تطورات القرن الجديد ومستقبل المسرح في بلادنا
مجلة الفنون المسرحية
--------------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى
تطورات القرن الجديد ومستقبل المسرح في بلادنا
سامي عبد الحميد
سمي القرن العشرين بقرن الابتكارات حيث حدثت تطورات مهمة في العلوم والآداب والفنون وظهرت مذاهب ومدارس جديدة لها جذور في ما هو قديم ولها إضافات لم تكن معروفة او متبلورة من قبل وفي الفنون عامة والفن المسرحي بخاصة ظهرت الرمزية والتعبيرية والمستقبلية والدادائية والسوريالية وظهر المسرح الملحمي البريختي والمسرح الوثائقي لبيترفايس وظهر مسرح اللا معقول، وانصبت كل تلك الاتجاهات في الأدب المسرحي شكلاً ومضموناً. أما بخصوص العرض المسرحي وشكله فلم تطرأ عليه تطورات كبيرة سوى ما يتعلق بمبدأ الإيهام بالواقع واللاإيهام ، بين المسرح التمثيلي الذي يمثل العرض فيه شريحة من الحياة ، والمسرح التقديمي الذي يمثل العرض فيه صوراً ممسرحه مأخوذه من الحياة من غير اعتماد على مبدأ الأبهام بل على مبدأ تذكير المتفرج بانه يشاهد عملاً مسرحياً يختلف بنسبة أو أخرى عما هو موجود في الواقع .
جاء القرن الحادي والعشرون وظهرت معه تطورات هامه في العلوم وفي التكنولوجيا على وجه الخصوص وكان لا بد أن تُحدث تأثيراتها في الفن وكانت لها تأثيراتها أيضاً في الفلسفة وبالأخص الماركسية أو المادية الدياليكتيكية، فقد جاءت طروحات فلاسفة اليسار الجديد مخالفة لها حيث أراد (هربرت ماركوز ، 1898 – 1979) تصحيح مفاهيم (كارل ماركس) و(زيغموند فرويد)، فلم يعد للبلوريتاريا دور فاعل في تحريك المجتمع وسلطته كما طرح ماركس وذلك بسبب التطور التكنولوجي الذي مكن من إزالة دور اليد العاملة أو تقليص ليحل محله دور المهندسين والتقنيين ، هكذا أصبحت الطبقة الوسطى هي المتسيدة ، ورفض (ماركوز) فكرة فرويد عن مبدأ اللذه – الهو وخضوعها لرقابة الواقع الأنا والأنا الأعلى، وذكر بأن "تكون اجسادنا أدوات للذة لا للعمل" .
وادعى (رولاند ديفيد لابنغ 1927 – 1989) ان السلوك الشيزوفريني او البارانووي ، ليسا إلا من صيغ لعب الأدوار حيث تتكيف النفس البشرية من اجل حماية الحياة الداخلية بواسطة الأقنعة ،ودعا (نورمان أو براون، 1913 -2002) الى اعتماد سعادة الانسان على تحرره من القيود التي يفرضها المجتمع وتقاليده ، وان ترتفع الغريزة الى مستوى أعلى من المستوى العقلي. وهكذا تنتج الاصلاحات التي اقترحها اليسار الجديد ثلاثة أبواب لمساراتها : الأول يتعلق بتنظيم المجتمع بشكل يؤدي الى تلبية جميع رغبات الانسان، والثاني، يتعلق بتنظيم النفس البشرية لتؤدي دورها في تغيير المجتمع نحو الأفضل، والثالث ، يتعلق بالسير في الاتجاهين للتأثير في الفن وموضوعاته واشكاله . ونجد لتلك المسارات جذورها في القرن التاسع عشر حيث نادى الطبيعيون بضرورة تغيير المجتمع ونادى اصحاب فلسفة الفن للفن بتحقيق مبدأ اللذه بواسطة المنجز الفني.
ومثلما اثرت الثورة الصناعية والتحول من الصناعة اليدوية الى انتاج المعامل الواسع في الفن واستجابته للواقع الجديد للحضرية ، فقد مهدت فلسفة اليسار الجديد وتطور التكنولوجيا الى ظهور اتجاهات فنية جديدة ومنها ما سمي (ما بعد الحداثة) ذلك المصطلح الزئبقي الذي لا يمكن (الامساك به) وتعرف خصائصه بسهولة ومن أهمها النهوض والتشظي والتزامن وتغلب النزعة الفردية في المنجز الفني ، وهو الآخر له جذور في الماضي.
في ضوء هذه المقدمة يمكن تعرف واقع المسرح العربي هذه الأيام ومستقبله أيضاً، كان الأمل أن يرسخ المسرح في بلادنا العربية تقاليد واضحة المعالم كما هو حال المسارح في الدول المتقدمة كالمسرح الانكليزي والمسرح الفرنسي والمسرح الألماني والمسرح الروسي إلا ان الذي حدث وكما هو مازال لحد اليوم حيث لم يفعل ذلك بالرغم من مرور اكثر من قرن على نشأته الحديثة.
المصدر : جريدة المدى
0 التعليقات:
إرسال تعليق