أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 19 يناير 2018

إلتباس متواليات الموت في مسرحيّة "رائحة حرب "

محترف الفنون المسرحية في جامعة الروح القدس –الكسليك أطلق ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي

مجلة الفنون المسرحية

محترف الفنون المسرحية في جامعة الروح القدس –الكسليك أطلق ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي

النهار 

أطلق محترف الفنون المسرحية التابع لقسم الفنون المسرحية في كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس –الكسليك "ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي"، تحت إدارة البرنامج المفتوح لمركز عمل جيرزي غروتوفسكي وتوماس ريتشارد بالتعاون مع سفارات النمسا والبرازيل وكولومبيا، والمعهد الفرنسي والمعهد الثقافي الإيطالي والمركز العربي للتدريب المسرحي ومسرح توسكانا.

تمتد ورشة العمل، وهي الأولى من نوعها في لبنان، على أكثر من 100 ساعة تدريب، من 8 حتى 28 كانون الثاني. وتشتمل على عدد من النشاطات المتنوعة، ومنها: ندوات غنائية، أفلام، عروض مسرحية، حلقات نقاش... وذلك باشراف المدير المساعد للمركز ماريو بيادجيني.

وتعتبر هذه الورشة لقاء عملياً يركّز على عناصر مهنة الممثل، مثل اكتشاف اللعبة الدرامية والغناء والتحليل الفكري والإعداد الدرامي، وذلك بهدف تعزيز قدرته الإبداعية والعمل على عدد من العناصر التقنية مثل الغناء واهتزاز الصوت، الارتجال، معرفة المكان ورد الفعل تجاه عناصره، العلاقة بين التقليد والعمل الفردي، الشعائر والمسرح... هذا ويركز البرنامج في نشاطاته على الأغاني الخاصة بالتراث الأفريقي-الأميركي في جنوب الولايات المتحدة الأميركية والتراث الأفريقي- اللاتيني في أميركا الجنوبية، وذلك بالتعاون مع 10 فنانين من بلدان مختلفة وخلفيات ثقافية متنوعة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ غروتوفسكي هو أحد أهم الممارسين النظريين في المسرح خلال القرن العشرين وقد أحدث ثورة في المسرح الغربي المعاصر في أكثر من مجال، ولاسيما في علاقة الممثل مع الجمهور، والإخراج المسرحي وفن التمثيل. وقد أسّس "المسرح الفقير" وتخطّت ممارساته الحدود التقليدية للمسرح.

الخميس، 18 يناير 2018

"ألهاكم التكاثر" لنجيب خلف الله: عندما يتحدّث الجسد عن غدر السياسي

في عرض"عطسة" من الكويت بمهرجان المسرح العربي بتونس ..تلاشي المغفرة في زمن الغطرسة

غصة عبور" لمحمد العامري : تلتقي الأوجاع لتفصح عن واقع عربي متأزم

الأربعاء، 17 يناير 2018

الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا

مجلة الفنون المسرحية 



الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا

محمد بلقائد أمايور

مدخل:

بعد النصف الثاني من القرن الماضي، وفي المسرح الغربي المعاصر، هناك تجارب مسرحية عديدة أغنت الحركة المسرحية العالمية، ليس فقط على مستوى نوعية العروض المسرحية التي أنتجتها، ولكن أيضا، على مستوى العمل التطبيقي والتنظيري الذي صاغه روادها.
لم تتقوقع هذه التجارب في دائرة البحث عن إرساء طرق إخراجية جديدة، أو تختار الانغماس في شكليات معالجة النصوص الدرامية، وكيفية تفسيرها عند هذا المخرج أو ذاك، بل سعت لإيجاد طرق منهجية، فنية وثقافية، باحثة عن فهم أعمق للعملية المسرحية المتسمة بالتعقيد.
اهتمت هذه التجارب إذن، بماهية المسرح كظاهرة إنسانية لها جذور في عمق الحضارات الإنسانية المتعددة في مختلف البقاع، وحاولت فهم ما يمثله المسرح بالنسبة لشعوب العالم وضرورته في الحياة الاجتماعية، وعلاقته بالثقافة والشعيرة والطقس..الخ. تراهن هذه التجارب على دراسة المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها الممثل في عمله، علاقة المخرج بالممثل؛ علاقة العرض بالمتفرج؛ و إشكاليات أخرى شملت علاقة المسرح بالعلوم المختلفة ودورها في المعرفة الإنسانية.
تعد تجربة غروتوفسكي التي تركت أثرها الكبير على مجاميع مسرحية هامشية ، وحتى في الأوساط الأكاديمية الرسمية، وتجربة المسرح الحي مع رائدها جوليان بيك، التي واجهت المياه الراكدة في الثقافة المسرحية الأمريكية، وتجارب بيتر بروك الذي حاول اقتراح نموذج مسرحي مغاير لما كان سائدا في الأوساط الانجليزية، يروم تقليص سلطة الخطابية الكلامية التي أفقدت المسرح تميزه. وتجارب أخرى عديدة ( أرطو، منوشكين، بوال، لوكوك ...)، بالإضافة إلى تجربة متميزة، نقترح أن نتناولها في هذا العرض، ويتعلق الأمر بتجربة المسرحي الإيطالي يوجينيو باربا مؤسس مسرح الأودن ، ومؤسس المدرسة العالمية لأنتروبولوجية المسرح ، والذي صاغ مفهوم أنثروبولوجيا المسرح ومنحه بعدا يتقاطع فيه المسرح كفن والأنثروبولوجيا كعلم.
إذن، فماهية الأسس والخلفيات المعرفية والجمالية التي استند عليه يوجينيو باربا لصياغة تصوره المسرحي ؟ وما هي مرتكزات هذا التصور؟ ما هي العناصر المسرحية التي منحها المركزية في فرجته المسرحي؟ ما هو النموذج الذي يقترحه لبناء علاقة دينامكية - تفاعلية بين المتفرجين و عروضه؟ كيف تمثل الفضاء المسرحي الذي يشتغل عليه، وماهي مقوماته؟ ما طبيعة و مستويات إعداده للجسد في محترفه المسرحي ؟ ما هي معالم تصوراته، و رؤاه الإخراجية ؟
تنفتح هذه المجموعة من الأسئلة على إشكاليات كبرى سنحاول أن نوضح بعض ملامحها، ولا ندعي ـــ فيما سنقدمه ـــ أننا بصدد الإحاطة الشاملة بكل هذه الإشكاليات، فكما اشرنا إلى ذلك في عنوان العرض، سيكون ما سنقترحه، مجرد مقدمات أولية، يمكن للمهتم بتجربة يوجينيو باربا أن يستمر في البحث من أجل ردم بعض الهفوات، والبياضات التي قد تظهر في هذه المقالة.

- التأثر بغروتوفسكي وامتداداته :
 الاشتغال في مختبر غروتوفسكي:
بداية، ونحن نلج هذه العتبة، سنحاول استعادة إشكالية قديمة/جديدة ، أسالت الكثير من مداد النقد المسرحي - دون أن يحسم في أمرها- ويتعلق الأمر بتأثر غروتوفسكي بأرطو من عدمه؛ سنحاول الوقوف عند بعض الشهادات في هذا الموضوع، ومسعانا في هذا الاختيار، ليس هو الاستنقاص من تجربة أرطو المتميزة، بقدر ما نرغب في الاعتراف بمجهودات واجتهادات غروتوفسكي و يوجينيو باربا من بعده.
ونحن نطالع أطروحة الباحثة الزهرة إبراهيم (س 93/94) وجدنا أنها تتبنى طرحا مفاده أن يوجينيو باربا قد استفاد من تجربة غروتوفسكي الذي تأثر بدوره بأرطو، إذ تقول: اختار يوجينيو باربا السير على نهج أستاذه غروتوفسكي المتأثر إلى حد كبير بكشوفات أرطو(1) ، رغم أنها لم تؤسس لهذا الموقف الذي تبنته، ولم تُحل إلى المرجع الذي استقت منه هذا الحكم. وفي نفس السياق ــــ وان اختلف مع الموقف الأول في درجة التأسيس لما طرحه ــــ نجد الباحث سعيد كريمي في أطروحته، يذهب في اتجاه أن المسرح الفقير قد استفاد من تجربة وكشوفات أرطو المسرحية، وبلور خلاصة، بعد مناقشته لمقومات التجربتين والوقوف عند جوامعها المشتركة، ويقول: مجمل القول، إن المسرح الفقير يزكي أغلب الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها مسرح القسوة. إلا أن غروتوفسكي ظل مع ذلك متشبثا باستقلالية تصوره(2). ويضيف في خلاصة أخرى: ومهما يكن من أمر فإن من الثابت، أن غروتوفسكي تأثر بمسرح القسوة وجمالياته، سواء صرح بذلك علانية، أم لم يصرح(3). لكن الاثنين ـــ في نظرنا المتواضع ـــ لم يقدما برهانا قويا كفيلا بالحسم مع هذه النقطة، ويبقى ما ذهبا إليه (أقصد الباحثين الزهرة إبراهيم وسعيد كريمي) لا يخرج عن خلاصات عامة بعيدا عن الحسم النهائي للموضوع الذي يبقى مطروحا للنقاش.
للمساهمة في هذا النقاش نقترح الوقوف عند شهادتين، أولاهما لغروتوفسكي، والثانية للمسرحي الانجليزي بيتر بروك؛ فالشهادة الأولى قوية بحكم أنها صادر عن المعني بالأمر، والثانية أيضا لها قيمتها بحكم أن بيتر بروك قد اعترف بتأثره بأرطو إلى درجة انه أطلق على مسرحه في مرحلة من المراحل: مسرح القسوة ؛ يقول بيتر بروك: اخبرني غروتوفسكي ـــ بدوره ــــ انه حين كان يقوم بعمله حول موضوعات تثير اهتمامه قال له احدهم: إن كل شيء تفعله معتمد على أرطو! في ذلك الوقت لم يكن غروتوفسكي يعرف من هو أرطو(4). نستشف من هذه الشهادة بان غروتوفسكي لم يكن يعرف أرطو في بداية اشتغاله، ولم يتعرف عليه إلا بعد مدة، وحين تعرف عليه، نجده لم يتردد في الاعتراف بأهمية أرطو ووصف كتاباته بالنبوءة المذهلة، وهذه شيمة من شيم الحكماء، إذ يقول: كثيرا ما يسألونني عن أرطو... مع أن صيغ أرطو كانت تقوم على حجج غير حججنا، وسلكت دربا غير دربنا، كان أرطو رجل خيال ممتازا، ولكن لا تحتوي كتاباته إلا على القليل من المعنى المنهجي لأنها لم تكن حصيلة بحث عملي طويل الأمد. كتاباته نبوءة مذهلة وليست منهجا(5). ويضيف غروتوفسكي في موضع آخر : أنا لا ادعي أن كل ما نفعله جديدا كليا [...] يغمرنا التواضع عندما تكشف وتؤكد تجربتنا أن شخصا آخر ثاقب النظر، توصل بالحدس إلى ما توصلنا إليه(6).
إن التلاقي والتقاطع بين المسرح الفقير ومسرح القسوة، لا يثبت استفادة احدهما من الآخر، بقدر ما يثبت، فرادتهما معا، كتجربتين مسرحيتين طليعيتين، متمردتين على المسرح الغربي، الذي يصفه أرطو بالمسرح البالي في حين يصف غروتوفسكي الممثل في المسرح الغربي بالممثل العاهر .
إن الاختلاف الجوهري بين التجربتين هو أن غروتوفسكي أسس معملا للتجارب المسرحية، أي انه ينطلق من تجارب عملية، ولا يتبنى طروحات لم تنتجها الممارسة العملية في مختبره التجريبي، بينما أرطو حاول – كما وصفه غروتوفسكي – التوصل إلى آفاق رحبة انطلاقا من الحدس، وبين الحدس والتجربة مسافات؛ وهذا الذي جعل أرطو لم يخلف منهجا واضحا، يطوره من يأتي من بعده، فكتاباته تعد بلا شك منطلقا مهما لمن يمتلك سعة الأفق للاشتغال عليها، قصد بلورتها على شكل منهج، من جهة، ومن جهة ثانية، عدم وضوح ما اقترحه أرطو شكل صعوبة لدى اغلب المهتمين والممارسين للمسرح، لأنها كتابات حدسية . أما الالتقاء بين التجربتين، فيكمن أساسا في استفادتهما من المسارح خارج أوربا، كل واحد منهما حسب أفقه الإبداعي وطرق اشتغاله.
استفاد يوجينيو باربا من تجربة غروتوفسكي، ويؤكد الباحثون أن باربا كان له الفضل الأكبر في التعريف بتجربة غروتوفسكي عالميا، باعتبار أن المسرح الفقير قد أطاله التهميش وظل محصورا في بولندا، وهذه الخطوة – ربما – قام بها باربا من أجل رد الجميل لغروتوفسكي.
لا يتردد باربا في وصف غروتوفسكي بالأخ تارة، وبالأب والأستاذ تارة أخرى. ويعترف بأهمية غروتوفسكي في حياته، وإلهامه لإيجاد الطريق الذي سلكه بعد تأسيس مسرح الأدون. بعد قضاء باربا ثلاث سنوات في معمل غروتوفسكي، سينتقل للشرق للتعرف عن قرب على المسرح الشرقي، وبعد العودة؛ حاول أن يجمع ثلة من الممثلين الذين لم تقبلهم معاهد التكوين الرسمية، لينطلق في مساره الحافل، والذي مازال مستمرا إلى اليوم.
استطاع باربا أن يصوغ ملامح تصوره للمسرح في عدة وثائق تمثلت أساسا في مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في مختلف المحافل، في إطار عمل المؤسسة العالمية لانثروبولوجية المسرح ISTA (international school of theatre anthropology)، التي أسسها باربا سنة 1979، أو في مدونات أبحاثه وتطبيقاته المسرحية في مسرح الأودن ، (تم نشرها على امتداد الإصدارات التي ألفها باربا أو تلك التي ألفها عنه آخرون ) هدا المختبر الذي يشبه إلى حد كبير في أسلوبه مختبر المسرح الذي أسسه غروتوفسكي سنة 1959، والذي ليس مسرحا بالمعنى المألوف للكلمة، بل بالأحرى معهد مكرس للبحث في مجال الفن المسرحي وخاصة فن الممثل(7). ومسرح الأدون بهذا المعنى، هو امتداد طبيعي للمسرح الفقير.

 مسرح الأودن : الأسس والمقومات
تأسس مسرح الأدون سنة 1964 على يد يوجينيو باربا، وبعدها انتقل إلى الدنمارك سنة 1965، ولا يزال حتى الآن يمارس نشاطاته المسرحية، وينظم أعماله في مدينة صغيرة ( هولستيبرو Holstebro) في الدنمارك.
ليست مجموعة الأودن كالفرق المسرحية المألوفة، أي أنها ليست فرقة مركبة من عدد من الممثلين والإداريين الخاضعين لمشروع إنتاج عرض مسرحي، يقوم بإخراجه مخرج ما، كما هو سائد في الفرق العامة(8) ؛ فهذه الفرقة المسرحية تتكون من مجموعة من الممثلين والفنيين، تجمعهم روابط حياتية مشتركة وعلاقات اجتماعية تتجاوز العلاقات الإدارية المهنية الموجودة في الفرق المألوفة. وتتأسس علاقاتهم على فهم مشترك للظاهرة المسرحية بشكل عام، ويسعون من خلال هذا الاختيار إلى كسر طوق التعاليم الأكاديمية للمسرح التقليدي السائد والمهيمن في الغرب(9).
تركز اهتمام المجموعة في بداية اشتغالها على الإعداد الذاتي وعلى التربية الصارمة، من أجل الوصول إلى التكنيك القادر على ترجمة طموحات كل فرد من أعضاء المجموعة، وانصبت بداية العمل على تمارين تمت استعارتها من البيوميكانيك لمايرهولد، وبعض التمارين التي عمل بموجبها غروتوفسكي، وبعض تكنيكات مسرح الكتاكالي الهندي.. ومضت المجموعة في عملها من أجل بناء ثقافة وطريقة عمل خاصة بها(10) ، وهذا التوظيف للتمارين المختلفة التي تمت استعارتها من تجارب مسرحية متنوعة، لم يكن مجرد تقليد جاف، بل كان منطلقا للسير في الطريق الذي رسمته المجموعة.

 المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح
انطلق عمل المدرسة العالمية لانثروبولوجية المسرح، بمحاضرة ألقاها يوجينيو باربا سنة 1980 في وارسو بعنوان: انثروبولوجية المسرح: اقتراحات أولية(11) ، أشار فيها إلى المرتكزات والأسس التي يستند عليها هذا النوع من البحث، ومن هنا انطلق مشروع المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح. في تلك المحاضرة طرح باربا المبادئ الراسخة التي يستند عليها عمل الممثل مثل مبدأ تغيرات التوازن في الجسد ، و مبدأ التضاد في الحركة ، و مبدأ الطاقة في الزمان والمكان ، وهذه المبادئ [...]هي الأسس للدراسة والبحث في ثنايا عمل الممثل(12).
رغم أن الدراسة الأنثروبولوجية لسلوك الإنساني، وهو يؤدي أدواره في الحياة الاجتماعية، كانت قديمة ــــ على الأقل مع الأبحاث الرائدة لمؤسس الأنثروبولوجية الفرنسية مارسيل موس Marcel Maussـــــ فـفكرة النظر للمسرح، من وجهة نظر انثروبولوجية [...] لا يبدأ تاريخها اليوم. كل أبحاث المسرح تقريبا تصب في أصول المسرح،[...] ومقارنة الثقافات المهمشة (الهامشية) بالثقافة الغربية(13) ، إلا أن الإضافة النوعية التي أضافها باربا؛ والذي عرف أنثروبولوجيته المسرحية بـ: دراسة سلوك الإنسان علي المستوى البيولوجي و السوسيو- ثقافي حينما يكون في حالة عرض ، هي الاهتداء في بحثه التطبيقي، إلى التمييز بين استعمالات الجسد في الحياة اليومية واستعمالات الجسد خارج الحياة اليومية، أو ما يسميه بـ: التعبير اليومي المعتاد و التعبير الخارج عن المعتاد – سنتوقف عند هذين المفهومين في ما سيأتي من العرض.
لا تسعي هذه المدرسة التي تأخذ أبعادا تتجاوز اطر الثقافة الواحدة(14)، والتي تعقد دوراتها باستمرار، بمشاركة عشرات المخرجين المسرحين والتقنيين والممثلين والراقصين من الشرق والغرب ومن ثقافات متعددة، قلت لا تسعى، لإيجاد تقاليد تكنيك للممثل الغربي ولا تهدف إلى تعليم كيف يصبح الفرد ممثلا. ولا كيفية إنتاج عرض مسرحي، بل تحاول تشخيص ثوابت ملموسة تصبح مرجعا أساسيا لمعرفة حرفيات استخدام الجسد والفعل في حالة مسرحية(15)، و تقترح مسارات للبحث التطبيقي الميداني، وليس من خلال النظريات المجردة، بمعنى أن المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح تبحث في الدراسات التطبيقية، وتنخرط آفاقها البحثية في مسار التعاليم الميدانية المتسمة - في إطار التجريب- بالتحول المستمر.
- إعداد الممثل وتصورات باربا حول الجسد :
سنتوقف عند الأسس التي استند عليها باربا في فهمه ومنهجيته التطبيقية في إعداد الممثل، وسنتعرف على المفردات التكنيكية التي وظفها من اجل البحث عن حيثيات عمل الممثل كما يتصوره.
بدأ باربا في حفرياته، حول عمل الممثل بعد تجربته في مشاهدة أعمال غروتوفسكي، ولمدة ثلاث سنوات، وقد استخدم في بداية مساره، تمارين لمايرهولد، والتمارين البديلة لغروتوفسكي، وتمارين المايم لـ ديكرو Decroux، وتمارين من المسرح الهندي، ومن الرقص الغربي الحديث، وتمارين أكروباتكية عامة.
ومن خلال الوثائق المسجلة ( فيلم موجود على يوتوب / 1972 )، التي اعتمد عليها الممثلون، نلاحظ أنها تمارين غاية في الصعوبة، فهي نوع من الأكروباتيك، والجمباز، تعلمها الممثلون بالتدريج، وقد فصلت فيها تمارين الجسد عن تمارين الصوت وكأنها شيء ميكانيكي، ويوضح لنا هذا الفصل الكثير من حيثيات تكنيك إعداد الممثل في منهج يوجينيو باربا . يقول: إن المجموعة في بداية حياتها، ولمدة ثمان سنوات كانت تقوم بتمارين يومية منظمة، وقد أخذت بالتدرج شكلا وأهدافا من خلال الضرورات التي كانت تنشأ من العمل نفسه، وكانت البداية عبارة عن تمارين مأخوذة من المايم، الباليه، الحركات الإيقاعية، الجيمناستيك، اليوغا، والحركات البلاستيكية، وكانت تطبق بشك جماعي ( البعض منها وضعه باربا ) ومع مرور الزمن أخذنا بعين الاعتبار نوعية إيقاع كل فرد واختلافاته عن الآخرين(16) .
يشير باربا في تعليقاته وحديثه عن التمارين التي يمارسها في محترفه المسرحي، إلى أهمية الإيقاع في الحركة، ويسميه: الإيقاع العضوي، أي أن كل ممثل يمتاز بإيقاع خاص به، لذلك يصبح التمرين بالتدريج فرديا ويأخذ خصوصيته الذاتية لدى كل فرد(17) ، ويشير أيضا إلى ما يسميه: الاستعمال الطبي للتمرين، كمهدد للتمارين ويصف الطريقة التي يمكن بها ربط تمرين بأخر في علاقته بالإيقاع، و يقول : إن الطريقة العضوية التي يدبر بها الممثل هذا الربط، مشابهة لنفس الطريقة في اللغة الملفوظة، لا تنطق الكلمات بطريقة متشنجة، لكن تتزامن كل نهاية كلمة مع هدف الكلمة الموالية، في تسلسل موجات تعكس إيقاعنا العاطفي، والعقلاني، وتتخللها لحظات التباطؤ والتوقف، ولحظات القوة والحدة. إن الممثل الذي يقدم سلسلة من التمارين بطريقة متشنجة، أو بشكل مستمر في نفس الإيقاع، مشابه للفرد الذي يبتلع أقراص الدواء واحدا تلو الآخر دون أن ينفعه ذلك في شيء. فالاستعمال الطبي للتدريب هو ضد المعنى: مما يؤدي إلى ابتعاد الممثل عن اكتشاف إيقاعه العضوي الخاص،و هذه الطريقة من الرقص التي يتفاعل بها الجسد حسب منطقه العضوي الخاص، تشبه تماما الصوت في الغناء(18).
فالتمارين لم تكن عبارة عن نظام من أجل إعطاء مرونة للجسد فحسب، أو تزويد الممثل بالمهارة اللازمة فقط، بل وضعت من أجل، إنماء الإحساس الدرامي، من فعل ورد الفعل، من خلال الاستناد على الدقة والإيقاع والحيوية، كل ذلك لإيجاد أسس ومبادئ، يستند عليها باربا في معمله، ليحصل الممثل على الثقة في النفس، والسيطرة على قواه النفسية، والذهنية، التي تتغير في كل مرة وفي كل لحظة، بأشكال تُبلور الصورة الفنية لأداء الممثل.
يوظف يوجينيو باربا تقنية الارتجال، لكنه لا يقصد، الارتجال، كما يفهمه الممارسون للمسرح الكلاسيكي، إذ يقول: أحيانا، بعض العاملين في المسرح التقليدي يتركون الفرد لوحده ليرتجل، دون أن يمتلك الأسس، والمبادئ الأولية كأرضية، يقف عليها للقيام بالارتجال(19). فالارتجال حسب باربا يشبه الارتجال الذي يقوم به الموسيقى بعد أن تمكن من تعلم كل المبادئ الموسيقية، وهو بذلك (الارتجال) تقنية يمكن توظيفها في نهاية التكوين، وليس في بداياته، لأن رهان باربا يتأسس على القضاء على اللغة اليومية المعتادة، وإخضاع الجسد (جسد الممثل) لسيرورة تعلم لغة جديدة، كي يتخلص من اللغة الجسدية، التي تعلمها في ثقافته/ مجتمعه، وتوظيف هذه اللغة التي سيستند عليها الممثل في تعبيره (أدائه) أثناء عملية الارتجال، لن يكون قبل تعلمها وضبط مكنزمات استعمالها.

• تكنيك إعداد الجسد(20):
يستند يوجينيو باربا في بحثه وعمله التطبيقي على ثلاثة مبادئ أساسية، وهي:
1ـ التكنيك اليومي المعتاد والتكنيك الخارج ـ المعتاد:
في كل ثقافة، هناك طريقة لاستخدام الأرجل، الأيدي، الرأس، العيون، العمود الفقري ...وهذا الاستخدام ملتصق بالمهام الثقافية والاجتماعية التي تؤطر سلوك الفرد، والتي تمنحها التنشئة الاجتماعية قوانينها وطرق استخدامها، لذا يكون استخدام الجسد في الحياة الاجتماعية بمثابة تقليد ينتقل من جيل إلى جيل، باعتباره ثقافة مقبولة عند الجماعة التي ينتمي إليها الفرد ( طريقة الأكل، طريقة الجلوس، طريقة السير...) وهذا ما يطلق عليه باربا الاستعمال اليومي المعتاد، أي الطبيعي والبسيط. أما بالنسبة للتكنيك الخارج عن المعتاد، فهو عبارة عن سلسلة من التكنيكات المختلفة جدا، تدخل ضمن حقل ممارسة خاصة، مثل تكنيك بعض الطقوس، أو السحر، أو الرقص، أو التمثيل، فهذه التكنيكات تحتاج إلى تعلم خاص خارج التعلم اليومي المعتاد في المجتمع، وبالتالي لابد أن يختلف استخدام الجسد في التكنيك المعتاد عن التكنيك الخارج عن المعتاد.
2ـ ما قبل التعبير:
إن مبدأ ما قبل التعبير هو الأساس الذي يعتمد عليه الممثل لإبراز حضوره الجسدي، ويحتوي في طياته على الإمكانيات الأولية لبناء القدرة على تنفيذ الفعل الدرامي. يهتم ما قبل التعبير بإشكالية ما قبل المقصود، فهو يعنى بعمل الممثل الذي يمكن من خلاله جدب انتباه المتفرج بشكل ملموس حتى قبل إن يريد إبلاغ شيء محدد، بمعنى أن الممثل يقوم بجهد عضلي مادي يصرف من خلاله طاقة معينة متمركزة في فعله البيولوجي ـ الفيزيولوجي. فيوضع الجسد في مواجهة للقوانين الفزيائية في حركته. ومن اجل تنسيق القدرة الحركية الجسدية، يجب الخضوع لتدريب يومي وفق مبدأ ما قبل التعبير.
3ـ اللاترابط ـ المترابط أو اللامتماسك ـ المتماسك:
هذا المبدأ شخصه باربا كتكملة للمبدأين السابقين، فهو وثيق الصلة باستخدام الجسد، من خلال منظور التكنيك خارج عن اليومي المعتاد، وإمكانية بناء صورة أخرى لحضور الممثل ما قبل التعبير، ففي منظور هذا المبدأ، يبدو استخدام جسد الممثل مترابطا، ومتماسكا من حيت الشكل الفني، في الوقت الذي يظهر في منظور التكنيك المعتاد كأنه غير متطابق.
ومن هنا فانا باربا يؤكد وباستمرار على ضرورة العمل الصارم والدقيق، الجسدي والذهني، من اجل خلق دكاء الجسد، وذلك ما كان يبحث عنه مايرهولد هو أيضا في منهج البيوميكانيك.

- الإخراج المسرحي:
يتم العمل من أجل بناء العرض في مسرح الأدون، انطلاقا من فكرة معينة؛ من موضوع معين؛ يقترحه المخرج أو المستشار الأدبي، أو يتم التقاطه من خلال الإرتجالات التي يقوم بها المخرج والممثلون ويتم تطويره بعد ذلك. في بعض الأحيان يقوم المخرج، بارتجال موضوع طويل، باعتماده على ثقافته ومعرفته الدقيقة في حبك المواضيع المرتجلة، ويكون ذلك محفزا لعمل الممثل، حيث يأخذ بتلك المحفزات ويقوم بدوره بالإرتجال في الموضوع(21)، يتدخل المخرج في المستوى الموالي، ويقوم بانتقاء المواد التي يجدها صالحة كي توظف في مقطع من المقاطع، وهذه التقنية يسميها باربا بالمونتاج، ولذلك فان عمل المخرج شبيه بعمل المخرج السينمائي الذي يصور المشاهد ويقوم بتقطيعها حسب المعايير الفنية للفكرة وإيقاع العرض(22). وفي بعض الأحيان يقوم الممثل بالارتجال أثناء عمله اليومي، ويلاحظه المخرج تم يقوم بمساعدته من اجل تطوير تعبيراته وإعطائها شكلا، حتى ينتج مقطعا وتتم صياغته كصورة نشأت من ارتجال الممثل، ويصبح بذلك ما أنتجه الممثل مادة قابلة لدمجها مع مواد أخرها عن طريق المونتاج. وهذه التقنية التي يقوم بها الممثل، هي ما يطلق عليها دراماتورجيا الممثل. أبدع هذا التعبير يوجينيو باربا، وحوله يتلاءم نمط الاشتغال الذي يختار فيه الممثل أو الممثلة، وسائلهما الصوتية والحركية... الخ، بغية تجميعها شيئا فشيئا خلال الإرتجالات الفردية، خلال شهور عديدة(23) ، وتعتبر دراماتورجيا الممثل كما يقترحها باربا وسيلة الاشتغال بشكل قبلي، قابلة للتعديل والتحيين أثناء التداريب، ولها علاقة وطيدة بالإيقاع العضوي الذي سبق أن توقفنا عنده، وبشكل خاص حينما يتعلق الأمر بالحركة، فهي إذن منطلق يؤطر اشتغال الممثل اثنا الإرتجالات، وهي أيضا بمثابة طريقة لإعداد الدور المسرحي ــــ بتعبير ستانيسلافسكي، مع اختلاف جوهري في مكنزمات هذا الإعداد ـــ فدراماتورجيا الممثل كما يؤكد باتريس بافيس، ترتبط أساسا بالعروض المبنية على الإرتجالات الصوتية أو الإيقاعية قبل أن يتم حشوها بالنصوص والسرود وان يتم إخراجها في الأخير من طرف مخرج لا يشعر أبدا بأي تعاقد سردي(24).
يؤكد باربا على اختياره هذا النمط من الإخراج قائلا: هناك مخرجون أشبه بالأمهات، يقومون بإرادتهم بإعطاء الصور والشكل للعرض المسرحي، وهناك مخرجون أشبه بالمولدات اللواتي يقمن بمساعدة العرض من أجل أن يرى النور، وينظرون له بتطفل، بعين الدهشة والشك، وبنوع من النقد، كأنهم أول من يتفرج عليه، إنني انتمي إلى النوع الثاني من المخرجين(25).
باربا إذن، من المخرجين الذين يساعدون العرض على التبلور والتشكل، وهو العارف بخبايا الموضوع أو الفكرة التي يتم الاشتغال عليها، وفي سيرورة تشكل العرض يوظف باربا تقنية المخرج كمتفرج وهو بصدد القيام بعملية بناء وهدم ما تمت صياغته من قبل الممثل أتناء الإرتجالات. أن العرض في مسرح الأدون لا يتوقف عن التحول، عن التجدد والتغير و التدفق...
تتميز عروض الأودن بتوظيف الأقنعة، وأنصاف الأقنعة ، والدمى كأكسيوارات يتم بها خلق الشخوص. أما الموسيقى، فهي موسيقى حية من عزف الممثلين ويستعمل خاصة الأكرديون، ويتم كذلك توظيف أصوات وصراخ الممثلين، في حين أن الإنارة عادية يكون الهدف منها هو إظهار فضاء الفرجة ولا يتم الرهان عليها لتؤدي أي دور جمالي .
اما بخصوص التيمات التي تحكيها العروض المسرحية فيكفي ان نقف عند شهادة هذا الناقد الدي بصدد الحديث عن عرض كاوزوموز وهو عرض للادون:
الخيوط تتشابك في مستويات عديدة، حتى دخول المتاهة، بدون أن نستطيع بلوغ حل شفرة العرض كليا، لكن المتفرج يبقى يحفر ويحفر في ثنايا العرض ليمسك بمدخل، لكننا نجد أنفسنا أمام كلام مبهم، مرموز. فالعرض يدفعنا أن نحمل معنا التجربة التي عشناها وان نتأمل ونتلذذ باستعادة الأحداث في ذهننا، وتلك هي تجربة يصعب حقا عكسها من خلال الكلمات المكتوبة(26).
- تكنيك المخرج كمتفرج:
يقترح باربا تقنية، يستند عليها من أجل التنبؤ بالأثر الذي سيخلقه عرضه المسرحي على المتفرج،و يسمي هذه التقنية: تكنيك المخرج كمتفرج، إذ يقول: إنني أواصل العمل في المسرح حتى استطيع التحدث مع المتفرجين الذين يكون بالنسبة لهم شيء جوهري مواجهة الظهور الذي يترك فيهم الأثر[...] لكن كل ذلك سيبقى مجرد كلام إن لم يتحقق في إشارات دقيقة في الحرفة المسرحية(27).
يعرف باربا المخرج بكونه المتفرج الأول، وتكمن مهمته في إخراج انتباه المتفرج من خلال أفعال الممثل(28) ، وكي يقوم المخرج بهذا الدور، لا بد له أن يعرف اللبنات الذرية،[...] ويجرب الطرق من جل تحطيم العلاقات الواضحة ما بين الأفعال ومعانيها؛ مابين الفعل ورد الفعل؛ ما بين السبب والنتيجة؛ ما بين المتفرج والممثل، لذا فإنني أشبه عملي بالكلب الجائع، الذي يعضعض العظم بأمل كسره وإيجاد النخاع الشوكي(29).
إن هذا الذي يتحدث عنه باربا، ووسمه قاسم بياتلي بـ «الإستكلاب»، هو اختيار منهجي يظهر مدى أهمية محاولة النفاد إلى العمق؛ وتبقى لحظة استعمال تكنيك المخرج كمتفرج، لحظة حاسمة في مسيرة بناء العرض، إذ بواسطة هذا التكنيك يتأكد من أن العرض سيمنح للمتفرج حقه، وجعله يعيش تجربة العرض وكأنه قد تم تحقيقه له وحده، والهمس في أدنه بشيء شخصي، وتوسيع رقعة الوضوح له(30)، ويرفض باربا – في المقابل – التعامل مع المتفرج كرقم (عدد)، ويقترح تفكيك بعض المواقف الأساسية الممكنة لسلوك المتفرجين، كبداية منهجية للقيام بتكنيك المخرج كمتفرج.
يفرق باربا بين أربعة متفرجين، نورد خصائصهم باختصار كما يلي(31):
1- الطفل الذي يرى الأفعال بحرفيتها :
إن الطفل الذي يرى الأفعال بشكل حرفي، لا يمكن إغراؤه من خلال الوهم؛ المجاز والرمزية؛ أو من خلال التجريد، فهو يلاحظ ما يتم تقديمه وليس ما يتم عرضه.
2- المتفرج الذي يعتقد أنه لا يفهم لكنه يرقص بدون علمه:
يعتقد هذا المتفرج أنه لا يفهم معنى العرض (ربما لا يعرف اللغة المنطوقة المستخدمة في العرض) لكنه يعرف أن العرض معمول بشكل جيد، ومعالج بدقة في تفاصيله. ويتأثر أساسا بمستوى ما قبل التعبير للعرض؛ من رقصة طاقة الممثلين؛ ومن الإيقاع الذي يوسع في الزمان والفضاء. فهو يتبع العرض من خلال الصور الحسية، ويبقى يقضاً لأن العرض يجعله يرقص وهو جالس في مكانه.
3- الأنا الأخرى للمخرج :
هذا المتفرج لديه معلومات كاملة ودقيقة، عن كل ما يحتويه العرض، عن النصوص والأحداث التي تنمو منها، والاختيارات الدرامية، وسيرة كل الشخوص، فالعرض بالنسبة له عبارة عن أرضية لإثارة الماضي القريب والبعيد. يتوغل بنظرته في هذه الأركيولوجية الحية متنقلا من القشرة السطحية إلى القشرة العميقة جدا. و يكون قادرا على مشاهدة العرض كل ليلة دون أن يثير عنده الضجر.
4- المتفرج الذي يرى العرض كما لو انه لا ينتمي إلى عالم الزوال والوهم:
المتفرج الرابع، يكاد يكون أخرسا، يضحك بينه وبين نفسه، ويراقب ذلك الذي لا يستطيع أي متفرج أن يراه؛ فهو يرى ما يقوم به الممثل باليد اليسرى، بينما يقوم بشيء آخر باليد اليمنى ليخفيه عن المتفرج؛ يرى العمل المعمول جيدا حتى في حالة حدوته في السر، ويتعرف على فعل الممثل إذا كان منفذا بالشكل الذي تتطلبه الضرورة؛ ويذهب أبعد مما يطلبه أي متفرج.
ينبغي تبرير كل لحظة من العرض أمام متفرج من هؤلاء الأربعة. وأهمية تكنيك المخرج كمتفرج في هذه الأرضية الجوهرية للعمل، تكمن في كيف يتفاعل كل متفرج مع العرض، دون أن يقوم برد فعل يعيق تلقي العرض.

- مقومات الفضاء المسرحي في تصور يوجينيو باربا:
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنناـــ وفي مسار بحثنا ــــ حول مقومات الفضاء المسرحي الذي يشيد عليه باربا عروضه المسرحية، لم نجد ـــ فيما اطلعنا عليه ـــ ولو مبحثا أو محورا يتناول هذا الجانب، وحاولنا التقاط بعض الإشارات، على شكل شذرات هنا وهناك، وقمنا بجمعها وصياغتها لتمنح لنا تصورا ـــــ على الأقل أوليا ــــ في الحاجة إلي المزيد من البحث والجهد لتطعيمه بمعطيات أخرى تثريه.
يشتغل يوجينيو باربا على فضائين:
ــ الفضاء المفتوح ( الشارع: نموذج لعرض فراي المقدم بالبيرو ــــ 1982
ـــ فضاء الحجرة ( على غرار عروتوفسكي ).
فقد فطن إلى أن العلبة الإيطالية لا تقدم إمكانية التفاعل بين المتفرج والممثلين، وقام بهجرها، فاغلب عروضه قدمت في فضاء الحجرة.

سنتوقف عند تصور باربا للفضاء انطلاقا من عرضه المسرحي رماد بريشت (1980)، ويتأسس اختيارنا على كون هذا الفضاء يدمج اغلب المميزات التي يوفرها الفضاء في جل العروض الأخرى. النموذج ادن، بكل بساطة نعتقد انه يسمح باستخلاص مجموعة من المميزات والخصائص التي يوفرها الفضاء المسرحي حسب باربا، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
• الفضاء – النهر :
ينظر باربا إلى الفضاء المسرحي كأنه على شكل نهر ، يتموضع المتفرجون على َضفتيه، ويشكلون مجموعتين كل واحدة على ضفة مقابلة للأخرى، وهما (المجموعتان) ، تراقبان ما يتدفق في النهر ( الفرجة )، ويمنح هدا التموقع للمشاهد إمكانية ملاحظة ردود أفعال المتفرجين المتواجدين في الضفة المقابلة.
• المركزين :
يتوفر هذا الفضاء المسرحي على مركزين:
- الأول، مركز هندسي ثابت، تكونه النقطة المركزية لمساحة فضاء الفرجة (النهر).
- الثاني، مركز ديناميكي متحرك، تشكله فاعلية الممثلين، بمعنى انه يرتبط بتحرك الممثل (الممثلين) الفاعل (الفاعلين).
= يمكن أن يلتقي المركزان ويتطابقان، حين يكون الممثل الفاعل في المركز الأول.
= يمكن أن تتعدد المراكز الدينامكية وتتشعب. ( الأفعال المتزامنة )
• هيمنة المشاهد على جزء من الفضاء:
لا يهيمن المشاهد على الفضاء بأكمله، بل يختار جزءا من الفضاء، خاصة أثناء تعدد المراكز الدينامكية ( الأفعال المتزامنة ) ، فالمتفرجون في عروض باربا لا يشاهدون نفس العرض بنفس الكيفية.
• الفضاء المخفي ( الخفي ):
فعالية الممثل في الفضاء المخفي، تجدب انتباه المتفرج، ويتحقق ذلك باستناد الممثل على الصوت لان جسده مخفي.
• التقلص والتمدد:
يتغير الفضاء باستمرار، يتوسع، يتقلص، من الأسفل نحو الأعلى، من الأعلى نحو الأسفل، إذ يوجه المشاهد نظرته حسب وضعيات نمو الفعل وتغير المراكز في الفضاء.
• تموضع المشاهد خارج فضاء اللعب:
يتحدد فضاء اللعب على شكل دائرة تسمح بالمشاهدين (على ضفتي النهر) بمراقبة ما يجري، ويختار الممثل الخروج من الدائرة شريطة أن لا يقوم بأي فعل خارجها. يمكن أن نوسم هده الدائرة الدينامكية التي يحدث فيها الفعل بـ دائرة الفعل . إن الأهم في هده الخاصية هو التمييز بين دائرة الفعل وخارج دائرة الفعل، لان من شان عدم تمثل هدا المعطى أن يشكل خللا عند المتفرج.

( انظر صورة تصميم الفضاء على جدار الفايسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2014893391858388&set=a.2014893011858426.1073741850.100000132410713&type=3&theater )


على سبيل الختم :

لم تتوقف مختبرات البحث، والفرق التي تشتغل في الحقل المسرحي، وكل المخرجين، أقول، لم يتوقفوا عن البحث في إمكانات جديدة وآفاق أخرى، يمكن أن تنفتح أمامهم، فممارسة المسرح في عمقها هي توجه يسعى للتجاوز الدائم، تجاوز العتيق والبالي، ورسم معالم الجديد والمتجدد. وتعد تجربة يوجينيو باربا من التجارب المسرحية التي ميزت النصف الثاني من القرن الماضي، ومازال تميزها وإشعاعها مستمرا إلى اليوم. ونحن نختم هدا العرض، نشير إلى أن الاهتمام بهده التجربة في الأوساط الأكاديمية المغربية، أو حتى في أوساط الممارسين المسرحيين يكاد يكون منعدما، ففي مجال النقد المسرحي يمكن تعداد الباحثين الذين أشاروا إلى هذه التجربة على رؤؤس الأصابع، أما في مجال الممارسة العملية فلم يسبق لنا أن سمعنا مخرجا أو ممثلا يتحدث عن اشتغاله بالتكنيكات والصيغ التي توصل إليها باربا.
فإلى متى سيدور التناول النقدي المسرحي مغربيا – على الأقل - في فلك اجترار تجارب مسرحية أشبعت بحثا، ولم يعد في تناولها ما يستحق الذكر؟ والى متى سيبقى الممارس المسرحي المغربي رهين نفس الصيغ الإخراجية والتصورات المسرحية، يعيد تقليدها بشكل متكرر في متواليات لا تنتهي؟

****
إحالات ومراجع:
1- إبراهيم (الزهرة)، الجسد والقناع والدمية بين المسرح الغربي وأشكال فرجوية مغربية ــ دراسة انثروبولوجية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــ ظهر المهراز (فاس)، إشراف: يونس لوليدي، ر.ت 34/94، (غير منشور) ص:81.
2- كريمي (سعيد )، مسرح القسوة وانعكاساته على التجريب في المسرح الغربي والمغربي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، إشراف: د.يونس لوليدي، جامعة مولاي إسماعيل/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس،س.ج: 2000-2001 ( غير منشور). ص: 224.
3- كريمي (سعيد )، نفسه، ص: 226.
4- بروك (بيتر)، النقطة المتحولة – أربعون عاما في استكشاف المسرح ، ترجمة: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة، ع: 154، ص: 70.
5- غروتوفسكي(جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة:كمال قاسم نار، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة )، ص: 22.
6- غروتوفسكي(جيرزي)، نفسه، ص: 23.
7- غروتوفسكي (جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة: كمال قاسم نادر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة ).ص: 7.
8- بياتلي (قاسم)، دوائر المسرح: تجربة الأودن وأنثربولوجية المسرح، دار الكنوز الأدبية، بيروت (لبنان)، ط1، 1998، ص:14.
9- نفسه ، ص:15.
10- نفسه، ص15
11- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :73.
12- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
13- بلخيري (احمد)، المعجم المسرحي، مطبعة سندي (مكناس)،ط1، 1997 ، ص 20 .
14- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
15- نفسه ، ص:64.
16- نفسه، ص:23.
17- نفسه، نفس الصفحة
18- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :58.
19- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:23
20- نفسه، ص: من 21 إلى 27 (بتصرف).
21- نفسه ، ص:24
22- نفسه ، ص:43
23- بافيس (باتريس)، الدراماتورجيا وما بعد الدراماتورجيا، ترجمة: سعيد كريمي وخالد أمين، منشورات المركز الدولي لدراسة الفرجة، سلسلة رقم 36، ط1، 2015، ص:36.
24- نفسه، نفس الصفحة.
25- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:24
26- نفسه ، ص:59
27- نفسه ، ص: 118.
28- نفسه ، ص:119
29- نفسه، نفس الصفحة.
30- نفسه، ض:110.
31- نفسه، ص: من 120 إلى 124( بتصرف ).

تتويج مسرحية “صولو” من المغرب بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة

مجلة الفنون المسرحية

تتويج مسرحية “صولو” من المغرب بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة

مكتب الأعلام 

اختتمت فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي المنتظم من 10 إلى 16 جانفي 2018 بتونس بتتويج مسرحيّة “صولو” للمخرج المغربي محمّد الحرّ بجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي للدورة العاشرة لمهرجان.

“صولو” من إنتاج فرقة أكون أو لا أكون للثقافة و الفنون، مثّلت طرحا دراماتوجيّا مقتبسا من رواية ليلة القدر للطاهر بنجلون، و قد خضعت صياغتها الإخراجّة لمسار روائيّ في نقل قضايا تحرّر الذات و إثارة أسئلة وجوديّة تشغل الإنسان انطلاقا من موضوع معاناة المرأة من السلطة المجتمعيّة بمختلف تجليّاتها داخل العائلة و في تعاملها مع الآخر.

كما تناولت موضوع التطرّف الديني بشكل صمني و محاولة التحرّر منه على الطريقة الصوفيّة، وقد تعمّد مخرجاه محمّد الحر.

اختتمت مساء الثلاثاء 16 جانفي باقة العروض المسرحية المتنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ضمن الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي بتونس، بتتويج العرض المسرحي المغربي “صولو” للمخرج محمّد الحرّ بجائزة أفضل عرض مسرحي لعام 2018.

ستّة وثلاثون عرضا لـسبعة وعشرين مسرحيّة من 23 دولة
فعاليات الدورة التي امتدّت من 10 إلى 16 جانفي 2018 حيث شملت 36 عرضا لـ27 مسرحيّة توزّعت على خمسة مسارح بالعاصمة هي المسرح البلدي و قاعة الفنّ الرابع والريو والمونديال وابن رشيق وعديد المراكز و المؤسّسات الثقافيّة على غرار المركز الثقافي الجامعي حسين بوزيّان و المعهد العالي للفنّ المسرح و المسرح الوطني بالحلفاوين إلى جانب جملة من المؤتمرات الصحفيّة و الفكريّة و الندوات النقديّة التطبيقيّة و التكريمات و الورشات المسرحيّة.

و سجلّت الدورة التي افتتحها في العاشر من جانفي 2018 أمين عام الهيئة العربيّة للمسرح برسالة محبّة صدّرها للمسرحيّين العرب، سجلّت مشاركة 23 دولة قدّمت 36 عرضا اختارته لجنة الفرز من بين 136 عرضا مسرحيّا على أساس تحقيق المجايلة بين الأسماء المسرحيّة الرائدة في المجال المسرحي و الأسماء المخضرمة و الأسماء الشابّة.

ثمانية ورشات تدريبيّة
قدمت الدورة ثمانية ورشات تدريبيّة استفاد منها طلبة المعهد العالي للفنّ المسرحي و تقنيي المراكز الدراميّة و الركحيّة وبعض الشباب من المشاركين بعروضهم المسرحيّة ضمن الدّورة، ورشات أمّن سبعة مختصّين وهم الإيطالي أنريكو بونافيرا (ورشة الكوميديا دي لارتي) وبطرس العماري (ورشة فنّ أقنعة دي لارتي) و فائق الحميصي (ورشة فنون الإيماء) و وليد دكروب (ورشة فنون العرائس) و كلّ من الفاضل الجعايبي و توفيق الجبالي و خولة الهادف ومروان الروين( ورشة فنّ الممثّل)، أمّا ورشة فنون الإضاءة فقد أمّنها المغربي عبد الرحيم المشرقي.

خمسة إصدارات محورها المسرح
أصدرت الهيئة العربيّة خلال المهرجان خمسة كتب تونسيّة محورها المسرح وهي “المسرح التونسي…مسارات حداثة” لـعبد الحليم المسعودي و “الإرتجال في المسرح التونسي” لرياض حمدي، و”خطاب الشخصيّة الهاشميّة في نصوص المسرح الجديد” لنسرين الدقداقي و “الإخراج المسرحي في تونس، حدود الإئتلاف، وحدود الإختلاف” لحمّادي الوهايبي و “مسرح العبث في تونس” ليسرى بن علي.
كما كرّمت الدورة و بالتناصف عشرة من روّاد المسرح وهم دليلة المفتاحي وسعيدة الحامّي و فاتحة المهدوي وفوزيّة ثابت و صباح بوزويتة و محمّد نوير وصلاح مصدّق و أنور الشعافي و البحري الرّحالي ونور الدّين الورغي.

مسرحية " ثلاثين وأنا حاير فيك "لتوفيق الحيالي أيقونة مسرحية... ولوحة حيّة من الحياة

الثلاثاء، 16 يناير 2018

الندوة التطبيقية النقدية لمسرحية "تشابك" ..التجربة السعودية تحظى بالإشادة وطلاب مسرح يكرمون عبد الغني بن طارة

اختتام ورشات المهرجان بمشاركة 133 مسرحيّا ..مسرحيّون عرب شباب يتفاعلون مع الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي

مجلة الفنون المسرحية

اختتام ورشات المهرجان بمشاركة 133 مسرحيّا ..مسرحيّون عرب شباب يتفاعلون مع الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي

مكتب الإعلام


برمجت الدورة العاشرة للمسرح العربي بتونس من 10 إلى 16 جانفي /يناير الحالي عدد من الورشات التكوينية لفائدة المسرحيين المشاركين في مهرجان الهيئة العربية للمسرح ومن بين هذه الورشات نذكر "كوميديا ديلارتي"، فن الأقنعة، فن الميم و"العرائس".
وأكد المنسق العام للورشات ومدير المركز الوطني لفن العرائس حسان سلامي أن كل الورشات أنجزت في ظروف جيدة وقد وقع اختتم بعضها يوم أمس من منطلق أنها بدأت قبل المهرجان بيوم (9 جانفي/يناير الحالي) وتوزيع الشهائد على المشاركين بحضور أمين عام الهيئة العربية للمسرح الأستاذ إسماعيل عبد الله فيما اختتمت بعد ظهر اليوم ورشتي فن الممثل، الأولى مع توفيق الجبالي في فضاء "التياترو" والثانية مع الفاضل الجعايبي في المسرح الوطني مع عدد من المسرحيين الشباب العرب إضافة إلى ورشة فن العرائس بالمركز الوطني لفن العرائس والتي شارك فيها 16 طالبا.
وشدد حسان السلامي على أهمية الاختصاصات المقترحة في الورشات والقيمة الأكاديمية للمشرفين عليها منوها في هذا السياق بورشة لفائق الحميصي بالمعهد الأعلى للفن المسرحي عن فن الإيماء وورشة كوميديا ديلارتي وورشة "فنون الإضاءة" والتي حظيت باهتمام كبير وضمت متربصين محترفين من مراكز الفنون الدرامية بالجهات. 
وعن مدى تفاعل المشاركين في الورشات مع الاختصاصات المقترحة للتكوين، أفادنا حسان السلامي أن ورشتي توفيق الجبالي والفاضل الجعايبي إضافة لورشة الإضاءة كانت أكثر الورشات إقبالا مشيرا إلى أن عدد المشاركين في الورشات بلغ 133 متربصا.
وعن تطلعاته ومأخذه المتعلقة بسير الورشات، لفت مدير المركز الوطني لفن العرائس بتونس الانتباه إلى أنه كان من الضروري برمجة استراحة خلال كل ورشة حتى يتسنى للمتكونين فرصة للقاء والتفاعل أو تنظيم جلسة في اختتام الورشات للتقييم والاستماع لوجهة نظر المشاركين وتقييمهم الخاص لمضامين الورشات.
تجدر الإشارة إلى أن الورشات التكوينية المبرمجة خلال الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي، انتظمت في عدد من الفضاءات المسرحية منها المعهد العالي للفنون الدرامية والركحية ، فضاء التياترو، المسرح الوطني بالحلفاوين، المركز الوطني لفن العرائس والمركز الثقافي حسين بوزيان.









المؤتمر الصحفي الخاص باصدارات المهرجان قيمة الحركة النقدية في دعم طلائعية المسرح التونسي

مجلة الفنون المسرحية

المؤتمر الصحفي الخاص باصدارات المهرجان قيمة الحركة النقدية في دعم طلائعية المسرح التونسي


المكتب الاعلامي


قال الدكتور محمود الماجري منسق الندوات الفكرية بمهرجان المسرح العربي في المؤتمر الصحفي الخاص بمنشورات المهرجان ” اعبر اولا عن سعادتي بصدور خمس اصدارات عن الحركة المسرحية التونسية في صلب مهرجان المسرح العربي لاننا نعاني من مفارقة كبيرة في تونس تتمثل في  نقص الاصدارات النقدية مقارنة بغزارة الانتاج المسرحي التونسي الذي تنسب له صفة الريادة عربيا وحتى متوسطيا بعيدا عن منطق جلد الذات والحديث عن تراجع مستوى اعمالنا المسرحية ونحن باصرارنا على وجود حركة نقدية نصر في الحقيقة على الخروج من منطق صناعة الاوثان المسرحية التى صنعها الاعلام ونريد قراءات تحليلية تبحث في المسرح

ومن جهته قال حمادي الوهايبي الذي صدر له كتاب” الاخراج المسرحي في تونس “انها اولى التجارب في مجال الكتابة  ضمن اطار بحث قدمته لأطروحة الدكتوراه ويتعلق بتجربتي الابداعية في مجال المسرح واعتبر نفسي من المحظوظين بالجمع بين البعد النظري والبعد التطبيقي فلا يمكن للمسرحي ان يقدم مادة متجاوزة للراهن الا بالتعمق في البعد النظري ومن اكثر التجارب  تأثيرا هي تلك  التجارب التى خاضت في مسائل تنظيرية ”

واضاف الوهايبي ” ماكان ينقص جيل الرواد هو هذا الجانب التنظيري لان التجارب العالمية تركت لنا اثارا نقدية نطلع عليها وقد اخترت نماذج من التجربة التونسية المسرحية الحديثة وحاولت تحليل العناصر التى شكلتها ولا تخلو الاختيارات التى قدمتها من ذاتية عملية الانتقاء ومنها اذكر تجربة المنصف السويسي والفاضل الجعايبي ومحمد ادريس ورجاء بن عمار وصابر الحامي ,, وقد قادتني رحلة البحث الى تجربة فنية تقوم على انشائية العرض في ظل ورشة عمل مسرحي قدمنا من خلالها مسرحية “الصابرات”

ومن جهتها قالت مؤلفة “خطاب الشخصيات الهامشية  ” نسرين الدقداقي ” قمت بقراءات نقدية تحليلية فيها العديد من المقاربات التى اشتغلت على نصوص المسرح الجديد وما لاحظته ان القراءات التى اشتغلت على نصوص المسرح الجديد كانت من الخارج وليست من الداخل من داخل العرض اقصد ومن جانبي قرأت النصوص وقمت بقراءتها قراءة بطريقة تحليلية ومحصلة البحث ان الشخصية  وهي عمود فقري للنصوص قد اختلفت عن ذاك البطل النبيل الذي يواجه الماساة لتكون هامشية ولم ارى في ماكتب عنها تفسيرا هامشيا لهذه الشخوص بمفهومها الجمالي وليس بالمفهوم الاجتماعي ”

وهنا تدخل الناقد الصحفي محمد مومن ليبين محدودية قراءة الدقداقي من باب انها ليست القراءة الاولى في المجال الذي اعتبرت فيه نفسها السابقة وعدد القراءات النقدية في مجال المسرح الحديث كما دحض مقولة هامشية الشخصيات في المسرح الجديد

وقدم رياض حمدي مؤلفه “الارتجال في المسرح التونسي بالقول” نحن محكومون بالارتجال في المسرح التونسي وقد حاولت البحث في هذا المجال ليس بمفهومه اليومي وانما كمسار توليدي وانتهيت الى مفهوم الانشائية الارتجالية والارتجال هنا ليس كفرا بالكاتب وانما هي عملية عكسية تنتهي بعرض يشاهد ونص يمكن مطالعته والبحث يج

مع بين النظري والتطبيقي بالتركيز على المراجع الاساسية حتى يقع تفعيلها في صياغة العرض اي تركيز الاليات والميكانيزمات التى تنشئ العرض المسرحي  وكانت المنطلقات ذاتية من خلال تجارب شاركت فيها اعتمدت على الارتجال  كما احالنى المؤطر الدكتور محمود الماجري الى اهم التجارب التونسية التى اعتمدت على الارتجال ”

وقالت مؤلفة ” مسرح العبث في تونس  من خلال تجربة الاقتباس” يسرى بن علي” كانت الكتابة الدرامية من اكثر الدوافع التى تجعلني اسأل هل يؤثر الواقع على الكتابة  وهنا ماقيمة الاقتباس من تعريب وتونسة ومصرنة,,؟ واختلاف اساليب الكتابة تتطلب التعمق في هذه الاشكاليات ودفعتني الى هذا البحث  ومعرفة مامدى يمكن للكاتب ان يحافظ على جماليات النص الاول او انه ينتج نصا جديدا كما بحثت في مدى عودة الكتابة الدرامية الى المراجع الدرامية والاشكال هنا ليس هناك ارشيف للمسرح التونسي يوفر للباحث النصوص التى يؤيد الاشتغال عليها ”

وقال الدكتور عبدالحليم المسعودي صاحب اصدار ” المسرح التونسي ومسارات الحداثة ” بقطع النظر عن كل الاشكاليات  يهمني ان اكون مخزنيا وباحثا في علاقة المسرح والدولة , يشهد لنا كتونسيين باننا نقود القاطرة في المسرح لاننا نقد مسرحا تقدميا طلائعيا وهو مسرح يقوم على قيم الحداثة والمواطنة وكل هذه المبادئ التي تقوم عليها التجربة المسرحية موجودة في الدولة الحديثة فالتجربة المسرحية هي شبيهة بدولتها والفن المسرحي ليس اعتباطيا وانما هو جهد في البناء المواطني ”


المؤتمر الصحفي الخاص بنص” من قتل حمزة؟” تجربة تشاركية في التأليف المسرحي بين الاردن وتونس

مجلة الفنون المسرحية

المؤتمر الصحفي الخاص بنص” من قتل حمزة؟” تجربة تشاركية في التأليف المسرحي  بين الاردن وتونس

المكتب الاعلامي


نظم قسم المؤتمرات الصحفية مؤتمرا صحفيا خاصا بالنص المسرحي المشترك “من قتل حمزة؟ ” الذي يجمع الاردنى مفلح  العدوان بالتونسي بوكثير دومة

وبالمناسبة قال الكاتب والمسرحي مفلح العدوان ” بالبداية اشكر هيئة المهرجان العربي للمسرح لفتح باب اللقاء الفكري بيني وبين بوكثير دومة وتم اللقاء بيننا في دورة المهرجان بالجزائر وكان اللقاء ايجابيا ومثرا ولم يقتصر على التعارف و سنبحث في الندوة الخاصة بهذا النص المسرحي غدا فضاءات الكتابة المشتركة واليات الكتابة عن بعد وعديد المحاور الاخرى ”

وقال بوكثير دومة ردا على سؤال : كيف يتخلص الكاتب من سلطة نرجسيته والبيئة التى ينتمي اليها عند تجربة الكتابة الثنائية   وهل بامكاننا ان نتحدث عن انسجام غريب بين اسلوبين في الكتابة؟ ان روح المغامرة هي التى قادت التجربة وهي السلاح الاهم الذي يجب على المبدع امتلاكه حين يدخل مثل هذه التجارب وقد انتهت الكتابة بعد تجربة تواصلت مدة سنة فالشخصيات هي التى اختارت لغتها والنص المسرحي الذي كتبناه يحتمل هذه الثنائية حد التباين في الرؤى

ومن جهته رد مفلح العدوان” هي عملية بحث كبرى قمنا بها لمزج واعادة الحوار وتوحيد المصطلحات وحينما تنتهي لوحة ما نبدأ عملية القراءة والتوحيد

واستطرد مفلح العدوان  ليكشف دوافع اختيار العنوان” من قتل حمزة ؟ ان العنوان جذاب وربما هو خرج من طرفة عربية تداولها العامة لكنه العنوان المصيدة لجذب المتلقي ولم نتوقف عنده كثيرا لانه يعنون نصا هو عبارة عن حديث في العمق يثير اسئلة كثيرة في علاقة بواقعنا العربي فنحن لا نقدس هذا التاريخ وهذه الذاكرة التي انطلقنا منها وماكان يشغلنا فعلا هو عملية الحفر والغوص في هذا الماضي لنقده وفق  قراءة تحليلية نقدية ونحن لا نجيب على الاسئلة وانما ندفع اليها ونحاول اخراج عديد الحوادث التاريخية من سياقها الجاهز لتفكيكها فكريا فمن قتل حمزة لا تكتفي بالسؤال عن قاتل حمزة بل تثير عدة اسئلة : من قتل فرج فودة ؟ من قتل العقاد؟ 
ونحن نبني تجربتنا على مبدأ المسرح التفاعلي لانه يحتوي على  اراء وردود فعل تلقائية من العنوان ونعتبرهم شركاء في النص النهائي

وعن اليات وميكانزمات الاشتغال لانتاج نص مسرحي مشترك رد بوكثير دومة على هذا السؤال ” طبعا نحن التقينا اول مرة واتفقنا على المحاور الرئيسية في وهران ضمن كان الاتصال بوسائط تكنولوجية حديثة للتخطيط حول البناء الدرامي للعمل وخطوطها الكبرى والشخصيات ثم الكتابة عبر الاتصال التكنولوجي وكانت تجربة مشتركة جد ممتعة

وعما اذا كان الفرق في سقف الحرية  (المتعلق بالشخصيات المرتبطة بالمرجعيات الدينية) المتاح لمفلح العدوان في الاردن و بوكثيردومة في تونس قد أثر في صياغة العمل  قال مفلح عدوان “انا كتبت منذ سنة رواية 2000″موت عزرائيل”  وكان سقف الحرية اقل مما هو عليه اليوم والان قد يمكن الحديث عن تغول رقابة المجتمع واختلاف وجهات النظر حول الارث الثقافي ووجود تكلس واضح عند اطراف معينة وفعلا اصبح السجان الرسمي اقل عنفا من السجان المجتمعي

وعن امكانية انتاج النص و اخراجه ركحيا قال مفلح عدوان” قد يكون النص مستقبلا من منشورات المهرجان المسرح  العربي وبالنسبة لتنفيذه مسرحيا نقول ان اي بلد او جهة عربية معنية بالنص ونحلم بان يكون العرض في اكثر من دولة عربية لان النص عربي بامتياز ”


الاثنين، 15 يناير 2018

«كأنو مسرح» خلافات جذرية ومحاكمة علنية بعيداً عن التحيز …

مجلة الفنون المسرحية

«كأنو مسرح» خلافات جذرية ومحاكمة علنية بعيداً عن التحيز … 
لوتس مسعود: مصرون على إنهاء العرض بجرعة من الأمل … 
ديمة قندلفت: المسرحية لا تقل أهمية عن أي عمل درامي

 وائل العدس - الوطن 

يكتسب المسرح أهمية حضارية بوصفه محفزاً على التغيير والإبداع، وخاصة أنه يخاطب شرائح متعددة من الناس، ويلتصق بهمومهم وطموحاتهم، كما يعبّر عن ثقافة تحمل الكثير من الرموز والدلالات والأفكار التي لا تنفصل عن واقع الإنسان.
عبر 15 يوماً تدافعت حشود الجمهور لحضور مسرحية «كأنو مسرح» على خشبة مسرح الحمراء بدمشق في مشهد يشرح نفسه بنفسه، حتى إن الجمهور نفسه طالب القائمين بتمديد العرض عدة أيام أخر، في مشهد يثبت أن المسرح السوري قادر على النهوض ومازال يحافظ على رونقه وأهميته.

دور ريادي

رغم الصعوبات الماثلة أمام عشاق المسرح، إلا أن غسان مسعود ومنذ نشأته الفنية لعب دوراً ريادياً وأساسياً في ديمومة النشاط المسرحي، لكونه أسهم ويسهم بشكل كبير في إيجاد هوية مسرحية متميزة للمسرح، من خلال جهود مضنية بذلها كان دافعه الوحيد شغفه بالمسرح، فقدم خلاصة خبراته ولم يبحث عن أي مكاسب شخصية، بل كان ديدنه حب المسرح والإخلاص له.

قصة العرض
تحدثت المسرحية عن سورية ضمن الأزمة التي تمر بها عبر حالة ترميزية لمخرجة ضمن العرض، تحاول أن تجمع أعضاء فرقتها في عمل مسرحي واحد، برغم كل الاختلافات التي يعيشونها فيما بينهم وعبر آرائهم وأفكارهم.
كما روى العرض حكاية فرقة مسرحية تديرها «ليلى» التي تعيدها ذكرياتها لقصة حب مع عازف بيانو تقطعت بهما السبل لتكون ذاكرة المخرجة في التقاطع مع مشاهد تحضرها مع فرقتها، وصولاً إلى تنويع بين حال الممثلين في الفرقة ولوحات يتدربون عليها لعرضهم القادم لا تلبث أن تتكشف عن نزاعات حادة بين فريق المسرحية.
وتناول العرض خلافات جذرية في الحرب على سورية شهدها العديد من الشرائح والفئات الاجتماعية لتكون بمنزلة محاكمة علنية تطرح أطرافها كشهود على ما آلت إليه الأوضاع وما جرته من خيبات عامة عاشها الإنسان في ظل الحرب بعيداً عن التحيز ومن خلال نقاش اقترح مرافعات كان أسلوب المسرح داخل المسرح حلاً لإظهارها ووضعها.
النص للكاتبة الشابة لوتس مسعود في أول تجاربها الكتابية، وسينوغرافيا وإخراج غسان مسعود، ومساعد مخرج عروة العربي، وتمثيل: ديمة قندلفت، نظلي الرواس، روبين عيسى، محمود نصر، أيمن عبد السلام، لجين إسماعيل، مصطفى المصطفى، غسان عزب، راما عيسى، والطفلة ليا شموط، والموسيقا لطاهر مامللي.
وتحت عنوان «كي لا ننسى الكبار» تم إهداء العرض لكل من صلحي الوادي وفواز الساجر وسعد اللـه ونوس وممدوح عدوان ونعمان جود.

كلمة الوزارة
وفي كلمتها عن العرض، قالت وزارة الثقافة: المسرح أبو الفنون، إنه يحلق عالياً، فيحترق بنور طموحه، ثم يتجدد منبعثاً من رماده، كطائر العنقاء. لذلك، يظل المسرح أمل المستقبل. إن متعة المسرح الخالدة في عصر تكنولوجيا السينما والتلفزيون هي قدرته على مس شغاف القلوب ببساطة، وتحقيق أثر فكري ينحفر عميقاً في الوجدان.
وجاء في الكلمة أيضاً: المسرح مقايضة، فنحن نأخذ من مختلف الثقافات والأذواق لكي نعطي من ثقافتنا وذائقتنا العربية، المسرح بتياره الأساسي ليس متحفاً للتراث، وليس مختبراً للتجارب، وإنما هو توازن بين الحداثة والأصالة، يعيد إنتاج تراث الماضي برؤية وإسقاط معاصرين، ويعالج قضايا الراهن بجرأة غايتها الإصلاح البناء، المسرح تعبير بغرض التأثير، لذا فإنه ينشد في أفضل أحواله تكاملاً بين المبنى والمعنى، في الألفية الثالثة يهب المسرح دفاعاً عن هويته القومية في عصر العولمة، منفتحاً في الوقت نفسه على الثقافات الإنسانية بتسامح مع الآخر، مستلهماً جواهر الإبداع العالمي، فضلاً عن الاحتفاء بالنصوص العربية المتميزة، إن التعددية والتنوع اليوم يجعلان المشهد المسرحي المعاصر لوحة فسيفسائية.
وذكرت الوزارة في كلمتها: المسرح جزيرة للحرية، فهو يتميز عن باقي الفنون بأنه يخوض تحدياً مع كل ولادة جديدة والمسرح رئة الشعوب، تتنفس به وتحيا، فلنؤمن أن العمل في المسرح ليس أخذاً، بل هو عطاء، ولنتذكر أن مستقبل المسرح مرهون بإرادة الشباب، ولنشعل للمسرح أصابعنا شموعاً لدحر قوى الظلام، ولنعش سحر المسرح، لأنه سينعش حياتنا، ويضيء أرواحنا، ليعمر طويلاً في الذاكرة، ويصنع مستقبل الأمة.

الظرف الحالي
وفي كلمتها عن العرض قالت لوتس مسعود: عندما طلب مني أن أكتب كلمة المسرحية شعرت بالقلق والتشتت، فأنا ممن يستمتعون بقراءة الكلمة الخيرة لمخرج أو كاتب العمل الذي أراه مجسداً أمامي ويشكل قطعة من روح صاحبه. باختصار هو حزمة الضوء التي سحرتني منذ أن رأيتها للمرة الأولى تسقط على خشبة المسرح قبل أن أتعلم النطق والكلام، حتى هو تلك الوشوشات والهمسات التي تسبق العرض والتي تختفي تدريجياً مع الإعتام التدريجي في الصالة.
وأضافت: كل تلك السنوات التي قضيتها بين جدران المسرح إما بصفة ابنة المخرج والممثل أو بصفة جمهور لمرات لا يمكن أن أحصيها، ومؤخراً بصفة كاتبة العمل جعلتني أظن أنني كنت أسكن المسرح، ولكن الآن وأنا أكتب هذه الكلمة تيقنت بأن المسرح هو الذي سكنني.
لماذا «كأنو مسرح»، سؤال أجابت عنه كاتبة العرض فأجابت في حديثها لـ«الوطن»: لأن حياتنا بالظرف الحالي تشبه عرضاً مسرحياً لا يكتمل ويصل لنهاية واضحة وصريحة، إضافة إلى التغيرات التي فرضتها الحرب على واقعنا بشكل عبثي، وغير منطقي أحياناً، جعلتنا نشعر وكأننا نعيش في مسرحية، وحياتنا أصبحت كالمسرح بتداخلاتها الغريبة وما تضم من أحداث منطقية وغير منطقية.
وعن سبب موت المخرجة مع نهاية العرض، قالت مسعود: موت المخرجة نتيجة طبيعية لسيطرة انحيازنا الأعمى لآراء سياسية دعت الناس لاستخدام السلاح كأداة لتطرفهم الأعمى من دون أي فرصة لتقبل الآخر وتقبل وجوده ضمن حدود جغرافية واحدة. إذ إن موت «ليلى» هو الحال الذي وصلنا إليه بعد سبع سنوات من خسائر بشرية ومادية ونفسية لا يمكن تعويضها بيوم من الأيام.
مضيفة: كنا مصرين على إنهاء العرض بجرعة من الأمل تجسدت بالطفلة التي ظهرت آخر العرض لتقود البروفات عوضاً عن «ليلى». هذه الطفلة هي سورية جديدة لم تتشوه بالحرب ولم تتأذ من أولادها بعد، بمعنى أنها فرصة جديدة لأولاد البلد للتعايش مع بعضهم البعض على أرض واحدة.
وحول وجود شخصيات ترميزية بشكل مكرر، تحدث بأن الاعتقاد بوجود أفكار جديدة اعتقاد خاطئ لأن الأفكار نفدت منذ زمن، ومهمتنا كعاملين في الفن هو التجديد بطرح هذه الأفكار وتناولها ضمن إطار يناسب الظرف الذي نكتب فيه وعنه.
وأكدت أن كل من يقول إننا نكرر أو نقلد هو شخص غير مطلع على نوع كامل من السينما والمسرح، لأن كثيرين اشتغلوا على مفهوم الترميز ضمن بنية درامية كهذه، وهذا النوع ليس حكراً على أي كاتب أو فنان، وإنما متاح للتصرف بحسب رؤية كل كاتب وأسلوبه الخاص.
وبالنسبة لموضوع التكثيف، أشارت إلى النسخة الأولى من النص كان ينتج عرضاً مدته ثلاث ساعات، ولكن تم حذف كثير من المشاهد والمونولوجات للوصول للمدة الأخيرة للعرض، ولو اختصرنا أكثر لكان النص فقيراً وغير جدير بمناقشة هذه الفكرة الغنية، وخصوصاً أنها تتحدث عن بنية مسرح داخل مسرح وتحمل مشاهد متنوعة من حيث المساحة الكوميدية أو التراجيدية والنقل بينهما الذي لعب دوراً كبيراً بإمتاع المشاهد.

فرصة مواتية
ديمة قندلفت من النجمات القليلات اللواتي لم يقتصرن على نجومية الدراما بعدما قدمت فيها ما يقارب مئة مسلسل عبر 16 عاماً، إذ لم تخضع لشروط الدراما التفلزيونية واستهلاكيتها، فوجدت في «كأنو مسرح» فرصة مواتية لتفجر طاقاتها التعبيرية وتضخ عشقها لفن الخشبة إيماناً منها بقدرة «أبو الفنون» على تقديرها كقيمة فنية لا تضاهى.
في حديثها عن هذا العرض الجماهيري قالت قندلفت لـ«الوطن»: دعيت لأشارك في المسرحية من الأستاذ غسان مسعود باسمه الكبير وبأهمية فكره المسرحي، وخاصة أنه من الناشطين القلائل في المسرح ومن حاملي همّه منذ بداياته الفنية حتى الآن، بل إنه أكثر صنّاع المسرح نجاحاً وصاحب السمعة القوية والطيبة مسرحياً.
وأضافت: انغسمت في التفاصيل لأكون جزءاً من عرض متكامل مفعم بالشغف والحب والاحتراف بعيداً عن التفاصيل المالية والإنتاجية وضغط الوقت.
ورأت أن الممثل يحتاج على خشبة المسرح إلى كل أدواته مجتمعة في مدة عرض مكثفة، بدءاً من ذكائه المهني ومروراً ببديهته ومشاعره وانتهاءً بلياقته وخياله.
وعن سبب كسرها القاعدة بأن يتقوقع النجوم في دائرة الدراما، أجابت: تجربة «كأنو مسرح» لا تقل أهمية عن أي عمل درامي رغم عدم توافر الظروف والشروط المناسبة لنهضة المسرح السوري.
ولم تخف قندلفت استغرابها من المعنيين، مشددة على وجود فجوة بين شغف الجمهور والناشطين في المسرح، وبين القائمين عليه.
وختمت حديثها بالقول: الجمهور قال كلمته بحضوره الكثيف، وقد طالبنا مشكوراً بإعادة العرض في مختلف الأماكن، ما أعطى إشارة للمعنين بضرورة العمل على توسيع رقعة المسرح وانتشاره ليكون حاملاً ثقافياً مكملاً يمكن أن يكون أكثر قدرة على التواصل مع الجمهور، ونقل الرسالة الثقافية من السينما والدراما في سورية وخارجها، من دون الاقتصار على مكون واحد من مكونات الفن السوري.

شخصية جديدة
بدورها فإن روبين عيسى التي انطلقت نجوميتها عبر الخشبة قالت لـ «الوطن»: قرأت النص فشعرت أنه يشبهنا ويلامسنا وتوقيته مناسب، وسررت عندما عرفت أنني سأؤدي شخصية «سلمى» التي أحببتها منذ قرأت النص وكانت فيها مساحة للعب وتقديم شخصية جديدة.
وأكدت أن العرض يعني لي الكثير، لأنه من إخراج اسم كبير ومهم ونجم عالمي وقامة فنية كبيرة، وهو أستاذي في المعهد وله تاريخه الناصع والمعروف، فكان المحفز الأول لي واستمعت معه بالبروفات وبجلسات القراءة وعلى الخشبة، وتعلمت أشياء جديدة وخبرة إضافية مع أشخاص مهمة، وعشت مع شخصية جديدة استمتعت فيها.
وقالت إنها ستفتقد لـ«سلمى» ولكل الشخصيات ولمزاج البروفات والكواليس والعرض وما بعد العرض، وأردفت أن شخصية «سلمى» جديدة ومختلفة عن كل ما قدمته سابقاً على الخشبة، وكانت تحمل خطاً له علاقة بالكوميديا النابعة من قسوة المعاناة.
وأشارت إلى أن «سلمى» تمثل شريحة من النساء التي تتحمل الزوج بتركيبته الغريبة الصعبة، وهو الرجل المزواج، لكن لا حول ولا قوة لها لأن المرأة دائماً هي الحلقة الأضعف وتمتص وتتحمل كل شيء نتيجة المحيط والظرف الاجتماعي.
وكشفت أنها عاشت متعة حقيقية بالعرض خلقت انسجاماً بينها وبين كل كاست العمل، وأنها سعيدة بالنص لأنه قدم شيئاً لامس الناس كان واضحاً من خلال توافدهم بشكل كبير. هذه الحالة عززت إحساس أن الناس تواقة لحضور المسرح والتفاعل معه، وهذا الشيء يفائلنا بالخير ويجعلنا مستمرين.
وختمت حديثها لـ«الوطن» بالقول: أتشكر كل الجهود المبذولة من الأستاذ غسان مسعود وإدارته لنا وإشرافه علينا، ومروراً بأصدقائي الممثلين وطاقتهم الجميلة التي هي أساسات نجاح العرض، وأشكر كل الفنيين وكل من حضر ودعمنا بطاقته الإيجابية التي وصلتنا وشعرنا بها، كما أشكر لوتس وأتمنى لها التوفيق، وخاصة أنها بدأت مشوارها بنص على مستوى عميق ومدروس وننتظر منها المزيد.

عرض أوركسترا : نساء مضطهدات في مواجهة الهيمنة الذكورية

مجلة الفنون المسرحية

عرض أوركسترا : نساء مضطهدات في مواجهة الهيمنة الذكورية

سناء الماجري - جمهورية 


 "أوركسترا" دراما مسرحية غنائية أردنية تحكي معاناة خمس نساء تواجدن في بيت مسنين يتذكرن ماضيهن وخسائرهن، نسوة يعشن عدد من التناقضات، العشيقة مقابل الزوجة، والمتزمتة المحافظة مقابل المتفتحة المتحررة، المناضلة مقابل صاحبة الدور السلبي وعلى تعدد النماذج النسائية فان هناك تناغم يجعلهن "أوركسترا" واحدة، حياة متكاملة بكل تناقضاتها .
مسرحية "أوركسترا"  ثمرة تعاون بين المخرجة مجد القصص، والروائية سميحة خريس، عرض هذا العمل ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي مساء الجمعة 12 جانفي بقاعة المونديال، وجسد دور البطولة فيه كل من زيد خليل مصطفى ونهى سمارة وبيسان كمال خليل وسارة الحاج ودعاء العدوان وميس الزعبي، صمم رقصاته آني قوره ليان كما وضع موسيقاه التصويرية محمد طه وشارك فيه غناءً وعزفا على الجيتار الفنان يزن أبو سليم.

على خشبة "أوركسترا " تنتشر الشموع .. الكراسي المتحركة، خمس نساء وعازف وشاب أنيق ببدلته السوداء يرددون أغنية "بعدك على بالي" لسيدة الصباح فيروز، يختلط الحلم بالواقع، فنرى بعد مشهد العرس مجموعة من المسنّات في بيت العجزة بما فيهن العاقر والعشيقة والحبلى والغانية وممرضة تعتني بهن، كل واحدة منهن تندب حظها وبقائها وحيدة، ويشاء القدر أن تجتمع عدوات الأمس في هذه الدار فهاهي العاقر تجتمع مع عشيقة زوجها والغانية اللتين لعبتا دورا مؤلما في حياتها، تعترض الحبلى على هذه العلاقات، فتواجهها العاقر بحقيقة أنها تنتظر الحبيب الذي لن يعود وأن حملها كاذب فقد مرّ على حملها سبعون عاما.

في هذا العمل منح الغناء والموسيقى والحوار مساحة أكبر بينما تقلص نصيب لغة الجسد فيه، كما تلاعبت مجد قصص في هذا العمل  بالزمن فجعلت الماضي يتداخل مع الحاضر وساوت في حضور الممثلين دون التركيز على شخصية رئيسة واحدة كما يحدث في أغلب المسرحيات التي تنتمي إلى المسرح الدرامي، ولئن حملت المسرحية رؤية نسوية للصراع الدائر بين النساء المضطهدات والرجل الذي يمثل الهيمنة الذكورية فانها لم تكن متطرفة كما في بعض الرؤى النسوية التي نجدها في الأعمال الأدبية والفنية النسوية حيث لم تعف المرأة هنا من تحمل ما آل إليه وضعها الاجتماعي بسبب سلبيتها واندفاعاها العاطفي.

من جهة أخرى اعتمدت المخرجة على تقنية الغناء الحيّ واستخدام أغان مألوفة حيث أضاف الفنان يزن أبو سليم روحا خاصة على هذا العمل.

وللاطار المكاني في "أوركسترا" أهمية في سيرورة الأحداث فـ"دار المسنين"، هي صندوق أسود تموت فيه أحلام النساء، والخروج منه هو خروج من المقبرة، بما تمثله من موت حتمي، تدفعك شخصيات المسرحية للبكاء مرة، وللضحك مرة أخرى، بل يكاد يختلط البكاء والألم معا، في تصاعد لحظات مفارقات الحياة بين الأمل المنشود والحلم الضائع، بإثارة قضايا المرأة المعاصرة، ما بين خسارات الواقع الفاقد للحب، في زوجة محافظة، وزوج يبحث عن متعة اللحظة المرهونة بالفشل، وعشيقة متحررة تكسر قواعد المجتمع، فالأولى تعيش في وهم لقاء زوجها الذاهب للحرب دون عودة، أو زوج شرّع لنفسه الخيانة، وعشيقة فقدت قدرتها في الحياة المؤطرة بالزواج.

وفي مشهد درامي، تقوم النساء نهاية العمل، بمحاكمة الرجل بما يمثله من زوج ومناضل وحبيب وخائن ..تعبر العاقر عن ألمها من خيانته، فيدافع عن نفسه بتحميلها مسؤولية هذا الخلل، وتعاتبه الحبلى لعدم عودته، فيبرر لها بانه لا يريد العودة خالي الوفاض، وتكشف له العشيقة عن سرّ حملها منه الذي لم تخبره عنه بسبب خيانته لها مع غانية، الا أنه يلومها بأنها لو أخبرته لكان سيتغير كثيرا، وتلومه الغانية بأنه تعامل معها كدمية، فيبلغها أنها هي التي قبلت أن تكون كذلك، وتحمله الممرضة سبب عقدتها وخوفها من والدها فيقول أن خوفها غير مبرر .. يطاردن الرجل ويخرجنه من المكان ويتوجهن الى الباب في محاولة لتحطيمه .. لكن لا خلاص ..  

أوركسترا هي كوميديا سوداء تسخر من واقع اجتماعي مصاب بالانفصام، تحمل هموم المرأة العربية المعاصرة وتحاول الخروج الى منطقة مضيئة في ظل الظروف القاتمة التي تحيط بالمرأة والرجل على حدّ سواء . وتدعو المسرحية الى تجاوز السلبيات والقتامة المحيطة بنا طمعا في غدا أجمل يقوم على التوازن بين الاثنين .

ختاما نشير الى أن السينوغرافيا التي اعتمدتها القصص بالملابس والاستخدام الموفق للاضاءة والألوان القاتمة التي تماشت مع النص الدرامي اضافة الى استغلالها لكل ما فوق الخشبة من ممثل وكراسي وعصي مما ساهم في عدم القذف بالمشاهد نحو الملل أو الرتابة.



تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption