النفس فهو أقلّ الأجزاء صنعةً وأضعفها بالشّعر نسباً »(12).وفي القرن الخامس قبل الميلاد كانت هذه الكلمة تُحيل على معنى فنّ تزيين واجهة الجزء المخصّص للتمثيل بعوارض مرسومة تُمثّل مناظر طبيعية أو معمارية تدلّ على مكان الحدث(13).وفي عصر النهضة في إيطاليا صارت الكلمة مفردة من مفردات فنّ العمارة، ودلّت على “المنظور” وهو أحد الرسوم الثلاثة التي كانت تُقدّم للبنّاء قبل أن يشرع في البناء إلى جانب “المسقط” و”الواجهات”.وعندما أصبح تحقيق “المنظور” هو الأساس في تصميم الديكور المسرحي في عصر النهضة والقرن السابع عشر، انتقلت كلمة “سينوغرافيا” للدلالة على فنّ تحقيق المنظور بالرسم في ديكور المسرح واستُبدلت تدريجياً بكلمة “ديكور”(14).

توسّع مدلول الكلمة في العصر الحديث، وتجاوز دلالة مصطلح “الديكور”، فإذا كان مجال “الديكور” هو ما يوجد على الخشبة حصراً، فإنّ “السينوغرافيا” صارت تختصّ بالبحث في علاقة (الممثل والمتفرج) بالفضاء المسرحي، وعلاقة كلّ المفردات المسرحية ببعضها بما فيها الخشبة ومكان المتفرج(15).ومع منتصف القرن العشرين ظهر مفهوم “التجريب/Expérimentation” في مجال المسرح، و أفرز العديد من المفاهيم والأطروحات الجديدة حول تنظيم الفضاء المسرحي، قام بالتنظير لها مجدّدو القرن العشرين من أمثال (أدولف آبيا/A.Appia)(1862- 1928)، و(غوردن كريغ/ G.Craig)(1872- 1966)، ابتغاء إعداد الفضاء المسرحي وإعطائه مسحة تشكيلية.وهو ما غيّر النظرة إلى هذا المفهوم من مجرد عنصر مكمّل في العرض المسرحي إلى عنصر محرّك له، وحامل رئيس لدلالته.فتتوجّه السينوغرافيا – تبعاً لهذه الرؤية – من العناية بالتكوينات البصرية والعلاقات المكانية الناشئة في هذا الفضاء، والكُتل المتحركة فيه(الممثل، الضوء، اللّون، الديكور..)(16).

 وبهذا أصبح مصطلح “السينوغرافيا” يحيل على مفهوم « تنسيق الفضاء المسرحي والتحكّم في شكله، بهدف تحقيق أهداف العرض المسرحي الذي يُشكّل إطاره الذي تجري فيه الأحداث»(17).و هناك تحديد أكثر دقّة تمّ فيه مراعاة عنصر المتلقي في الدلالة المعاصرة لهذا المصطلح، وهو أنّ السينوغرافيا «عملية تشكيلٍ بصري/صوتي لساحة الأداء التي يُشارك المتلقي في تشكيلها بوجوده وخياله، فهي عملية إرسال مركّبة تُقابلها وتكمّلها عملية قراءة مركّبة يقوم بها المتلقي»(18).ويقوم مبدع هذه العملية (أي السينوغراف) باستثمار تقنيات الديكور، الإضاءة، الأزياء، اللّون، الفراغ، الحركة، الكتلة، الصوت،…ليُشكّل من معطياتها، وفق رؤية موحّدة، تكوينات بصرية- مشهدية تنطوي على علامات مكانية وزمانية ذات قدرة على التوليد الدلالي(19).

 يتّفق جلّ المهتمين بالمسرح على أنه يوجد مجالين للسينوغرافيا المسرحية هما(20):  

أ/ سينوغرافيا التقنيات:

ويتركّز اشتغالها في دراسة وتصميم واقتراح كلّ ماله علاقة بالمكان المسرحي.

ويمكن أن يكون السينوغراف في هذه الحالة مهندساً معمارياً ينصبّ عمله على:

- تحديد قياسات الخشبة وحجمها نسبةً إلى الصّالة انطلاقاً من نوعية العروض (مسرح، باليه، أوبرا…إلخ).

- تصميم العلاقة بين الصّالة والخشبة معمارياً وتقنياً بمراعاة بعض المعايير:كشروط الرؤية، وهندسة الصوت Acoustique، واختيار نوعية التجهيزات الصوتية والضوئية.

 - حساب قُدرة الصّالة على استيعاب عدد معيّن من المتفرّجين والقدرة على إخلاء الصّالة ضمن شروط السلامة.

 - تصميم أماكن الخدمة الملحقة بالمسرح والأماكن المخصّصة للممثلين والعاملين.

ب/ سينوغرافيا الديكور:

وهي أقرب إلى صلب العملية المسرحية، ويتركّز عملها على تصميم الديكور، وفي كثير من الأحيان تصميم الزيّ المسرحي والأكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية.يعمل سينوغراف الديكور إلى جانب المخرج لكي يتحقق الانسجام في أسلوب العمل إجمالاً.وينصبّ عمله على معالجة الفضاء المسرحي بكلّ أبعاده (داخل/خارج) ومكوّناته (إضاءة وإكسسوار من جهة، والتكوين من خلال الخطوط والكُتل والفراغات والشكل واللّون والملمس من جهة أخرى.

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل:

إذا كانت الصورة السينوغرافية «ترتكز على تأثيث الفضاء سيميائياً وأيقونياً، وتحويله إلى تحفة تشكيلية بصرية لونية وجسدية وضوئية وإيقاعية.ومن هنا، فالصورة السينوغرافية هي صورة مشهدية كبرى تشمل على مجموعة من الصور المسرحية الفرعية كالصورة اللّونية(الأزياء، والماكياج، والتشكيل…).والصورة الضوئية(الإضاءة…).والصورة الإيقاعية الزمنية(الموسيقى…).والصورة الجسدية(الرّقص والكوريغرافيا، وحركات الجسد…).والصّورة الفضائية(تقسيم الخشبة وتوزيعها…)»(21).فإنّ وظيفتها الأساسية تنحصر في الوقت الراهن في «إعادة تشكيل الفضاء المسرحي، وإخفاء الحدود بين الركح والجمهور، ثمّ السعي إلى تأسيس علاقة مكانية وبصرية بين الدراما والمتلقي، والعمل على توسيع الصورة والمكان المسرحي التقليدي بالاتجاه نحو التراكيب والأشكال والأحجام المستقلة المتحركة التي تُسهم في التعبير الدرامي، فالتنوّع اللامحدود واللانهائي للعمل السينوغرافي انطلاقاً من الفراغ، هو تنويع صور الفراغ وتوسيع مجالات الحركة فيه، لأنّ كلّ شيء فيه يمكن هندسته وبناؤه»(22).

ووفقاً لهذا الطّرح تصبح الخطّة القبْلية التي كان يعمل وفقها الديكور قديماً مرفوضة بالنسبة للسينوغرافيا لأنها خطّة جاهزة تحيل على دلالة منتهية وتابعة لباقي الدلالات التي يعمل العرض المسرحي بكلّ مفرداته على خلقها وتوليدها ولا يُشرَكُ المتلقي في فعلها لأنه لم يكن حاضراً لحظة تصميمها؛ ذلك أنّ «البناء القبلي مرفوض، أما ما هو بعدي فهو فنون السينوغرافيا التي تصير بالنسبة للمتلقي إمكانات بصرية تخييلية ومتلفّظة تجعله يشتغل على ما يرى ويسمع ليملأ الفراغ بحيوية خياله»(23).هنا تتجلى الفروق الواضحة بين مفهوم”سينوغرافيا” ومفهوم “ديكور”؛ فإذا كان الديكور- في المسرح – في الماضي يقوم على استثمار إمكانيات الرّسم في تحقيق “الإيهام/Illution”.فإنّ فنّ السينوغرافيا اليوم يقوم على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بُعداً شعرياً.وتطبيقاً لهذه الرؤية الجديدة، استثمر المخرج الروسي” ڤسيڤولود مييرخولد/V.Meyerhold”(1874- 1940) النظرية البنائية التي تقوم على استثمار تناغم الخطوط الأفقية والعمودية في فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام.كما فتح الروسي “ألكسندر تايروڤ/A.Tairov”(1885- 1950) – بالتعاون مع الرسّامين في المسرح- الباب أمام توجّه جديد ظهر في ألمانيا وتجلى بأعمال مدرسة “الباوهاوس/Bauhaus”، التي عمل القسم المسرحي فيها على تطوير التجريب حول العلاقة بين الألوان والأشكال، وكان له الفضل في تطوير النظرة إلى سينوغرافيا المسرح(24).

 وفي السنوات الأخيرة اتّسع مجال السينوغرافيا عالمياً، فتجاوز نطاق المسرح إلى كلّ ما يدخل في إطار تصميم الفراغ وأساليب استثماره في المعارض والمتاحف والعروض المُبهرة والاحتفالات الجماهيرية مثل افتتاح الأولمبياد على سبيل المثال.أمّا في العالم العربي فمازالت السينوغرافيا كاختصاص مستقلّ معماري وتقني له علاقة بالمسرح، في خطواتها الأولى بل وتكاد تكون مجهولة(25).وليس من المبالغة في شيء أن نقول أنها مازالت في طور الحبو تحاول أن تتلمس طرق نهوضها في غمرة التنظيرات الغربية المتراكمة وما يعتورها من إشكالات.

تُراهن السينوغرافيا على «ترويج ثقافة بصرية لا كلامية، إنها رهاناتٌ مشروطة بـ “التحيين الإخراجي” وبإثراء الفضاء بتعدّد زوايا النظر والمشاهدة بعيداً عن “مادية النصّ”.إنها تريد أن تجعل العرض مسكوناً بالعديد من الإيحاءات التي تخترق فضاء الركح وجغرافيته باستحداث فضاءات أخرى داخل هذا الفضاء الهندسي وقد تراكبت فيه مجموعة من الأنظمة الإشارية»(26).

وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”:

1- الإكسسوار/ Les Accessoires:

حدّد “باتريس بافيس/ Patrice Pavis” في معجمه المسرحي مصطلح “إكسسوار” بأنه مجموعة من أشياء ركحية يُحرّكها الممثلون أثناء العرض؛ بغض النظر عن الديكور والملابس(27).وفي كتاب “عالم المسرح/L’univers du Théâtre ” وضِع الإكسسوار في مرتبة وسطى بين الديكور والملابس، نظراً لمرونته وقابليته للتحوّل إلى حدّ الالتباس من خلال سياق اللّعب والاندماج في وضعية مغايرة لوضعيته الأصلية التي وضِع لها(28).

بقليل من التمعّن في هذا المونودرام نُدرك أنّ الإكسسوار قد حضر وبقوة كوسيلة استعانت بها السينوغرافيا في إيصال خطابها للمتلقي.فإذا كان “سليم” موظفاً إدارياً بسيطاً راح يُسجّل يومياته مع الوظيفة، والبيت، والشّارع.فإنّ (الجريدة، والسجّل، والقلم) كانت هي الإكسسوارات الضرورية المصاحبة لمثل هذا الدّور.وبما أنّ سليم الموظّف سيتحول لاحقاً إلى سليم الأوّل الملك صاحب الجلالة في نقلةٍ نوعية امتزجت فيها التراجيديا بالكوميديا، فإنّ هذه الإكسسوارات الثلاثة ستختفي وستظهر بدلاً منها قطعتان غريبتان، وتكمن غرابتهما في أنهما نُقلتا من وظيفةٍ إلى أخرى بعد إجراء بعض التعديلات عليها لتليقا بالدور الجديد.إنني أتحدّث هنا عن “حاملة الخبز” التي تحوّلت إلى ” تاج الملك”، و”البرنوس القديم” الذي صار رداءً ملكياً فاخراً يحمل خلفه رسمةَ تنّين كأيقونة دالّة على المُلك والإمبراطورية.

- هل كان سليم الذي وُصِف بالأحمق يطمح فعلاً في الحياة البرجوازية أو ما أسماه بـ “المرتبة العالية” ؟

- وما هي هذه المرتبة العالية إذا قرأناها في ضوء الإكسسوارات التي لحقت بالممثل لتدّل عليها:  (حاملة الخبز= التّاج)، (برنوس تقليدي= رداء ملَكي)؟

إنّ” المرتبة العالية ” التي كان سليم يطلُبها ليست سوى “الكرامة”، وهي مطلبٌ إنساني ليس هو الوحيد الذي كان ينشدها ولكنّ كثيرين سبقوه في طلبها وهم أولئك الذين وجدهم في استقباله في مستشفى المجانين !!                                                                      

ولتتحقّق كرامة الإنسان لدينا لا بدّ من توافر شرطان:                                      

الأوّل: هو الأمنُ الغذائي؛ أن لا نكونَ تابعينَ غذائياً فنكون عبيداً تابعين إيديولوجياً ثمّ إنسانياً، لذلكَ جعل سليم من “حاملة الخبز” تاجاً ملكياً ليقول لنا إنّ من يُحقّق كفايته وأمنه من الغذاء، فقد ملَك نفسه ولم يملكهُ غيرُه.                                                                    

الثاني: أن نتمسّك بمقوّمات أصالتنا دون أن نرفض الانفتاح والتطوّر، من هنا لم يجد سليم أفضل مُكمّلٍ لمُلكه وسيادته غير البرنوس القديم الذي كان بحاجةٍ إلى قليلٍ من التعديل ليكون مناسباً ولعلّ أهمّ تعديلٍ لحق به هو صورة التنّين التي رسمَها سليم على ظهره لتكتملَ فيه صفة “الملَكية/ الإمبراطورية”؛ فالأصالةُ ليست ضعفاً ولا انطواءً على الذات، بل هي قوّةُ الجمع بين الماضي والحاضر.

2- الملابس/Les Costumes:

لازمَ الممثّلَ لباسٌ واحدٌ تقريباً تميّز بالرّسمية وكان مناسباً لموظّف إداري، ولم يتغيّر إلا في المشاهد الأخيرة حين استُبدل بقميص المجانين.وقد شكّل “المعطف” قطعة لباسٍ مثيرة للانتباه؛ إذ كان بمثابة الرفيق الملازم للممثّل يتحرّك بتحرّكه ويستكين بسكونه، إلى الحدّ الذي جعلنا نعدّه تارةً لباساً ونراه تارةً أخرى قطعة إكسسوار نظراً لحمولته الدلالية وتميّزه بكثافة تعبيرية جعلتنا في كثيرٍ من الأحيان نعتبره ظلاً للممثّل أو مرافقاً له أو توأماً لصيقاً به.وهذه القدرة على “السميأة/ Sémiotisation” التي حظي بها المعطف، تشتغل بحضور الممثّل وبغيابه عندما يرتقي بوصفه شيئاً إلى مستوى الممثّل، في حين ينحدر هذا الأخير إلى درجة الصّفر من خلال محدودية الفعل وتكراره إلى حدّ التنميط كما ذهب إلى ذلك “يوري فيلتروسكي”(29).ويؤكّد في موضعٍ آخر من مقاله (الإنسان والموضوع في المسرح) بأنّ « الموضوع (الشيء) الذي لا حياة فيه يمكن أن يُدرَك كذاتٍ مؤديةٍ للفعل.كما يُمكن للكائن الحي أن يُدرَك كعنصرٍ معدوم للإرادة كليّاً»(30).وإن كنّا نعتقد بأنّ أداء “عبد القادر علّولة” لم يصل إلى درجة الصّفر، فإنّ المعطف قد اكتسب – في حضوره- طاقة إيحائية وقدرة على الارتقاء ليكون في درجة واحدة معه نظراً لقدرة علّولة البارعة في الاستحواذ على انتباهنا وشدّه نحو هذا المعطف.

شغَل هذا المعطف الأسود وضعيات عديدة متحركة وثابتة على مدار غالبية المَشَاهد؛ فتارةً يضعه سليم على كتفيه مرتدياً إيّاه ارتداءً كليّاً، وتارة أخرى يكتفي بإثباته على كتفيه دون أن يرتديه، وفي وضعيةٍ ثالثة يضعه على كتفه الأيمن، ورابعة على كتفه الأيسر، مرّةً يُمسك به بيديه الاثنتين، ومرةً يقبض عليه بيدٍ واحدة، ونادراً ما يُريحه برميه على كرسي مكتبه أو سرير غرفة نومه كجثّة هامدة تعبت من الحركة واستسلمت للراحة..وفي إحدى اللحظات الحاسمة والمضيئة في العرض المونودرامي وهي اللحظة التي تلمع فيها في ذهن سليم فكرة التمرّد على وضعه البسيط وطموحه في اعتلاء ما كان يُسميه ” المرتبة العالية “.يُقدِم على قلب هذا المعطف وارتدائه مقلوباً كترجمةٍ لرغبته في تحقيق فِعل انقلابي على مستوى ذاته التي تُمثّل كلّ ذاتٍ إنسانية متواضعة بسيطة، تعاني الفقر والقهر الاجتماعي والبيروقراطية القاتلة.هذا الانقلابُ الذي جاء رمزاً وجسّدَ فكرته سليم عبر المعطف، تحقّق مرةً أخرى على مستوى الحلم حين تحوّلت حاملةُ الخبز إلى تاجِ مُلْك، وظهر سليم ملكاً في لوحةٍ مستقبليةٍ انفتحت في تفاصيلها على دلالات المستحيل؛ حيث حُدّد تاريخ هذا الإنجاز في يومياته بــ 43 ديسمبر 2000.

هل كان حلماً مشروعاً رغم استحالة تحقيقه؟ أم كانَ لحظة جنون؟                                    

” نعم ” هي الإجابة المنطقية عن السؤالين معاً.لقد كان حلماً اعتمد على الخيال، وكان جنوناً تحرّر فيه العقلُ من قيود الواقع المؤسف والمخزي.ولعل إثبات هذا الجواب نجده في مقولة سليم:(النّاس تظنّ بلّي مُخّ الإنسان ساكن محبوس في الرّاس..هذا غلط..مخّ الإنسان رحّال جوّال مع الريّاح).   نعم إنها الحقيقة، يُمكن استعباد جسَد الإنسان لكنّ فكره يظلّ حرّاً مستعصياً عن التقييد.ولعلّ هذه الفكرة/ الحقيقة تتجلى أيضاً في كلام المجانين الذين سبقوا سليم إلى ” القصر الملَكي/ مستشفى المجانين”، فعندما جاء دوره استقبلوه بالترحيب هاتفين:(بَرْكانا..بَرْكانا من البَنان..حَلّوا البيبَان..خلّوا الصحّ يْبانْ)..هل كانوا فعلاً مجانين؟.فليكن لنأخذ الحكمةَ من أفواه المجانين.

3- الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage:

الدّيكور في مفهوم “باتريس بافيس” هو كلّ ما يوجد على الخشبة، ويُحدّد إطار الحركة بوسائل تصويرية بلاستيكية ومعمارية(31).ويعتقد هذا الناقد بأنّ مفهوم السينوغرافيا قد أصبح مفهوما بديلاً تمّ بواسطته تجاوز المعنى الضيّق للديكور الذي ارتبط عند العامة باللّوحة العُمق، أو المنظور/Perspective للإيهام بالواقعية كما هو الحال عند الطبيعية/Naturalisme(32).

تشكّلَ ديكور مونودرام “حمق سليم” من هندسةٍ غريبة وكان ثابتاً غير متغيّر طيلة مدّة العرض التي قاربت الثلاث ساعات؛ فقد حرص مصمّمه (بوخاري زروقي) على جعله في شكل غُرفٍ منفصلةٍ ومتجاورة، متباينة الحجم، بعضها وقع في اليمين والآخر في الشّمال، وارتبط الأعلى بالأسفل عبر سُلّمٍ كان رمزاً للطموح؛ حيث استعان به سليم في حركةٍ فاصلة لينتقل من الأسفل/ مرتبة موظّف بسيط، إلى الأعلى/ صاحب السموّ سليم الأوّل.وقد اتّسم هذا الديكور بالبدائية وكأننا قُبالة كهفٍ من كهوف العصر الحجري عملتْ يد الإنسان البدائي على تشكيل تفاصيله عبر حركةِ نحتٍ بسيطة، وهندسةٍ تقترب من الغرائبية؛ هذه الأخيرة التي عزّز حضورها إنطاقُ الحيوان، فقد تحوّلت الكلبة ” لُبانة ” إلى كائنٍ ناطق يُحبّ ويكتب رسائل، يُبدي رأيه ويُحلّل ويتساءل، ويتمتّع بحقوقٍ مفقودة عند البشر..كما زادت الموسيقى المصاحِبة من تعميق إحساسنا بالبدائية واستحضارنا للأجواء الغرائبية.

استُغِلَّ جزء من هذا الديكور كجدارية حملت كتابةً وصوراً، تمّ التركيز في كلّ مشهدٍ وعند الضرورة على واحدةٍ منها، ومن أمثلة هذه اللّوحات المصوّرة:(صورة الكلبة، قارورة العطر، عربة ملَكية بجياد، كرسي أثير…إلخ) وقد كانت رموزاً أحالت على الوسط البرجوازي الذي كانت تنتمي إليه رجاء.أما اللّوحات المكتوبة فقد حضر منها واحدة فقط كُتِب عليها بالفرنسية (Hopital Silence).وعلى العموم فقد تميّز ديكور العرض المونودرامي “حمق سليم” بالثبات الذي كان يوحي برتابة الحياة اليومية لموظّف مطحون اجتماعياً، ولم يأخذ هذا الديكور قيمته الإنتاجية الفاعلة إلا بتحرّكات الممثّل في إطاره، قائماً في كلّ مرّة بعملية تبئير لرقعةٍ مقصودةٍ منه.

أمّا الإضاءة فلم توظّف بدلالاتٍ جديدة غير وظيفتها الرئيسية في الفصل بين المَشاهد وتحديد تعاقب الزمن ( ليل – نهار).وقد كانت تُسند إليها في أحيانٍ قليلة وظيفة تبئير الممثّل في وضعٍ ما وفي مكان ما..ولعلّ المثال الوحيد الذي نسوقه في هذا المقام هو منظر تكبيل سليم في مستشفى الأمراض العقلية؛ حيث تعمل الإضاءة على تبئيره كشهيدٍ صُلب في سبيل كلمة الحقّ، ويسود الظلام كلّ ما يحيط به على فضاء الرّكح الذي لم يبق منه منفذاً للنور سوى نافذة صغيرة تُخفي خارجها نوراً أعاقهُ حجمها الصّغير وكثافة الظلام بالدّاخل من إضاءة الخشبة بصورة واضحة.  وبهذا الصّراع الصّامت بين بقعة الضوء المحدودة المساحة وسطوة كثافة الظلام، يتلقى المتفرّج إحساساً رهيباً بالوضع المؤسف الذي آل إليه سليم.وهو يردّد:(أمّي وْليدَك ضاعْ..رجاء لي بيه) طبعاً هي ليست رجاء علّولة زوجته الحقيقية في الواقع، ولا رجاء ابنة المدير في المونودراما، بل الأمل الذي كان ينشده ويرجوه في غدٍ و حياة أفضل.



الهوامش والإحالات:

(*) عبد القادر علّولة: حمق سليم (اقتباس حرّ وأداء وإخراج عبد القادر علولة).تسجيل تلفزيوني:بن براهم رشيد.

 Anne Ubersfeld :Lire le théâtre .paris ,édition sociales,1982,p37.(1)

(2) عامر موسى الربيعي: سينوغرافيا….تشكيل الصورة المسرحية.7/4/2007، جريدة الحوار المتمدّن.ع1878،.متاح على الموقع الإلكتروني//www.ahewar.org:httpm.

(3) قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة.ط1، عمان- الأردن، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2007، ص24.

(4) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية، دراسات في المسرح. ، الرباط- المغرب، منشورات المعارف، 2013، ص93.

(5) مجموعة من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح، دراسات سيميائية.ترجمة وتقديم:أدمير كوريّة،  دمشق، منشورات وزارة الثقافة، 1997، ص97.

(6) المرجع نفسه.ص ن.

(7) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص93.

(8) يُنظر مقالته الموسومة بـ ” ديناميكية الإشارة في المسرح” مترجماً ضمن كتاب: سيمياء براغ للمسرح، مرجع سابق، ص ص 97، 122.

(9) شاكر عبد الحميد:عصر الصورة.سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، ع311، يناير2005، ص306.

(10) عواد علي:غواية المتخيّل المسرحي، مقاربات لشعرية النصّ والعرض والنقد.ط1، بيروت-الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1997، ص87.

(11) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض.ط1، بيروت- لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، 1997، ص265.

(12) يُنظر الفصل السادس من كتاب فنّ الشعر لأرسطو.

(13) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص265.

(14) م ن، ص ن.

(15) م ن، ص266.

(16) مارسيل فريدفون: السينوغرافيا اليوم السينوغرافيا معالم على الطريق.ترجمة:إبراهيم حمادة وآخرون.وزارة الثقافة- مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ص14.

(17) م ن، ص8.

(18) عبد الرحمن دسوقي: الوسائط الحديثة في سينوغرافيا المسرح.القاهرة، سلسلة دفاتر أكاديمية الفنون، 2005، ص17.

(19) عواد علي: غواية المتخيّل المسرحي.ص88.

(20) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(21) جميل حمداوي:سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص114.

(22) عبد الرحمن بن زيدان: التجريب في النقد والدراما.الرباط- المغرب، منشورات الزمن، ، 2001، ص104.

(23) م ن. ص ن.

(24) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(25) م ن.ص267.

(26) عبد الرحمن بن زيدان:التجريب في النقد والدراما.ص101.

(27)Patrice Pavis :Dictionnaire Du Théâtre .Paris,Edition Sociales,1980    p :18.

(28) Girard Gilles/Oullet Réal/Rigault Cloude :L’univers du théâtre, Littératures modernes presses universitaires de France,edition 1978,

(29) عدد من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح.ص141.

(30) المرجع نفسه.ص139.

(31) Patrice Pavis :dictionnaire Du Théâtre .P :99

(32) Ibid.p :99

َ

َ(قُدّمت هذه الورقة النقدية كمداخلة في الملتقى الدولي “واقع الجماليات البصرية في الجزائر” المنعقد بكلية الفنون/جامعة مستغانم في 11/ 12 نوفمبر 2014)


------------------------------------------
المصدر : مجلة مسارب 

السينوغرافيا سيدة العرض.. المهنة المجهولة

مجلة الفنون المسرحية

السينوغرافيا سيدة العرض.. المهنة المجهولة


إن أهم ما يجذب عشاق الفن الرابع إلى متابعة العروض المسرحية، إضافة إلى تمكن الممثل المسرحي من أداء دوره وتقمص الشخصية بشكل جيد، وكذا الإخراج المميز للمسرحية والنص المتكامل، ما يطلق عليه “السينوغرافيا” التي يجهلها البعيدون عن الميدان، ولا يعرف الكثير منهم تسميتها وكيف يطلق عليها، والمشكّلة لمجموعة من العناصر المترابطة والمتناسقة فيما بينها، من الديكور والإضاءة والملابس والماكياج، وأحياناً كثيرة الحركة والإيماء، والتي تمثل الفن الذي يرسم أبعادا وزوايا الخريطة التي تحدد الحركة على الركح. هي أحد أهم عناصر العرض المسرحي، فلا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن الإخراج أو مؤلف المسرحية دون الحديث 
عن المبدع على الخشبة
“السينوغرافي”.

 لم تكن السينوغرافيا خلال عصور طويلة فناً بالمعنى المفهوم كما هي عليه في وقتنا المعاصر، مثلها مثل أي فن أو ابتكار أو غيره، بقدر ما كانت حرفة فنية لها خصوصيتها ومواصفاتها، لذا كان الجمع بين وظيفتي “ميكانيكي المسرح” ومصمم المناظر “السينوغرافيا” في وظيفة واحدة شيئاً طبيعياً للغاية قديما، قبل أن تتطور وتستجيب للمتطلبات الجديدة للمسرح، وأيضاً للإمكانيات المتطورة لفن الرسم، وتصبح فنا قائما بذاته يعرف “السينوغرافيا”، وهو تصميم المناظر المسرحية أو الإطار المادي للعرض المسرحي.

وتعبير “السينوغرافيا” في المسرح يعني حرفياً الخط البياني للمنظر المسرحي، أما تعبيراً، فهو يعني فلسفة علم “المنظرية” الذي يبحث في ماهية كل ما على خشبة المسرح، وما يرافق فن التمثيل المسرحي من متطلبات ومساعدات تعمل في النهاية على إبراز العرض المسرحي كاملاً متناسقاً ومبهراً أمام الجماهير.

وتهدف السينوغرافيا حسب أصحابها إلى تطويع حركة الفنون التشكيلية والجميلة والتطبيقية، بما ضمته من فنون المعمار والمنظر والأزياء المسرحية وطرق استغلالها في الفضاء المسرحي اعتبارا لفن المنظور، ما أعطى وجهاً جديداً لتعامل كل هذه الفنون مع الكلمة والعبارة والمونولوج والحـــوار، ومع الدراما بصفة عامة، كما أنها تتفرع إلى عدة عناصر من المناظر، الأثاث، الإكسسوارات، الإضاءة، تصميم الملابس والماكياج، بحيث تبدو في النهاية منظومة مركبة ومعقدة ومؤثرة في الصورة النهائية للعرض المسرحي.

وتعد “السينوغرافيا” من أكثر عناصر العرض المسرحي استفادة من إنجازات التكنولوجيا الحديثة، وبدأت هذه الاستفادة بإحلال الكهرباء محل الإضاءة بالزيت، واستمرت وتصاعدت لتصل إلى مختلف التقنيات الحديثة التي أوشكت أن تحيل منصة المسرح إلى شاشة سينما، من خلال الملابس والمناظر والأضواء والماكياج التي هي جزء عضوي في تسلسل متراكم، حتى يكمل التأثير العام للتصميم الممثل في السينوغرافيا، مع اكتمال العرض، فالمنظر الذي يبدو ثابتاً في الواقع يتغير بتغير الملابس والأضواء ودخول الممثلين وخروجهم وحركتهم على الركح، وتتشكل وظيفتها في تدعيم وترسيخ إدراك المتفرج واستيعابه للعرض.

وللغوص أكثر في هذه المهنة الإبداعية الجمالية والمتعبة، حسب ما شاهدناه في جولاتنا المتواصلة للعديد المسارح على المستوى الوطني، سألنا العديد من الممثلين والمخرجين وكذا كتاب النصوص المسرحية وغيرهم من المبدعين في الفن الرابع، حول أبرز السينوغرافيين على المستوى الوطني وأكثرهم خبرة في الميدان وحنكة وتمرسا، فأجابونا بالعديد من الأسماء اللامعة، حاولنا الاتصال بعدد منهم، فتمكنا أخيرا من ضرب موعد مع السينوغرافي المخضرم عبد الرحمن زعبوبي الذي كان بصدد الانطلاقة في عمل جديد بالمسرح الجهوي لباتنة، وبصدر رحب استقبلنا بابتسامة لم تفارقه طيلة اللقاء.

السينوغرافي عبد الرحمان زعبوبي

“حاربنا طويلا لنوصل السينوغرافيا لما هي عليه اليوم”

 استهل عبد الرحمن زعبوبي، السينوغرافي المخضرم وصاحب العديد من الجوائز الوطنية والعربية والدولية، حديثه ببداياته الأولى في عالم السينوغرافيا التي لم يكن يدرك يوما أنها ستكون مهنته الأولى والأخيرة وعشقه الأبدي، قائلا إنه عندما كان يدرس في الطورين المتوسط والثانوي مارس المسرح الهاوي مع فرقة هواة، فكان يُحْضر أقمشة بيضاء من المنزل، ويقوم رفقة زملائه بصناعة خلفيات وديكور للمسرحيات، سواء في مؤسسته التربوية أو في المسرح الهاوي في بوقاعة بسطيف، دون علم منه بأن هذه الطريق التي سيسير عليها فيما بعد، مضيفا أنه بعد الثانوي، وقبل إعلان نتيجة البكالوريا عام 1987، قدم له صديق جريدة بها إعلان عن معهد في مجال التمثيل يليق به، وأنه قام وقتها بمراسلتهم، فاجتاز الامتحان بنجاح.

ويوم الامتحان من أجل الالتحاق بالمعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري في برج الكيفان بالعاصمة، كان قد سجل في مجال التمثيل، غير أنه بقي رفقة آخرين يوم الامتحان في ساحة المعهد لفترة من الزمن في انتظار دوره، فتوجه يومها مباشرة إلى الأستاذة غازولي للاستفسار عن الفروع الأخرى التي يمكنه التقدم لها، فأخبرته عن فرع “السينوغرافيا”، وأنه “يجب أن يكون لك معرفة بالديكور والرسم وغيره”، “وأنا كنت أمارس هذه الهوايات، مثل النحت والرسم، فاستهواني الأمر، وبالفعل أتذكر أني اتجهت إلى القسم.. لأتمدرس بعدها لمدة 5 سنوات كاملة بالمعهد، رأيت خلالها الجانب الآخر من السينوغرافيا، كالإنارة، والسينوغرافيا الصوتية.. وتعرفنا على هذا التخصص من خلال الدراسة، وكذا ما كنا نراه في ركح المسرح الوطني والموقار 
والأطلس، وكذا المعهد عن طريق الفيديو الذي يعود فيه الفضل إلى الأستاذ مجيد ناصري”.

“كانوا ينعتوننا بـ”الزواقين”، وأحد القامات الفنية لا يفرق بين السيناريست والسينوغرافي

أثناء فترة الدراسة وبعد التخرج، “عانينا الأمرّين من أجل محاولة إيصال مفهوم السينوغرافيا الحقيقي ودورها، سواء لمن هم في المجال أو غيرهم”، وتابع محدثنا أنه يذكر عندما كان عمال المسرح الوطني يسمونهم “الزواقين” أو “الديكوراتوري”، نسبة إلى الديكور، “كنا نتجادل ونتعارك معهم من أجل هذه النعوت، وتعبنا معهم من أجل إعطائها قيمتها، ولكي نوصل لهم المصطلح الصحيح من أجل التعامل اليومي للفنانين”.

ويضيف أن أحد القامات الفنية في الجزائر والتلفزيون الجزائري بصفة خاصة، “عندما قام أحدهم بتقديمي له قال لي: آه جيد ستساعدنا في كتابة السناريو”. وهنا نعرف أنهم لا علاقة لهم بهذا المجال وبالمفاهيم العصرية، ونحن السينوغرافيين من عرفنا بها للجمهور العريض والخاص على حد سواء.

“أول من عملت معه وأنا لا أزال طالبا بالمعهد كان المخرج المبدع عمر فطموش في حوالي 4 أعمال. ثم “مونودام”، “البسمة المجروحة” لمسرح سيدي بلعباس، ونلنا العديد من الجوائز الوطنية والعربية على هذه الأعمال المسرحية، كما أني اشتغلت مباشرة بعدها وأنا لا أزال طالبا دائما مع قامة من قامات وهرم من أهرامات المسرح الجزائري، وهو المرحوم عز الدين مجوبي في مسرحية عالم البعوش بمسرح باتنة، واشتغلت معه الند للند وأنا لا أزال طالبا، وأثبتنا وجودنا وثبتنا السينوغرافيا في الجزائر. وعند تخرجي من المعهد اشتغلت بالمسرح الوطني مع المخرج المرحوم العربي زكال بمسرحية شمس النهار، من تأليف الكاتب المصري المعروف توفيق الحكيم”.

ولم يخف السينوغرافي المخضرم زعبوبي، خلال سرد حكايته، “الحروب” التي خاضها رفقة السينوغرافيين الآخرين، سواء من جيله أو ممن سبقوه، خاصة من أجل فرضها كفن قائم بذاته له أسسه وضوابطه، سعيا منه لإيصال هذا النوع من الفنون إلى ما هو عليه اليوم، قائلا “العشرية السوداء لم تبعدني عن المجال بالرغم من قلة الإنتاج المسرحي أو توقفه تقريبا، وكذا اشتغالي كمستشار ثقافي بمديرية الثقافة لولاية سطيف مسقط رأسي في منتصف التسعينات، إلا أني قمت بالعمل في ما يقارب 7 ملاحم من كتابة وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، وهو ما دفع بي لعدم الابتعاد عن السينوغرافيا، وبقيت في ممارسة النشاط الفني ولو بصورة ليست كالسابق، بالرغم من الأوضاع الصعبة التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، وأننا كنا نعاني من قلة الإنتاج”.

من التطبيق إلى الأستذة بالمعهد.. حكاية تحدي

“بدايتي مع التعليم بالمعهد كانت عام 2000، عندما كنا أنا والمخرج المبدع أحمد بن عيسى نستعد للعرض الشرفي لمسرحية الثمن بالمسرح الجهوي لباتنة، وجهت دعوة للدكتور المرحوم صالح لمباركية بصفته أول مدير لمعهد الفنون لبرج الكيفان، وكان برفقته كل من الأساتذة نوال إبراهيم والعقون مالك ومنصوري، ولدى مشاهدة العرض كان لديهم في ذلك الوقت مشكلة في التأطير، وكانوا يجلبون أساتذة معهد الرسم، في محاولة منهم لامتصاص غضب الطلبة الذين يحتجون في كل مرة ويرفضون الدراسة، لعدم وجود أساتذة في الميدان، وطلب مني وقتها المدير المرحوم أن أدرِّس بالمعهد فقبلت التحدي. وبالفعل نهاية 2000 باشرت عملي ودرَّست السنة الرابعة حينها، وعند مشاهدة أعمال الطلبة رأيت أنهم دون المستوى، وطلبت منهم أن يتحملوا عبء العمل فقبلوا، فكنت أُدخلهم الورشة يزاولون دراستهم بين النظري والتطبيقي بشكل متواصل وإلى غاية ساعات الصباح الأولى، مع منحهم بعض الوقت للراحة، وقد درسوا لمدة سنتين، وعلى الرغم من صرامتي فقد كان هناك تفاهم بيننا نظرا لقرب السن، وقد برز جيل جديد من السينوغرافيين الذين من شأنهم حمل المشعل، على غرار حمزة جاب الله ومراد بوشير وآخرين”.

على المخرج الخضوع للفضاءات والأجواء..

بنبرة صوت تصاعد توترها قال محدثنا إن على المخرج الخضوع للفضاءات والأجواء، وقال إنها ليست من عمل المخرج، “لك نظرتك ولي نظرتي، وأنا أهيئ لك الأجواء، وأنت اقتبس العرض على حسب الأجواء، وهي عملية جد بسيطة لكنهم لم يتقبلوها بعد، ولا تزال لهم العقلية المغلقة بأنه السيد الأول والأخير للعرض”.

فالمخرج هو الذي يتعامل مع الفضاء المقترح من طرف السينوغرافي وليس العكس، بمعنى أنه يخضع لأفكار السينوغرافي في العملية الإخراجية، وهي عناصر يحدّدها الفضاء، وهو من اختصاص “السينوغرافي” وليس “المخرج”، مضيفا “هذه الفلسفة أدت بي إلى بعض الصراعات مع عدد من المخرجين، وحتى أصدقائي منهم، أحسوا بأني أنافسهم على مكانة ما، الحمد لله لي مكانتي تحت الشمس ولا أتحدث عن نفسي، أنا أتحدث عن السينوغراف والمخرج”، واسترسل “عندما زار المشارقة الجزائر قالوا إن السينوغرافيا في الجزائر متقدمة بحوالي 50 سنة عن نظيرتها في المشرق العربي، وهذا فخر لنا، الدولة عندما استثمرت فينا لم تخسر”.

وفي ختام كلامه قال إنه يتمنى أن يعيدوا فرع السينوغرافيا للمعهد، “ولا يجب أن يوقفونا أو يعيدونا للخلف فقد قمنا بخطوة كبيرة في هذا المجال”.
 -------------------------------------------
المصدر : نوال مسلاتي - الخبر 

الخميس، 27 أبريل 2017

مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي 1438 هـ

مجلة الفنون المسرحية

مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي 1438 هـ

مسابقة وطنية خاصة بعروض الفنون المسرحية الإبداعية، تهدف إلى بث روح المنافسة بين فرق الفنون المسرحية من كافة مناطق المملكة واختيار أفضل العروض، بهدف المساهمة في تنشيط وتطوير الحركة المسرحية، ودعم وتشجيع التجارب المسرحية المحلية والخليجية المميزة، واكتشاف المواهب الفنية وإبرازها وصقلها، والترويج للحركة المسرحية.
ضوابط المسابقة:
أن تكون الفرق المسرحية المشاركة مرشحة من قبل الجهات الرسمية التابعة لها.
أن تكون العروض المسرحية ملتزمة بلوائح النشاط المسرحي والنظم والقوانين المعمول بها في الدولة.
تقتصر جميع عروض المهرجان على مسرح الكبار.
عند انسحاب أي فرقة فإنها تحرم من المشاركة في الدورة القادمة.
يحق للجنة العليا لأيام عكاظ المسرحية وجائزة عكاظ للإبداع المسرحي وبموجب توصيات اللجنة المنظمة تعديل بنود ومواد اللائحة.
شروط التقدم للمسابقة:
لا يسمح لأي عمل مسرحي مضى على إنتاجه وعرضه أكثر من عام أن يشارك داخل المسابقة.
لا يحق للمخرجين المسرحيين أن يشاركوا بأكثر من عمل مسرحي داخل المسابقة.
لا يسمح لأي ممثل أن يشارك في أكثر من عمل مسرحي واحد داخل المسابقة ويستثنى من ذلك المؤلفين المسرحيين.
لا تقل مدة كب عرض مسرحي عن خمسة وأربعين دقيقة ولا تزيد عن ستين دقيقة.
لا يزيد كل فريق مسرحي عن 12 عضو من مخرج وممثلين وفنيين.
آلية المشاركة:
ترسل طلبات الترشح والمشاركات إلى جامعة الطائف، مكتب معالي مدير الجامعة، ص.ب (888)، الرمز البريدي (21974) بالحوية، الطائف المملكة العربية السعودية.
تعبئة استمارة المشاركة (نموذج الاستمارة).
استيفاء كافة ما ورد في شروط التقدم للجائزة.
آلية التحكيم:
ترسل مشاهد من الأعمال المسرحية المقدمة إلى لجنة التحكيم.
تقوم اللجنة بفحص الأعمال وتقييمها، واختيار أفضل سبعة أعمال مسرحية.
ترفع اللجنة تقريرًا بالفرق المسرحية التي تم اختيارها إلى اللجنة المنظمة.
تقوم اللجنة المنظمة بالتواصل مع الفرق المسرحية السبعة، ودعوتهم للمنافسة المباشرة أيام السوق.
تتم المفاضلة بين العروض المسرحية من خلال مسابقة تفاعلية تتم في أثناء السوق، ولمدة عشرة أيام، ويكون التحكيم على النحو الآتي:
يقوم كل فريق مسرحي بتقديم عرض مسرحي واحد على فترتين.
تقيّم لجنة التحكيم المسرحية ويكون لها 75% من الدرجات.
تعطى الفرصة لتصويت الجمهور، ويتم احتساب متوسط تصويت الجمهور بواقع 25%.
يتم جمع درجات اللجنة ومتوسط تصويت الجمهور لاختيار أفضل عرض مسرحي لأفضل فرقة مسرحية مشاركة.
استحقاق الفائزين:
جائزة عكاظ للإبداع المسرحي:
تتكون مفردات جوائز المسابقة المسرحية من:
أــ مبلغ مالي ب ــ شهادة براءة الجائزة جـ ــ درع عكاظ للإبداع المسرحي.
أولاً: تمنح جائزة عكاظ للإبداع المسرحي لأفضل عرض مسرحي بقرار لجنة التحكيم لأفضل فرقة مسرحية مشاركة بجائزة مقدارها ((100,000 مائة ألف ريال.
ثانياً: تمنح جوائز مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي بقرار من لجنة التحكيم للفنانين المسرحيين المشاركين في المسابقة في المجالات التالية:
جائزة أفضل تأليف بمبلغ مالي مقداره (20.000 ريال) عشرون آلاف ريال.
جائزة أفضل إخراج بمبلغ مالي مقداره (15,000 ريال) خمسة عشر آلاف ريال.
جائزة أفضل ممثل دور أول بمبلغ مالي مقداره (15,000ريال) خمسة عشر آلاف ريال.
جائزة أفضل ممثل دور ثاني بمبلغ مالي مقداره (10,000ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل ديكور بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل إضاءة بمبلغ مالي مقداره (10,000ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل مؤثرات صوتيه وموسيقية بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
جائزة أفضل سينوغرافيا بمبلغ مالي مقداره (10,000 ريال) عشرة آلاف ريال.
كما يحق للجنة التحكيم وضع جوائز وشهادات تقديرية حسب ما تراه مناسباً.
كيفية التقدم للمشاركة في الجائزة:
يتم التقديم للمشاركة في اللجائزة من خلال الاستمارة الخاصة بها المتوفرة على الرابط (نموذج الاستمارة).
ترسل العروض الفنية على ملف إلكتروني أو CD مع السيرة الذاتية والايميل الإلكتروني على العنوان التالي: جامعة الطائف، مكتب معالي مدير الجامعة، ص.ب (888)، الرمز البريدي (21974) بالحوية، الطائف المملكة العربية السعودية.
يجب ملئ استمارة المشاركة كاملاً وفي حال وجود أي نقص أو معلومات غير دقيقة فقد تعرض المشاركة للاستبعاد دون إشعار المشارك.
الإعلان عن نتائج الجائزة:
سيتم الإعلان عن أسماء الفرق الفائزة – بإذن الله تعالى- يوم الثلاثاء 27/10/ 1438 هـ، الموافق 21/07/2017م. وذلك فور انتهاء لجنة التحكيم وصياغة المحضر النهائي للنتائج والتي يعلن عنها رسميا خلال حفل اختتام فعاليات سوق عكاظ أمام الحضور لتوزيع الجوائز
آخر موعد لاستقبال المشاركات:
آخر موعد لاستقبال المشاركات في المسابقة هو 19/08/1438هـ الموافق 15/05/2017م في تمام الساعة 11:59 مساء، وتعتبر أي مشاركة تصل بعد موعد انتهاء “فترة المسابقة” ملغاة، علما أن توقيت المملكة العربية السعودية (3 GMT +) هو التوقيت المعتمد لكل الأوقات والتواريخ في جوائز ومسابقات سوق عكاظ.
للتواصل والاستفسارات بخصوص الجوائز والمسابقات:
يرجي الاتصال على الهواتف: (0533590059 – 0550068777- 0566587766)
أو عبر البريد الالكتروني: sooqokaz@tu.edu.sa

تكريم الفنانة سمر محمد في فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر في تونس

مجلة الفنون المسرحية

تكريم الفنانة سمر محمد في فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر في تونس 

انطلقت  في العاصمة التونسية فعاليات مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في دورته الثامنة عشر ..
المهرجان الذي ينظمه اتحاد إذاعات الدول العربية بالتعاون مع مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين وبشراكة مع المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) كرم مجموعة من المبدعين العرب من بينهم النجمة لعراقية الكبيرة سمر محمد الى جانب احمد عب العزيز ورانيا يوسف من مصر وشكران مرتجى من سوريا وطوني عيسى من لبنان وزهيرة بن عمار وحسين المحنوش من تونس و كمال عبادي من السودان وسهيل الصغير من تونس وطارق بالخيور من السعودية ولطفية إبراهيم من ليبيا وسالم بهوان من سلطنة عمان ورؤوف الباسطي ومحمد مصمولي وعادل موتيري من تونس .
 والفنانة سمر محمد بدأت حياتها الفنية على خشبة المسرح، بمسرحية "أوديب ملكا"، إخراج شفاء العمري، الذي رأى موهبتها فشجعها على الذهاب إلى بغداد، لتصقل موهبتها هناك. بدأت سمر التمثيل في مسقط رأسها مدينة الموصل عام 1968 وكانت اولى محطاتها في المسرح مع مسرحية "اوديب ملكا "اخراج شفاء العمري، الذي تعتبره سمر صاحب الفضل الاكبر في صقل موهبتها، وتشجيعها على دخول عالم المسرح . 
وفي أوائل سبعينات القرن العشرين انتقلت سمر إلى بغداد، حيث بدأ مشوراها الفني الفعلي بادائها عشرات الادوار سواء في اعمال اذاعية وتلفزيونية أو في المسرح. شاركت الفنانة سمر في العديد من المهرجانات الفنية وأبرز أعمالها في مجال المسرح  دورها في مسرحية دائرة العشق البغدادية. ومسرحية "حلم مسعود "اعداد واخراج الدكتورة عواطف نعيم. وشاركت  بمسرحية "ورود وسر العنقود" التي عرضت ضمن مهرجان الطفل في بغداد، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذه المسرحية. 

أنطلاق مهرجان الفدان العربي للمسرح في تطوان

مجلة الفنون المسرحية

أنطلاق مهرجان الفدان العربي للمسرح في تطوان 

انطلقت أمس الثلاثاء 25 أبريل بتطوان فعاليات مهرجان الفدان العربي للمسرح في نسخته الثامنة.
و وسط حضور غفير غصت به جنبات المركز الثقافي بتطوان حظيت جمهورية تونس ضيفة شرف التظاهرة باحتفاء خاص، مع تكريم إدارة المهرجان كل من الفنان المسرحي عادل ابا تراب والكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى.
وفي كلمته خلال حفل الافتتاح قال رضا الدغمومي مدير المهرجان إن التظاهرة تؤكد استمراريتها كأحد أهم التظاهرات المسرحية بمدينة تطوان بالرغم من كل التحديات و الصعوبات ومنها عدم الانخراط الفعلي لمختلف الشركاء المحليين و الهيئات المنتخبة في دعم الفعل المسرحي بالمدينة.

في الأثناء  نوهت عدد من كلمات الافتتاح بتنظيم هذه التظاهرة وجدية القائمين عليها. و تميز الحفل بتقدم عرض مسرحية نهير خريف لفرقة خديجة من تونس الشقيقة. هذا و تتواصل فعاليات المهرجان بتطوان إلى غاية 30 من أبريل الجاري.

ويقدم مهرجان الفدان العربي للمسرح في دورته الثامنة التي تحتضنها تطوان في الفترة ما بين 24 و 30 أبريل 2017. برمجة غنية و متنوعة تحول مدينة الحمامة البيضاء و على مدى أسبوع عاصمة ثقافية بامتياز و محجا لمريدي أبي الفنون و المشتغلين في حقول الإبداع المتعددة. 

وتكرم الدورة الثامنة للمهرجان كل من الفنانين المسرحيين حسنة طمطاوي، حسن النفالي، عادل أبا تراب و الزبير بن بوشتى. لإسهاماتهم المتميزة في الحقل المسرحي، على مستويات التمثيل و الإخراج و التأليف و الإدارة و السعي المتواصل ليتبوأ المسرح مكانته الحقيقية كأب للفنون و حاضنٍ لمختلف أشكال العرض و الفرجة الفنية ، وأيضا كمساهم في التنمية البشرية و المجالية و في هذا الصدد تناقش ندوة المهرجان "المسرح المغربي و رهاناته التنموية" آفاق العرض المسرحي وأبعاده التنموية خاصة بعد التحولات التي شهدتها بلادنا على مستوى التقطيع الترابي و المكانة التي بوأها دستور 2011 للجهات بحضور أكاديميين و باحثين و فنانين و مسؤولين عن تدبير الشأن الثقافي.

ونظرا لما صارت تشكله الوسائط المتعددة من راهنية تسائل ندوة " المسرح في زمن الوسائط" مدى استثمار التكنولوجيا بأبعادها الجمالية و التواصلية في العرض المسرحي بكل مكوناته بحضور فنانين مسرحيين بصموا باجتهاداتهم على مسرحة جديدة وسائطية أكثر فأكثر.

كما أن المهرجان في بعده التأطيري يفتح أمام شباب المدينة ورشات تكوينية في الإلقاء و إدارة الممثل و مسرح الطفل .

 وتجدر الإشارة أن الدورة الثامنة لمهرجان الفدان العربي للمسرح تنظم هذه السنة بدعم من وزارة الثقافة و الاتصال و المسرح الوطني محمد الخامس و جهة طنجة تطوان الحسيمة و عمالة إقليم تطوان و المجلس الإقليمي لتطوان و بشراكة مع جماعة تطوان و المركز الثقافي للمدينة.


--------------------------------------------
المصدر : بريس تطوان 



جامعة حلوان تفوز بالمركز الأول فى مسابقة إبداع عن العروض المسرحية

مجلة الفنون المسرحية

 جامعة حلوان تفوز بالمركز الأول فى مسابقة إبداع عن العروض المسرحية

 فازت جامعة حلوان، بالمركزالأول فى مسابقة إبداع، تحت رعاية الدكتور ماجد نجم القائم بعمل رئيس الجامعة، وهى المسابقة التى أقيمت لشباب الجامعات والمعاهد العليا والأكاديمية، فى مجال العروض المسرحية، التى أقيمت على مسرح وزارة الشباب والرياضة. 

وفازت جامعة حلوان بالمركز الأول عن عرض "مسرحية بيانكو " التى حصلت على جائزة قيمتها( 75 ألف جنيه، كما حصل الطالب محمد أحمد من جامعة حلوان على المركز الثانى فى المواهب الفردية غير المتخصصة فى مجال الأخرج، وحصل الطالب ايهاب صلاح من جامعة حلوان على جائزة أفضل سينوغرافيا.

وتولى لجنة تحكيم المسابقة فى مجال العروض المسرحية الفنان جلال الشرقاوى، والفنانة سميحة أيوب والفنانة وفاء الحكيم.


--------------------------------------

المصدر : اليوم السابع 

الأربعاء، 26 أبريل 2017

قراءة في كتاب " اللغة الجسدية للممثل " تأليف د. مدحت الكاشف

مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي

مجلة الفنون المسرحية



مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي


د. راسل كاظم

   لكون جسد الممثل يدرك بوصفه ظاهرة بصرية لذا يمكن معرفة لغته كونها وسيطا للاتصال من خلال استخدام رموز ايحائية، تسعى الى بناء فهم مشترك خاضع لثقافة المتفرج وخبرته المكتسبة من الواقع لاجل اكتشاف المعنى ودلالته، فهيئة الممثل كمظهر مادي خارجي متمثلة بجسده هي شكل قائم بحد ذاته يرتبط بدلالة شخصيته، اما اذا اضفنا علاقة اخرى ضمن اشكال جديدة، فأنها تكون لنا دلالة اجتماعية او فكرية، فتتكون الدلالة "حالما كان هناك جزءان او اكثر مجتمعان مع بعضهما لكي يصنعا نسقاً مرئياً"(1)وهنا لا يمكن تجاوز مساحة اشتغال الممثل، كونه يشكل محصلة كل الفضاءات الاخرى للعرض المسرحي وبحسب فرضية (إلين ستون) فان الصورة ومن ضمنها جسد الممثل تعمل في اربعة مستويات "المستوى الوظيفي - السوسيومتري* - خلق الجو العام – الوظيفة الرمزية"(2). وفي حركة العرض تبدأ الاشكال بالتحول الى طاقة تعبيرية فتتنامى الاشكال المرئية وتصبح سلسلة من الرموز المتفاعلة مع دلالات العرض الاخرى، فالحركة تقوم بتفكيك ما هو مركب لاعادة تركيبه من جديد ولإنجاح عملية التواصل، لا بد أن تتوافق الدلالة التي يرسلها الجسد مع الرموز التي تصل إلى ذهن المتلقي، وكما يرى (باربا) ان هناك تقنيات مشتركة لتمظهرات الجسد. وكل ما نسميه بـ"التكنيك ما هو الا استخدام خاص لجسدنا"(3) وليس المقصود من التكنيك هو الجسد الخام المستخدم في الاشكال اليومية وانما المقصود هو الشكل المفعل للحركة ومعنى ذلك ان الجسد يمارس عصيانه ضد الشكل السائد، وفي تحرير طاقته يتحول الجسد من شكله الخامل الى شكله الجديد الناشط. والخطوة الاهم تكمن

في فهم تكنيك الجسد اليومي الذي من الممكن ان يستبدل بعد ذلك بتكنيك اضافي أي تكنيك لا يسير وفق الحالات المعتادة للجسم وهذا التكنيك الاخير هو ما يقوم الممثل باستخدامه في الالفية الثالثة الذي يسير على مبدا اقل المجهود . أي الحصول على افضل النتائج مع اقل مجهود لان المجتمعات الحديثة لا تريد تبديد طاقتها وتحاول ان تستخدم اقل طاقة لاكبر انتاج ، " ولغة جسد الممثل عندما يتم تنشيطها على مستوى ذي فاعلية فأنها تكون بالتالي كثيفة المعاني، وكون الجسد يتمتع بالحياة فأنه يعطي ديناميكية لكل عناصر العرض، ويمثل جسد الممثل ست علامات بصرية من مجموع العلامات البصرية التسع، التي تنتمي الى منظومة العلامات في المسرح المتكونة من ثلاث عشرة علامة، حسب تصنيفات (كوفزان)، لنظم علامات المسرح. وهذا ما يضع الجسد في مقام الصدارة بالنسبة للعلامات البصرية، من خلال تعبير الممثل الذي يتشكل بالجسد والمظهر الخارجي له، وتزداد اهمية جسد الممثل كلما تحررت خشبه المسرح من الاشكال المعمارية الثابتة والتقليدية، ويمكن للجسد ان يفوق في شعره شعر الكلمة المنطوقة، كما حلم (ارتو)، فجسد الممثل يمكن ان يصور افكارا ومواقف ذهنية ولمحات من الطبيعة، بطريقة ملموسة، ان يذكر الاشياء والتفاصيل الطبيعية. فضلاً عن الانماط الكامنة في الاساطير والطقوس والاحلام التي تفصح عن تجليات جدية في البحث عن انماط للتعبير الجسدي والتي تطلبت الانفتاح على الحضارات الشرقية، لهذا كانت رغبة بروك تتوجه الى الجسد لإيمانه الشخصي بان الجسم الانساني يمثل الوعاء الذي يحوي بقية العناصر ويرى (بارت) ان فن المسرح هو "فن ازدهار وتفتح الجسد"(4)، اما (ميرهولد) فانه يرى ان ابداع الممثل ينبثق من الجسد، وهو "ليس ابداع شخصيات، بقدر ما هو ابداع اشكال بلاستيكية جديدة في الفضاء الزماني المكاني للعرض"(5). وقد تطور مفهوم جسد الممثل لدى المسرحيين المعاصرين ومنهم الباحث والمسرحي (باربا)، من خلال ربط المسرح بالانثروبولوجيا، بهدف كشف وظائف غير مألوفة من خلال البحث باشكال الحركة الجسدية للمسرح الشرقي، ان المرسل في العرض هو جسد الممثل وهو يحقق التواصل مع المتلقي "فالتواصل يفترض مرسلا ومستقبلا وعمليتين متقدمتين لا متناظرتين هما عمليتا التشفير والترميز ، أي الشفرات وفك الرموز ، الترميز يمثل المتكلم وفك الرموز المؤول.

ووظيفة جسد الممثل في العرض ليست معنية بنقل المشاعر، بقدر عنايتها بما يرمز اليه هذا الجسد في تشكيلاته التشريحية، لان المشاعر يمكن ان تنقل عن الطريق اللفظي للممثل, لذا لا بد أن توضع قدراته بالحسبان ، بمعنى عدم إغلاق رسالة النتاج على ذاتها ، بل يفترض السعي الى الانفتاح على دور المتلقي وقراءته ، لذا يفترض التنسيق مع كفاءة مدركاته ومعجم شفراته وهذا ما مهدت له السيميائية التي تمحورت بحوثها حول العلامة ، وعنيت بها على مستويين:

المستوى الأول :الانطولوجي : ويعنى بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها.

المستوى الثاني: البرجماتي : ويعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية ، ومن منطلق هذا التقسيم نجد ان السيميوطيقا اتجهت اتجاهين:

الاتجاه ألاول : يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها

الاتجاة الثاني : يركز على دراسة توظيف العلامة في عمليات الاتصال ونقل المعلومات.

فاللغة والتفكير والعلم والفن والأدب والأشياء و القيم لابد لها من علامات تتكون بوساطتها او نتيجتها ، فالعلامات ودلالاتها هي عماد الوجود الإنساني وصوره التداولية والتواصلية ، فقد بلغ مجال السيميولوجيا الخاص الى أوسع دوائر المعرفة والى الممارسة الاجتماعية بكافة أبعادها ، تتوخى المعرفة العميقة بمختلف ظواهر الوجود والوعي الاجتماعيين بواسطة البحث عن مظهرها الدال ودلالاتها الممكنة في الماضي والحاضر والمستقبل. ويمكن ان نقسم مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي الى:

اولا/ مرجعيات ثقافية : أن الثقافة هي الحقل الأوسع في الدراسات السيميولوجيه لأنها تتضمن حقولاً عدة مثل الأدب والفن ، والتاريخ والتراث ، والسلوك والعادات وهذه الأنظمة العلاماتية تنتمي الى موضوع يتسم بالتعميم وبالضرورة تنتج بنيه ذاتية تجعل بعضها متمايزا عن البعض الأخر ذلك ان لكل نظام ثقافي/ علاماتي شفراته التي يأتلف منها. فشفرات الطقوس والشعائر لجسد الممثل تختلف عن شفرات العادات . والشعائر تختلف شفراتها من ديانة الى أخرى وهكذا الأمر مع جميع مظاهر الثقافة في عموم المجتمعات ، وهناك الكثير من الاراء التي طرحت بهذا الخصوص، منها الرأي القائل: ان الثقافة بوصفها آليات لتنظيم المعارف وحفظها في وعي الجماعة تثير المشكلة النوعية للتواصل او الاستمرار الثقافي ، وان لهذه الاستمرارية وجهين:(8)

1. استمرارية النصوص المعرفية للذاكرة الجمعية
 2. استمرارية القواعد الشفرية. او النظام الشفري للذاكرة الجمعية.

وفي حالات بعينها يحتمل الا يرتبط احد هذين الوجهين بالأخر ارتباطاً مباشراً وعلى سبيل المثال فقد ينظر الى بعض المعتقدات على أنها عناصر في نص من نصوص ثقافة قديمة في الوقت ذاته الذي فقد فيه النظام الشفري لتلك الثقافة. وتعني هذه الحالة ان النص الثقافي امتد بحياته وعاش بعد حياة النظام الشفري. وقد تحدث الحالة بالعكس فقد تبقى شفرات بعينها في حين تنمحي نصوصها من الذاكرة الجمعية او يبقى بعضها ، كما في حالة الأمثال الشعبية التي تكون شفرة متداولة في حين ان حكايات كثيرة من الأمثال تختفي من التداول او لا يعرفها المستشهد بالمثل، ولما كانت الثقافة تشمل جميع أشكال المعرفة بما فيها التاريخ والتراث ، والآداب والفنون ، وتضم العادات والتقاليد والأعراف ، وحتى تلك التي تبدو تارة وتبيد تارة أخرى ، فان من هذه الأشكال الثقافية/ المعرفية تظهر شفرات جديدة ، بعد ان استعانت هي بشفرات متداولة, من اكثر تلك الأشكال الثقافية هي النصوص الأدبية والفنية على اختلاف أنواعها وتوجهاتها وذلك من خلال توظيف شفرات بعينها في سياقاتها سواء كانت عملية التوظيف هذه قصدية ، ومن اجل أحياء شفرات _تاريخية ، تراثية، او تلقائية حين تبتدىء الشفرات المحورية لنسق ثقافي معين، تفرض نفسها بعدها الخيار الامثل في تقديم مضمون ما. ولما كانت الثقافة في مجملها تتكون من نصوص ، رسائل يتولد بعضها من البعض الأخر ، وبما يكفل لها الديمومة والتواصل ، فان لغة الجسدهي شفرات ثقافية, وان القيام بصياغة رسالة تعني القيام بعملية تشفير الجسد على وفق سياق معين.

ثانيا/ مرجعيات جمالية : وتنتمي الى الاتجاه الفني ـ الفلسفي، فقد حاول المسرح عبر تاريخه الهرب من رتابة التقاليد وثقلها الصارم حيث يستدعي ذلك ظهور نوازع جمالية جديدة مرتبطة مع اذواق الناس وحاجاتهم الجمالية وهذه بطبيعة الحال سرعان ما تترك مواقعها لاخرى اكثر تقدماً، فلكل زمن جمالياته، ولكل مرحلة سماتها التي قد ترتبط بجماليات الفنون المجاورة او تشترك معها. مما يدفع الممثل للجوء نحو استخدام اسلوب تعبيري معين قد يسهم باضطرار الممثل عبر التأويل لمجاراة هذه النوازع الجمالية، فحركات وايماءات الممثل في العصر الحديث تختلف اختلافاً كبيراً عنه في عصر النهضة، والعلاقات الجمالية بالمقابل اختلفت وتباينت بشكل كبير، مما حتم على الممثل الاهتمام بنوع الاشارة التي يرسلها جسده لايصال البعد الجمالي للمسرحية، فطبيعة الفنان قادرة على التفاعل مع المحيط وبناء علاقات نابعة من اتصاله مع الاشياء، بحيث تكون هذه العلاقة التوليدية مبنية على استجابات الفنان عند تفاعله مع المحيط. إن العمل الفني يتطلب من حيث هو نتاج للروح نشاطية ذاتية خلاقة تجعل منه حينما تصوغه وتشكله موضوعا لحدس الآخرين وتخاطب حساسيتهم ومخيلة الفنان هي التي تمثل هذه النشاطية الذاتية الخلاقة"(9). ان عملية استحضار البنى و النظم والعلاقات التي اكتسبتها الذاكرة بواسطة فاعلية ذهنية (الخيال) و التي التقطها حسيا من العالم المحيط فقد تحدث بشكل عام عن طريق استحضار واع, ان الممثل باستخدامه المطلق لأسرار جسده التعبيرية وعلاقته بالفضاء المادي المحيط به يعد حالة مثيرة واستثنائية أثناء تحقيقه للفعل والرؤيا في العرض. ولهذا فهنالك علاقة بين الكتلة، والمادة ـ الجسد والشيء تنتج معنى دلالياً للتعبير عن الحدث والفكرة من خلال الرؤى والإيقاع الموسيقي المميز لحركة الجسد في علاقته بالمادة. ووفق التيارات المسرحية التي تعاقبت وشكلت بالمقابل مدارس جمالية تغيرت نظرة الفنان الى الجمال من عصر الى عصر، ومن مرحلة الى اخرى، ومن مكان الى اخر.

ثالثا/ مرجعيات ايديولوجية : تستخدم في التعبير عن أفكار تتجاوز على نحو واسع حدود الحكاية التي ترتبط بها، وهي تعكس موقف المخرج إزاء أهم المشاكل الفكرية والسياسية وهنا يكون الفنان حراً في اختياره للصراع الفكري الذي يصطف معه و يجعله مادة لفنه ، ويمكن ان يصبح وثيقة في امكان المتلقي التحاور معها عبر رؤية تاريخية جمالية و اعية . و العامل الفكري مجاور للتاريخي و يستمد منه التشكيلات و المحددات التي تفصل بين الطبقات و الفئات وحتى الاختصاصات في الثقافة و المعرفة و بناء القيم . و المجتمع هو الميدان الذي تجرب فيه كل المبادىء و النظريات ، عبر سلسلة من الثورات الاجتماعية و السياسية و العلمية التي غايتها في الاساس تطوير المجتمع ، و اكتشاف و زرع القيم الجديدة 
رابعا/ مرجعيات اجتماعية: يكتسب الفرد بوصفه (الاساس في تشكيل المجتمعات) خبراته عن طريق الممارسة العلمية والتفكير في المشكلات الحسية المرتبطة بواقع الحياة ، فالمعرفة التي تأتي عن طريق تراكم المعلومات وفهمها ، هي اساس الخبرة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ، لذا فإن الخبرة تتسع وتتعمق لتوضح حقيقتها بكل جوانبها المختلفة الحسية والعقلية والروحية , الوجود الاجتماعي يرتكز على تشابك طقوس تكمن وظيفتها في ادارة العلاقات بين البشر والعالم، وبين الناس فيما بينهم، فكل انسان عبر مسيرته الخاصة، وباسلوبه الخاص يرمز لعدد كبير من الاوضاع التي يصادفها والحياة اليومية هي المكان المميز لهذه العلاقة، وهذه العلاقة تترك اثرها على الممثل، بطريق تكوين شبكة من المعلومات يستثمرها في سبيل اسقاطها على اداء جسده. ويمكن لهذه المرجعيات ان تختلف باختلاف المجتمعات فما يصح في مجتمع قد لا يصح في اخر كما تختلف زمانياً في المجتمع الواحد، فالقيم كغيرها من الانساق الاجتماعية معرضة للتغيير والتبديل خلال تاريخ المجتمع. ولا يعني هذا ان تغيرها مرهون بعامل التقادم الزمني نفسه، وانما بالاحداث والتقلبات واشكال الاحتكاك الحضاري والتثقيف التي يتعرض لها المجتمع. أن الرسالة المميزة للفن هو ان يرتفع ويحلق بمشاعرنا الى آفاق عالية ولابد أن يسمو الفن على الواقع حتى يحفزنا على إصلاحه أن يكون هذا الفن متصلا بقيم المجتمع الحاضر وأهدافه المستقبلية ، وفهم هذا الفن يعد فهما لهذه القيم والأهداف وذلك لبنائها وتطويرها ، مما يرتقي بالمجتمع الانساني المتحضر.على وفق القيم والأهداف الاجتماعية بل إنه يحرضه على

 قراءتها والحكم عليها ، ويشجعه على التفكير في أهداف الفنان المتجلية في عمله ورسالته وفي رؤيته ، ومعرفة علاقتها بالمجتمع وقيمه.

المراجع:
1. دني هو بسمان :علم الجمال ، ترجمة : ظافر الحسن (باريس : بيروت ، منشورات عويدات ، ط4 ،1983 ، ص106.
* القياس السيوسومتري هو القياس في المستوى الاجتماعي.
2. ألين ستون، جورج سافونا، المسرح والعلامات، تر، سباعي السيد، مهرجان القاهرة الدوري للمسرح التجريبي، وزارة الثقافة ، القاهرة، 1991، ص 203.
3.  باربا ، مسيرة المعاكسين ، انثروبولوجيا المسرح . ترجمة قاسم البياتي ، دار الكنوز الادبية ، الطبعة الاولى ، لبنان ، 1981 ، ص105.
4. رولان بارت، المسرح الاغريقي، ترجمة سهى يشور، (المعهد العالي للفنون المسرحية، 1987)، ص 25.
5. سعد صالح، الانا والاخر.. ازدواجية الفن التمثيلي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والاداب والفنون، 2001، ص174.
6. جوليا كريستيفا : علم النص ، ترجمة : فريد الزاهي ،ط1 ( الدار البيضاء ،دار توبقال للنشر )1991 ،ص18.
8.  ينظر : اوسينسكي بوريس وزميله : حول الالية السيميوطيقية للثقافة ،ترجمة عبدالمنعم تلميعه، في كتاب 9- مدخل الى السيميوطيقا_مقالات مترجمة ودراسات مصدر سابق ، ص301.
هيغل، فكرة الجمال، تر: جورج طرابيشي، (بيروت, دار الطليعة، )، ج2، ط1،1978, ص 291.

الحكواتي ماحي صديق..تروبادور الزمن المتحول

مجلة الفنون المسرحية



الحكواتي ماحي صديق..تروبادور الزمن المتحول

احميدة عياشي 


في "ربيع أسود"يقول كاتبي الذي أحببت حياته المتشردة ونزق كتاباته يوم كنت طالبا جامعيا الأمريكي هنري ميللر(1891-1980)"انا رحالة، ولست مغامرا"وهل يمكن آن يكون المرء رحالة دون آن يلتف حول عنقه حبل المغامرة،؟!الرحلة مغامرة، والمغامرة هي رحلة في قلب المجهول والخطر، رحلة في الظلام وفي أذغال الزمن المبهم المليئ بالأشياة الحلوة والمرة التي لايمكن آن تنسى لتتحول في لحظة الراحة المؤقتة أو الاستراحة من الترحال إلى حكاية تروى،يستعيد فيها صاحبها الوجوه التي بات يفتقدها والأزمنة التي أصبحت تشكل بالنسبه اليه مصدر الشوق والحنين،حكاية تنقل من مكان إلى مكان ومن سخص إلى آخر..
قفزت إلى ذهني مثل هذه العبارة التي قرآتها منذ وقت طويل وعثرت عليها في أحد دفاتري القديمة وأنا آتهيأ للكتابة عن ماحي صديق الذي أصبح حكواتيا محترفا منذ التسعينيات،هل كانت الحرب التي عشنا نارها وأوارها وجحيمها هي من فتقت في أعماق ماحي ذلك الخيط الإبيض الذي جذبه إلى سحر الحكاية التي لم تتوقف لياليها التي تحولت من السواد إلى ألوان ستى عمرة بالحياة والرغبة الجامحة في العيش الذي يجعل من المأساة حكاية تروى، ومن التاريخ خيوطا تنسج ومن التجربة الشخصية زادت لتعددالحكاية وانبعاثها من تحت رماد الحياة اليومية القاتلة كما الطير الأسطوري الخرافي كما العنقاء !
ماحي ليس مجرد حكواتي بالنسبة إلي وحسب بل هو صديق تعودعلاقتي به إلى أكثر من ثلاثين سنة،لا أكاد أصدق أن تكون علاقتي به تمتد إلى هذه السنوات الطويلة التي تذكرنا بالماضي السحيق شبه المندثر وبالزمن وبالموت المحلق في السماء كعقبان مسرحيات كاتب ياسين القديمة وكغربان أفلام هيتشكوك العظيم...ماذا لو أردت استعادته من أيامنا الأولى لأروي حكاية الصديق الذي أصبح حكواتيا ،تروبادورا يجول في داخل البلاد من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى أخرى..أحد الصورة مستتة، متلاشية أحيانا ومكثفة في أحيان أخرى
إبن الڤرابة الذي يروي حلمه وهو يمشي
عاش ماحي طفولته في المدينة العتيقة وتسمى الڤرابة،في هذا الفضاء أتفت سيدي بلعباس حول ذكرتها وتلافيف حياتها الحميمة، قريبة من وادي ماكرُة الذي يمشي متهاديا حينا ويشتد هيجانه تارة ليتحول إلى فيضان كاسح، متمرد، متجدر ، فالع للشجر والحجر والحيوانات والأشخاص..فيضان وادي ماكرٌة أسطوري وغريب،لم يكتب عنه إلا القليل، حكاياته ظلت تروى من العجائز إلى الأحفاد، وكان ماحي من هؤلاء الأحفاد الذي تفتح ذهنه على شجرة الحكاية المتشابكة والمعقدة والمتدفقة،حيث تأخذك إلى حيث لاتدري،ولد في سيدي بلعباس العتيقة،في العام 1960 كان يفصلنا عن يوم الاستقلال عامان،لم تكن سيدي بلعباس مدينة عادية، بل كانت مدينة كولونيالية بامتياز،حولها نابليون الثالث إلى عرين اللفيف الأجنبي،جاءها العسكريون المغامرون من كل الجهات، وتدفق نحوها المعمرون من كل الأنحاء، من جنوب فرنسا، من إسبانيا، من إيطاليا، من مالطا، لكن اأيضا توجه نحوها المغاربة من سجلماسة والسود من المالي والنيجر، وكانوا يسمون بالعبيد،تحولت سيدي بلعباس إلى موزاييك حقيقي، تمازجت في بوتقته الإثنيات والقوميات والديانات والثقافات،تلاقى فيها المغامر بالمقاوم، المهجر بالرحالة،الغازي بالاجئ،لم تكن مدينة ذات جاه تاريخي برغم وجود الأثار الرومانية والبربرية في الضواحي التي تدل على أن للمدينة ذاكرة
وصل اليها الأمير المقاوم عبد القادر، كان لديه رجاله في سيدي بلعباس،كان الأمير يقاوم على أكثر من جبهة،يواجه العسكر الفرنسي من جهة والخائن المنقلب الذي رأى في أوامر الأمير تضييقا وردعا وحدا لحريته وإلحاق ضر بمصالحه
كان الطفل ماحي مسلم شديد الارتباط بوالدته التي كانت تتكلم الى جانب العربية الفرنسية والإسبانية،كان وضعهم متواضعا،يفتقر البيت إلى الإضاءة عندما يحل الليل وهنا يقول لي ماحي كانت "الأم لا تتوقف عن الرواية،تحكي بتدفق وغزارة خاصة وأن حكاياتها تكاد لا تتوقف أو تذبل،كانت بالنسبة لماحي المنهل الذي تغذى به مخياله، يتحول الليل الى كتاب مفتوح وصوت الأم لا يتوقف بل يجول بالطفل في القرى، والجبال، والبراري،ينتقل به من زمن إلى أزمنة مفتوحة تلك الحكايات يقول لي ماحي "ظلت محفورة بذاكرتي ومنقوشة في خيالي،كانت نبعث بقوة وحيوية وأنا ألتقي بجمهوري المتعدد في مدن عربية وأوروبية وجزائرية،كان صوت الأم ينبعث من تحت الطبقات السميكة التي علاها غبار الزمن المتتالي والتراكم، وغطت عليها الأيام المتناسلة"
ناس الطحطاحة
يتذكر ماحي صديق مكان طفولته الآول ومهد صباه الزاخر بالصور والوجوه يقول " كانت الطحطاحة قلب القرابة، وقلب سيدي بلعباس العتيقة التي كان يسكنها الأهالي وقت الاستعمار بينما المدينة الكلونيالية فلقد كان يقطنها الفرنسيون والاسبان والمالطيون ،عالمان متناقضان ومتصدمان، هناك في المدينة الكولونيالية،المقاهي التي تجلس على طيراساتها البنات الحسنوات والشباب الذي يتجرع الجعة، والاستيديوهات التي تنطلق منها الاغاني الشهيرة في ذلك الزمان،بينما في المدينة العتيقة حيث الطحطاحة تنتشر المقاهي العربية من مقهى الهلال إلى مقهى ولد الزين هناك كان يجلس مغنيي الراي القديم مثل الشيخ المدني صاحب الأغنية الشهيرة "يا عودي واش بيك!؟"هناك كان يلتقي الشعراء الشعبيون يتداولون قصائد الملحون،ويتبادلون الاخبار والقصص، وفي قلب الساحة المسماة طحطاحة يجلس المداح ن والڤوالون والشعراء،تنطلق الاغاني من الديسك لتنتشر في ساحة الطحطاحة"هذا العالم المليئ بالألوان والأصوات لايمكنني نسيانه" يرددعلى مسمعي،
انتقل ماحي إلى شارع ڤومبيطا، وكانت عائلته تشجعه على ممارسة الفن،فدخل حركة مسرح الهواة وهنا كان ماحي صديق من بين الممثلين الذين برزوا ولمعوا وظهرت مواهبهم بشكل قوي في التمثيل،وكانت هذه التجربة المسرحية التي ابتدأها مع فرقة مسرح الأحياء غنية وقوية أقرت روحه كما يقول "وأضفت لي تجربةًجديدة ساعدتني على مواصلة مغامرتي المسرحية في شكل فن الحكاية"كان رئيس الفرقة يدعى قادة بن شميسة، وهو نفسه انتقل بعد تجربة زاخرة في المسرح إلى فن الحكاية وقد انتقل الى عدة بلدان أوروبية،وقدم قصصا محلية وأخرى مقتبسة من التراث الفني العالمي
الحكواتي في زمن الدم والعودة إلى بشير حاج علي
كان معي وهو في ريعان الشباب يؤمن باليسار كمخرج وحلم طوباوي لكن في الوقت ذاته طل متعلقا بتاريخه السخصي والمحلي والعائلي، طل الدين عنده يأخذ تلك المكانة الحميمة في حياته الشخصية، كقصة مفتوحة على كل الامكانا ت التي تقربه من الإنسان،الدين عند ماحي ،لحظة انبثاق الكلمة والحكاية،ماحي يقرأ باستمرار ويعيد ما قرأه في حكاية يتحد فيها الشفوي بالمكتوب، الحلمي بالطيفي، التاريخي بالميتي والواقعي بالخيال،
آتذكر في الثمانينيات كنت عائدا في العطلة إلى مسقط رأسي بسيدي بلعباس، التقينا ولم نتوقف عن الكلام،حدثته وقتها عن شعراء مصريبن متمردين ومختلفين أمل دنقل ونجيب سرور،كانت كتابات ياسين وقتها تجمعنا،طلب مني نصوص نجيب سرور، حسن وبهية، كانت ملحمة حب مصرية شعبية استلهمها الشاعر في عمل شعري باهر،قرأها ماحي عشرات المرات،سكنته حتى النخاع،استلهما هو بدوره وكتبها بلغته المتدفقة الشعرية الجزائرية،كنت وقتها منجذبا إلى تجربة مسرح الممثل الوحيد "قدور البلاندي"الذي دفعني إليها مختار بوجمعة الذي بدآت ممارسة المسرح لأول مرة معه في فرقته التي كانت تسمى فرقة "الأصلي"..مختار بوجمعة كان أيضا صديقنا في تلك الفترة، كانت لديه تجربة متميزة،مختلفة ألبترحوله الكثير من سوء التفاهم والانكار، كانت أثارها عميقة على مسيرته المسرحية التي توقفت ووصلت إلى طريق مسدود للأسف،سافر إلى سوريا،قضى زمنا كعامل في ورشة الديكور بأحد المسارح بدمشق، عاد إلى الجزائر بعد خمس سنوات من الغربة، جاء محملا بالكتب والأحلام والطموحات، قدم بعض الأعمال المسرحية التجريبية ثم ابتلعته روتينية المسرح الجهوي ببلعباس والصراعات النقابية العقيمة التي أطفآت جمرته المتوقدة التي بها وعلى نورها سلكت طريق النضال والابداع الثقافي..لم يحدث لماحي ماحدث للمختار،التزم ماحي لوقت بالنضال السياسي اليساري ودافع عن الخيارات التقدمية والثقافية المرتبطة بالهوية،التقينا مجددا في العاصمة ،وكان قريبا من فرقة دبزة التي كان يمثلها سليم بن سديرة الطالب في معهد العلوم الاقتصادية والناشط في محيط اليسار التروتسكاوي ،أذكر كيف وقف الماحي بصمود يوم حاولت ادارة مهرجان مسرح الهواة بمستغانم في المنتصف الأول من الثمانينيات حظر وجود فرقة البزة بالمهرجان وذردها،ثم أذكر شجاعة ماحي في سنوات الدم،كان مع ايقاف المسار الانتخابي ومواجهة الاسلاميين، التقينا يومها في أحد شوارع سيدي بلعباس وكان نقاشنا حادا، كنت ضد ايقاف المسار وكان هو مع مساندة ايقاف المسار،كان قد انتهى من مسيرة تندد بالاسلاميين الراديكاليين،كان رفقة رفاق واصدقاء، كان رفقته صديقنا محمد شاهي الذي شجعه فيما بعد على انتهاج طريق الحكواتي،تلاسنا وتشابكنا بالكلام، وظننت آن فصلا من الصداقة قد وصل إلى نقطة النهاية بسبب السياسة،التقيت بمحمد شاهي بعد سنوات وكان قد تغير قليلا وأعاد النظر في حماسته الراديكالية، ثم مات في ذات عيد أعياد الأضحى، تحول ماحي مع الزمن المتحول الذي يترك في أعماقك الكثير من الخيبات،توصل ماحي إلى لحظة انقسعت فيها شمسه الروحية وفتحت آمامه طريقا جديدا للتآمل والالتزام الجديد المختلف يقول لي ماحي "كانت سنوات الحرب التسعينية جدرية في إعادة بناء نظرتي حول نفسي وعن العالم الذي يحيطني، كنت أروي وأعلق على ما كان يدور وقتها وأنا أجلس إلى الاصدقاء مثل محمد شاهي واحميدة العياشي وعباس الزين وجمال وفاتح ،كان جمال رفيقي في الأحاديث اليومية التي كانت تجمعنا في تلك الأيام المرعبة التي تعرض فيها الصحفيون مثل الطاهر جاووت وعمر ورتيلان واسماعيل يفصح وبختي بن عودة ومبدعون مثل عبد القادر عللولة وعز الدين مجوبي والمغني حسني ومعطوب لوناس للاغتيال،يفتح الموت والدمار أمامك أبواب أخرى تعود بك إلى نقطة البداية من اجل اعادة ترتيب كل هذه الفوضى التي تقذف بنا فجأة في تياراتها المتضاربة والمتناقضة والهائجة كعاصفة هوجاء ومجنونة"
ويضيف ماحي صديق قائلا وهو يعود الى سنوات الصخب والعنف"في ذلك الوقت صمت المسرح وساد الصمت في المباني المسرحية،واغلقت أبواب صالات الاحتفالات، وتفرقت الفرق المسرحية،منهم من مات واختفى في غياهب الصمت ومنهم من ترك البلاد هاربا بجلده،كان علي أن أجد طريقي لاحتفظ بسلطة الكلام التي كانت تعرضني يوميا الى مخاطر الموت" 
اهتدى ماحي في تلك الفترة إلى فن القول، إلى الحكواتي الذي ينقل حكايته المأساوية إلى الناس ليرويها ويقصها، استعاد فنا كان شبه منسي وملقى به في ظلام النسيان،يقول ماحي"لقد وجدت آخيرا ضالتي وسلطتي الحقيقية التي آبني بها آحلامي الجريحة واعيد من خلالها بعث قصوري التي تلاعبت بأطيافها الرياح والعواصف،لقد عثرت على كنزي المفقود، الحكاية،وكان نص الشاعر الجزائري، والمناضل اليساري بشير حاج علي الذي تعرض في السنوات الأولى التي أعقبت انقلاب 19جوان الذي قاده الكولونيل هواري بومدين ضد احمد بن بللة مصدر انبعاثه وملهمه،نص البشير يسمى "العسف"يروي بشير حاج علي التعذيب في سجون بومدين،ينقل التجربة المؤلمة التي تعرض لها المناهضون للانقلاب العسكري الذي قام به بومدين ومن بين هؤلاء المناضلين كان الشيوعيون المنتمون إلى حزب الطليعة الاشتراكي الذي كان يقوده بشير حاج علي ،صمد البشير، وحول ليليه إلى أقمار وآناشيد للصمود والآمل،،كنت التقي ماحي في تلك الفترة، انتقلت اليه شعلة البشير، ليحولها الى خطاب انساني،مدين للقهر والتعذيب،تحول ماحي معها،تخلص من سطوة الايديولوجيا واستسلم لبهجة الحكاية التي جعلت منه آكثر شفافية وإنسانية،طاف ماحي صديق بنص العسف عند الرفاق، وانتقل به إلى أماكن لم يكن ليفكر أنه يصل اليها،هي تلك القرى المنسية وسط الجبال، هي تلك الوجوه المغمورة الصامتة ولها كنز من القصص التي لم ترو بعد،وفتح نص "العسف"أمام ماحي بهجة اكتشاف مولود معمري،الكاتب الذي اشتهر بروايته "الهضبة المنسية" وقصة "الأفيون والعصا "التي اقتبست للسينما وتحصلت على عدةًجوائز وهي تروي قصة الحرب والثورة في زمن الخمسينيات
"اماشاهو"لمولود معمري كانت الباب الثاني للحكاية التي جعلت ماحي صديق يختار طريقا جديدا سينتقل به إلى فصل جديد من الحياة،حيث سيغادر مهنته الاساسية موظف في الخزينة الولائية،ينتقل من سيدي بلعباس بعد زواجه إلى مدينة بني صاف، ويتفرغ نهايئا لفن الحكواتي،يقدم بعض حكاياته في الخارج لانشر بعد آن سدت الابواب في وجهه بالجزائر،تبدأ رحلته الى مارسيليا، الى دول مغاربية في تونس، والمغرب لتفتح الابواب على مصراعيها الى بلدان أفريقية، الى دبي، الى اسبانيا،الى البرتغال،الى الاردن الى مصر الى الكونغو
"الحرب تدمر لكن تخلق الحياة من جديد"
لا آتذكر أين قرأت هذا القول، لكن على كل حال قرأته وأنا طالب في الجامعة، ربما قال أحد المعلمين الثوريين الذين تعلمت منهم الكثير،تعلمت من حياتهم الشجاعة في قول الحقيقة، والاخلاص في تأدية الرسالة التي خلقنا لأجلها آو خلقت لأجلنا حتى نعطي لحياتنا وأفعالنا معنى،ربما يكون قائلها فلاديمير اليتش لينين،صاحب الكتب التي ايقظت عقلي مثل "ما العمل"و"الدفاتر الفلسفية" و"خطوتان الى الخلف وخطوة إلى الأمام"
الحرب ليست شرا مطلقا عندما تفرض نفسها علينا أحيانا بسبب المجانين الذين يتسببون في اشعالها ،لم يكن واحد من الجزائريين يتوقعون آن الحرب كانت تنتظرهم في قارعة الطريق بعد أن تخلصوا من جثة الحزب الوحيد وفرحوا بانتفاضة أكتوبر 1988،وقتها التقيت بماحي بمقهى الصومام القريبة من بيت عائلته في شارع ڤومبيطا،كان جالسا مع صديقه الحميم أحمد مهاودي، شاعر تروبادور،عاشق للرحلات لكن رجله أعاقته عن ذلك،فاطلق لحيته وصار مثل المتصوف المحنون، دائم الرحلات بين الكتب والاسماء التي لاتريد ان تنتهي في غابة الشعراء والكتاب والمسرحيين، من كاتب ياسين ومحمد ديب ومولود معمري الى شارل بودلير ورامبو وريلكة،كان ماحي واحمد يجلسان النهار كله وهما يتحدثان بشراهة،القي القبض على أحمد مهاودي واقتيد الى مقر الاستخبارات،غداة اكتوبر وقتلت طفلة آمام آعين ماحي برصاصات طائشة غيرت من حياة ماحي صديقي،وفجرت حساسيته الشعرية بشكل عميق ومهول
وجد ماحي نفسه في مفترق الطرق بين الانسان والمثقف الملتزم سياسيا، بين الحلم الطوباوي والحقيقة الواقعية المليئة بالنتوءات السوداء، توقف أمام الالام التي أثارتها بأعماقه الحرب ليعيد اكتشاف لغة جديدة، لغة الحب ولغة الانسان،الانسان حيثما كان،الانسان بعيدا عن اللغة واللون والنتماء العرقي والقومي، الانسان بكل ابعاده ،بكل الانسانية التي تجعل منه شريكا ونظير،لا عدوا ،قريبا لا بعيدا، حميما لا غريبا
الحرب يقول لي ماحي "غيرتني، انسنت خطابي، وسعت من نظرتي الى الأشياء وعمقت من حساسيتي تجاه الالوان والاشياء والكائنات"
اصبحت الاشياء قطعة موسيقية متعددالانغام بالنسبة لماحي ،وزاد من ايقاعها،تلك المرأة التي أحبها ومنحت له سارة التي تخرجت من الجامعة، وحاج علي،الذي اطلق اسمه على بشير حاج علي،يقول لي ماحي "شكرا لك لأنك منحتني ان آتحدث عن علاقتي بزوجتي التي منحتني كل شيئ لما ارتضت ان تقاسمني زهدي، بساطتي وحياتي المتواضعة "
عندما اتصلت بماحي صديق ليروي لي بدري حكايته ،كان على آهبة السفر الى معسكر، والى مدن جزائرية أخرى ليحط به الترحال بتونس،كان قادما لتوه من مدن آخرى لينتقل الى مدن آخرى، واحداها مدينة مراكش حيث التقى بجمهوره المغربي في الساحة الاسطورية للحكاية،التي مر بها الرواة وصناع الحكايات من المغاربة والعرب الرحالة،وقد يكون منهم الرحالة الطنجاوي الاسطوري الذي لا يموت "ابن بطوطة"؟!
يرتدي ماحي لباسه التقليدي الموشح بالبياض والصفرة الجمعية المشيعة للنور الداخلي الذي يجعل من اللسان حصانا حرا،يطير،يحلق في سماء الحكايةيطلق شعره كأي راو قادم من زمن الحكاية ومدن الأوشام، يحدق في الوجوه كأي انسان متشرد عركته الحياة وحنكته الأيام والحار والعواصف،يفتح يديه وهو يتآمل السماء حيث عين الرب ترعاه، يفتح كتبا الحكاية فينتفح الجسد مثل عباءة في قلب السماء، تشرئب الاعناق، تتعدد الجنسيات، تتناسل الاصوات،تتراقص الكلمات وتهطل الصور مثل التبر من آعالي العوالم البعيدة ويشرق العالم المحكي عبر ذاك النداء العميق الذي يشدنا الى منبع الخيال والنقاء،تلك هي حكايتنا جميعا التي يرويها حكواتي تروبادور.

------------------------------------
المصدر : الحياة نت 


في مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني..تمثلات الواقع العربي لدى المسرحيين الشباب العرب

مجلة الفنون المسرحية

في مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني..تمثلات الواقع العربي لدى المسرحيين الشباب العرب

بشار عليوي 

لا يُمكن لأي مُتابع للمسرح العربي المُعاصر أن يتخطى التأثير الواضح للمسرحيين الشباب العرب، وتمظهرات هذا التأثير في إعادة صياغة المشهد المسرحي الجديد في عموم العالم العربي التي باتت تنأى بمُخرجات الحرائق المُشتعلة في هذا البلد العربي أو ذاك، واضطراب الواقع العربي العام بجميع مفاصلهِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.  

وهذا كُلهُ ألقى بظلالهِ على تفكير هؤلاء المسرحيين الذين وجدوا أنفسهم إزاء تحد كبير يتجسد في كيفية إثبات وجودهم أولاً داخل المسرح العربي، وثانياً كيفية مُقاربة الواقع الحياتي المُضطرب أصلاً والتمرد عليهِ مسرحياً، وهذا ما تمثلَ في مُجمل العروض المسرحية العربية التي شهدها (مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني للمسرح الشبابي1-8/4/2017) في مصر، فثُمةَ قواسم مُشتركة ما بين تلك العروض لعلَ أبرزها المحمولات الفكرية التي تجسدت عبرَ الوجع الذي حملهُ المسرحيون العرب الشباب ممن وجدوا في ماهية المهرجان مجالاً رئيوياً للبوح الداخلي من خلال عروضهم الصادمة فكرياً والباعثة على الدهشة جمالياً، وتُعنى هذهِ الفُسحة النقدية بثلاثةٍ منها بُغية إعطاء صورة وافية عن طبيعتها مُجتمعةً .

"شقف" ورحلة المجهول
عن فكرة للفنان الراحل "عز الدين قنون" , وهوَ من إنتاج مسرح الحمرا في تونس وأم سي سبايس كندا، تأليف وإخراج: سيرين قنون ومجدي بو مطر، تمثيل(بحري الرحالي/ ندى الحمصي/عبد المنعم شويات/ ريم الحمروني/ اسامة كشكار/ مريم دارا/ وغي اونصونصوي/ صوفيا موسى)، يتحدث العرض عن موضوعة الهجرة الغير شرعية التي تُعاني منها بُلدان أوروبا عبرَ تدفق المُهاجرين العرب والأفارقة إليها وفي العرض مجموعة مهاجرين غير شرعيين قد جمعهم قارب صغير يُبغون الهروب من بلدانهم بُغية تحقيق أحلامهم المُتجسدة في الوصول الى أرض ثانية هي ايطاليا بالتحديد بعيداً عن مآسي بُلدانهم، ولعلَّ ميزة هذا العرض الذي قُدّمَ سابقاً في افتتاح مهرجان قرطاج 2016 وعُرض بعدها ولأيام عدّة في تونس، هوَ وجود شخصيات مُتعددة من بُلدان عربية وأفريقية جسدها ممثلون شباب من تونس وسوريا ولبنان وأفريقيا، قُدمَ هذا العرض داخل قاعة الكونغرس جولي فيل في شرم الشيخ، حيثُ تُبادر كُل شخوص العرض الى سرد الوقائع اليومية التي مرت بها بأسلوب الفلاش باك، مُحاولة أستثمار وقت الرحلة الطويل والمحفوف بالمخاطر في تبيان ماهية أسباب الإقدام على رحلة الهجرة، وتميّزَ المؤدون بشكل يوحي بالتباري فيما بينهم خصوصاً وأن العرض يحوي شخوصاً تتحدث بلغتها ولهجتها الاصلية ، فضلاً عن تحميلهِ لثيمة اساسية تتمثل في أن المعاناة الانسانية واحدة في كُل زمان ومكان، لكن تبقى مُعاناة الشباب العربي هي الطاغية في بحثها عن الخلاص وتغيير الواقع نحو الأحسن، وظفَ ًصُناع العرض لعبة "القفازة" المُستخدمة في مراكز ألعاب الأطفال وتطويعها لصالح العرض عبرَ جعلها قارباً يضم هؤلاء المُهاجرين غير الشرعيين بُغية المُقاربة ما بين حركة القفازة وحركة القارب، لكن جمالية هذا التوظيف قد تم استهلاكها مع دقائق العرض الأولى عبرَ البوح بها واستمراريتها خلال العرض.

موت صالح للشرب" العراقي والمُغايرة في الطرح والإسلوب
من إنتاج نقابة المعلمين العراقيين- فرع بابل بالتعاون مع فرقة جامعة بابل للثقافة والفنون، توليف وإخراج: محمد زكي، تمثيل(حسين العكيلي/ محمد المسعودي/ محمد الدليمي/ بشار عليوي/ محمد زكي/ حسين العسكري) إشراف: د.عامر صباح المرزوك، تميّزَ هذا العرض الذي لم يسبق لهُ أن قُدّمَ في أي مكان سواء داخل أو خارج العراق، عن باقي عروض المهرجان بكونهِ من عروض(مسرح الشارع)، فكانَ مُغايراً في طرحهِ الفكري وإسلوبهِ الجمالي، وتساوقاً مع اشتراطات مسرح الشارع المُتمثلة في ذهاب المسرح الى الناس حيثما وِجدوا ضمن تجمعاتهم العشوائية في مُختلف الفضاءات (ساحات وأماكن عامة/ أسواق/ ميادين/ شوارع) بُغية طرح موضوعات آنية تستدعي اهتمامهم وتفاعلهم معها، فقد اختار القائمون على هذا العرض الساحل البحري لمدينة شرم الشيخ لتقديمهِ وفقاً لماهية موضوعهِ المُتمثل بوصول عدد من الشباب الهاربين من جحيم الحروب الاقليمية والاقتتال الداخلي والحرائق المُشتعلة حالياً في منطقتنا وتحديداً في العراق وسوريا، الى بر الأمان بعد رحلة مُميتة تسببت بمقتل باقي أقرانهم الذين كانوا معهم في رحلة الموت، ولعلَّ أبرز مُتمثلاتها، هي مأساة الطفل السوري "أيلان" الذي وظّفهُ العرض توظيفاً يُحسب لهُ حينما جعلهُ أيقونة العرض كَكُل واللافتة العريضة الشارحة لُجمل طروحاتهِ فكانت جثة الطفل ايلان المُلقاة على الشاطئ (جسدها كاتب السطور) بوصفها صورة تعقلن الملفوظ الحواري ولا تحتاج لأي تفسير، يبدأ الشبُان الناجون بالوصول الى الشاطئ الواحد تلو الآخر ويسرد كُل واحد منهم قصتهِ وقصص أقرانهِ ممن غرقوا في عرض البحر، عبر التذكير بالتراجيديا العراقية والسورية اللتين فاقتا كُل التصورات، ليعمد المؤدون الى إشراك الجمهور في اللعبة المسرحية، فنجد ثمّة تجاوبا واضحا من قبل الجمهور دلالة على إدانة موت الضمير الإنساني وعجزهِ عن إيجاد نهاية للحروب الآنية والمُستقبلية ووضع حدٍ لمأساة الشعوب لينتهي العرض الذي حاز على الإعجاب الكبير من قبل جمهور المهرجان وصنّفهُ النقاد بكونهِ نقطة تحول واضحة في مسار المهرجان، بدخول عدد من افراد الجمهور وارتدائهم الفانيلات الحمراء"ملابس الطفل ايلان" وتمددهم مع باقي الممثلين على الساحل في مشهد تضامني مع المأساة الانسانية عموماً ووجع الشباب العربي الذي يرى أن المستقبل أمامهُ في نفق مُظلم. 

"ثورة دون كيشوت" والاحتجاج على واقع الحياة التونسية
من إنتاج فرقة "كلاندستينو للانتاج المسرحي" التونسية، اعداد عن رواية "دون كيشوت" الاسبانية الشهرية للروائي (سرفانتس) أعدها وأخرجها: وليد الدغستي، تمثيل(يحيى الفايدي/ ناجي قنواتي/ أماني بلعج/ منير العماري/ منى تلمودي)، يتحدث العرض الذي سبق وأن قُدّمَ في مهرجان عشيات طقوس الاردني عام 2016 وحصل على 4 جوائز، وقُدّمَ ضمن العروض المُتنافسة على جائزة سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي في مهرجان المسرح العربي بدورتهِ العاشرة - الجزائر2017، عن كائنات في مدينة غامضة تستيقظ فجأة من رحم النفايات وتتمدد سريعاً لتفتك بالمدينة وتحتل مناطق حيوية تسيّرها حسب رغباتها  ورغم المقاومة والمعارضة الا انها تواصل تخريبها لكل تفاصيل الجمال مستعينة بشبكة معقدة من اصحاب النفوذ والمال فتعتصر المجال العام والخاص وتأسس لواقع مرعب عبرَ مُقاربة متن الرواية الأصلي وإعادة إنتاجهِ بشكل يُحاكي الواقع التونسي الحالي في استعراض لأبرز التحولات التي عاشتها تونس خلال فترة ما يُسمى بالربيع العربي وما تلاها، لم يعمدَ المُخرج "دغستي" الى استثمار كامل الفضاء المسرحي المُتاح أمامهُ وتطويعهُ لصالح مُخرجات العرض، وفَضَلَ الاتكاء على الأداء العالي والمُنضبط للمؤدين الفايدي والتلمودي وقنواتي وبلعج والعماري الذين قطعوا أشواطاً أدائية عديدة بفضل مرات تقديم العرض السابقة، ومما يُحسب لهذا العرض اشتمالهِ على مُجمل تمثلات وجع الشباب العربي تجاه مآسي بلدانهم والواقع المرير الذي يعصف بمُجتمعاتهم.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

ناجي صوراتي.. تجربة مسرحية مثيرة للجدل

مجلة الفنون المسرحية

ناجي صوراتي.. تجربة مسرحية مثيرة للجدل

نوقلا طعمة 

في ظل استمرار المخرج اللبناني ناجي صوراتي في تقديم تجاربه المسرحية -التي تحمل مقاربات ذهنية وفلسفية وتعتمد بشكل كبير على الديكور وقوة أداء الممثلين- يتواصل الجدل بشأن تجربته الفنية، حيث وصفها نقاد بأنها نخبوية، وتدخل ضمن ما يعرف بـ"مسرح الهاوية".

ولئن أطلقت عبارة "مسرح الهاوية" على عدد من التجارب المسرحية العالمية، إلا أن الوصف المتعلق بتجربة صوراتي، هي في استشعار بعض النقاد لمخاطر في العروض التي يقدمها، حيث يعبر أحيانا عن موقفه من خلال مشاهد خطرة يؤديها الممثلون على خشبة المسرح.
قوة الأداء
ويبرر صوراتي وصف الهاوية بقوله "أضع الممثل على الهاوية، فديكوراتي كبيرة ومرتفعة لستة أمتار أو ثمانية أحيانا وعلى الممثلين التدريب، وأداء مشاهدهم عليها. وهناك نار أو مياه أو حديد على المسرح. هكذا مكونات تظهر الممثل كأنه على هاوية".

ويضيف في تصريح  للجزيرة نت أن "التجربة فرضت نفسها علي منذ بداياتي قبل عشر سنوات خلت، وقد وصفتها الصحف بمسرح الهاوية، وأنا لا أميل إلى هذا التعريف".
ويؤكد صوراتي أنه "عبر نظرة أولية سطحية يبدو الخطر على الممثل حقيقيا، لكن عندما نعرف أنه خضع لتدريبات متخصصة تمكنه من مواجهة أخطار كهذه، ندرك أنه ليس في خطر حقيقي، سحر المسرح أنه يضع الإنسان بمواجهة ذاته".
وتتوافق المخرجة والممثلة عايدة صبرا في رؤيتها مع صوراتي إذ تقول إن "الممثل المدرب بشكل جيد يستطيع أن يتلاءم مع كل الوضعيات، فإذا تعرض لمواقف صعبة يعرف كيف يتلافى خطرها".
إلا أن الكاتب جاد الحاج انتقد تجربة صوراتي ويقول للجزيرة نت "صوراتي فنان وموهوب، والمسرح غير بقية الفنون، يصل إلى الناس بصورة مباشرة، وهذا ما لمسناه في مسرحيته (قاسيم عراكية)، التي تناولت فكرة الرعب، وقد وصلت كما يجب. لكنه في تجربته الأخيرة (ذرة رمل في عين الشمس) انصرف إلى هاجسه الشخصي، ونرجسيته، وغاب الهم الاجتماعي عنه".
أعمال نخبوية
وتعتبر (ذرة رمل في عين الشمس) وهي آخر أعمال صوراتي، المستوحاة من نص لإيتيل عدنان، فلسفية الأبعاد، تعالج عمى البصيرة، وتحكي قصة عالم فيزياء أصيب بالعمى، واعتقد الناس أنه أعمى نفسه بفقء عينه، ويتحدث الممثل خلال العرض مع الجمهور، ويفسر أنه لم يعم نفسه، بل أنه صار أعمى لأنه رأى أمرا ما.

ويرى صوراتي أن النص المسرحي "ليس بالضروري أن يكون حوارا، فهو يتكون من إضاءة وديكور وممثل وملابس وصوت، ومن جمل حوارية أيضا".
وتعلق صبرا على تجربة صوراتي بأنه "يعتمد على نصوص ليست مسترسلة على مستوى الحكاية، لكن من خلال المخيلة وتقنيات الإخراج والسينوغرافيا ينتج نصوصا بصرية تعتمد أكثر على التعبير الجسماني".
لكن جاد الحاج انتقد نخبوية المقاربة المسرحية لصوراتي، وصعوبة الأسئلة التي يطرحها على الجمهور وقال "المسرحي مدين بمستوى معين للمجتمع، لكن صوراتي في مسرحيته الأخيرة كان نخبويا، ولم يقدم للمشاهد ما يجيب على هواجسه وأسئلته".
في المقابل يرى صوراتي أن "هذا النمط من المسرح ليس صعبا، لكنه بالتأكيد ليس مثل مسرح القرن التاسع عشر -القصة الواحدة- الذي لا يعبر عن تطلعاتي". 
يذكر أن صوراتي درس الحقوق، ثم السينما والتلفزيون، وبعد تخرجه، اكتشف -من خلال التدريس- قوة المسرح المتمثلة بنظره في "التواصل مع الجمهور". قرر الاستمرار في المسرح والإخراج، بعد أن تابع دراسته العليا في لندن، ويعلق بقوله "تركز عملي واهتمامي على المسرح حيث أجد نفسي فيه، ومنذ أن عدت من لندن ٩٨، أنتجت مسرحية كل عام".

---------------------------------
المصدر : الجزيرة

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

مجلة الفنون المسرحية

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

باريس - نبيل مسعد 


توقع كثيرون ممن يتابعون أعمال فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الفرنسية الوطنية، أن تتغير بعض الأمور فيها إثر تولي الفنان إيريك روف إدارتها في منتصف عام ٢٠١٦، خصوصاً أن الأسلوب الذي ميز المديرة السابقة موريال مايات واجه على مدار أربع سنوات عشرات الانتقادات الحادة، خصوصاً لجهة قلة اتخاذ المبادرات الفعالة والاكتفاء بتكرار ما هو موجود مرات ومرات.
ولكن هناك ألف طريقة وطريقة للتجديد وتغيير المعايير، وتلك التي اختارها إيريك روف تدل حتى الآن على رغبة ملحة في كسر أكثر من الأسلوب الإداري الذي طالما ميز زميلته السابقة، فالمسؤول الجديد يطيح عبر الأعمال التي يقرر تقديمها على خشبة أعرق مسرح في فرنسا، كل الكلاسيكية التي يفترض وجودها في إطار فرقة كهذه استحقت مع مرور الزمن (٤٠٠ سنة) لقب «بيت موليير»، تيمناً بالكاتب الراحل جان موليير (1622-1673) الذي وضع أساسها في القرن السابع عشر، والذي دخل إلى التاريخ كواحد من أبرز المؤلفين المسرحيين في تاريخ البشرية/ حاله حال الإنكليزي وليم شكسبير.
وتأتي الكلاسيكية المكسورة بفضل إيريك روف، ليس في المسرحيات التي يقرر عرضها فحسب، ولكن أولاً من المخرجين الذين يسلمهم زمام تنفيذ هذه المسرحيات، والذين إذا تميزوا بعبقرية محددة صنعت سمعتهم في إطار المسرح الحديث، فإنهم يديرون ظهرهم في شكل كلي لما هو تقليدي ويفضلون اعتماد منحى «جنوني» في إدارة الممثلين وطريقة استخدام مساحة الخشبة والديكور والعنصر الصوتي أيضاً.
وآخر مثال على ذلك، يتلخص في دعوة إيريك روف المخرجة المسرحية البرازيلية كريستيان جاهارتي إلى تقديم مسرحية مقتبسة عن الفيلم الفرنسي الكبير والمعروف عالمياً والذي يدرس في معاهد السينما حتى في الولايات المتحدة الأميركية «قاعدة اللعبة» La Règle du jeu، من إخراج جان رونوار في مطلع الأربعينات من القرن العشرين. والفيلم معروف بالنظرة القاتمة التي يلقيها مؤلفه على المجتمع البورجوازي الفرنسي الذي يعيش الحرب العالمية الثانية من دون أن يدرك أنه يشهد نهاية عالم سيبتلعه الظلام.
ولم تعثر كريستيان جاهارتي على طريقة لتفتتح مسرحيتها سوى تكريسها نصف ساعة لعرض فيلم سينمائي في قاعة مسرح «لا كوميدي فرانسيز» على شاشة ضخمة، هو مجّرد إعادة بأسلوب فني حديث للفيلم الأصلي «قاعدة اللعبة» وبممثلين جدد هم أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذين سيظهرون عقب الفترة المذكورة فوق الخشبة وكأنهم قفزوا من الخيال السينمائي إلى الواقع المسرحي، أمام الجمهور في الصالة.
ولكن ما فائدة هذا الفيلم أو هذه المقدمة السينمائية بمعنى أصح، إذا علمنا أن المتفرج الباحث عن «قاعدة اللعبة» في حلته السينمائية يقدر على مشاهدته أينما شاء في الصالات بما أنه لا يزال يُعرض في نواد السينما، أو بواسطة الوسائل الحديثة المتوافرة؟ وعندما يتحول العرض في ما بعد إلى عمل مسرحي بحت، يروح يروي أحداث العولمة التي تعيشها المجتمعات حالياً ساعياً إلى العثور فيها على البؤس البشري الذي طالما واجهه العالم في أيام تنفيذ فيلم رونوار.
ويغادر المتفرج قاعة «لا كوميدي فرانسيز» من دون أن يدرك ما الذي حدث على مدار ساعتين كاملتين، وماذا كانت الحبكة، ولماذا حل الصوت العالي إلى درجة قتله كل ما قد يشبه الانفعال، مكان الحوار العادي الذي يسمح بحسن إدراك المعاني. ويسأل المشاهد ما علاقة التحفة السينمائية «قاعدة اللعبة» بالمهزلة التي يسمح إيريك روف بعرضها في المسرح الذي يديره والتي لا يتذكر المتفرج من حسناتها في النهاية إلا فرقة الممثلين البارعين المظلومين، وعلى رأسهم المغربية الجذور سوليان إبراهيم.

--------------------------------
المصدر : الحياة 

مسرحية "الثلث الخالي" للمسرح الجهوي للعلمة في مهرجان للمسرح العربي بالقاهرة

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

باريس - نبيل مسعد 


كان الموسم المسرحي 2015 - 2016 فوق خشبة «لا كوميدي فرانسيز» (المسرح الوطني الفرنسي) قد شهد عرض أحد أنجح الأعمال التي قدمتها هذه الفرقة في السنوات الخمس السابقة، وهو «لوكريس بورجيا»، المسرحية التي ألفها الأديب الفرنسي الراحل فيكتور هوغو والتي اختار المخرج دوني بوداليديس أن يقدمها في حلة استثنائية بعيدة كلياً عن الكلاسيكية التي عادة ما تميز مؤلفات هوغو.
وأتت الهامشية من وراء قرار بوداليديس منح دور بطلة المسرحية لوكريس بورجيا وهي امرأة صاحبة نفوذ تُمارس الديكتاتورية في كل مجالات حياتها، متجاهلة إنسانيتها ومستعدة لارتكاب أبشع الجرائم حتى في حق أقرب المقربين إليها، إلى الممثل غيوم غاليين بينما أسندَ شخصية الأمير الشاب دي جينارو إلى الممثلة المغربية الجذور سوليان إبراهيم.
وفور الإعلان عن الحدث، حجزت الأماكن لستة شهور مقبلة في أقل من أسبوع من تاريخ طرحها للبيع. وانقسمت الآراء حيال أداء غيوم غاليين لشخصية بورجيا واضعاً جانبه الذكوري القاسي في مقدم الساحة، وإن كان قد ارتدى ملابس نسائية، فجسّد امرأة مجرّدة من أدنى درجات الأنوثة أو مشاعر الأمومة.
كما تساءل الجمهور عن طريقة تمثيل سوليان إبراهيم الناعمة دور الأمير دي جينارو. وأبدت الغالبية رضاها عن مبادرة المخرج بوداليديس معتبرة إياها في محلها بل أكثر من ذلك، بما أنها شكلت خطوة جريئة للغاية في مسار فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذي تميزه الكلاسيكية. وهناك فئة ثانية رأت في الحكاية حيلة دعائية هدفت إلى تحقيق «تقليعة» غير جديرة بسمعة الفرقة الوطنية أو مكانتها لا أكثر ولا أقل.
حققت المسرحية نجاحاً لافتاً، ولكن بعد تولي الفنان إيريك روف مسؤولية إدارة الفرقة أخيراً، استدعى المخرج دوني بوداليديس لإبلاغه بضرورة إعادة تقديم المسرحية، شرط إستاد الدور النسائي إلى لسيدة والدور الذكوري إلى رجل، على أن يبقى هو المخرج.
وبرر روف موقفه بحجة بسيطة لا تتعدى كون فيكتور هوغو من أكثر المؤلفين تقليدية ورومانسية في كتاباته وأن أبسط الواجبات تجاهه تستدعي الحفاظ على هذه المقومات والامتناع عن المساس بها.
وافق بوداليديس على إقتراح، بل على أمر رئيسه، وراح يعيد إخراج «لوكريس بورجيا» من الألف إلى الياء مختاراً هذه المرة الممثلة إلزا لوبوافر لأداء شخصية بورجيا، ومن ثم الممثل الشاب الداخل حديثاً إلى الفرقة الوطنية غاييل كاميليندي لتقمص الأمير دي جينارو.
وبدأت العروض الجديدة المستمرة حتى نهاية أيار (مايو) المقبل، وهي تلاقي بدورها رواجاً. غير أن البعــض يعـــتبر إلزا لوبــــوافر أكثر خــشونة من غيوم غاليين، وغاييل كاميـــليندي أكثر نــعومة من سوليان إبراهيم، بمعنى أن العرض خسر في نظر هؤلاء من قوته في ما يتعلق بتسليط الضوء على الخيط الرفيع الذي يفرق بين جنس وآخر.

--------------------------------------------
المصدر : الحياة 


مسرحية "دولة السرافة " تجسد حقيقة وحشية داعش من خلال المسرح

مسرحية " محاكمة صلاح الدين الايوبى " تأليف احمد ابراهيم الدسوقى

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption