أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 21 يناير 2018

بيان لجنة تحكيم النسخة السابعة من جائزة د.سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي للعام 2017

مجلة الفنون المسرحية


بيان لجنة تحكيم النسخة السابعة من جائزة د.سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي للعام 2017

هذا بيان لجنة تحكيم النسخة السابعة من جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي للعام 2017، التي عقدت مرحلة التنافس النهائية منها في إطار الدورة العاشرة من مهرجان المسرح العربي، التي نظمت في تونس من العاشر وحتى السادس عشر من جانفي/ يناير/ كانون ثاني 2018، بالتعاون الخلاق بين الهيئة العربية للمسرح و وزارة الشؤون الثقافية في الجمهورية التونسية.

وقد تشكلت لجنة التحكيم، التي اختارتها الهيئة العربية للمسرح من :
• الأستاذ رفيق علي أحمد، من لبنان، رئيساً للجنة.
(حسب التسلسل الهجائي)
• الأستاذ خالد الرويعي، من البحرين، عضواً.
• الأستاذ الدكتور عثمان جمال الدين، من السودان، عضواً.
• الأستاذ محمد البكري، من فلسطين، عضواً.
• الأستاذ الدكتور محمد مبارك بلال، من الكويت، عضواً.

هذا و تتقدم لجنة التحكيم بالشكر للهيئة العربية للمسرح، لعظيم الثقة التي أولتها لهذه اللجنة، و أهمية الدور الذي تمثله في هذه الدورة، كما تثني الشكر للهيئة العربية للمسرح و الهيئة المنظمة للمهرجان، على جو الحرية و الحياد الذي توفر للجنة لتقوم بعملها، و هي التي تقف على مسافة واحدة من كافة العروض المتنافسة. كما لا يفوت لجنة التحكيم أن تتوجه بالتهاني الحارة و الشكر الوافر لوزارة الشؤون الثقافية، و لسيدات المسرح التونسي و سادته على هذا الحضور الوازن، و الاحتضان الدافئ للمهرجان ومشاركيه و فعالياته؛ و تؤكد اللجنة في هذا المقام، على أن المسرح العربي بخير، و له ضمانة المستقبل الواعد بالنتاجات الأفضل في ظل هذا التفاني، في ظل هذه الحرفية التي تبدت في هذه الدورة التي احتضنتها تونس، و التي شكل انعقادها و بكل هذا الألق مثالاً ساطعاً لدور المسرح و المسرحين في تأثيث العقل المجتمعي بمضادات حيوية إبداعية تحصن الإنسان العربي في مواجهة ما يُراد له من تقهقر و تخلف و تراجع و حيلولة دون التقدم إلى مشارف النور، و لا بد لنا في هذا المقام أن نشد على يد الهيئة العربية للمسرح، و الوقوف إلى جانبها، في استمرار انعقاد هذا المهرجان، و انتقاله في كل عام إلى منطقة عربية جديدة، مما يساهم في إشاعة ثقافة المسرح، ثقافة المعرفة و التعرف، ثقافة اكتشاف خصوصيات الآخر و تقبلها، كما يساهم في حيوية المشهد العربي.
و توجه اللجنة خالص تقديرها للكاتب العربي المسرحي، صاحب رسالة اليوم العالمي للمسرح في عام 2007، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي نذر حياته، لخدمة الثقافة العربية عامة، و المسرح العربي و العالمي خاصة.

و بعد،
عقدت لجنة التحكيم 11 جلسة لنقاش العروض الأحد عشر المتنافسة على نيل جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، للعام 2017؛ و هذه العروض (حسب تسلسل عرضها في المهرجان) هي:

1. الشمع، تأليف و إخراج جعفر القاسمي، من إنتاج مسرح الريو. تونس.
2. الجلسة، تأليف و إخراج مناضل عنتر، من إنتاج مسرح الطليعة، مصر.
3. ما بقات هدرة، تأليف و إخراج محمد شَرشَال. إنتاج مسرح جهوي سكيكدة، الجزائر.
4. فريدوم هاوس، تأليف و إخراج الشادلي العرفاوي، إنتاج كتارسيس للإنتاج و التوزيع، تونس.
5. هُنَّ، تأليف و إخراج آنّا عكاش، إنتاج المسرح القومي – دمشق، سوريا.
6. شواهد ليل، تأليف و إخراج خليل نصيرات، إنتاج فرقة الأحفاد، الأردن.
7. رائحة حرب، تأليف يوسف البحري من تونس و مثال غازي من العراق، عن رواية الفسطيني أكرم مسلم (التبس الأمر على اللقلق) و من إخراج عماد محمد، انتاج الفرقة الوطنية للتمثيل – بغداد، العراق.
8. صولو، تأليف هاجر الحامدي ومحمد الحر عن رواية (ليلة القدر) للطاهر بنجلون، إخراج محمد الحر، إنتاج مسرح أكون، المغرب.
9. الرهوط أو تمارين في المواطنة، تأليف و إخراج عماد المي، إنتاج بفالو آرت للإنتاج الفني، تونس.
10. تشابك، تأليف فهد رَدَة الحارثي، إخراج أحمد الأحمري، إنتاج فرقة الوطن، السعودية.
11. غصة عبور، تأليف تغريد الداوود، إخراج محمد العامري، إنتاج مسرح الشارقة الوطني، الإمارات.

وقد نظرت اللجنة وناقشت كافة هذه العروض، بكل تفاصيلها و مكوناتها، من باب رصد المبادرة و أصالة الأفكار و اقتراح الحلول، وبلاغة مفردات العرض، و انسجام عناصرها، و تحقق نجاعة التواصل و التأثير، و قياس المسافة التي خطتها العروض بينها و بين المتلقي، ونجاعة الاستفادة من التقنيات الرقمية الحديثة، و وعي الوظيفة المعرفية و الجمالية لكافة عناصر العرض، و القدرة على تحقيق منظومة العرض الخاصة ضمن الرؤية المؤسسة له، و مدى الاهتمام بإنسان العرض الذي يشكل الركن الأساس، و عدم تغول عنصر على عنصر أو مفردة على مفردة، و مقدار الطاقة الإيجابية التي ينتجها العرض فكراً و جمالاً و معرفة، و مقدار استجابة العرض المسرحي بكليته لدوره المجتمعي في ظل المنعرجات التي تمر بها مجتمعاتنا.

وعليه فإن اللجنة و بكل ثقة تسجل بارتياح، توفر العديد من العروض على تحقيق ما نظرت فيه اللجنة، من وعي و اجتهاد و إدراك للدور الهام الذي يلعبه المسرح، و تصدي معظم العروض لأسئلة الراهن و اشتباكها معه، وتسجل أن ذلك كله حدث في ظل تنوع فني و فكري و معرفي، أثرى و رفع مستوى العروض المسرحية المشاركة و ميزها بالجودة، رغم إمكانية تسجيل ملاحظة هنا ملاحظة هناك، إلا أن اللجنة و من باب احترامها لخيارات صناع العروض، الفنية و المعرفية و الدرامية، ستكتفي بهذا الرصد، دون لعبدور الوصي الذي يوصي، و يتمنى، فما الذي يمكن أن يوصي به المسرحي للمسرحي الزميل غير ما يعرفه الإثنان و يعملان من أجله، و ما الذي يمكن أن يتمناه المسرحي على المسرحي الزميل، سوى ما يتمناه الإثنان و يجتهدان لتحقيقه.

وختاماً فإن ما أثلج قلوب أعضاء اللجنة في هذه الدورة التي امتازت بالتنوع و الغني و التنظيم، هو المجايلة الحقيقية، حيث اصطف جيل الكبار الرواد جنباً إلى جنب مع جيل من الشباب الطالع من رحم المتغيرات التي يعيشها وطننا العربي الكبير، إلى جانب جيل الوسط، و الأجمل من كل ذلك، أن تنوع الرؤى و جدتها و رصانتها لم تكن حكراً على جيل دون الآخر، بل كانت متواشجة لنلمح مغامرة الكهول، و رصانة الشباب، وأصالة الأفكار ميزة لمجمل ما قدم في هذا المهرجان.

و أخيراً ..باسمي و باسم كافة أعضاء لجنة التحكيم أحيي بطل هذه الدورة، الجمهور التونسي.
و نلتقي معكم لاحقاً لإعلان من هو العرض الفائز بجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في النسخة السابعة.
و السلام عليكم.

إعلان لجنة التحكيم على الفرقة الفائزة بالدورة العاشرة

بيان إعلان العرض الفائز بالنسخة السابعة من جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
من الجيد أن نذكر، بأن هذه الجائزة في نسختها الأولى انطلقت في عام 2011، و عقدت المرحلة النهائية من التنافس في الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العربي، التي نظمت في الأردن.
و قد فاز بالنسخة الأولى عرض مسرحية زهايمر، للمخرجة التونسية مريم بوسالمي – المسرح الوطني التونسي.
فاز بالنسخة الثانية عرض مسرحية الديكتاتور، للمخرجة اللبنانية لينا ابيض – فرقة بيروت 8 و نص.
فاز بالنسخة الثالثة عرض مسرحية ريتشارد الثالث للمخرج التونسي جعفر القاسمي.
فاز بالنسخة الرابعة عرض مسرحية خيل تايهة، للمخرج الفلسطيني إيهاب زاهدة، مسرح نعم.
فاز بالنسخة الخامسة عرض صدى الصمت، للمخرج الكويتي فيصل العميري، فرقة المسرح الكويتي.
فاز بالنسخة السادسة عرض خريف ، للمخرجة المغربية أسماء الهوري، لفرقة مسرح أنفاس.
أما النسخة السابعة، فإن اللجنة تحيي كافة العروض المتنافسة، و تعتبر أن وصولها إلى المرحلة النهائية من التنافس هو فوز بحد ذاته.
هذا وبناء على التصفيات التي أجرتها لجنة التحكيم، تعلن أن ثلاثة عروض تنافست و بشدة على نيل الجائزة، و هذه العروض تميزت باختلاف رؤاها الفنية و توجهاتها، و تميزت أيضاً بالاشتغال المحكم على مفردات العرض، و وعيها للبعد الوظيفي للمسرح كأداة في التنوير و التطوير، و رفع الذائقة الجمالية، أما هذه العروض الثلاثة (بناء على تسلسل عرضها في المهرجان) فهي:

• الشمع، تأليف و إخراج جعفر القاسمي، لمسرح الريو – تونس.
• ما بقات هدرة، تأليف و إخراج محمد شرشال، لمسرح جهوي سكيكدة – الجزائر.
• صولو، تأليف هاجر الحامدي و محمد الحر، إخراج محمد الحر، لمسرح أكون – المغرب.

وقد ذهبت الجائزة إلى :

• مسرحية (صولو) لفرقة مسرح أكون من المغرب.

ألف مبروك للفائزين وكل عام و أنتم و المسرح بخير.

أ . رفيق علي أحمد / رئيس اللجنة
أ . خالد الرويعي   – د. عثمان جمال الدين
أ . محمد البكري  – د. محمد مبارك بلال

كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح اسماعيل عبد الله في ختام النسخة 10 مهرجان المسرح العربي

مجلة الفنون المسرحية

كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله في ختام مهرجان المسرح العربي
الدورة العاشرة10 – 16 جانفي/ يناير/ كانون الثاني 2018 تونس


معالي وزير الشؤون الثقافية د. محمد زين العابدين.
أصحاب المعالي السعادة..
أصحاب المقام من فنانات وفناني المسرح الذين حضروا هنا والذين يتابعون الحدث أينما كانوا
أصحاب المقام الرفيع، جمهورَ المسرح في تونس وفي كل أنحاء المعمورة الذين يتابعوننا من خلال البث المباشر.
أحييكم بتحية المسرح، تحية الحياة، تحية الأمل و العمل.
نتوضاً من ماء قربص، و نيمم شطر قرطاج، نتلو من على مسرحها ديثرامب الحياة، و نحيي قومة المسرح على عتبات الأميرة عليسة التي نجت بالحضارة إلى حضن قرطاج.
طهرانية هذي المساءات التي امتدت من العاشر و حتى السادس عشر من جانفي، يناير، كانون الثاني، نورانية هذه القناديل التي عمرت الفضاءات و شريانات الشوارع فيما بينها بالسعي الحميد، كيف لا و قد جاء المسرحيون إلى تونس، ليعلنوا أن شعار مسرحهم هو (أكون).. و يتركوا لهاملت و كل أبطال التراجيديات الخالدة بقية السؤال و المسألة.

أما بعد، وأما قبل، و أما بين هذا و ذاك، ما بين لحظة البدء و لحظة النهاية، سفر سطرتموه بالمحبة و الإصرار، و هنا اسمحوا لي أن أقف بكل الاحترام، و أوجه الشكر الذي لا كلمات يمكن أن تحمل معناه و عمقه، إلى وزارة الشؤون الثقافية في جمهورية العزةِ تونس، ممثلة بوزيرها الفنان الدكتور محمد زين العابدين، و فريقه المكلف بهذا المهرجان، فرداً فرداً، من المنسق العام إلى المدير الفني إلى الهيئة العليا للمهرجان و اللجان الفنية العاملة أبطال الخفاء من تقنيي المسارح و الفضاءات و  لجان الاستقبال و التنقل على نقاط الحدود برها و جوها، إلى رسل الكلمة و الصورة في المجالين الفكري و الإعلامي، كل هؤلاء عملوا كما لو كانوا يعزفون سيمفونية واحدة خالدة، عناونها، المسرح و تونس صنوان لا ينفصلان.

و اسمحوا لي أيضاً أن أوجه التحية لوسائل الصحافة المرئية و المقروءة و المسموعة التونسية التي جعلت هذا الحدث العربي، حدثاً وطنياً بامتياز، وشحته بأجمل وشاح هو وحدة الجسد العربي، و روح جانفي الحرية.
كما أحيي في هذه الوقفة أعضاء لجنة التحكيم الموقرة التي تكرمت بقبول مهمة التحكيم في هذه الدورة الفارقة و صاحب رسالة اليوم العربي للمسرح الفنان الكبير فرحان بلبل.
و اسمحوا لي أن انقل لكم باسم الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الأمارات العربية، حاكم الشارقة، خالص التهنئة لكم جميعاً، بالنجاح الباهر لهذه الدورة الكبيرة كبر نفوسكم، العالية علو هاماتكم.

أيها الجمع الكريم، أنظر من مكاني هذا فأرى الأرض العربية تحضر بكامل بهائها و شموخها، بكامل آمالها و آلامها، و أرى في ملامح مدنها من المحيط إلى الخليج ملامح تاريخنا و حاضرنا و مستقبلنا، و يلتمع وسط هذه الملامح وجه تلك المدينة التي ما فتئت المهج تحج إليها، أرى في عيونكم عيونها، ترنوا إلى غد حر، و امة كريمة، و باسمكم جميعاً أقول لها: لم و لن تغيبي عنا يا أم البدايات و أم النهايات، فعيوننا إليك ترحل كل يوم، و على اسمك نصلي، يا قدس العالم، يا صرة الكون و سره، يا أقرب نقطة بين الأرض و السماء، يا ست العواصم.
لأجلك يا مدينة الصلاة، أعلن دعوتي هذه لكل المسرحيين العرب في كل أصقاع العالم، أن يشرعوا و من هذه اللحظة، بربط توقيت كل فعالياتهم من ندوات و ورشات و عروض بتوقيت القدس، فالساعة الآن هي (….) بتوقيت تونس، (….) بتوقيت القدس، لتكن القدس وقتنا و ميعادنا، و لتبق حاضرة في النهج الذي يجمعنا بجمهورنا.

ومن هنا، من تونس الخضراء، تونس الحياة، أحيي باسم الهيئة العربية للمسرح مبادرة المسرحيين المشاركين في هذه الدورة، بدعوة الهيئة العربية للمسرح لعقد ملتقى دولي حول فلسطين و القدس في المسرح، و هو الأمر الذي يشرفنا أن نعمل عليه معاً، ولن نكف عن حلم لقاء المسرحيين العرب على أرضها محررة كريمة.
أيها المسرحيون يا خلاصة العصر و الأوان، كنتم فسيفساء المشهد العربي الجديد والمتجدد، تتحلقون حول ناره، وتحلقون بجناحي العلم والثقافة نحو علاه، تعلنون ولادة جديدة لمهرجان المسرح العربي، وتتوجون عشريته ببهائكم، و لنسطر صفحة جديدة في الدورة القادمة بتوقيع قاهرة المعز في أم الدنيا مصر العرب.

هي لحظة الختام، و لكن سأردد صوتنا الذي صدح في 2012:
لا تذهبوا عن المسرح بعيداً، لا تتركوه لبرد الوحشة، لا تتركوه للوحدة، لا تتركوه معتم الجنبات، لا تذهبوا وتتركوه و لو ساعة، فكيف للمرء أن يعيش دون خفقان قلبه؟ دون نبض روحه وعقله؟
لا تتركوا المسرح مستودعَ أسرار الحياة، حتى لا يصبح مستودعاَ لأشياء تثقله وتثقلنا. فها هو السيد النبيل المسرح فاتحاَ ذراعيه لكم دوماً ، فامرحوا في أحضانه وشاغبوه وشاكسوه ولاعبوه.. لا تذهبوا بعيداً وتتركوه.
لا تذهبوا عن المسرح بعيدا،ً ليبقى القريب من الناس وتصيرون سادة الرؤى لدى الجموع.
تمسكوا بتلابيبه، ارتدوا جبته، اقرأوا أوراده، و لا تغادروا وِرده، توحدوا في المشهد الكوني، فلا شيء يوحد الكون كما الفنون والمسرح سيدها.

لا تذهبوا بعيداً، لا تتركوه، فنحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة.

وقت ضائع و تركيب الاحداث على نص العرض

مجلة الفنون المسرحية

وقت ضائع و تركيب الاحداث على نص العرض

ظفار احمد المفرجي

عرضت على خشبة المسرح الوطني يوم 29 / 3 / 2017 والايام التالية الساعة 6 مساءاً في بغداد 
و على مسرح هاني صنوبرفي المركزالثقافي الملكي ضمن مهرجان الأردن المسرحي بدورته الرابعة والعشرين يوم 18 / 11 / 2017 في عمان ومسرحية "وقت ضائع "من  تأليف و اخراج : تحرير الأسدي تمثيل :   اسيا كمال   - رائد محسن   -   محمد بدر
يبدأ العرض على عالمين لا بناء فيهما الا موسيقى ترقب و بقع ضوء . شخصيتان تنامان في منطقة / ايقاع  صفر غير معرفة و ثالث يتأمل التفاح على الأرض في منطقته . الشخوص في مناطقهما تتأثران بالمساحة و الظروف و هذا يدل انهما ستتأثران طرديا بهذه الظروف ( الموسيقى و الإضاءة و الحوار و التقنيات الخ ) .
على السايكلوراما ( ) و الحدثصورحية تنعكس من كاميرات مراقبة ( ) تراقب الشخصيتين النائمتين على المسرح . و المراقبة هنا تجعلهما شخصيتين  ضعيفة و مسلوبة فاقدة لحريتها منذ البداية  .
يدلنا الحوار على انهما طردا من نعيم السكن في ( شقة ) في الأعلى و هبطا الى ( الشارع ) في الأسفل بسبب خطيئتهما بفتح باب حذرهما مالك المنزل من فتحه ، و الغريب انهما يتذكران كل التفاصيل السابقة الا علاقتهما الشخصية كزوج و زوجة .. ثم ، يتذكران اخيرا . 
و على الأرض قطع من التفاح مختلفة الأحجام اكبرها بحجم كرسي صغير و اصغرها بحجم كرة التنس  نشرت على المسرح بطريقة مقصودة ، و اسند شكلها الغير مرئي في الظلام بقع من الإضاءة شكلت خطوط من الضوء تنير قطع التفاح تتقاطع لتصنع منطقة كثافة ضوئية  في الوسط  . 
و التفاح كما نعلم هو رمز الخطيئة البشرية الأولى في ( قصة الخليقة ) ( ) عندما اخذت حواء التفاحة رغم تحذير الخالق لهما ( حواء ) و زوجها ( ادم ) بأن لا يقربا شجرة التفاح ، و هكذا فحصولهما على التفاح هو خطيئتهما التي حرمتهما من الجنة و انزلتهما الى الأرض و يمكن ان نربط الأن ما بين الجنة كونها سكن الأنسان الأول و هي في الأعلى و الأرض كونها السكن الحالي للإنسان و هي في الأسفل ، و تتفق كل الأديان السماوية على هذه القصة كما تتفق عقائد لشعوب كثيرة في الشرق الأوسط و الشرق مع هذه القصة و عليه فأن التفاح = الخطيئة = احجامها المتنوعة = كل الخطايا البشرية بأنواعها و احجامها ، التي دمرت البشرية و يدفع الأنسان ثمنها و يمتلئ التاريخ العراقي بالعديد من الأخطاء البشرية المتلاحقة ، كما توحي خطوط الإضاءة بخطوط الاتجاهات و الهيمنة  على الاتجاهات ، او غير ذلك . 
و رغم ان القصة ينقصها شخصية رابعة  حسب ( قصة الخليقة ) و هي شخصية الشيطان ، الا ان العرض لا يناقش هذا المفصل الذي يبرأ الأنسان و لا يتهمه بل يغطي تداعيات يوميات عادية بين زوج و زوجته تتسع لتشمل قضايا شمولية و قدرية و اجتماعية عامة تسقط على التجربة الإنسانية بموجب مداخل التشابه ما بين نتائج افعال الإنسانية و حياة  الشخصيات اليومية الإنسانية التي يتلبسون مبادئها مثل ادم و حواء في الميثولوجيا  ( ) الإنسانية و اي زوجين في الحياة اليومية المعتادة  لنخرج بالحصيلة النهائية ، العرض . 
و تضمنت  الحوارات اليومية هذه معنى و اشارة الى الخذلان ، وفيها  تبدو الشخصيات حائرة ما بين اليأس و استمرار و استبدال هذه الحياة المخيبة و لا امل لها في مستقبل منظور ، و عن هذه الدورات من الصدمات التي تحصل عليها الأنسان على هذه الأرض فالنهايات منذ فجر التاريخ كانت دموية  و جارفة  و مدمرة ، و كان هذا نصيب مدن و دول و امارات و ممالك كثيرة قامت على الأرض العراقية ثم اندثرت و لم يعد لها اثر ، و الأنسان يحتار امام هذه الدورات من الموت  و العودة الى الحياة ( قديما بفعل سيطرة الخيال و الوثنية )  ، و اللا عودة اليوم بعد ان سيطر الواقع و عرفنا ( الله ) ، فـالعراقيين مارسوا هذه العملية طقسا في اسطورة موت ( تموز ) ( )  و انقطاع نسل الأرض  و نزول ( عشتار)  ( )  الى العالم السفلي خلفه و عودتهما بقدرات المطلق المعروف حينها و تعاد هذه القصة كل سنة . و دورات الألم و الفرح هذه خذلت سكان هذه الأرض ، فالأموات لا يعودون اليوم  ، لأن المطلق الذي نعرفه لا يعيد الأحياء ، و هكذا من هذا كله تتواصل الشخصيات على اساس من اليأس و الخذلان .  
ان الحوار في هذه اليوميات ينبهنا الى وجود فهم عميق لحاجة المتلقي الى المعنى بسبب من تسلسل الحوار ، اولا عن سبب وجودهم في هذا المكان ، ثم من هم ( الهوية ) ثم معنى وجودهم و الى اين يذهبون .  
و المقصود ان المؤلف وضع الأفكار في تسلسل للمعنى منطقي على مخطط اولي ثم قام بتأليف النص عن طريق الحاجة الى الحوار و تقديم و تأخير الحدث و الحوار حسب المعنى و الجمالية . كما ان النص لم يكن نصا لمؤلف بقدر كتابته المباشرة للعرض فكان نص المخرج هو نص المؤلف . و قد يكون طور اثناء التمارين . 
حاول النص الإجابة على : - 
1- اسئلة وجودية عميقة حول اصل الأنسان ، الأسئلة التي ردت عليها الأديان و لا زال الأنسان يشكك فيها حتى اليوم 
2- اسئلة وجودية مماثلة حول المستقبل المظلم و الغير معلوم 
و لم يجد لها حلا ، الأمر الذي افضى الى الشعور باللاجدوى و التيه في الدوران حول المشكلة ، التي بحثا عن حل لها و الخيارات هي اما الثورة على هذا الإحساس ، او الهرب .
فالرجل النموذج يعاني من الحيرة في كيفية مواجهة المستقبل بعد ماضي ملي بالأخطاء و الدليل اعتبارهما ولادة ابنهما مشكلة و عدم قدرتهم على حلها فلا هو يريده ان يولد كي لا يعيش اياما كتلك التي عاشها  في الماضي و لا هي تتفهمه لأنها كأي امرأة لا تفصل حب ابنها عن حبها و ما دام لا يحب ابنها فهو في صميمه ايضا لا يحبها و بهذا نفهم انهما لا يملكان اي تصور عن المستقبل و لا يريدان ان يلتزمان لأن الخطيئة تلازمهما و لا تفارقهما كالنحس
انهما يتنصلان من مسؤولياتهما و يرمياها على بعضهما ثم على الأخرين و اخيرا الى كل شيء و الى مالك الشقة = مالك الجنة = المطلق ، و السبب ان الأخطاء صارت كارثية اكبر من قدرات الأنسان نفسه ، لكن الأنسان = كل الإنسانية تتناسى انها هي السبب في هذه الكوارث و انهم امتلكوا الفرصة بعدم فتح الباب = عدم اخذ الثمرة من شجرة التفاح و البقاء ببساطة في الجنة ، ان الأنسان يساهم في دماره حتما سواء بالمشاركة في الحروب او الخضوع الى الطاغية او السكوت على الباطل فأن كان جاهلا بما يحدث حوله فلا جناح عليه ، و لكن ان درى بالكارثة و سكت فهو ( شيطان اخرس ) . هنا يجب ان يتخذ الأنسان الموقف قبل ان تحل الكارثة اما بالندم او المضي او الثورة على الخطأ ايضا . و الا فليتحمل وزر خطيئته 
ان التلاعب بالقيم على نحو عابث و بالعقائد و الموروثات هو من شيم انسان فقد الأيمان بها  و لم يعد يؤمن بالماضي و هو بالتالي لا يحترم واقعه و لا حياته لذا يتحول الى انسان عابث يعلم ان لا وجود حقيقي له بسبب من عدم معنى وجوده  .. لذا يهزأ بكل شيء و يغرق في العدم و يبدأ بتدمير القيم و المثل . 
ان صفته الرمزية كونه ادم هو اقدم جذر له لكنه صار فيما بعد يحمل صفة اخرى على الأرض و لكنه نسي حياته على الأرض لأنه يكرهها يعني انه يريد نسيانها ، و لم يكن امر نسيانها صدفة ، ربما بفعل صدمة المآسي التي قدمتها له الأرض . مثل فلاح ، و ضابط ثم ( كلكامش) ( )  و هي عشتار و اخرين دون ان يعرفوا من هم فعلا .. لأنهم في الحقيقة كل هذا مجتمع ، انهم في مواجهة الحقيقة ( المآسي من خلفهم و القوة المطلقة من امامهم ) و هم لا يقاتلون كما ( العدو من امامكم و البحر من خلفكم ) بل يفضلون الهرب الى ارض اخرى . 
ان الإجابة على اسئلة كهذه يرجعها الكثيرين الى سنوات طويلة من التفكير في الأسئلة نفسها تحت  السطوة الخارجية على العقل العراقي ، الحروب الطويلة و القصيرة و المتنوعة بل حالة الحرب الدائمة منذ 37 سنة و اكثر و وسائل الأعلام و التي تحفزك على ضرورة  مواجهة الأعداء ،  اما  الناس فأعدادها  تتراجع اما موتا او هجرة او فقد اثرهم ما بين هذا و ذاك ، و هكذا تبرز خيارات الهروب و فقدان الأيمان بأن الغد افضل . 
و هنا تبرز فكرة اخرى هي  ان الخطأ لا يصدر من الأنسان فقط = اكل التفاحة و عصيان المطلق بل تقدم هذه الفكرة وجود صراع ما بين الأنسان و انسان اخر و احدهما يضع المؤامرة تحت اقدام اخيه في الإنسانية ، فما هي تسمية هذا الأنسان الذي يقع فريسة المؤامرة و يدري انه فريسة  ... ثم يهرب .. ما هو الحل ؟  . 
و المواجهة هنا يعني ان تواجه وحشا غير مرئي ، كما انني لا ادعي ان المغادرة هي خطأ فكل  انسان حر بخياراته ما دمنا نتحدث عن الإنسانية فالحزن على ذلك التاريخ و على الواقع المؤلم و المدن التي اندثرت كلها تندرج تحت عنوان البحث عن الهوية و الذات و الأنا و الجذور ، و مواجهة الواقع المؤلم امام اخبار الماضي العظيم و الذي لم يبق منه سوى الخيال يضع الأنسان في مفارقة الالتباس حول الهوية و الرغبة في تحسين حاضره رغم  صدمة الواقع  يحارب الخيال رغم ايمانه به بحثا عن الواقع الحلم  . ليبقى في هذه الدوامة ما بين الواقع و الخيال دون حل . 
و في الحقيقة ان هذا الخطأ بشري و لا دخل للخالق به لأنه صراع بشري و المطلق الذي تسكن صورته عقل الأنسان و لم يره ، يشرك صورته الأنسان في تداعياته مع نفسه التي تبرر له الأيمان بالخالق على طريقته الخاصة او العكس ، و الوعي بهذا يمنح المرء القدرة على تداول هذه الأفكار بوصفها في الدين من المحرمات كأنها ادوات عادية يبرر لنفسه تداولها  ، و لكنها في الحقيقة تقع على اول طريق ملتبس لأن الصراع كما اسلفت بشري خالص و تراه و تلمسه بل يفسره البشر من المتدينين دون ان يتفهموا وجهة الالتباس كما  يبقى هذا الأمر يحتاج الى جرأة كبيرة في الطرح نظرا لحساسية تداول الأمور المرتبطة بالدين في واقعنا العراقي و العربي . و طبعا كل المتدينين سيتفقون ان السبب  هم السكان و ليس صاحب ( الشقة ) او المالك . بينما سيخبرك المتشككين بالعكس . 
و قد استخدم العرض  الحوار الشعبي الدارج الذي يهدف الى النزول الى المستوى الشعبي  و الغاية هي تطويق المشكلة بدقة و محاكاة اكبر قدر ممكن من الناس و التفاعل مع المتلقي الذي يجد صعوبة في التعامل مع الأفكار المتعالية الموجهة الى الخاصة ، و كسب دوام التلقي في المسرح ، و منافسة المسرح الكوميدي الذي لم يعد  يناسب اذواق افراد العائلة ، و صار على اهل الشأن مواجهة هذه المشكلة .
و كان انزال المتعالي الى الشعبي قد جاء عن طريق ( اختيار جانب من التاريخ و الميثولوجيا السومرية ) و السخرية  من طريقة لفظها مثل : -
1- لفظ الاسم بطريقة مضحكة ( ثور السماء خمبابا ) (  ) 
2- ان يكون هو ( كلكامش)  الجبار ( نصف الأله )  و هي ( الألهة ) عشتار خارقة الجمال يتحدثان بلهجة شعبية 
3- ان (  كلكامش )  في الحصن البابلي يبحث عن بيت للإيجار 
كما تضمن العرض الأعمال التقنية الأتية : - 
1- نظام المراقبة بالكاميرات ( و يعني بالمراقبة و التجسس فقط ) 
2- بث نظام المراقبة بالكاميرات على نحو مباشر و عكسه على الخلفية ( و يعني بكشف وفضح هذه المراقبة ) 
3- تحريك حقائب السفر  لوحدها عبر التحكم اللاسلكي او الميكانيكي ( لست متأكدا ) ( و هو فعل مبالغة ، يعني ان الحقائب نفسها تريد الرحيل ) 
و اعتقد ان الغناء الذي تمارسه الشخصية المفردة ( يا حبيبي ) بهذه الطريقة الباردة و تكرار نفس المفردة يشير الى العبث و اللا معنى و اللعب او امتاع الذات على حساب المعنى العام = الأخرين ، و يأتي هذا من عدم الاهتمام للأخرين . 
ان استغلال فكرة اللعب لتضمين الأفكار قدم حدثا تميز بالأيقاع السريع و المعلومات الوفيرة المتلاحقة التي اغنت التلقي و سمحت بحدوث المتعة في التلقي فوضع اطارا من لعبة الشطرنج و تحويل التفاح كأدوات متيسرة الى بيادق شطرنج ادخلت المتلقي في اللعبة و ساهم في اغناء الفكرة و ايصال المعنى ، خصوصا المعنى الذي يصرح به العنوان ( الوقت الضائع ) حول الزمن الذي شغلته الحروب و افكار الحاكم الذي دمر العراق و هكذا لم يتبق وقت للبناء و التربية و التطور و كل الأفعال الصالحة و صارت تلك الأوقات الأخرى وقتا ضائعا
و قد  تضمن نص العرض الألعاب الأتية : - 
1- رمي التفاح ككرات يتلاقفها الممثلين 
2- لعبة الشطرنج بوصفها منظومة بناء
3- الغناء
4- التصوير التقني و الفرجة ( التفرج ) 
و قد عبر المخرج عن فعل المراقبة الدائمة التي يمارسها الخالق كونه حاضر و لا يغفل عليه شيء بواسطة اثبات مراقبته لنا جميعا ( البشرية جمعاء ) عبر فعل تقني مثير لصق بالعرض من خارجه و هو ( نظام كاميرات المراقبة + data show  ( )  = انعكاس الصورة على السايكلوراما = مصدر التصوير ( كاميرا من الأعلى ) و لأن الحاجة البشرية عادة ما توظف الكاميرات على المداخل و زوايا الكشف و السطوح للمراقبة ، فأننا نلاحظ ان المراقبة من السقف او السماء لا تخضع الى الحاجة البشرية ، و هذا يعني انها ما فوق بشرية بل هي مطلقة . و السؤال هنا ما دام المطلق يراقب و يمكنه الحساب فورا بإخراج ادم و حواء من الجنة لارتكابهما الخطيئة ، فلماذا يسكت على الكوارث هو الذي يمارس المراقبة دائما عليها ؟ عبر معاقبة الظالم فورا . و لماذا نقرأ عن هذا الفعل في الكتب السماوية و التي تؤرخ للدين فقط ؟  . و هو المنطوق الذي صرح به العرض رغم حساسيته .
ان استخدام المخرج لمفردات من خارج السياق هي كاميرات المراقبة و انعكاسها على السايكلوراما مع العاب مسرحية متداخلة و حوارات مرتبطة ، كلها امور سمحت للأخراج بأن يتصف بالترتيب و التسلسل المنطقي للأفكار و السبب انها نفذت بالتركيب اصلا ، لكن النص برر وجودها ، و هو الأمر الذي ينبهنا بأن استخدامها كتب مع اول كلمات النص او قبله . الا انها لم تكن لعبة عرض بل العاب داخل عرض . على عكس مسرحيته ( المقهى )  ( )      ( الأكثر تميزا حسب رأيي ) لأنها احتوت على لعبة عرض شاملة هي السكك الحديدية التي تتحرك عليها الأرائك لتحقيق مشاهد  داخل المقهى لا يمكن تحقيقها على المسرح الا بلعبة سينوغرافيا مسرحية . و قد حققت حينها نسقا ايقاعيا افتقدناه في ( وقت ضائع ) و ان تلمسنا جزء منه بسبب ميل تحرير الأسدي الى صناعة لعبة داخل العرض ( اللعب بالتفاح + توظيف السايكلوراما لعرض كاميرات المراقبة ) ، كما كان لنسق حركة الممثل على المسرح اثرا في التوظيف الإيقاعي بين خطوط متعامدة ثابتة تتحرك عليها القطع و الشخصيات في المقهى ( بنسق ثابت و خطوط متعامدة ) و بين خطوط متقاطعة و مختلفة الأيقاع ما ولد تشتتا احيانا في التركيز في وقت ضائع يقابله تركيز اكثر في المقهى . و هو الأمر الذي يذكرنا بأن التكثيف و الاختزال و التقليل من المكونات على خط الزمن يزيد التركيز عند التلقي
و بهذا فأن العنوان كما هو واضح يعني بمحصلة باقي الزمن و الفرز ما بين الوقت الضائع و الوقت الأصلي و يشير العرض الى ان الوقت الضائع دمر الأنسان و العراق معا و تلك هي     ( الحروب + الدمار الكامل الاجتماعي و الثقافي و (  ما يعادل البنى التحتية و الفوقية ) 
ان اعتماد العرض على ممثلين محترفين كبار هما ( اسيا كمال)  ( ) و( رائد محسن) (  ) و كلاهما  يمتلكان حد عالي من المقبولية و التقدير بسبب من حسن أداءهما و تاريخهما المميز ، وضع اساسا متينا للتلقي فمواجهة ممثلين من هذا النوع جعل المتلقي يفكر بأمرين معا لا يمكن تجزئتهما الأول ان المتلقي سيتابع العرض انطلاقا من تاريخهما  اعجابا به ، و الثاني قدراتهما الفعلية اصلا  ، ما ساعد العرض كثيرا  . الأمر الذي ينبهنا الى اهمية اختيار الممثل استنادا الى اعتبارات متنوعة .
فأسيا كمال تمتلك تاريخا متواصلا من المشاركات على المسرح ( و هي ليست نجمة تلفزيون فقط ) لأنها لمعت في المسرح اولا ، هي تمتلك المطاولة و القدرة على توزيع جهدها على المسرح و البناء الارتجالي الإيقاعي الذكي الناتج عن الخبرة و الموهبة معا ما يجعلها قادرة على انتاج مشهد متواصل مع من يقابلها على المسرح و على نحو مشدود . ان مشاعرها المتأججة توحي برسالة صوتية حسية لديها كنبرة صوت  بأن الشخصية تحمل الما مكبوتا ، و هي تنطقه على نحو طبيعي واقعي غير ممتد صوتيا بغرابة  ( الألم من الحوار الواقعي المعتاد )  الأمر الذي يميز شخصياتها دائما . 
و يمكن القول ان رائد محسن و هو واحد من اكثر الممثلين خبرة على الساحة الفنية اليوم و لا اقول هذا بسبب العمر و التجربة الممتدة فقط بل بسبب نوعها فمن مسرحية ( انا لمن وضد من ) مع المبدع الأكبر المخرج (  قاسم محمد)  (  )  الى رائعة العبقري المخرج  ( عوني كرومي) (  ) مسرحية  ( الأنسان الطيب ) الى واحد من اجمل عروضه في السنوات الأخيرة مع المبدع المخرج مهند هادي (  )  و مسرحيته  ( حظر تجوال  ) فهو دائما ما يترك بصمة بقدرته على اثارة السخرية و التساؤل المثير للضحك من البساطة شأنه شأن الهداف من انصاف الفرص في كرة القدم . 
و وجود الممثلين كما اسلفت سجل حضورا للعرض قبل عرضه ( على الأقل في عرضه في بغداد ) ، ان توظيف كبار الممثلين في عروض لمخرجين ليسوا من نفس الجيل بل شبابا هو امر يتيح التواصل ما بين الأجيال على المسرح ، و ينتج ثقلا اكبر للعرض ساعة عرضه ، كما انه يسمح بصناعة اجيال جديدة من المبدعين على المسرح .
اما الممثل( محمد بدر ) ( ) و الذي رافق تحرير الأسدي في اغلب عروضه فقد امتلك حضور الشخصية الصامتة بسبب من عزله من المخرج داخل الفعل لوحده ووضعه في ميزان واحد مع ممثلين بقيمة ( اسيا كمال و رائد محسن ) ، ما قدمه على نحو يوازيهما و يمكن القول انه قدم شخصيته على نحو ممتاز رغم قناعتي الشخصية بضرورة ان تمتلك تلك الشخصية حجما اكبر . 
و من الواضح ان ( تحرير الأسدي ) ( )دائما ما يصنع تكوينا اساسيا اوليا تتركب عليها لعبته ثم ( مسرحيته ) ثم يصوغ ما تبقى من مفهومه فالحوار و هو اسلوب كتابه العرض لديه ايضا ، ما يجعله  يمتاز بالعمل على مفهوم ( تركيبي  ما بعد حداثي ) و لا يعمل على قصة متكاملة + قدرته على صناعة اللعبة المسرحية سواء لعبة العرض او اللعبة داخل العرض ، و هو بهذا يعد اقرب الى توظيف الأداء في المسرح لا الى توظيف الأدوات المسرحية المعتادة .
و هو مخرج شاب تمكن خلال فترة قصيرة من التطور و تمثيل العراق في مهرجانات متعددة كان اهمها عرض مسرحيته المقهى  في مهرجان المسرح العربي  ، و مشاركة مسرحيته الأخيرة  ( وقت ضائع ) في مهرجان المسرح الأردني  . 
اخيرا يذهب العرض الى تأكيد ما ذهبت اليه في وضعه الحل لهذه المشكلة لأن الرجل يقرر المغادرة او الهرب ، و لست في محل لتقييم  قراره ، سواء هرب ام غادر ، الا اننا جميعا نتفق انه هرب على الأقل من مسؤوليته تجاه ابنه و مستقبله و حاضره المتمثل بالزوجة ، و لكنه يغادر بحثا عن ذاكرة بيضاء و من اجل ان ينسى كل الماضي المؤسف المليء بالمآسي ، اما زوجته فتتجه الى مكان مجهول  لتلد و تضع المستقبل كله على كف عفريت .. و اخيرا تسقط كمية من التفاح ( خطايا جديدة ) من الأعلى اي كما في القصص .. و نقول تستمر الخطايا 
و اخيرا فأن العرض يحول الحياة اليومية الى وثيقة  ( دليل ) عبر كاميرات المراقبة الذي  يثبت حدوث هذا الملل و الدوران و الأحباط و اللاجدوى منذ فجر التاريخ ( الدوران العبثي للتاريخ ) و هو فهم يربط بهذه الطريقة ما بين الوثائقية و فهم عبثي لنموذج حياة ينبغي مغادرته ، و العرض يكسر هذه العبثية بحل و هو ( مغادرة حالة اللاجدوى ) الى ( حالة اكثر جدوى )  ، اي كسر حالة الدوران الحاصلة ، و هكذا نحصل على نموذج وثائقي مختلف عبر تدعيمه بأدلة ادائية شكلها عبثي و تنطلق من الأحباط و المأسي و الشعور باللاجدوى الى حالة لها حل تتفق مع الفهم الوثائقي للمسرح . كما ان الأمثلة الطويلة عن كلكامش و المدن المندثرة و حياته الشخصية بالأدلة الحروب و التاريخ نفسه ، هي وثائق ايضا و ان اتخذت شكل الحوار ، و بهذا نكون خلصنا الى رؤية غير متشائمة  عبر بحث هذا التشاؤم على نحو شمولي . اذن وقت ضائع هو عرض مسرحي وثائقي = عرض ما بعد حداثي ( بسبب من لصق الأفلام و الصور ) + التفاح كقطع غير مألوفة .
المؤشرات 
1- استخدم العرض  الحوار الشعبي الدارج الذي يهدف الى النزول الى المستوى الشعبي  و الغاية هي تطويق المشكلة بدقة و محاكاة اكبر قدر ممكن من الناس و التفاعل مع المتلقي الذي يجد صعوبة في التعامل مع الأفكار المتعالية الموجهة الى الخاصة  . 
2- استغلال فكرة اللعب لتضمين الأفكار قدم حدثا تميز بالأيقاع السريع
3- استخدم العرض فعل تقني هو ( نظامكاميراتالمراقبة + data show
4- التكثيف و الاختزال و التقليل من المكونات على خط الزمن يزيد التركيز عند التلقي  
5- اهميةاختيارنوع الممثلاستناداالىاعتباراتوظيفية متنوعة  .
6- ، ان توظيف كبار الممثلين في عروض لمخرجين ليسوا من نفس الجيل بل شبابا هو امر يتيح التواصل ما بين الأجيال على المسرح ، و يسمح بصناعة اجيال جديدة من المبدعين على المسرح .
7- ان ( تحريرالأسدي ) دائمامايصنعتكوينااساسيااولياتتركبعليهالعبته ( مسرحيته ) ثميصوغماتبقىمنمفهومهفالحواروهواسلوبكتابهالعرضلديهايضا،مايجعلهيمتازبالعملعلىمفهوم ( تركيبيمابعدحداثي ) ولايعملعلىقصةمتكاملة + قدرتهعلىصناعةاللعبةالمسرحيةسواءلعبةالعرضاواللعبةداخلالعرض،وهوبهذايعداقربالىتوظيفالأداءفيالمسرحلاالىتوظيفالأدواتالمسرحيةالمعتادة .

السبت، 20 يناير 2018

نعم، للمهرجان لا، للمهرجة..الدكتور عقيل مهدي: الممكن المحتمل بالتعدد والافتنان

مجلة الفنون المسرحية

نعم، للمهرجان لا، للمهرجة..الدكتور عقيل مهدي: الممكن المحتمل بالتعدد والافتنان

د. نادية هناوي 

تتميز كتابات الدكتور عقيل مهدي بنزوعها الأكاديمي نحو التفنن والتعددية، نظراً لتنوع مواهبه وإمكانياته، فضلاً عن تمتعه بحس إبداعي عال، وذائقة جمالية راقية أهّلته لأن يراود مختلف ميادين الفن والجمال، طارقاً أبوابه الإبداعية والأكاديمية بتجدد إنتاجي متنوع ومعطاء.


وحاز لديه المسرح على اهتمام أثير، سواء بالتنظير له أو "التأرخة" لأصوله أو التتبع لتطوراته وتحديد محطاته العربية والعالمية..حتى لا مجال لأي دارس في الجمال أو باحث في فلسفات الفن وأصول التمثيل والإخراج المسرحي، من الرجوع إلى كتاباته ومؤلفاته التي تصب في الفن والجمال والمسرح والسينما على اختلاف مساربها وتياراتها.
وإذا كانت الأكاديمية بمعناها العلمي تعني فيض العلم وتشاركيته وغزارة المعارف والخبرات التي يتم نقلها وتبادلها في إطار حواري؛ فإن الدكتور عقيل مهدي تحلى بالأكاديمية في أوسع مدياتها وأرحب فضاءاتها مكرساً جهوده لها، حريصاً على تطبيقها بوسائل متعددة في مختلف مراحله العلمية والبحثية.
ولطالما عرف الدكتور عقيل مهدي بالتزامه المبدئي وانخراطه الواعي والصميم في الحياة انتصاراً لقضايا الواقع المعاصر وتطلعاته، مشاركاً في الساحة الثقافية والفكرية بقوة وثبات موجها طلبته ومحرضاً لهم على العطاء والاخلاص في الميدانين الثقافي والجامعي..كما عمل د. عقيل مهدي منذ وقت مبكر من مشواره الجامعي على توثيق صلته بالوسط الثقافي العراقي سواء أكان ذلك في عضويته لاتحاد الأدباء أو في تواصله مع المنظمات الفنية والتجمعات والملتقيات الثقافية في سعي منه إلى توكيد أهمية أن تمد الجامعة أواصر تواصلها مع المجتمع لتؤدي دورها المنوط بها في النهوض والتغيير. 
انعكس هذا بالمجمل على فلسفته التي تمثلت جلية في أعماله المسرحية التي تجمع الذوق بالفكر ليكون من الجيل ما بعد الريادي الذي خطا بالمسرح العراقي خطوات تقدمية إلى أمام بأبعاد جمالية لا تخرج عن المنظور الأرسطي للواقع.
وهذا النزوع العملي نحو المسرح جعل د. عقيل مهدي صاحب رسالة تربوية أهم ملامحها الإيمان بالفن، وقد اتضح تفننه في الإيمان بالفن على المستوى العملي في ما نقله إلى طلبته من خبرات وتصورات على شكل محاضرات قدمها لطلبة الدراسات العليا كما في كتابه( فلاسفة ومسرحيون) الذي تناول فيه تجارب مسرحية بعينها ولخص جماليات مارتن هيدجر وجان بول سارتر ومرلوبونتي وجان فرانسوا ليوتار وميشيل بوتور ووقف عند مناهج النقد المعاصر، كما تحدث عن مسرح الموت وفن الضحك المسرحي 
وفي كتابه (شخصية المثقف في الرواية العراقية) مارس د. عقيل مهدي دوره كناقد روائي متتبعاً تفاعل الإنسان ضمن صراع القيم ولم ينفصل اشتغاله كناقد روائي عن انهماكه كناقد مسرحي مهتم بمسرح الطفل في كتابه( التربية المسرحية في المدارس) الذي تتبع فيه جذور المسرح التاريخية بدءا من اليونان ومرورا بالدراما في القرن الثامن عشر وانتهاء بالعصر الحديث متناولاً الإطار المنهجي كمنظور ورؤية فنية في حدود السن ما قبل الدراسة الابتدائية، عاداً ذلك بمثابة النقطة المتحركة في الفضاء التي سترافق الطفل في مراحله اللاحقة والجانب الجمالي عنده سيتوثق محققا الهدف التعليمي وبانيا شخصيته.
ولقد أكد د. عقيل أهمية التقنيات في انجاز الفعل الفني في مسرح الطفل من ناحية تصميم الأداة كالقفاز والدمية والصندوق المحمول بحمالات ومسرح الطاولة أو الجدران، ووجد تقاربا بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي وأن شروطه تشبه شروط مسرح الكبار من ناحية تنظيم البرنامج المسرحي واعتماد البناء الفني الدرامي مع ملاحظة أن مسرح الطفل من تقنياته دمى القفاز والدمى الخيطية أو ستارة خيال الظل وإشراك المتفرج الصغير بالفعل الفني محدداً خصائص اختيار النص المسرحي ومعماره الفني من ناحية اللغة والشخصية والصراع وبناء الحدث ، كما وضح خصائص كل عنصر من هذه العناصر، و طبّق ذلك على مسرحية النهر لسليمان العيسى. 
وأولى مهدي المؤلف والحبكة الفنية من ناحية البنية والوظيفة اهتماماً، شارحاً كيفية تكوينها في عالم مسرح الطفل من زاوية الشكل الفني والعناصر الإخراجية وحدد ما ينبغي أن يتمتع به مسرح الدمى في ملامح الدمية وحركتها واتبعها بتطبيقات عن التعليم الفردي والمستوى الابتكاري وخطوات التعلم المسرحي عند التمرين وما ينبغي على مدرس التربية الفنية أن يقدمه من متطلبات العرض المسرحي مع ضرورة مراعاة قيم التوازن والتكوين والتباين والانسجام وكيفية تهيئة البرنامج التعليمي المناسب للنشاط المسرحي .
وللنص الدرامي سواء في مسرح الطفل أو مسرح الكبار ـ كما يشير د. عقيل مهدي الى تطورات في شروط الكتابة ومنها ضرورات الإخراج وتقنيات المنظر المسرحي كالمنصة واللون والضوء ووظائف الإضاءة في المسرح كالتبئير والفوكوس ضمن نطاق المرئيات. 
وعلى الرغم من أن هذه المكونات تجتمع في السينما أيضا إلا إن الفرق عند د. عقيل يكمن في أن المعالجة السينمائية للمكان والزمان والحركة تظل مرتهنة بالكاميرا والمونتاج والسيناريو والإخراج وغير ذلك بينما يتميز المسرح بالقصدية في توظيف البنية السطحية والبنية الملمسية والمعمارية. 
ولا يخفى إن دخول الدكتور عقيل مهدي معترك هذه الممارسات الجمالية والفنية ليس بالأمر السهل كما أن الاتزان في تطبيقاته ليس يسيراً ومع ذلك أظهر تفننا في كل ذلك مدللا على اخلاص وولع كبيرين تمتعت به نفسه التواقة الى الجمال..كذلك احتل علم الجمال كنظريات وعلاقات بالفن والحياة والحساسية التعبيرية مكانة مهمة عنده وخصص له بعضا من فصول كتابه( أقنعة الحداثة)..ومن المسارات المنهجية في هذا الكتاب إنهاؤه كل فصل من فصول الكتاب بأسئلة هي بمثابة استنتاج استقرائي يختبر به أذهان قرائه مؤكداً أهمية الأسئلة وأنها ديدن كبار المنظرين والفنانين في فلسفة الفن وعلم الجمال وتقنيات النتاج الفني والإبداعي منحازاً إلى المصادر والمراجع الغربية والعربية التي تمتاز بالجدة والابتكار واضعاً ملاحق بأسماء الأعلام الغربيين الذين وردت أسماؤهم في متن الكتاب مثل مانيه ومونيه أو المفاهيم التي تطرق إليها في الدراسة مثل المنظور والتجريد ووجهة النظر..
لعل اهم ما يَشخَص واضحاً في عطاء الدكتور عقيل مهدي هو المقصدية الخالصة لوجه الفن بجدية سقراطية وروح افلاطونية ترى الجمال في كل شيء وتقدس حرية الفكر التي لولاها ما كان لسان افرمون ومونتسكيو ونقدهما للفلسفة والتاريخ على السواء أن ينمو ليحل العلم محل العلم الإلهي. 
ولقد تخرج في مدرسة د. عقيل مهدي متعلمون كثر أخذوا من أكاديميته وأفادوا من عطاءاته فكانوا اساتذة ومبدعين ليس هذا فحسب بل أفادوا أيضاً من الإنسانية الثرة التي تمتع بها الدكتور كمثال للمربي الفاضل والقائد التربوي الذي أتقن عمله فأحسن تمثله والذي انطبع بخلق رفيع حتى قلَّ من يناظره في أدائه.. 
ولا خلاف إن ما تمتع به الدكتور عقيل مهدي من مواهب فنية وما تمنهج عليه من التفنن والإبداع قد وظفه في التدريس الجامعي بنوعيه النظري والعملي كما مارسه في التمثيل بنوعيه التلفزيوني والمسرحي واثبته ايضا في قدرته النقدية التي خاض عبرها تحليل مختلف صنوف السرد متأثراً بالمذهب الواقعي الاشتراكي ومنبهرا بما فيه من أبعاد غيرية تتمثل في النضال في سبيل المبادئ منضماً إلى صفوف الكادحين والمحرومين، مطالباً بحقوقهم في التحرر والعيش الكريم.
وهكذا تموقع عطاء الدكتور عقيل مهدي شاخصاً ليحتل مكاناً مميزاً في خارطة الإبداع العراقي والعربي جامعاً المنهجي بالإبداعي، والمدرسي بالعملي، والفني بالثقافي، مؤطراً ذاته في لوحة خاصة تظل ممدة ناظريها بالجديد والأصيل.

"رائحة حرب" عمل فني متميّز من خلال رؤية إخراجية واعية

مسرح الشارع وماذا يُقدم فيه؟! / سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الشارع وماذا يُقدم فيه؟! / سامي عبد الحميد

هناك العديد من فنون الأداء تقدم في شوارع المدن وساحاتها وحدائقها يقصد القائمون بها اظهار مهاراتهم للعابرين من الناس أو توفير المال الكافي لديهم لتأجير بنايات خاصة لعروض تلك الفنون، فهناك الألعاب السحرية وهناك الاكروباتيك وهناك المشاهد التمثيلية، وتؤدى تلك الفعاليات بأدنى حدٍ من الوسائل. مسرح الشارع قديم قدم بداية الفن المسرحي كنشاط مدني فقد كان الممثل الاغريقي (تيبيس) يتجول في عربته في شوارع اثينا ليقدم مقطوعات تمثيلية مقتبسة من الأساطير والقصص الشعبي أو من كتبه الشاعر (أوريون).
يرتبط مسرح الشارع أيضاً مع الكرنفالات والمهرجانات والاحتفالات وتجمعات التمرد والاحتجاج تحدياً لسلطات الدولة وفي العصر الوسيط ظهرت فعاليات مسرح الشارع في أوروبا على شكل الرواة او الحكواتية أو ممثلي المحاكاة الصامتة بأقنعتهم وفي تلك التقاليد الفجة والخطرة أحياناً فان مسرح الشارع يمكن أن يكون رائعاً ومضحكاً ومزيفه وغير ناضجة وقد تكون محرضة احياناً.
أصبح مسرح الشارع في البلدان الأوروبية المتحضرة خلال القرنين الآخيرين نشاطاً منتظماً ومنتشراً وله أبعاده الفظيعة لدى عامة الناس خلال القرن التاسع عشر متمثلاً في عروض الدمى. وفي أميركا ظهرت عروض الزنوج الغنائية الراقصة والتي سميت (منستريلسي) ثم ظهرت عروض فرق (مسرح الخبز والدمى) وكان النحات ومحرّك الدمى الالماني (بيتر شومان) أبرز مؤسسي ذلك النوع من المسرح وقد بدأ عمله في مسرح الشارع عام 1961 في الاحياء الفقيرة من مدينة نيويورك حيث يقدم أفراد الفرقة بتوزيع قطع الخبز على الجمهور خلال العروض التمثيلية والتي يشترك بها ممثلون ودمى كبيرة وتتناول موضوعات ذات طابع احتجاجي ضد الرأسمالية وضد الحرب في فيتنام. وتستخدم في تلك العروض الشعارات والاقنعة وتلقي احياناً مقاطع من الأنجيل تتضمن الدعوة لرفع الظلم عن البشر. وهكذا فقد استخدم أصحاب مسرح الشارع في أوروبا وفي أميركا فنون الاداء المختلفة لغرض التوعية والتحريض وصولاً إلى أوسع الجماهير وتجاوزاً لجمهور المسرح البورجوازي الذي يرتاد أبنية المسارح الخاصة وهنا نشير إلى أبرز أعمال مسرح الشارع في أميركا إلا وهو مسرحية (بنت روك) لمؤلفتها (ميغان تيري) والتي كانت تحرض ضد استمرار الحرب في فيتنام وقدمت عروضها في شوارع مدينة نيويورك، وهنا في العراق قام المخرج الراحل (جعفر علي) بترجمة نص المسرحية الى العربية وأخرجه لطلبة كلية الفنون الجميلة في مسرح الكلية الصغير ونقل عرضها في آثار الأخيضر.
وبناءً على ما تقدم فقد كانت محاولة التدريسي في معهد الفنون الجميلة (كريم خنجر) في تأسيس مسرح الشارع مبادرة حميدة حيث قامت مجموعات مسرحية من عدد من محافظات العراق بتقديم عروضها على منصة أقيمت في المركز الثقافي البغدادي وهو اليوم ينوي إقامة مهرجان عربي لمسرح الشارع تشارك فيه فرق مسرحية من العراق ومن بعض البلدان العربية وان لا تقتصر عروضها على منصة المركز المذكور أعلاه بل تتعداه إلى أماكن أخرى. ولا بد من الإشارة إلى مبادرات أخرى قام بها مسرحيون في محافظات الوسط والجنوب وخصوصاً في البصرة وفي الحلة وفي الناصرية وكلها تنتمي إلى ما يسمى مسرح الشارع وبلا شك فأنها ظاهرة جديدة من ظواهر المسرح في العراق.
وهنا لا بد أن نشير إلى نوعية العروض التي تقدم في مسرح الشارع وموضوعاتها اعتماداً على ما هو مطروح في مسرح الشارع في أوروبا واميركا حيث تكون النوعية والتوجيه والتحريض ضد كل ما هو سلبي ومتخلف في المجتمع وفي الدولة من الأهداف الرئيسية لهذا النوع من المسرح بغية التغيير والإصلاح.

--------------------------
المصدر : المدى 


الجمعة، 19 يناير 2018

إلتباس متواليات الموت في مسرحيّة "رائحة حرب "

محترف الفنون المسرحية في جامعة الروح القدس –الكسليك أطلق ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي

مجلة الفنون المسرحية

محترف الفنون المسرحية في جامعة الروح القدس –الكسليك أطلق ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي

النهار 

أطلق محترف الفنون المسرحية التابع لقسم الفنون المسرحية في كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس –الكسليك "ورشة عمل مكثّفة حول مسرح غروتوفسكي"، تحت إدارة البرنامج المفتوح لمركز عمل جيرزي غروتوفسكي وتوماس ريتشارد بالتعاون مع سفارات النمسا والبرازيل وكولومبيا، والمعهد الفرنسي والمعهد الثقافي الإيطالي والمركز العربي للتدريب المسرحي ومسرح توسكانا.

تمتد ورشة العمل، وهي الأولى من نوعها في لبنان، على أكثر من 100 ساعة تدريب، من 8 حتى 28 كانون الثاني. وتشتمل على عدد من النشاطات المتنوعة، ومنها: ندوات غنائية، أفلام، عروض مسرحية، حلقات نقاش... وذلك باشراف المدير المساعد للمركز ماريو بيادجيني.

وتعتبر هذه الورشة لقاء عملياً يركّز على عناصر مهنة الممثل، مثل اكتشاف اللعبة الدرامية والغناء والتحليل الفكري والإعداد الدرامي، وذلك بهدف تعزيز قدرته الإبداعية والعمل على عدد من العناصر التقنية مثل الغناء واهتزاز الصوت، الارتجال، معرفة المكان ورد الفعل تجاه عناصره، العلاقة بين التقليد والعمل الفردي، الشعائر والمسرح... هذا ويركز البرنامج في نشاطاته على الأغاني الخاصة بالتراث الأفريقي-الأميركي في جنوب الولايات المتحدة الأميركية والتراث الأفريقي- اللاتيني في أميركا الجنوبية، وذلك بالتعاون مع 10 فنانين من بلدان مختلفة وخلفيات ثقافية متنوعة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ غروتوفسكي هو أحد أهم الممارسين النظريين في المسرح خلال القرن العشرين وقد أحدث ثورة في المسرح الغربي المعاصر في أكثر من مجال، ولاسيما في علاقة الممثل مع الجمهور، والإخراج المسرحي وفن التمثيل. وقد أسّس "المسرح الفقير" وتخطّت ممارساته الحدود التقليدية للمسرح.

الخميس، 18 يناير 2018

"ألهاكم التكاثر" لنجيب خلف الله: عندما يتحدّث الجسد عن غدر السياسي

في عرض"عطسة" من الكويت بمهرجان المسرح العربي بتونس ..تلاشي المغفرة في زمن الغطرسة

غصة عبور" لمحمد العامري : تلتقي الأوجاع لتفصح عن واقع عربي متأزم

الأربعاء، 17 يناير 2018

الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا

مجلة الفنون المسرحية 



الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا

محمد بلقائد أمايور

مدخل:

بعد النصف الثاني من القرن الماضي، وفي المسرح الغربي المعاصر، هناك تجارب مسرحية عديدة أغنت الحركة المسرحية العالمية، ليس فقط على مستوى نوعية العروض المسرحية التي أنتجتها، ولكن أيضا، على مستوى العمل التطبيقي والتنظيري الذي صاغه روادها.
لم تتقوقع هذه التجارب في دائرة البحث عن إرساء طرق إخراجية جديدة، أو تختار الانغماس في شكليات معالجة النصوص الدرامية، وكيفية تفسيرها عند هذا المخرج أو ذاك، بل سعت لإيجاد طرق منهجية، فنية وثقافية، باحثة عن فهم أعمق للعملية المسرحية المتسمة بالتعقيد.
اهتمت هذه التجارب إذن، بماهية المسرح كظاهرة إنسانية لها جذور في عمق الحضارات الإنسانية المتعددة في مختلف البقاع، وحاولت فهم ما يمثله المسرح بالنسبة لشعوب العالم وضرورته في الحياة الاجتماعية، وعلاقته بالثقافة والشعيرة والطقس..الخ. تراهن هذه التجارب على دراسة المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها الممثل في عمله، علاقة المخرج بالممثل؛ علاقة العرض بالمتفرج؛ و إشكاليات أخرى شملت علاقة المسرح بالعلوم المختلفة ودورها في المعرفة الإنسانية.
تعد تجربة غروتوفسكي التي تركت أثرها الكبير على مجاميع مسرحية هامشية ، وحتى في الأوساط الأكاديمية الرسمية، وتجربة المسرح الحي مع رائدها جوليان بيك، التي واجهت المياه الراكدة في الثقافة المسرحية الأمريكية، وتجارب بيتر بروك الذي حاول اقتراح نموذج مسرحي مغاير لما كان سائدا في الأوساط الانجليزية، يروم تقليص سلطة الخطابية الكلامية التي أفقدت المسرح تميزه. وتجارب أخرى عديدة ( أرطو، منوشكين، بوال، لوكوك ...)، بالإضافة إلى تجربة متميزة، نقترح أن نتناولها في هذا العرض، ويتعلق الأمر بتجربة المسرحي الإيطالي يوجينيو باربا مؤسس مسرح الأودن ، ومؤسس المدرسة العالمية لأنتروبولوجية المسرح ، والذي صاغ مفهوم أنثروبولوجيا المسرح ومنحه بعدا يتقاطع فيه المسرح كفن والأنثروبولوجيا كعلم.
إذن، فماهية الأسس والخلفيات المعرفية والجمالية التي استند عليه يوجينيو باربا لصياغة تصوره المسرحي ؟ وما هي مرتكزات هذا التصور؟ ما هي العناصر المسرحية التي منحها المركزية في فرجته المسرحي؟ ما هو النموذج الذي يقترحه لبناء علاقة دينامكية - تفاعلية بين المتفرجين و عروضه؟ كيف تمثل الفضاء المسرحي الذي يشتغل عليه، وماهي مقوماته؟ ما طبيعة و مستويات إعداده للجسد في محترفه المسرحي ؟ ما هي معالم تصوراته، و رؤاه الإخراجية ؟
تنفتح هذه المجموعة من الأسئلة على إشكاليات كبرى سنحاول أن نوضح بعض ملامحها، ولا ندعي ـــ فيما سنقدمه ـــ أننا بصدد الإحاطة الشاملة بكل هذه الإشكاليات، فكما اشرنا إلى ذلك في عنوان العرض، سيكون ما سنقترحه، مجرد مقدمات أولية، يمكن للمهتم بتجربة يوجينيو باربا أن يستمر في البحث من أجل ردم بعض الهفوات، والبياضات التي قد تظهر في هذه المقالة.

- التأثر بغروتوفسكي وامتداداته :
 الاشتغال في مختبر غروتوفسكي:
بداية، ونحن نلج هذه العتبة، سنحاول استعادة إشكالية قديمة/جديدة ، أسالت الكثير من مداد النقد المسرحي - دون أن يحسم في أمرها- ويتعلق الأمر بتأثر غروتوفسكي بأرطو من عدمه؛ سنحاول الوقوف عند بعض الشهادات في هذا الموضوع، ومسعانا في هذا الاختيار، ليس هو الاستنقاص من تجربة أرطو المتميزة، بقدر ما نرغب في الاعتراف بمجهودات واجتهادات غروتوفسكي و يوجينيو باربا من بعده.
ونحن نطالع أطروحة الباحثة الزهرة إبراهيم (س 93/94) وجدنا أنها تتبنى طرحا مفاده أن يوجينيو باربا قد استفاد من تجربة غروتوفسكي الذي تأثر بدوره بأرطو، إذ تقول: اختار يوجينيو باربا السير على نهج أستاذه غروتوفسكي المتأثر إلى حد كبير بكشوفات أرطو(1) ، رغم أنها لم تؤسس لهذا الموقف الذي تبنته، ولم تُحل إلى المرجع الذي استقت منه هذا الحكم. وفي نفس السياق ــــ وان اختلف مع الموقف الأول في درجة التأسيس لما طرحه ــــ نجد الباحث سعيد كريمي في أطروحته، يذهب في اتجاه أن المسرح الفقير قد استفاد من تجربة وكشوفات أرطو المسرحية، وبلور خلاصة، بعد مناقشته لمقومات التجربتين والوقوف عند جوامعها المشتركة، ويقول: مجمل القول، إن المسرح الفقير يزكي أغلب الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها مسرح القسوة. إلا أن غروتوفسكي ظل مع ذلك متشبثا باستقلالية تصوره(2). ويضيف في خلاصة أخرى: ومهما يكن من أمر فإن من الثابت، أن غروتوفسكي تأثر بمسرح القسوة وجمالياته، سواء صرح بذلك علانية، أم لم يصرح(3). لكن الاثنين ـــ في نظرنا المتواضع ـــ لم يقدما برهانا قويا كفيلا بالحسم مع هذه النقطة، ويبقى ما ذهبا إليه (أقصد الباحثين الزهرة إبراهيم وسعيد كريمي) لا يخرج عن خلاصات عامة بعيدا عن الحسم النهائي للموضوع الذي يبقى مطروحا للنقاش.
للمساهمة في هذا النقاش نقترح الوقوف عند شهادتين، أولاهما لغروتوفسكي، والثانية للمسرحي الانجليزي بيتر بروك؛ فالشهادة الأولى قوية بحكم أنها صادر عن المعني بالأمر، والثانية أيضا لها قيمتها بحكم أن بيتر بروك قد اعترف بتأثره بأرطو إلى درجة انه أطلق على مسرحه في مرحلة من المراحل: مسرح القسوة ؛ يقول بيتر بروك: اخبرني غروتوفسكي ـــ بدوره ــــ انه حين كان يقوم بعمله حول موضوعات تثير اهتمامه قال له احدهم: إن كل شيء تفعله معتمد على أرطو! في ذلك الوقت لم يكن غروتوفسكي يعرف من هو أرطو(4). نستشف من هذه الشهادة بان غروتوفسكي لم يكن يعرف أرطو في بداية اشتغاله، ولم يتعرف عليه إلا بعد مدة، وحين تعرف عليه، نجده لم يتردد في الاعتراف بأهمية أرطو ووصف كتاباته بالنبوءة المذهلة، وهذه شيمة من شيم الحكماء، إذ يقول: كثيرا ما يسألونني عن أرطو... مع أن صيغ أرطو كانت تقوم على حجج غير حججنا، وسلكت دربا غير دربنا، كان أرطو رجل خيال ممتازا، ولكن لا تحتوي كتاباته إلا على القليل من المعنى المنهجي لأنها لم تكن حصيلة بحث عملي طويل الأمد. كتاباته نبوءة مذهلة وليست منهجا(5). ويضيف غروتوفسكي في موضع آخر : أنا لا ادعي أن كل ما نفعله جديدا كليا [...] يغمرنا التواضع عندما تكشف وتؤكد تجربتنا أن شخصا آخر ثاقب النظر، توصل بالحدس إلى ما توصلنا إليه(6).
إن التلاقي والتقاطع بين المسرح الفقير ومسرح القسوة، لا يثبت استفادة احدهما من الآخر، بقدر ما يثبت، فرادتهما معا، كتجربتين مسرحيتين طليعيتين، متمردتين على المسرح الغربي، الذي يصفه أرطو بالمسرح البالي في حين يصف غروتوفسكي الممثل في المسرح الغربي بالممثل العاهر .
إن الاختلاف الجوهري بين التجربتين هو أن غروتوفسكي أسس معملا للتجارب المسرحية، أي انه ينطلق من تجارب عملية، ولا يتبنى طروحات لم تنتجها الممارسة العملية في مختبره التجريبي، بينما أرطو حاول – كما وصفه غروتوفسكي – التوصل إلى آفاق رحبة انطلاقا من الحدس، وبين الحدس والتجربة مسافات؛ وهذا الذي جعل أرطو لم يخلف منهجا واضحا، يطوره من يأتي من بعده، فكتاباته تعد بلا شك منطلقا مهما لمن يمتلك سعة الأفق للاشتغال عليها، قصد بلورتها على شكل منهج، من جهة، ومن جهة ثانية، عدم وضوح ما اقترحه أرطو شكل صعوبة لدى اغلب المهتمين والممارسين للمسرح، لأنها كتابات حدسية . أما الالتقاء بين التجربتين، فيكمن أساسا في استفادتهما من المسارح خارج أوربا، كل واحد منهما حسب أفقه الإبداعي وطرق اشتغاله.
استفاد يوجينيو باربا من تجربة غروتوفسكي، ويؤكد الباحثون أن باربا كان له الفضل الأكبر في التعريف بتجربة غروتوفسكي عالميا، باعتبار أن المسرح الفقير قد أطاله التهميش وظل محصورا في بولندا، وهذه الخطوة – ربما – قام بها باربا من أجل رد الجميل لغروتوفسكي.
لا يتردد باربا في وصف غروتوفسكي بالأخ تارة، وبالأب والأستاذ تارة أخرى. ويعترف بأهمية غروتوفسكي في حياته، وإلهامه لإيجاد الطريق الذي سلكه بعد تأسيس مسرح الأدون. بعد قضاء باربا ثلاث سنوات في معمل غروتوفسكي، سينتقل للشرق للتعرف عن قرب على المسرح الشرقي، وبعد العودة؛ حاول أن يجمع ثلة من الممثلين الذين لم تقبلهم معاهد التكوين الرسمية، لينطلق في مساره الحافل، والذي مازال مستمرا إلى اليوم.
استطاع باربا أن يصوغ ملامح تصوره للمسرح في عدة وثائق تمثلت أساسا في مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في مختلف المحافل، في إطار عمل المؤسسة العالمية لانثروبولوجية المسرح ISTA (international school of theatre anthropology)، التي أسسها باربا سنة 1979، أو في مدونات أبحاثه وتطبيقاته المسرحية في مسرح الأودن ، (تم نشرها على امتداد الإصدارات التي ألفها باربا أو تلك التي ألفها عنه آخرون ) هدا المختبر الذي يشبه إلى حد كبير في أسلوبه مختبر المسرح الذي أسسه غروتوفسكي سنة 1959، والذي ليس مسرحا بالمعنى المألوف للكلمة، بل بالأحرى معهد مكرس للبحث في مجال الفن المسرحي وخاصة فن الممثل(7). ومسرح الأدون بهذا المعنى، هو امتداد طبيعي للمسرح الفقير.

 مسرح الأودن : الأسس والمقومات
تأسس مسرح الأدون سنة 1964 على يد يوجينيو باربا، وبعدها انتقل إلى الدنمارك سنة 1965، ولا يزال حتى الآن يمارس نشاطاته المسرحية، وينظم أعماله في مدينة صغيرة ( هولستيبرو Holstebro) في الدنمارك.
ليست مجموعة الأودن كالفرق المسرحية المألوفة، أي أنها ليست فرقة مركبة من عدد من الممثلين والإداريين الخاضعين لمشروع إنتاج عرض مسرحي، يقوم بإخراجه مخرج ما، كما هو سائد في الفرق العامة(8) ؛ فهذه الفرقة المسرحية تتكون من مجموعة من الممثلين والفنيين، تجمعهم روابط حياتية مشتركة وعلاقات اجتماعية تتجاوز العلاقات الإدارية المهنية الموجودة في الفرق المألوفة. وتتأسس علاقاتهم على فهم مشترك للظاهرة المسرحية بشكل عام، ويسعون من خلال هذا الاختيار إلى كسر طوق التعاليم الأكاديمية للمسرح التقليدي السائد والمهيمن في الغرب(9).
تركز اهتمام المجموعة في بداية اشتغالها على الإعداد الذاتي وعلى التربية الصارمة، من أجل الوصول إلى التكنيك القادر على ترجمة طموحات كل فرد من أعضاء المجموعة، وانصبت بداية العمل على تمارين تمت استعارتها من البيوميكانيك لمايرهولد، وبعض التمارين التي عمل بموجبها غروتوفسكي، وبعض تكنيكات مسرح الكتاكالي الهندي.. ومضت المجموعة في عملها من أجل بناء ثقافة وطريقة عمل خاصة بها(10) ، وهذا التوظيف للتمارين المختلفة التي تمت استعارتها من تجارب مسرحية متنوعة، لم يكن مجرد تقليد جاف، بل كان منطلقا للسير في الطريق الذي رسمته المجموعة.

 المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح
انطلق عمل المدرسة العالمية لانثروبولوجية المسرح، بمحاضرة ألقاها يوجينيو باربا سنة 1980 في وارسو بعنوان: انثروبولوجية المسرح: اقتراحات أولية(11) ، أشار فيها إلى المرتكزات والأسس التي يستند عليها هذا النوع من البحث، ومن هنا انطلق مشروع المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح. في تلك المحاضرة طرح باربا المبادئ الراسخة التي يستند عليها عمل الممثل مثل مبدأ تغيرات التوازن في الجسد ، و مبدأ التضاد في الحركة ، و مبدأ الطاقة في الزمان والمكان ، وهذه المبادئ [...]هي الأسس للدراسة والبحث في ثنايا عمل الممثل(12).
رغم أن الدراسة الأنثروبولوجية لسلوك الإنساني، وهو يؤدي أدواره في الحياة الاجتماعية، كانت قديمة ــــ على الأقل مع الأبحاث الرائدة لمؤسس الأنثروبولوجية الفرنسية مارسيل موس Marcel Maussـــــ فـفكرة النظر للمسرح، من وجهة نظر انثروبولوجية [...] لا يبدأ تاريخها اليوم. كل أبحاث المسرح تقريبا تصب في أصول المسرح،[...] ومقارنة الثقافات المهمشة (الهامشية) بالثقافة الغربية(13) ، إلا أن الإضافة النوعية التي أضافها باربا؛ والذي عرف أنثروبولوجيته المسرحية بـ: دراسة سلوك الإنسان علي المستوى البيولوجي و السوسيو- ثقافي حينما يكون في حالة عرض ، هي الاهتداء في بحثه التطبيقي، إلى التمييز بين استعمالات الجسد في الحياة اليومية واستعمالات الجسد خارج الحياة اليومية، أو ما يسميه بـ: التعبير اليومي المعتاد و التعبير الخارج عن المعتاد – سنتوقف عند هذين المفهومين في ما سيأتي من العرض.
لا تسعي هذه المدرسة التي تأخذ أبعادا تتجاوز اطر الثقافة الواحدة(14)، والتي تعقد دوراتها باستمرار، بمشاركة عشرات المخرجين المسرحين والتقنيين والممثلين والراقصين من الشرق والغرب ومن ثقافات متعددة، قلت لا تسعى، لإيجاد تقاليد تكنيك للممثل الغربي ولا تهدف إلى تعليم كيف يصبح الفرد ممثلا. ولا كيفية إنتاج عرض مسرحي، بل تحاول تشخيص ثوابت ملموسة تصبح مرجعا أساسيا لمعرفة حرفيات استخدام الجسد والفعل في حالة مسرحية(15)، و تقترح مسارات للبحث التطبيقي الميداني، وليس من خلال النظريات المجردة، بمعنى أن المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح تبحث في الدراسات التطبيقية، وتنخرط آفاقها البحثية في مسار التعاليم الميدانية المتسمة - في إطار التجريب- بالتحول المستمر.
- إعداد الممثل وتصورات باربا حول الجسد :
سنتوقف عند الأسس التي استند عليها باربا في فهمه ومنهجيته التطبيقية في إعداد الممثل، وسنتعرف على المفردات التكنيكية التي وظفها من اجل البحث عن حيثيات عمل الممثل كما يتصوره.
بدأ باربا في حفرياته، حول عمل الممثل بعد تجربته في مشاهدة أعمال غروتوفسكي، ولمدة ثلاث سنوات، وقد استخدم في بداية مساره، تمارين لمايرهولد، والتمارين البديلة لغروتوفسكي، وتمارين المايم لـ ديكرو Decroux، وتمارين من المسرح الهندي، ومن الرقص الغربي الحديث، وتمارين أكروباتكية عامة.
ومن خلال الوثائق المسجلة ( فيلم موجود على يوتوب / 1972 )، التي اعتمد عليها الممثلون، نلاحظ أنها تمارين غاية في الصعوبة، فهي نوع من الأكروباتيك، والجمباز، تعلمها الممثلون بالتدريج، وقد فصلت فيها تمارين الجسد عن تمارين الصوت وكأنها شيء ميكانيكي، ويوضح لنا هذا الفصل الكثير من حيثيات تكنيك إعداد الممثل في منهج يوجينيو باربا . يقول: إن المجموعة في بداية حياتها، ولمدة ثمان سنوات كانت تقوم بتمارين يومية منظمة، وقد أخذت بالتدرج شكلا وأهدافا من خلال الضرورات التي كانت تنشأ من العمل نفسه، وكانت البداية عبارة عن تمارين مأخوذة من المايم، الباليه، الحركات الإيقاعية، الجيمناستيك، اليوغا، والحركات البلاستيكية، وكانت تطبق بشك جماعي ( البعض منها وضعه باربا ) ومع مرور الزمن أخذنا بعين الاعتبار نوعية إيقاع كل فرد واختلافاته عن الآخرين(16) .
يشير باربا في تعليقاته وحديثه عن التمارين التي يمارسها في محترفه المسرحي، إلى أهمية الإيقاع في الحركة، ويسميه: الإيقاع العضوي، أي أن كل ممثل يمتاز بإيقاع خاص به، لذلك يصبح التمرين بالتدريج فرديا ويأخذ خصوصيته الذاتية لدى كل فرد(17) ، ويشير أيضا إلى ما يسميه: الاستعمال الطبي للتمرين، كمهدد للتمارين ويصف الطريقة التي يمكن بها ربط تمرين بأخر في علاقته بالإيقاع، و يقول : إن الطريقة العضوية التي يدبر بها الممثل هذا الربط، مشابهة لنفس الطريقة في اللغة الملفوظة، لا تنطق الكلمات بطريقة متشنجة، لكن تتزامن كل نهاية كلمة مع هدف الكلمة الموالية، في تسلسل موجات تعكس إيقاعنا العاطفي، والعقلاني، وتتخللها لحظات التباطؤ والتوقف، ولحظات القوة والحدة. إن الممثل الذي يقدم سلسلة من التمارين بطريقة متشنجة، أو بشكل مستمر في نفس الإيقاع، مشابه للفرد الذي يبتلع أقراص الدواء واحدا تلو الآخر دون أن ينفعه ذلك في شيء. فالاستعمال الطبي للتدريب هو ضد المعنى: مما يؤدي إلى ابتعاد الممثل عن اكتشاف إيقاعه العضوي الخاص،و هذه الطريقة من الرقص التي يتفاعل بها الجسد حسب منطقه العضوي الخاص، تشبه تماما الصوت في الغناء(18).
فالتمارين لم تكن عبارة عن نظام من أجل إعطاء مرونة للجسد فحسب، أو تزويد الممثل بالمهارة اللازمة فقط، بل وضعت من أجل، إنماء الإحساس الدرامي، من فعل ورد الفعل، من خلال الاستناد على الدقة والإيقاع والحيوية، كل ذلك لإيجاد أسس ومبادئ، يستند عليها باربا في معمله، ليحصل الممثل على الثقة في النفس، والسيطرة على قواه النفسية، والذهنية، التي تتغير في كل مرة وفي كل لحظة، بأشكال تُبلور الصورة الفنية لأداء الممثل.
يوظف يوجينيو باربا تقنية الارتجال، لكنه لا يقصد، الارتجال، كما يفهمه الممارسون للمسرح الكلاسيكي، إذ يقول: أحيانا، بعض العاملين في المسرح التقليدي يتركون الفرد لوحده ليرتجل، دون أن يمتلك الأسس، والمبادئ الأولية كأرضية، يقف عليها للقيام بالارتجال(19). فالارتجال حسب باربا يشبه الارتجال الذي يقوم به الموسيقى بعد أن تمكن من تعلم كل المبادئ الموسيقية، وهو بذلك (الارتجال) تقنية يمكن توظيفها في نهاية التكوين، وليس في بداياته، لأن رهان باربا يتأسس على القضاء على اللغة اليومية المعتادة، وإخضاع الجسد (جسد الممثل) لسيرورة تعلم لغة جديدة، كي يتخلص من اللغة الجسدية، التي تعلمها في ثقافته/ مجتمعه، وتوظيف هذه اللغة التي سيستند عليها الممثل في تعبيره (أدائه) أثناء عملية الارتجال، لن يكون قبل تعلمها وضبط مكنزمات استعمالها.

• تكنيك إعداد الجسد(20):
يستند يوجينيو باربا في بحثه وعمله التطبيقي على ثلاثة مبادئ أساسية، وهي:
1ـ التكنيك اليومي المعتاد والتكنيك الخارج ـ المعتاد:
في كل ثقافة، هناك طريقة لاستخدام الأرجل، الأيدي، الرأس، العيون، العمود الفقري ...وهذا الاستخدام ملتصق بالمهام الثقافية والاجتماعية التي تؤطر سلوك الفرد، والتي تمنحها التنشئة الاجتماعية قوانينها وطرق استخدامها، لذا يكون استخدام الجسد في الحياة الاجتماعية بمثابة تقليد ينتقل من جيل إلى جيل، باعتباره ثقافة مقبولة عند الجماعة التي ينتمي إليها الفرد ( طريقة الأكل، طريقة الجلوس، طريقة السير...) وهذا ما يطلق عليه باربا الاستعمال اليومي المعتاد، أي الطبيعي والبسيط. أما بالنسبة للتكنيك الخارج عن المعتاد، فهو عبارة عن سلسلة من التكنيكات المختلفة جدا، تدخل ضمن حقل ممارسة خاصة، مثل تكنيك بعض الطقوس، أو السحر، أو الرقص، أو التمثيل، فهذه التكنيكات تحتاج إلى تعلم خاص خارج التعلم اليومي المعتاد في المجتمع، وبالتالي لابد أن يختلف استخدام الجسد في التكنيك المعتاد عن التكنيك الخارج عن المعتاد.
2ـ ما قبل التعبير:
إن مبدأ ما قبل التعبير هو الأساس الذي يعتمد عليه الممثل لإبراز حضوره الجسدي، ويحتوي في طياته على الإمكانيات الأولية لبناء القدرة على تنفيذ الفعل الدرامي. يهتم ما قبل التعبير بإشكالية ما قبل المقصود، فهو يعنى بعمل الممثل الذي يمكن من خلاله جدب انتباه المتفرج بشكل ملموس حتى قبل إن يريد إبلاغ شيء محدد، بمعنى أن الممثل يقوم بجهد عضلي مادي يصرف من خلاله طاقة معينة متمركزة في فعله البيولوجي ـ الفيزيولوجي. فيوضع الجسد في مواجهة للقوانين الفزيائية في حركته. ومن اجل تنسيق القدرة الحركية الجسدية، يجب الخضوع لتدريب يومي وفق مبدأ ما قبل التعبير.
3ـ اللاترابط ـ المترابط أو اللامتماسك ـ المتماسك:
هذا المبدأ شخصه باربا كتكملة للمبدأين السابقين، فهو وثيق الصلة باستخدام الجسد، من خلال منظور التكنيك خارج عن اليومي المعتاد، وإمكانية بناء صورة أخرى لحضور الممثل ما قبل التعبير، ففي منظور هذا المبدأ، يبدو استخدام جسد الممثل مترابطا، ومتماسكا من حيت الشكل الفني، في الوقت الذي يظهر في منظور التكنيك المعتاد كأنه غير متطابق.
ومن هنا فانا باربا يؤكد وباستمرار على ضرورة العمل الصارم والدقيق، الجسدي والذهني، من اجل خلق دكاء الجسد، وذلك ما كان يبحث عنه مايرهولد هو أيضا في منهج البيوميكانيك.

- الإخراج المسرحي:
يتم العمل من أجل بناء العرض في مسرح الأدون، انطلاقا من فكرة معينة؛ من موضوع معين؛ يقترحه المخرج أو المستشار الأدبي، أو يتم التقاطه من خلال الإرتجالات التي يقوم بها المخرج والممثلون ويتم تطويره بعد ذلك. في بعض الأحيان يقوم المخرج، بارتجال موضوع طويل، باعتماده على ثقافته ومعرفته الدقيقة في حبك المواضيع المرتجلة، ويكون ذلك محفزا لعمل الممثل، حيث يأخذ بتلك المحفزات ويقوم بدوره بالإرتجال في الموضوع(21)، يتدخل المخرج في المستوى الموالي، ويقوم بانتقاء المواد التي يجدها صالحة كي توظف في مقطع من المقاطع، وهذه التقنية يسميها باربا بالمونتاج، ولذلك فان عمل المخرج شبيه بعمل المخرج السينمائي الذي يصور المشاهد ويقوم بتقطيعها حسب المعايير الفنية للفكرة وإيقاع العرض(22). وفي بعض الأحيان يقوم الممثل بالارتجال أثناء عمله اليومي، ويلاحظه المخرج تم يقوم بمساعدته من اجل تطوير تعبيراته وإعطائها شكلا، حتى ينتج مقطعا وتتم صياغته كصورة نشأت من ارتجال الممثل، ويصبح بذلك ما أنتجه الممثل مادة قابلة لدمجها مع مواد أخرها عن طريق المونتاج. وهذه التقنية التي يقوم بها الممثل، هي ما يطلق عليها دراماتورجيا الممثل. أبدع هذا التعبير يوجينيو باربا، وحوله يتلاءم نمط الاشتغال الذي يختار فيه الممثل أو الممثلة، وسائلهما الصوتية والحركية... الخ، بغية تجميعها شيئا فشيئا خلال الإرتجالات الفردية، خلال شهور عديدة(23) ، وتعتبر دراماتورجيا الممثل كما يقترحها باربا وسيلة الاشتغال بشكل قبلي، قابلة للتعديل والتحيين أثناء التداريب، ولها علاقة وطيدة بالإيقاع العضوي الذي سبق أن توقفنا عنده، وبشكل خاص حينما يتعلق الأمر بالحركة، فهي إذن منطلق يؤطر اشتغال الممثل اثنا الإرتجالات، وهي أيضا بمثابة طريقة لإعداد الدور المسرحي ــــ بتعبير ستانيسلافسكي، مع اختلاف جوهري في مكنزمات هذا الإعداد ـــ فدراماتورجيا الممثل كما يؤكد باتريس بافيس، ترتبط أساسا بالعروض المبنية على الإرتجالات الصوتية أو الإيقاعية قبل أن يتم حشوها بالنصوص والسرود وان يتم إخراجها في الأخير من طرف مخرج لا يشعر أبدا بأي تعاقد سردي(24).
يؤكد باربا على اختياره هذا النمط من الإخراج قائلا: هناك مخرجون أشبه بالأمهات، يقومون بإرادتهم بإعطاء الصور والشكل للعرض المسرحي، وهناك مخرجون أشبه بالمولدات اللواتي يقمن بمساعدة العرض من أجل أن يرى النور، وينظرون له بتطفل، بعين الدهشة والشك، وبنوع من النقد، كأنهم أول من يتفرج عليه، إنني انتمي إلى النوع الثاني من المخرجين(25).
باربا إذن، من المخرجين الذين يساعدون العرض على التبلور والتشكل، وهو العارف بخبايا الموضوع أو الفكرة التي يتم الاشتغال عليها، وفي سيرورة تشكل العرض يوظف باربا تقنية المخرج كمتفرج وهو بصدد القيام بعملية بناء وهدم ما تمت صياغته من قبل الممثل أتناء الإرتجالات. أن العرض في مسرح الأدون لا يتوقف عن التحول، عن التجدد والتغير و التدفق...
تتميز عروض الأودن بتوظيف الأقنعة، وأنصاف الأقنعة ، والدمى كأكسيوارات يتم بها خلق الشخوص. أما الموسيقى، فهي موسيقى حية من عزف الممثلين ويستعمل خاصة الأكرديون، ويتم كذلك توظيف أصوات وصراخ الممثلين، في حين أن الإنارة عادية يكون الهدف منها هو إظهار فضاء الفرجة ولا يتم الرهان عليها لتؤدي أي دور جمالي .
اما بخصوص التيمات التي تحكيها العروض المسرحية فيكفي ان نقف عند شهادة هذا الناقد الدي بصدد الحديث عن عرض كاوزوموز وهو عرض للادون:
الخيوط تتشابك في مستويات عديدة، حتى دخول المتاهة، بدون أن نستطيع بلوغ حل شفرة العرض كليا، لكن المتفرج يبقى يحفر ويحفر في ثنايا العرض ليمسك بمدخل، لكننا نجد أنفسنا أمام كلام مبهم، مرموز. فالعرض يدفعنا أن نحمل معنا التجربة التي عشناها وان نتأمل ونتلذذ باستعادة الأحداث في ذهننا، وتلك هي تجربة يصعب حقا عكسها من خلال الكلمات المكتوبة(26).
- تكنيك المخرج كمتفرج:
يقترح باربا تقنية، يستند عليها من أجل التنبؤ بالأثر الذي سيخلقه عرضه المسرحي على المتفرج،و يسمي هذه التقنية: تكنيك المخرج كمتفرج، إذ يقول: إنني أواصل العمل في المسرح حتى استطيع التحدث مع المتفرجين الذين يكون بالنسبة لهم شيء جوهري مواجهة الظهور الذي يترك فيهم الأثر[...] لكن كل ذلك سيبقى مجرد كلام إن لم يتحقق في إشارات دقيقة في الحرفة المسرحية(27).
يعرف باربا المخرج بكونه المتفرج الأول، وتكمن مهمته في إخراج انتباه المتفرج من خلال أفعال الممثل(28) ، وكي يقوم المخرج بهذا الدور، لا بد له أن يعرف اللبنات الذرية،[...] ويجرب الطرق من جل تحطيم العلاقات الواضحة ما بين الأفعال ومعانيها؛ مابين الفعل ورد الفعل؛ ما بين السبب والنتيجة؛ ما بين المتفرج والممثل، لذا فإنني أشبه عملي بالكلب الجائع، الذي يعضعض العظم بأمل كسره وإيجاد النخاع الشوكي(29).
إن هذا الذي يتحدث عنه باربا، ووسمه قاسم بياتلي بـ «الإستكلاب»، هو اختيار منهجي يظهر مدى أهمية محاولة النفاد إلى العمق؛ وتبقى لحظة استعمال تكنيك المخرج كمتفرج، لحظة حاسمة في مسيرة بناء العرض، إذ بواسطة هذا التكنيك يتأكد من أن العرض سيمنح للمتفرج حقه، وجعله يعيش تجربة العرض وكأنه قد تم تحقيقه له وحده، والهمس في أدنه بشيء شخصي، وتوسيع رقعة الوضوح له(30)، ويرفض باربا – في المقابل – التعامل مع المتفرج كرقم (عدد)، ويقترح تفكيك بعض المواقف الأساسية الممكنة لسلوك المتفرجين، كبداية منهجية للقيام بتكنيك المخرج كمتفرج.
يفرق باربا بين أربعة متفرجين، نورد خصائصهم باختصار كما يلي(31):
1- الطفل الذي يرى الأفعال بحرفيتها :
إن الطفل الذي يرى الأفعال بشكل حرفي، لا يمكن إغراؤه من خلال الوهم؛ المجاز والرمزية؛ أو من خلال التجريد، فهو يلاحظ ما يتم تقديمه وليس ما يتم عرضه.
2- المتفرج الذي يعتقد أنه لا يفهم لكنه يرقص بدون علمه:
يعتقد هذا المتفرج أنه لا يفهم معنى العرض (ربما لا يعرف اللغة المنطوقة المستخدمة في العرض) لكنه يعرف أن العرض معمول بشكل جيد، ومعالج بدقة في تفاصيله. ويتأثر أساسا بمستوى ما قبل التعبير للعرض؛ من رقصة طاقة الممثلين؛ ومن الإيقاع الذي يوسع في الزمان والفضاء. فهو يتبع العرض من خلال الصور الحسية، ويبقى يقضاً لأن العرض يجعله يرقص وهو جالس في مكانه.
3- الأنا الأخرى للمخرج :
هذا المتفرج لديه معلومات كاملة ودقيقة، عن كل ما يحتويه العرض، عن النصوص والأحداث التي تنمو منها، والاختيارات الدرامية، وسيرة كل الشخوص، فالعرض بالنسبة له عبارة عن أرضية لإثارة الماضي القريب والبعيد. يتوغل بنظرته في هذه الأركيولوجية الحية متنقلا من القشرة السطحية إلى القشرة العميقة جدا. و يكون قادرا على مشاهدة العرض كل ليلة دون أن يثير عنده الضجر.
4- المتفرج الذي يرى العرض كما لو انه لا ينتمي إلى عالم الزوال والوهم:
المتفرج الرابع، يكاد يكون أخرسا، يضحك بينه وبين نفسه، ويراقب ذلك الذي لا يستطيع أي متفرج أن يراه؛ فهو يرى ما يقوم به الممثل باليد اليسرى، بينما يقوم بشيء آخر باليد اليمنى ليخفيه عن المتفرج؛ يرى العمل المعمول جيدا حتى في حالة حدوته في السر، ويتعرف على فعل الممثل إذا كان منفذا بالشكل الذي تتطلبه الضرورة؛ ويذهب أبعد مما يطلبه أي متفرج.
ينبغي تبرير كل لحظة من العرض أمام متفرج من هؤلاء الأربعة. وأهمية تكنيك المخرج كمتفرج في هذه الأرضية الجوهرية للعمل، تكمن في كيف يتفاعل كل متفرج مع العرض، دون أن يقوم برد فعل يعيق تلقي العرض.

- مقومات الفضاء المسرحي في تصور يوجينيو باربا:
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنناـــ وفي مسار بحثنا ــــ حول مقومات الفضاء المسرحي الذي يشيد عليه باربا عروضه المسرحية، لم نجد ـــ فيما اطلعنا عليه ـــ ولو مبحثا أو محورا يتناول هذا الجانب، وحاولنا التقاط بعض الإشارات، على شكل شذرات هنا وهناك، وقمنا بجمعها وصياغتها لتمنح لنا تصورا ـــــ على الأقل أوليا ــــ في الحاجة إلي المزيد من البحث والجهد لتطعيمه بمعطيات أخرى تثريه.
يشتغل يوجينيو باربا على فضائين:
ــ الفضاء المفتوح ( الشارع: نموذج لعرض فراي المقدم بالبيرو ــــ 1982
ـــ فضاء الحجرة ( على غرار عروتوفسكي ).
فقد فطن إلى أن العلبة الإيطالية لا تقدم إمكانية التفاعل بين المتفرج والممثلين، وقام بهجرها، فاغلب عروضه قدمت في فضاء الحجرة.

سنتوقف عند تصور باربا للفضاء انطلاقا من عرضه المسرحي رماد بريشت (1980)، ويتأسس اختيارنا على كون هذا الفضاء يدمج اغلب المميزات التي يوفرها الفضاء في جل العروض الأخرى. النموذج ادن، بكل بساطة نعتقد انه يسمح باستخلاص مجموعة من المميزات والخصائص التي يوفرها الفضاء المسرحي حسب باربا، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
• الفضاء – النهر :
ينظر باربا إلى الفضاء المسرحي كأنه على شكل نهر ، يتموضع المتفرجون على َضفتيه، ويشكلون مجموعتين كل واحدة على ضفة مقابلة للأخرى، وهما (المجموعتان) ، تراقبان ما يتدفق في النهر ( الفرجة )، ويمنح هدا التموقع للمشاهد إمكانية ملاحظة ردود أفعال المتفرجين المتواجدين في الضفة المقابلة.
• المركزين :
يتوفر هذا الفضاء المسرحي على مركزين:
- الأول، مركز هندسي ثابت، تكونه النقطة المركزية لمساحة فضاء الفرجة (النهر).
- الثاني، مركز ديناميكي متحرك، تشكله فاعلية الممثلين، بمعنى انه يرتبط بتحرك الممثل (الممثلين) الفاعل (الفاعلين).
= يمكن أن يلتقي المركزان ويتطابقان، حين يكون الممثل الفاعل في المركز الأول.
= يمكن أن تتعدد المراكز الدينامكية وتتشعب. ( الأفعال المتزامنة )
• هيمنة المشاهد على جزء من الفضاء:
لا يهيمن المشاهد على الفضاء بأكمله، بل يختار جزءا من الفضاء، خاصة أثناء تعدد المراكز الدينامكية ( الأفعال المتزامنة ) ، فالمتفرجون في عروض باربا لا يشاهدون نفس العرض بنفس الكيفية.
• الفضاء المخفي ( الخفي ):
فعالية الممثل في الفضاء المخفي، تجدب انتباه المتفرج، ويتحقق ذلك باستناد الممثل على الصوت لان جسده مخفي.
• التقلص والتمدد:
يتغير الفضاء باستمرار، يتوسع، يتقلص، من الأسفل نحو الأعلى، من الأعلى نحو الأسفل، إذ يوجه المشاهد نظرته حسب وضعيات نمو الفعل وتغير المراكز في الفضاء.
• تموضع المشاهد خارج فضاء اللعب:
يتحدد فضاء اللعب على شكل دائرة تسمح بالمشاهدين (على ضفتي النهر) بمراقبة ما يجري، ويختار الممثل الخروج من الدائرة شريطة أن لا يقوم بأي فعل خارجها. يمكن أن نوسم هده الدائرة الدينامكية التي يحدث فيها الفعل بـ دائرة الفعل . إن الأهم في هده الخاصية هو التمييز بين دائرة الفعل وخارج دائرة الفعل، لان من شان عدم تمثل هدا المعطى أن يشكل خللا عند المتفرج.

( انظر صورة تصميم الفضاء على جدار الفايسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2014893391858388&set=a.2014893011858426.1073741850.100000132410713&type=3&theater )


على سبيل الختم :

لم تتوقف مختبرات البحث، والفرق التي تشتغل في الحقل المسرحي، وكل المخرجين، أقول، لم يتوقفوا عن البحث في إمكانات جديدة وآفاق أخرى، يمكن أن تنفتح أمامهم، فممارسة المسرح في عمقها هي توجه يسعى للتجاوز الدائم، تجاوز العتيق والبالي، ورسم معالم الجديد والمتجدد. وتعد تجربة يوجينيو باربا من التجارب المسرحية التي ميزت النصف الثاني من القرن الماضي، ومازال تميزها وإشعاعها مستمرا إلى اليوم. ونحن نختم هدا العرض، نشير إلى أن الاهتمام بهده التجربة في الأوساط الأكاديمية المغربية، أو حتى في أوساط الممارسين المسرحيين يكاد يكون منعدما، ففي مجال النقد المسرحي يمكن تعداد الباحثين الذين أشاروا إلى هذه التجربة على رؤؤس الأصابع، أما في مجال الممارسة العملية فلم يسبق لنا أن سمعنا مخرجا أو ممثلا يتحدث عن اشتغاله بالتكنيكات والصيغ التي توصل إليها باربا.
فإلى متى سيدور التناول النقدي المسرحي مغربيا – على الأقل - في فلك اجترار تجارب مسرحية أشبعت بحثا، ولم يعد في تناولها ما يستحق الذكر؟ والى متى سيبقى الممارس المسرحي المغربي رهين نفس الصيغ الإخراجية والتصورات المسرحية، يعيد تقليدها بشكل متكرر في متواليات لا تنتهي؟

****
إحالات ومراجع:
1- إبراهيم (الزهرة)، الجسد والقناع والدمية بين المسرح الغربي وأشكال فرجوية مغربية ــ دراسة انثروبولوجية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــ ظهر المهراز (فاس)، إشراف: يونس لوليدي، ر.ت 34/94، (غير منشور) ص:81.
2- كريمي (سعيد )، مسرح القسوة وانعكاساته على التجريب في المسرح الغربي والمغربي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، إشراف: د.يونس لوليدي، جامعة مولاي إسماعيل/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس،س.ج: 2000-2001 ( غير منشور). ص: 224.
3- كريمي (سعيد )، نفسه، ص: 226.
4- بروك (بيتر)، النقطة المتحولة – أربعون عاما في استكشاف المسرح ، ترجمة: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة، ع: 154، ص: 70.
5- غروتوفسكي(جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة:كمال قاسم نار، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة )، ص: 22.
6- غروتوفسكي(جيرزي)، نفسه، ص: 23.
7- غروتوفسكي (جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة: كمال قاسم نادر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة ).ص: 7.
8- بياتلي (قاسم)، دوائر المسرح: تجربة الأودن وأنثربولوجية المسرح، دار الكنوز الأدبية، بيروت (لبنان)، ط1، 1998، ص:14.
9- نفسه ، ص:15.
10- نفسه، ص15
11- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :73.
12- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
13- بلخيري (احمد)، المعجم المسرحي، مطبعة سندي (مكناس)،ط1، 1997 ، ص 20 .
14- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
15- نفسه ، ص:64.
16- نفسه، ص:23.
17- نفسه، نفس الصفحة
18- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :58.
19- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:23
20- نفسه، ص: من 21 إلى 27 (بتصرف).
21- نفسه ، ص:24
22- نفسه ، ص:43
23- بافيس (باتريس)، الدراماتورجيا وما بعد الدراماتورجيا، ترجمة: سعيد كريمي وخالد أمين، منشورات المركز الدولي لدراسة الفرجة، سلسلة رقم 36، ط1، 2015، ص:36.
24- نفسه، نفس الصفحة.
25- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:24
26- نفسه ، ص:59
27- نفسه ، ص: 118.
28- نفسه ، ص:119
29- نفسه، نفس الصفحة.
30- نفسه، ض:110.
31- نفسه، ص: من 120 إلى 124( بتصرف ).

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption