أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 6 مارس 2016

«حلم ليلة صيف» عمل جديد لمحترف عمشيت للمسرح

مجلة الفنون المسرحية

لا يزال محترف عمشيت للمسرح الذي تأسس سنة 1982 يتابع مسيرته من دون كلل أو ملل، فيخرّج الفوج تلو الفوج من الممثلين، بإدارة وإشراف المؤسس د. إيلي لحود. وهذا العام يطلّ الفوج الخامس عشر عبر مسرحية «حلم ليلة صيف» لشكسبير التي قدمت على خشبة مسرح الأباتي عمانوئيل خوري أنطش جبيل، وستعرض في 3 آذار المقبل على مسرح جامعة الروح القدس، وربما في أماكن أخرى، لأن أعمال التخرّج هي ملك المحترف وهي خاصة وغير تجارية والمهم بالنسبة لإدارة المحترف وللممثلين الجدد هي فترة التحضير التي تستغرق وقتاً طويلاً فيها يتعلّمون ويكملون إعدادهم. الممثلون الثمانية الجدد هم: جورج عبّود إيزابيل زغندي لورا عبّود بودي غصن ماري بال زغندي أندرو جبرايل إيلا حصري ريتا عبّود.

لقد وقع الاختيار في محترف عمشيت للمسرح، بالنسبة لتخرّج الفوج الخامس عشر، على مسرحية «حلم ليلة صيف» لوليم شكسبير، التي تميّزت من بين آثاره كلها لما فيها من «الفانتازيا» وروح الدعابة والمرح، والشعر والغرابة ولما تسمح به من تصرّف واقتباس. لم نأخذ المسرحية بمجملها، بل انتقينا منها بعض الملامح والثغرات الملائمة لممثلينا وممثلاتنا، والتي وجدنا فيها حافزاً للممثل تجريبياً ممتعاً، أو ذريعة لإظهار براعته ومقدرته وفنه، تيمناً بما اكتسبه في المحترف من معارف وخبرات.

«حلم ليلة صيف» مسرحية غريبة، طريفة، غير مألوفة. هي حلم الممثل، وحقل لاختبار قدراته. وهي الامتحان له حين يقرر أن يضع القناع أو أن ينزعه عن وجهه. وحين يرغب في التنقل من مكان إلى آخر ومن موقف إلى موقف، ومن دور إلى دور. كأنه بهلوان سيرك، يتأقلم مع المراحل ومع المخاطر، ويدجّن المصاعب، ويسترسل في اللحاق بالمخيلة. قناعاتنا... أن تكون «حلم ليلة صيف» هي حلم الممثل، أقصى أمنيته، وأحلى ما يرغبه ويتوخاه، وإن لم يجاهر أو يصرّح به. فالجانب الكبير في المسرح هو بصري، يصلنا، يعلّمنا، نقتدي به... من دون أن نحتاج إلى كلام، فالملعب، كل الملعب للممثل، ونزواته، وألاعيبه، ومراميه، الحرية مطلقة، من دون قيود، لكنها من دون عكازات، أو إكسسوارات.

المخيلة هي الملكة، هي سيدة الموقف، وعلينا أن نطيعها، أن نخدمها، ونلبي لها رغباتها وعلى الجسد أن يكون مطواعاً، حساساً، تعبيرياً بامتياز، وعلى الصوت أن يملأ الفضاء بالمعلوم والمقصود والمتخيّل الغائب أو أن يوفّر المناخ.

فعلى خشبة المسرح نملي كل ليلة «نشرة الطقس» على النظارة، وإن في عز الصيف.

عدنا إلى شكسبير أب المسرح، لكننا على تواصل كبير وآني، مع مجتمعنا الحالي، ومع إنسان اليوم. فالممثل الذي أمامكم، هو الراهن، هو الهنيهة، هو استمرارية التراث والتاريخ وهو وجدان مجتمعه النابض والحي والذي لا يموت ولا يضمحلّ، طالما هناك أجيال متدفقة، وأفواج في محترفنا، تنقل المشعل من يد إلى يد، وتحافظ على أمانة الصدق الغالية، وعلى قدسية الفن المسرحي الخالد والعريق، وعلى هيبة الخشبة ووقارها واحترام الجمهور والناس.

«حلم ليلة في منتصف الصيف»

ليلة منتصف الصيف تقع في الرابع والعشرين من حزيران (يوم ذكرى القديس يوحنا المعمدان) هل مثّلت المسرحية في تلك الليلة؟ أو أنها تتصل بعبادات قديمة وعقائد لصقت منذ القدم بهذا التاريخ. تنتمي المسرحية إلى المسرحيات المقنّعة (دخل هذا النوع إنكلترا أوائل القرن السادس عشر وأولع به النبلاء ورجالات البلاط) وتظهر لنا ميل وذوق شكسبير للماورائي ولما فوق الطبيعي. في المسرحية بهاء وجمال وشعر وقوة خيال وابتكار يختلط فيها الواقع بـ»الفانتاستيك». أغلب أحداث المسرحية تجري في الهواء الطلق، وفي غابة قريبة من مدينة أثينا.

هي قطعة من الخيال الخالص وشخصياتها تعمل تحت تأثير السحر والخيال، يتحدثون عن رؤى، ولا يسيطرون على آرائهم في كامل عقلهم، فهم أقرب إلى المهرّجين ويمثلون شخصيات ممكن أن تكون حية ونجد لها مثيلاً في الأوساط الاجتماعية.

ترفض «هرميا» التي تحب «ليساندر» أن تتزوج الرجل المقدّم لها من قبل أبيها «ايغوس» وهو «ديمتريوس» الذي تحبّه «هيلينا». وبحسب القانون والشريعة اللاتينيين سيحكم بالموت على «هرميا» في مهلة أربعة أيام، إن لم تطع وتستجيب لإرادة أبيها.

تحتمي «هرميا» مع «ليساندر» في غابة، ثم يتبعها «ديمتريوس» و»هيلينا» التي أخلصت لها وأودعتها سرها.

خلال الليل، أوبيرون ملك الجن وزوجته «تيتانيا» يتشاجران. «أوبيرون» بالاتفاق مع العفريت «بك»، يقطر في أذن «تيتانيا»، وهي نائمة رحيق زهرة يجعلها تشتهي أول مخلوق حي تلقاه حين تستيقظ.

وحتى يصالح «ديمتريوس» مع «هيلينا» يأمر بك باستعمال نفس الرحيق أو الخلطة السحرية مع «ديمتريوس».

يخطئ «بك» ويغلط فيسحر ويفتن «ليساندر» الذي يحاول بدوره إغراء «هيلينا» وحين يرى «أوبيرون» خطأ شريكه المتواطئ معه يلجأ إلى استعمال علاج مع «ديمتريوس» فيحصل تشويش وبلبلة وشيء من التعقيد.

بعد ذلك، وحين تستيقظ «تيتانيا» تجد حماراً (كناية عن حرفيّ أتيني مقنّع) فتغرم به.

وهكذا تتوالى التعقيدات فعلى «أوبيرون» أن يحرر «تيتانيا» وعلى «بك» بناء لأوامر ملك الجان أن يضع على الطريق الصحيح عواطف شباب آخرين مستعيناً بالعشبة أو بالخلطة السحرية...

مسرحية «حلم ليلة صيف» لشكسبير ليست غريبة كخيار بالنسبة لمحترف عمشيت المسرحي. فهو يختار دائماً نصوصاً أكيدة لكتاب عالميين مشهود لهم. وأحياناً يقتبس ويضع نصوصاً جديدة، ويختبر نصوصاً لكتّاب جدد...

مونتاج

وقد خضعت المسرحية التي تستغرق أكثر من ساعتين لعملية مونتاج قلّص زمنها وهو يهدف أي (المونتاج هذا) إلى دفع الممثل إلى استثمار معلوماته في مجال المسرح وتقنيات اللعب والتمثيل، بحيث يختبر قدراته، ومواهبه، وما حصّله من علم ومعرفة، وما اكتسبه من مهارات. والمسرحية هذه المليئة بـ»الفانتازيا» والتي تميّزت عند شكسبير، تسمح للممثل بأن يستعمل مخيلته، ومشاعره، وجسده، وصوته، وأن ينوّع، وأن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ومن طريقة لعب إلى أخرى، بكل حرية. فهي الواقع إلى اللاواقع، والميتولوجيا إلى المعتقد الخرافي، والحلم إلى عالم الشعوذة والسحر، وتضم شخصيات تاريخية، وتراثية، والشياطين، والجن، وأصحاب المهن، وشظف العيش في الواقع، والغابة والبلاط، والأزمنة، وتناوب الليل والنهار، والنوم واليقظة.

حاول الممثلون المتخرّجون الثمانية والذين يشكّلون الفوج الخامس عشر من المحترف، أن يعكسوا كل هذه الأجواء من دون ديكورات عملاقة، وملابس مزركشة وفضفاضة، وإكسسوارات لمّاعة مغرية، وإضاءة ملونة، ومؤثرات خارجية طاغية. لا شيء سوى الممثل، سيد الموقف، والساحة، وبطل الهنيهة. الممثل العاري الذي يستعمل جسده، وصوته، ومخيلته، ومشاعره، يشغف كلي وفرح، وبلذة اللعب، والعطاء، ممسكاً بالإيقاع، مسيطراً على الزمن. وقد حاولنا أن نفصل ما بين مراحل المسرحية أو نربط بعضها ببعض باستعمالنا مقتطفات موسيقية كلاسيكية لكبار الموسيقيين من بريطانيين وفرنسيين وألمان. وعكسنا الغابة وما تحويه من مخلوقات عن طريق بعض المؤثرات الصوتية والأصوات الملتقطة.

لقد وضع المحترف نصب عينيه منهجية العمل على الممثل كجسد «كاميرا» يسجل، ويتلاعب بالصورة، ويجيد «المونتاج»، وعملية الدمج، والحذف، والتركيب. فهو الذي باستطاعته القبض على كل أشياء الفضاء الحاضن أو المتاخم، والسيطرة على أدوات الجسد، وعلى انفعالاته ومشاعره وما يمكن أن تمليه عليه المخيلة أو يوحي به الفكر أو يجول في خاطره. وقد تم في هذه المسرحية استعمال القناع لأن المسرحية هي مقنعة وهذا النوع من المسرحيات راج في بداية القرن السادس عشر، وعشقه النبلاء وأهل البلاط، في إنكلترا. والمسرحية التي تجري معظم أحداثها في غابة مليئة بـ»الفانتازيا» وبـ»الفانتاستيك» وفيها الجنّ (ملك وملكة) والعفاريت، والخلطة السرية المأخوذة من رحيق بعض الأنواع من الأزهار، وهي مليئة بالمواقف المفاجئة، واللاواقعية، والماورائية، التي عشقها شكسبير لما تحويه من ابتكار، وخلق، وطرافة، وخيال. وتسمح بحرية مطلقة للممثلين في أدائهم، وتحثّهم على الولوج في عوالم جديدة وغير مألوفة، وتسهّل لهم الانخراط فيها، ناهيك عن قوة الفعل فيها والحركة، وأهمية الإيقاع وتنوعاته، وتبدّل المواقف، وعدم معرفة كيفية نهاية الأمور سلفاً.

لقد تلقّن الممثلون في هذا العمل الروح الجماعية، وسرعة الخاطر والمبادرة، والانسجام الحركي، والتناغم الصوتي، وتركيب الشخصية والسهر على التنويع في خط عملها، واختبار المواقف المتنوعة، والمبتذلة، وخلق شيء من لا شيء، وتأمين الحضور والمكان للغائب أكان شخصاً أم فكرة أم شيئاً أم شبحاً أم جسماً مجرداً أو مختلقاً...

وقد ساهم الجميع في تكوين جو احتفالي ليس بالمأساتي ولا بالملهاتي، فيه الكثير من الغرابة، والطرافة، وغير الشائع أو المألوف، ضمن أجواء من صنع الممثل، فصلت ما بينها مقاطع موسيقية منتقاة من موسيقيين عالميين وبعض المؤثرات الصوتي التي توحي بالغابة كمكان حقيقي أو مفترض نتلقاه بالحواس أو بالخيال.

لقد جاء هذا العمل ليثبت مرة بعد ويؤكد خط الاعداد في المحترف الذي يعتمد التعبير، والجسد الحركي، قبل الكلمة، ويعتبر أن اللجوء إلى الكلام في المسرح هو موقف ضعيف حين نعلن عجزنا عن التعبير بالوسائل الأخرى. والكلام لا يختصر أو يلغي التعبير، بل يختصر الزمن الذي هو ضروري للفعل المسرحي، حيث لا فعل أو تعبير مسرحي من دون زمن ما. من هنا فهو يختلف عن اللوحة المعلقة على الجدار/ أو الكلمة المطمورة في المعجم أو القاموس، أو المنحوتة الصامدة في الحديقة العامة أو الشارع، أو النصب التذكاري الذي لا نحتمله، فنضيف إليه كلاماً وعبارات، كأنه بما يعبّر عنه، أو يدلّ إليه، غير مكتمل وغير مفهوم.

--------------------------
المصدر : جريدة المستقبل 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption