واستعاد مؤيد في عرض “سيلفون”، الذي صمم له السينوغرافيا بشار عصام، ونال الجائزة الذهبية في مهرجان المسرح الأردني الثالث والعشرين، ثلاثة أزمنة عراقية، تبدأ بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، يشكّل الموت عنوانها الرئيسي، وما زالت تتفاعل تداعياتها وظلالها على الواقع الاجتماعي.
أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
الأحد، 21 مارس 2021
بمناسبة اليوم العالمي لفنون العرائس 21 مارس اسماعيل عبد الله : نجدد العهد للعرائسيين العرب على متابعة المسيرة بهم ومعهم من أجل تحقيق المزيد على كل الصعد الفنية والتنظيمية والمهنية والحقوقية.
مجلة الفنون المسرحيةبمناسبة اليوم العالمي لفنون العرائس 21 مارس
اسماعيل عبد الله : نجدد العهد للعرائسيين العرب على متابعة المسيرة بهم ومعهم من أجل تحقيق المزيد على كل الصعد الفنية والتنظيمية والمهنية والحقوقية.
في 21 مارس من كل عام، يحتفل العالم بأعياد عديدة، بينها قواسم مشتركة أهمها الجمال والعطاء، كما أن هذا التاريخ راسخ في ثقافتنا وموروثنا الحضاري، وهو يوم الاحتفاء بـ “اليوم العالمي لفنون العرائس” والذي نقف اليوم في ظلاله كي نحيي العرائسيين العرب خاصة والعرائسيين على امتداد العالم عامة، متطلعين إلى استمرار المسيرة التي ينحتها العرائسيون بإصرارهم على إبقاء شعلة هذه الفنون المُؤسِسَة وقادةً بكل ما يتطلبه هذا الفعل النبيل من تضحيات يقدمها العرائسيون العرب فرادى وبجهود ذاتية تشكل قيمة مضافة لجهود المؤسسات الرسمية التي تلعب دورها الهام في عدد من الدول العربية والتي نأمل أن يمتد وجود مثيلاتها في كافة الدول العربية، لما يمكن لها أن تلعب من دور عظيم في ترقية الذائقة الجمالية والفنية، والمساهمة في التنمية المجتمعية من خلال اشتباكها مع برامج تربوية وعلمية وفنية تهم الكبير والصغير على حد سواء.
إننا في الهيئة العربية للمسرح قد انطلقنا بعقد الملتقى العربي لفنون العرائس الأول عام 2013 في الشارقة بمشاركة عربية ودولية، استطعنا أن نفعل الحراك العرائسي في عديد الجوانب البحثية والتدريبية، ونعتز بأن الملتقيات الثاني والثالث والرابع قد تمت بالتعاون مع مؤسسات فنون العرائس في تونس ومصر والمغرب، قد أنجزت ولادة شبكة من العلاقات بين العرائسيين العرب على صعيد العمل وتبادل الخبرات، وكذلك ولادة عديد الفرق العرائسية، كما ساهمنا جميعاً في حفظ بعض هذه الفنون من الاندثار، فيما استطاع المخلصون لهذه الفنون من تسجيل بعضها كتراث إنساني “الأراجوز المصري مثالاً”.
اليوم نجدد العهد للعرائسيين العرب على متابعة المسيرة بهم ومعهم من أجل تحقيق المزيد على كل الصعد الفنية والتنظيمية والمهنية والحقوقية.
المسيرة طويلة وواعدة بالكثير من الإبداع، فتحية لكل العرائسيين وفناني الفرجة الشعبية وما جاورها في هذا اليوم وفي كل يوم.
وإذا كنا في ذلك الملتقى الأول قد أكدنا على أننا وقبل ألف ومائتي عام كنا نحتفي بفنون يستند إليها علماؤنا في البرهنة على فهمهم للكون ومصائره، فإننا على ثقة بأننا مؤهلون بكثير من الجد والبحث والتجديد على الإبتكار والإبداع، وعلى ذلك نمضي معاً، مرددين ما قاله الشافعي في فلسفة خيال الظل المتماهية مع فلسفة الكون بكليته :
رأيت خيال الظل أكبر عبرة لمن كان في علم الخلائق راقي
شخوصاً وأشباحاً تخالف بعضها بعضاً وأشكالاً بغير وفاقِ
تجيء وتمضي بابةً بعد بابةٍ تفنى جميعاً والمحرك باقِ.
كل عام وانتم بخير
عشتم وعاش المسرح
اسماعيل عبد الله
الأمين العام
السبت، 20 مارس 2021
الجمعة، 19 مارس 2021
المخرج محمد مؤيد يجسّد مآسي العراقيين بالرقص الدرامي
مجلة الفنون المسرحية
المخرج محمد مؤيد يجسّد مآسي العراقيين بالرقص الدرامي
عواد علي - العرب
سرد القصص عبر تعبيرات جسدية
الرقص الدرامي، أو الرقص التعبيري (الكوريغرافيا) فن يعبّر بالحركة الجسدية المنظمة للمؤدين أو الراقصين عن صور ولوحات جمالية ومفاهيم وأفكار وأحداث، ويستبطن خفايا النفس الإنسانية متخذا من الدافع الداخلي منطلقا لإنشاء الشكل الخارجي/الحركي بمصاحبة الموسيقى وعناصر فنية أخرى، فهل يمكن لهذا النمط المسرحي أن يعبر اليوم عن أكثر القضايا العربية تعقيدا؟
أصبح فن الكوريغرافيا، الذي يعتمد على لغة أو خطاب الجسد، أحد أشكال المسرح الحداثي وما بعد الحداثي، وله قواعد تميزه عن المسرح الإيمائي ومسرح الصورة.
وعرف المسرح العربي الرقص الدرامي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من خلال تجارب عدد من رواده، مثل الفنان وليد عوني مؤسس فرقة الرقص المسرحي الحديث في مصر، والكوريغراف ناصر إبراهيم مؤسس فرقة أورنينا للرقص المسرحي في سوريا، والمخرج والكوريغراف العراقي-السويدي طلعت السماوي، ثم حديثا المخرجة والكوريغراف كريمة بدير التي تولت قيادة فرقة “فرسان الشرق” للتراث والرقص المعاصر في مصر، وكانت قبل ذلك المساعدة الأولى لوليد عوني. إلاّ أن طلعت السماوي يؤكد أنْ لا تقاليد عربية في هذا الفنّ، وأن تجربته هي الأولى.
الكوريغرافيا في العراق
دخل الرقص الدرامي إلى المسرح العراقي أول مرة على يد السماوي عام 2000، حين عاد إلى بغداد وقدم عرضا بعنوان “خطوات إنسان”، يقوم على الحركة ولغة الجسد بوصفها لغة مصاحبة للغة اللفظية التي يستخدمها البشر، بمعنى أن العرض لا يفصل الكلمة عن الجسد، لكن الجسد فيه لغة أساسيّة، ويستخدم النص من دون الاشتغال على الحكاية أو السرد داخله، بل بالاشتغال على ما يسميه “الاختزال” ليصل إلى حدود الرمز.
وليس في هذه العروض شخصيات محددة، وإنما رموز تشتغل فوق الخشبة، وترسل علامات حركية أو لغوية تمنح المتلقي مجالا للأسئلة، وتدفعه إلى التفكير والتفكيك والتحليل. كما صمم السماوي مجموعة عروض، منها عرضان هما “وجوه القمر”، و”صفر زائد صفر يساوي صفر”، اللذان قدمهما في المعهد الثقافي الفرنسي ببغداد عام 2012.
عروض محمد مؤيد ركّزت على المحن التي عاشها العراق جراء الحروب والاحتلال والاقتتال والتطرف الطائفي والسياسي
وقد تبنى هذا الشكل الفني بعد السماوي بعض تلاميذه وعدد من المسرحيين الشبّان في بغداد، برز منهم محمد مؤيد، علي طالب، أنس عبدالصمد، عماد نافع وعلي دعيم، وقدموا عروضا مسرحية شكّلت موجة في المسرح العراقي، وكانت مدهشة في بداياتها، لكنها حسب رأي المخرج المسرحي الراحل سامي عبدالحميد، خفّت تدريجيا بسبب التكرار في الحركة والتعبير الجسدي الذي التزموا به، ولم يحاولوا تطويره.
أسس المخرج محمد مؤيد فرقة الرقص التعبيري عام 2010، وتولى تدريب أعضائها، وجلّهم طلبة في معهد الفنون وكلية الفنون في بغداد، وكانت أولى تجاربه معها عرض بعنوان “أنا” (2011) الذي قُدّم في المسرح الوطني ببغداد، ومسرح الطليعة في القاهرة.
وأعقبته تسعة عروض منها “وهم” الذي قُدّم في مهرجان منتدى المسرح التجريبي السادس عشر (2011)، وفي المسرح البلدي في تونس بسوسة، و”تذكّر أيها الجسد” في مهرجان بغداد لشباب المسرح العربي، و”لم أزل أتلو وتب” في مهرجان بغداد الدولي الأول للمسرح، و”رأيت بغداد” الذي افتتح فعالية بغداد عاصمة الثقافة العربية، و”طلقة الرحمة”، و”سيلفون” الذي عرض في بغداد، ومهرجان المسرح الأردني الثالث والعشرين، وأعيد عرضه في بغداد بإنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل بعد إجراء بعض التغييرات عليه.
وقد ركّزت هذه العروض على الكوارث والمحن التي عاشها العراق، جراء الحروب والاحتلال والاقتتال والتطرف الطائفي والسياسي. كما أقامت الفرقة ورشا ومختبرات تدريبية تأهيلية لفن الجسد.
الحكي بالأجساد
حاول مؤيد في عرضه “تذكّر أيها الجسد”، الذي صمم له السينوغرافيا فلاح إبراهيم، وأداه 32 ممثلا وممثلة، الكشف عن المستور في الشخصية العراقية التي صدمت بواقع الفقر والقتل، وتراكمت عليها المعاناة منذ السبعينات وصولا إلى فترة ما بعد الاحتلال التي صارت أشد وطأة.
جسد العرض في نصف ساعة مجموعة من الشبان والشابات يرتدون ثيابا حمراء، ويتجمعون بحلقة دائرية حول فتاة ترتدي ملابس بيضاء، وتحمل دمية طفل تلاعبها وتراقصها بألم، وكلما ثارت مشاعر الفتاة تحركت حلقة الشبان كأنها تعكس ما في داخلها من ثورة، وفي عمق المسرح بئر عميق ورجل عجوز تغويه فتاة راقصة رغم امتناعه، وثمة جسر خشبي من طابقين يسير عليه المؤدون ببطء كمن يذهب إلى الحرب أو إلى الموت أو إلى العدم، ثم يزحفون أسفل الجسر.
وفي لوحة أخرى تقف الفتاة قرب جنازة شاب تشاركها فتيات في مراسم العزاء، وثمة فتاة ثانية تحلق شعر رأس شاب. وقد حاول المخرج من خلال أداء الممثلين تصوير ثورة هؤلاء الشبّان والشابّات في بلد يخرج من حرب ليدخل في أتون حرب أخرى، لكنهم يكتمون هذه الثورة في دواخلهم، في حين تتطاير أحلامهم وتمضي بعيدا من دون عودة.
وحملت ثيمة عرض “لم أزل أتلو وتب”، وهو من تأليف مؤيد أيضا، وتمثيل الفنانات ميلاد سري، رؤى خالد وهبة صباح، إلى جانب أعضاء الفرقة، دعوة إلى نقل الإنسان العراقي من العتمة إلى النور، من الحرب إلى السلام، ووجهت اللعنة تلو الأخرى على ما جرى للعراقيين من ويلات بسبب الحروب والتطرف الديني والطائفي والسياسي، وبينت أن الإنسانية أعظم ما في الوجود، وحثت على أن يتعامل البشر على أساس إنساني وليس على أساس العرق أو الطائفة أو المصالح السياسية.
الزمن الأول بين عامي 2006– 2007، وهو زمن الاقتال على الهوية الطائفية، والثاني مذبحة سبايكر، التي راح ضحيتها نحو 1907 جنود متدربين من الجيش العراقي (في قاعدة سبايكر الجوية) أسرهم تنظيم داعش عام 2014، والثالث رحلة الهروب الجماعية عن طريق البحر إلى أوروبا عام 2015.
أخذت الأزمنة الثلاثة العراقي إلى موت عبثي، بعد أن عاش حياته مضطربا ومتأرجحا بين الحياة والموت، فكان على الجسد أن يعيد تشكيل الحكايات الفردية للموتى بما تحمله من تفاصيل مختلفة ما بين حكاية وأخرى لكل شخصية من شخصيات العرض، قبل أن تلقى مصيرها وتغادر الحياة في لحظة غير منتظرة. بمعنى أن جميع الشخصيات كانت غائبة عن الحياة وهي تسرد قصصها عبر تعبيرات جسدية، في لحظات احتباس أرواحها داخل أجساد مطلية بمادة السيلفون، وفي محاولاتها الخروج إلى واقع افتراضي.
وقد ذهب العديد من النقاد إلى أن العرض حمل رؤية إنسانية شفافة إزاء ما يتعرض له العراقيون من تحديات وجودية، وكان بمنزلة صرخة احتجاج في إطار جمالي ضد صور الموت التي تواجههم، وتقتل أحلامهم وحكاياتهم قبل أن تكتمل.
وربما من المناسب أن أشير إلى أنني دونت في صفحتي بالفيسبوك، بعد مشاهدتي للعرض في عمّان، أنه عرض مدهش ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، جمع في لوحاته بين جمال الأداء الحركي والتكوينات البصرية والثيمات المشحونة بدلالات صادمة ومثيرة وجدانيا.
لقد قُدّم العرض بأداء جسدي وراقص، متقنا نماذج من الفواجع العراقية: سبايكر، القتل على الهوية، الاغتيال بالكاتم، وردود أفعال الأمهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن خلال سنوات الجحيم الذي لا ينتهي.
الخميس، 18 مارس 2021
الأربعاء، 17 مارس 2021
الاثنين، 15 مارس 2021
عبد الله السعداوي ويوسف حمدان وخالد الرويعي ضيوف سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” لمناقشة كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”
مجلة الفنون المسرحية
عبد الله السعداوي ويوسف حمدان وخالد الرويعي ضيوف سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” لمناقشة كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”
تستضيف الحلقة السادسة من السلسلة الشهرية “إقرأ كتب الهيئة” ضمن برنامج عين على المسرح ثلاثة مسرحيين مهمين من البحرين، هم عبد الله السعداوي ويوسف حمدان وخالد الرويعي لمناقشة كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تألف عبد الله السعداوي، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح العام 2019م ضمن سلسلة دراسات، رقم (58).
تتناول الحلقة مضمون كتاب عبد الله السعداوي الذي يتحدث فيه عن تجاربه الفنية وهواجسه الإبداعية وعن رؤاه وقراءاته… الكتاب الذي يُدخل عبره السعداوي قارئه إلى أجواء البروفات، وينتقل به من المهرجان التجريبي إلى المسرح في البحرين ويطرح معه بعضا مما يشغله، كأن يسأل: من الممثل؟ ما فنه؟ عم يعبر وكيف ولمن؟ ثم يُفصل الحديث في الصوت والحركة والعاطفة والإيماءة وفي ولادة الفعل المسرحي وإتقان التواصل وأهمية التدريب المختبري الوُرشي للممثل…
يضع السعداوي القارئ، في هذا الكتاب، أمام المسرح كمحتمل كوني للتواصل، ويسير معه “إلى محراب الفن الحقيقي الذي ما إن تدخلوه – يقول السعداوي – حتى تنفصلوا في لحظة عن العالم … أنتم هنا أناتكم الباردة تختفي في أثير الحب الملتهب”.
سنفتح في هذه الحلقة، القلب المشترك للإنسانية رفقة عبد الله السعداوي ويوسف حمدان وخالد الرويعي وسنحاول الإقتراب من تجربة السعداوي الإخراجية والفنية عبر الدراماتورجيا والنص المسرحي وما يسميه السعداوي بـ “النص الثالث” الذي تتسع المسافة بينه وبين نص المؤلف إلى حد كبير ضمن الفعل الإبداعي للمسرح، وعبر نظرته لتطور الإخراج المسرحي كما سنستقصي خطوات إعادة كتابته للنص من داخل العملية الإخراجية من خلال أفكار دلالية إيحائية أو مباشرة. وذلك عبر عنوانين أساسيين في كتاب المسرح هذا:
1- تعب المسرح
2- شُغل المخرج، عنوانين مقتضبين ومكثفين لمضامين ثرية وماتعة في كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” للمسرحي البحريني عبد الله السعداوي.
كتاب “ المسرح.. القلب المشترك للإنسانية ” تأليف عبد الله السعداوي. منشور منذ بداية شهر (مارس 2021) بصيغة (PDF) على الموقع الرسمي للهيئة العربية للمسرح رفقة فيديو للمؤلف عبد الله السعداوي يقدم فيه أهم محاور الكتاب.
إضغط هنا لقراءة كتاب:
“المسرح.. القلب المشترك للإنسانية“
--------------------------------------------------------------
المصدر : إعلام الهيئة العربية للمسرح
السبت، 13 مارس 2021
الإرادة البشرية حقيقه ام خداع ؟ أوديب نموذجا / *د. شيرين الجلاب
مجلة الفنون المسرحيةالإرادة البشرية حقيقه ام خداع ؟ أوديب نموذجا
تعد اسطورة اوديب وما ترتب عليها من رؤية سفوكليس التي تناولها حين كتب أوديب ملكا واحده من أهم المسرحيات التي كشفت طبيعة الصراع بين البشر بعضهم ببعض وبينهم وبين معتقداتهم الغيبية المتمثله في ايمانهم بالآلهة في الموروث الثقافي الاغريقي وما احدثه سفوكليس من تسليط الضوء الخافت على ما يطلق عليه الاراده البشرية .
فالمدقق في قصة أوديب يدرك مدى الغموض الذي يهيمن عليها في كافة تفاصيلها منذ بدايتها الاسطورية وصولا الى بدايتها المسرحية وما تحتوي عليه من دلالات لها العديد من الجوانب التي من الممكن ان تفسر اكثر من تفسير .
فمنذ معرفة لايوس وجوكستا بالنبوءة ان طفليهما سوف يقتل اباه ويتزوج امه قرر لايوس التخلص منه وقام بثقب قدميه وربطهما واعطاه للراعي ليخلصه منه وفي هذا الموضع تتجلى العديد والعديد من الدلالات حيث :
يتضح ان عملية التخلص هي طاعه وانصياع لامر الالهه خوفا من غضبها ولكن هناك جانب بشري يبرز جليا في هذا الموقف حيث أنانية البشر وجلال الحكم فهذا الطفل يهدد السلطه الحاكمه وهذا يذكرني بفرعون الذي اخبر ان طفلا سيولد ويأخذ منه الحكم فيقتل فرعون كل الاطفال الذكور الا موسى عليه السلام الذي تركه مجرد ليحقق رغبة زوجته وتنفيذا لارادة الله عز وجل .
ففي عملية التخلص من الطفل يثقب لايوس قدما الطفل وربطهما ربما لينزف دماءه ويموت وهو ذاته من قام بفعل الثقب ولهذه القدم المثقوبه دلالتها التي سيطرت على مجريات الامور كافه حيث :
القدم هي العضو الذي يمنح الانسان القدره على الحركة والثبات واقفا ولكن قدم اوديب قدما مثقوبا معيوبا رغم قدرتها على أداء وظيفتها وهذا ظهر في حياة اوديب التي استمرت بكافة مراحلها من نجاح الى نجاح ولكن نجاحا مثقوبا معيوبا .
ففعل الثقب هو فعل بشري من لايوس اريقت من خلاله دماء الطفل بهدف التخلص منه وانعكس الامر تحقيقا للقدر فقد كبر الولد وتربى وثقب قلب ابيه وقتله فاجتمعت رغبة الالهه مع تصفية الحساب بينهما رغم ان كلا منهما يجهل الاخر .
وتأتي ردة فعل جوكاستا التي قتل زوجها ولا تعلم من القاتل فتتزوج من هذا الشاب القوي الذي سيسقي انوثتها التي باتت محرومه في احضان العجوز
لايوس دون ان تبحث من القاتل او تهتم لامره فكأنما اوديب مخلص المدينه من الهوله هو ذاته مخلص جوكستا من الحرمان .
وفي هذا الامر ارجعت الكثير من الآراء ان جوكاستا كانت تعلم ان اوديب هو قاتل لا يوس وانه ابنها ولكن رغباتها الانثوية اكبر من البعد الاخلاقي واوافق تماما هذا الراي بل أدعمه بان جوكاستا التي عاشرت اوديب كزوج لم ترى مره ولو صدفه موضع ثقب القدمين الذي احدثه لايوس يوم اراد التخلص منه ؟
كما ان زواجها منه ودخوله الى حياتها مرتبطا بمقتل لايوس الذي يعد جزءا من النبوءة التي خافت منها وزوجها واستجابا لها حيث تخلصا من طفلهما ام ان جوكاستا انتقمت من لايوس الذي حرمها طفلها باستعادتها له استعادة شاذه في فعل انثوي خارجا عن المثل والمنطق .
ويؤكد معرفتها بامره مواضع كثيره في حوار الشخصية في المسرحية عند سفوكليس .
ويأتي امر الراعيان اللذان كانا السبب الرئيسي في تحقق النبوءه حيث لم يتخلص الراعي الاول من اوديب واعطاه لراعي غيره الذي بدوره اسلمه الى ملك وملكة كورنثا ليترعرع بينهما شابا ..
وهنا اطرح سؤالا هل الراعيان وسيلة من وسائل الآلهه في تنفيدذ ارادتها ؟
ام هل جاء تصرفهما نابعا من طبيعتهما الانسانية وجهلهما بالنبوءة وخطورتها ؟
ومثلما اتسمت رحلة التخلص من اوديب بسخرية القدر من البشر في هروبهم منه واليه جاءت رحلة هروب اوديب من قدره واليه فقد كان خلاصا عبثيا خلا من التعقل واتسم بالافراط الذي اعتبره ارسطو سببا في شقاء ابطال تراجيدياته .
وبدون مقدمات تحول الباحث عن الخلاص اليائس من حياته الى مخلصا لمدينة باكملها من خلال انتصاره على الهوله ذلك الكائن العبثي الذي ارادت الآلهه ان تعلي من شأن الغرور في نفس اوديب وتصديقه لنفسه في انه استطاع الهروب من قدره لتزداد متعة المطاردة وتشويقها رامية طعمها المتمثل في سذاجة السؤال الذي لم يجيب عليه سوى اوديب وحده فيخلص المدينه منها ويكبل عنقه بقيود لعنته .
وتستمر الدلاله الرمزية للثقب تتسع مع زيادة عمرها واتساع رقعتها الى ان حانت اللحظة التي خالف بها سفوكليس القواعد الكلاسيكية الارسطية وبدأ بالنهاية بالذروة حيث البداية عبثية ملكت انتباه المتلقي محدثة صدمه في وجدانه وعقله خرجت بسؤالواحد : ماذا حدث ؟
فالمقدمات لم تؤدي لنتائجها المنطقية تلك العبثية كانت وسيلة سفوكليس ليؤكد ان النهاية تتمثل في انتصار الآلهه مهما بلغت ارادة الانسان .
ويحضرني سؤال لماذا انتظرت الآلهه كل هذا الوقت لتنزل غضبها ؟
لماذا لم تعاقب اوديب منذ البداية ؟
وهنا اجتهدت نفسي لتجيب ففي انتظار الآلهة فرصة حقيقية لاتساع الثقب وكبر لحجمه وزيادة اضراره حتى تحول الثقب الى هوة ابتلعت صاحبها .
وهنا تتفتح لنا دلالات كثيره لما يحمله الثقب من معاني حيث :
الثقب جزء صغير من الكل وبالرغم من ذلك فانه يفسد الكل ويدمره ويتضح هذا في تاريخ اوديب الطويل المليء بالانجازات في فترة حكمه لشعبه وانجابه من جوكاستا وما حققه من حياة رغده وسعيده لمدينته الا انها سعاده مثقوبه معيوبه كان ثقبها اوديب نفسه او بالاحرى قاتل لايوس مازال على قيد الحياه .
وتستمر الآلهه تتلاعب بدميتها تلك الدمية التي حولتها الى موطنا للأضداد والمتناقضان فبها يجتمع الحاضر والماضي في آنية الحدث فاثناء البحث عن القاتل يتجلى الماضي المتسبب في الحاضر وبها اجتمع من كان سبب الخلاص غدا سبب اللعن والباحث عن ارضاء الآلهه هو ذاته مغضبها وسبب لعنها للمدينه.
وترتفع حدة التمزق الذاتي لاوديب فيتحول الى حالة من التمرد والتساؤل تساؤلا وجوديا فمن يكون هو ؟وما علاقته بالالهه ؟ وما امنيات الالهه؟
فيصل الى جواب انه لا شيء ولكن هل دلالة انه لا شيء تعني ان ارادته ليس لها وجود وليس في استطاعته ان يفعل شيء سوى ما ترغب به الالهه ؟
تلك التساؤلات التي خرجت من بوتقة الوجودية الملحده التي تقودنا الى تساؤل هام : ماهي الطاعة ؟ كيف يمكن ان تكون ؟ هل الطاعه في تحقيق رغبات الالهه وان كانت هدفها تعذيب البشر ؟ هل نطيع لاننا نخشى العقاب ؟
هذه التساؤلات تنقلني الى سؤال جديد من يريد طاعة من ؟
هنا تنفتح امامنا فكرة العلاقة بين الدين والسياسه او استخدام السياسه للدين لتحقيق رغباتها فالبشر منذ بداية الخلق يبحثون عن مرجعية لهم او ميثاق علوي ينظم حياتهم ودائما ما يتبنى هذا الامر المفكرين واصحاب التامل والبحث عن الغيبيات وهي وسيلة الانبياء والرسل للوصل الى الخالق عز وجل فالمعتقدات الدينية الاغريقية خلقها البشر وصدقوها وعبدوها لان الانسان جبل على ان يكون له سقف لا يتعداه وقد دعمت هذه الافكار الدراما الاغريقية التي كانت تقدم في المسرح في احتفالات الالاه دينيسيوس وكان الجمهور من الحكام والامراء والنبلاء وعامة الشعب فقد سعدت الفئات المختلفه بفكرة التبعية في الطاعه فدائما الصغير يطيع الكبير والضعيف يتبع القوي وهو امر يرضي المجتمع الاثيني المتحضر ثقافيا الذي اطلق عليه العصر الذهبي ولكي يكون كلامي اكثر تأكيدا يجب ان اشير الى بروميثيوس سارق النار من رب الارباب زيوس ليساعد يها البشر فيعاقبه زيوس على ذلك وهنا يتضح جانبا هاما ان النار تعني التنوير والحضاره والفكر والمعرفه والتثقيف وهذا يخلق الوعي ذلك الوعي الذي يجعل الانسان يتسائل ليقتنع ومن ثم ينفذ وهو ضد الفكر النابع من السلطه ونفس الامر مع الكنيسه في العصور الوسطى فقد كانت تقتل المفكرين والعلماء والفلاسفه ولا ننسى هيباتيا وما حدث بها وكل ذلك له مرجعية واحده هو الطمع في السلطه والسيطره عن طريق التجهيل .
ولكي يتقلد اوديب دور المخلص للمدينه من جديد فقد خلصها في السابق من الهوله وعليه الان ان يخلصها من هول فعلته عاقب نفسه في سمو وجلال البطل التراجيدي بفقأ عينيه ونفيه لنفسه .
ففي فقأ عينيه دلالات ايضا حيث : ان هاتين العينين لم تقوما بوظيفتهما فكان عليهما غشاوة ولم ترياه الحقيقه على عكس تريزياس الكاهن العجوز الاعمى الذي ابصر الحقيقه رغم عماه فكأنما اوديب انتقم من العضو الذي تسبب في اغفاله للحقيقه ووقوعه في سطوة غضب الالهه .
كما ان عملية الوخز او الثقب هي ثاني مرة تحدث مع اوديب بعد ان وخز ابيه قدميه واراق دمه ليتخلص منه لارضاء الالهه في ظاهر الفعل واوديب يريق دمائه من جديد ليتحول الى قربان يتسول به عفو الالهه في صورة مخادعه للارادة البشرية فكانما اكد اوديب انه بيده لا بيد عمر عاقب نفسه وانما الحقيقه انه قدم نفسه قربانا يفتدي بها ليرضي الالهه ليخلص شعبه من الجفاف والطاعون الذي تسبب فيه في حالة من تحمل المسئولية السياسية من الحاكم تجاه شعبه في شكل من السمو التراجيدي المطلق .
ولاراقة الدماء دلالتها في تقديم القرابين منذ قابيل وهابيل مرورا باراقتها في اعياد دينيسيوس وشرب الناس للدماء وفي المسيحيه استبدل الدم بعصير العنب الاحمر الذي يحمل لون الدم تاكيدا ان المسيحية تدعو للسلام على عكس افعال رجال الكنيسه .
ولم يكتفي بذلك بل نفى نفسه وفي موضوع النفي نوع من الزهد والتجرد من مباهج الحياه فكانما اراد اوديب ان يثبت انه تنازل عن كل شيء ولا يرجوا سوى العفو والغفران ليس لنفسه البائسه وانما بشعبه التعيس .
وهنا ينتهي غضب الالهه بشقاء اوديب فتعفوا عنه وتحوله الى قديس الا ان لعنتها دامت لنسله من بعده ومأساته تنبض بالحياة الى اليوم مؤكدة ان الارادة البشرية ما هي الا وسيلة لتحقيق الاراده الالاهية .
*مدرس علوم المسرح كلية التربية للطفولة المبكرة جامعة الاسكندرية
01141898255
مسرحية أوديب... التجريب على نص كلاسيكي عصمان فارس
مجلة الفنون المسرحية
مسرحية أوديب... التجريب على نص كلاسيكي
عصمان فارس
تراجيديا يونانية بسحر الملتميديا العرض قبل جائحة كورونا
علي قاعة المسرح الملكي الكبير 'دراماتن' في استوكهولم قدمت فرقة المسرح القومي في بلغراد مسرحية أوديب تأليف سوفوكليس وإخراج فيدا أوكنونيفش وتمثيل نخبة من ممثلي فرقة المسرح القومي في بلغراد ، وسبق للفرقة ان قدمت قبل عدة سنين مسرحية زوجة الوزير على المسرح الملكي الكبير دراماتن في استوكهولم . التجريب علي نص كلاسيكي ومحاولة القطيعة عن الماضي، الحداثة في هذا العرض المسرحي مرتبط بالجدلية مابين الاضداد والتي يخوض مبدعو مسرح الحداثة لواء المغامرة للبحث عن الجديد واحدات حالة التوتر والتناقض مابين القديم وحالة الصراع مع الحاضر. فالحداثة دائمآ هي نقيض لأي فكر سائد ،لأن التجريب في مفهوم المخرج المعاصر مرتبط بموقف الفنان من مجتمعه أي تجريب غير معزول عن المفاهيم الاجتماعية السائدة، لأن الفضاء المسرحي ليس مجرد شكل بوسائل جديدة ولكنه ضرورة فنية وإجتماعية، فعملية التعامل مع الماضي والحاضر اساس المسرح التجريبي والذي يحتوي في داخله علي الحداثة وما بعدالحداثة ،وتتحول اللحظة التأريخية العامة الي لحظة معاصرة، فحالة التجديد في المسرح وعملية التعامل والشغل المسرحي من قبل اي مبدع مسرحي ينبني علي رافد الماضي والذي يتوأم ويتلامس مع عقله من خلال قراءأته ودراساته اما الحاضر فيشكل اللحظة المعاشة للمبدع كأنسان وكفنان ومن خلال فهمه للماضي والحاضر ترتسم عنده صورة المستقبل الجديد. فاالمسرح الاوروبي اجتهد فيه المحدثون علي إيجاد وسائل ومفهوم الحداثة والربط بينها وبين التجريب، وتجاوز المسرح الغربي الواقع والمبدع فيه يبحث عن صيغ جديدة في التعبير المسرحي من خلال اعادة النص الكلاسيكي ومحاولة تفكيكه وإكتشافه، والبحث في الشكل والمضمون من خلال التجريب والحداثة لاتعني ابدآ القطيعة مع الماضي والقديم ولكنها تقيم العلاقة علي اسس وقواعد جديدة، والبحث عن صيغ تعبيرية وجمالية جديدة من خلال العودة الي المسرح الكلاسيكي مسرح النص والتي اثارت حافزآ جديدآ من محاولات التجريب القائمة علي أفكار جديدة.الاسطورة الاغريقية ليست فقط مصدر الدراما في الغرب ولكنها موضوع مسرحي علي مدي قرون، وقد قدم تحت اشكال وموضوعات جديدة، حتي إن بعض الكتاب المعاصرين عادوا الي روح المسرح الاغريقي.العودة الي الثراث في الغرب وخاصة الي المسرح الاغريقي لتقديم نظرة للعالم بمنطق شامل وانساني بحيت مما يدفع بالمسرح الي الامام من خلال التقنيات الحديثة في المسرح
والوعي لدي الفنان وفهمه للواقع الاجتماعي، واهمية الدراما الاغريقية حاليآ بسبب علاقتها بالافكار والصراعات التي يمر بها عالمنا المعاصر. وتعتبر مسرحية أنتيجون ومسرحية أوديب وغيرهما من التراجيديات القديمة مصادر مهمة لما تحتويه من عناصرالفعل والصراع الدرامي و(جدحات) تحرك ذهنية المخرج الحداثوي المشبع بروح المغامرة والبحث عن الجديد، ويلبسها ثوبآ معاصرآ في المعالجة شكلآ ومضمونآ من خلال وجهة نظر خاصة بالمبدع مع الحفاظ علي روح العصر، وقد تكون المعالجة من خلال الديكور والملابس والشكل العام .فمسرح النص والحاجة الي العودة الي المسرح الكلاسيكي من خلال المحاولات التجريبية والقائمة علي الافكار الجديدة.فعودة بعض الكتاب الي روح المسرح الاغريقي تحت أشكال وموضوعات جديدة ومعاصرة وعلاقتها بالصراعات التي يمر بها العالم حاليآ، فمسرحيات مثل أنتيجون واوديب ومسرحية ميديا، وكذلك اتجاه ومحاولات بعض من الباحثين والمبدعين في الغرب مثل مسرح الشمس في فرنسا ومحاولات بيتر بروك ومسرح جروتوفسكي في بولندا والشغل علي المادة الكلاسيكية اي المسرحية القديمة من اليونان والرومان وتقديم مفردات اخراجية جديدة تناقض وتقاطع الاخراج الكلاسيكي. ففي المسرح االاوروبي تحرر المخرج ونفض غبار الاشكال القديمة وهدم جميع التابوهات التي تقف عائقآ لحالة الابداع المسرحي. ومع ذلك يدور الجدل حول اشكال وطرق تقديم وتناول المسرحيات الكلاسيكية وطريقة استقبال الجمهور لمثل هكذا مسرحيات .
وهل تقدم فقط لنخبة من الملمين بلغة المسرح؟ فتجارب عديدة لمخرجين كبار في اوروبا لمسرحيات كلاسيكية وجعلها مسايرة للعصر مثل انتيجون ومسرحية أوديب والتي نحن في صدد مناقشتها وطريقة معالجة القديم بمنظور حديث،لعبة مسرحية مابين المتابعة والمشاهدة اعني هنا المشاهد غير المتخصص ومدي فهمه واستيعابه لعنصر المفاجئة والادهاش واسلوب الحداثة والتجريب علي مادة كلاسيكية والحاجة الي العمل علي هذه الثيمة الفنية والفكرية.وكل هذه المقدمة هي مدخل مهم لتناول الاسطورة وتفسيرها ومعالجتها عصريآ كما في مسرحية اوديب للمخرج الصربي (فيدا اكنونيفش) في استوكهولم،والعرض شاركت به فرقة المسرح القومي من بلغراد ومن اجل الولوج في افول العالم القديم ومايمثله من قيم ارتبطت بمجتمع الامومة الزراعي وعقدة المجتمع الابوي وتحولات العالم والتركيز علي الحرية وتحديدآ إرادة الانسان، والتركيز علي طقوس واساطير ذلك العصر القديم وسلوكيات رجاله ونسائه في قالب وضوء جديد من خلال تتبع المصير والحالة المأساوية لأسرة أوديب. وإعتماد العرض المسرحي علي الكلمة المنطوقة وادخال عناصر مسرحية مثل المولتيمديا التلفزين والكاميرا والحاسوب والمحمول الموبايل كلها كانت عناصر مهمة في العرض المسرحي المرئي والعرض بهذه الصورة قد يثير العديد من التساؤلات التي تبحث عن إجابات وإبداء ملاحظات عن النص والعرض المسرحي في أن واحد فكل قارئ وملم بالمسرحيات اليونانية القديمة وجدورها المبنية علي الاسطورة والتي بنيت عليها الحكاية وإمتدت عبر الاجيال، نعرف مدي اهمية الكاتب المسرحي الاغريقي وبراعته في صياغة المسرحية والمحافظة علي خصوبة موضوع ومادة الاسطورة العمل الفني والمتوازن من الناحية الفكرية والفعل يخلق صور درامية ومبررات تماسك أجزائه ووجوده، فمسرحية أوديب عالجها سوفوكليس من بداية الخيط لمشكلة العقدة المسرحية مستقاة من نهاية القصة بعد أن إستشري وباء الطاعون في مدينة طيبة، بعد أن قتل أوديب أباه وتزوج أمه وأنجب منها أربعة أبناء، ووفق هذا التسلسل كانت البداية لمسرحية أوديب الصربية مكتب تشريفات السيد الرئيس اوديب ومستشارين في المكتب يرن الهاتف الخلوي المستشار يسمع ويجيب بكلمة نعم والمتشار الثاني نعم صمت ويرن بنفس الطريقة جرس الهاتف الجوال مع قيام وحركة الممثل والجواب كلمة لا وتتكرر الحالة ونسمع كلمة لا باب خلفي وسلالم مدرجات بيضاء اجتماع مهم في مكتب الرئيس بحضور الوزراء الكل ينتظر مجيئ الرئيس أوديب وهو ينزل من السلالم الي قاعة الاجتماعات ،المسرحية بنيت علي مأساة القدر وهو الذي يتحكم ويرسم طريق المجد وسقوط الابطال، تحول البشر الي قطع من الشطرنج تحركها وتديرها ايادي خفية،والصراع في المسرحية مابين القدر والانسان. فنص سوفوكليس والمخرج الصربي فيدا وضعا أوديب البطل في موضع الضعف وهو يتحدي القضاء عن فعلته الشنيعة والمحظور وهذه الخطيئة حاول اوديب بقوة مكره،وارسل كريون اخ زوجته الملكة جوكاستا الي معبد ابولو،يرجع وعنده الخبر اليقين واوديب يسأله عما قالته العرافة في المعبد في البداية كان متردد عن الافصاح لكنه تمالك نفسه واعلن ان اللعنة حلت علي طيبة بسبب وجود شخص قتل الملك لايوس، والقاتل يسكن طيبة وتبقي اللعنة حتي يثأر اهلها لمولاهم المقتول.الاعلام والتلفزيون المذيعة تنقل الاخبار ساعة بساعة عبر الشاشات التلفزيونية وقناة الاخبار ومستشاري الرئيس يخشون التصريحات االمباشرة اوديب يحذر ويتوعد قتلة الملك لايوس وينتم من القاتل حتي لو كان اقرب المقربين منه. ويطلب القضاة والمستشارين وكريون من اوديب ان يرسل في طلب العراف الضرير تيريسياس وهو خبير بكشف الجاني، يدخل تريسياس بملابس عصرية وربطة عنق ويطلب أوديب منه ان يساعد وطنه وشعبه للكشف عن قاتل لايوس ،يرتجف تريسياس ويخشي التصريح والافصاح بكلمة واحدة عن القاتل.ويرجوه اوديب ان يدلي عن الجاني ولكنه يلتزم لغة الصمت ويصرخ اوديب فيه ويتهمه بالخيانة وانه يخفي معلومات عن القاتل، فينتفظ العراف الضرير تريسياس ويعلن القاتل هنا، وانه ابن طيبة وتزوج من امه وهو وريث فراش أبيه وسافك دمه. وينصرف تريسياس تحت حماية متشددة من حراس الرئيس اوديب، هنا يتدخل اوديب وهو يحاور كريون عن ترهات ماطرحه هذا الضرير تريسياس، ويبدأ الشك لدي اوديب في اتهام كريون ربما دبر هذه المكيدة لكي يستولي علي السلطة ويقضي عليه وعند طرد اوديب للعراف الضرير تريسياس ساخرآ منه ومن حماقته، وقبل ان يهيم تريسياس بالخروج يقول:'احمق انا في عينك، ولكني كنت حكيمآ عند والديك'.ويحاول اوديب معرفة اشياء كثيرة من العرافعن والده ولكن تريسياس لايوضح شيئ،'ولكن سيكشف ذلك اليوم عن مولدك ويحصل دمارك'. ويبدأ اوديب يفكر بالحكاية ويشك في موقف كريون.وتكون جوكاستا الوسيط مابين الاخ كريون وزوجها اوديب،وانها لاتصدق مايقوله العرافين وتحكي حكاية زوجها لايوس ملك طيبه قال له رسول من كهنة ابولو ان زوجته جوكاستا ستنجب ولدآ وسوف سوف يكون قاتل أبيه، ولما انجبت الطفل من لايوس اخد الغلام الي الجبل وتركوه هناك.وان زوجها قتل علي ايدي لصوص وقطاع طرق وليس ابنها لذلك كذب المنجمون،وبدأ اوديب يفكر في هذيان وحديث جوكاستا ،تملكه الرعب وقد اصابه مس واستسلم للهذيان.تحول الكورس في المسرحية الي جوقة من الصحفيين ومعلقة الاخبار التلفزيونية تنقل اخبار العائلة واخبار الرئيس اوديب لحظة بلحظة،وخبر الرسول وهو يحكي قصة الطفل الذي اخده من الراعي وقد اوثقت قدماه بأسياخ من حديد ،وكانت رواية الرسول نفس رواية جوكاستا اذآ هو قاتل ابيه لايوس وشريكه في فراش امه جوكاستا الملكة. وتبقي حلقة واحدة مفقودة ويرسل اوديب في طلب الفلاح الذي شهد مقتل الملك لايوس، ويفضي بالسر ان الطفل الذي سلمته له كان اوديب ولكنه اشفق علي الطفل وسلمه الي ذلك الرسول ويستسلم اوديب للقضاء والقدر انه ذلك الملعون والملوث ذريته.
الاخبار التلفزيونية تنقل خبر انتحار جوكاستا زوجة الرئيس وكثرة فضائح القصر الرئاسي ويظهر اوديب بثوب ابيض وقد فقأ عينيه وتحول الي رجل ضرير وقد تحرر من الاثم والالام؛ اما تريسياس الضرير العراف يحمل مسدس وينتحر بطلقة في الرأس وتعامل المخرج مع النص وفق القانون الوضعي حماية لهيبة الدولة والحاكم، كما تشي احداث مدي امتداد اللعنة وكيف حلت علي اوديب واسرته،واستطاع توظيف النص لكي يثير فكر المتلقي وحول الجوقة وعنصرالصراع المهم في الاساطير الاغريقية الي جوقة الصحفييين ومراكز صنع القرار وفبركة الخبر الصحفي وتدوين وارشفة الفضائح ليست هناك قيود علي حرية الفنان في التعامل مع مادته وخاصة الكلاسيكية ممكن حذف مشاهد او تقديم او تأخير مشهد بحيث يكاد يتحول العرض الدرامي الي عرض ذات طابع المادة التمثيلية الاذاعية او التلفزيونية، وقد تحافظ المعالجة علي قدسية جلال المأساة في اسرة اوديب ،وقدم العرض علي مسرح العلبة مع شاشات العرض وكاميرات تلفزيونية تنقل الاحداث بشكل مباشر وحي كل اخبار الرئيس واسرته علي امتداد العرض كانت الاظاءة فيضية ماعدا المشهد الاخير مشهد انتحار تريسياس وظهور اوديب والدماء تغطي قميصه الابيض تحولت الاظاءة الي اللون الاحمر. لعنة اوديب وماحل بطيبة وماحل به ارتقي ثم سقط سريعآ ونعيه لحظه العاثر بعد ان فقأ عينيه.المسرحية قدمت باللغة الصربية لكن ماكنة الترجمة الفورية الي اللغة السويدية قربت احداث العرض من المتلقي السويدي. فتعريف ارسطو للتراجيديا محاكاة لحدث وقع في الماضي هو تجاهل لعنصرالعرض المسرحي، والتراجيديا هو الحنين الي الماضي لكن العرض المسرحي ينتمي الي الحاضر، وتوفر عنصر وقدرة العرض المسرحي علي ربط الماضي بالحاضر وتحويل زمن العرض من التأريخ الماضي الي وحدة زمنية حاضرة في العرض. والعرض المسرحي اتاح لنا حالة التعايش مع مسرحية أوديب كتجربة جديدة، وان نتعايش معها كحادثة تأريخية في الماضي وكأسطورة شعرية.
المركز الثقافي يبرم اتفاق تعاون مشترك مع نقابة الفنانين العراقيين فرع البصرة
مجلة الفنون المسرحية
المركز الثقافي يبرم اتفاق تعاون مشترك مع نقابة الفنانين العراقيين فرع البصرة
اعلام المركز الثقافي
أبرم المركز الثقافي في جامعة البصرة ممثلا بمدير المركز الاستاذ الدكتور عبدالكريم عبود اتفاق تعاون مشترك مع نقابة الفنانين العراقيين فرع البصرة متمثلة بالسيد فتحي شداد رئيس نقابة الفنانين فرع البصرة وبحضور اعضاء الهيئة الادارية للنقابة ومجلس ادارة المركز الثقافي . ويهدف الاتفاق الى التعاون المشترك في مجال الثقافة والفنون من اجل خلق حراك ثقافي مميز يرتكز على تبادل الخبرات ومد جسور التواصل والتعاون بين المركز الثقافي ونقابة الفنانين العراقيين في محافظة البصرة مع كافة المؤسسات المعنية لرسم خارطة طريق للعمل الابداعي المشترك وذكر مدير المركز الثقافي ان اتفاق التعاون تضمن سبعة محاور هي .
اولا: التعاون في عقد الدورات التدربية المشتركة وورشات العمل والندوات على وفق برنامج تدريبي لتطوير قدرات ومهارات الفنانين في كافة التخصصات . ثانيا : اقامة المؤتمرات الثقافية والمهرجانات الفنية المتخصصة في مجال فنون المسرح والفن التشكيلي والموسيقى والفنون السمعية والبصرية .
ثالثا : تاكيد تبادل الخبرات الفنية والثقافية بين الطرفين وفتح المجال امام الباحثين والفنانين باداء ابداعاتهم رابعا : اقامة النشاطات والفعاليات المشتركة ضمن برنامج مخطط ومنظم يعلن عنه الطرفين .
خامسا : يتعهد الطرفان باقامه احتفالية يوم المسرح العالمي بجهود التعاون المشترك واظهار هذة الاحتفالية بصورة فنية رائعة في كل عام وضمن موعدها العالمي المحدد 27 اذار .
سادسا : العمل على انجاز لقاء ثقافي شامل يعزز العلاقة بين المؤسسات الفنية والثقافية في مدينة البصرة ورسم خارطة طريق للنشاطات الثقافية والفنية المتنوعة .
سابعا : التنسيق والاتفاق بالمشاركات الفنية والثقافية في المهرجانات الدولية والمحلية .
بعدسة المصور / حيدر صباح
الجمعة، 12 مارس 2021
الكاتب والسينارست علي صبري بين الحداثة والتطوير / جوزيف الفارس
مجلة الفنون المسرحية الكاتب والسينارست علي صبري بين الحداثة والتطوير
عرفته وتعرفت عليه في اروقة الاذاعة والتلفزيون يوم كنت اعمل على اخراج برنامج المجلة الصحية في اذاعة بغداد , هذا البرنامج كان من اعداد وتقديم الدكتورة وعيدة زينل يومذاك , لقد كان البرنامج اشبه مايكون عن تقارير صحية تقدمه المعدة لا يختلف في اعداده عن بقية البرامج التنموية , حيث تميز اعداده بقراءة تقارير طبية وارشادات صحية تقدمه مقدمة ومعدة البرنامج وباسلوب تقليدي بعيدا عن عناصر الانبهار والتشويق باستثناء صوتها الذي كان يتميز بانوثة جميلة وبنبرات مختلفة عن باقي مقدمي البرامج التنموية , لقد اكتسبت د. وعيدة زينل تجربة وخبرة اذاعية ومن خلال تواصلها في العمل الاذاعي لذا اكتسبت حسا فنيا وافكارا ابداعية من حيث طرحها العديد من الوسائل الجيدة في الاعداد والتقديم , غايتها من هذا انجاح البرنامج ومن خلال اضافة بعض عناصر الشد والتشويق في الاعداد والتقديم من اجل الاستحواذ على اكثر عدد من المستمعين لبرنامجها , لقد اعجبني صوت د. وعيدة زينل وعشقته ولهذا احببت العمل على اخراج برنامجها , انما الشيىء الذي فاجئتني به انه في صباح احد الايام , اي في موعد تسجيل البرنامج , جائتني وعلامات الفرح على وجهها لتخبرني انها اعدت البرنامج بشكل يعجبني بعدما علمت بانني من المخرجين المسرحيين والذين يعشقون المسرح , جائت وبصحبتها شخصا اسمر اللون ضعيف البنية يتسم بطول جسده والابتسامة المرسومة على وجهه جعلتني احس بطيبة قلبه ورفعة اخلاقه , وانا افكر بهذا الضيف والذي لم تكن بيننا معرفة سابقه , انما انتبهت الى صوت الدكتورة وعيد زينل وهي تقدمه لي قائلة : زميلي الاخ علي صبري , فرحبت به وعلمت فيما بعد انه يشغل وظيفة اعلامية في شعبة اعلام وزارة الصحة وقد رافق الدكتورة وعيدة زينل بعدما اعلمتني عن فكرته في اعداد البرنامج واسلوب تقديمه , لقد اعد علي صبري برنامج المجلة الصحية باسلوب حواري وتمثيلي , حوار يدور بين شخص وبينها عن بعض الاستفسارات الطبية وهي تجيب عليه بمعلوماتها الطبية , وقد اخذ الكاتب علي صبري على عاتقه اعداد هذا البرنامج وبموجب ابداعات افكاره المتالقة والتي راقت لي , فكان عليا ان ابحث عن مقدم البرنامج والذي سيشاركها التقديم حيث وقع اختياري على الكاتب والممثل المرحوم عبد الباري العبودي لكونه يملك من الصفات التي تعجبني في التقديم من جمال الصوت و الالقاء وسرعة البديهية في المحاورة الارتجالية مع الدكتورة وعيدة زينل , هو يسأل بشكل تمثيلي وهي تجيبه بنفس الاسلوب , وهكذا انقلب البرنامج من اعداد تقريري الى برنامج تمثيلي حافظ على معلوماته الطبية , فاصبح لدينا برنامجا جيدا في اعداده وتقديمه , فكانت المداخلات والتي اضافها المبدع المرحوم عبد الباري العبودي فيها من جمالية التقديم والمحاورة الاذاعية , اضافت لمسات جمالية وابداعية انقذت البرنامج من الرتابة في التقديم , مع تلاحم الاعداد والذي اعده المبدع علي صبري , فاصبح منذ ذالك الوقت علي صبري اشبه بالمعد لهذه المجلة الصحية , وبحكم هذه العلاقة والمبنية على متابعة برنامج المجلة الصحية تكررت الزيارات الى الاذاعة وبرفقة الدكتورة وعيدة زينل , ففي احدى هذه الزيارات بادرني بسؤال قال فيه : استاذ , هل يعجبك العمل على نصا مسرحيا لا يتضمن فكرة عمالية ؟؟ فاستغربت من سؤاله الا انه بادرني قائلا : اخراجك يعجبني استاذ جوزيف وانا من اشد المتابعين لاعمالك في المسرح العمالي , ولا سيما مع كتابات صباح الزيدي والذي اصبح فيما بعد صباح عطوان , وعلى مااعتقد ان له صلة قرابة معه والاثنين من محافظة البصرة , فرحبت به وبفكرته واذا به يفاجئني بنص مسرحي كان يحمله في يده وقدمه لي وطلب مني قرائته وبيان مدى صلاحية عرضه وابداء رأيي به , فبعد قرائتي للنص وجدت فيه ابداعات انسان في طريقه الى عالم النجومية والشهرة مع كتاب الدراما العراقية .
وجدت في علي صبري براعة في صياغة دايلوجاته ونغمة موسيقية تتكلم عن مفردات جمالية التعبير اللغوي ولا سيما الحوارات الشعبية الحياتية من خلال منح شخوصه الهوية الحقيقية لكل منها , طرازها , اسلوبها , ثقافتها , كل ذالك كان يرسمها بتاني وكمثل ذالك النحات الذي يعتني بتفاصيل تمثاله , كان يصب جم افكاره ومشاعره وانسانيته لشخوص يستقيها من واقع الحياة , ولاسيما في مسلسليه , فاتنة بغداد , ومناوي باشا , لقد اعطيته وعدا بانني ساعمل على اخراج نصه بعد قرائته وبيان رايي فيه , الا ومع مزيد من الاسف هذا الوعد لم يتحقق لظروف مرحلة الحرب العراقية الايرانية التي حالت دون استمرار المسرح العمالي في مواصلة تقديم اعماله المسرحية لانشغال معظم كوادره في خدمة الاحتياط , وهكذا ذهبت فرصة العمل والتعاون مابيني وبين الكاتب علي صبري .
لقد برز علي صبري في طريقة تناول مواضيعه وبتجسيد روائعه الكتابية , ففي هذا النص والذي ارادني ان اعمل على اخراجه كان يتكلم عن حياة راقصة انسانة ذات قلب حنون تضحي بالغالي والرخيص من اجل تحقيق احلام شريحة اجتماعية كانت تعيلهم في ازمتهم الاقتصادية , في هذا العمل دافع عن الظروف القاسية والتي اجبرت هذه الامراة لامتهانها الرقص في ملاهي بغداد , مبررا سلوكيتها في الحياة بافكار انسانية والظروف القاسية التي عاشتها و اجبرتها على العمل في الملاهي , ولهذا فهوى في جميع اعماله يتعاطف مع الانسان ويدافع عن قضيته ويجد المبررات التي ساقتهم للخوض مع معترك الحياة الظرفية القاسية وواقع حالهم الماساوي والذي اجبرهم على ان يدخلوا الى عالم مبتذل تسوده اجواء الخمر والعربدة ومعاشرة الاثرياء من الذين يبحثون عن الملذات الجسدية .
علي صبري وحسب معرفتي به انسانا طيب القلب , ابتسامته المشرقة تضيف الى وجهه براءة افكاره ونضجها , ويتخذ في اعماله الانبعاث الروحي في تجسيد شخصياته والتي كان يستقيها من واقع الحياة الاجتماعية , ولهذا كان مولعا في تناول شخصيات غريبة , غرابتها ليست عن واقع المجتمع العراقي وانما بتصرفها وسلوكياتها وتاثيراتها على مسيرة المجتمع العراقي ولا سيما في احقاب الفترة التاريخية القديمة من تاريخ العراق , لقد تميز هذا الكاتب باتخاذ الشكل للدراما المسرحية او التلفزيونية بحقائقها مضيفا اليها لمساته الفكرية على معظم شخصيات نصوصه , من خلالها يطرح مفهوما انسانيا يود تعميمه على الملاء , او نقدا لشخوص تاريخية يراها ومن خلال وجهة نظره انها لا تستحق الحياة بين مجتمع يعيش في حالة البؤس والشقاء نتيجة الفقر والجوع , ولهذا الذي يتابع اعماله يكتشف انه كاتب يتناول التاريخ الاجتماعي والسياسي لشخصيات تاريخية اجتماعية وانسانية , حيث يكشف ومن خلال كل عمل فني لعبته في الكشف عن ذات الانسان , انه يدرس الشخصية ويحدد معالمها وهويتها , اي من خلال ثقافته المكتسبه يحلل كل شخصية من شخصياته ويرسم معالمها الطبيعية والنفسية والاجتماعية , وهذا ماظهر في مجمل اعماله التلفزيونية ومنها , مناوي باشا وفاتنة بغداد وفؤاد سالم وقطار الموت , ان معانات علي صبري لا تستكين الا حينما يكتشف التغيير بما يقدمه من اشكال لمضمون الدراما التي يؤلفها ولا سيما التلفزيونية منها , يتاثر جدا من بعض اجراء التغييرات من الحذف في المونتاج من قبل لجنة الرقابة التلفزيونية , وهذا بالطبع وبموجب اعتقاداته انه يؤثر على مسار احداث المسلسل وتشويه افكاره ومضمونه .
مواقف النقاد من اعماله
لقد واجهت اعماله الدرامية صعوبة كبيرة في فهمها من قبل بعض النقاد والذين لم يتعرفوا على انسانيته و مدرسته في الكتابة , ولهذا يرسمون البدائل في نقدهم والتي يرونها مناسبة وجيدة في طرحها , انهم في هذا يخطئون بحق هذا الكاتب , لقد تميز هذا الكاتب باتخاذ الشكل التاريخي كاطار في طرحه , مضيفا على شخصياته لمسات افكاره بمفهوم الانسانية التي يؤمن بها , فلربما يعود هذا الى حقيقة انتمائية واقعه الطبقي لظروف حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , ولهذا يرسم معالم شخصياته بهذا النمط رغبة منه في تعميمه على الملاء , او نقده لشخصيات تاريخية يراها لا تستحق الحياة لتسلطها على مجتمع يعيش ماسات الفقر والجوع , وكذالك تثور ثائرته على بعض العادات والتقاليد البالية هدفه من هذا اعطاء البدائل التي يراها تخدم الانسانية والمجتمع بحوارات شعبية ينسج عباراتها من واقعه الذي يعيشه , لقد تضمنت شخصيات اعماله مفهوما فكريا يقف الى جانب الانسان ويناصر قضيته , ولهذا , فان علي صبري كاتبا يرتقي بكتاباته مع معظم كتاب العالم من خلال تجسيد شخصيات نصوصه بواقعها الانساني السايكولوجي بتفاعل مشاعرها واحاسيسها وردود افعالها , مع عدم المساس بواقع حياتهم الشخصية وتاثيراتها ان كانت سلبية ام ايجابية على ظروف الاحقاب الزمنية الماضية من التاريخ , ولهذا الذي يتابع اعمال علي صبري يكتشف انه يدخل في تفاصيل الحياة الاجتماعية التاريخية , وهذا ماجسده في مسلسلاته منها , مناوي باشا ,وفاتنة بغداد .
فان النقاد يظلمون علي صبري بحجة انه لم يتناول الشخصيات بحقيقة واقعها او تاريخها او مفهومها الحياتي ,فمسرحية انتيكونا ( سوفوكليس ) والتي كتبها الكاتب سوفوكليس سنة 441 قبل الميلاد , من بعده تناول كتابتها كل من جان انوي وجان كوكتو , فالاسطورة هذه عند سوفوكليس طرح من خلالها عقيدته في الحياة والموت , وجاء كوكتو بطرح شخصيات هذه المسرحية بمثل ماطرحها سوفوكليس , حيث كان متفقا معه ومع طرحها وانما باسلوب يختلف عما عند سوفوكليس ,ولهذا ان شخصية انتكون متشابهة في الطرح عند كوكتو , بينما تناولها جان انوي بشكل مغاير للاثنين سوفوكليس وكوكتو , في هذا النص اضاف انوي ابعادا وافكارا وعقائدا تختلف عن الاثنين السالفي الذكر , لقد تناول كتابة هذا النص بابعاد تختلف عن عقائد سوفوكليس وكوكتو انما النقاد العالميين لم ينتقدون اساليب كتاباتهم ولا مضامين ماتناوله كل منهما على ان ماكتبوه يعد من الاخطاء بحق سوفوكليس , لانهم يعلمون علم اليقين بحقيقة افكار كل كاتب يختلف عن الاخر بتناول نصوصه , انما لم ينتقدون الواحد للاخر على انها خطأ , لانهم يعلمون ان لكل كاتب له ارائه وفلسفته في الحياة وواقعيتها , ولهذا اجد نفسي لست في موقع الدفاع عن علي صبري واقف معه ضد انتقادات ماكتبه النقاد , وانما اقف الى جانبه لكونه على حق بكل مايطرحه من الحقائق التاريخية كالشكل والمضمون لان هذا يعود الى رؤيته الخاصة ولافكاره ورؤيته في الكتابة والتي يؤمن بها ,اذن ماذا نقول عن الاستاذ سامي عبد الحميد حينما كتب نصا بعنوان ( عطيل في المطبخ ) فهل هو مخطئا ؟ وماذ نقول عنه في مسرحية هاملت عربيا , فهل تناوله لهذا النص وبهذا العنوان والبعيد كل البعد عن النص الاصلي يعد اختراقا و اعتداءا على حرمة تاريخ شكسبير وعن حقائق شخصياته المرسومة من قبله ؟ ولهذا فانا من الراي الذي يحترم حرية الكاتب بمضمون طرحه لانه لكل كاتب لح الحق بما يكتب وبما يراه من رؤية نسبية مع نفسه , كما فعلها الكاتب لويجي براندللو في نص مسرحية ( حسب تقديرك ), لقد دافع عن افكار كل شخصية ومن خلال ماطرحته عبر احداث مشاهد المسرحية , حيث جسد رؤية كل شخص بموجب مايراه صحيحا , وعبر لقاء معه وعن طريق الفيسبوك دافع السينارست والكاتب علي صبري عن نفسه قائلا : ( انا لا انطلق في كتاباتي الا من خلال ايماني بقضية ما يشغلني تجسيدها وطرحها , واحاول تاطيرها بما اامن من افكاري واصيغها باطار اجسد من خلاله ادبيات وفنية الكتابة , فانا لست بعرضحالجي اكتب ومن دون رؤية فكرية او احمل بين جوانحي قضية ادافع عنها لست مقتنعا بها , انا لست اناء يملئه الاخرين بافكار منحازة لمصالحهم الخاصة ويرغبون مني تجسيد مايرونه مناسبا , انا ارفض مثل هذه الحالات , لانني سابقى وعلى طول الدهر منحازا الى الانسان وقضيته العادلة ) واما ردا على بعض ماكتبه النقاد لمعظم اعماله يقول مدافعا عن رايه : ( انني اكتب واصيغ كتاباتي لضروريات درامية اراها صحيحة , وهذا حق من حقوقي المشروعة , مع التمسك والمحافظة على الحقائق التاريخية ) .
علي صبري ومناوي باشا
لقد عمل علي صبري على رسم احداث مسلسل مناوي باشا من خلال شخصيات رسم معالمها ومنطلقا معها من واقع حي مناوي باشا , كانت شخصياته مرسومة بدقة ذالك الفنان التشكيلي , فيها الشخصية المركبة , والشخصية البسيطة , وجميعها تتحرك ضمن محور محلة مناوي باشا , لقد استخدم الرمز في لعبته , وجعل من مناوي باشا رمزا يتمخظ عن شخصيات ذات دلالة واقعية ووطنية حيث استخدم هذا الحي لينطلق منه بنسج افكاره كما فعلها انطوان تشيخوف في مسرحية بستان الكرز , فكانت هذه البستان ذات تاثير محرك للفعل الرئيسي يتمخظ عن ردود افعال كانت من نسج خيال ورؤية تشيخوف , غايته طرح المفارقات وتبادل الظروف الاقتصادية مابين شخوص مسرحيته والتعبير عن نفسية وردود افعال كل شخصية وموقعها وظرفها الاقتصادي الجديد كما حصل مع صاحبة البستان ومالكها الجديد , لقد ابدع تشيخوف في محاولته الكتابية لهذا النص والذي جسد من خلاله تبادل ادوار مواقع الانسان في الحياة الواقعية , من مالك الى مستاجر , وتجسيد حالتها النفسية الجديدة وهي تعيش بواقع جديد كواقع المستاجر وليس المالك لبستانه وداره .
غاية تشيخوف من تبادل مواقع من الحياة لكل من المالك الحقيقي القديم والمالك الجديد , هو ابراز وتجسيد واقع ظرف كل شخصية وردود افعالها على ضوء الواقع الحالي الذي يعيشونه بتجربة حياتية جديدة وعلى ضوء افكار تشيخوف والتي صاغها في شخصيات عبرت كل منها عن مشاعرها واحاسيسها الانسانية ومعاناتهما وعلى ضوء الواقع الجديد لكل منهما .
لقد جائت شخصيات علي صبري في مناوي باشا متباينة الافكار ومختلفة الانتمائيات الاجتماعية والسياسية فمنهم من يقف ضد شريحة العمال وتسريحهم , ومنهم من وقف ضد الاحتلال الانكليزي , ومنهم من لعب دورا انتهازيا مابين شريحة واخرى لتحقيق مصالحه الشخصية , وكذالك لعبت العوائل دورها في تحريك بعض السياسيين من اصحابي النفوذ , فصاغ من هذا التباين مابين هذه الشرائح الاجتماعية والسياسية صراعا متناميا مابين هذه الشخصيات وعلى اختلاف انتمائياتها الطبقية والمتباينة بالافكار والاهداف , نتج عنه حسا وطنيا وثورة عارمة انطلقت من الشريحة الفلاحية والمدنيين ممن يحملون الافكار الوطنية يدافعون من خلال هذه الثورة عن حقوق الانسان المهضومة , فمن هنا تتجسد مواقف علي صبري في ميوله ونزعته الوطنية والانسانية في الوقوف الى جانب قضية الانسان المغلوب على امره والدفاع عنه .
لقد برع الكاتب والسينارست علي صبري في نسج ورسم معالم شخصيات جميع حلقات مسلسل مناوي باشا , ويعود هذا لامتلاكه الحرفة الفنية في رسم معالم جميع شخوصه المتفاعلة مع الاحداث والتي استطاعت بتفاعلها توصيل الفكرة الاساسية الى المتلقي , ان شخصيات علي صبري نابعة من افكاره واحاسيه ومشاعره الداخلية , ولهذا امتلكت شخصيات مناوي باشا احاسيسا صادقة معبرة عن مشاعر حقيقية لاحداث واقعية في مسلسل مناوي باشا .
كلمة الختام
ان الذي يعرف علي صبري , ا و يتعرف على ميوله وافكاره السياسية المعتدلة ¸سيكتشف انه لا يجامل على حساب الحق , انه صريح في كل افكاره ومبادئه , لقد جسد ميوله الوطنية في مسلسل مناوي باشا , هذا المسلسل والذي حاز على اعجاب الجماهير مما دفعه هذا النجاح الساحق استمراريته بتاليف اجزائه الثلاثة , ناقشته في مسالة خاصة , دافع عنها بعقلانية فيها من الاتزان والحكمة والمعايشة الحياتية , لا يؤمن بما هو غير واقعي , ولا يعتمد في كتاباته على رؤية خيالية غير منطقية , وغير واقعية , وانما هو ينقل الواقع بمرارة قساوة الحياة الاجتماعية , وينحاز الى معالجتها وفق رؤية ذالك الانسان الذي يطرح البدائل المقنعة من اجل تنفيذ فكرته ورؤيته في المعالجة الدرامية , لانها متمخضة عن رؤية انسانية يعالج من خلالها قضية الانسان المرحلية وعلى ضوء المرحلة الظرفية والتي يعالج من خلالها مشاكل المجتمع .
لقد حرص هذا السينارست والكاتب المبدع علي صبري على تاليف اعمال درامية شهدت لها القنوات الفضائية العراقية والعربية , لقد كتب عن فنانة الشعب عفيفة اسكندر في مسلسل فاتنة بغداد , وجسد مسيرتها وحياتها المهنية والاجتماعية ومجالسها الثقافية باروع حبكة درامية فيها من براعة التعبير الجمالي والحسي والمواقف الوطنية والانسانية لهذه الفنانة العراقية .
واخيرا سيبقى السينارست والكاتب علي صبري ايقونة الدراما العراقية والعربية يفتخر به .
الأربعاء، 10 مارس 2021
الجزائر: “المهرجان الوطني للمسرح المحترف” ينطلق قريباً
مجلة الفنون المسرحية
الجزائر: “المهرجان الوطني للمسرح المحترف” ينطلق قريباً
أعلن منظمو “المهرجان الوطني للمسرح المحترف” أن الدورة الــ 14 من المهرجان ستنطلق في 11 آذار/مارس الجاري وتستمر حتى 21 من الشهر نفسه.
وتتضمن الدورة الجديدة من المهرجان الذي يستضيفه “المسرح الوطني محيي الدين بشطرزي” بالجزائر العاصمة حوالي 20 عرضاً.
وستتنافس خلال العشرة أيام 9 مسرحيات تمثل مختلف المسارح الجهوية للحصول على جائزة أحسن عرض وإخراج وسيناريو ودور رجالي ودور نسائي وسينوغرافيا وموسيقى، وكذلك جائزة لجنة التحكيم، في حين ستقدم باقي العروض خارج إطار المنافسة.
وأعلن المنظمون عن عروض في الشارع وأخرى تنشيطية بساحة محمد توري.
وعلى هامش المهرجان ستنظم ورشات تدريبية وندوات حول ممارسة الفن الرابع علاوة على تكريم أبرز وجوه المسرح الجزائري مع تنظيم جلسات بيع بالإهداء لكتب بحضور مؤلفيها.
-----------------------------------------
المصدر: الميادين
الثلاثاء، 9 مارس 2021
جائزة محترف ميسان لثقافة وفنون الاطفال تحمل شرف اسم شاعر الطفولة محمد جبار حسن الذي انشد انشودة الحب الاخيرة ورحل قبل الاوان / عدي المختار
مجلة الفنون المسرحية
جائزة محترف ميسان لثقافة وفنون الاطفال تحمل شرف اسم شاعر الطفولة محمد جبار حسن الذي انشد انشودة الحب الاخيرة ورحل قبل الاوان / عدي المختار
شاعر غزل بمغزل الحرف والقافية براءة الاطفال اناشيد صباح , ورسم بفرشاة الصغار نوافذ للغد , حفظ لـ( دار ..دور) زقزقة عصافيرها, واستبدل ( انا جندي عربي ) بـ( انا انسان) وغازل الـ( البلبل الفتان ) بـ( نرجسة) , ذلك هو الشاعر العراقي والانسان محمد جبار حسن.
هو شاعر وكاتب عراقي ولد عام 1957م لقب بشاعر الطفولة بسبب اهتامه بكتابة كتب وروايات الاطفال لا يكاد يخلو المنهج العراقي من قصائده وقصصه التي تتعلق بالاطفال كان يلتقي صبيحة يوم الجمعة باصدقائه الادباء والكتاب على اروقة وازقة شارع المتنبي في المركز الثقافي البغدادي كان يشارك الكتاب فعالياتهم .
اتسم محمد بأنه هادئ الطبع ولطيف الكلام وكان لا يسمع صوته الا في محله ,أنشأ علاقات اجتماعية قوية وممتازة بالكثير من الفنانين والرياضيين .
ينتمي لعائلة صاحبة ثقافة متعددة وكان يعشق القراءة والمطالعة حتى كتب أول قصيدة وهو في المرحلة المتوسطة فتفاجأ برد معلم اللغة العربية له وقوله بان قصيدته تناسبت مع القافية ومن هنا كانت بدايته في الادب الذي اختص لاحقا به الا وهو ادب الاطفال .
كان الراحل لايغيب عن المهرجانات الموسيقية والغنائية والثقافية التي تقيمها دوائر وتشكيلات وزارة الثقافة العراقية وكان يكتب القصيدة الغنائية التي تتغنى بالطفل والطفولة , ولا يغيب ابدا عن اروقة وازقة شارع المتنبي فكان يحضر صباح كل يوم جمعة يلتقي زملاءه واصدقاءه ويشاركهم فعالياتهم التي تقام في المركز الثقافي البغدادي واروقة القشلة
وفي حديثه عن تجربته قال: كنت طالباً في مرحلة الاعدادية حين اخذت نصوصي تلحن وتغنى مما منحني المزيد من الاندفاع والتواصل، حتى كتبت العشرات من الاغنيات غناها مطربون بينهم: كاظم الساهر ومهند محسن وأمل خضير وماجد المهندس وليث البغدادي وعامر توفيق.ولم أكن وقتها افكر في دخول عالم الطفل وأعطيه أهتماماً برغم اني كتبت بعض الاغنيات للاطفال، لكن زميل لي سمعني أقرأ قصيدة للاطفال، فاصر ان اكتبها له , وحين تم ذلك وجدتها بعد اسبوعين منشورة على صفحات مجلة (مجلتي).وقد اشاد بها كثيراً مدير عام دار ثقافة الاطفال آنذاك الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، وطلب مقابلتي، فشجعني على التواصل، ومنها تخصصت في هذا المجال الذي يعد من أصعب الفنون، ويحتاج إلى اثبات جدارة فليس بوسع أي شخص الولوج إلى هذا العالم من دون ان يكون متسلحاً بمؤهلات الوعي والمخيلة وفهم كيفية التعامل مع مخلوق حساس، بمعنى ان المسؤولية تقتضي قراءة مستقبل الطفل مبكراً,وهو مشروع انساني وطني مهم يتطلب الإخلاص والأمانة, ولكن للأسف هناك اناس دخلوا هذا المعترك وهم لم يفهموا اهمية الطفولة، فافسدوا الكثير مما كان يمكن ان يتحقق بصورة صحيحة. ولكن برغم ذلك يجب ان لا نسأم من نصف الكأس الفارغ لوجود ادباء ادوا رسالتهم على اتم وجه وبأجمل صورة حتى صار لأدب الأطفال العراقي بصمة مميزة على الصعيد الدولي، فحين يذكر أدب الاطفال في أي محفل دولي تذكر اسماءً لادباء عراقيين في مجال القصة والقصيدة والسيناريو والمسرحية والأغنية. ومن هذا المنطلق تجدني اتكلم بمرارة وألم لما حصل في ظل التحولات السياسية والنظام الشمولي ودخول ثقافة العنف الى حياة الطفولة مما افسد الكثير من الرقي بالذائقة وزراعة ثقافة الحب والخير والسلام بدل ثقافة الحرب والعنف، الأمر الذي جعل بعض المخلصين لأدب الاطفال ينزون بعيداً، والبعض الآخر سافر وهاجر ليكون بمأمن من ثقافة زرعت العسكرة وحب الأنا في نفوس الاطفال حتى صار بعضهم يفتخر بان يلبس ابنه ملابس عسكرية برتبة عميد وعقيد والتي تزرع في نفسه حالة من العنجهية تجعله يتكبر على اصدقائه ويتعامل معهم كأنهم جنود تحت أمرته من دون شعور منه, نحن الآن بأمس الحاجة لنعيد تأهيل الطفل العراقي ضمن مشروع وطني يدعو للمحبة والتسامح، وان نلغي ثقافة “أنا جندي عربي بندقيتي بيدي”. وأخيراً اقول: لي امنية تملأ قلبي ـ لو تتحققت يزهر دربي ـ هي ان امسح راء الحرب ـ لأضيء العالم بالحب.
من اهم انجازات الراحل محمد جبار حسن , حائز على جائزة الابداع في العراق لأكثر من ثلاث مرات في مجال ادب الاطفال ، وجائزة الاولى لمسابقة اغنية الطفل لعام 2005م، كما وحصد جائزة الدولة لأدب الاطفال في دولة قطر لعام 2008 في مجال نصوص اغاني الاطفال وهي أهم جائزة عربية ,ومثل العراق في مهرجان الاغنية العربية للاطفال في الاردن عام 2002 وكذلك في مهرجان الاغنية العربية للكبار في لبنان عام 1999 وكذلك في مصر عام 2002 وكرم عن مجمل منجزه خلال حفل افتتاح مهرجان الحسيني الصغير الدولي الخامس لمسرح الطفل 2019, وتحمل الدورة الاولى من مهرجان محترف ميسان لثقافة وفنون الاطفال لعام 2021 شرف اسمه .
وناشد الراحل في اكثر من لقاء ضرورة اهتمام وسائل الاعلام والقنوات العراقية بالمشهد الادبي والثقافي للطفال والطفولة مثلما كانت تلفزيون العراق برنامج (سينما الاطفال) الذي كانت تعده نسرين جورج ويتابعه الاطفال والكبار لنجاح المقدمة في اختيار الفيلم في كل حلقة، بمعية جمهور من الاطفال، تثار معهم حوارات بعد انتهاء الفيلم، تخص السيناريو والاخراج واداء الممثلين، وكنا نصغي لاراء الاطفال التي تثير فينا الدهشة والامل؛ لأنهم ذوو ذائقة ومشاريع نقاد سينمائيين في المستقبل، اضافة الى الاهتمام بالمطبوعات المدعومة من دار ثقافة الاطفال التي كانت تصدر (مجلتي) و(المزمار) اسبوعيا، من أجل النهوض بثقافة الطفل وعلى الدولة ان ترعى دار ثقافة الاطفال التي كانت مصدر اشعاع على مستوى العالم العربي.
يذكر ان أول كتاب صدر له عن دار ثقافة الاطفال كان بعنوان (الفراشات الهاربة) برسوم الفنانة حنان شفيق الكمالي تضمن قصائد تحدث عن المحبة وبراءة الطفولة التي تحاول الهرب من اجواء ملغومة بالخوف والرعب وفوبيا الحروب إلى بساتين الزهور الملونة العطرة لتمرح مع انواع الطيور على اغصان الاشجار المختلفة , ثم مجموعة (أحلام والعصفور) وقد تحدثت عن أحلام واماني الاطفال بمستقبل جميل يتطلعون اليه , بعدها مجموعة (نتسلى مع الاشجار) وقد تضمنت موضوعات علمية عن انواع الاشجار وفوائدها وصفاتها.
الراحل محمد جبار حسن تدرّس قصائده في المناهج الدراسية العراقية لعدد من صفوف المرحلة الابتدائية، للصفوف الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة مثل قصيدة (انا انسان) و قصيدة (نرجسة) ، وهو واحد من مؤلفي دليل المعلم للنشيد المدرسي في (العراق)
اغمض عينيه لاخر مرة في بغداد يوم5 أغسطس عام 2016 اثر صراعه مع المرض لشهور طويلة, رحل تاركا خلفه منجز ثر في مجال الطفولة يعد مفخرة للعراق داخليا وخارجيا .
السبت، 6 مارس 2021
رسالة اليوم العالمي للمسرح 2021 كتبتها الفنانة: هيلين ميرين
مجلة الفنون المسرحيةرسالة اليوم العالمي للمسرح 2021
كتبتها الفنانة: هيلين ميرين
الترجمة: حصة الفلاسي : الفجيرة
"كان هذا وقتاً صعباً للغاية بالنسبة للفنون الأدائية الحية، كافح فيه العديد من الفنانين والفنيين والحرفيين والنساء في مهنة هي في الأصل محفوفة بانعدام الأمن.
ولربما كان انعدام الأمن الذي ارتبط دائماً بهذه المهنة هو ما مكن هؤلاء الفنانين من النجاة في ظل هذه الجائحة.. متسلحين بالكثير من الذكاء والشجاعة. ففي ظل هذه الظروف الجديدة، حول الفنانون خيالهم إلى طرق إبداعية وترفيهية ومؤثرة ليتمكنوا من التواصل مع العالم، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير بالطبع إلى شبكة الإنترنت. كما أنه ومنذ بدء الخلق ونحن البشر نستخدم السرد القصصي كشكل من أشكال التواصل بيننا، ولذلك فإن ثقافة المسرح الجميلة ستبقى طالما بقينا نحن هنا. ولن تختنق أبداً الرغبة الإبداعية للكتاب والمصممين والراقصين والمغنين والممثلين والموسيقيين والمخرجين، وفي المستقبل القريب ستزهر تلك الرغبة مرة أخرى تدفعها طاقة جديدة وفهم جديد للعالم الذي نتشاركه جميعاً.
وكم أتحرق شوقاً لذلك!"
الأربعاء، 3 مارس 2021
إيوجينيو باربا وأنثروبولوجيا المسرح / محسن النصار
مجلة الفنون المسرحية
إيوجينيو باربا وأنثروبولوجيا المسرح / محسن النصار
تعتبر الأنثربولوجيا كونها علما مستقلا من العلوم الإنسانية . أما من حيث علاقتها بالمسرح ، فقد شكلت توجها في البحث المسرحي، يغطي مجالات عديدة تشمل الدراسات التي اهتمت بدراسة الظواهر المسرحية في المجتمعات البدائية من ناحية، ومن ناحية أخري دراسة الظواهر الأنثربولوجية الموجودة في المسرح. وتعُرّف ألانثروبولوجــــــــيا :
بعلمُ الإنسان
وعلمُ الإنسان وأعماله وسلوكه
وعلمُ الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها
وعلمُ الإنسان من حيث هو كائنٌ طبيعي وإجتماعي وحضاري
وعلمُ الحضارات والمجتمعات البشرية
.
وحققت المنظومة الحركية والبصرية في تجارب إيوجينيو باربا شبكة جمالية عبر توظيف الأنثروبولجيا المسرحية
فهو يمتلك طاقة حركية و تعبيرية تظل قائمة في خلق ابعاد انسانية لتقريب المجتمعات الأنسانية بوسائل الاتصال المسرحية .
إ فرّق باربا بين الحركة التي يمارسها الممثل في الواقع والحركة التي يمارسها على خشبة المسرح وهو من المبادئ الأساس في المسرح الشرقي التي لم يتعرّف عليها المسرح في الغرب إلا عبر أنفتاحه على ما يحمله المسرح الشرقي من جماليات خاصة به وخاصة مسرح النوة الياباني
((وقادتني الطريقة العلمية في البحث الى الكشف عن قوانين خاصة بتقنيات الممثل في المسرح الشرقي .
اولها : التوازن غير الثابت ، فالممثل في مسرح ( نو ) الياباني يمشي وقدماه تمسحان الارض ولايرفعهما عنها .
ومن ذلك نكتشف ان مركز ثقل الجسم وتوازنه متغيران وعندما يمشي ممثل ( نو) بتلك الطريقة فانما يثني ركبتيه قليلاً ويضغط خفيفاً على اسفل العمود الفقري ، ويشبه هذا الوضع تماماً ذلك الوضع الذي نتخذه عندما نتهيأ للوثوب او القفز . في مسرح ( كابوكي ) الياباني ، هناك قانون الخطوط المائلة ـ اي ان يكون رأس الممثل بوضع بشكل اعلى خط مائل ويكون القدمان قاعدته ويبقى الجسم كله في حالة توازن متحرك ومستند الى ساق واحدة . وهذا وضع جسماني مخالف لوضع الممثل الغربي الذي يتخذه محاولاً عدم تبذير الطاقة بافتراض التوازن المستمر وبأدنى حد من الجهد ويسمى ذلك الوضع المائل ( اراغوتو ) . وهناك وضعية ثانية تسمى ( واغوتو ) يتخذها الممثل في مسرح ( كابوكي ) وهي وضعية قريبة من الاسلوب الواقعي حيث يأخذ جسم الممثل اثناء المشي ثلاثة منحنيات . وهذه هي الوضعية التي يتخذها الراقص الهندي في الرقص الكلاسيكي . وفي رقصة ( اوريسي ) الهندية يتشكل جسم الراقص بشكل حرف (S ) وتتضح مثل هذه الوضعية في المنحوتات الهندية الكلاسيكية . وعليه فان الممثل في مسرح ( الكابوكي) يتحرك حركة متموجة نحو الجانب ويكون للعمود الفقري الدور الرئيس لتحقيق التوازن المستمر او العلاقة المستمرة بين ثقل الجسم ومركزه وقاعدته ـ القدمين . في الرقص البالينى يدفع الممثل / الراقص براحتي قدميه الى امام ويرفع اصابع قدميه الى اعلى ليقلل اتصالها بالارض ولكي يتفادى السقوط ينشر قدميه ويثني ركبتيه ويحدث التوازن . اما راقص البالية الغربي فيسند ثقل جسمه بالكامل الى ساق واحدة وعلى اطراف اصابع قدم واحدة ، اذن لماذا هذا الاختلاف بين اسلوب المشي في الحياة اليومية واسلوب المشي في حالة الرقص سواء لدى الغربيين ام لدى الشرقيين ، السبب هو الايحاء بالجمال ـ جمال الحركة وعدم الخضوع الى الطبيعة .
يقال ان الممثل في مسرح ( نو ) و ( كابوكي ) يعتمد كثيراً على ردفيه فهما اللذان يحركان ساقيه بينما في حركته اثناء الحياة اليومية يحدث العكس حيث تحرك الساقان الردفين . وفي الحالة الاولى يحقق الممثل طاقة اضافية لحركته ، ويحقق ايضاً توازناً متغيراً . هناك قاعدة تطبق في مسرح ( نو ) الياباني تقول ان ثلاثة اعشار الفعل تتم فقط في المكان اما السبعة اعشار الباقية فتتم في الزمان حيث ان الطاقة لدى الممثل تخزن مكانياً وتستهلك زمانياً . وهناك قاعدة اخرى تسمى ( التعارض ) وتقوم على اساس خزن الطاقة مكانياً وتصريفها زمانياً حيث يتم التعارض بين الخزن والتصريف . ذهب ( غرونوفسكي ) الى الصين خلال ستينيات القرن الماضي وعند عودته الى بولندا اخبرني ان الممثل الصيني عندما يريد تنفيذ اية حركة جسمية فانه يبدأ بقاعدة التعارض فاذا اراد ان يتحرك الى امام فانه يبدأ بالحركة الى الخلف قليلاً اولاً ثم ينفذ الحركة الى امام . واذا ما اراد الممثل ان ينحني الى الاسفل فانه يبدأ حركته بانحناءة الى الاعلى اولاً ، وقد ادركت ان الغرض من فعل التعارض هو تكبير فعل الحركة ولخلق تأثير الادهاش ، وتستخدم قاعدة ( التعارض ) من قبل الممثل في المسرح الشرقي عموماً ، والخط المستقيم المباشر في الحركة لا وجود له في المسرح الشرقي . القاعدة الثالثة في المسرح الشرقي تسمى ( الترابط المفكك ) وهي تقنية لاتستخدم في الحياة اليومية بل على خشبة المسرح فقط . وتقضي هذه التقنية افتراض افعال تعيق حركة الممثل ثم يتغلب على الاعاقة بما لديه من طاقة كامنة وهكذا يقوم الممثل بفعل التفكيك الذي يؤدي الى التهذيب بواسطة التدريب المستمر لتطوير الافعال العضلية الانعكاسية . قادتني تلك القوانين او القواعد التي يتبعها المسرح الشرقي الى تأسيس ( المعهد العالمي لانثروبولوجيا المسرح ))(1)
.
أن مفهوم "الأنثربولوجيا" لم يتبلور في أستخدام المسرح له إلا عند"يوجينو باربا". ولكن كانت له بعض السمات في مسرح جروتوفسكي. حيث يري أن مفهوم الأنثربولوجيا يتضح عنده خلال العلاقة الذاتية للممثل وعلاقة الفرد بالجماعة. ويتضمن ذلك العمل الجماعي للممثلين وعلاقة الممثل بالمتفرج.
ومن رؤياه المسرحية في اكتشاف لغة جديدة للمسرح بحيث تكون قوة سلوكية وانسانية تستحضر السلوك البشري للتقريب بين المجتمع الأنساني وربط بين الميتافيزيقا لخلق مسرحا ميتافيزيقيا يستبدل فيه الكلام المنطوق بلغة جسدية بصرية محسوسة لانه كان يؤمن بان المسرح لا يؤثر على السمع فقط وانما على الحواس الاخرى.
(1)أنظر : سامي عبد الحميد - انثروبولوجيا المسرح في العمل - صحيفة التآخي - 2- 8- 2012)























