اختلاف المنظومات الدلالية للاقتباس اشتغال بمعنى التحول الثقافي العربي / الدكتور عبد الرحمن بن زيدان
مجلة الفنون المسرحية
المسرح العربي من الاقتباس إلى تجاوز الاقتباس
نقدم حول الاقتباس/ الإعداد مجموعة من الأسئلة التي تدخل بشكل مباشر، أوغير مباشر في تحديد إشكالية وجود هذا الاقتباس في علاقته بمردوديته الرمزية،وانعكاساته على فعل الكتابة المسرحية العربية، وهي أسئلة حتى وإن ظلت الإجابة عنها مؤجلة لمقتضيات السياق الذي يفرض انتقاء بعضها وترك بعضها الآخر، فإن استمرارها الظاهر والخفي في خطاب النقد المسرحي العربي يبقى لافتا لأسئلة أخرى مضمرة تريد أن تعلن عن وجودها حتى تحتل مكانتها في إشكالية فنية إبداعية لا تعرف حسما نهائيا للعديد من القضايا المؤجلة حول الاقتباس/ الإعداد، ومصطلحات ومفاهيم أخرى تدخل تحت مظلة إشكالية الاقتباس/الإعداد.
من بين هذه الأسئلة:
– هل هذا الاقتباس / الإعداد يقدم في بعض أوجهه، أو في كل جوانبه ظاهرة نقدية مسرحية حقيقية تستحق هذه المقاربة النقدية، وتستحق الاهتمام، وتتطلب التتبع الدقيق لمجال اشتغاله، وتأثيره في الحركة المسرحية العربية؟
– هل ـ فعلا ـ أن تاريخ الاقتباس/ الإعداد لا يقدم حقيقة، وواقع التأليف المسرحي في الوطن العربي كإبداع، وإنما يقدمه كتكرار لتجارب سابقة فقدت جوهرها معه؟
– وهل يساعد وجود فعاليته، وشكل اشتغاله على تمكين التحليل النقدي من بلوغ غاياته لمعرفة ماضي المسرحي العربي وحاضره من خلال النصوص المقتبسة، أو معرفة ما يمسّ الممارسة الكتابية من تغيرّ؟
– هل أذهب هذا الاقتباس/ الإعداد سمات نصوص سابقة، وبدأ يؤسس سمات أخرى تجاري الزمن الحاضر، وإكراهاته، وصدامه الجديد مع العولمة، ومع كل من يريد أن يذهب بالهويات الصغيرة؟
– وهل ستساعد المقاربة النقدية للزمن المسرحي على فهم وتبيّن مفعول هذا الاقتباس/الإعداد في فعل الكتابة ضمن الثوابت التي تعطي الحياة لمضامينه وهو يشكل عالم الكتابة المسرحية في الوطن العربي.
أكيد أن المسرح العربي بهذه الأسئلة ـ أو بتعبير أكثر تدقيقا نقول المسرح في الوطن العربي ـ ظل ـ من بداياته المفترضة مع مارون النقاش إلى الآن ـ محكوما بثوابت لا يمكن تناسيها، ولا ينبغي غض الطرف عنها، أو التقليل من قيمتها التاريخية، أو التخفيف من أهميتها الفنية، أو إغفال دورها في التفاعل الثقافي بين المسرحيين العرب، والغرب في كل تجلياته، وتمظهراته، الثقافية، والفكرية والفنية، ذلك أن أزمنة هذا المسرح في كل تحولاته، تبقى أزمنة محكومةبهذه الثوابت بآعتبارها وسائط تحكمت في إنتاجية هذا المسرح، ورسّخت بعض تقاليده، فأعطته الدلالات التي كان يبحث عنها ـ بالاقتباس/الإعداد ـ وهو ـ في الحقيقة ـ كان يبحث عن التقنيات التي يريد بها الحفر في التراث، والتدقيق في معرفة تراث الغرب، وتسخير مرجعيات هذا الغرب في كل العمليات المسرحية وما كان ينتظرمنها أن تقدم له من معارف يراد بها الزيادة في حياة هذا المسرح، وتسريع وتيرة و إيقاع حركيته، وإضاءة طريق التجريب المسرحي كي يرسخ الأسس التي تطور وجود هذا الاقتباس كمصاحب للإبداع، أو فاعل فيه، أو مؤثر على توجهاته حين يضع لمسيره الأرضية المعرفية الواضحة التي تضمن له سلامة البناء، وسلامة التدرج المرن من معرفة إلى معرفة، ومن تجريب مسرحي إلى الإبداع الهادئ الذي يسير نحو أفق الاختلاف بعيدا عن البقاء في الزمن الثقافي المغلق الذي لا يساعد لا على التجدد، ولا يعين لا على التحرر من انغلاقية التصورات التي ترى المسرح ضوابط صارمة لا تتزحزح عن مكانها، فتسعى بانغلاقيتها التقليل من أهمية مدّ قنوات الحوار مع الذات ومع الآخر بالفن المسرحي، المتطلع إلى توكيد خصوصيات الهوية بالحوار الثقافي المسكون بالسؤال النقدي الذي يخفف من هيمنة الأسئلة والخلفيات الجاهزة بإيديولوجية مسكوكة بأهدافها المسدودة.
بتاريخ الاقتباس/ الإعداد يمكن أن نقرأ حياة هذا المسرح العربي ـ من بداياته إلى الآن ـ قراءة تتحكم فيها عملية تفكيك بعض الثوابت التي تحكمت في تعامل المسرحيين العرب مع نوعية الاختيارات التي فرضتها الظرفية الحياتية، والثقافية، والاجتماعية، التي ترسّخت فعاليتها بأشكال متباينة بين كل من اشتغل بالمسرح، واشتغل على فعل تأسيس هذا المسرح، وتفرغ لفعل إعادة النظر في هذه الثوابت لتوليد منظومات دلالية أصيلة، ومعاصرة، وحداثية تعطي للمسرح العربي شكل وجوده المختلف في الوحدة بما يريد له هؤلاء المسرحيون أن يكون، وأن يتحقّق، وأن يستمر، وأن يتغير، دلالة، وصورة، وممارسة، وتواصلا مع العالم.
يمكن تسمية هذه الثوابت في الاقتباس/ الإعداد بالعمليات المحكومة بوسائط التعامل مع المرجعيات المسرحية النصية التي كان بها المسرحيون العرب يُفعّلون إنتاج مسرحهم اعتمادا على المرجعية التراثية، ثم على المرجعية الغربية ذات السبق الإبداعي في الكتابة المسرحية داخل مدارس أدبية، وهم أثناء تفعيل مستويات فهمهم لفهم هذه المرجعيات، وأثناء فتح مجالات هذه المرجعيات على ما تمنحه من إمكانات التواصل، والأخذ، والاستلهام، والاستفادة من مكونات الكتابة النصية المسرحية الغربية شكلا ومضمونا، وحوارا بالمادة المتخيلة التي تبني النص، فإنهم كانوا محكومين بهذه الثوابت التي بدأت بثابت واحد هو الاقتباس بمفهومه العادي، السطحي، بعدها تنوعت مفاهيم هذا الاقتباس، واختلفت مستويات ممارساته في طرق اشتغاله وهو ينقل، أو يعدّل، أو يولد النص المسرحي الآخر في النص المسرحي العربي الممكن إيجاده.
بهذا الاختلاف تداخل مفهوم الاقتباس مع مفاهيم وعمليات أخرى في الكتابة المسرحية العربية، أظهرت إصرار الكتاب، والنقاد، على تسمية هذه المصطلحات بما يناسب التطور الحاصل في ممارستهم المسرحية، فمفهوم الاستنبات، وعملية الترجمة صارا وسيطين يمتلكان القدرة على التفاعل مع نصوص مسرحية أخرى، ومع متون سردية تنتمي إلى سياقات ثقافية أخرى أكسبت المسرحيين العرب معرفة، ودراية بالكتابة، فزادوا تمرسا بالعملية الإعدادية وهم يتعاملون مع معاني مختلفة عن مفهوم الاقتباس السائد، فظهر أن هدف هذا الاختلاف يكمن في شكل اشتغاله، وبرز أكثر في السير بما هو موجود إلى ما ينبغي أن يوجد في التصورات الجديدة، والبنيات الجديدة، والغايات الجديدة من عملية الاستنبات، والترجمة، أي إدخال التصور الجديد في البنية الجديدة للكتابة بعد مغادرة، أو تعديل التصور الذي كان قائما في التصور الخاص للنص القديم زمن النهضة العربية، وهي التفاعلات الموجودة بين ما هو موجود وبين ما سيكون موجودا بعملية التجريب المسرحي بالاستنبات، والترجمة.
أباحت الضرورة التاريخية العربية زمن النهضة، و في زمن الاستعمار المفروض على الوطن العربي كل المحظورات التي كانت تمنع اللجوء إلى الاقتباس، أو الاستنبات بحثا عن موضوع للمسرح، أو بحثا عن شكل لهذا المسرح، أو بحثا عن مفاهيم جديدة لبناء النص المسرحي، وهي إباحة صارت مشروعة فنيا لأنها كانت لا تخلو من رغبة أكيدة في توجيه رواد التأسيس المسرحي نحو ضفاف معرفية أخرى كانوا يجهلون حدودها، وكانوا يرتمون في هذه المغامرة التأسيسية انطلاقا من المرجعية الغربية لترجمتها في نصوص تنقذهم من سلطة غياب المسرح في الثقافة العربية، وغياب الخبرة في الكتابة، وهي عملية شاعت كمقابل، أو كبديل لمفهوم الاقتباس الذي تلونت مفاهيمه بشكل ممارسته، ومستوياته، فوجدنا مفاهيم عديدة منها مفهوم (استيحاء)، ومرة وجدنا مفهوم (استلهام) ومرة (زراعة)، ومرة (استعارة)، ومرة (اقتباسا)، ومرة (توطينا)، ومرة (تبييئا)، أو(ترهينا)، ومرات (مسرحة)، وكلها مصطلحات، ومفاهيم دخلت تحت مظلة الاقتباس/ الإعداد لتعيش بآختلاف مفاهيمها بما تجريه من تجريب كان يقودها نحو العيش بأمان في مفهومها أثناء وضع المسافة بين معنى وجودها ومعنى وجود باقي الممارسات الإعدادية الأخرى، فكانت تسير بدافع الحاجة إلى تغيير مسرح موجود يحقق فرجة مسرحية عربية تمشيا مع المرحلتين التاليتين:
– أن هذا الاقتباس بخطاباته المزروعة في النص(الجديد المُقتبس) كان يسائل الواقع العربي، وينتقده بالموضوع المُستجلب من الآخر، دون التساؤل عن المستويات الجمالية، والمكونات الدرامية التي أنتجت هيأته وبنيته في النص الأصلي، وبكثرة ما خضع هذا الاقتباس في بداياته زمن النهضة العربية إلى المحاكاة، فإنه نص لم يعد منشغلا برؤية أخرى، وواقع آخر سوى التماهي مع بعض ما يقوله ويصوره النص الأصلي، فكان بهذا التماهي مع النموذج المأخوذ غالبا من مسرح القرن السابع عشر، والقرن التاسع عشر يسعى إلى أن يُموقع خطابه في مسرح الحقيقة الاجتماعية العربية المبحوث عنها لحقيقة التأسيس المسرحي العربي.
– أن هذا الاقتباس وهو يتعامل مع الظروف المحيطة به أصبح ظاهرة فنية عربية ذات توجهات معروفة الأهداف، والغايات، لا يحكمها التكرار، والمحاكاة المستنسخة للنص الأصلي باللغة المحلية، بقدر ما يحكمها التجاوز، والإضافة الممكنة للرؤية الكوميدية، أوالمأساوية، أو الملحمية.
بمجرد ما نقوم بإضاءة بعض العتمات التي حصرت معنى تفاعل المسرحيين العرب في النتائج السلبية للاقتباس/ الإعداد، وقزّمت من فعاليته، وقلصت من دوره في تحريك الأسئلة النقدية حول معاني، وهوية المسرح العربي، سنلفي أنفسنا أمام كمّ هائل من الآراء والمواقف الموزعة بين مواقف قابلة وبين آراء رافضة لهذا الاقتباس/الإعداد، وهو ما كان يزيد من حدة النقاش، وكان يؤجج من حرارة الاختلاف، حتى أن القدرة على الغوص في حقيقة الأمور الفنية، والثقافية المصاحبة للاختلاف كانت في بعض الأحيان تفقد القدرة على التمييز بين مستويات اشتغال هذا الاقتباس/ الإعداد أمام تباين الآراء، واختلاف المواقف، وهذا سيرجعنا إلى الحديث عن هذا الرفض مقابل الحديث عن تبني الاقتباس كضرورة حياتية للمسرح الذي يريد أن يعيش حياة أطول بفضل الانفتاح على باقي التجارب المسرحية العالمية.
بين قبول (الإعداد) الاقتباس ورفضه
تعالت العديد من الأصوات، وتكاثرت مواقفها داعية إلى رفض الاقتباس (الإعداد)، والحدّ من انتشاره لأنه ـ في رأيها ـ لا يمثل الوجه الحقيقي للإبداع المسرحيالعربي، ولا يفيد الحركة الثقافية ولا المسرحية في شيئ، لأن ذيوعه بأشكال ملتبسة، وغامضة في التجربة المسرحية العربية لا يسهم في تنشيط الإنتاجية المسرحية بالإبداع، بقدر ما يسهم في تعطيل كل تطلع ثقافي حقيقي نحو بلوغ أفق مسرحي متجدد ومتحول بخطاباته المتحولة.
في تعدد هذه المواقف، وفي تباين منطلقاتها بين رافض للاقتباس / الإعداد، وبين معاد له، وبين قابل لحضوره في الكتابة المسرحية، يحدث اللبس، وتتسع مساحات التناقض في التناقض، ويزيد سوء الفهم الذي لا يمكن معه تبيّن حقيقة ما تحمله (الظاهرة الاقتباسية) المنتشرة في الزمن المسرحي العربي من بداياته إلى الآن، فيسوج الرأي والرأي المعارض لهذه المواقف حتى أن من إشكالات المسرح العربي هي إشكالية ما يثيره فعل الاقتباس (الإعداد) لدى النقاد، ولدى بعض المسرحيين، الذين وضعوه في قفص الاتهام، وبدأت صكوك رفضه تنسج أحكاما مسبقة لا تتحدث عن إيجابياته، وإنما تتحدث عما يتركه ـ في نظرها ـ من لوثات فنية أضعفت، وأبطأت فعل تخطي التقليد الذي هو بهذا الاقتباس/الإعداد جمود فكري بما هو قتل للإبداع.
وحين نُعيد فتح صفحات الاختلاف حول إشكالية الاقتباس/الإعداد، ونقرأ بهدوء وظيفي فعاليات الاقتباس المبدع الذي تسميه بعض الترجمات إعدادا، فإننا نريد تجاوز المواقف السلبية الرافضة له، ونريد السير بطروحاتنا نحو استخلاص الدلالات التاريخية والفكرية الثاوية في رحم العمليات الاقتباسية التي هي وجه من أوجه التفاعل بين المسرحيين العرب ـ من جهة ـ وبين مختلف التجارب المسرحية العالمية ـ من جهة أخرى ـ متجاوزين كل المواقف التي بناها أصحابها على الرفض المطلق للاقتباس قدّموها كالتالي:
– منهم من يقول إن اللجوء إلى الاقتباس، وتكرار إعادة تجارب سابقة يعني بكل المقاييس وجود أزمة في التأليف المسرحي.
– وهناك من يقول إن هذا الاقتباس ليس فعل إبداع بقدر ما هو قتل لهذا الإبداع، مما يترتب عنه ـ بالضرورة ـ السقوط في الخمول الأدبي والجمود الفني.
– وهناك من يقول إن الاقتباس ما هو إلا ( ترقيع للبالي).
– وهناك من يقول إن هذا الاقتباس لا يخدم الفعل المسرحي، والحركة الثقافية، والهوية، والأصالة، بقدر ما يكرّس (نوعا من الغزو الثقافي) الذي يحافظ على التبعية للآخر كنموذج يجب أن يبقى نمطا تحاك على شكله، وبنياته، وخطاباته كل ما ستتم كتابته للمسرح الذي يُطلق عليه (المسرح العربي).
– وهناك من يقول إن من يلجأ إلى الاقتباس إنما يفعل ذلك لملء الفراغ في الحياة المسرحية العربية، وهو بهذا يكشف عن انحسار الكتابة المسرحية وعجزها عن الإبداع.
– وهناك من يقول إن الاقتباس لا يخدم الفعالية المسرحية لكتابة أصالة المسرح العربي، لأنه يوقف تجاوز الغرب، ويشل فعالية تخطيه، ويعطي للتبعية الثقافية مشروعيتها بهذا الاقتباس.
العديد من المسرحيين في الوطن العربي، يقفون مواقف رافضة حتى من الإعداد الذي هو صنو الاقتباس، ومثيله، وصورته، لاسيما بعد أن صار هذا الإعداد ظاهرة كتابية في المسرح العربي يجرب فيها المُعدون ـ بأساليب مختلفة ـ شكل كتابة نصوص مسرحية يريدونها أن تكون مدخلا لصناعة أساسيات العرض المسرحي، والنقد الذي يوجهه هؤلاء إلى عمليات الإعداد تتشابه في خطوطها العامة مع النقد الموجه للاقتباس، بآعتبار الإعداد والاقتباس وجهين لقضية واحدة، ولموضوع واحد، ولإشكالية واحدة خصوصا ما يتعلق بالنص المسرحي العربي الذي اعتبروه بعد بنائه، قد تخلى عن الأساس الذي يمكن تنهض عليه الكتابة المسرحية العربية بعد أن تم الاهتمام بكل ما هو جانبي، وسطحي، وغربي، تمّ على حساب النص الأصلي.
من هذه المواقف المبنية على أحكام عامة لا تنظر إلى الإيجابيات، ولا تُثمّن التجارب التي تركت بصماتها في ذاكرة التجريب المسرحي العربي بالاقتباس/ الإعداد، ومن الأبواب المغلقة التي تداءمت أمامها وتراكمت قدامها مثل هذه الآراء، سنقوم بإعادة قراءة الظاهرة الاقتباسية، والإعداد، كعمليات كتابية حكمت عليها الظروف السوسيوثقافية التي مر منها المسرح العربي كله بمحاولة تحرير المسرح من غياب المسرح، والدعوة إلى استلهام المتن التراثي، والمرجعية الشعبية، والظواهر المسرحية، والنصوص الغربية بحثا عن مصادر جديدة للإبداع، منها ما حقق كتابة مغايرة اتصفت بصفات الكتابة المجددة التي انطلقت من إبداع سابق، ومنها من كان يجرب مهارته، ومعرفته، وثقافته المسرحية أثناء إبداع النص المقتبس منه فظل حائرا بين ثقافات عديدة لم يستطع التحكم في الموقع الذي يوجد فيه بما يكتب، وبما ينتج، وبما يبني، ومنها من استطاع إنجاز رؤية أصيلة للفرجة العربية على أرضية معرفية تُعرف حدودها، وآفاقها، ودلالاتها.
في هذه القراءة سنقوم بفتح هذه الأبواب المغلقة على العديد من الأحكام المسبقة، لنعرف ما تخفيه خلفها من حقائق تتعلق بفعالية الاقتباس (الإعداد) كظاهرة لا تتعلق ـ فقط ـ بالمسرح العربي، بل هي ظاهرة ثقافية مشتركة بين كل الثقافات في العالم، وسنبتعد عن أي افتعال وانفعال لا يضبط المعرفة بعمق الموضوعية، وشروطها ـ حتى ولو كانت هذه الموضوعية نسيبة ـ وكل هدفنا ـ من كل هذا ـ هو تجنب هذه الأحكام العامة التي لا تُعطي صورة حقيقية عن خلفيات، وأهداف الاقتباس المُبدع، ولا تستطيع تبيّن الاقتباس الغث من الاقتباس الملئ بالمعرفة، والمدعوم بالدراية، و بكيفية اشتغال هذا الاقتباس/ الإعداد.
أكيد أنه عندما نترك أبواب الحوار حول الاقتباس موصدة، ولا نطرح إشكالياته الظاهرة، والخفية، فإن ما يبقى رائجا هو الخطاب الأزموي كمتحدث رسمي بحقيقة الفعالية المسرحية الموجودة بهذا الاقتباس/الإعداد.
بهذا الموقف الذي تتبناه طروحات هذه الدراسة، وبعد أن جعلنا الاقتباس/ الإعداد بنية واحدة في جملة واحدة هي الاقتباس/ الإعداد، نقول إنه لا يمكن أن نُطل على أزمنة المسرح العربي من جهة ضيقة ونلغي منه فعل الاقتباس/الإعداد، أو نرى حقيقته من خلال زوايا حادة لا تنظر إلا إلى النصوص المكتوبة التي لم يعتمد فيها أصحابها على مرجعيات أخرى، لأن هذه الآراء، ومثل هذه المواقف تجعل المسرح يسير نحو موته البطئ، لأن الرفض المكتظ بالكلمات، والأحكام المُسبقة، دون العودة إلى حقيقة هذا الاقتباس/الإعداد، هي دعوة ترفض هذا الفعل التواصلي مع العالم الثقافي حتى يستغني عن وجوده، و يتخلى عن تفاعله مع أسرار وخبايا وجديد المسرح العالمي، والعربي.
في مجال الإبداع، والتفاعل يبقى الاقتباس ( بكل ما تفرع عنه أو ما تمخض عنه من مفاهيم إجرائية أخرى لقراءة مصادر ومرجعيات تجارب مسرحية أخرى) عملية مشروعة أثناء البحث عن منظومات دلالية أخرى يراد بها تثبيت هوية الكتابة المسرحية بالتجريبلأنها ممارسة متطورة خارج الأفكار والأشكال النمطية، وغالبا ما يراد بها تزكية ودعم كل تجريب يمكنه أن يساعد فعل الكتابة على أن تصحو على إيقاع التجديد، وتستفيق على إملاءات الاختلاف للتخلص من التكرارية القاتلة، والمعاني المتكلسة، والرؤى المهزوزة، والانغلاق الثقافي الجائر، كما يراد بهذا التجريب الاقتباسي إعطاء إمكانات التطور، والتجويد، والتفاعل مع تجارب أخرى، لتملك القوة على فتح مجالات أرحب للتعرف على تجارب وثقافات ونظريات أخرى أثبتت جدارتها وحيويتها في تحريك بنيات، ودلالات الكتابة ومفاهيمها، ورؤيتها للعالم، وأعادت الكتابة المسرحية إلى جوهرها المفقود بما يتناسب مع الغايات، والأهداف من توسيع معنى النص المسرحي بالخبرة التي لا يتخلى عنها التجريب، بالاقتباس وبالإعداد وهو يقوم بتسخير مهارته الخاصة لاختبار إمكانياته اللغوية، والثقافية، واللسانية، والفنية، والتراثية، والتخييلية لصهرها في بوثقة الهوية الجديدة للنص، وغالبا ما يدخل هذا الاقتباس في تفاعل حقيقي بين مكونات المصدر، أو المرجع، وما سيصبح عليه المتن الجديد أثناء تكوين شكل وجوده في النص الجديد الذي يكون قد حقق انزياحاته على الأصل ليصير هوية أخرى أسست هويتها الخاصة بدلالاتها الخاصة بعد أن عرفت كيف تنجز التناسج الثقافي بين الثقافات دون أن تكون صدى لها، وعرفت كيف تجعل من هذا التناسج مسبارا حقيقيا للوعي المسرحي، والثقافي، والتاريخي، وكيف تجعل آليات اشتغال هذا الاقتباس مختلفة من تجربة إلى أخرى، ومن سياق ثقافي إلى واقع ثقافي آخر فيه يغدو هذا الاقتباس المبدع خيطا ناظما للتنوع في التجريب المسرحي العربي.
حين تختلف أشكال ممارسة الاقتباس/الإعداد من تجربة إلى أخرى، وتتباين من كاتب إلى كاتب، فهذا يدعو المقتبسين، والمُعدين، إلى ضبط فعل التفاعل مع مرجعيات مسرحية أخرى، و القيام بعملية الحفر الضرورية في التراث المسرحي العالمي بحثا عن النص الوظيفي الذي فيه سيجدون ما سيلائم سياقهم الجديد، و يستجيب لمتطلبات الخلفيات، والمنطلقات الإيديولوجية التي ترسم لاقتباساتهم معنى وجود النص المُقتبس، وهو يسير وفق الاختيارات التالية:
– الاقتباس المباشر الذي يلجأ إليه المقتبس الذي يتقن اللغة الأصلية للنص المسرحي الذي سيتعامل معه، وله علاقة مباشرة بالاشتغال المسرحي، كمؤلف، أو مخرج، أو ممثل.
– الاقتباس بالواسطة، أي الاقتباس من النص المُعّرب بنقل بعض ملامحه الأصلية، ووضعها في حيّز آخر للكتابة.
– الاقتباس من الرواية، أو من التاريخ، أو من نصوص سردية أخرى.
وسواء تحقق الاقتباس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن السؤال الذي يرافق العمليتين معا هو الكيفية التي يتمّ بها تحويل النص السردي كمرجع سابق عن فعل الإعداد، إلى نص سردي آخر سيصير مرجعا خاصا لعالمه الخاص، وسيكون مؤهلا بإمكاناته التركيبية، والتكوينية كي ينتمي إلى المسرح ليصبح مقبولا للقراءة، ومقبولا ـ في الوقت ذاته ـ كي يصير فرجة فيها كل مقومات العرض المسرحي ليُقدم فوق الركح، والسؤال في سياق فتح أبوب النقاش حول الاقتباس/ الإعداد، هو كيف يتم تحويل هدا النص ليصير نصا آخر له مقوماته البنائية والدلالية الخاصة؟
كيف يتم تحويل النص من أصله إلى كتابة النص الجديد؟
الهدف الأساس من الاقتباس بالإعداد، والإعداد بالاقتباس ـ هو أقلمة النص المسرحي مع طبيعة المتلقي المفترض لغاية في نفس الكاتب، و استيحاء أحداث مسرحية ما لغاية تكمن في ضروروات الكتابة، واستلهام حكاياتها وأجوائها من حكاية نص آخر لضرورة تمليها جمايات بنائها، أومن حكايات أخرى يمكنها أن تتلاءم مع الطبيعة التكوينية للمسرح المشروط بشروط سياقاته، وهذا النوع من التأليف بالاقتباس، أو التأليف بالإعداد، أو التأليف بالمسرحة، يعني عدم الالتزام بالنص الأصلي، ويعني عدم الخضوع لشبكاته التركيبية والدلالية، والحوارية، وذلك باللجوء إلى الحذف، والإضافات، والتلخيص سواء تعلق الأمر بحذف بعض الشخوص، أو تعلق الأمر بإضافة بعض الشذرات النثرية، أو إضافة بعض المقطوعات الشعرية المُمسرحة التي يجد فيها المقتبس ـ أو المعدّ ـ حلاّ للغموض الذي يمكن أن تتسبّب فيه بعض التضاربات في الكتابة نتيجة تفكك في الوحدة الموضوعية والعضوية.
هذا ما كان يحفز الكاتب المعدّ أثناء الكتابة على القيام بملء الفراغ الذي يكون قد أحدثه هذا الحذف، وأحدثه هذا التعديل، فيقوم بعملية الهدم، ثم يعيد البناء الدرامي بمواد يتم تركيبها وفق الضرورة الفنية المتبناة، فتتداخل مهمة المقتبس بمهام المعدّ، وتتداخل أشكال اشتغال المعد بما يقوم به المقتبس، حتى أننا نجد في كل مقتبس هناك مُعد، ونجد في كل مُعدّ هناك مقتبس، كلاهما واحد في واحد يجمعهما هذا الفعل الكتابي الذي لا مندوحة من أنه فعل يقرأ، ويتمثّل، ويفهم، ويضع نصب اهتمامه سياقاته، وسياق المتلقي الذي سيستقبل نتاجه، وما على النقاد سوى معرفة هذا المقتبس ومثيله، أو معرفة هذا المعدّ وضِعفه للتأكد بأن هذا الفعل الكتابي مبني على الاختلاف بين ما يتمخض عنه عمل المقتبس في المعد، أو ما يقوم به عمل المُعد في المقتبس حيث كل واحد يسعى إلى الإقرار بولادة النص القديم في النص الجديد، أو ميلاد النص الجديد من الجديد تمهيدا لعرضه فوق الركح.
مثال (الإعداد في صورته الجنينية الأولى) نجده زمن النهضة وما بعدها مع رواد الاقتباسالذين كانوا يريدون الإعلان عن بداية مسرح عربي بصيغة غربية، من بينهم مُعدّون، ومترجمون، ومستنبتون اقتبسوا أعمالا مسرحية من نماذج مسرحية عديدة، وهم بما يقدمونه من عروض مُقتبسة كانوا يكشفون عن مستويات فهمهم لاشتغال الاقتباس في الإعداد، وكانوا من خلال ممارستهم المسرحية يقدمون صورة الإعداد في اقتباسات يتم بها تفعيل أشكال كتابتهم بكتابات المرجعية الغربية، فكانوا يختارون ما يرونه مناسبا لثقافتهم، ولسياقاتهم المجتمعية، والذوقية، ليقدموا في نهاية المطاف نصا مسرحيا يصير ـ بالضرورة ـ حاملا لصورة المجتمع الذي سيوضع في سياقاته، وسيستقبله المتلقي المحلي بنوع من الدهشة، والمتعة، و الاندماج، والارتياح، أو سيستقبله بنوع من النفور، والامتعاض، وهذا كله مكتوب بغاية واحدة هي بقاء المرجعية العربية حاضرة بلغة النص المُقتبس وكأنها تريد أن تمحو أثر الأصل بأصل آخر ستصبح له عوالمه الخاصة، بمعنى هذا أنهم كانوا محكومين بأفق معرفي، ومنهجي يقدم صورة حقيقية عن بدايات النهضة العربية.
ويرصد الدكتور أحمد منور الخلفيات التاريخية التي تحكمت في جعل الاقتباس عملية مفروضة في زمن التأسيس المسرحي العربي بحكم المعطيات التاريخية التي مر منها الوطن العربي فيقول: (كان الاقتباس من المسرح الأوربي وما يزال إلى يومنا هذا عملة كثيرة التداول في البلاد العربية، وذلك منذ تعرف العرب على الفن الدرامي في شكله اليوناني، ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، عن طريق الاحتكاك بالغرب، وقد تركز اقتباس المؤلفين العرب بشكل خاص على المسرحين الفرنسي والإنجليزي، وهذا لا يرجع لعراقة هذين المسرحين، وثرائهما من حيث الكم والنوع ـ على السواء فحسب ـ ولكن ـ أيضا ـ للأسباب التاريخية المعروفة المتعلقة بالماضي الاستعماري لكل من فرنسا وإنجلترا اللتين كانتا قبل الحرب العالمية الأولى تتقاسمان القارات، كانت هناك أجزاء عديدة من البلاد العربية تخضع لسيطرتهما، سواء في شكل احتلال مباشر كما كان الشأن في الجزائر،أو في شكل حماية كما حدث في تونس أو المغرب، أو مصر)[1]
من هذه الأسباب، عمل المقتبسون على تحويل رؤية غربية بكل حمولاتها الفلسفية، والفكرية إلى رؤية عربية، أي تبديل رؤية مسرحية غربية لها خصوصياتها، ومرجعياتها الخاصة، وتعويضها برؤية عربية لها سماتها الخاصة لوضعها في رؤية عربية، وهذا يعني ممارسة فعل تحويل مقصود هدفه تحقيق انزياح كلي، أو جزئي عن الأصل، وهو تغيير يمارس فعل تبديل نظرة بنظرة، وموقف بموقف، وسخرية بسخرية، وأسماء الأماكن بأسماء أخرى، وأسماء الشخوص بأسماء بديلة، وجعل النظرة المستعارة من الآخر تدخل في مماحكة، وحوار ثقافي مع الاستعارة العربية التي ستصبح ـ بعد الإعداد ـ مرجعية عربية وجدت هيأتها متحققة في فعل كتابي مسرحي مكتوب بالاستعارة العربية، فصار هذا المسرح وسيلة أدبية لتأكيد هوية ثقافية تحولت فيما بعد إلى محرك أساس للحركة الوطنية.
ونجد ـ فيما بعد ـ أن هذا التحويل المؤسس على الخبرة المدعومة بالثقافة العميقة، هو ما سيُبقي هذا الاقتباس بالإعداد ، وسيبقي هذا الإعداد بالاقتباس مختبرا حقيقيا للمسرح العربي الذي ستجري فيه عملية التحويل لتبقى كل الاقتباسات التي حققها هذا المسرح العربي نصوصا باللغة المحلية، أو بلغة الضاد فعل إضافة، وليس فعل تكرار، نقول فعل إضافة لأن التجربة تكون قد أسست استعارتها الخاصة، ونهضت على الهوية الفاعلة في الإنتاجية المسرحية، بعد أن تحرّرت من سلطة المراجع التي تعاملت معها، وتكون قد خفّفت من سيطرتها وهي تنتج خطاباتها الجديدة مما يعكس أن صياغة الهوية المسرحية كانت في بنياتها العميقة تصوغ تصوراتها حول الثقافة بشكل جديد تجاوز الأفكار السلفية، وتجاوز الخضوع للنخب الأجنبية، ولكل المفاهيم المتصلة بالسياسة، وبتحديد طبيعة الدولة.
هناك ـ طبعا ـ بعض السمات التي ظلت مرتبطة بفعل الاقتباس (الإعداد) في أزمنته الأولى، وظلت وثيقة الصلة بتجاربه الموالية من بينها السمات والمهام التالية:
– أن الأساس الذي كانت تُنسج به الحاجة إلى تأسيس مسرحي عربي زمن النهضة هو صورة الغرب التي بقيت مصاحبة لهذا التأسيس الضدي بالاقتباس، وفيها كان رواد النهضة الإصلاحيون يسعون إلى الخلاص من زمن الانحطاط، والانغلاق، والعقم الذي ساد كل مجالات المجتمع، فكان الاقتباس/ الإعداد من بين الوسائل الفنية الناجعة في التوعية.
– السمة الأخرى تظهر في المضامين المقتبسة التي تبرز عدم التخلي عن البعد العروبي في هذه النصوص، وتبرز مستويات تبني الوظيفة التوعوية زمن الاستعمار لمقاومة هذا الاستعمار، وفي الآن نفسه تعني تمازجا ما بين التعليمية، وبين البحث عن هوية حقيقية لمسرح عربي متحرر من هيمنة الشكل الغربي لاسيما بعد أن سكن سؤال تأصيل المسرح العربي كل التنظيرات المسرحية العربية التي سعت إلى بناء تصورات جديدة للعمل المسرحي العربي مما ترك آثاره على شكل الإعداد المسرحي الذي توجه نحو تغيير أسلوب التعامل مع المرجعيات النصية التي سيقتبس منها.
بهاتين السمتين خلصنا إلى أن كل النصوص المكتوبة بآليات الاقتباس زمن النهضة ـ وما بعدها ـ ظلت إنجازات وفية للعلبة الإيطالية تتبع شكل بناء النص المسرحي، وتقدم الصورة التي أصبح عليها النص المقتبس في الزمن العربي، وعندما نريد ضبط آليات اشتغال هذا الاقتباس، لنحدد مفهومه نجد أن التعريف الإجرائي لمفهوم الاقتباس (الإعداد)يتناول ثلاثة أشكال من اشتغال هذا الاقتباس، الشكل الأول يظهر في كيفية التعامل مع الحكاية، والشكل الثاني يشير إلى كيفية الأخذ بعين الاعتبار الاقتباس من الكوميديا، والشكل الثالث يظهر في العمل على معرفة كيفية توطينها كسخرية، وكنقد للبنية الاجتماعية العربية، وتسييس النص المقتبس لإسقاط مواقفه، وخطاباته على وضعية سياسية أخرى، وهي المفاهيم التي تم التعريف بها، وتقديمها في المعجم المسرحي ( مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض) وفق الشكل التالي:
فيما يخص كيفية التعامل مع الحكاية فالاقتباس، أو الإعداد كما ترجمت مصطلحه الدكتورة ماري إلياس، وحنان قصاب هو: ( أخذ الخطوط الرئيسية للحكاية، أو الفكرة، وخلق مواقف جديدة مختلفة تماما، وغالبا ما يعمل في هذه الحالة ذكر الأصل الذي اقتبست عنه المسرحيات)[2]
أما فيما يتعلق بالكوميديا، فتقولان: (يبدو الاقتباس مُلما بشكل خاص حين يتعلق الأمر بالكوميديا حيث تختلف شروط الإضحاك من بلد لآخر)[3]
أما تسييس الخطاب المسرحي الذي جاء وليد التفاعل مع الواقع السياسي العربي، والتفاعل مع التجارب المسرحية الغربية الطليعية، والماركسية، فنعده صاحب الدور الكبير في تمكين رؤية بعض الكتاب العرب من تبني مبدأ الالتزام، والانسجام مع المسرح السياسي المرتبط بقضايا الأمة والدعوة إليه لمعرفة مصير الوطن، ومعرفة كل أنواع الصراعات التي يخوضها، وحول العلاقة بين السياسة، والوضع السياسي، والمسرح، حددت هاتان الباحثتان هذه العلاقة في: (إمداد نصوص عالمية جادة، وعلى الأخص في المسرحيات ذات البعد التاريخي والسياسي (حيث) أخذ شكل إسقاط على الوضع الراهن)[4]
هذه المقاربة لفعل الاقتباس في تداخله مع مفهوم الإعداد، وتسييس ممارسته، يؤكد أن المسرحيين العرب كانوا ـ ولا يزالون ـ يمدون قنوات الحوار مع الآخر، ومع الذات، لتقديم نصوص مسرحية تجريبية تؤرخ لفعل الكتابة المسرحية، من زمن التأسيس الأول إلى الآن، وهو ما نلمسه في عملية التجاوز التي كان يتخطى بها بعض المسرحيين الاقتباس البارد ليصلوا إلى الاقتباس بالإعداد المبدع الذي يحرك الساكن، ويلقي بصور التغيير في مخاض ولادة الجديدة، للتصور الجديد حول الممارسة المسرحية العربية الجديدة التي صارت تتغير في الزمن وفي المكان.
هنا نتساءل دون أن نجيب، لأن السؤال يحمل نصف جوابه معه: ألم يقدم لنا هذا الاقتباس/ الإعداد تجارب مسرحية كثيرة منها المسرح الملحمي، ومسرح القسوة، و المسرح الوجودي، والطليعي (العبثي)، ومسرح المضطهدين، ومسرحيات داريو فو، ومسرح النو، والكابوكي، و بيتر بروك ونماذجه في الإخراج، والمسرحة، والمسرح التسجيلي، واستفادوا من مدارس الإخراج الجديدة، كما استفادوا من مناهج النقد الجديد؟ لننظر إلى صورة الإعداد المسرحي في التجارب الغربية لنفهم أن الغرب نفسه كان ـ ومايزال ـ يعرف كيف يقتبس من تراثنا ـ ومن التراث العالمي ـ ما يحول به المسرح في الغرب إلى مسرح غربي دون الحديث عن أزمنة الاقتباس ومرجعياته.
و بخلاف المواقف التي تجعل هذا الاقتباس موضوعا مطروحا للنقاش في الزمن النقدي المسرحي العربي نؤكد أنه موضوع سيبقى متأرجحا بين من يدعو إلى إباحته، وبين من يشكك في فعالياته، وبين من يدعو إلى توقيف انتشاره، وذيوعه لأن بقاءه سيكون على حساب الإبداع والخلق، والتخييل.
أزمنة الاقتباس بين المباح والمحظور
من بين المحظورات التي أراد المسرحيون، رفضها، وتجاوزها وهم يقبلون على الإعداد المسرحي، هناك ما يتعلق بطبيعة المجتمع العربي الذي سيُستنبت فيه هذا المسرح، ومنها ما يتعلق بمدى تقبل الفقهاء، ورجال الدين لهذا الوافد الجديد الذي وجدوا فيه بدعة مستحدثة تتناقض مع مكونات المجتمع وقيمه، وثقافته، ومنها ـ أيضا ـ صعوبة تقبل بنية ثقافية غير مألوفة في الممارسات الثقافية العربية تقبل الاختلاط بالمرأة، وتدعوها إلى أن تكون شريكا في العملية المسرحية، تمثيلا وحضورا في الفرجة المسرحية، وهناك سياق الوطن العربي الذي كان محكوما عليه من طرف كل أشكال الاستعمار الذي أراد ترسيخ ثقافته المتفوقة، وتثبيت فنونه، وعمرانه، في المجتمعات العربية.
بهذه المعطيات التاريخية، والاجتماعية يمكن توصيف الوضعيات التي تحكمت في مستويات اشتغال الاقتباس في المسرح العربي، ورصدت توجهه، وتركته يمارس مهامه التواصلية مع مرجعيات ثقافية مسرحية أخرى لتخطيها حسب الضرورة الاجتماعية والثقافية التي كانت تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في جعل المسرح انعكاسا لهذه الوضعيات، ويكون استجابة لما تمليه عليه الضرورات الفنية من اختيارات التعامل مع هذه الاقتباس/ الإعداد تحقيقا لنسج الخطاب بما هو سليل واقع الثقافي والاجتماعي سيكون المسرح صورته وتجليه.
في هذا التوصيف يمكن الوقوف على العلاقة الجدلية التي أسست ـ وتؤسس دوما ـ معاني هذا المسرح في أزمنته الإبداعية، بها يمكن أن نفهم ثلاث محطات هامة رسمها الاقتباس، والاستنبات، والترجمة، والتوطين…
في الأزمنة الأولى من عمر الاقتباس كان المسرحيون العرب يبحثون عن مضمون مناسب لواقع يرون جموده، وتخلفه غير مناسبين لطموحاتهم بالمقارنة مع ما لدى الغرب، وكانوا يبحثون عن شكل مسرحي غير موجود لمسرح يريدونه أن يكون موجودا بهويته وبلغته العربية، ولعل أهم ما تمخض عنه هذا الاقتباس أنه كان يشتغل بنخبة مثقفة وجدت أن السياق الاجتماعي التي يعيشون فيه محكوم بالأمية، وبالجهل، وبأن القيمة الاعتبارية للمسرح غير موجودة، وبأن المعرفة الثقافية بشروط تحقيق النهضة، وتحقيق وجود هذا المسرح وتحققهما غير متوفرة، وبأن المعيقات التي تقف حجر عثرة أمام سيره الطبيعي أكثر من العوامل المساعدة على انتشاره بما يليق بمظاهر النهضة الوليدة، وذلك بسبب العقلية المغلقة للمضللين، والمحافظين الذي يرددون أنه ليس في الإبداع أبدع ما كان، وقد أنتج هذا الاقتباس مسرحا لغته عربية، أو محلية، لكنه ظل مسرحا يُمارس بالمفهوم الأوربي، ويؤكد حضوره التواصلي بخطاب يتريث في إعلان مواقفه الضدية من المعيش، فكان يمرر تلميحا لا تصريحا خطابه الإصلاحي التربوي في نقد السياسة، والتصدي لكل العادات المشينة الفاسدة، وكان يدعو إلى الرفع من مستوى الوعي لدى المتلقي العربي لوضع حد للانحطاط الأخلاقي، والاجتماعي، والسياسي.
في الوقت الذي كرست فيه هذه النخبة العربية المثقفة اهتمامها بالمسرح، وبدأت تتفاعل بثقافتها المسرحية المحدودة مع التجربة المسرحية الغربية، كان الحس القومي لهذه النخبة يدفعها إلى تبيين الجدوى من احتضان المسرح، وكانت تتسابق في التعلم الشخصي، وقراءة الكتب المتوفرة، ومشاهدة العروض الأجنبية، وكل هدفها من هذا كله هو جعل الفرجة المسرحية مُمسرحة بما أرادوا كتابته، فكانوا يقتبسون بحثا عن الأفق الممكن للكتابة المسرحية العربية، وكانوا كلما أمعنوا النظر في هذا الاقتباس، وجعلوا منه وسيلة لبلوغ الأهداف الوعظية في النص الذي سينكتب على أساس نص كوميدي سابق إلا وتبقى السمات الأساسية في عملية الاقتباسات الأولى في المسرح العربي معروفة بعدم معرفة المقتبسين بالمسرح، وهو ما أكده الكاتب الجزائري علي سلالي علالو قائلا: ( كان المسرح الكوميدي هو النوع الذي يلائمنا وكنا نحبه، كما أن جمهورنا كان يفضله، ويهوى أيضا الموسيقى، والغناء، والرقص، فكنا نتبتل مسرحياتنا بها لكسب رضاه.
ولأنه لم تتح لنا فرصة دراسة الفن الدرامي في المعهد فقد درسناه في الكتب، كما كنا نذهب أيضا لمشاهدة مسرحيات تمثل من طرف ممثلين مقتدرين، ثم إن شغفنا بالمسرح قد ساعدنا على إتقانه أثناء ممارسته)[5]
ومن المقارنة بين المرجع الأصلي للنص المقتبس، ولكثرة النصوص التي وضعها المقتبسون في السياق العربي، يتبين أن هناك خاصيات مشتركة بين هؤلاء المقتبسين وحّدت كل ما يتعلق بالظاهرة الاقتباسية في تاريخ المسرح العربي، وأعطت للتراكم المسرحي الموجود ما يبرر وجوده في ريادة تأسيس المسرح العربي، وهذه الخاصيات تظهر على مستوى بناء النص بعد الإعداد، كما تظهر في الدلالات التي يراهن بها هؤلاء المقتبسون على كسب متلق للمسرح، من بين هذه الخاصيات :
– أن المقتبس يقوم بإضافة مقاطع شعرية وغنائية إلى بنية النص المسرحي لتكون أقرب إلى المتلقي العربي.
– أن هذا المقتبس حين يفكر في تقديم مضمون المسرحية المقتبسة، فإنه كان يضع نُصب عينيه تقديم موضوع محلي يراعي به الخصوصيات المحلية للمتلقي، ويدقق في الحمولة الفكرية والثقافية لخطابات النص، فيغير في المواقف، كما يغيّر في أشكال الصراع بين الشخوص حتى تستجيب التعديلات والتغيرات للسلوك، والثقافة المحليين، كما أن أسماء الأماكن تصبح إحالة مباشرة على أحياز المدينة العربية، ومكوناتها العمرانية، كما أن العادات الغربية يتم استبدالها بالعادات، والتقاليد المحلية حتى يصبح النص المُقتبس ذا هوية محلية بفرجته المحلية يضمن بها المقتبس لمسرحيته المقتبسة أن تنجو من الرفض، أو المنع، أو التعارض مع الخصوصيات الذهنية، والثقافية، والدينية المحلية، فكان يبتعد جهد الإمكان عن كل ما يمكنه أن يمس الخصوصيات المحلية، والأعراف، والتقاليد، أو يخدش الشعور الجمعي للمتلقي، وبهذه العملية كان المقتبس (ناقدا أثناء هذا الإعداد) يمارس قراءته الخاصة للنص المكتوب من الداخل، ويهيئه ليصير منسجما مع المتلقي، بعدها يخرجه إلى الوجود بعد أن يكون قد تجنب إثارة أي غضب، أو أي استياء، أو رفض من قِبل المحافظين المتزمتين.
– تبقى العلاقة مع لغة النص الأصلي محكومة بالانتقال من سياق النص اللغوي الأجنبي إلى سياق اللغة المحلية، أي الانتقال من لغة إلى لغة تكون فيها العامية المحلية أساس كتابة حوارات النص، وحول التجربة الجزائرية في هذا المضمار يقول الناقد الدكتور صالح لمباركية: ( انطلق كثير من العلماء والمفكرين الجزائريين مندفعين لحماية اللغة العربية والإسلام من التيارات الغربية وحملات الدعاية الفرنسية الساعية إلى تغريب العقل الجزائري، وتحطيم أركانه، وقد عمد هؤلاء المفكرون إلى بعث التاريخ وإحيائه مع توضيح نوايا الاستعمار، وإبراز أهدافه وأفكاره المسمومة التي لم يكن غرضها رفع الجهل عن الأهالي، أوتزويدهم بالعلوم والمعارف، بقدر ما كان الهدف هو سف الهوية الوطنية، وتمزيق أواصر الروابط بين المجتمع)[6]
وهذا ما أشار إليه الناقد بوعلام رمضاني حين تحدث عن ظهور الأحزاب السياسية في الجزائر، وتحدث عن دورها في تثبيت العمل المسرحي بالمضمون المحلي قائلا: ( كان لظهور الأحزاب السياسية الوطنية دور في إعطاء المسرح الطابع السياسي، وزاد نشاط رشيد القسنطيني الذي كتب للفرقة الشعبية مسرحيات نقدية ساخرة خلقت نوعا من العلاقة الروحية بين المسرح والجمهور، وكان استعمال اللهجة العامية يخضع لظروف أملاها الواقع السياسي لتلك الفترة إذ كانت السلطات الاستعمارية تحرم استعمال لغة الفصحى، فوجد رجال المسرح اللهجة العامية وسيلة لتحطيم الرقابة على اللغة الفصحى، وللوصول إلى الجمهور الذي كان يعاني من الأمية، أما مضمون المسرحيات فكان يدور أساسا حول ضرورة النضال السياسي وإبراز تاريخ وهوية شعبنا)[7]
وهذا يؤكد وجود علاقة وطيدة بين مضمون النص وواقع الكاتب المقتبس، وهي علاقة كان يحكمها ـ في كثير من الأحيان ـ إسقاط بعض المواضيع الأكثر حساسية على المجتمع، وبكل هذه السمات كانت كل النصوص المقتبسة كوميدية ـ كانت أو تراجيدية ـ تطالب على لسان الشخوص، بتحرير الوطن، وتطالب بالحقوق الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، كما كانت تطالب بحرية الإنسان في التعبير، وبهذه المطالب كانت تلتزم بالكيفية التي يمكن للمسرح أن يكتب وظيفته الإصلاحية بالمسرح الإصلاحي، وهوما تمّ تبيانه في الكتيب الذي أصدرته وزارة الثقافة ـ المسرح الوطني الجزائري ـ محي الدين بشطارجي بمناسبة الذكرى الخمسين على تأميم وتأسيس المسرح الوطني الجزائري من 8 جانفي إلى 8 فيفري 2013 . 1963 ـ وجاء فيه حديث عن مصدر هذا الاقتباس كالتالي: ( اقتصرت عملية الاقتباس تقريبا على كتاب مسرحيين عالميين ثوريين تقدميين أمثال برتولد بريشت، حيث أخرج الهاشمي نور الدين مسرحيتين هما: (دائرة الطباشير القوقازية) و( الإنسان الطيب في سيشوان)، بينما كانت أغلب الأعمال المقدمة مقتبسة من كل من كالدرون، وشكسبير، وإمانويل روبلاس، وموليير، وماكسيم غوركي، ونيكولاي غوغول، وكارلو كالدوني، وناظم حكمت، وأدواردو فيليبو، وأرثر ميلر، وقاسيا لوركا، وصامويل بيكيت، وغيرهم، هذا علاوة على اللجوء إلى الاقتباس من المسرح العربي على نحو: ألفريد فرج، وعلي سالم، وسعد الدين وهبة، وتوفيق الحكيم، وإحسان عبد القدوس، ونبيل بدران، ومحمد الماغوط، و سعد الله ونوس، وعز الدين المدني)[8]
وتجاوزا لكل جفوة يمكن أن تؤبد غياب المسرح من الثقافة العربية، وفي غياب نص مسرحي مكتمل البنية والبناء، صار اللجوء بالاقتباس، وبالاستنبات من المرجعية الغربية، والعربية تجريبا مسرحيا هدفه إحداث تفاعل حقيقي بين من يريد تأسيس المسرح بهذا التفاعل، وبين من يريد أن يمرر خطابه في النص الجديد الذي نهض في وجوده على وجود سابق هو النص الغربي.
ويمكن أن نذكر من المغرب الكاتب المسرحي أحمد الطيب العلج الذي التصقت به صفة (موليير المغرب) بعد أن نقل العديد من مسرحيات موليير، كما نقل بعض مسرحيات جيل رومان، إلى الفرجة المسرحية المغربية، ووضعها في المجال الاجتماعي التقليدي الذي سهل عليه تبيئ النصوص المولييرية، وبتدرج معرفي في الممارسة اكتسب خبرة الإعداد، وتحرر من الاقتباس ليصل إلى استيحاء مواضيعه من النصوص المسرحية الغربية.
أحمد الطيب العلج من الاقتباس إلى الاستيحاء
يثبت أحمد الطيب العلج وهو يتحدث عن الكيفية التي تعامل بها مع مسرحية موليير (المثري النبيل)، أنه بدأ بتغيير عنوانها بآسم آخر صار هو (الحاج العظمة) موضحا منهجه في الاستنبات فيقول: (الثري النبيل مسرحية موليير الضاحكة الساخرة…حافلة بالمتناقضات، زاخرة بالمواقف المثيرة للشفقة الباعثة عن الشجن الذي تطغى فيه مأساة الإنسان، وصراعاته مع نفسيته، وطموحاته، فتتحول المأساة إلى مسلاة.
وقطب الرحى في خضم هذه التفاعلات الباكية، الضاحكة، هو هذا الرجل حديث النعمة… جديد الثراء الثري النبيل والذي يقابله في الكتابة الجديدة”الحاج العظمة”.
و هذا ما أغراني بأن أكتب “الحاج العظمة” عن المثري النبيل، وقد حاولت أن أضمن هذه المسرحية تراكمات كثيرة، يعاني منها مجتمعنا الجديد بحدة، ذلك أنني لم أترجم، ولم أقتبس… وإنما استوحيت ـ فقط ـ من المسرحية الأصل ـ المثري النبيل ـ لأقدم نسيجا آخر لمتناقضات يعاني منها مجتمعنا “المتعصرن” وهو منتبه، وواع بضرورة التخلص من حذلقتها، وتفاهتها…..)[9]
هذا يؤكد أن مفهوم الاقتباس/ الإعداد لم يعد يعني التكرار، كما أنه لم يعد صدى لنصوص أخرى، بل صار يعني تحويل مفهوم الكتابة المسرحية الغربية بالمفهوم العربي ليكون مسرحا عربيا، بموضوع عربي، وبثقافة شعبية عربية، وهو ما حققه أحمد الطيب العلج بعد أن امتلك القدرة التوليدية على توليد إبداعه من رؤيته الشعبية للفرجة ليقوم مسرحه على مغربة واستنبات موليير ليصبح نبتة مقبولة في التربية المسرحية المغربية لدى المتلقي المغاربي بنصوص صارت تمتلك هويتها الخاصة باللغة الشعبية التي أصبحت فرجة مغربية تقوم على استنبات شكل فني يُمغرب موليير، و يُمغرب العديد من الكتاب المسرحيين في الغرب.
وبطريقة غير مباشرة نقول إن مغربة الكوميديا كمشروع مسرح شعبي كان يبدأ عند الطيب العلج بالعنوان، وينتهي بإعادة النظر في كل أنساق الحوار، وفي بناء الشخوص في النص المولييري، وهذا ما يظهر في الاستنباتات التالية التي حققها العلج في استنباتاته التي تجاوز بها زمن الاقتباس الذي كان يعتبره مدرسته الأولى في تعلم الكتابة، لكن الخبرة جعلته يتمرّد على هذه المدرسة بعد أن وجد أن الاستنبات هو الطريق الأسلم للكتابة المسرحية الشعبية، ليس بالاقتباس العقيم، ولكن بالكتابة التي تكتب اختلافها عن الأجواء، والأحداث التي كان عليها النص المولييري، أو تكتب بها نصوص غربية أخرى، وهذه المسرحيات التي برز فيها فعل الإضافة والتحوير هي:
– مسرحية (ولي الله) ـ (عمايل جحا) :”Tartuffe”.
– مسرحية (الحاج العظمة) :”Le bourgeois Genntilhomme.
– مسرحية الفضوليات : (Les femmes Savantes).
– مسرحية (مريض خاطرو) : (Le malade imaginaire).
– مسرحية (الحكيم عاشور) : (Le médecin malgré lui ).
في هذه المسرحيات الكوميدية كان أحمد الطيب العلج يعمل على تأسيس وتأصيل شكل كتابة كوميدية بواسطة ما صار به معروفا في تجاربه المسرحية في الصيغة الكوميدية المؤطرة في مسرح شعبي، فاستطاع أن يستنبت هذا المسرح الشعبي حين أوجد له مكانته في سياقه الاجتماعي، والثقافي، والرمزي للمجتمع المغربي.
وحول هذا المسرح، وحول هذه التجربة العلجية في الكتابة ينفي الدكتور محمد مصطفى القباج عن العلج صفة المقتبس فيقول: (إني لأكاد أجزم أن العلج لم يمارس عملية الاقتباس كما تبين لي من خلال قراءة متمعنة لجل نصوصه، مرد هذا الجزم والقطع أن الاتصال بينه وبين موليير هو مناسبة اتصال يندرج في المنهجية المطبقة لدى علماء أصول الفقه عند تأويلهم للنصوص القرآنية، وهي المنهجية التي يطلق عليها هؤلاء العلماء (أسباب النزول)، ودون أن أذهب بعيدا في تحليل الخطاب العلجي أسلوبا، ومضمونا، أود أن أستعرض ـ وباختصارـ الدواعي التي جعلتني أحصر الاتصال بين الرجلين على أنه خيط فاصل بين الرجلين، فلكل واحد منهما حقيقته الأدبية والفنية، والحق لا يضاد الحق حسب التعبير الرشدي)[10]
ربما كان التحايلبالاستنبات من النصوص الغربية بتوظيف عبقرية اللغة المحلية، وشعرها الشعبي، وأمثالها الضاربة في المحلية، أسلوبا مقنعا عند من أعاد كتابة النصوص الغربية، للتحايل على الرقيب الفرنسي، أوالتهرب من مقص الرقيب زمن ما بعد الاستقلال، لأن وعي الكتاب المسرحيين بواقع الحال، وإدراكهم نوعية التركيبة المجتمعية، والعقليات المتحكمة في دواليب المجتمع، و وعيهم بواقع المآل، وإدراكهم نوعية التركيبة المجتمعية، والعقليات المتحكمة في دواليب الإبداع بالمنع، والمصادرة، والتقليل من أهمية التربية الفنية، هي العوامل التي أخضع بها هؤلاء (المقتبسون) هذا التحايل بالاقتباس لإبداع نصوصهم الحبلى بالإحباط، وبالهمة الوطنية، وبالدعوة إلى المقاومة، فكانوا يعيدون كتابة النصوص الغربية التي كانت تجد نفسها مع الاقتباس بين المباح والمحظور تريد السير بحرية نحو التميز بطابعها الفرجوي لتأسيس الفرادة والتميز بعد عملية الإعداد، وإعادة كتابة النص الأصلي.
الإعداد وتأسيس علاقة حوار مع المرجعية الغربية
تأسيس العلاقة بين مرجع غربي وفعل مسرحي عربي يسعى إلى أن يحقق ذاته بالمغايرة، ويوسّع من رؤية الإبداع المسرحي في ممارسته، ويبحث عن موضوع يريد أن يحوله إلى موضوعه الخاص، معناه أن تكون هذه العلاقة أثناء التأسيس محكومة بإعداد، أو استنبات مسرحي يكون قريبا من فهم ما تتوفر عليه تجارب مسرحية أخرى من تميّز، وصفات، ونظريات، ومدارس، ومناهج في النقد المسرحي، لأن التعامل معها، والدخول في علاقة حوارية معها هو ما سيضئ تاريخها بما رسمته في وجودها من حضارات، وثقافات، وخبرات طويلة تراكمت في العمل المسرحي، حتى صارت مصدرا ثقافيا مشتركا بين الثقافات في العالم، لأنها إرث إنساني بآمتياز.
بالإعداد الذي بنى أزمنة حقيقية دالة على زمان المسرح العربي أراد المسرحيون في الوطن العربي بهذه العلاقة خلق علاقة تفاعلية بينهم وبين هذا المشترك، وأرادوا أن يستمدوا منه معرفة لم تكن موجودة في سياقاتهم الثقافية بكل ما تحمله من إشكاليات زمن بداية تأسيس المسرح العربي، وبالمقاربة بين ما هو متوفر في الغرب من تجارب ونظريات مسرحية، وبين ما هو غائب في الثقافة المسرحية العربية، تكونت هذه الظاهرة الاقتباسية الفنية اللافتة للنظر والتي تتعلق بتقنيات هذا التفاعل، وما تفرع عنها من ميكانيزمات تحكمت فيها خصوصيات المراحل التي مرّ منها الزمن المسرحي العربي من مارون النقاش إلى الآن.
المقصود هنا بالميكانيزمات التي تدخل في رسم طبيعة و إنتاج، وإعادة إنتاج المسرح هو ما اصطلح على تسميته بالاقتباس (Adaptation)، وعادة ما تترجمه العديد من المعاجم العربية بـ (الإعداد)، وتعتبره بمثابة الإجراء العملي الفني الذي يحقق التفاعل ـ بصيغ مختلفة ـ مع المرجعية المسرحية الغربية، ويتخذ عدة مفاهيم تمثل ـ كلّها ـ فعل التحويل الذي يتحكم في رجل المسرح وهو يقبل على تبين حدود هذا الفعل، وإظهار ما يمنحه من إمكانات ستساعده على تثبيت دعائم مشروعية التواصل مع الثقافات الأخرى بهذا الاقتباس / الإعداد.
وبسبب التعدد في مفهوم الاقتباس / الإعداد نطرح ـ مرة أخرى ـ سؤالا إجرائيا حول إشكاليته وكل غايتنا أن نخفف من لبسه كمصطلح سائد في سياق النقد المسرحي العربي، ونخفف من الرفض المجاني الذي أفرغه من مفهومه، وقزّم من اشتغاله حتى نقترب رويدا رويدا من وضوح حدوده، ونتعرف على آفاقه، و نبتعد عن غموضه، خصوصا بعد أن دخل التأويل السطحي على خطوط الاختلاف في مفاهيمه رافضا حقيقته بما هو اشتغال منتج يخدم وضوح هذا المصطلح، وبذلك سنتجنّب الأحكام الجاهزة التي رفضته، ونفهم المواقف التي دعمته، ودافعت عنه، حتى نجعل المفهوم الواضح للإعداد يرقى بشرعيته في الإعداد المسرحي المبدع إلى مستوى الإبداع ـ فعلا ـ وليس البقاء داخل دوامة الاستهلاك، والتكرار.
إذا كان الجواب عن السؤال مستمدا من التعريف العام الوارد في المعاجم المسرحية، فهذا لا يمنع من أن نستمد منه بعض المعايير النقدية لتطبيقها عن الممارسة الإعدادية المسرحية في الوطن العربي، فنتساءل بالسؤال التالي: (ما مفهوم الاقتباس/ الإعداد في المفهوم العام؟).
الجواب نستمده من التحديد المصطلحي، والإجرائي الذي قدمه (Patris Pavis ) باتريس بافيس حول مصطلح (Adaptation)، مبرزا مهام هذا الاقتباس/ الإعداد كالتالي:
( 1 – يعني الإعداد تحويل نص من نوع إلى نوع آخر، أي (إعداد نص روائي للركح، وعلى العموم فهذا النوع من الإعداد يعني ترجمة المضمون الملحمي إلى مضمون درامي فيه يبقى السرد كما هو، بالإضافة إلى الرمز العاملي، لكن الذي يتغير هو فاعلية المتن النصّي (œuvre) والخصوصية التقنية الفنية.
2 – الاشتغال الدراماتورجي: وهو الانطلاق من نص سيوجه للركح من أجل إخراجه، وتبقى كل المناورات النصية المتخيلة المسموح بها في هذا الاشتغال هي: التقطيعات، و إعادة تنظيم السرد، واختزال عدد الشخوص، والتركيز الدرامي على بعض اللحظات القوية في الرواية، وإضافة نصوص من خارج النص، والقيام بعمليات مثل المونتاج، واللصق، وتعديل النهاية.
ويلعب الإعداد واختلاف الترهين دورا كبيرا في ممارسة الحرية، لأن هذا الإعداد لا يخاف من تعديل معنى النص الأصلي حين يجعله يقول العكس.
أن تقوم بالإعداد معناه أنك تعيد الكتابة الكلية للنص بآعتباره مجرد مادة، وهذه الممارسة المسرحية جعلت الدراماتورج يكون على وعي بإعداد العرض)[11]
هذا التعريف الإجرائي للاقتباس/ الإعداد يضعنا مرة أخرى أمام تجربة اقتباسية أخرى لها حضور قوي في التجربة المسرحية الجزائرية، وهي التجربة التي وثقت صلاتها بشكل ممارسة المسرح، ونقلته من كونه ظاهرة شعبية إلى ظاهرة تمارسها النخبة المثقفة بثوابت الهوية القومية التي أعطت مسرحيات عديدة أرخت لكل أشكال الاقتباس الذي كان يعمل على التحرر من النموذج الغربي، وبمعنى آخر التحرر من هيمنة ثقافة المستعمر حين يلجأ إلى ما كتبه كاتب ياسين، والطاهر وطار، ومولود فرعون، وولد عبد الرحمن كاكي، ومصطفى كاتب، أدار محمد، عبد القادر علولة، جمال مرير،عبد المالك بوقرموح، محمد بن قطاف..
الا قتباس الإعداد بثوابت الهوية
حول تجربة الاقتباس في تاريخ التجربة المسرحية الجزائرية كامتداد تاريخي للتجربة المسرحية العربية التي عاشت أزمنة الانحطاط، والنهضة، والاستعمار، والاستقلال، يثير الدكتور أحمد منور مسألة الاقتباس الذي عاشته التجربة المسرحية الجزائية فيقول: (وفي مجال الاقتباس لم تشذ الجزائر عن البلدان العربية الأخرى، فقد اتجه كتاب المسرح عندنا بدورهم إلى الاقتباس منذ الانطلاقة الأولى في بداية العشرينات من القرن العشرين، واتجه الجزائريون بحكم معرفتهم باللغة الفرنسية التي كانت اللغة الرسمية الوحيدة في الجزائر على حساب اللغة العربية إلى الاقتباس من المسرح الفرنسي، وأول من فتح مجال الاقتباس كان محمد المنصالي سنة 1922 بمسرحية (في سبيل الوطن) وبعده اقتبس علالو سنة 1926 مسرحية (جحا) وهي باكورة أعماله من ( الطبيب بالرغم منه)، وكذلك فعل محي الدين باشطرزي حينما اقتبس (المشحاح) و(ثري السوق السوداء) عن موليير أيضا، وانضم إلى هؤلاء رشيد القسنطيني حينما اقتبس مسرحية (يا حسراه) عن (أنجيل) لمارسيل بانيول، و(ابن عمي الاسطمبولي) عن مسرحية (ابنة عمي القاطنة في فرسوفيا) للويس فيرنوي، وكذلك فعل المسرحيون الذين جاؤوا بعد الرواد الأوائل مثل محمد التوري، محمد الرازي، ومحمد غريبي، فقد اقتبس الأول (الدكتور علال) عن (الطبيب بالرغم منه) لموليير، واقتبس الثاني (سلك ياسلاك ) عن مسرحية (مقالب سكابان) لموليير أيضا، كما اقتبس الثالث (المريض بلا مرض) عن مريض الوهم وهي أيضا لموليير)[12]
مع هذه الاقتباسات لم يعد الهدف من إدخال المسرح في البنية الثقافية الجزائرية بدون أهداف، وبلا غايات، فالدواعي التاريخية، والأسباب الثقافية واضحة وضوح الشمس، فما كان على النخبة المثقفة سوى تكتيل الجهود لتوجيه النصوص المقتبسة نحو أهداف تواجه كل تغريب، و تقف في وجه كل من يريد زعزعة ثوابت الأمة، وقد عرض الدكتور نور الدين عمرون أسباب وغايات، ومستوى الكتابة المسرحية بهذا الاقتباس فقال : (وقد غلب على الرواد المسرحيين الأوائل، الارتجال في الاقتباس والتمثيل على العروض المسرحية، حيث كان الحوار خلال العرض يزيد وينقص، ولا يحترم النص في كثير من مسرحياتهم، حيث كان هدف الرواد الأوائل تقريب المسرح من الجماهير كوسيلة للتعبير والتغيير، لأن الشعب الجزائري بعمومه، مع بداية القرن العشرين يتميز بثقافة شفوية حكواتية، فكانت مهمة المؤسسين الأوائل جلب الجمهور للتعرف على الفن المسرحي الجديد، والتعرف من خلاله على همومه وثقافة الشعوب الأخرى، ومحاولة تهذيب وتوعية الجماهير، وغرس الثقافة المدنية للأهالي الجزائرية)[13]
كل النقاد وكل المسرحيين الذي تحدثوا عن بدايات التجربة الاقتباسية في المسرح الجزائري ربطوها ربطا مباشرا بعشرينيات القرن العشرين، وجعلوا الحاجة إلى تأسيس مسرح جزائري دافعا لتكوين فرجة مسرحية تستجيب لكل إكراهات التحولات التاريخية في الجزائر، وحول هذا الطرح يرى الباحث الشريف الأدرع بخصوص أسباب اللجوء إلى توظيف الاقتباس (أن المسرحيين الجزائريين لجأوا إليه في العشرينيات من القرن الماضي رغبة منهم في طلب أسباب الحداثة والتطور تماشيا والواقع المعيش آنذاك والذي كان مرتهنا بالسيطرة الاستعمارية. وتندرج أعمال الاقتباس في إطار”البحث عن شروط النهوض القومي، التي جعلت العرب في المشرق، والمغرب، يقتبسون المسرح بدافع الحاجة إلى هذا الشكل من أشكال التعبير الذي يأتي ليزدوج مع أشكال الفرجة التراثية، ويشكلان معا شكلا من أشكال فن الفرجة تشاطر فيه، وتندمج الشكل االمقتبس، والشكل المقتبس معا)[14]
ومن بين النماذج الفاعلة في أزمنة الاقتباس بنتاجها المسرحي هناك سلالي المشهور بآسم علالو، وهو حين يتحدث عن تجربته، فإنه في الحقيقة يقدم صورة من عاش معهم، وشارك معهم في صنع بدايات المسرح الجزائري، كما يعرض طريقته في الاقتباس، و في التزود بالثقافة المسرحية، وحين تحدث مع محاوره عن تجربته في كتابة مسرحية (جحا) قال: ( موضوع مسرحية جحا كما يقدمه الملخص يذكرنا بمسرحية الطبيب رغما عنه لموليير؟
هذا الكلام قاله غيرك من قبل، والواقع أنني استوحيت موضوع “الطبيب رغما عنه”، أما مسرحية “جحا” فهي بعيدة عن مسرحية موليير المعروفة) [15]
لقد كان لرواد المسرح الجزائري دور هام في تمكين الكتابة المسرحية من أن تجد شكلها، ولغتها، ووظيفتها التي تساير ما يمليه الواقع الطارئ على المجتمع، فظهر كتاب سيصيرون ـ فيما بعد ـ روادا في زمن تأصيل المسرح بالاقتباس ومن بينهم نجد:
– محي الدين باشطارجي : المشحاح سنة 1940 .
– محي الدين باشطارجي : سليمان اللوك سنة 1941
– محي الدين باشطارجي : الشرف سنة 1942 .
– محمد واضح : المجرم سنة 1947 .
– محمد فراح : مولى بركة سنة 1949 .
– محمد فراح : سلاك يا سلاك 1947
– مصطفى غربي : مرض بلا مرض 1950
– مصطفى كاتب : البرورجوازري الظريف
– محمد بلحفاوي : دون جوان سنة 1954 .
– علال المحب : سلاك الواحلين سنة 1956 .
– مصطفى قزدرلي : سليمان اللوك سنة 1968
– علال المحب : سلاك الواحلين سنة 1973
وفي كتابه (مسرح الفرجة والنضال في الجزائر ـ دراسة في أعمال أحمد رضا حوحو ـ) يتنتبع الناقد الدكتور أحمد منور عالم الكتابة عند حوحو يقارب فيه كيف كانت الكتابة المسرحية عنده تتحول اعتمادا على الاقتباس، وعلى توظيف التراث العربي الإسلامي، وفي هذا يتحدث عن إضافات حوحو في الاقتباس بعد تجارب سابقة للعديد من الكتاب المسرحيين الجزائريين فيقول:(حينما جاء حوحو بعدهم في أواخر الأربعينات اتجه بدوره إلى المسرح الفرنسي ليقتبس منه عدة أعمال تمثلت في العناوين التالية:
– (ملكة غرناطة) : اقتبسها عن مسرحية (روي بلاس) لفيكور هيغو.
– (بائعة الورد) : اقتبسها عن رواية (حاملة الخبز) لكزافيه دي مونتيبان.
– (سي عاشور والتمدن) : عن مسرحية (الثري النبيل) لموليير.
– (البخيل) :عن مسرحية موليير التي تتحمل نفس العنوان.
– (النائب المحترم) : عن مسرحية (توباز) لمارسيل بانيول)[16]
وتطويرا لمفهوم الاقتباس، عمل ولد عبد الرحمن كاكي على استلهام فن المداح من التراث الشعبي مستفيدا من المسرح الملحمي في آليات اشتغال الرواي، وقد كتب الناقد الشريف الأدرع في مصنفه الهام حول:(بريخت والمسرح الجزائري ـ مثال بريخت وولد عبد الرحمن كاكي) مبرزا في ثيمة (العرب والمسرح: الاقتباس نمذجة)، وثيمة (المثال الجزائري: من الاقتباس إلى الخضوع المعياري) ما مهد به الحديث عن بداية (حركة الانشقاق :الخروج عن المركز)، أي (محاولة انقلاب عن التقليد المسرحي السابق). وهو في هذا يقوم بمقارنة بين خطاب (الإنسان في ستشوان) وخطاب نص (القراب والصالحين) على مستوى البناء الدرامي، وعلى مستوى بناء الشخصية، وهذه المقارنة بين نص بريخت، ونص ولد عبد الرحمن كاكي ستكون دراسة تطبيقية لإظهار مستويات الاقتباس/الاعداد بما يلائم الخط الفكري للكاتب الجزائري، وبما يتماشى وفن المداح وفق المنظور الجديد للكتابة، وهذا التعامل مع بريخت يعتبر قفزة نوعية في مفهوم الاقتباس/ الإعداد الذي سينفتح على أزمنة الرواية التي ستدخل أزمنة المسرح بالإعداد.
أزمنة الرواية تدخل أزمنة المسرح بالإعداد
سيكون من بين أهم التبدلات التي استأثرت بانتباه النقاد وهم يتابعون مفهوم الاقتباس/ الإعداد، ظاهرة التمرد على كل اقتباس لا يعرف ثقافة التفاعل مع العديد من الثقافات، والأجناس الأدبية الأخرى، وما زاد هذا الاهتمام اشتغالا، وتجريبا، هوالتغيّر السريع للمفاهيم المسرحية، و تغير أسلوب الكتابة المسرحية، وهذا ـ بكل تأكيد ـ راجع إلى بعض العوامل الأساسية التي تدخلت في رسم تصورات جديدة للعلاقة التي بدأت تجمع ما بين الكتاب المسرحيين، والمخرجين من جهة، وبين ما يريدون إنجازه وفق الأساليب المتولدة عن المفهوم الذي رسم الصورة الجديدة للمسرح، ويمكن إظهار بعض هذه العوامل التي كانت وراء هذه التبدلات في:
– أن الأجناس الأدبية صارت منفتحة بعضها عن بعض، وأن مكوناتها الداخلية صارت عاملا مساعدا على تمكين المسرحيين من تحويل وعيهم بالممارسة المسرحية المنغلقة على المسرح إلى وعي آخر يعرف كيف يأخذ، ويعطي دون أن يفقد المسرح خصوصياته العلاماتية في العرض، وهو في كل هذا يسعى إلى مد قنوات التعامل المنتج الذي ينتج مسرحا تحدده أنواع أدبية وفنية غير النصوص المسرحية المتعارف عليها في التجارب السابقة.
– أن مسرحة النصوص السردية لم يعد يقتصر على النصوص القريبة من المسرح، بل صارت مسرحة هذه النصوص خاضعة لمبدإ فني يقوم على أن كل ما هو مكتوب يمكن أن يتحول بخبرات الكاتب إلى نص مسرحي قابل للعرض.
– أن مفاهيم الحداثة وما بعد الدراما قد أعطى للمسرحيين العرب إمكانيات أخرى فتحت لهم مجالات أخرى للتجريب المسرحي الذي له علاقة جدلية مع التجريب في الإخراج، وفي تغيير معاني ومفاهيم المسرح الموروث إلى مسرح آخر يساير ركب مدارس الإخراج الجديدة التي غيرت مفهوم الكتابة، وغيرت مفهوم فضاء العرض.
من هذه الأسباب ـ وغيرها ـ اتخذ مفهوم تجديد العلاقة مع الاقتباس /الإعداد مناحي جديدة جعلت المسرحيين العرب يتخذون من تغيير المفاهيم حول كتابة نص المؤلف، وكتابة نص العرض، مبررا لتغيير الممارسة المسرحية ، وهذا ما تمخضت عنه كتابات مسرحية اتخذت من مسرحة الرواية مدخلا لهذا الاقتباس/ الإعداد التي تحرر من مفهوم المسرح الأرسطي، أو الملحمي، أو التسجيلي، أو الواقعي، ليكتب عمرا جديدا لهذا المسرح عبر عنه بعض الفاعلين في الإنتاجية المسرحية، ونجد أن موجة الشباب قد حققت هذا التجريب في المغرب، وفي الجزائر أثناء إعادة النظر في فعل الكتابة.
في سؤال وُجه للكاتب المغربي الزبير بن بوشتى عن رأيه في الاقتباس، (هل الاقتباس أفاد المسرح في المغرب؟) أجاب قائلا:
(الاقتباس هو فعل لا يمكن إلا أن ينطلق من رغبة الذات في الانفتاح عن الآخر، وبالتالي فالاقتباس لا يمكنه إلا أن يفيد المسرح المغربي ويخدمه، ولولا الاقتباس لما تعرف الجهمور المغربي العريض على أعمال مسرحية كبيرة، أنا لست ضد الاقتباس، ولن أنصب يوما نفسي مدافعا على انغلاق المسرح المغربي في خرافات الهوية العربية، وخصوصية المسرح العربي وما إلى ذلك، لكن الذي يضر بالاقتباس هو ممارسته من طرف أشخاص يسعون فقط إلى التقشف في مصاريف العمل المسرحي ولو كان على حساب جودة النص، على المقتبِس التوفر على شروط أساسية منها الإلمام بلغة النص المصدر، وثقافته، وطريقة تفكير مجتمعه، والظروف التاريخية، والمجتمعية التي كتِب فيه، إذا ما انتفت هذه الشروط فلا شك أن النتيجة ستكون رديئة)[17]
أما في الاقتباس/ الإعداد في التجربة المسرحية الجزائرية فصار يراهن على إعادة كتابة النص بعد أن يكون قد هيأ الظروف الملائمة للاقتباس، وهي نفس الظروف التي مكنت كلا من عبد القادر علولة، ومحمد بن قطاف، وعبد المالك بوقرموح، وعمر فطموش، ومراد حرادي، ونور الدين عمرون، وحميدة آيت الحاج، وعز الدين مجوبي، وأحمد بن عيسى، وفوزية آيت الحاج… على ضبط آليات اشتغال الاقتباس/ الإعداد ليكون في خدمة المرجعيات السياسية والجمالية التي تخدم إيديولوجية النص، ونجد من بين المحفزات على تحقيق هذا النوع من المسرح:
– تبني بعض الديموقراطيين اليساريين في الجزائر مبادئ، وأسس الواقعية الثورية خدمة للممارسة المسرحية التي تساير رؤيتهم، وأسلوبهم في الدفاع عن مصالح الشعب تحقيقا لمجتمع اشتراكي حقيقي.
– السير بالممارسة المسرحية نحو تكريس فني تتكامل به عملية التواصل، وتوحده المرجعية الماركسية، وأدوات إنتاج المسرح، بمعنى تحقيق فن المسرح، وفن الجمهور بما يخدم الاختيار الاشتراكي.
– لتجاوز مسرح الإيهام، والشعرية الكلاسيكية بكل مقوماتها، وأسلوبها في العمل المسرحي القائم على الاندماج، كما كرسته بعض الكتابات التي أعدت نصوصها من نصوص كلاسيكية دعا رواد الفرجة المسرحية الجزائرية إلى ضرورة اللعب بما يشد المتلقي إلى الاختيار الجديد للممارسة السياسية، والثقافية الجديدة التي بدأت تعمل على تثوير فعل الكتابة المسرحية لتثوير الوعي الاجتماعي.
– العمل بالمنظور الاشتراكي على توطين العناصر المساعدة على موضعة المسرح في السياق الجزائري، وتمكين الإنتاجية المسرحية من بلوغ إنجاز نص توليدي فيه من عناصر التجديد قدر ما فيه من عناصر التثوير.
– العودة إلى مسرح العبث لتقديم تجربة تجعل الواقع المعيش في الميزان النقدي.
وداخل مخاض صراع الأفكار، والإيديولوجيات، والثقافات، بحثا عن هوية حقيقية للفعل المسرحي امتلك العديد من المسرحيين الجزائريين ناصية وعيهم التاريخي بما يخدم حوار الثقافات، وحوار الأجناس الأدبية وهم يفتحون حياة النص المسرحي على أفق لا ينتهي، أو يفتحون حياة السرد الروائي على حياة النص المسرحي، وهو ما أعطى تجربة خاصة أبان عنها الكاتب الروائي واسيني العرج راصدا مدارات هذه العلاقة بين الروائي والمسرحي.
يقول واسيني الأعرج في مقال يحمل عنوان ( أنثى السراب في دوامة الاقتباس) بعد أن تحولت روايته إلى عرض مسرحي: (ربما كان أنبل ما يقوم به كاتب مسرحي معروف هو أن يقتبس نصا لشخص آخر لا تجمعه به إلا القراءة، والمودة، والمشترك الثقافي، إذ في الفعل الاقتباسي تضحية كبيرة على الرغم من عدم انتباهنا لذلك، المقتبس هو من يسكن نصا لغيره، ويقيم فيه زمنا طويلا لدرجة الالتباس به، وهو قادر على الكتابة مثل صاحب النص الأصلي، وربما أحسن، ومع ذلك يصر على التمادي في نص ليس له، وله في الآن نفسه، لأن شيئا غامضا قد يكون الشبه المبطن، قاده إلى ذلك، يتابعه خطوة خطوة حتى منتهى الفعل الاقتباسي)[18]
وللتعرف على هذه العلاقة الجدلية بين الروائي والمسرحي، بكل ما تحمله من تضاد، وتكامل، واختلاف في وجهات النظر، يوضح واسيني الأعرج نوعية العلاقة التي أدخلته في نقاش مثقف، ومسؤول مع مراد سنوسي حول مغامرة نقل روايته ( أنتثى السراب) من خصوصياتها السردية، ووضعها في حركية العرض البصري المأهول بعلامات الفرجة فيقول:
(عندما أخبرني بنيته ضحكت بمحبة: أريد أن أقتبس أنثى السراب للمسرح، قلت له: مراد أنت لست جادا؟ أنت بالفعل مجنون، أو أن ما يحرق قلبك من التباس مع شخصياتها ذاتيا أغمض عينيك عن المخاطر؟ قال: أدرك أن الرواية معقدة، ومستعصية على المسرح، ولكن الفعل الاقتباسي يخفف من معضلاتها، ولي تصور خاص حول ذلك، ثم أضاف: هذا تحدي الخاص وأريد من الجمهور أن يأتي نحو المسرح، لا يذهب المسرح نحوه، أن يصعد نحو الأصعب لا أن نسطح كل شيئ لنريحه ارتياحا وهميا، كانت رؤية مراد واضحة ولم تكن ضربة جنون كما تصورت)[19]
بهذا التصور ـ وهو التصور نفسه الذي قدمه العديد من الروائيين الذين تحولت أعمالهم الروائية إلى عرض مسرحي ـ لا يمكن للرواية وكتابتها ونقدها أن تكونرواية بدون مكونات تبني سرودها، وتحقق وجودها بدون نظرية، وبدون فكر، وبدون فلسفة، وكذلك المسرح لا يمكنه أن يكون مسرحا يعيش بدون نظرية، أو يتطور بدون وجود نظريات، ومؤهلات بنائية تسهل انتقاله إلى زمن العرض، أي أنه لا يوجد مسرح إلا اعتمادا على نظريات الأدب، ونظريات الدراما، ونظريات الإخراج وفنونه، والوعي بخصوصية الرواية ومكونات المسرح، والوعي بكيفية الاقتباس/ الإعداد، وهو ما يبرر وجود علاقة بين الرواية والمسرح حين يدخلان في حوار، وتفاعل من أجل إنتاج نص العرض، وهي التجربة التي عاشها الروائي واسيني الأعرج الذي كان يهاب من هذه العلاقة حين قال:
(لماذا إذن نخاف الاقتباس؟ ولماذا لا ندخل غمار تجربة تستحق أن نتوقف عندها. يتحدد المسرح اليوم بوصفه مساحة حوارية مهمة من الأنا الذاتية والأنوات الأخرى، تتماهى فيها أهم فنون التواصل الحضاري من خلال ما يوحي به النص والأدوات الأخرى المصاحبة له من سينوغرافيا، وإضاءة، وديكور، وغيرها من العناصر الضرورية المحددة للتلقي والذوق)[20]
حين يقدم الروائي رؤيته وموقفه من الاقتباس يكون قد منح للمسرح كل المفاتيح التي نفهم بها الاقتباس حتى يصبح الفعل الاقتباسي تمهيدا لعالم المسرح فيكون مطواعا بأسلوبه، وبآليات اشتغاله الذي يتهيأ لزمن العرض، مما يؤكد أن هذا الاقتباس المُبدع هو الذي سيمنح النص الروائي استمرارية أخرى، ووجودا آخر، ومستقبِلا آخر غير المتلقي العادي، ويتحدث واسيني الأعرج عن مراحل انتقال الروائي إلى المسرحي فيقول: (بعد شهور تحول جهد الاقتباس إلى حقيقة وأصبحت الرواية ذات 600 صفحة إلى ذات نحيفة بعد أن خرجت من حمام حقيقي نزع عنها الكثير من الأغلفة السردية)[21]
بكل تأكيد نعتبر أن تطور المسرح العربي كان تطورا حكمته هذه العلاقة الحوارية بيه وبين مختلف الأنواع الأدبية، والفنون، وهو ما قدمت تجلياته عروض مسرحية انطلقت من عالم الرواية، وحكايتها، ورؤيتها للعالم، لتكون عروضا محملة بعناصر تجريب إعادة كتابة النص، وهو ما جعل الاقتباس/ الإعداد يعطي مناحي جديدة للكتابة المسرحية في العالم العربي بعامة، وفي المسرح المغربي، والجزائري بخاصة.
نتساءل بعد تقديم هذه الأطروحات حول الاقتباس/ الإعداد: هل يمكن للمسرح في العالم، وللثقافة، والفكر، أن يحدث قطيعة مُفكّر فيها تقطع الصلات، والحوار، والتفاعل مع ثقافة العالم، ومع التاريخ، ومع التحولات؟
إن الدعوة إلى إحداث هذه القطيعة بين المسرح العربي والتجارب الأخرى مجازفة تحمل المنع، وتضع حدا لكل التداعيات التي تزيد من العمر المجازي لهذا المسرح، ويكفي الرجوع إلى أشهر المسرحيات في العالم، وأشهر كتاب المسرح لنتأكد أن ما هو مكتوب كان محمّلا بثقافات أخرى، ورموز أخرى، وأساطير، واحتفالات باذخة عرف المقتبسون كيف يحولونها إلى كتابة أخرى، لأنهم كانوا مسنودين بالفلسفة، وبالفكر ليصيروا هم أنفسهم مرجعا لثقافات أخرى، و هذا آخر دليل على حيوية الأخذ، وفعاليات العطاء، وفعالية التأثر والتأثير، وهنا تكمن قوة المسرح الذي يعرف كيف يفتح كتابته على محتمل جديد، هو الممكن الذي يدخل في إطار الإعداد، أو الإستنبات، أو التوطين…
يمكن القول إن مفهوم الإعداد مهّد لولادة عروض لا تتكلم سوى المجهول، لأن المجهول وحده قادر على بناء النص، وقادر على ترصيع منظومته الدلالية بمجهوله، وهو الذي يبرر كتابة الدراما الحداثية في زمن متشقق ترتفع فيه أسوار الممنوعات من جهة، مثلما تتكاثرت فيه رسائل تدمير قيم الإبداع من طرف أعداء الإبداع، وهو ما حوّل مفهوم الاقتباس إلى إبداع من نوع آخر بعد أن كان تقليعة متداولة بين جيل الرواد الذين اعتبروا هذا الاقتباس تسمية وقتية يمكن أن تبلغ ـ أو لا تبلغ ـ مرحلة تجديد قار وراسخ ونظامي مغلق.
في تجديد مفهوم الاقتباس بالإعداد تجاوز للركاكة، والضحالة، وتجاوز لكل دعوة تدعو إلى هجر الإعداد، وهجر القواعد، ليكون ذلك مطية لأية كتابة، لأن القواعد هي الامتحان العسير قبل تطليقها بقواعد بديلة، هذا الإعداد المبدع لم يعد معه المسرح يقدم نسخة من الأصل، بل صار منظومة جديدة من الدلالات تعمل على تقديم نص جديد يحايث نصا قائما مستقلا بذاته، يتخذ من النص الأصلي تعلّة تتستر تحت عباءة هذا الإعداد لإنشاء نص جديد لا يكون فيها الإعداد، أو الترجمة يعنيان تقديم النص كما هو، لأن البقاء على النص كما هو لا يمكن إلا أن يكون سليل تصور تقليدي عن اللغة، والإبداع، والمسرح، عكس الإعداد والاقتباس المبدع الذي يسعى إلى إيجاد آفاق مفتوحة على التلاقي، والتفاعل، والتلاقح خارج كل الأسوار والحدود الزائفة الموجود بين الأجناس الأدبية والفنية.
بهذا أيضا يصبح المسرح العربي بالإعداد إبداعا يتجاوز الحدود، والمواقع، ويعمل على فتح قواعد ونوافذ على الحياة، لأن الحياة أفق، ومرجع، وأفق وغاية تحقق بالإعداد المسرحي أفقا لمسرح الاختلاف. وبهذا صار الإعداد المسرحي يراهن على مسرح التعدد الثقافي، ويراهن على تسخير قدرته على الحوار بين الثقافات، ومسايرة التنوع النوعي للقول الأدبي بعد أن برزت وظائف جديدة للممارسة المسرحية، على ضوء الأوضاع الاجتماعية والأزمات الفردية، فبدأ هذا الإعداد يعمل على تجاوز كل تجريبية متخلفة ملفقة لأنه يريد أن يكون الإعداد للزمن المسرحي الجديد مدعوما بتصور علمي ناضج يتحرك بآختلاف منظوماته الدلالية، لكن هذه المرة بالإعداد الذي يدخل في تشغيل انتكاسات المجتمع العربي بمادة درامية ستكون مادة أساسية للمسرح الجديد، وللكتابة الجديدة، وللاقتباس الجديد، وللإعداد الجديد لتكون صورة المسرح العربي دليلا قويا على أن المسرح العربي يبحث عن وجود، كما أن المخرج، والسينوغراف، والدراماتروج يبحثون عن نص لهذا الوجود لا يقال عنه نص مقتبس مغمض العينين لا يرى الذات ولا العالم، بل يقال عنه كتابة جديدة لمسرح جديد له منظومات دلالية جديدة في عروض جديدة وهذا ما يعطي التعدد لحيوية هذا المسرح بحيوية الانفتاح وليس بالانغلاق الذي يخنق الحوار، وهذا هو المهم.
[1] الدكتور أحمد منور : مسرح الفرجة والنضال في الجزائر ـ دراسة في أعمال أحمد رضا حوحو ـ الطبعة الأولى ـ 2005 ـ دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع ـ الجزائر ـ ص 91 .
[2]الدكتور ماري إلياس والدكتورة حنان قصاب حسن: المعجم المسرحي : مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض ـ عربي إنجليزي ـ فرنسي ـ مكتب لبنان ناشرون ـ الطبعة الأولى ـ ص 46 .
[3] المرجع نفسه : ص 47 .
[4]المرجع نفسه : ص47 .
[5]مذكرات علالو عن فترة نشاطه المسرحي ما بين 1926 ـ 1932 : ترجمة الدكتور أحمد منور.منشورات التبيين / الجاحظية سلسلة الدراسات الجزائر 2000 ص ص 74 .
[6] اgدكتور صالح لمباركية : دراسات في المسرح (1) المسرح في الجزائر النشأة والرواد والنصوص حتى سنة 1972 ـ عرض وتوثيق ـ دار الهدى عين مليلة ـ الجزائر . ص 36
[7][7] بوعلام رمضاني : المسرح الجزائري بين الماضي والحاضر: المكتبة الشعبية ـ المؤسسة الوطنية للكتاب ص 17 .
[8] وزارة الثقافة المسرح الوطني الجزائري ـ محي الدين بشطارجي الذكرى الخمسون التأميم وتأسيس المسرح الوطني الجزائري من 8 جانفي إلى 8 فيفري 2013 . 1963 ـ 2013 ص 16
[9]أحمد الطيب العلج : الحاج العظمة ـ عن مسرحية “الثري النبيل” لموليير.منشورات مؤسسة الفنون الحية ـ عدد 1 سنة 2011 ـ ص 5 ـ 6 .
[10]محمد مصطفى القباج: فصل المقال فيما بين موليير والعلج من الاتصال: الحاج العظمة أحمد الطيب العلج. ص 157 .
[11] Patris Pavis : Dictionnaire du Théâtre Termes et concepts de l’analyse théâtrale Editions sociales P 31 – 32
[12] الدكتور أحمد منور : مسرح الفرجة والنضال في الجزائر ـ دراسة في أعمال أحمد حوحو (مرجع سبق ذكره) ص 91 ـ 92 .
[13] االدكتور نور الدين عمرون: المسار المسرحي الجزائري إلى سنة 2000 .الطبعة الأولى 2006 شركة باتنيت ـ طريق بسكرة ـ” باتنة ـ الجزائرـ ص 141 .
[14] وزارة الثقافة ـ المسرح الوطني الجزائري ـ محي الدين بشطارزي الذكرى الخمسون التأميم وتأسيس المسرح الوطني الجزائري من 8 جانفي إلى 8 فيفري 2013 . 1963 ـ 2013 ص 16
[15] شروق المسرح الجزائري : مذكرات علالو عن فترة نشاطه المسرحي ما بين 1926 ـ 1932 : ترجمة الدكتور أحمد منور.منشورات التبيين / الجاحظية سلسلة الدراسات الجزائر 2000 ص
[16] الدكتور أحمد منور : مسرح الفرجة والنضال في الجزائر ـ دراسة في أعمال أحمد رضا حوحو ـ (مرجع سبق ذكره) ص 93 .
[17]الزبير بن بوشتى: الاقتباس أفاد المسرح ـ أجرت الحوار: صفاء النوينو، جريدة الصباح: الجمعة 22 أبريل 2011
[18] مراد سنوسي: إمرأة من ورق ـ اقتباس حر عن رواية (أنثى السراب لواسيني الأعرج) ـ الستار ـ سلسلة الإبداع المسرحي (1) ـ منشورات الفضاء الحر ـ2012 ـ ص 5 .
[19] المرجع نفسه ـ ص7 ـ 8 .
[20]المرجع نفسه : ص13 ـ 14 ـ .
[21] المرجع نفسه: ص 17 .
------------------------------------------------
المصدر : مجلة الخشبة الفصلية العدد الثاني
0 التعليقات:
إرسال تعليق