الجنة تفتح أبوابها…متأخرة لفلاح شاكر
مدونة مجلة الفنون المسرحية


يبدو من هذا العنوان شبه المتفائل، أن العرض العراقي الذي قدم في الدورة التاسعة لأيام قرطاج المسرحية والذي حاز على الجائزة الكبرى للمهرجان كان بمثابة انفتاح على جنة الألم وجهنم الفرح، إن صح القول، فالجنة التي شيع لها العرض وقال عنوانها إنها ستفتح، لم تشرع أبوابها ولن تغلقها بحق وحقيقة،
الجنة تفتح أبوابها…متأخرة لفلاح شاكر
يبدو من هذا العنوان شبه المتفائل، أن العرض العراقي الذي قدم في الدورة التاسعة لأيام قرطاج المسرحية والذي حاز على الجائزة الكبرى للمهرجان كان بمثابة انفتاح على جنة الألم وجهنم الفرح، إن صح القول، فالجنة التي شيع لها العرض وقال عنوانها إنها ستفتح، لم تشرع أبوابها ولن تغلقها بحق وحقيقة،
بل ظلت تتأرجح ما بين البين والبين.. على الرغم من أن مسرحية "الجنة تفتح أبوابها متأخرة " هي الجزء الأخير من خماسية الحب والحرب، مثلما يقول مؤلفها المبدع فلاح شاكر. ابتدأت خماسية الحب في " قصة حب معاصرة" التي قدمها المخرج والممثل الصديق الراحل هاني هاني، و" مئة عام من المحبة" و في "أعالي الحب" التي أخرجهما الفنان الدكتور فاضل خليل، و "مأساة مؤلف النكات" التي لازالت مخطوطا، وهذه "الجنة" التي قدمها المخرج العراقي محسن المجتهد تيمنا بما قاله عنه مؤلف العمل نفسه. نسابا
يقول المؤلف: ( لقد أوجعت الحرب نومي بكوابيس كأن جهنم تتمرن على ذاكرتي ورجف قلبي- قلت شهادتي- وأرجو أن يؤجل استشهادي فربما يستجد قول- عن شعب أكلت منه عشرون عاما من الحروب والحصار كل أحلام التشهي، شعب وكأنه أُعِدَّ للنحر- ولولا ضمائر بعض الأصوات- لرمينا في النسيان فالعالم الجديد لا يعلمك بعذابات المقتول بقدر ما يبهجنا بشجاعة القاتل.. فوسط الانترنيت والبث الفضائي المباشر والأقمار الصناعية أقف وحدي أصرخ في البرية بملء صوتي هل تحسون بآلام الضحية؟ ) إذن، إننا أمام عرض مسرحي يشبه إلى حد كبير نشيد من الحزن وتلاوة من الصراخ المكظوم لكاتب تتجلى براعته بقول الصدق وإن كان هذا الأخير أليما وغير كاف في مغالاته في وجعه ومكاشفته. إن ما يربطني مع نتاج فلاح شاكر كمؤلف ومحسن كمخرج وشذى طه سالم وجواد الشكرجي ورائد محسن وفلاح إبراهيم، كممثلين عدة أمور، أولها هي أنني مولع في البحث عن أصل تلك النيران الملتهبة التي تحيل الوجود الإنساني المتكاسل بعدما يكتوي المرء فيها إلى شعلة سماوية تحلق فوق أعالي البحار والجبال وكل ما هو عال لا تطاله اليد بسهولة؛ وثانيا، إن عملهم هذا كان بمثابة إجابة إبداعية وفنية على تساؤلات ظلت تحتل وتشغل فكري فترة طويلة..
ومن بين هذه الأسئلة يمكن أن نذكر: كيف سيكتب المسرحيون العراقيون والعرب عن ما حدث وما زال يحدث في العراق؟ كيف يمكن تصوير الإبادة الجماعية لهذا الشعب؟ عن ارتهان هذا الشعب كل هذا الوقت والظرف؟ هل سيلجأ الكاتب العراقي للمباشرة والشعائر الفجة كما كان يفعل المسرح العربي في ستينيات هذا القرن وسبعينياته، أم أنه سيولي وجهته نحو مسرح العبث واللامعقول في منطقة اللامنطقي؟؛ أي اللغات سيعتمد في عملية الخداع التي توهم بتحقيق اتصال غير موجود؟ ثم هل أنه حقا، سيختار طريق المسرح الغربي بأساليبه المتعددة أم أنه سيخلق هذه المرة مسرحا عراقيا معاصرا، بعيدا عن الفردية والتجريد العبثي؟
لقد بدأ فلاح شاكر في كتابته للمسرحية مسيطرا على متن النص وما فيه من ثيمات، منذ الوهلة الأولى. فالمسرحية تتحدث عن قصة أسير يعود إلى بيته بعد سنوات من الغياب والتغيب، ولكن عند وصوله يكتشف أن أول من يتنكر له في هذه الحياة التي غادرها عنوة ثم عاد أليها بقدرة قادر، هي زوجته. والمصيبة أنها تتنكر إليه لا لأنها لم تعد تحبه أو لا تميل له أو إنها استبدلته برجل آخر مثل ما حدث في بعض الأفلام والقصص التي عالجت تقريبا الموضوع نفسه بقدر ما إنها لم تعد تعرفه.. ( أنت لست زوجي) ويجيبها الأسير ( إلى هذا الحد غيَّرني الأسر). هذا هو الخط الدرامي الرئيسي الذي تأسست عليه حكاية المسرحية ومنعطفاتها التي اعتمدت عدة مثالب اجتماعية، سياسية، عاطفية، دينية، و وجودية لم يعالجها المؤلف على حِدَة أو بطريقة كلاسيكية تقليدية، وإنما عالجها جميعها دفعة واحدة باعتبارها سببا ومسببا مركزيا للحدث الرئيسي الذي تتمحور حوله وفيه المسرحية والغرض من كتابتها. نسابا
تأمل في صناعة العمل الدرامي
نرى من خلال قراءتنا للأحداث على صعيد النص والعرض، إن المؤلف فلاح شاكر والمخرج محسن العلي قد أحكما بشكل جيد ومتماسك تلك المثالب المتعددة للحكاية وسارا بها قدما نحو نهاياتها المحتومة بكل جرأة وجمال، فالأسير العائد الذي يتوسل أن تتعرف عليه زوجته، وزوجته التي تصر على عدم معرفتها له بحجة أن الأسر قد غيَّره، نراهما منذ بداية العرض حتى نهايته في حالة من الركض واللهاث وراء حقيقة تتأرجح ما بين المؤكد واللامؤكد. ولقد أراد المؤلف من وراء هذا التأرجح أن يكشف عن ثيمات مأساوية أخرى ارتبطت بمحور الحدث الرئيسي وتحلقت حوله بمجموعة من الروافد التي صارت تتضح وتتطور ثيماتها الشبه رئيسية من خلال ابراز واختفاء شخصيات أخرى دون التقيد بالتسلسل التقليدي للأحداث، أي وفقا لإملاءات مخيلة المؤلف وعقله الباطن. فنحن أمام مسرح تعبيري، استخدم فيه المؤلف لا شعوره ومخزونه الصوري للأحداث التي أنتجت واقع مبعثرا، مشوها، على الرغم من انتظامه ودقة فبركته. ونتيجة لهذا التفرع المأساوي للحدث وتعدد مجالات البحث فيه، كان من المنطقي أن يختار المؤلف على المستوى الفني أسلوب المأساة التي هي في احسن أحوالها ساخرة في مثل هذه الحالة، تبعث لقسوتها على الضحك والبكاء في أن واحد.
ولقد كان اتفاق المؤلف والمخرج على هذا الأسلوب الساخر في تقديم المأساة، موفقا ومعتدلا وفقا لمبدأ لا منطقية المنطق ومنطقية اللامنطق الذي شيده طبيعة الصراع ما بين الزوجة والأسير، وخاصة في المشهد الذي يعتذر فيه الأسير لزوجته عن آسره، إذ يقول: (انه ذنبي أنا، فأنا الذي ذهبت إلى الحرب، وأنا الذي أسرت نفسي وحجزتها وحرمتها من رؤية احب ما احب، لقد كنت قاسيا عليك حين حجزتك نفسي كل هذه السنوات، أنا اعتذر، عن عشر سنوات أضعتها هدرا في الجوع والبكاء عليك، أضعتها في الشقاء من الشوق والتوق إلى العودة). نسابا
إن هذا الأسلوب المأساوي الساخر والموجع الذي استخدمه المؤلف من اجل تحريك وتنويع وقيادة إيقاع العمل نحو الأمام، لا يتوانى عن قلب المأساة رأسا على عقب لدرجة إن جعلنا نتساءل نحن المتفرجين بسرية معلنة: إلى أين تقودنا هذه المأساة التي لم تعد مجرد مأساة ؟! إلى أين يقودنا هذا الأسير الذي لم يعد مجرد أسير عاد ليبحث عن بيته وزوجته؟!. وما بين تسارع خطى الإيقاع وتنامي الحدث وفقا للخطوط والمنعطفات الدرامية المرسومة بدقة وصرامة، هنالك تداعيات وتداخلات واستنطاقات وتعرية وحشية لواقع الجوع والموت المجاني والشهادة التي يتعرض أليها آهل البلد الذي ينتمي أليه الأسير. ولكي يتحقق ذلك لا بد من أن ينعطف العمل عن خطه الرئيسي المتمثل في علاقة الأسير بالزوجة بغية إلقاء الضوء على حالة الجوع والفقر وموت الأطفال.
وهذا ما ترجمه مشهد لقاء الأسير بمعلمه الأستاذ يوسف – الذي مثله الفنان رائد محسن بكل براعة وإتقان ووجع منتقلا ما بين شخصيتين: شخصية الأستاذ يوسف وشخصية حارس المدرسة ، واللتين تقصّد المخرج والمؤلف في جعلهما متشابهتين بحيث يصعب التفريق بينهما- وعندما تختلط الأمور على الأسير العائد ويصير لا يعرف رأسه من رجليه ولا يفرق ما بين الحارس والأستاذ، يقول له أستاذه : (الجوع جعلنا كلنا متشابهين..أنا أستاذ يوسف، لقد تعبت من عزيز قوم ..)، الأسير يكمل الجملة إلى أستاذه: "ذل"، أستاذ يوسف: "مقاطعا" (مل .. أبدا الذل ليس الحاجة، الذل أن تأكل كل وقتك مفكرا ماذا ستأكل). وحينما يهجم الأسير على أستاذه لمعانقته شوقا وبحثا عن صدر يضمه، يرده الأستاذ ثائرا: (لا عناق.. إصبعي الصغير يخاف أن أطبق كفي لئلا يأكله الإصبع الذي يجاوره).
إن ما يثير في هذا النص/العرض هو الحوار بين الشخصيات وكيفية صناعته، وتحريكه، وتبادله بينها، إنها تتبادل الحوار وفقا للمنطق الانعكاسي الذي أستخدمه المؤلف كأداة للتعبير عما في الوضع الإنساني في العراق من مأساة. بحيث جاء الحوار قريب من الشعر إذا لم يكن الشعر نفسه، وجدانيا ملئ بالعواطف المتأججة المشاعر، فهو يسترعي الانتباه بكيفية خاصة، وذات وقع متميز على الإذن والقلب والعقل معا، مما جعل الممثلين عند قوله وأداءه يرقصون من الألم والمشاعر بدلا من أن يكتفوا بالحركة والإيماءة، وخاصة في حوار الأسير الدامي مع زوجته حول مصداقية وجوده بعد فصول من التشكيك: ( لست أنا؟! وما ذنبي إذا الحرب تهدي الأطفال شواربا بيضاء .. كلنا عميان بلهاث القلب نهتدي إلى بعضنا) أو حوارهما حول موضوع الأولاد ومحاولتهما في الكشف عن الأوراق ومعرفة حقيقة أعماق القلب .المرأة: ( ليس لنا أولاد لان الحرب أكلت نصف السرير)، فيجيب الأسير: ( كان من الممكن أن ننام على نصفه الآخر..)، المرأة: ( ولكنك أسرت قبل أن نتناصف السرير). يبدو على الحوار، عند سماعه ورؤيته مثلما لو انه كلام محكي ولكنه في نفس الوقت ملئ بالمشاعر الرقيقة، لا يخلو من النشيد الوجداني الذي لا يتنازل عن مهمته الانتقادية والإشارية الاستعارية.
ويتمثل هذا خير تمثيل في نهاية المشهد، عندما يقول الأسير لزوجته: ( فأنت زوجتي حين يكون لنا أطفال) وتجيبه الزوجة: ( ولكن لم يصبح لنا أطفال بعد..) فيجيبها: ( سيكون لنا أطفال .. وآلا كيف ستستمر الحروب). نلاحظ من خلال كلمة المؤلف وحواراته وتأسيس فكرته، إن لدى فلاح شاكر إحساس دفين بعدم نهاية الحرب أو الحروب. وهذا بحد ذاته ليس من صفات الإنسان في الأصل وإنما هي صفات راكمتها الحروب المتلاحقة الحروب على العراق ولازالت تتلاحق أو تنتظر أن تتلاحق. فالحرب لم تكن على جبهات القتال فحسب وإنما (في الشمس) مثلما يقول حارس المدرسة، وهو يتحدث عن حرارة ابنه المرتفعة (كانت حرارته تخجل الشمس، واصرخ فوق السجادة، رباه .. خذه لبرد الجنة، وكبريائي الذليل يتوسل بالرغيف .. يا رغيف كن عافية، كن قمحا لا شعيرا ..) .
إن الجوع والمرض والموت وامتزاج الكفر بالأيمان، كل هذه الأشياء نتيجة حتمية للحروب الحديثة؛ هذه الحروب التي تُكمّلْ ما بدأته الثورات؛ هذه الحروب التي تعيد النظر في الإيمان والإلحاد وفكرة الله كأب للبشر. في هذا المشهد، حارس المدرسة المؤمن المسكين أمام مشهد موت ابنه، يفقد صوابه ويبدأ بمناجاة ربه مثل أي صوفي فقد السيطرة على نفسه فصار يلهج باسم الرب لأنه أحس في قرارة نفسه إن الرب قد تخلى عنه في أحلك اللحظات واشدها قسوة : ( يا لله لمَّ تركت ابنك في الحصار .. استغفرك، ما اقرب الكفر من كفن جاء في غير أوانه. اصمد .. حامد .. ووو إننا نموت يا لله .. فهل كان في حساب عزرائيل أن يموت عشرين مليون في ساعة .. رأفة به أرحمنا .. اللهم اجعل حجارة السجيل رغيفا .. اللهم نسألك بعض جنتك في جحيمنا الأرضي .. والجنة تحت أقدام الأمهات، فأي جنة إن كان الصدر يرضع جوعا ..) . نسابا
الإخراج
أننا حينما تحدثنا عن النص وكيفية صناعته دراميا، كنا نتحدث بشكل ضمني عن الإخراج أيضا، لان قراءتنا الأولى للنص كانت بادئ ذي بدء، من على الخشبة، أي أننا عندما شاهدنا العرض لأول مرة، قبل أن نقرا النص ونتعرف على تفاصيله، وهذا يعني إن المخرج محسن العلي وفريق عمله( شذى سالم، جواد الشكرجي، رائد محسن وفلاح إبراهيم) استطاعوا أن يوصلونا إلى ابعد ما كان يمكن أن يقوم به النص في حالة القراءة المجردة والتخيل المنفرد. لقد انطلق محسن العلي في إخراجه للمسرحية من فكرة تحويل الأوضاع التي يشير إليها النص إلى لعبة مسرحية جد واقعية ارتكزت على عملية تحريك مفردات الديكور وتشكيل فضاء مسرحي تاركا العرض في مواجهة مع جمهوره. انه قام بتفسير الكلمة عبر الحالة والمشهد والتكوين الجمالي الذي ساهم في حركيته الممثلين وادائهم العميق؛ وتشكيل الفضاء المسرحي من قبل مصمم الديكور "سهيل نجم" وفق رؤية المخرج وذلك باستخدام مفردات تصميميه متحركة يمكن استخدامها بمطواعية في العديد من المواقف والأغراض المختلفة.
لقد كانت جميع هذه العناصر مرتكزات أولية في الرؤية الكلية لمحسن العلي في تقديمه للعرض. هذا بالإضافة إلى إن التمثل كان يشكل الدعامة الرئيسية في نقل تلك الرؤية والتعبير عنها من خلال أداء الشخصية ومدى انسجامها مع الإطارين التشكيلي والصوتي الحي الذي اشرف عليهما المخرج بكيفية واعية ومدركة تتماشى مع هموم النص وتجلياته المتعددة. وقبل الحديث عن الممثلين وبراعتهم الاقتدارية، لا بد لنا نذكر الإطار التشكيلي لمصمم الديكور"سهيل نجم" الذي اعتمد في مفرداته على الأسلوب التلخيصي الذي يشي بالمكان ويرمز لمضمونه دون اللجوء إلى التفاصيل الواقعية. نسابا
التمثيل
لقد اعتمد هذا العرض بشكل خاص، سواء على صعيد النص أو الإخراج على الممثل وإمكانية لعبه في ذلك المكان السحري الذي يدعى خشبة المسرح. فقد كانت الممثلة " شذى سالم" الرائعة بجمالها وعمق دواخلها وكبرياء أنوثتها، تعيش بين حبها لذاكرة زوجها وعودته غير المتوقعة المليئة بالمتغيرات .. بحيث كانت جريئة في تعاملها مع التفاصيل وبارعة في تعبيرها عن الحزن الذي يمكن أن يسكن أمراه مهجورة، ورشيقة في حركتها وكأنها حمامة ترقص من الألم ومن شدة الذبح. لقد كانت ترقص معبرة عن انفعالاتها المتباينة، تسكب خلجاتها في قسمات وجهها وتعكسها في نبرات صوتها المنشد، بينما راح جسدها يتلوى وينتفض معبرا عن حرقة الألم وضياع العمر في الانتظار.
وكان في مقابل شذى سالم، جواد الشكرجي، ذلك الممثل المسكون بالاحتراف والحزن والتعقل. فقد كان وهو يؤدي دور الأسير الخاسر حتى بيته ودفئ زوجته عال في أحاسيسه، مختلف ومتنوع في انفعالاته، كان يتجول في الشخصية من حالة الرغبة والعطش، إلى الغرور، إلى الإصرار ثم الانكسار والحساسية والجنون والهلوسة بتلقائية غير معهودة. كان صوته المتكسر مرة والمتواصل ثانية وثالثة باكيا حزينا ينشد عزائيته بنوع من النشوة التائه، بحيث لا يمكننا أن ننسى صرخته العالية وهو ينشد: ( يا حصار انك تجعل من كل أطفالنا أنبياء لأنهم كفروا بملذات الحياة قبل أن يعرفوها، طفل زاهد عن مباهج الدنيا؟ كيف يكون الكفر إذاً .. وكيف يصنع الأنبياء؟).
لقد كان جواد الشكرجي مؤثرا ومتأثرا في ذات الوقت، الوجع الداخلي بادٍ عليه، مرسوم على هيئته، على محياه، يتلون شكله وفقا للحالة والموقف، مثلما لو كان لوحة تملئه فرشاة رسام بالألوان. في حين إن رائد محسن، الذي مثل دورين في آن واحد( الأستاذ يوسف وحارس المدرسة)، كان بارعا وذكيا في انتقاله من شخصية لأخرى، كان يشبه الشخصية ولا يشبه الشخصيتين اللتين يفترض أن تكونا في العرض متشابهتين بشكل قصدي، انه يتشابه في شخصيته في الشكل، ولكنه يختلف في الأداء والتعبير والطبقة. ولقد كان يجمع أداءه بين المسكنة والصرامة؛ بين الأيمان والإلحاد؛ بين الشك واليقين. إن فلاح ابراهيم، على الرغم من صغر دوره، كان حضوره خاصا، لا سيما انه قد حلق رأسه وأعد نفسه إعدادا جيدا لحضوره السريع والمؤثر، إيماننا منه بمقولة المعلم الأول لفن التمثيل ستانسلافسكي: ( ليس هنالك دور صغير ودور كبير، وإنما هنالك ممثل كبير وممثل صغير)
د.محمد سيف
مسرحي عراقي مقيم بباريس







0 التعليقات:
إرسال تعليق