السوداني مجدي النور… حياة فقيرة إلا من الشعر والمسرح تمرد على السياق المألوف بالإنحياز للمهمشين
مجلة الفنون المسرحية
----------------------------------------------------------
المصدر : صلاح الدين مصطفى - القدس العربي
السوداني مجدي النور… حياة فقيرة إلا من الشعر والمسرح
تمرد على السياق المألوف بالإنحياز للمهمشين
رغم قصر حياته 1967- 2006 فقد أثرى مجدي النور الحياة الفنية وقدم أعمالا مميزة في المسرح والتلفزيون وكتب الشعر، كان مشغولا ببناء مشروعه الإبداعي، سواء في جانب الدراما ـ التي وهبها كل أيام حياته – أم في جانب الشعر الذي حفر فيه مسارا خاصا في زمن تشابهت فيه المسارات.
وباعتباره متخصصا في الإخراج المسرحي فقد قدم العديد من المسرحيات في مسارح السودان المختلفة في العاصمة والولايات، منها مسرحية «عجلة جادين الترزي، الحلة القامت هسة، وود الجردقو، وإسماعيل سيد الربابة» وغيرها. كما أخرج للتلفزيون السوداني عددا من الأفلام والتمثيليات مثل «صهيل العقاب» و»لمسة وفاء» وغيرها، وشارك في تأسيس جماعتي المسرح التجريبي والنفير المسرحية، ويعتبر من طلائع مسرح المهمشين ونشرت له قصص قصيرة في عدد من المجلات والصحف.
قرابة العشر مسرحيات حملت توقيعه مخرجا ومؤلفا منذ أن التحق بقسم الدراما في قصر الشباب والأطفال في أمدرمان، وبعد ذلك في معهد الموسيقى والمسرح. اشتهر أيضا بنشاطه في تكوين الفرق والجماعات المسرحية مثل «جماعة النفير» و»جماعة المسرح التجريبي» وكان يحفر في مشروعه بدأب وتلقائية دون أن تكبله المعوقات وما أكثرها في المشهد الثقافي السوداني.
يقول عنه الناقد السر السيد، إنه رغم حداثة سنه وتجربته، فقد أنتج أعمالا أثارت معظمها أسئلة عميقة، ورغم صعوبة الإنتاج ورغم حداثة سنة وتجربته إلا أنه استطاع وفي فترة وجيزة ان ينتج كماً كبيراً من الأعمال المسرحية والتلفزيونية. ويصف عالم مجدي النور الإبداعي بأنه «تتداخل فيه الرؤى والأفكار، فهو عالم يتوسل المغامرة والتجريب ويلج فضاءات متعددة كالتاريخ والأسطورة والحكايات، وما تطرحه الحياة اليومية من أحداث ووقائع، أما المتعة فتتبدى في قدرته الفائقة على المزاوجة في أعماله على مستوى النص والعرض بين البساطة والتعقيد، بين اليومي والوجودي، وتتبدى في قدرته على تحويل العادي ليصبح غير عادي، باختصار في قدرته على أن يصور لنا أن كل ما نراه بريئاً ومألوفاً هو في حقيقته ليس كذلك». يصفه الشاعر والكاتب الصادق الرضي راسما ملامح قلقه «الوجه الذي أطل من خلف الملاءة، الوجه الأسمر والابتسامة الودود، والضحكة ذات الترحاب، في ذلك الليل الشتائي البعيد من عام 1987، في تلك الغرفة الطينية الدافئة الكائنة بأمبدة شمال، في منزل الصديق عبدالحفيظ على الله.. ذلك الوجه الذي صاحبني عمرا طويلا من المودة والأخوة الصادقة من السفر والجوع والسهر، من الاختلاف والائتلاف في المعرفة والجمال، في الكتابة والحياة، يطل الآن وكأنه يودِّع من نافذة ما، تطل مشاوير الصحبة في الأزقة الملتوية المعتمة، وفي الصالات المضاءة أيضا في ليالي ونهارات القلق والبحث عن مفاتيح النصوص – بكل حمولاتها الملتبسة، وتفرغ سلة الأسئلة من علامات الاستفهام والتعجب في الطريق إلى منتهى التوحُّد بالسيرة والسريرة».
ولمجدي النور رؤية حول التجريب في المسرح فقد قال في حوار تلفزيوني قبل رحيله، إن التجريب في مسرحنا يجب أن ينبع من موروثنا وليس من الخارج ويرى أن المسرح بشكله الأرسطي لا يحتوي على شكل الفُرجة الموجودة في التراث السوداني.
ويضرب مثلا بـ«رقصة الكمبلا» وهي من من الرقصات التقليدية في جنوب كردفان، وتشتهر بها قبائل النوبة وهي تقليد اجتماعي يمارس في فصل الخريف وفترات الشتاء واحتفاء بموسم زراعي وقبل الأعراس. ويقول إن (الكمبلا) تمثل فُرجة كاملة من خلال الإكسسوارات والحركة والرقص والتمثيل. ويقول إن هذا العرض فيه سحر ومتعة، إضافة لمشاركة كل الجمهور في العرض، ويجزم بأن التجارب الجديدة في العالم تبحث عن هذا الشكل الذي يراه ضاربا في أعماق التراث السوداني.
ويصف النور الجمهور السوداني بالذكي والمتذوق واللمّاح لأنه يمارس الفن في حياته اليومية، ونادى بضرورة تدريس المسرح وإدخاله في المناهج المدرسية، حتى يكتسب الناس معرفة بالجوانب العلمية في الدراما والمسرح على وجه الخصوص.
ويقف السر السيد عند ثلاث قضايا رئيسية تشغل الباحث في نصوص مجدي النور، في مقدمتها ما يريد أن يقوله في كتاباته ويلخص ذلك في كلمة واحدة هي (الهوية) تتفرّع وتتشظى (هوية المكان وهوية الشخص وهوية الثقافة).
وثائق الحياة اليوم هي القضية الثانية في أعماله، وهي المصادر التي يستقي منها نصوصه (القصص والحكايات) ويرى السر أن مجدي يتمرد في رؤيته الإبداعية على السياق المألوف وهو يقرأ المألوف ويعيد إنتاجه بشكل مغاير، شخوصه هم الناس العاديون «لذلك لم يكن مصادفة أن يكون كل أبطال مجدي النور من المهمشين بالمعنى الأوسع لكلمة تهميش».
المحور الثالث الذي ترتكز عليه أعمال النور يتعلق بطرائق الكتابة، وكما يقول السر: «كيف يبني نصوصه: ففي مسرحية على سبيل المثال ترتبط الأحداث بالشخصية المركزية، فنصوص مجدي النور المسرحية كلها تستند إلى الشخصية المركزية التي غالباً ما يحكي النص حكايتها لتكون الشخصيات الأخرى أدوات أو أصواتاً تدور حول الشخصية المركزية، وتعمل على إضاءتها، إما بالحوار معها أو بالتعليق عليها أو على حدث ترتبط هي به ويرتبط بها، مع ملاحظة أن هذا كله يتم في اللعب على الزمن.. زمن الحكاية وزمن النص، باستخدام تقنيات الاسترجاع والتعليق، إضافة إلى الحوار المباشر».
كتب الشعر وأصدر ديوان «فاجأني النهار» وهي القصيدة التي تغنت بها فرقة عقد الجلاد ثم صدر بعد وفاته «بطاقة المرسى الأخير» وصدر بعد رحيله أيضا كتاب «مجدي النور رؤى ومسافات أقرب» عن منشورات المسرح الوطني- مسرح البقعة، متزامنا مع الدورة السابعة من فعاليات مهرجان أيام البقعة المسرحي واحتوى الكتاب على عدد من المقالات والدراسات التي تناولت تجربته وأعماله المسرحية بجانب مقدمة الشاعر قاسم أبو زيد لكتاب الراحل «فاجأني النهار»، ودراسة قصيرة حول قصيدة «فاجأني النهار» للناقد مصطفى الصاوي. درج أصدقاؤه ومحبوه على الاحتفاء به وشهد مركز ميرغني الثقافي في أمدرمان في عام 2014، فعاليات الدورة التأسيسية لمهرجان مجدي النور للمسرح التجريبي، وأعلن المركز من خلالها عن إطلاق جائزة لأفضل عرض مسرحي باسم الراحل، تنافست عليها الفرق المسرحية والأفراد من ولايات السودان. وأقيم في الفترة من 13-20 كانون الثاني/يناير من هذا العام، مهرجان مجدي النور للمسرح التجريبي في دورته الثانية، واشتمل المهرجان على تقديم أعمال قديمة برؤية جديدة وينتظر محبو هذا الفنان وجمهور المسرح دورة جديدة من هذا المهرجان في مطلع العام المقبل.
المصدر : صلاح الدين مصطفى - القدس العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق