مسرحية "هو الذي رأى" لفرقة "زقاق": مع جلجامش على دروب الموت
مدونة مجلة الفنون المسرحية
تقدّم فرقة "زقاق" في مسرح مونو، بين 5 كانون الثاني المقبل و8 منه، عرضاً مسرحياً جديداً عن الموت وتصوّره في وسائل الإعلام عنوانه "هو الذي رأى"، ويتقدمه عرضٌ آخر قصير عنوانه "الموت يأتي من العيون".
عامٌ كامل مضى كانت فرقة "زقاق" خلاله منكبّة على البحث في موضوع الموت والخلود، من ملحمة جلجامش التي يحاول فيها البطل الوصول إلى نبتةٍ تمنحه الخلود، إلى أعمال أنطونين آرتو وهوارد باركر ومحمود درويش ومارغريت دوراس وكريستا وولف وفراس السوّاح... كي يصبح "هو الذي رأى" بحثاً مسرحياً عن الموت وأشكال السعي إلى الخلود في المجتمعات المعاصرة، حيث أصبح الموت الجماعي أداة ضغطٍ في وسائل الإعلام بين الفِرَق المتقاتلة، وصار الموت "العادي" بسيطاً، وبالتالي ولدت "الحاجة" إلى موتٍ بطولي وملحمي!
هذا العمل هو من تصوّر فرقة "زقاق" التي حازت جائزة آنا لند للحوار الأورومتوسطي، وقد عُرض في مهرجان لندن للمسرح العالمي، كما سيعرض في مهرجان كيرالا العالمي للمسرح في الهند منتصف كانون الثاني 2015، وهو بدعمٍ من الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق".
يمكن القول بكل ثقة إنّ هذا العمل هو نتيجة تعاونٍ بين مجموعة مميّزة من الفنانين. فالإخراج تعاون فيه عمر أبي عازار ومايا زبيب، وهو من تمثيل لميا أبي عازار وهاشم عدنان وكريستيل خضر وجنيد سري الدين ومايا زبيب الذين شاركوا بدورهم في الإعداد، بالإضافة إلى ناتالي حرب التي كان لها أيضاً مهمة تصميم السينوغرافيا.
أمّا بالنسبة الى العرض الذي يسبق "هو الذي رأى"، فقد قدّم للمرّة الأولى في مانهايم في ألمانيا، في أيلول 2014، بتكليف وإنتاج مهرجان شويندلفراي المسرحي، وهو أيضاً من إخراج عمر أبي عازار ومايا زبيب، ومن تمثيل مايا زبيب وكريستيل خضر. هذا العرض الذي تقتصر مدّته على 20 دقيقة يمكن اعتباره أحد نتائج ما توصّل إليه بحث "زقاق" عن الموت والخلود.
لماذا هذا البحث المكثّف عن الموت فيما هو يحاصرنا من كل جانب؟ لأن مسألة الموت في البحث مرتبطة بالخلود، تقول فرقة "زقاق"، وبالتالي بالحاجة إلى الحياة بعد الموت، أو الحياة رغم الموت. "كمسرحيين نستشعر الموت كأحد الموضوعات السائدة في عملنا، وذلك لأنه يتيح لنا أن نعكس ونشكّك، وبالتالي نسائل، هذا العالم الذي نعيش فيه".
وتشرح "زقاق" أنّ صور الموت في كل مكان، على الطرق وعلى الشاشات. الموت يقف على عتبات أفكارنا، نراه ونسمعه على التلفزيون، على الكومبيوتر، على الهواتف... كيفما أدرنا رؤوسنا نرى رؤوساً مقطوعة، وكيفما تحرّك جسدنا نرى أشلاء أجساد. صورة الجسد باتت اليوم تعني "قطع الرأس والشهادة والوحشية والإهانة والإذلال والذبح والاستبداد والغطرسة". هذه اللحظة السياسية القائمة اليوم هي التي دفعت فرقة "زقاق" إلى أن تسأل عن "قيمتنا في الحياة" وعن "الأشكال الجديدة للنضال ضد ثقافة الموت التي تجتاحنا. اليوم يحدّد صانعو السياسات القيم التي تحكم أجسادنا من خلال الحروب ومن خلال عدم اكتراثهم للأوبئة، ونشرات الأخبار تنشر يومياً مشاهد قطع الرؤوس وعمليات ذبح الناس، وأفلام هوليوود تعوّد أعيننا على مشاهد "زومبي" تقتل وتبيد الأحياء بشكلٍ جماعي وممنهج... أمام كل هذا الواقع كان لا بدّ من وقفةٍ تعيد طرح الكثير من الأسئلة". مع العرض المسرحي "الموت يأتي من العيون" نواجه اللامبالاة التي تكتنف تمثيل الموت، ومع "هو الذي رأى" نتبع جلجامش في رحلة إكتشاف "باطل الأباطيل" بينما نخوض في طقوس الحرب والعنف في بلاد ما بين النهرين.
يوليوس هاشم
النهار
0 التعليقات:
إرسال تعليق