أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 10 يونيو 2017

'فيغارو' بومارشيه صوت المنادين بالحرية والانعتاق

مجلة الفنون المسرحية

'فيغارو' بومارشيه صوت المنادين بالحرية والانعتاق

أبوبكر العيادي

‬مسرحية 'زواج فيغارو' تكشف الواقع المرير للطبقة العاملة وما أحدثته الثورة الفرنسية من تغييرات كبرى‮ ‬في‮ ‬مجتمع كان‮ ‬يسيطر عليه‮ '‬الملك‮'.

“زواج فيغارو” مسرحية من كلاسيكيات المسرح الفرنسي، استنكر لويس السادس عشر نقدها اللاذع للقيم السائدة واستهزاءها بالسلطة، لأنها كانت تساند الطبقة البورجوازية الصاعدة في دعوتها إلى الحرية والمساواة بين البشر، وعُدّت من الأعمال التي بشرت بالثورة الفرنسية، رغم أن أحداثها تدور خارج فرنسا.

“زواج فيغارو” لصاحبها بيير كارون دو بومارشيه (1732- 1799) ألفها عام 1778، ولما منع عرضها، أعاد كتابتها بتكثيف مرجعيتها الإسبانية، وراح يخوض حملة وينظم قراءات في بعض الصالونات، لكسب التأييد لهذه المسرحية التي تبدو كتتمة لـ”حلاق إشبيلية” أو “الاحتياط غير المجدي”.

لم تمض أعوام حتى نجح بومارشيه في مسعاه وعرضت المسرحية على خشبة مسرح الأوديون في 25 أبريل عام 1784، دون أن يتنازل بومارشيه عن نقده المبطن للسلطة، رغم ما بلغه من موقف الملك لويس السادس عشر منها ووصفه إياها بالعمل المقيت، ومن موقفه منه هو نفسه حيث قال “هذا الرجل يستهزئ بكل ما يمثل السلطة” مضيفا أنها لن تعرض أبدا.

لاقت المسرحية نجاحا غير مسبوق، وظلت تعرض طوال العام، بواقع سبعة وستين عرضا في السنة، قبل أن تترامى أصداؤها خارج فرنسا، ليس فقط لنبرة الحرية فيها، وإنما أيضا لحداثة مضمونها وجدة طرحها، حتى أن موزارت تلقفها وصاغ منها عام 1786 أوبرا بالعنوان نفسه عرضت أول مرة في فيينا. ثم تبعه أنطونيو سالييري في يونيو عام 1789، أي قبيل الثورة ببضعة أيام، وبذلك دخل الخادم فيغارو التاريخ.

المنافسة بين الكونت وفيغارو ترمز إلى صراع تاريخي بين منظومة قديمة تتشبث بامتيازات مجحفة، وعالم جديد يتقد حيوية
تقع المسرحية في خمسة فصول، بطلها فيغارو، الذي يحمل سمات المؤلف من حيث إقباله على الدنيا بنهم واستشرافه الآتي، مثلما يحمل سمات الخادم كما صوّرها موليير، ولكنه يختلف عنه في نزوعه إلى التمرّد، مطالبا بالمساواة مع سيّده الكونت ألمافيفا، في قطع سافر مع أعراف المجتمع وتقاليده. وهي دعوة مباشرة إلى ثورة على القيم السائدة وعلى من يرعاها سواء من السلطة أو من الكنيسة من أجل قيام مجتمع جديد، قوامه الحرية والعدل والمساواة.

فالمؤلف إذ يصوغ خطابه على لسان بطله، إنما يعبر عمّا يعتمل في المجتمع الفرنسي آنذاك من إرهاصات يقظة الوعي وتنامي طبقة صاعدة هي البورجوازية، وتوق الرعايا إلى الحرية، دون استثناء النساء.

ويأتي ذلك بأسلوب يغلب عليه المرح والحيوية، ويقوم فيه الضحك بدور حمّال أفكار جديدة، بعضها يخص حرية التعبير التي يقابلها الأمراء والملوك بالمصادرة، وبعضها الآخر يمسّ حرية الأفراد وحقهم في المساواة.

خلال عرضها الشهر الماضي بمسرح 104 بباريس، حافظ المخرج جان بول تريبو على ديكور معتدل استقاه من لوحات جان هونوري فراغونار (1632- 1706) ذات الجمالية الحالمة القريبة من التجريدية، حيث اللهو والمرح والهزل تتداعى وتلتقي في فورة مجنونة -ومنه العنوان الفرعي يوم جنون-، وحيث يقع الانتقال من مونولوغ فيغارو ذي النبرة الجدية الرصينة، إلى لعبة الغميضة أو الاستغمّاية كما في الفصل الأخير.

والمسرحية وإن مازجها اللهو والضحك فإن ما يسيطر عليها في أغلب فصولها، هو النقد اللاذع الذي ينهض به فيغارو لإدانة امتيازات النبلاء غير العادلة، وامتهانهم الطبقات الشعبية المستضعفة، وفضح “حق التفخيذ” لديهم، ذلك الحق الذي يتيح للكونت ألمافيفا ابتزاز الخادم سوزان، فيلوّح لها بمقايضة نفسها بالمال.

وفيغارو، بما له من نباهة ودهاء وخبرة حياتية، هو الأقدر على تجاوز انتمائه الطبقي، وقد نجح إريك هرسون مَكاريل في أداء ذلك المونولوغ الطويل، الذي شــكل لحظة درامية فريــدة في آثار المسرح العالمي، حــين يقف البطل وحيدا في العتمة، يــروي قــصة حــياته بلسان المفرد، ويســتعيد الماضي في صيغــة المضــارع، متوجّــها إلى الــجمهور.

تحوم المسرحية حول خادم تتجاذبه امرأتان: سوزان، الخادم اللعوب للكونتيسة، التي يريد أن يتزوّجها، وينافسه عليها الكونت، ومارسلين المربية التي تساومه بدين سابق للزواج منه. وتبدو المنافسة بين الكونت وفيغارو رمزا لصراع تاريخي أو سياسي بين منظومة قديمة منهكة تتشبث بامتيازات مجحفة، وعالم جديد واعد يتقد حيوية.

المسرحية منعت لمدة أربع سنوات خلال الاحتلال النازي لفرنسا، لأن نقدها الجريء يتوجّه بشكل مباشر إلى جمهور قد يتأثر بخطابها سريعا
العرض يتسم بالوضوح والأمانة، مثلما يتسم ديكوره بالانسجام والاقتصاد في تأثيث المشاهد، وتبقى ميزته الأساس تقديم شخوص ينتمون إلى تاريخ الأدب وتاريخ فرنسا، يجد المتفرج متعة في استحضارهم واستحضار زمن وجودهم.

أما ما يتعلق بمدى اعتبار بومارشيه مبشرا بقيام الثورة الفرنسية، فالمخرج جان بول تريبو له وجهة نظر أخرى إذ يقول “شخصيا، لا أتصور بومارشيه يجرّد قلمه ليعدّ للاستيلاء على قلعة الباستيل، بل إنه استغل عبقرية الكاتب المسرحي المرح الكامنة فيه لمساندة الطبقة البورجوازية الناشئة في المطالبة بالحرية في شتى المجالات”.

وهو ما لا يخالفه فيه بومارشيه نفسه، حيث كتب في مقدمة مسرحيته إنها ليست مسرحية ثورية، ولو أن المؤرخين رأوا في قوله ذاك تضليلا للرقابة حتى لا تمنع عرضها، لأنه يؤمن أن الكاتب ينبغي أن يكون جريئا.

والمعروف أن المسرحية منعت فيما بعد لمدة أربع سنوات خلال الاحتلال النازي لفرنسا، لأن نقدها الجريء يتوجّه بشكل مباشر إلى جمهور قد يتأثر بخطابها سريعا، فيثور على القوات الغازية.

------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption