أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 22 مايو 2017

الفرقة الوطنية للفنون الشعبية العراقية تأريخ – ألق – مسيرة

مجلة الفنون المسرحية

الفرقة الوطنية للفنون الشعبية العراقية 
تأريخ – ألق – مسيرة

عبد العليم البناء 

ازدان المشهد الثقافي والفني العراقي ، بالكثير من العطاءات والابداعت المميزة ، التي منذ انبثاقها بقيت راسخة معطاءة صامدة ، بوجه كل التحولات السلبية التي شهدها العراق ، عبر حقب زمنية مختلفة خيمت عليها اضطرابات ، وحروب ، وحصارات ، وانفلاتات امنية ، وهجمات ظلامية سوداء . 
وكانت (الفرقة القومية للفنون الشعبية) ، التابعة لدائرة السينما والمسرح ، التي أصبح اسمها بعد التغيير الحاسم في نيسان 2003 ، (الفرقة الوطنية للفنون الشعبية) ، دون مبرر معقول على الاطلاق ، وجاء لاسباب سياسية بحتة ، بعيدة عن أي مبررات تتعلق بالابداع ، أو بـتأريخ الفرقة العريق والطويل الذي عرفت به ، حيث كان الهدف من تأسيس وانبثاق هذه الفرقة في الاول من آذار 1971 ، والذي تزامن مع حلول الربيع ، نشر وتعميق الفنون الشعبية العراقية ، وتوفير المتعة بأسلوب رفيع وهادف داخل وخارج العراق ، لتنافس ، إن لم تكن بمستوى ، كثير من الفرق النظيرة عربيا ودوليا.
ولعل هذه الفرقة ،هي الوحيدة من بين الفرق الفنية العراقية، التي لم يتم توثيق مسيرتها وعطاءاتها ، التي شعت في فضاءات العراق وكثير من البلدان العربية والاجنبية ، فضلا عن مئات المهرجانات والملتقيات والمحافل والاسابيع الثقافية العراقية والعربية والدولية، وكانت ، ومازالت ، بحاجة ماسة الى التعريف والتوثيق لهذا السفر الابداعي الفريد من نوعه ، وعرض تأريخ هذه الفرقة التي استطاعت أن تقدم ،على طبق من ذهب، لوحات ورقصات شعبية وفولكلورية عراقية أصيلة ، مأخوذة من التراث الشعبي والفولكلوري الزاخر ، من مختلف مناطق العراق ، وتعكس فسيفساء مكوناته المتآخية كافة، وكل صناع هذه الابداعات الاصيلة من مصمممين ، وراقصين وراقصات ، وموسيقيين ، وتقنيين ، واداريين ، فباتت السفير الإبداعي الأول للعراق امام العالم .
والحمد لله أن هذا الهدف التوثيقي المهم قد تحقق ، وبإشراف فني مباشر من الفنان فؤاد ذنون المدير الفني للفرقة ،على يدي الباحث الدكتور عبد الحسين علوان ، ابن الفرقة البار وأحد أهم الذين واكبوا مسيرتها ، منذ تأسيسها حيث انبثقت لتكون بديلا نوعيا ، لفرقة الرشيد للفنون الشعبية ، التي سبقتها من حيث الزمن ، ولكنها لم ترق الى ماحققته هذه الفرقة ، من نجاحات واختراقات ابداعية رصينة يشهد لها القاصي والداني ، والحمد لله أنني كنت شاهدا ، بل مروجا فاعلا لكثير من هذه النجاحات والاختراقات ، منذ زاولت مهمتي مديرا لاعلام دائرة السينما والمسرح ، في الحادي عشر من آيار عام 1978 ، أي منذ ما يقرب من أربعة عقود.
إن هذا الهدف قد تحقق عبر كتاب (الفرقة الوطنية للفنون الشعبية العراقية تأريخ – ألق – مسيرة ..دراسة توثيقية1971- 2015) ، ومن إعداد الدكتور عبد الحسين علوان ، والاشراف الفني للفنان فؤاد ذنون ، كما ذكرنا آنفا ، والصادر من دائرة من دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة والسياحة والاثار، وتمت طباعته في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة ، بمائة وثلاثين صفحة من القطع الكبير ، ليكون بحق دراسة توثيقية شاملة لتأريخ هذه الفرقة ، وتألق مسيرتها في الداخل والخارج، حيث استطاع المعد ، وهو العارف بكل حيثيات التأسيس والمسيرة الرائعة للفرقة ، أن يقدم معلومات شاملة ودقيقة عن جميع أركان ومفاصل العمل في الفرقة ، فضلا عن جميع الذين عملوا فيها من اداريين ، ومدربين اجانب وعراقيين وعرب ، أمثال : قمر خانم ، واناتولي ،ورشيديان فارتكيس، ، من الاتحاد السوفيتي المنحل ، والكوريان الشمليان كيم صوند ومستر يو، واللبناني جوزيف خوري ، وصولا الى العراقيين :حسن سعدون ، وسلمان محمد ومحمد عبد الله ، وهناء عبد الله ، ونورالدين جاسم ، وريتا جون ، وناهدة علي ، وفؤاد ذنون وغيرهم ، ناهيك عن ملاكاتها من الموسيقيين والراقصين والراقصات ، اضافة الى الذين تولوا ادارتها ، وكان اولهم الفنان الراحل فوزي مهدي ، مرورا بآخرين كان من ضمنهم الفنان الكبير قاسم الملاك ، وصولا الى الفنان المبدع فؤاد ذنون ، ابن الفرقة البار الذي شهد ولادتها وبقي وفيا لها ولتأريخها ، ومقاتلا قتال الابطال ، من اجل الحفاظ عليها وعلى سمعتها ومسيرتها وعطاءاتها الخلاقة ، داخل وخارج العراق ، وتصميم العشرات من لوحاتها والاوبريتات التي قدمتها ، في مختلف المناسبات والمراحل التي مرت بها الفرقة وفي مختلف الظروف .
لقد ازدان الكتاب ، اضافة الى المراحل التي مرت بها الفرقة من العام 1971 ولغاية العام 2015، بلائحة شاملة عن جميع اعمال الفرقة ومصمميها ومدربيها ، والعديد من الصور لنخبة واسعة من هذه الاعمال ، والمشاركات التي حققتها الفرقة في عديد المهرجانات العراقية العربية والدولية ، والجوائز التي حصدتها ليكون هذا الكتاب مفخرة للفرقة ، ولكل الذين عملوا فيها ،ولكل الذين واكبوها ،وللفن العراقي وتراثه الشعبي الاصيل.

مسرح المقهورين.. أفق متعدد ولا نهائي لمقترحات جديدة

مجلة الفنون المسرحية

مسرح المقهورين.. أفق متعدد ولا نهائي لمقترحات جديدة 

 نورا أمين

في عام 1997م قابلتُ المسرحي والبطل الشعبي البرازيلي أوغستو بوال للمرة الأولى في مصر. كنتُ قد انتهيت لتوّي من ترجمة كتابه «قوس قزح الرغبة» الذي نُشر في إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي تحت عنوان: «منهج أوغستو بوال المسرحي» (تفاديًا طبعًا لكلمة «الرغبة»). كنت أعمل وقتها معيدة بأكاديمية الفنون بالقاهرة، ومترجمة، وكذلك كاتبة وممثلة ومخرجة مسرحية. تفتحت عيناي على عالم مختلف من المسرح عندما قمت بترجمة إحدى تقنيات منهج مسرح المقهورين، ثم تفتح ذهني على عالم كامل من الفعل المسرحي في علاقته بالتغيير عندما تحدثت إلى بوال وجهًا لوجه.

كنت وقتها غارقة في المسرح الجمالي الذي كنت أتمنى تدريجيًّا أن أفتتح فيه فصلًا جديدًا من التجريب على التعبير الجسدي، ومن ثم دمج خبراتي كراقصة ومصممة رقص مع خبراتي كممثلة وكاتبة من أجل الوصول إلى لغة تعبيرية قادرة على فضح المسكوت عنه من قهر وقمع وحرمان. كنت على دراية كاملة بأنني أريد أن أغوص في حقل ألغام القهر، وأنني أسعى لخلق منظومة جمالية ومعرفية جديدة قادرة على مواكبة جيل التسعينيات وفكره المستقل ومنتجه الثقافي المتمرد. لكنني لم أدرك بتاتًا أن هناك مجالًا كاملًا مرتبطًا بذلك السعي إلا أنه خارج العالم الجمالي والمعرفي للمسرح المغلق، وقد كان مسرح المقهورين الذي أكمل دائرة مسعاي من خلال تعريفي بالبعد السياسي والتفاعلي والتربوي للمسرح من أجل التغيير.

دمج المسرح في عمليات التغيير

نشأت بيننا صداقة رائعة. سافرت في عام 2003م إلى البرازيل، بمنحة من اليونسكو لشباب الفنانين للتدرب في مركز مسرح المقهورين بريو دي جانيرو، وعلى يد المعلم أوغستو بوال شخصيًّا وفريقه. كنت حينئذ قد أسست فرقتي «لاموزيكا المسرحية المستقلة» وقدمت عدة عروض وسافرت إلى مختلف أنحاء العالم، لكن زيارة البرازيل بالنسبة لي كانت نقلة كيفية في نظرتي للعالم ولمصر ولكيفية دمج المسرح في عمليات التغيير الاجتماعي والسياسي. لقد رأيت البرازيل قرينة لمصر، رأيت تاريخًا من القهر والحكم الدكتاتوري الشمولي، ومن التمرد والثورة والنصر. رأيت «بوال» البطل الشعبي الذي ناضل واعتُقِلَ وعُذِّب في السبعينيات، ثم نُفِيَ عوضًا عن الإعدام؛ كي يعود ويساهم مع باولو فريري في تحرير ذهنية المواطن المقهور وإعادة تدريبه وتأهيله تربويًّا من خلال المسرح، ليتحرر من ذهنية القهر ومنظومته، فلا يعيد إنتاج النظام نفسه مرة ثانية.

يقوم منهج مسرح المقهورين على خمس تقنيات أساسية: مسرح الصورة، ومسرح الجريدة، والمسرح الخفي، ومسرح المنتدى، والمسرح التشريعي. وكلها تقنيات تعمل على دمج المُتفرِّج ليصبح فاعلًا بدرجة أو بأخرى، ولكي يتحول العرض المسرحي إلى فعل قابل للتحول كل مرة حسب تدخلات المُتفرج، حيث يصبح المنبر المسرحي ساحة للنقد، ومساحة للتفاعل الحي مع المتفرج. وبهذا المعنى تُعَدّ التقنيتان الأخيرتان أكثرها تفاعلية. في تجربة أوغستو بوال المُنظِّر المسرحي والناشط السياسي، نجد أن المواطن المقهور، الذي عاش طويلًا في منظومة القهر الفكرية، لا يكفيه أن يتحرر بعزل النظام الدكتاتوري أو بتبديل رأسه؛ لأن هذا المواطن نفسه كفيل بإعادة إنتاج هذه المنظومة حيث إنه لا يعرف غيرها، ولأنها قد تحولت إلى نمط فكري تلقائي لديه. لذلك ينبغي مد الثورة ليس من خلال الفعل السياسي وحسب، إنما من خلال الفعل الثقافي والتعليمي والاجتماعي، أي من خلال ابتكار منظومة تربوية متكاملة تستطيع إنتاج ذهنية جديدة للمواطن، تضمن المشاركة الديمقراطية والعدل والمساواة والحرية.

حاولتُ مرارًا وتكرارًا أن أنفّذ ما تعلمته في مصر، فقمت بالتدريب في ورش عدة ناجحة جدًّا بالتعاون مع جمعيات أهلية فاعلة، إلا أن حلمي بالنزول للشارع ولقاء الجماهير بحرية وتلقائية لم يتحقق على مدار ثلاث سنوات من 2008م إلى 2010م. كنت أرى أن مسرح المنتدى لا يكفيه مطلقًا الوجود داخل الأبنية، بل يجب تحريره ليتخذ موقعه في الشوارع، والميادين، والحدائق، وأفنية المدارس، ومراكز الشباب، والنوادي الرياضية والاجتماعية. كنت أرى أننا هكذا سوف ندخل فعليًّا في إطار المسرح من أجل التغيير، حيث المنبر المسرحي يتخذ موقعه في الحقل العام، ويتحول منتدى للفعل الديمقراطي وللمشاركة. وكان مهمًّا جدًّا بالنسبة لي أن يتم الفعل المسرحي كإعلان وشهادة عن أحقية المواطن في التعبير والمشاركة الفعالة في التعامل مع قهره، ولو كانت تلك المشاركة بمنزلة تدريب عملي على التغيير الحقيقي، فقد قال بوال: إن المسرح ليس هو الثورة الحقيقية مهما اقترحنا من تغييرات ثورية، إنه فقط بروفة على الثورة. كان المسرح المصري لعقود عديدة، وقبل مبادرات المسرح المستقل والشبابي، مسرحًا قائمًا على المنظومة المعرفية والفكرية ذاتها التي يتبناها النظام الحاكم والمجتمع التقليدي. لقد كان مسرحًا متبنيًّا في معظم الأحوال لأفكار الطبقية المعرفية حيث المعرفة تأتي من خشبة المسرح وترسل إلى الجمهور، وحيث القسمة والفصل واضحان جغرافيًّا ومعرفيًّا بين خشبة المسرح ومقاعد المتفرجين، وحيث يجب الحفاظ على جميع وجوه النفاق الاجتماعي من خلال إعادة إنتاجه داخل المنظومة المسرحية والأداء المسرحي. ظهر المسرح كثيرًا كبوق للسلطة ولأيديولوجية النظام الحاكم ولتمجيد الحاكم الفرد البطل على غرار ثقافتنا الفرعونية. وظهرت مواضعاته الجمالية والفنية لتُرسي التمييز في المواطنين بين منتج للثقافة وصاحب الكلمة العليا وبين القطيع المتلقي السلبي الصامت. في هذا السياق كانت «المشاركة» تُعَدّ كسرًا للتقاليد البرجوازية العتيقة وخروجًا عن شفرة الاتفاق الجمعي والمجتمعي.

ممارسات مستبدة

مع إسهامات جيل التسعينيات في الثقافة والتغيير، ومع نشوء العديد من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والهادفة، وبسبب تراكم الممارسات المستبدة وتحولات الفكر الفردي الشبابي بالتزامن مع أحداث مجتمعية وسياسية فادحة، دخلت مصر الألفية الثالثة وهي مستعدة للتغيير. بيد أن النظام السياسي القامع كان المعطِّل الأول وليس الشعب ذاته. كانت مصر محكومة بقانون الطوارئ، وكانت عروض الشارع ممنوعة أمنيًّا ومجرد سراب. وكان ذلك تحديدًا هو السراب الذي عِشتُه مع حلمي بمسرح المقهورين المصري وصولًا إلى ثورة 25 يناير عام 2011م. كان على «المشروع المصري لمسرح المقهورين» (الذي يتكون اليوم من ست مئة ناشط، ينتمون لنحو ثلاثين مدينة مصرية تغطي معظم محافظات مصر) أن ينتظر أعوامًا كي يولد في خضم الثورة المصرية. حقًّا لم يكن من المعقول تحت النظام المستبد أن يولد وأن يجوب الشوارع والميادين والمحافظات والمدن بطول مصر وعرضها. وكانت فكرة المشاركة التفاعلية ووضع المسرح داخل المجال العام المفتوح في حد ذاتها فكرة ثورية معارضة، تفتقد إلى لحظة سياسية وثورية ووطنية كي تحتضنها وتُيسِّر لها طريقها، وقد كان.
البرازيلي أوغستو بوال في عروضه المسرحية 

في خريف عام 2011م قمتُ بإطلاق «المشروع المصري لمسرح المقهورين» بعد أكثر من عامين على وفاة معلمي أوغستو بوال ودفعه لي كي لا أستريح قبل تحقيق الحلم، ذلك الحلم الذي استوحيته من تجربة البرازيل، وكان بوال نفسه مُلهِمًا لي كي أقتفي خطواته. بدأت بتدريب مجموعة من الناشطين في مدينة الإسكندرية كي يتحوّلوا بدورهم تدريجيًّا إلى مساعدين لي في التدريب، ثم مدربين. كانت خطتي أن أخلق شبكة وطنية كاملة من ممارسي مسرح المنتدى بحيث تكون كل مدينة أو محافظة لديها مجموعة محلية قادرة على تقديم عروض لمسرح المنتدى بل تدريب أفراد إضافيين للانضمام لها، ومن ثم التواصل مع بقية الوحدات والمجموعات والتجوال بالداخل. هكذا رأيت أنه يمكن خلق حركة مسرحية من أجل التغيير وخارج مركزية القاهرة. كان الشعب المصري قد خرج بكامله وثار وقام بالتغيير. كانت الشوارع والميادين قد عادت إلى المواطنين المصريين بعد أن كانت حكرًا على الدولة والحكومة. كانت جموع المصريين كتلة واحدة منسجمة ومدركة لقوتها. كانت لحظة المواطنة والديمقراطية بامتياز. وكان المواطنون قد استعدوا لجميع أنواع المشاركة، ولكسر أنماط الفصل والتمييز والقهر. أصبح المجال العام مفتوحًا للفن وللممارسات التفاعلية من مسرح وغناء وموسيقا وغرافيتي. وكان ذلك هو الميلاد الذي يليق بالحلم. يتميز مسرح المنتدى عن غيره من أنماط المسرح الشعبي ومسرح الشارع، بأنه يتعامل مباشرة وتحديدًا مع قضايا القهر، وبأنه مُعَدّ خِصِّيصى ليس للفرجة ولا للترفيه والتسلية، إنما للتأثير في حياتنا وقضايانا اليومية ووعينا وفكرنا بحيث نعيش واقعًا أفضل. هو مسرح يعرض مشاهد بسيطة جدًّا عن قهر ما، لكنه قهر حقيقي ملموس من واقع المتفرجين، إلا أنه لا يتوقف عند ذلك، فهو يفتح المنبر للمتفرج – الفاعل كي يسهم ويشارك في العرض من خلال اقتراح تصرفات لمواجهة القهر الحادث بتغييره أو تفاديه أو تحجيمه. هكذا يقود «الجوكر» (مُيَسِّر الأمسية المسرحية) إلى حوار ونقاش مع الجمهور حتى يظهر متفرج متطوع بفكرة، وهنا يصر الجوكر على أنه لا يمكن اختبار الفكرة بسردها، بل ينبغي اختبارها بتطبيقها عمليًّا أي بالصعود بين الممثلين، وتجريب الفكرة محلّ الاقتراح داخل المشهد. ثم يختار المتفرج إحدى الشخصيات المقهورة أو الحليفة للمقهور كي يحل محلها حيث يرى أنها أنسب الشخصيات للقيام بتلك الفكرة، ويختار لحظة محددة من الموقف المسرحي. وبالفعل يرتدي أحد إكسسوارات الشخصية، ويترك الممثلُ مكانَه لهذا المتفرج. ولا مجال بالطبع لأن يحل المتفرج محل القاهر لأنه من غير المنطقي أن يقوم القاهر بالحل وهو صاحب المصلحة الأولى في القهر، كما يتعين على جميع المشاركين احترام أساسيات المنهج بعدم اقتراح حلول غيبية أو خرافية، أو حلول فاسدة قائمة على التحايل والكذب والرشوة بجميع أنواعها، أو حلول عنيفة عدوانية تستخدم العدوان الجسدي الذي يزيد من دائرة القهر ويحيل حتى المقهور إلى قاهر.

الارتجال الفوري
البرازيلي أوغستو بوال

بينما يحاول المتفرج الارتجال الفوري يكون بالفعل قد بدأ تدريبه الذهني على التغيير، فقد كسر نمط اللامبالاة والسلبية والاقتناع باستحالة التغيير؛ كي يتبنى ذهنية الإيجابية والتفكير الحر، والنقد الذاتي، والإيمان بالإرادة وبالكرامة الإنسانية. وفوق هذا وذاك، أصبح هذا المتفرج فاعلًا، ولو فعلًا رمزيًّا مؤقتًا، بحيث أنه عندما يواجه موقفًا مماثلًا في المستقبل سوف يتمكن من تبني ذهنية الفعل مرة أخرى. ولا ينبغي أن ننسى أن كل ذلك يتم في العلن وأمام الجمهور وفي المجال العام المفتوح، ومن ثم يصبح المتفرج ذاته مساهمًا في المجال العام بأفكاره الخاصة، ويشهد على ذلك أقرانه من المتفرجين الذين يدركون تدريجيًّا تحول الأمسية المسرحية إلى تدريب مفتوح ومشاركة ديمقراطية تعيد لهم أصواتهم، وتبني من جديد الحيز العام وعلاقات المواطنة.

ربما ما يقترحه المتفرج لا يؤدي إلى الخروج، ولو قليلًا، من موقف القهر، إلا أن المحاولة هي الهدف، ليس الهدف هو حل القهر وإلا لانتهى العرض سريعًا، وذهبنا جميعنا إلى بيوتنا. بل الهدف هو الوصول إلى تلك المحاولة مرارًا وتكرارًا، وفتح أفق متعدد ولا نهائي لمقترحات جديدة. وفي هذا الصدد ينبغي أن نعرف أن ممثلي أو ممارسي مسرح المنتدى يتدربون جيدًا على تقنيات منهجية محددة وضعها أوغستو بوال كي يتمكنوا من الارتجال الفوري مع المتفرج حال اقتراحه سيناريو مختلفًا لمسار الأحداث. هي تقنيات ممنهجة جميعها تساعد الممثل على فهم فلسفة القهر ومبادئ منهج مسرح المقهورين بحرفية عالية؛ كي يرتجل من هذا الإطار فلا يكسر المنهج، وبالتالي يدفع بالمتفرج إلى عكس الهدف من الحلم.


------------------------------------------
المصدر : الفيصل 

المسرح البرازيلي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

المسرح البرازيلي المعاصر 

ملك مصطفى



 رحلة روميو و جولييت في شوارع مريرة

في الأيام الأخيرة شهدت العاصمة الإسبانية نشاطاً متميزاً قادم من القارة الأمريكية الجنوبية؛ ومن بين ما أتيح لنا رؤيته  و قراءة ما كتب عنه ، عرضين مسرحيين للمسرح البرازيلي الحديث ورغم إنهما تناولا موضوعين مختلفين تماماً في الرؤية أو في التقنيات المتاحة ،فقد كانا ممثلين جيدين لمسرح نفتقد لمثله ،بل إن العالم العربي على قطيعة مع نتاجاته، هذا مع العلم إن هناك وشائح ورؤى متشابهة ما بين المجتمعين وطريقة التفكير أو العمل الذي يخلق عادة بإمكانيات بسيطة تقترن أغلبها بتجارب شبابية وبمستويات عروض تنتمي لما يطلق عليه بمسرح الفرجة أو مسرح الفكرة الفقير.

العرض الأول الذي حمل عنوان “الشارع المرير” فإنه طرح بحلة جديدة عن حياة المسيح، ولعلها خطوة مكملة لطروحات سينمائية سابقة إعتمدت المعالجة الحرة و غير المتكلفة في النظر لإنسان صنع عالمه وإقترن بفكرة اللقاء الرباني. مع الشارع المرير فإننا سننتقل بتفاصيل حياة النبي ،مشاهد حياتية أولية تمر على الخشبة سريعة مفعمة بإضاءة بسيطة  كانت تبتعد قدر الأمكان عن أن تكون مهرجانية باذخة لمنح الشخصية بعدها الإنساني القريب من الأرض البشرية. وهذا التتابع سيطول مع فكرة صلبه التي تتحول إلى نشيد مفعم بالأصوات المتداخلة في رثائه تتخللها العديد من الأغاني الشعبية البرازيلية والموسيقى التراثية والحديثة منها على وجه الخصوص، إذ تبلغ قمتها في البروز وإظهار قسمات حلة العرض وتفاصيله التي ستختم مع بعثه وإلتقائه بشخوص المسرحية في نشيد طويل ومتتابع مع نزول الستار مما يوحي بصلة الرحلة مع رحلة أي إنسان آخر . إن هذا النص هو إعادة لفكرة كتبها المؤلف إدواردو غاريدو مع بداية القرن وكانت بعنوان شهيد كلافاريو، وما حاول عمله المخرج غابرييل بييلا هو تعميق الجانب الرثائي فيه، مركزاً على بعده الدرامي من خلال حشود الأصوات الأوبرالية والغناء الإيحائي المستل من القراءات الكنائسية الزنجية. من هذا كان الجانب السينوغرافي أكثر حيوية من خلال التمازج الكلي لما ذكرنا مع الألوان والأضوية التي كانت توحي بإحدى إحتفاليات أعياد الميلاد حقيقةً. ولكن ما بين الحس الميلودرامي للعرض، كان هناك خيط خفي من التأمل والبِشر وهو ما أوضحه المخرج قائلاً بأن الفكرة كانت في الأساس ليست إحتفالية عزائية بشخص المسيح فحسب، بقدر ما هو تأكيد على السمة البرازيلية الخالصة، ودعماً لإظهار ثقافتها وتراثها الشعبي المتعلق بمسألة الدين ونظرتها للمقدس والشخوص اللاهوتية. لقد كانت مسرحية: الشارع المرير بحق نوع من التأثير السمعبصري الذي عبر عنه النص من خلال الوصول للمتفرج عن طريق الحركة والتمثيل العفوي المباشر وكأنها طريقة كسب لكائن آخر يسير معك في الشارع وتنتقل له عدوى الفرح أو الحزن والمشاركة بواسطة الحث والفرجة الممكنة و التي لا تبني سلماتها التوضيحية من فكرة غامضة فتقع أسيرة المداورة والتلكؤ. لقد حازت المسرحية سواء في البرازيل أو مهرجانات عالمية أخرى على عدة جوائز مثل: ريو دي جانيرو ، شارب لأفضل عرض لعام 1998 وجائزتي موليير و شيل .

أما عرض ” روميو وجولييت” للفرقة ذاتها فإنها تصريح حب وتعلق بأفكار العبقري الإنكليزي شكسبير وهي في آن واحد لفنان شعبي برازيلي يدعى مامبيمبي الذي كان يتخذ من الشارع قاعدة لمسرحه الذي يلقيه بدون تحضير وعلى مسمع الناس دون أي تأثيرات أخرى، الحركة والصوت مع الإيماءة والتدخل والمحاورة مع الناس. ولعل فكرة العرض قد جاءت من كون روميو وجولييت لشكسبير معروفة على نطاق عالمي مما سيتيح لها فرصة النجاح والمشاركة ضمن هذا النمط من المسرح. ولكنه يبقى كذلك عرضاً خالصاً لا علاقة لشكسبير ومسرحيته الذائعة الصيت بالعرض البرازيلي هذا، فقد إعتمد فكرة الهجر والظروف التي تتدخل في عدم إلتقاء الحبيبين ولكن من وجهة نظر شعبية خالصة، أي بمعنى آخر تجريد النص وإحالته إلى نمط فرجة برازيلية شعبية، تتحاور مفاصله مع كل عناصر الشارع البرازيلي من غناء ورقص وطرق تكوينه.

وطالما كانت فكرة النص تعتمد تراجيديا العشق، التحرر والموت الذي سيكون نهاية لقدر الشابين، فإن الفرقة وجدت في الحركة السيركية ومظاهرها الإحتفالية رقعة لتباري الشابين في الدفاع عن أحقية الحب في التواصل والإستمرار. التجديد في النص إنما ينبع تماماً من فكرة فهم فريق العمل للحكاية برمتها على كونها مباراة إظهار لقدرة البشر أي كان على الصمود ومعرفة حقه في التصريح، لذا لم تلتزم أية شخصية بمقياس ثابت لدورها فهي متنقلة ومتغيرة وفقاً للظرف ذاته ولرد فعل المتفرج والشريك معاً. إن الروح المتحررة لنص شكسبير في الوصول لغايته،قد حققت فعلها مصحوبة بدهشة وإنفعال لهذا الزخم من الأفكار والملامسة الواقعية لمعضلة الحب والموت ومعالجتها ببساطة غنية وتجديدية في كل شيء من الإيماءات إلى الملابس ، بل حتى في حركة المتفرج ضمن ساحة شاسعة مفتوحة ومجردة من قيودها هي الأخرى كحال العرض تماماً. إن هذين العرضين لفرقة غالابو المسرحية البرازيلية  التي تراهن على قدرة النص الشعبي و التمثيل الحركي الإيحائي وتعتمد البساطة في التكوين والعمق في الطرح، إنما هما نموذجان دالان على الفهم الكبير لرسالة المسرح وقدرة عالية على المعالجة الواعية والفنية المحترفة .



"مسرح شباب الربيع في اليمن" كتاب جديد للناقد اليمني هايل المذابي عن دار نور للنشر بألمانيا

الأحد، 21 مايو 2017

عواطف نعيم تُعرب عن سعادتها للمشاركة في مسرحية "رائحة حرب"

ورشة لفن المسرح في تونس بمشاركة عراقية مميزة

مجلة الفنون المسرحية

ورشة لفن المسرح في تونس بمشاركة عراقية مميزة

تضامن عبد المحسن

شارك العراق في ورشة لفن المسرح، في تونس، قدمها المخرج العراقي المبدع انس عبدالصمد، لتنتهي بتوزيع شهادات المشاركة، بعد ان أذهل الحاضرين بعروضه خلال ايام المشاركة.
جاء ذلك بينما تعيش مدينة بنزرت التونسية تظاهرة ثقافية، بإقامة العديد من الفعاليات، والمهرجانات الموسيقية والمسرحية، والعروض السينمائية، وكذلك التشكيلية، فقد شهد اليوم الاول تدريباً في ورشة المستحيل (الميتا مسرح الصامت)، وهي من تقديم المخرج انس عبدالصمد، وفي اليوم الثاني، تم عرض مسرحية (توبيخ) من اخراج انس عبدالصمد، وقد شهدت اقبالا وتفاعلا جماهيريا. فيما استمرت التدريبات لليوم الثالث للورشة.
عن هذه الورشة حدثنا المخرج انس عبدالصمد قائلا: ورشة مسرح المستحيل “الميتا مسرح الصامت”، والتي تعني لغة الجسد الحديث، تضم دروسا نظرية وعملية جديدة، وقد لاقت نجاحاً كبيراً في بنزرت بتونس ضمن مهرجان الجيلاني الكبير للمسرح المحترف، وهي ورشة تضم 39 متدربا، ليصبح مجموع ما دربت على اسلوبي المسرحي 1139 من كل العالم آسيا، وافريقيا، وأوروبا، أضافة الى متدربين من الوطن العربي.
وأضاف: شاركنا في المهرجان بعرض مسرحي لفرقة مسرح المستحيل بعنوان (توبيخ 2017)، وعرض باليوم الاول للمهرجان كضيف شرف، وقد لاقى كل الترحيب والاعجاب من الجمهور والاختصاصيين، ثم تبعته الورشة لعدة ايام من المهرجان بمعدل 3ساعات يوميا، وجميعهم كانوا من تونس.
وتابع حديثه: في ختام الورشة تم توزيع شهادات مشاركة، وهي مهمة جدا في تونس، ووزعنا الشهادات على أفضل ممثل، وأفضل مشهد، كدعم لهم للاستمرار في الحقل المسرحي، لما لديهم من قدرات كبيرة في المسرح.
اما عن مسرحية توبيخ والتي لاقت نجاحاً كبيراً يقول عبدالصمد: “توبيخ 2017” هو عرض يعتمد على لغة الجسد، وكان قد عرض في بغداد، وسويسرا، وهولندا، والجزائر، وحقق العرض نجاحاً كبيراً على مستوى الفكرة، والاداء العالي لفريق العمل، وكان نجاحاً مسرحياً عراقياً بامتياز، مما دعا بعض الاختصاصيين من دول عدة، الى توجيه الدعوات لنا لتقديم العرض في شتى دول العالم، ورحلة توبيخ مستمرة لتقديم مسرح عراقي رصين، ذي هدف، وفكر عراقي له القدرة على مخاطبة العالم.
انس عبد الصمد ممثل ومخرج مسرحي وسينوغرافي عراقي، وواحد من أفضل السينوغرافيين، حاصل على جائزة أفضل سينوغرافيا عن العمل الذي قدمه في مهرجان مسرح الشباب العربي الأول، والذي اقيم في بغداد.



تأكيد المعنى.. واحتشاد الرؤية في مسرحية أخاديد

مجلة الفنون المسرحية


تأكيد المعنى.. واحتشاد الرؤية في مسرحية أخاديد


حيدر عبدالله الشطري

لم يكن هناك اكثر غموضاً وغرابة في الطروحات الفكرية والفنية مثل ما اتسمت به عروض المسرح التي تنحى منحاً حداثوياً, وبذلك ابتعدت هذه الطروحات عن الثوابت والاحكام التي يمكن ان يبنى عليها نص مسرحي مألوف ومن ثم عرض مسرحي واضح.
وقد تباينت هذه العروض في مدى اقترابها وابتعادها عن كل ما من شأنه ان يقوم بكسر الثوابت والقوالب المسرحية المعروفة , وبذلك ايضاً اختلف مستوى التلقي ازاء هذه العروض الصادمة التي تجعل المتفرج امام مفاهيم مسرحية جديدة عليه ان يكون ايضاً مساهما في دعمها وتبينها وبالتالي تقديمها على خشبة المسرح والدفاع عنها باعتبارها طروحات عصرية وجديدة.
ولقد كان لهذا التمرد المسرحي ان جاز لي التعبير بوصفه كذلك مسرحيون عملوا عليه واجتهدوا كثيرا في التنظير له.
وما عرض مسرحية اخاديد التي قدمتها فرقة تربية بابل من تأليف واخراج الثائر ثائر هادي الا مصداقا لما تقدم, في محاولة له ولكادر المسرحية في الدخول الى عوالم تجريبية حداثوية لا تعتمد على اسس فنية مسرحية اعتادت التجارب المسرحية العراقية على تقديمها على مسارحها ولا سيما مسرح فرق التربية وخاصة في تجاربه السبع الماضية .
فبدءاً لم يرتكز النص في بنائه على اسس وقواعد درامية متنامية تنتقل بالحدث من فعل الى اخر وفق نظام درامي متصاعد يدفع بالعرض المسرحي للوصول تكريس ثيمته التي يسعها الى عرضها بصورة واضحة وجلية ان لم تقدم خاضعة الى مستويات تأويلية متعددة او بأساليب وطرق مسرحية اخرى.
فجاء النص وهو يتحدث عن فكرة رمزية كونية فلسفية بالغة المعنى وباذخة التشفير تتحدث عن دور الدود والحشرات التي تهاجم الاشياء بأسراب كبيرة وتحيلها الى رماد بعد ان تحفر لها اخاديد كبيرة وطويلة تحت الارض تحمي بها نفسها من محاولات سحقها من قبل الانسان باعتبارها تقوم بفعل تدميري له فهي تلتهم حتى التاريخ باعتباره ايضاً سطورا تؤرشف لسفر طويل من حياة الانسان .
وبذلك بني النص بطريقة كولاجية لعبارات رمزية تارة وهي تبين الحاجة للضوء الذي يكشف الاخاديد المخبوءة وشعرية تارة اخرى وهي تنذر بالخطر الكبير لهذه الحشرات , عبارات تتراقص بأساليب ادائية متنوعة تبعا لمدلولاتها الفكرية اجتهد المخرج كثيرا في بث رسائل العرض من خلالها وفي الكثير من هذه الطرق اعتمد الممثلون على ترجمتها لأشكال تعبيرية وصور حركية معبرة وان جنحت في بعض الحالات نحو الاستطالة ومحاولة مطها كما يحدث عند جر الخيط المطاطي الذي يرجع ليضرب صاحبه عند تركه .
عمل مخرج العرض على ان يغذي ممثليه وكادره الفني على تبني هكذا طروحات والاعتقاد بها ومحاولة التشكيك بحالات اليقين التي من الممكن ان تعمل عليها اي مجموعة مسرحية لا تبحث دائما عن التجديد والتحديث في الشكل والمضمون .
فكان الممثلون مستفَزين على خشبة المسرح وهم يلعبون لعبتهم الدرامية الشائكة قبل ان يصدروا لنا ذلك الاستفزاز الذي يكون المتلقي بحاجة اليه في العرض المسرحي فكان ادائهم انفعالياً حاداً صارخاً يؤكد الحالة النفسية المضطربة لشخصيات العرض وهي تبحث عن خلاصها من ذلك الخطر الداهم الذي يواجهها وبالتالي يعييها ويحد من حركتها بل ويشلها او يميتها.
وكان لمشهد هجوم الدود الذي تجسد بواسطة الخراطيم الا واحدا من تلك المشاهد التي رسمت صورة للعرض التحذيري والذي ارد مخرجه بأن يخيفنا من نزول اسراب الدود الى قاعة العرض , وليس ليعرض فقط ما تتعرض له شخصياته والتي كانت ردود فعلها من خلال ما جسده الممثلون بتميز واضح رافضة ذلك بشدة مستمدة قوتها واسباب مقاومتها من صوت يأتي من الخارج ربما هو صوت المخلص الذي تأخر وصوله الذي حان من ساعة بدء الدود بلعب دوره التدميري وليس من وقت معرفة وبيان ذلك من قبل الانسان .
من توافر كل ما تقدم نستطيع ان نقول اننا ازاء عرض يحاول ان يكون مغايراً في كل شيء. عرض يبدأ من اللا مكان وينتهي بالا زمان تتشظى طروحاته لتصيبنا جميعا بالخوف والهلع مما قد يصيبنا نحن المسالمين الذي نجلس في قاعة العرض لنصفق لمشهد يعرض خيباتنا وانكساراتنا بل وخساراتنا المتكررة التي لا يريد لها العرض ان تتكرر فالضوء بأيدينا عندما تتحول اصابعنا الى مصابيح انارة تكشف لنا اخاديد النهم التي اكلت لحمنا وجلودنا وقد تأكل عظامنا ايضاً فالدود الذي نعرف لا يأكل العظام اما دود ثائر هادي الذي كشفه بمصابيحه فهو يأكل العظام ايضاً.
لم يكن عرض اخاديد بحاجة الى ان يبين طرفي صراعه من البداية والتي بدأنا باكتشافه عبر مسيرة العرض مؤخرا ولا ادري ان كنا غافلين عن ذلك ام انهم ( اي مجموعة العرض ) ارادوا ان يسرفوا في عرض استكانتنا وضعفنا وعدم انتباهنا لهول ما قد يحدث من جراء فعل الدود الابعد اعلان البحث عن ملكة الدود والتي بالقضاء عليها سيقضي على الدود كله, الدود بمعناه الشمولي وليس دودة سليمان الذي ذكرها النص والتي عندما شاهدتْ سليمانَ وجنودَه يتقدّمون نحوها، فخافتْ على نفسها وعلى أخواتها النمل أن يحطِّمها ويدوسها جيش سليمان (دون قصد) فأسرعت خائفة نحو أخواتها من النمل، وقالت بصوت مرتجف ومتقطّع:
– أيها النمل أسرعوا وادخلوا في منازلكم… فإني رأيت سليمان وجنوده يتقدّمون نحونا، ونحن صغار الأجسام (ولن يشعروا بنا) فإذا لم تختبئوا فسوف يحطمكم سليمان وجنوده.
سمع سليمان عليه السلام ما دار من حديث بين النملة وأخواتها، وفهم ما قصدته النملة فتبسَّم ضاحكاً من قولها، ثم أمر جنوده بالمسير ببطء، حتى تدخل النمل ولا تصاب بأذى، ثم رفع يديه إلى السماء شاكراً الله تعالى على نعمه الكثيرة قائلاً:
– اللهم ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ بها عليّ، إذ علّمتني منطق الطير والحيوان، وأن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليّ وعلى والديّ بالإسلام والإيمان بك، (وأن ترشدني إلى طريق الخير فأعمل به)، وأن تدخلني جنتك التي وعدْتَ بها عبادك الصالحين، إنّك سميع. بمعنى ان النمل الذي كان يعنيه القرآن الكريم هو ليس ذلك الذي يجب ان نحذره.
ولا نستطيع ايضا ان نغفل مكملات العرض المسرحي الاخرى من مؤثرات سمعية وبصرية والتي ساهمت مساهمة فاعلة في تأكيد اسلوب العرض الأنفلاتي من القواعد المسرحية السائدة فكان معينةً ومساندةً في تكريس ذلك والعمل عليه ما سوى الافراط في استخدام نثار الورق وحك سطح الفلين الذي ينثر ايضاً حبيباته والذي انهك الممثلين وصار عائقا عليهم واجهز على خشبة المسرح بالاحتشاد به وتحمل اعبائه ومخلفاته.
ومن نافلة القول لا يفوتنا ان نؤكد على روح الجماعة التي عمل بها حشد النشاط الفني في تربية بابل والذي يعرفه الكثير من المتابعين للمشهد المسرحي العراقي عموما وما لهذه الجماعة من تجارب مسرحية مهمة وواعدة واذ نبارك لهم عرضهم هذا الذي قد يكون مثالاً لعروض مسرحية ننظر اليها بشغف وهي تمور بالأفق بانتظار من يحررها من ربقة القيود المقيتة والمعطلة لمستقبل مسرحي واعد نعمل جميعنا للوصول اليه.

------------------------------------------
المصدر : جريدة الصباح الجديد

مسرحية "امراة جميلة " تأليف: احمد ابراهيم الدسوقى

اختتام فعاليات "المهرجان العربي لمسرح الطفل" في الكويت

السبت، 20 مايو 2017

كلمة الأمين العام اسماعيل عبد الله في افتتاح الملتقى العلمي الأول لمنهاج المسرح المدرسي

مجلة الفنون المسرحية

كلمة الأمين العام اسماعيل عبد الله في افتتاح الملتقى العلمي الأول لمنهاج المسرح المدرسي

إسماعيل عبدالله:  المسرح المدرسي يهدف إلى صقل شخصية الطالب و قدرته على التعبير عن نفسه و قبول الحوار و الانتظام و تقبل الرأي الآخر


عقد اليوم بالشارقة بمقر الهيئة العربية للمسرح الملتقى العلمي الأول لمنهاج المسرح المدرسي.
وفي كلمته في افتتاح الملتقى قال الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الأستاذ إسماعيل عبدالله
نص الكلمة:
السيدات و السادة المشاركون في الملتقى العلمي الأول لمنهاج المسرح المدرسي أهلاً و سهلاً بكم في شارقة المسرح، شارقة سلطان الثقافة، أهلاً و سهلاً بكم في بيتكم الهيئة العربية للمسرح، أهلا بكم ذواتاً و علماً و معرفة لترسموا لنا منهاج عملنا في المرحلة الثانية من استراتيجية تنمية و تطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي.
يأتي “الملتقى العلمي الأول لمنهاج المسرح المدرسي” الذي تعمرونه بمشاركتكم خطوة أولى من أجل وضع الخطط و الآليات و منهجية المحتوى الذي سيتم العمل عليها لوضع مناهج للمسرح المدرسي و لكافة المراحل (الروضة، الابتدائي، المتوسطة والثانوية) لتكون هذه المناهج جاهزة بين أيدي وزارات التربية و التعليم في الوطن العربي، و لوضع خطة إنتاج الكراريس الخاصة بالمعلم و المتعلم في المسرح المدرسي.
إن نتائج هذا الملتقى ستكون الدليل الذي ستعمل عليه فرق عربية لإنجاز هذه المناهج و الكراريس، فإدراكاً منا لأهمية هذه المناهج نتطلع إلى الاستفادة الأوسع من كافة الخبرات العربية المتوفرة و التي تتوق إلى أن تأخذ دورها في صناعة الفارقة التاريخية التي يشكلها إنجاز هذه المناهج، و التي نأمل الانتهاء من وضعها في الربع الأول من عام 2018 وهو التوقيت الذي يشهد تدشين المرحلة الثانية (الطويلة الأمد) و التي حددتها “استراتيجية تنمية و تطوير المسرح المدرسي بثماني سنوات، تنتهي بانتهاء العام الدراسي 2025/2026،
إننا و منذ انطلاق مشروع تنمية و تطوير المسرح المدرسي بمبادرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مطلع عام 2014، حيث كلف الهيئة العربية للمسرح بوضع التصور الذي يمكن العمل عليه من أجل تطوير المسرح المدرسي، كمدماك أساس لتنمية المسرح عامة و تمكينه من لعب دوره التنموي خدمة للمشروع النهضوي و الحضاري للأمة، قد عملنا على مدار عام و نصف العام على تنظيم الملتقيات بمشاركة مئات المختصين و العاملين في المسرح المدرسي في الوطن العربي لدراسة كل ما يحيط و يؤثر بهذا الشأن، و قد انبثقت عن تلك الملتقيات لجنة المتابعة العربية، و اسمحوا لي أن أحيي أعضاء هذه اللجنة التي أنجزت المرحلة التي شكلت من أجلها و هي المرحلة التي تعارفنا عليها بالمرحلة الأولى أو مرحلة الإسعافات الأولية، و هم
البروفيسور فائق حميصي. مسؤول الملف عضو مجلس الأمناء.
أ . د جميلة بنت مصطفى الزقاي من الجزائر.
أ . سالم اكويندي من المغرب.
أ . شريفة موسى من الإمارات.
د . محمد الشرع من الأردن.
د . محمد أبو الخير من مصر (و قد اعتذر عن حضور هذا الملتقى لأسباب خاصة).
و قد توصل المشاركون في تلك الملتقيات إلى وضع “استراتيجية لتنمية و تطوير المسرح المدرسي” تتضمن خطة عمل عشرية، و كذلك تحتوي أول دليل عربي شامل للمسرح المدرسي بكافة مراحل الدراسة، حيث قسمت الاستراتيجية العمل إلى مرحلتين الأولى قصيرة لمدة عامين و و الثانية طويلة الأمد لمدة ثمانية أعوام، خصصت المرحلة الأولى من أجل معالجة الحلقة الأضعف و هي ندرة توفر المعلمين المؤهلين، مما يؤدي إلى اختلاط المفاهيم و النتاجات، لذا نظمت الهيئة بالتعاون مع وزارات التربية و التعليم في موريتانيا و سلطنة عمان و البحرين و قطر و الإمارات و الكويت و السعودية و الأردن و فلسطين و سوريا و لبنان و مصر و السودان و تونس والجزائر و المغرب ، دورات تأهيل للمدربين و المشرفين و المعلمين، عربية و إقليمية و محلية، و كما برزت تجربة الهيئة خلال السنوات الست الأخيرة و نجحت في تحريك المشهد المسرحي في موريتانيا، فإننا نسجل لفلسطين أعلى نسبة تدريب و استجابة لمشاريع التدريب إذ يتوقع أن يصل عدد المتدربين في فلسطين وحدها حتى نهاية العام 2017 إلى ألفي مدرس و مدرسة، مما انعكس إيجاباً على مستوى نتاج المسرح المدرسي و الذي توج بتنظيم (ايام المسرح المدرسي) في كافة المحافظات، كما سنعمل حتى نهاية 2017 على عقد دورات تأهيل مدربين في معظم الدول العربية و بالتالي صار لزاما علينا أن نوفر لهؤلاء الذين تلقوا التدريبات كتباً و كراريس عملية منبثقة من الدليل العام الذي تضمنته الاستراتيجية، و ستكون هذه الكراريس موجهة للمعلم و المتعلم في آن معاً، سننتقل بعدها إلى تاهيل البيئة المدرسية لتكون حاضنة آمنة و حيوية للمسرح المدرسي الذي يمتد تأثيره إلى كل بيت و كل فرد في أسرة الطالب.
إن العمل في المسرح المدرسي يهدف إلى صقل شخصية الطالب و قدرته على التعبير عن نفسه و قبول الحوار و الانتظام و تقبل الرأي الآخر، كما سيساهم على إيجاد المناخ الملائم لتنمية مواهب الملكات الفنية المختلفة، و بالتالي خلق جمهور مسرحي واعٍ و مدرك و يعرف الغث من السمين، إنه بحق ضمانة مستقبل الثقافة المسرحية في المجتمع، و إنه المسلك الذي يؤدي إلى تحقيق ذلك النداء الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في كلمته التي ألقاها في اليوم العربي للمسرح عام 2014 ” لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق و الحرية”.


نساء برشت المقدسات

مجلة الفنون المسرحية

نساء برشت المقدسات

لطيف الحبيب

دع المرأة حيث هي!
لديها ذراعيها وساقيها أيضا
كما ترى،
فلا علاقة لك بها اكثر من ذلك ايها الرب 
انها قادرة وحدها على الخلاص. 
برتولد برشت

لم تغب عن ذهن الباحث الاوروبي في تاريخ المبدع من ابناء جلدته جزئيات الحياة اليومية التي يعيشها او عاشها , فهي عناصر مهمة في تكوين البحث الجاد , ومفصل اساس في سيرورة الانتاج الابداعي المتميز في العلوم والفنون والادب وكل اشكال المعرفة الانسانية , فالاكل والشرب والنوم والسهر والنزهة ,علاقاته الاجتماعية ,الحب والعشيقات والزوجات ,"بانورما"يمكن النفوذ من خلال بعض مشاهدها الى عالمه الخاص, غالبا ما يتضمن المنتَج الابداعي في نواحيه المعرفية المتعددة جزء من شخصية المبدع ,وبعضها الاخر , تسردها رموز ولمسات تتبطن النص, وتعلن بشكل دقيق وتفصيلي عن نزعات الشاعر والتشكيلي والروائي وكل من ابدع , افصح برشت عن طباعه وسلوكه وبعض عاداته اليومية واودعها في شخصية بطله"بعل"في اولى مسرحياته عام 1918. اما نحن فطرحنا برشت معلما جادا مقطبا لا يعرف المزحة والعشق, خضنا وجدفنا في اطروحات مسرحه الملحمي والتعلمي وقيمناه وقرأناه كاتبا واقعيا اشتراكيا , لم نلتفت الى ديونه الشعري ,لم نتحسس علاقته الانسانية وعشقه للنساء, مثلما البسنا"روزو لوكمسبورغ"لبوس العفة النضالية وانتزعنا عنها انوثتها , وجزعنا في"فلم رزا"حين تضاجع حبيبها في فراش جميل على الشاشة البيضاء واقسمنا اغلظ الايمان , ان روزا لا تفعل مثل هذه الافعال , انها مناضلة وما هذه اللقطة الا تشويه لعفتها. 
عندما نشرت"قصائد عن الحب"لبرتولد برشت لأول مرة بعد وفاته، تصاعدت موجات حادة من الانتقادات اللاذعة ضده , وتنافس النقاد في الشجب والاتهام , ودونت عبارة ما كان احد يجرئ على طرحها في حياة برشت ,مثل"اصوات باهتة بائسة من الشعر"أو"وصفة شهرية من صيدلية منزلية","قصائد تكنوقراطية جنسية من محرك معطوب", استعر واندلع النزاع مرة أخر حول حياة برشت الخاصة, ولا سيما علاقاته مع شريكات حياته، تستحضر القصائد مرة أخرى صورة برشت المتساهل والمتراخي امام جمال وانوثة المرأة.
تابعت الكاتبة"سابينا كيبر"من المهتمين بتاريخ برشت"مقالات النقاد , وبطريقة شخصية جدا, اعدت مقالاتها للرد على المادة النقدية التي استخدمها النقاد ,عبر دراسة السير الذاتية وتراجم شخصية لحياة برتولد برشت , نشرت في الآونة الأخيرة ,والبيانات والتصريحات والحكايات وما شابه ذلك ,المتوفرة في صحافة ذلك الزمان , خلال قراءتها التحليلة وتفسيراتها الجديدة لقصائد برشت الغزلية, توصلت وطرحت وجهة نظر مثيرة للدهشة. 
"المساواة والاستقلالية للمحبين، والبعد والقرب، وحتى الخلافات هي تبادل للقوة والضعيف بين الشركاء الرجل والمراءة، مفاهيم ميزت العلاقة بين برشت والنساء،على الرغم من ما تسببه هذه المفاهيم من معاناة وصراعات بينهما", هذا القراءة كانت وما زالت مساهمة مثيرة للاهتمام بوجهات نظر برشت المثيرة للجدل حول علاقاته بالنساء, وأيضا مساهمة لنقل الحوارالجاري حول العلاقات بين الشركاء والعشاق والمحبين، وهم الناس الذين، مازالوا يحملون صفة امرأة ورجل.
لم يُظهربرشت من خلال الكتابة اوعبر نصه أن حبَّه للمرأة  كان مجازيا ورغبة للاقامة في ملذات مفاتن جسدها، انه يعشقها من خلال عملها المتفرد الذي تمارسه، من خلال خصوصيتها الاستثنائية التي تربط المجتمع بالعالم، فلا يمكن ان تختلف المرأة عن الآخر ان لم تكن متفردة في خصوصيتها , فخلال حياته القصيرة نسبيا،عشق برشت الكثير من النساء، تصفه حبيبته في بدأ شبابه"باولا بانهولزر", ابنة تشارلز بانهولزر، طبيب ممارس شهير متخصص في اوغسبورغ ولدت عام 1901"أنه دائما مهذب، لطيف  مثير للاهتمام    وساحر للغاية. في عام 1919 أنجبت ابنها فرانك منه ,ولكن برشت لم يتزوجها. اقترن لاحقا بزوجته الأولى الممثلة"ماريانا تسوف"ولدت في النمسا عام 1893, ابنة مفتش السكك الحديدية وأخت الكاتب أوتو تسوف , درست التمثيل والغناء في فيينا، ولدت بنته"هانا"في عام 1923 ,لكن هذا الزواج لم يدم طويلا , ففي العام نفسه بدأ علاقة غرامية مع الممثلة"هيلينا فايجل"في سن السادسة والعشرين ,ولد له الطفل الثالث"ستيفان"منها, في تلك السنوات الأولى كان لديه ثلاثة أطفال من ثلاث نساء مختلفات. في عام 1924 طلق برشت زوجته الاولى الممثلة ماريان تسووف، و تزوج بعد خمس سنوات، في عام 1929، من صديقته التي رافقته فترة طويلة،"هيلينا فايجل", ولدت1900 في فيينا ابنة مدير وصاحب شركة لصناعة اللعب.
بعد ان اكملت مدرسة الدراما في فينا عام 1919، سافرت إلى فرانكفورت وبرلين ودرست الدراما على يد ماكس راينهارت عام 1922. استمرعقد هذا الزواج حتى وفاة برشت 1956, محفوفاً بمخاطرانفراطه لعلاقات برشت المستمرة بنساء أخريات. 
كان برشت يرى استقلاليته الخاصة هي الأكثر أهمية في حياته وحرياته الشخصية لا يُعلى عليها ,لا يمكن ان تحكمها عقود الزواج  او يتخلى عنها بسبب اشتراطات اجتماعية,كان يرفضها جملة وتفصيلا. امرأة مهمة أخرى من العاملين معه , برزت في حياته كانت عاملا مهما في نجاح بعض اعماله"إليزابيث هوبتمان"ولدت عام 1897 بنت طبيب، معلمة وكاتبة، فمسرحية"أوبرا القروش الثلاثة"لم تتكلل بالنجاح, لولا ترجمتها من قبل اليزبيث من الإنكليزية إلى الألمانية. 
في وقت مبكر من اعوام الثلاثينيات بدأت علاقة حب مع زميلته وصديقته"مارغريت شتيفن",كانت كاتب ومترجمة وممثلة ,لها إنجازاتها الادبية الخاصة ولكنها بقيت تحت ظل برشت. سافر برتولد برشت مع عائلته إلى الاتحاد السوفييتي للعبور الى اميركا كان الطريق الأخير السالك إلى الولايات المتحدة من دون الوقوع في قبضة حكومة هتلر , رافقته صديقته"مارغريت شتيفن"،وكانت مصابة بمرض التدرن الرئوي الخطير في ذلك الوقت، غادر برشت وعائلته الاتحاد السوفيتي ,و بقيت مارغريت في المستشفى , في طريق رحلته إلى الولايات المتحدة علم بوفاتها ,رثاها بلوعة"هوى جنرالي / سقط جنديي / غادرني معلمي / تركني تلميذي / ممرضتي عادرتني / انتزع طفلي من حضني.
آخر علاقات برشت الغرامية مع الصحفية والمصورة الممثلة"روث بيرلاو"وتكنى"روث الحمراء"ولدت عام 1906في كوبنهاغن. تذكر"روث بيرلاو"وبفخر في مقابلة صحفية، انها تحرص على توفير قهوة الصباح لبرشت الذي ينهض دائما في وقت مبكر في المنفى الفنلندي ,لا غنى له عنها ليبدأ عمله , روث بيرلاو عضوة الحزب الشيوعي الفنلدي والمناضلة من اجل تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها , توفر لبرشت القهوة في اشد ازمات البن في فلندا , استأجرت روث فندقا قريبا من سكن برشت وعائلته , يقدم فيه افطارا صباحيا مع القهوة , كانت تعبأ القهوة في وعاء تحمله في حقيبتها اليدوية دون أن يلاحظها أحد من ضيوف الفندق كل صباح، وتهرع خارج الفندق مسرعة الى سيدها برشت ,الذي ينتظرها الساعة السابعة صباحا مطلا من نافذة منزله , ولكن هل تذوقت روث قطر من القهوة الثمينة؟ لم تصرح بذلك. كانت تقوم بالمهمة دون ان تتبادل معه كلمة واحدة , يزورها برشت الساعة الثالثة عصرا بعد ان ينجز ما اختمر في ذهنه على الورق , ويبدأ نقاشه معها حول ما كتب"وتقول روث انها يتحدث اليها فقط عن اعماله",في نفس المقابلة كشفت روث المزيد من التفاصيل حول الرعاية الانثوية الشفافة والشاملة التي تحيط حياة برشت دوما من قبل نسائه ,وتحدثث ايضا عن زمن برشت في هوليود تقول: في االوقت الذي كانت هيلين فايجل تنقل مخطوطات برشت باليد في غلاف جلدي وتنجز اعمال البيت والعناية بالأطفال, كان الشاعر يتناول طعام الغدا دائما معي في هوليوود. لم تتمكن هيلين فايجل من فهم علاقات زوجها وحبه لمارغريت شتيفن والعديد من النساء، رغم ذلك بقيت معه منشغلة في الاهتمام بالأطفال والعودة إلى التمثيل ثانية. بعد وفاة برتولد برشت 1956 أسست هيلين فايجل"أرشيف برشت",يقع الآن في الطابق الثاني في شقة برشت في شارع شاوسيه 125. عاشت هيلينا في شقة برشت حتى وفاتها1971, كان السكن ملاذا لها للنهوض بأعباء العمل بوصفها ممثلة للأدوار الكبيرة لمسرحيات برشت ومخرج لمسرح"برلينر انسامبل".والمسؤول عن ارث برتولد برشت, ليس بعيدا عن مسكنه وهيلينا فايجل دفن برتولد برشت في مقبرة دوروتن شتيدشن.
قرأنا الكثير عن الرعاية والاهتمام الأنوثي الذي أحيط به برشت في حياته ,وطفحت طاحونة القيل والقال , وستستمر هذه التقولات خاصة بعد وفاته الى دهر ,طالما بقيت اعماله تثير دهشة واهتمام النساء وهذا ديدن كل عبقرى. في سنوات لاحقه بعد وفاة برشت, قررت احد العاملات المنظفات في مسرح البرلينر انسامبل, ان تزور قبربرشت في مقبرة دورتين شتيدشن ,وقفت المرأة عند قبر برشت ,انتابها غضب شديد لما لحق قبر هذا العظيم من اهمال وقلة رعايه ,وانبها ضميرها لتقصيرها في زيارة القبر , نبتت الاعشاب والحشائش في زواياه , دون تردد، بحثت عن محل لبيع الزهورواشترت باقات من زهرة الربيع وباقات من ورد اصفر,عادت إلى قبر برشت، وبدأت في تنظيف حواف القبر وإزاحة الاعشاب وزرع الزهور,بعد برهة قصيرة، جاء يعدو من بعيد رجل عجوز لاهثا صارخا بها ,ان توقف العمل فورا ,وان تبعد يدها عن اعشاب القبر"بحق السماء توقفي عن قطع الاعشاب , انها اعشاب بذور جمعتها"هلينا فايجل"من جميع بلدان المنفى التي عاشها برشت".
لم ينته اويهدأ التنافس بين الإناث على رعاية برشت، سوا في العمل معه او عشقه وحتى بعد موته الى يومنا هذا. ادعت احداهن انها كانت في خدمة برشت وفي استراحته يركن الى سريرها,وحين باعت ذلك السرير لم تذق طعم النوم، حذرت اخرى بل وهددت علنا من تحاول الوقوف بوجهها في اخذ مكانها في الجنة بجوار برشت , وانها ستمنع هلينا فايكل من غمزه. وقيل عنه ايضا ووصف انه صنو بطله"بعل""كان الشاعر معشوق النساء ليس اكثر من زير نساء، بل هو أسوأ من"بعل"بطل مسرحيته الاولى اذاق حبيبته"املي"انواع العذابات انزالها الى قيعان العبودية والاستغلال الجنسي ,عاملها كحيوانات العمل, تكدح طول اليوم من اجل ان توفر له لقمة عيش , ويواصل هو انتاجه الابداعي,كان بعل شاعرا مثقفا ولكنه سكير فك مفترس للنساء.
تصف الكاتبة"كيبر"في كتابها عن برشت"رجل مقبول"الصادر في عام 1987"لكن هذه هي الشائعات، التي يجب علينا أن نسمعها إلى درجة معينة ,وكلما تعمقنا أكثرفي البحث تصاعدت روائحها تزكم الانوف , فيزداد قلقنا على الشاعر,تتصاعد حدة الانزعاج منه، فيبدولنا وكأنما أنه وقع في اسارنساء جميلات وإناث ينزعن الى الماسوشية. ان النظرةالفاحصة للسنوات المبكرة في شباب برشت في مدينة اوغسبورغ تفصح عن حياتيه الملتبسة مع النساء",وشيئ مهم اخر"غيرة"النساء المحيطات به ,فمارغريت شتفن -عاشت أيضا مقربة من عائلة برشت- التي زعمت انها لم تعمل كثيرا مع برشت في مسرحية"بونتلا وتابعه ماتي"لان مزاحها كان متعكرا وفي الحقيقة , انه تلميح الى"دراما الغيرة بين النساء"التي كانت تمر بها نساء برشت في ذلك الزمان.
كان برشت الشاب يفترس الحياة كتب صديقه"فويشت فاكنر"عن ذلك الزمن ويتفق معه الكثير من مجايليه"لقد أمتلئ برشت من البعلية"مسرحية بعل"ويشعر بالوفاء لها. نقلت الواقع ومذكرات, الشاعرترديده مثل نيتشه"اذا كنت تريد الذهاب الى انثى لا ننسى السوط", ويلاحظ في مذكراته الجملة التالية"من أجل االحصول على الفكر القوية النابهة سأضحي بكل امرأة"واضاف على الفور مستدركا"تقريبا كل امرأة". 
رغم ان رؤية برشت لتحرر المرأة موضوع خلاف , تقول الكاتبة كيبر عنه:"لا يسعني، بعد كل شيء من إيجابيات وسلبيات في رؤى وتعامل برتولد برشت مع المرأة التي يتلمسها بقصائد مفعمة بالحب والعشق , تلهث في ضباب صباح مبكر , الا ان ارى ومضة رجل مقبول في صورة مظللة".
ولد برتولد برشت في أوجسبورغ في 10 فبراير/شباط 1898 – مات في برلين في 14 أوغسطس/آب  1956) شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني. يعد من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين. كما أنه من الشعراء البارزين.من اشهر اعماله المسرحية: 
1918  بعل، 1919طبول في الليل، 1921غابة المدن، حياة إدوارد الثاني ملك إنكلترا، الرجل هو الرجل، مؤتمر غاسلي الأدمغة، صعود وسقوط مدينة مهاجوني، أوبرا القروش الثلاثة،حياة جاليليه، الأم البؤس والخوف في الرايخ الثالث، 1937 الأم شجاعة وأبنائها  1937، بنادق الأم جيرار، الإنسان الطيب من سيتشوان، الاستثناء والقاعد،,
1940  بونتلا وتابعه ماتي، 1941 الصعود المقاوم لارتورو اوي، 1943 حكاية سيمونه ماخورد، 1944 الجندي شفيك في الحرب العالمية الثانية، 1945 دائرة الطباشير القوقازية, 1948 يوم الكومونة , 1952 قضية جان دارك, 1952 دون جوان السيد بو، قديسة المسالخ ومسرحيات من فصل واحد: الزفاف،الشحاذ..أو اليد الميتة، كم يكلف الحديد، الخطايا السبعة المهلكة.

---------------------------------------
المصدر :  الحوار المتمدن


مفهوم الكتابة عند برشت.. تحطيم الأشكال الجاهزة

مجلة الفنون المسرحية

مفهوم الكتابة عند برشت.. تحطيم الأشكال الجاهزة

ناجــي حســين 

في الوقت الذي  كان فيه لوكاش يأسر نفسه ضمن أُطر معينة في الواقعية  كان برشت يحاول  تحطيم كافة الأشكال الجاهزة , وبناء واقعية جديدة ملائمة للتغيرات  الاجتماعية , ومتوافقة مع دور الأدب السياسي في اتمام مهام الثورة  الاشتراكية. فدعا إلى"الواقعية المقاتلة"كشكل أدبي يستجيب كليا لديالكتيك  الحياة ويعبر عن الصراع الاجتماعي في كل أبعاده الممكنة ,

ولم يكتف برشت في قراءة العملية الأدبية في تاريخ الأدب أو في تاريخ الفلسفة فحسب , بل كان يرصدها في مجمل النشاطات الاجتماعية , بحيث يعيد صياغتها من جديد كعملية فاعلة ومتفاعلة على السواء مع النشاطات الأخرى في الزمان والمكان , كما أنه لم يضع لهذه العملية أي حدود , ولكن فسح المجال رحبا لأن تتم عملية التفاعل بحرية. أن هذا الأمر يحتاج بالضرورة , إلى تعريف الأدب كعلاقة اجتماعية قائمة في منظومة كاملة للعلاقات الاجتماعية المتفاعلة , يقول برشت"الأدب ممارسة اجتماعية متميزة , ترتبط بمجمل الممارسات اجتماعية". وتأكيدا على ما سبق عرف برشت الواقعية كممارسة متعددة المركبات:"الواقعية ليست قضية أدبية فحسب , أنها أكبر من ذلك بكثير , فهي قضية سياسية , فلسفية , عملية , ينبغي أن ترى كذلك وتعالج كذلك , أي كقضية تمس مجمل الحياة الاجتماعية". وانطلاقا من قناعاته السياسية ورؤيته بأن وظيفة الأدب والفن تكمن في تحقيق الثورة الطبقة العاملة وجميع الكادحين , قدم برشت مفهوما جديدا ومتجددا للواقعية , برشت السياسي لم يكن على الأطلاق يفصل بين الفن ووظيفته , فالفن عنده محدود بوظيفته , ويتطور ويتشكل وفقا لأهداف هذه الوظيفة , المؤطرة بأطر سياسية , بمعنى أخر فان برشت يرى الالتزام السياسي والموقع الطبقي هما الأساسي لأي بناء أدبي , وانطلاقا من ديالكتيك الفن والسياسة من تصوره الماركسي يؤكد برشت على المعرفة الأدبية ويدعوا إلى أدب وفن منتجين للمعرفة , فقد بين المعرفة الأدبية والقانون العلمي حتى درجة المبالغة , أحيانا , حتى انكر عفوية الأديب , واستبعد اية علاقة لا تخضع للمحاكمة , وجعل من العمل الأدبي وسيلة لشرح علاقات الواقع الموضوعي , وأداة فعالة من أجل هدم الأوهام التي ينتجها , يقول"برشت":"اذا أردنا أن نكتب حقيقة فاعلة عن حالة اوضاع سيئة , فينبغي كتابتها بطريقة تمكننا من التعرف على أسبابها". ويقول أيضا:"لنلق جانبا كل الأشياء التي تمنعنا من الكشف عن السببية الاجتماعية بشكل كامل". أن محاولة برشت التأكيد على"التعرف"وعلى"السببية الاجتماعية"قد قاده إلى أعتبار الأدب مجالا رحبا للبحث والتقصي. في كل ميادين المجتمع والمعرفة , ولهذا فانه يقول:"يحتاج الكاتب في زمن الصعوبات والهزات العظيمة , إلى معرفة الديالكتيك المادي والأقتصاد والتاريخ". أي أن معرفة هي ضرورة للكاتب من اجل التعامل الصحيح مع زمانه والتفاعل معه , أو من أجل انتاج معرفة جديدة قادرة على تغيير هذا الزمان إلى الأمام. مهما يكن من أمر فأن مفهوم"الواقعية المقاتلة"قد دفع برشت إلى آفاق جديدة في المعرفة والعمل باتجاة أنشاء آلية جديدة في فن الكتابة والقراءة على حد سواء , آلية وظيفة تحدد بداية الكتابة ونهايتها , وتجعل من النتائج السياسية حكما مطلقا لبدايتها ونهايتها , فهدف الكتابة هو في نهاية المطاف تحقيق امر ما مشخص. والوصول إلى نتيجة مفيدة وصالحة للأستعمال:"ينبغي أستخلاص حقيقة نستطيع أستخدامها من أجل شيء ما". اما هذا"الشيء"الذي تدور حوله الكتابة فهو الثورة الاجتماعية , بمعنى آخر أكثر دقة , انتاج الإنسان القادر على تحقيقها.وعلى ضوء رؤية برشت يجب أن نكتب ونقل الحقيقة التي تقع على عاتق الكاتب والمثقف العراقي الوطني على ما حل بالعراق من الخراب والدمار , لماذا نرى كتاب الغرب يكتبون ويفضحون أدارة المجرم بوش التي زيفت وثائق كي تستخدمها ذريعة لقرار شن الحرب على العراق. حين يقرأ أي مواطن عراقي أو عربي كتاب جورج تينيت «قلب العاصفة"الصادر في عام 2007 يتوصل فورا إلى الحقيقة المؤلمة دون مشقة , ذلك أن الخراب الذي حلّ بالعراق كان عن سابق إصرار وبطريقة منهجية استخدمت فيها آلة التضليل والكذب والنفاق الإيديولوجي لتحقيق الأهداف السياسية، لاسيما المعلومات التي صيغت بطريقة مخادعة والتي تم الاستناد إليها باعتبارها حقائق لا يرقى اليها الشك، خصوصاً بشأن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وعلاقة الحكومة العراقية بالارهاب الدولي وتنظيم القاعدة. لعل مثل هذه الأكاذيب خدعت الشعب الامريكي وجميع الشعوب العالم , كلنا يعرف حروب العالمية التي نشبت رغم ما يقال عنها وعن مبرراتها وأسبابها ومسوّغاتها سببت ويلات وآلاما ومآسي لا حصر لها، الا أن الحرب على العراق كانت وتكون هي أكثر انحطاطاً في التاريخ، وذلك بسبب حجم الزيف والخداع والكذب الذي رافقها، ويؤكد تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية في كتابه إنه حذر تشيني نائب المجرم بوش عن عدم صحة شراء اليورانيوم لغرض الاعداد لسلاح الدمار الشامل, ثم قدم تقريرا إلى المجرم بوش يشير بعدم صحة معلومات، لكن ماكينة الدعاية ظلّت تلفق وتلفق لتضخ بالأستمرار دون توقف، تلك المعلومات المضللة باعتبارها حقائق. وقد كتب كنعان مكية وغيره من صانعي الأكاذيب ومؤيدي الحرب الذين ندموا على مشاركتهم في دمار العراق, يشير زلماي خليل زاد المنسق مع المعارضة العراقية الموالية لواشنطن ولإيران قبل الاحتلال , على درجة عالية من التنسيق والتفاهم، لاسيما بعد الاحتلال مباشرة، حيث وافقت على الاشتراك في مجلس الحكم الانتقالي السيء الصيت الذي أسسه بول بريمر، والذي كان بداية المحاصصة الطائفية- العرقية. نتج عنه استشراء ظاهرة التفكك المجتمعي والانقسام الطائفي، وانتشار الميليشيات، وتكريد مدن العراقية، وشيوع ظاهرة الفساد والرشوة على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ. وجدير بالذكر سوف يصدر قريبا في الولايات المتحدة كتاب جديد هو"طريق العالم"كتبه الصحفي رون سوسكينا، الذي نال في الماضي جوائز عديدة على عمله. يكشف النقاب عن فضيحة تزييف وثيقة تدعي بان رئيس الاستخبارات لدى صدام حسين كان عميلا لبريطانيا وبعد ذلك أصبح عميلا لـ (سي.أي.إيه). ويزعم الكتاب بانه بعد بضعة أشهر من احتلال الولايات المتحدة العراق في حرب الخليج الثانية طلبت بفبركة الرسالة الشهيرة (سي.أي.إيه) من طاهر جليل حبوش التكريتي أن يكتب بخطه على ورقة رسمية للحكومة الاحتلالية في بغداد, حملت تاريخ 11-9-2001 تضمنت مزاعم عن استقبال العراق لمحمد عطا، الذي وقف على رأس فريق نفذوا العملية في البرجين التوأمين في الولايات المتحدة، تدرب في العراق استعدادا لتنفيذ المهمة. كما كتب التكريتي في الوثيقة بان منظمة القاعدة ساعدت العراق على الحصول على اليورانيوم من نيجيريا. ويزعم الكتاب بان الوثيقة المزيفة نشرت بعد ذلك على الصحافيين في الولايات المتحدة، بريطانيا وفي العراق المحتل , والسبب من نشرها خلق الانطباع وكأنها وثيقة أصيلة اكتشفتها القوات الامريكية في أرشيف وزارة الخارجية العراقية. وقد صدق بعض الصحافيين هذه القصة، ونشرت الوثيقة المزيفة ضمن صحف اخرى في الصحيفة البريطانية"ديلي تلغراف". وكانت هناك صحف نشرت الوثيقة ولكنها شددت على أن مصداقيتها موضع شك. كما يزعم الكتاب بانه في الشهرين قبل شن الولايات المتحدة حرب الخليج الثانية التقى التكريتي سرا مع مسؤوليه البريطانيين في الأردن وقال لهم أن صدام حسين لا يطور على الاطلاق سلاحا نوويا وأنه تخلى عن نيته هذه في التسعينيات. هذا ونفى البيت الابيض و(سي.أي.إيه) هذه المزاعم التي يذكرها الكتاب في هذا الشأن, وكعادتهما ينكرون جميع الحقائق, بينما أسلوب التضليل والخداع والأكاذيب هو المنهج السائد لدى غزاة المحتلين وأذنابه الاحتلالية في تدميرالدول وقتل شعوبها. من الضروري الوجوب الكتابة عن الحرب الكارثية والقذرة ضد العراق من موقع الوطني والإنساني , ومطالبة المجتمع الدولي بتقديم مجرمي الحرب كل من أدارة بوش وبلير وملالي إيران ودول الخليج وبعض من أنظمة العربية وجميع الأحزاب العراقية التي تعاونت ونسقت مع الاحتلال إلى محاكم دولية لأرتكابهم خيانة عظمى وجرائم حرب ومحو الجنس البشري بإستخدام الذخائر المصنعة من النفايات النووية مما يزيد من المخاوف أن أغلبها إستخدمت في حرب عام 1991 من ذخيرة اليورانيوم سقطت على جنوب العراق، وخاصة البصرة والمناطق المحيطة بها والقريبة من الحدود الكويتية، بينما في حرب عام 2003 قصفت القوات الأمريكية والبريطانية كافة أنحاء العراق، وإستهدفت حتى المناطق الكثيفة بالسكان، وتبين ان الذخائر المستخدمة كانت مطورة كثيراً وذات قدرة تدميرية رهيبة، وأكثر فتكاً. تقدر وزنها 320 – 800 طناً إستخدمت عام 1991.. ولا يعرف أحد، إلا الله، ما الذي ينتظر الشعب العراقي من أضرار كمية وزنها 2000 طنا من القذائف المطورة والأكثر فتكاً بالبشر، إستخدمت عام 2003 ضد العراق.. تعتبر جرائم أبادة بحق الإنسانية وفقا للقوانين الدولية. يؤكد برشت على"الواقعية المقاتلة"في تمهيد نحو ثورة شعبية , وأنني أثني على دور"الأدب المقاومة"و"المثقف المقاتل"من أجل التعامل الصحيح مع وطنه في محنته الكارثية وفي تهيئته الجماهير القادرة على تحقيقها, وهكذا فأن دور الكتابة , يتحدد قبل كل شيء باعداد القارىء وتربيته وتهيئته وتحريضه , لخوض غمار الثورة , فالثورة ترى الكتابة في مردود القراءة وفي القارىء الذي يترجم تعاليم الكتابة بممارسات أجتماعية تطلب على الدوام بالتغيير نحو الأفضل.

-----------------------------------------------
المصدر : ملحق منارات 

برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

مجلة الفنون المسرحية

برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

فاضل سوداني

أولا:ملحمية التراث المسرحي العربي 

بالرغم  من ان برشت ظاهرة أوربية وان المفاهيم الفكرية والمشاكل الاجتماعية التي  عالجها تتعلق بالمجتمع الاستغلالي وصراع الطبقات وكذلك كشف البعد الطبقي  للانسان البرجوازي الاوربي، إلا ان الفنان العربي يجد نفسه قريبا فكريا من  مفهوم التغريب والرؤيا التاريخية والوعي الجدلي لهذه ا لمفاهيم بسبب  الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية


 التي تحرم إنساننا من حريته والعيش في مجتمع الديمقراطية. وبما ان الفن ينشأ لتلبية الحاجات الاجتماعية، فمن السهولة ان نكتشف في الفعاليات الفنية والثقافية التراثية تلك العلاقة التي تتسم بالحميمية بين المؤدي والجمهور. من هذه الزاوية ينحو المسرح العربي المعاصر لتحقيق تاثيره الاجتماعي والجمالي وبناء الوعي الفكري للإنسان في المجتمع العربي، وخلق العرض المسرحي الشعبي استنادا الى الغنى والتنوع في الاشكال التراثية الشرقية وارتباطا بمكتشافات المسرح الاوربي المعاصر ومنها المفاهيم الملحمية البرشتية.

اذن هنالك ممهدات هيأت الجمهور العربي لاستيعاب ظاهرة المسرح ومن ثم تقبل المفاهيم المسرحية الملحمية البرشتية:
يمكن القول بأن المجتمع الإسلامي القديم عرف بعض من الأشكال والممارسات التي تحتوي على الكثير من العناصر ألما قبل الدرامية، والتي مورست كطقوس وفعاليات ثقافية، مثل الطقوس والأغاني الدينية المختلفة والرقصات الصوفية الفردية والجماعية،، وبعد ذلك الأشكال البدائية ما قبل المسرحية.، 
فمن خلال دراسة هذه الجذور المسرحية نستطيع ان نعثر على الملحمية وكذلك على ملامح من التغريب في ذات الوقت والتي يمكن ان تخلق علاقة جدلية ديناميكية بين المؤدي والمشاهد، وتؤدي به الى ان يتحول الى مشاركا في الحدث ـ الطقس (كان المتفرجون يحتشدون حول مكان الحدث سواء كان الاحتفال ياخذ طابعا دينيا اودنيويا، من هنا جاءت فعالية المتفرجين القصوى حيث لايحس الواحد منهم انه مجرد مراقب بل هو مشترك ضروري في كل مايحدث امامه. ولهذا فان عملية التقبل والخلق في الفن البدائي كانت تتمان في نفس الوقت)(انظر بوتيتسيفا. ألف عام وعام على المسرح العربي)
ان الحياة الثقافية في الشرق القديم وبالذات الثقافة العربية اعتمدت على الحكاية والسرد الشفاهي، ولعب الراوي (الحكواتي)دورا كبيرا، حيث كان يسرد قصصا تاريخية واقعية او اسطورية متخيلة مشحونة بالحكمة الاجتماعية والفلسفية المستقاة من حكايات الف ليلة وليلة والملاحم والاساطير والحكايات القديمة وحكايات كليله ودمنه والتاريخ العربي والاسلامي،وتلك البطولات العربية القريبة في عظمتها وغرابة احداثها وعجائبيتها وسحرها التي كانت تضاهي عظمة الالياذة والاوديسة او المهابهاراتا الهندوسية مع اختلاف الزمان والمكان.
ان التطور الذي حدث في اداء الراوي بعد ذلك هو ان حكاياته لم تعد تروى شفاها وانما ارتبطت بنص مكتوب يحمل طابع الحكاية الدرامية القديمة (كما في حكاية ابي القاسم البغدادي ـ لمؤلفها احمد الازدي) حيث كتب هذا النص مابين القرن السابع والتاسع الميلادي. والذي يتحدث فيه حواريا عن مختلف الشخصيات والاحداث التاريخية في المجتمع انذاك. وعثر آدم سميث 1902 على هذا النص وترجم للالمانية.(فن التمثيل. د.الاعرجي) 
وقد يحدث ان يوجد اكثر من راوٍ من اجل توصيل الحكاية الى الجمهور، وقد ابتكروا العديد من الوسائل والاساليب لتوصيل حكاياتهم كالشعر والامثال والنوادر الشعبية والاغاني واللآلات الموسيقية الشرقيةوغيرها. (لقد كانوا يعيدون إحياء الحكاية عن طريق المحاكاة والحركات والإشارات والرقص والتقمص Embodiment والارتجالImprovisation والتشويق الدرامي وفي هذا يكمن الجانب الفني. كان الفعل في القصة يتصاعد نتيجة الاتصال الذي لابد أن يتم بين الراوي والجمهور. وكانت قوانين الطقس والفرجة تفرض على الراوي خلق الاتصال من اجل أن يشترك الجمهور في الحكاية والحدث.) وقد تناقل الرواة هذه القصص على مر الأجيال حتى وقتنا الحاضر، حيث مازلنا نسمع بعضها من الرواة المعاصين في الاسواق والساحات العامة خاصة في المغرب العربي.ان الراوي في العصور اللاحقة اصبح لا يستغني عن الغناء والشعر فمن خلال الاغنية يقوم الراوي بسرد الاحداث المثيرة ولذلك فان استخدام الاغنية المعبرة يمكن ان يخلق شكلا متميزا للعرض المسرحي الشعبي. 
وحينما احتل الممثل من غير الرواة مركز الطقس ـ العرض المسرحي فان دور الراوي بقي على أهميته غير ان مهمة الراوي ـ الممثل لم تقتصر على اداء الشخصية وانما عرضها ايضا عندما يخلق تلك المسافة بينه والشخصية ليتحدث عنها وهي خارج التقمص. اضافة الى هذا فان الراوي (الحكواتي)  يقوم ايضا بتغريب اللاحد ا ث من خلال ابراز تضخيمها وإبراز نواقصها.
وعندما استخدم برشت وسائل المسرح الاسيوي (وخاصة الاغنية والراوي وتغريب الحدث كما في المسرح الياباني) فانه كان واعيا بأهمية هذه الوسائل في خلق العلاقة الجدلية بين عناصر العرض الملحمي، وهي تشكل اساسا تمايز التراث الشرقي.
وهنا يؤكد فابيون باورز في كتابه المسرح في الشرق (ان المسرحيات الاسيوية تتطلب وسيلة خاصة للتعبير وتلك هي الراوي، فالدراما في جميع انحاء آسيا قد نشات من الكتب القديمة والاشعار الملحمية (.
ان الجمهور كان مهيأ لمشاهدة اشكالا فنية من تراثه وفولكلوره مادامت هذه الفعاليات تعرض امامه في اماكن تواجده، ولذلك فانه يتعرف على اشكال تراثه الفني في حياته العامة، وهذا هو السبب في انسجامه مع (المقامات) مثلا وهي حكايات غنية بالاحداث الدرامية والمنالوجات والحوارات المثيرة التي تدعوا الجمهور للمشاركة الفعالة فيتحول العرض الى طقس احتفالي جماعي (وهذا مادفع الطيب الصديقي / والمدني وغيرهم الى استخدامها في المسرح). وتعتبر(المقامات) احد الاشكال المسرحية البدائية التي تتطرق للمشاكل الاجتماعية بشكل كوميدي ساخر وتعتمد على (ممثل واحد) امام جمهور الاسواق العامة والساحات او في قصور الخلفاء.
لكن الطقوس التي لها علاقة بالدرامية والاحتفالية والفرجة هي طقوس كانت تمارس لوقت قريب مثل خيال الظل والحكواتي، وكذلك التعزية، باعتبارها طقس ديني ودرامي يخلق الفرجة الشعبية التي تتحقق من خلال العناصر الدرامية الموجودة في هذا الطقس الذي يذكرنا ببعض الطقوس التراجيدية البابلية أو اليونانية القديمة.
وتعتبر هذه الطقوس وخاصة خيال الظل، تعبيرا ديناميكيا عن طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسلامي القديم، لأنها تعكس الواقع بكل قسوته، وتشير إلى المشاكل السياسية والاجتماعية مما يُغني ويحفز الرغبات الداخلية المشحونة بالمواقف النقدية التي يتبناها الإنسان في علاقته بالسلطة، لكن من خلال التركيز على الجانب ألا متاعي والترفيهي والذي يعد تذوقا جماليا متماشيا مع مقاييس المجتمع القديم.وبالتأكيد فإن هذا هو السبب الأساسي لديمومتها في حياة المجتمع الشرقي بالرغم من تعرض القائمين عليها لأشكال مختلفة من الاضطهاد والمنع.
وبتأثير المفاهيم البرشتية للمسرح الملحمي الهادف للمتعة والمعرفة،أمكننا اكتشاف هذه الوسائل الملحمية بجذورها البدائية في الاشكال التراثية الماقبل المسرحية في التراث العربي، وبهذا فان برشت منح الفنان العربي كيفية البحث في اشكاله التراثية من اجل خلق خصوصية مسرحه المعاصر حيث ومن خلال هذه المفاهيم البرشتية بدأنا البحث عن القيم الدرامية في تراثنا وعن الحكواتي / الراوي و الكوال والاغنية الدرامية والرقص التعبيري وغيرها.. يمكن تحديد اتجاهين في المسرح العربي المعاصر:
1  - المسرح التراثي
وضع الفنان العربي أمامه مهمة اكتشاف وتحديد المفاهيم والأشكال المسرحية التي تخدم أفكاره الفنية من أجل معالجة مشاكل مجتمعه، وقد حتم هذا الرجوع إلى التراث القديم مع أهمية الاستفادة من كل تطورات الفن المسرحي الأوربي، من اجل الوصول إلى أشكال مسرحية بعيدة عن المفهوم الأوربي الغربي. وبما إن المسرح يفترض الروح الجماعية في تحقيق المعرفة واكتشاف الجمال، لذلك فان الفنان عمد إلى إرجاع المسرح إلى كونه ظاهرة احتفالية شعبية وطقوس يمكن أن تقام في كل مكان، وحتم هذا أيضا تغير شكل العرض أي استخدام شكل العرض المسرحي المفتوح، وبالتأكيد فان هذا يتطلب تغير مفاهيم التأليف المسرحي"المعتمدة على مفاهيم أر سطو".أي تغيير علاقة المؤلف بفضاء النص وبنيتة والمواضيع التي يعالجها وفرض هذا تغيير علاقة المسرح بالجمهور. وبالرغم من أهمية رفض (مسرح العلبة المغلقة حسب مفهوم المسرح الأوربي) إلا أن الضرورة تفرض الاستفادة من أشكال المسرح الأوربي وخاصة مسرح برشت الملحمي.
2ـ العرض التراثي الشعبي وافهومة برشت 
تأثر المسرح العربي المعاصر بالكثير من اتجاهات الفكر والمسرح الأوربي وخاصة مسرح اللامعقول
Absurd Theatre في فترة الستينات من هذا القرن كمسرح يونسكو، بيكيت، آدا موف مما فرض مفاهيم جديدة على الجمهور العربي، فقد كتب توفيق الحكيم مسرحية ياطلع الشجرة،ومسرحية الفرافير والمهزلة
الأرضية ليوسف إدريس و مسرحية الوافد، والخطاب لميخائيل رومان، وبالرغم من وجود بعض المعقولية
في الأحداث وعلاقات الشخصيات الا أن هذه المسرحيات كانت تحاول التعبير عن عبثية الحياة بمفهومها الغربي (حسب د. حياة جاسم - الدراماالتجريبية في مصر) 
ولكن سرعان ماإنحسرت هذه المفاهيم، لأنها كانت غريبة عن الهموم الحقيقية للإنسان العربي المبتلى بمشاكله الاقتصادية والسياسية والفكرية وأنظمته الدكتاتورية التي تحرمه حريته وحقوقه. فعبثية الحياة العربية متأتية من الخلل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وشيزوفرينيا الذات العربية، وليس هنالك غربة حقيقية بالمفهوم الأوربي في المجتمع العربي.
وضمن التزام المؤلف العربي بمعالجة مشاكل مجتمعه انطلاقا من واقعه، واستخداما لتراثه الغني مع التطبيق التقليدي للمفاهيم البرشتية أدى في فرض الالتزام السياسي ـ الاديولوجي في الكثير من المعالجات لدرجة وصف فيها المؤلف المصري الفرد فرج بانه كاتب برشتي، ويمكن ملاحظة الكثير من التأثيرات البرشتية عليه وخاصة في مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفا) واتهمها الكثير من النقاد بانها اقتباسا من مسرحية (السيد بونتلا وتابعه ماتي). وتؤكد د. لميس العماري بان موضوع وهدف مسرحية المؤلف الفرد فرج ليس بعيد عن مسرحية برشت (بونتلا) ولكنها ليست اقتباسا لها. لهذا يمكن اعتبارها مسرحية عربية تراثية تستخدم بعض مقومات الكتابة المسرحية البرشتية.

ثانيا: في فضاء الكتابة والعرض المسرحي 
امتلك فن الاخراج المسرحي أهميته في القرن العشرين، حتى بات يطلق على المخرج، بانه الخالق والمبدع لقوانين العرض المسرحي، والواعي لتطور الطبيعة والمجتمع. وبات المخرج يفرض وجوده على كل العناصر الفنية الاخرى التي تدخل ضمن العملية الابداعية للعرض، بما فيها النص ايضا. ومن المنطقي القول بان لكل عصر مؤلفه الواعي، فكذلك يمكن القول بان المخرج يمكن ان يكون مؤلفا ثانيا للنص. من خلال استخدامه للوسائل الفنية الاخرى في العرض، وقد حتم هذا اهمية مسرح برشت الملحمي وبالذات مبدأ التغريب في المسرح للتعبير عن مشاكل الانسان العربي المعاصر.
وفي الوطن العربي يمكن القول بانه في ثلاثينيات وأربعينيات هذا القرن بدأ الاخراج المسرحي في المسارح العربية يتحول الى مهنة تتطلب ثقافة خاصة وتجربة غنية. 
وفي كل بلد عربي هنالك اتجاهين في الاخراج المسرحي: الاول، نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية ذات طابع انساني شمولي، تبدو بعيدة عن مشكلات المسرح العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب في المجتمع الاوربي. والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح 
(لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وجرت اولى التجارب لتقديم المسرح البرشتي في مصر من خلال نص دائرة الطباشير القوقازية الذي اعده صلاح جاهين. وكان سعد اردش من الاسماء الاولى في اخراج بعض مسرحيات برشت). 
وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي: كالمسرح داخل المسرح. او توزيع الممثلون في الصالة وجعلهم جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحي حيث يجلس الجمهور حول خشبة المسرح ويصبح العرض دائريا، كما في مسرحية"المهرج"للسيد الشوربجي والفرافير ليوسف ادريس. وبعد ان يموت الملك لصلاح عبد الصبور. ومسرحية الليلة نضحك لميخائيل رومان. وامتد هذا التاثير كذلك على تجارب المخرج العربي مثل الطيب الصديقي ونجيب سرور وكرم مطاوع وابراهيم جلال، سامي عبد الحميد ود.صلاح القصب و د.فاضل خليل وفاضل سوداني وسهام ناصر ويعقوب شدراوي وريمون جباره ونضال الاشقر وقاسم محمد وعز الدين قنون وفاضل الجعايبي ومحمد ادريس وصقر الرشود. ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا.
فمن المتاثرين ببرشت في المسرح الجزائري الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي عاش في فرنسا ابان الاحتلال الفرنسي لبلاده وساهم هناك في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية"نجمة"التي حاز عليها عدة جوائز وكذلك مسرحياته كمسرحية:الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء. والجثة المطوقة، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955. وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية"الرجل ذو الحذاء المطاطي"التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك. وقد انتقل للعيش في بلاده نهائيا وترك الكتابة بالفرنسية واستقر بين الجماهير الفقير ة في الريف وبدأ بالكتابة عن همومها (حتى وفاته). ومشاكلها وخاصة قدرية التخلف المتأتي من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى اهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن بشئ من الحذر.(غير ان مبدأ التغريب الذائع الصيت لايمكن الاستفادة منه في ظروف الجزائر، لان الجمهور في بلادنا ـ خلافا للجمهور البرجوازي الالماني الذي صاغ برشت هذا المبدأ من اجله ـ لم يتشوه بعادة الاندماجEmpathy مع الحدث او الشخصية. ان هذة العدة لاتشكل خطورة بالنسبة لنا.ولهذا فنحن نحذفها من قائمة استفادتنا من مسرح برشت الملحمي).   
ان هدف التغريب لا يعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور. التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها. انه في الواقع موقف من الحياة.(كما كتبت د. لميس العماري).  
وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب في المسرح الجزائري لها اهميتها 
في الوقت الحاضر وتمتلك مكانتها في المناقشات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي. 
ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة (اغتيل في الجزائر دفاعا عن حرية الفن والديمقراطيةوضد الظلامية) واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين يعملون على تكييف افكار برشت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة العربية. معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد. ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او المسرحية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي التي تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا. وقام علولة باحلال وظيفة الكوال بدل الراوي البرشتية وهي شخصية يمكن ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد. ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة. و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق المغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق.. وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته"كراوية"اصبحت اكثر تأثيرا، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرشتي. فيقوم الراوي (الكوال) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب (ان المخرج علولة هو الذي يكتب ويعد مسرحياته عادة) وانما في الاداء والعرض. ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالون، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور. (ويعتبر هذا تحولا جديدا في المسرح الجزائري والعربي عموما) ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما.فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية. وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برشت. أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي. وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية. واستمر التأثير الكبير للمسرح البرشتي على الفنان العربي وجمهوره ايضا نتيجة لطموحات هذا المسرح الفكرية والسياسية في العمل على تغير وعي الإنسان وعلاقاته بالمجتمع، وقد تأثر الكثير من المؤلفين المسرحيين بأفكار برشت بهدف كتابة مسرحية للكشف عن طبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل سعد الله ونوس،نجيب سرور، يوسف إدريس يوسف العاني قاسم محمد الطيب الصديقي ومحمود دياب جلال خوري و الفريد فرج، عزالدين المدني و عبد الكريم بورشيد، عبد العزيز السريع، نو الدين فارس وعادل كاظم وغيرهم. مما ادى هذا الى تشكيل ملامح عرض مسرحي عربي بتأثير التغريب البرشتي في ربرتوار المخرج العربي. ومازالت الكثير من العروض العربية تنهل من المفاهيم البرشتية سواء كان ذلك في الأسلوب الملحمي للكتابة اوالفكر الإخراجي لصورة العرض المسرحي.

-------------------------------------------------------
المصدر : ملحق منارات 

كتاب دراسة المسرح .. أبحاث ونصوص مسرحية معاصرة

مجلة الفنون المسرحية

كتاب دراسة المسرح .. أبحاث ونصوص مسرحية معاصرة

كتاب دراسة المسرح .. أبحاث ونصوص مسرحية معاصرة للباحث الأكاديمي والفنان المسرحي العراقي عباس عبد الغني الكتاب يقع في 150 صفحة من القطع الكبير صادر  عن دار المعرفة للنشر والتوزيع في المملكة المغربية- الرباط. ومن تقديم الناقد المصري الكبير سباعي السيد الذي تناول من خلاله التحليل التالي:

“في كتابه دراسة المسرح، يقدم الناقد والمخرج المسرحي الأستاذ عباس عبد الغني دراسة وافية للعناصر البنائية المكونة للدراما من الحبكة والشخصيات واللغة والفكرة، مستشهداً بنماذج من المسرح العالمي من شكسبير وابسن وبرخت وغيرهم.

 كما يقدم كاتبنا دراسة تحليلية للبنية الدرامية لنصوص عدد من كتاب المسرح العراقي مثل معد الجبوري و طارق فاضل و محمد عطا الله، حسين رحيم، مناقشاً اتساقها واختلافها عن  نظرية أرسطو في الشعر الدرامي.

وينتقل الباحث والمخرج عباس عبد الغني إلى دراسة توظيف لغات خشبة المسرح في التعبير عن الرؤى الإخراجية المختلفة في موضوعة أثيرة كالحب والكراهية، فيقدم لنا تحليلاً دقيقاً ومتعمقاً للوسائل التي يلجأ اليها الإخراج لتجسيد الرؤية الإيديولوجية والجمالية للمخرج، وذلك من خلال نماذج تطبيقية متعددة من المسرح العراقي المعاصر.

ويقدم لنا الكتاب مقارنة شائقة بين الرؤى الدرامية والإخراجية المختلفة  لأنتيجون من سوفوكليس فيما قبل الميلاد الى جان أنوي في القرن العشرين، وما بين المخرج الروسي ألكسندر تايروف والعراقيين سامي عبد الحميد، و عادل كريم وغيرهم.

ويتنقل بنا الكتاب عبر عدد من المباحث والفصول بين اشكاليات بحثية عديدة ومتنوعة ،  تتعلق بالحركة في المسرح، والمسرح التربوي، ومسرح جروتوفسكي الفقير.

يضم الكتاب، فضلاً عن الفصول النقدية النظرية والتطبيقية، مجموعة من النصوص المسرحية القصيرة التي أبدعها المؤلف، وعلى سبيل المثال يتحدث نص ست سنوات عن الواقع المرير الذي عاشه العراق ولا يزال،  من تمزق ودمار بسبب الاحتلال والانقسام الطائفي والعرقي، ويحلم بغد أفضل لعراق جديد قوي نحلم به، وتتجلى في هذه النصوص الأولوية التي تتمتع بها الصورة المسرحية التي سوف يعبر عنها المؤلف في بيانات ما أسماه “بالسينمسرح “أو الكيرودراما كما يطلق عليها في البيان الثاني. وذلك من خلال تجربته الإبداعية في توظيف السينما كمكون أساسي  في المسرح في مسرحيته انتقام هاملت.

ويقول المؤلف ان (السينمسرح) تؤطر الرؤى المسرحية بديكور سينمائي له فضاءه اللامحدود تجعل من وعي المخرج اثيراً واعياً وواسع المساحة فغرق (اوفيليا) في (انتقام هام..لت) تم تصويره سينمائياً ليخدم الرؤية البصرية للعرض بدل ان يلقى على لسان راوي ينقل الحدث سردياً فلا تجعل من المستلم- المتلقي- في تجاوب تام مع الدراما لكن التجاوب الأيجابي يكون بصرياً وهنا تجعل الكيرودراما المتلقي يستلم الحدث بحاستين سمعية وبصرية .

وعلى صعيد التمثيل- يضيف المؤلف – تمنح (الكيرودراما) الممثل جانبا اكثر ثراءً في الحركة عبر تجلي السينمسرح لحركته بتنسيق وإيقاع وتوازن وحيوية. وقد صاغ المخرج في (انتقام هام..لت) تمارينه بعد دراسة عميقة للمدارس المسرحية العريقة في العالم بدءاً من المسرح الإغريقي ومسرح شكسبير والمسرح الإسباني وصولاً إلى المسارح اليابانية وتقاليد الكوميديا ديل آرتي وذلك من أجل تقوية مهارات  ممثليه  الجسدية والإيقاعية.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption