المسرح التفاعلي في العراق/يوسف هاشم
مدونة مجلة الفنون المسرحية
أن الرفض الصريح لتيارات واتجاهات المسرح المعاصر للمسرح التقليدي بدت واضحة، عن طريق إنتاج إشكال مسرحية مبتكرة كثيرة جدا، وان معظم تلك التيارات المسرحية أحدثت تغييراً في المسرح المعاصر على مستويات النص والتمثيل والإخراج والعناصر التقنية وطرق التلقي وان هذه الإضافات وفرت لنفسها قاعدة للانطلاق منها نحو التطور والإبداع، وهو مادفع الكثير من المخرجين، والمنظرين، للمسرح بأن يقدموا على الدوام الإضافة والاكتشاف من ميادين وعلوم أخرى حتى بات المسرح المعاصر اليوم يقلب المعادلة حينما استثمر إدخال التقنيات الحديثة ضمن اشتغالاته الحداثوية على العرض المسرحي بل انه حول العرض إلى منظار سيميائي في بناء الصورة وهشم الكثير مما جاء به المسرح التقليدي أمعانا في التجريب والتجديد وخلق مديات إبداعية واسعة.
كما وتجدر الاشارة إلى إن حركة الابداع في المسرح لم تتوقف عند تيار او اتجاه مسرحي او عند مخرج او منظر محدد بل لازال الكثير امام المعنيين الذين يعشقون خوض غمار الابتكار والاضافة ليكتشفوا أشكالا وأنواع اخرى من صيغ الابداع ، فقد برزت الكثير من الفرق والمعامل والورش المسرحية ، كما وبرزت الكثير من الاسماء المهمة التي لازالت تعمل في مجال المسرح وتقدم الإضافات والابتكار والتي شكلت بمجملها ارثنا المسرحي المعاصر ، وأشرت بوضوح تطور الحراك المسرحي أليوم ، ومن ضمن مابرز حديثا من تلك الاتجاهات والحركات المسرحية (مسرح الواقعة happening) او،(مسرح الخبز والدمىbread and huppet ) (مسرح مقهى لا ماما التجريبي la-mama) ، الذي اسسه كل من (فريد ستيورات وأخته آلن ) وذلك عام 1961م في نيويورك ، و(المسرح الاسود) او (مسرح المضطهدين) او(مسرح الشمس) او(التحفيزيagit-prop ) او(المسرح التفاعلي).
كما وان الحقول المعرفية الاخرى؛ وليس ببعيد عن المسرح واخص منها (التعليم) سارت في ذات السياق واستثمرت كل انواع العلوم والفنون المجاوره في سبيل تطوير مدياتها الفنية والابداعية من اجل ايجاد افضل النتائج ، وقد جاء (المسرح التفاعلي) او ما يطلق عليه ( المسرح التحفيزي) كواحد من تلك الاضافات والابتكارات التي تطور التعليم عن طريق استثمال هذا النوع من المسرح والذي سبقة في هذه المهمة كثير من الصيغ والاتجاهات المسرحية (كالمسرح التعليمي لبرخت او الوثائقي لبيسكاتور اومسرح المضطهدين اوجستي بوال الخ) اما في ما يخص المسرح التفاعلي والذي يشترك مع باقي تلك الأنواع والاشكال المسرحية الاخرى في مهمتة التعليمية والتثقيفية الا انه له خصوصية ميزته وهي استثمار العرض المسرحي في ايصال الافكار بطريقة الاتشبه ايصال الافكار عن طريق المسرح التقليدي او سواه من انواع المسرح الاخرى ، اي مسرح تحفيزيا تفاعليا بين الجمهور والممثلين المعلمين، وللخوض في هذا المضمار المعرفي لابد لنا تسليط الضوء عن ماهية هذا النوع من المسرح.
ان (المسرح التفاعلي) من الناحية المسرحية وليد صِيغ مسرحية سبقته مثل المسرح السياسي والمسرح الشعبي والمسرح الوثائقي ومسرح الشارع والمسارح الأخرى كما تقدم ذكره ، وكلها صيغ مسرحية ظهرت في بدايات القرن الماضي نتيجة لظروف قاهرة ومتقلبة مرت بها اوربا ، وأثرت على طبيعة الانسان وطريقة تفكيره، وتطورت مع كتاب ومخرجين ومنظرين . ويمكن لنا ان نضع بعض من التعريفات الخاصة بهذا النوع المسرحي ، حيث ترى(ماري الياس) “المسرح التفاعلي (وسُمِّيَ المسرحَ التحفيزيَّ أيضاً) هو مسرحٌ ملتزم داخلَ المجتمع، ظهرت هذه الصيغة المسرحية وتطورت نتيجة عواملَ عِدَّة.وتقوم هذه الصيغة المسرحية على اساسين هما ،اختلاف هذا المسرح عن المسرح التقليدي من حيث – توجهه فهو مسرح موجه في الأساس (سياسياً أو اجتماعياً ، واقتصاديا) والاساس الثاني فمن حيث علاقته بالجمهور، فهو يتعامل مع المتفرج بطريقة مختلفة عندما يُحَدِّدُ سلفاً نوعية هذا المتفرج، ويتوجه إليه مباشرة مدركاً ما يريده من. لهذا فإن علاقته بالمؤسسة والمكان وكل مكونات العرض المسرحي تختلف جذرياً عن المسرح التقليدي، كما وإنه مسرح يعتمد على مبدأ الارتجال واللعب، ويحاول أن يحافظ على مبدأ المتعة (أي متعة المتلقي) ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع متلقيه حول موضوع محدد. وارتبط أكثر بأكثر بالتوجه إلى المتلقي الفرد وصولاً إلى فرديته (ضمن الجماعة بالتأكيد). وهو يُسْتَخْدَمُ في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية والسياسية في المدارس والإصلاحيات وغيرها. “( ) وهو بذلك يخرج عن سياقات المسرح التقليدي المتعارف. كما تشير الى أهم ألاسس لهذا النوع من المسرح هي الرغبة بالخروج عن القالب التقليدي وعلى مستويات عدة.
1. (المكان: فهذا المسرح لا يُقدَّم في صالات المسرح التقليدية, بل يمكن ان يقدم في المدارس والصالات الخاصة ودور المسنين والإصلاحيات الخ.
2. .الجمهور: يَكْسِرُ العلاقة المتفق عليها والتي تفصل بين الممثل والمتفرج وبين الخشبة والصالة وبين المرسل والمتلقي. بحيث يبدو أنَّ على المتفرج أن يتورط في اللعبة المسرحية في كل مراحلها وأن يناقش ما يراه.
3. النص : لاوجود أصلاً للنص التقليدي والموضوعات التي تُقَدَّمُ ترتبطُ أساساً بالأمور الحيوية التي يعيشها المتلقي.).( )
اما الدكتورة( لينا التل) فتشير الا ان ( للمسرح التفاعلي ) مجموعة من الاشتراطات التي تميزه والتي اختزلتها بمايلي :
1. الممثل المعلم ، حيث تشترط ان يكون المعلم بمثابة معلم والمتلقي هو الجمهور الذي يحضر العرض والذي يدخل في نقاشات مباشرة مع الممثلين والميسر.
2. شخصية (الميسر) وهي بطبيعتها تختلف كثيرا عن شخصية الراوي التي يعتمدها برخت وغيره في عروضهم المسرحية لوجود جملة من الخصائص منها تعرضه بشكل مباشر الى اسئلة الجمهور وعليه التفاعل عن طريق المناقشة مابينه وبين الجمهور او يحيل الاسئلة التي يطرحها الجمهور الى الممثلين مباشرتا للاجابة عنها، كما يتحكم بتوقيف واستمرار العرض المسرحي أذا دعت الحاجة.
3. التاليف الجماعي مع وجود (الدراماتورج)، ففي الغالب ليس هناك نصا مكتوبا فغالب المسرحيات التفاعلية الموجهه الى فئة معينه تنتج عن طريق التاليف الجماعي واستنباط افكار المسرحياة من المشاكل العامة للمجتمع.
4. اعتماد مبداء الارتجال في الاداء .
5. عدم الاقتصار على دور واحد للممثل الذي يمكن ان يؤدي مجموعة ادوار .
6. أشتراط وجود (الافريز) أي الانجماد ، وهي عملية توقيف مجريات العرض عن طريق الميسر بأخذ وضع (الصورة المسرحية الثابته) ، لشرح وتبيان الحالة وفتح باب النقاش حولها بين الجمهور والميسر او مع الممثلين والجمهورمباشرة وهذا (الفريزـ الانجماد) يكون بالنتيجة (صورة ثابته ) وياتي من ايعاز عن طريق الميسر.
7. استخدام الاكسسوارات وعدم الركون الى الديكورات الضخمة .
8. اعتمار الإضاءة الطبيعية ، ولأضير من استخدام الإضاءة المتطورة. ( ) .
اسس هذا النوع من المسرح ( بريطانيا ) مهد ولادة هذا النوع المسرحي ، وانتقل الى العالم اجمع وقدو جدت الامم المتحدة به نوع من انواع التواصل الفاعلة للوصول الى فئات اجتماعية مستهدفة بطريقة غير مباشرة للوقوف على مشاكلهم ومعالجاتها وكذلك العالم العربي تبنى هذا النوع من المسرح واستثمره في نشاطاته الانسانية والتعليمية وقد جرى تفعيل هذا المسرح في سوريا والأردن وبعض من المظاهر البسيطة في بعض من دول الخليج العربي واخيرا دخل العراق عن طريق الدورة المشتركة التي إقامتها ( وزارة الشباب والرياضة العراقية ) بالشراكة مع ” صندوق الامم المتحدة للسكان في العراق UNFPA ” بالتعاون مع مؤسسة الحسين للفنون الادائية والتي تشرف عليها (الدكتورة لينا التل) التي تلقت تدريباتها وفريقها في بريطانيا والتي تقدم عروضا مسرحية تفاعلية وتدريبات متقدمة لاعداد مدربين في داخل مملكة الاردن وخارج المملكة. وبدعم وتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان ضمن برنامج التعاون بين الصندوق والاردن المتمثلة ب ” المركز الوطني للثقافة والفنون / مؤسسة الملك الحسين ، مركز الفنون الادائية للتنمية” ، وقد تدرب المتدربين بواقع (40 ) ساعة تدريبة على تقنيات المسرح التفاعلي ومن ثم اقيمت دورة تدريبة اخرى في اقليم كردستان في محافظة دهوك من قبل مركز الفنون الادائية ، ومن الجدير بالذكر ان هذا التدريب معتمد من قبل المعهد الدولي للمسرح (ITI) اليونسكو. وقد اوفد العراق (25) شاب ومن ضمنهم مختصين في مجال العمل المسرحي ، وقد ختمت هذه الدورات بتقديم عروض مسرحية تفاعلية اخرجها ومثلها المتدربون واقيمت احتفالية كبيرة حضرها مجمعة من ناشطين المسرح والمجتمع المدني والجمهور الاردني .وقد استمرهذا النشاط في داخل العراق من قبل بعض المتدربين الذين اشرفو على انتاج عروض مسرحية تفاعلية لكن بشكل خجول كون التجربة جديدة وبحاجة الى حماسة كبيرة للمشتغلين اضافة الى الدعم المادي والمعنوي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق