أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 20 ديسمبر 2014

مسرحية «الطائفة 19» وضعت الإصبع على الجرح وبعثت برسائل وطنية ضمن ديكورات باهرة وحبكة مسرحية لافتة لونها يوسف الخال وكارين رميا

مدونة مجلة الفنون المسرحية

قد يكون العملان السابقان للأخوين ماهر وفريد صباغ «تشي غيفارا» و«أيام صلاح الدين» بمثابة خلفية مسرحية غنية بالثقافة الفنية، إلا أن عملهما الجديد «الطائفة 19» هو دون شك العلامة الفارقة التي ستبصم مسيرتهما المسرحية.

وضع الأخوان صباغ الإصبع على الجرح في مسرحيتهما الجديدة التي بدأ عرضها رسميا يوم الجمعة الماضي على مسرح قصر المؤتمرات في ضبية؛ فسلما فيها بأن أساس مشكلة لبنان هو الطائفية التي أذكتها الدولة اللبنانية بقوة على مر الزمان دون أن تقوم بأي جهد لإلجامها.

في حبكة مسرحية لافتة وضمن ديكور جميل وباهر للعين تدور أحداث المسرحية، التي يقوم ببطولتها الممثل يوسف الخال والفنانة كارين رميا، إضافة إلى باقة من فنانين آخرين أمثال «خالد السيد ونبيل بومراد ونزيه يوسف وأسعد حداد وجيسي عبدو وزاهر القيس»، الذين برعوا في أدائهم رغم أن بعضهم يطل على خشبة المسرح للمرة الأولى، وذلك تحت إشراف الأخوين صباغ اللذين قاما بتأليف العمل وتلحينه وإخراجه.

كل شيء في المسرحية يدور تحت عنوان «الوطنية». ولعل وقع المشهد الأول منها الذي يتألف من لوحة ذات عناصر حديثة (مساجين رومية خلف القضبان)، من ناحية إطلالة الممثلين من اللحظة الأولى مجتمعين وطبيعة ثيابهم الـ«casual wear» في ديكور أقرب إلى الواقعية، أو حتى من ناحية العرض العسكري لعداد المغاوير في الجيش اللبناني الذي عنون مسار العمل منذ اللحظة الأولى. كل هذا أحدث انطباعا أوليا إيجابيا لدى المشاهد الذي انجذب لكل تفصيل بإعجاب.

تدور قصة المسرحية في سجن إصلاحي (سجن رومية المعروف) كما تخيله الأخوان صباغ بعد ثلاثين سنة من اليوم. هناك يقبع ثمانية عشر سجينا وسجينة من ثماني عشرة طائفة (عدد الطوائف الموجودة في لبنان) اختارتهم الدولة بهدف إصلاحهم وإعادتهم إلى المجتمع.

ممول التجربة رجل أعمال يطمح إلى الحصول على مركز سياسي في حال جرى تقسيم لبنان، هذا المخطط الذي اعتاد اللبناني على سماعه من قبل ساسة الغرب منذ اندلاع الحرب عام 1975. أما مسؤولية الأمن في السجن فقد أوكلت إلى فرقة من مغاوير الجيش يقودها نقيب يتميز بحسه الوطني العالي ومحبته وإيمانه بلبنان (يوسف الخال)، دون أن نعرف اسمه أو طائفته طيلة مجريات المسرحية للدلالة على موقفه المتجرد.

وفي لعبة شد حبال بين النقيب والمسؤول السياسي حول كيفية تحقيق طموحاتهما على أرض الواقع، ينجح النقيب بإخفاء عوارض الطائفية على المساجين، بعد استعانته بخبراء أجانب من اليابان (في فكرة غمز فيها الأخوان صباغ من قناة الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا البلد دوليا بعد ثلاثين سنة)، الذين زودوا المساجين بدواء خيالي ينشط الخلايا الدماغية المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، فيساعدهم على تقبل الرأي الآخر وبالتالي في التغلب على مشكلة الطائفية.

لمسات مصممة الديكور يارا عيسى الخوري بدت جلية في معظم أدوات الديكور المستخدمة في المسرحية؛ فقد ركبت سجنا حديثا بزنزاناته وألوانه وسمحت لعين المشاهد بالتجول في أركان المسرح دون ملل، مما أضاف إلى المسرحية ككل لمعة مشهدية غير مألوفة. ولعل إدارة تحريك الممثلين بإيقاع سريع ومتقن مع الأخذ بعين الاعتبار جمالية الأغاني والموسيقى المرافقة لكل لوحة منها والتي تقاسم أداء غالبيتها بطلا المسرحية يوسف الخال وكارين رميا (تؤدي دور حبيبة النقيب)، ساهمت في قولبة المسرحية ضمن إطار استعراضي ذي نص وإخراج جيدين قلما نلاحظهما في أعمال مماثلة حاليا.

استغرقت المسرحية نحو الساعتين، الأمر الذي أضعف مكامن قوتها، حتى إنه في بعض الأحيان جاءت المشاهد ركيكة يلزمها إعادة شد وبناء هيكليتها من جديد، كما أن مشاهد معينة حملت أفكارا سريالية غير ملائمة لواقع المشهد، كظهور إحدى الراقصات في الفرقة بفستان أبيض تتمايل بخصرها بخطوات تعبيرية على طريقة الباليه كلاسيك رغم أن اللوحة وطنية بامتياز وتدعو إلى التأثر. ولعبت التقنية البصرية دورها في العمل، إن من خلال استخدام شاشة عملاقة للعودة بمجريات المسرحية إلى أرض الواقع، أو للدلالة على الزمان والمكان اللذين تدور فيهما القصة.

الأخوان صباغ شاركا في التمثيل فأحدهما (فريد الصباغ) لعب دور العقيد (فيصل) المتمرد على مشروع التقسيم، والثاني (ماهر الصباغ) جسد دور (بن) القيادي في المعارضة صاحب النوايا الخفية من أجل إقامة ولاية لطائفة لا دينية. الاثنان تمتعا بموهبة تمثيلية وغنائية مقبولة، كما أن أداء أحدهما (فريد) ظهر فيه جليا تأثره بشخصية الثوري الكوبي (تشي غيفارا).

تنتهي المسرحية التي تألفت من جزأين كان فيها الأول أكثر حركة وإيقاعا، والثاني أكثر عمقا من ناحية النص، على مشهد يغلب فيه الأبيض (تشكيل نهر جارف من المؤثرات البصرية) ساهم في إبراز ضخامة الديكور، فوقف الحضور يصفقون إعجابا. واختتم العمل بتخيير السجناء ما بين عودة كل منهم إلى طائفته أو الانضمام إلى الطائفة الجديدة (طائفة اللادينيين التي يقودها بن) أو التمسك بـ«الطائفة 19»، التي ترسي أسسها على تقبل الواحد للآخر والاستشهاد في سبيل تحقيقها. فيختارون الأخيرة من أجل قيام الاستقلال الثاني وإنقاذ الوطن، وذلك ضمن لوحة امتزج فيها الأحمر (لون الاستشهاد) والأبيض (لون السلام).

«الطائفة 19» التي تجمع كل الطوائف في إطار الاحترام المتبادل، قد تكون فكرة من عالم الخيال أو حلما يتمناه جيل الشباب اليوم في لبنان كخشبة خلاص لوطنه، إلا أن الحل المنتظر أن يؤدي إلى هذه النتيجة يبقى قطبة مخفية حاول أصحاب العمل تقديمه بطريقة سريالية، ولكنها بالتأكيد تنم عن رغبتهم وإصرارهم على تفكيكها، لا سيما أن رسائل النص كانت مباشرة تعزز معنى الوطنية ضمن إطار أخذ المبادرة من قبل اللبنانيين وحدهم. فالسلاح لا يكنس الفساد في الدولة، والحرية لا يمكن أن تؤمن دون الحب، وكلما زاد الإيمان تقل الطائفية، والجيش فوق كل اعتبار. رسائل وطنية بامتياز يزودنا بها مؤلفا العمل ومخرجاه الأخوان صباغ في مسرحية «الطائفة 19» على أمل أن تلمس أفكار اللبنانيين وتضعهم على سكة السلامة من أجل خلاص بلادهم.

بيروت: فيفيان حداد


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption