أنواذيبو و التجربة المسرحية في موريتانيا
مجلة الفنون المسرحية
أنواذيبو و التجربة المسرحية في موريتانيا
محمد أبوه أسويلم
يتفق أغلب المهتمين بالتجربة المسرحية في موريتانيا على أن هذه التجربة الحديثة ولدت بشكل أساسي في السنوات الأولى للاستقلال أي في الستينيات من القرن الماضي مع جيل الرواد الذي كان أبرز رجالاته همام فال الشاعر الشعبي المعروف بالملك, إلى حد جعل البعض يطلق عليه أب المسرح الموريتاني . وقد أشتهر همام بما سمي بالكيكوطيات و هي عبارة عن تمثيليات إجتماعية يغلب عليها الطابع الكوميدي الذي هو الغرض الأساسي لها على الطابع الفني أو الأدبي .لأن الهدف الأساسي للكيكوطية كان التسلية و الإضحاك و لعل هذا ربما ما رسخ في أذهان الذائقة الشعبية فكرة أن المسرح ما هو إلا وسيلة ترفيه و تسلية ليس إلا و من هنا جاءت فكرة (لُحمارأي التقليد).وغاب عنصر الجمال و الإبداع الذي إحتكره الشعر بشقيه الفصيح و العامي في الثقافة الموريتانية , كما غاب عنصر التوجيه و الإرشاد الذي أوكل للدين من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر..وظل هذا التصور سائدا عن المسرح في موريتانيا إلى فترة قريبة , حيث حصل التحول بفعل الإنفتاح الواسع الذي حصل في بداية الثمانينات, لتبدأ النهضة المسرحية الجديدة التي ستؤسس لمسرح مبني على قواعد فنية وتكنيكات مضبوطة.في أغلب المدن الموريتانية .
ومن الطبيعي أن تتأثر مدينة انواذيبوكثاني مدينة موريتانية من حيث الأهمية , بكل ما يجري في العاصمة من أحداث سواء على المستوى السياسي أو الإجماعي أو الإقتصادي أو الثقافي ...إلخ.
إلا أن التأصيل للحركة المسرحية في أنواذيبو بدأ قبل الإستقلال بحكم تواجد المستعمر الفرنسي في المدينة بشكل مستقر, ووجود مدارس فرنسية نظامية بالمدينة , دأب مدرسوها على تنظيم أمسيات مسرحية ولو على مستوى محدود, فقدمت مسرحيات موليير بشكل مختصر,وكانت هذه المسرحيات تعرض في أقسام و ساحات مدرسية و لا يحضرها إلا القليل من الجمهور أغلبه من الطلبة و المهتمين بالثقافة الفرنسية و بعض الإداريين الفرنسيين,لذلك قد لا نعتبره نتاجا مسرحيا و موريتانيا على الرغم من أن أغلب من يؤدون الأدوار في العروض هم موريتانيون,غير أنه من ناحية التأصيل التاريخي لا يمكن تجاهله لإثبات أن ساكنة أنواذيبو و المجتمع الموريتاني من خلالهم عرف فن المسرح قبل الإستقلال .و ليس مع همام و كيكوطاته.
وقد إستمرت تلك النشاطات حتى السنوات الأولى من الإستقلال لتختفي بعد ذلك مفسحة المجال لمسرح همام الذي كما قلنا في السابق سيطر على الساحة مقدما نفسه كنتاج و طني صرف ,حيث طغى على كل الساحة الوطنية,لقربه من العقلية الموريتانية و لشهرة رائده وشعبيته في الأوساط الأجتماعية و الشعرية.
وفي السبعينات من القرن العشرين ظهرت أشكال اخرى من المسرح في المدينة و شخصيات متميزة على درجة من الوعي أكبر نسبيا قدمت عدة عروض غلب عليها هي الأخرى الطابع الفكاهي ليزاداد ترسيخ فكرة (لحمار) في ذهن المتلقي عن المسرح .وكان من أبرز رواد هذه الفترة في المدينة لمجد ولد أعمر(وهو أيضا شاعر شعبي) الذي عمد على تقديم شخصية الرجل البدوي الساذج و العفوي في كل تصرفاته,وقد تزامن ذلك مع فترة الجفاف التي ضربت البلاد و أدت إلى تدفق الكثير من سكان الريف و البادية على المدن و أنواذيبو إحدى اهم المدن التي إحتضنت هؤلاء لكونها العاصمة الإقتصادية حيث فرص العمل أكثر,وقد تميز مسرح الأمجد بقربه من هموم الأنسان العادي و عالج مشاكله و على الخصوص الهجرة من الريف إلى المدينة..إلخ,إلا أنه يؤخذ عليه أنه كان مسرحا إرتجاليا يغلب بل ويسيطر عليه طابع المباشرة و الوعظ الذي أسقطه في معظم الأحيان إلى درجة السوقية ولولا براعة لمجد في تقمص الشخصيات و اسلوبه الكاريكاتوري في تقديمها على المسرح لما أستمرت هذه التجربة.
وفي الثمانينات شهدت الحركة المسرحية منعطفا جديدا على غرار ما جرى في العاصمة و ذلك بفعل التأثر المباشر فكل ما كان يحدث في العاصمة كان يتردد صداه في أنواذيبو سواء بالسلب أو بالإيجاب .هذا المنعطف أو يمكن أن نسميه التحول تمثل في إنشاء تجمعات أو هيئات ثقافية أطلق عليها نوادي و جمعيات . كان أبرزها جمعية غرناطة للثقافة و الفنون و الإتحاد الوطني لمسرح الهواة و لاحقا رابطة شباب انواذيبو للمسرح ضمن أخرى..وكان لهذه التجمعات الثقافية و الفنية الدور الكبير في تأطير و تكوين جيل على درجة كبيرة من الوعي بضرورة خلق مسرح موريتاني وفق أسس فنية بل علمية , لذلك سعت هذه الجمعيات ليس فقط لإعداد و تأطير الممثل فحسب بل المخرج و الكاتب و فني الإضاءة و الموسيقى...الخ مستفيدين في ذلك من خبرات بعض الإطارات المسرحية التي برزت في أنواكشوط و تكونت على يد خليل الطافش الذي كان منتدبا لهذا الغرض و من أهم هؤلاء المخرج الدد ول سيدي الذي قدم على مسارح المدينة مسرحيتي ( الضمير المستتر) و مسرحية ( و أخيرا نطق الحجر) و كذلك الخليل محمد صالح الذي أخرج حينها مسرحية ( العودة ) و كذلك ( لمفلس ), و للأستاذ محمد سالم دندو الدور البارز في هذه الفترة من خلال مجموعة من المسرحيات لعل في مقدمتها رائعته كتابة و إخراجا ( مملكة العقل الواحد ) التي أحدثت ضجة حينها بالرغم من عرضها فيما بعد في التلفزيون من طرف فرقة شنقيط المسرحية, وكانت هذه المسرحية أول مسرحية سياسية تعرض على مسارح انواذيبو و تنتقد بشكل مباشر و صريح السلطة و أسلوب الحكم الغير ديمقراطي.و من أبرز الكتاب المسرحيين الذين ظهروا في تلك الفترة:
- محمد محمود مصطفى السعيد
- محمد سالم دندو
- محمد أبوه
ومن أهم المخرجين:
- الخليل محمد صالح
- الدد ول سيدي
- محمد سالم دندو
وقد برزت الكثير من الوجوه في التمثيل لعل في مقدمتهم:
- سيدنا ول عابدين
- سيديا ول الشيخ
- أحمد سالم بوننه رحمه الله
- الوالد ول محمد الحسن
- القرشية
- أم العلوي
-عيشه سيد احمد ...الخ.
ومع مطلع التسعينات إختفت كل من جمعية غرناطة و الإتحاد الوطني لمسرح الهواة مما أثر سلبا على أداء التجربة المسرحية في المدينة, وبقي فقط يعمل في الميدان ما كان يعرف حينها برابطة شباب أنواذيبو للمسرح , الذي تشكلت نواته أساسا من مجموعة من الشباب المنشقين من التجمعين السابقين نتيجة للإختلاف في الرؤية و بعض الخلافات السياسية تلك الخلافات و خصوصا السياسية منها التي كانت السبب الرئيسي في تفكك الجمعيتين.
وظلت رابطة شباب أنواذيبو تعمل في الساحة المحلية الى نهاية التسعينات قدمت خلالها مجموعة معتبرة من المسرحيات المهمة و التي كان لها أثرا و صدى كبيرا أنذاك مثل ( المأزق) و ( وادي الجدب) و ( ألف مبروك أيها العريس) و (الهذيان) هذه الأخيرة عرضت في العاصمة عدة مرات و أخرجها المخرج باب ولد ميني مقدمة من طرف جمعية تواصل المسرحية, كما ظهرت في نفس الفترة و بالتحديد في منتصف التسعينات نوادي أخرى عملت مع الرابطة أحيانا و أحيانا أخرى بشكل مستقل من أهمها نادي القدس و نادي الإمام الحضرمي قدموا مسرحيات مثل (الهذيان) و ( حفلة السم) و ( ألف مبروك أيها العريس) و (الحب و الماء و الخرافة) ضمن أخرى و كلها من تأليف محمد أبوه , وبرزت في هذه الفترة عدة أوجه مسرحية مثل سيدي محمد أوداع و الشيخ يونس و محمد لمين الصوفي و يحي الدد و ختو يهديه و بنات تلوميت و الممثل القدير حابه.و بالرغم من أن عطاء هذه الكوكبة كان الأطول من الناحية الزمنية إلا أن إفتقار أعظم مكوناتها لعنصر التكوين و التأهيل من الناحية التقنية ضف الى ذلك التهالك الكبير الذي شهدته البنية التحتية ( دور العرض خصوصا) و غياب سياسة محلية بل ووطنية تعتني و تتبنى المشروع المسرحي كانت كلها عوامل أجهضت التجربة و عادت بها إلى الوراء . و صارت المدينة تعتمد على ما يصدر إليها من العاصمة كما حدث في فترة همام فال . بعد صدرت هي نفسها إلى العاصمة سالم دندوبمسرحية (مملكة العقل الواحد) و ولد أداع هذا الأخير شارك عدة مرات في مهرجان المسرح المدرسي حيث قدم من إخراجه مسرحية (الأميرة و الأقزام) التي فازت بجائزة أحسن نص في إحدى نسخ المهرجان.
وبهذا نرجوا أن نكون قد سلطنا الضوء و لو بشكل خافت على بعض أهم محطات التجربة المسرحية في هذه المدينة المتميزة , تلك التجربة التي تجاهلها كافة المهتمين بالمسرح الموريتاني و التي الى حد الساعة لم يتناولها قلم مختص أو متطفل حتى لينفض الغبار عن حيثياتها و يحلل أجزاءها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق