أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 10 يونيو 2017

مسرحية " ما يتركه الغبار " تأليف حسين عبد الخضر

مجلة الفنون المسرحية


شخصيات المسرحية :

1- الضابط 
2- المتهم 
3- الشرطي 
4- المتهم الثاني 
5- أصوات 

يفتح الستار :

غرفة تحقيق خالية من أدوات التعذيب تماما حتى لتبدو كأنها مكتب عادي . 
يرتدي الضابط بدلة مدنية ، شاب ، حليق اللحية ، قروي الهيئة .
المتهم واقف إلى جانب المكتب ببدلته البرتقالية ، معصوب العينين . 

الضابط : اي . . لماذا تدوخنا بهذا الشكل ؟ لماذا تنكر اعترافك ؟ هل تظن أن لا شغل لنا غيرك لتغير أقوالك في كل مرة . 
المتهم : أنت تعرف يا سيدي أن وسائل الضيافة هنا هي التي أجبرتني على هذه الاعترافات .
الضابط : اوهووووو . هذه حجة لن تجديك نفعا . على الأقل وسائل ضيافتنا أفضل مليون مرة من وسائل ضيافة طكعان . 
المتهم : أنا يا سيدي ، ولله الحمد ، لم أجرب ضيافة طكعان ، سمعت عنها فقط ، وهي وسائل متوحشة حقا ، لكن هذا لا يعني أن وسائل ضيافتكم ليست قاسية أيضا .
الضابط : آها . . هل رأيت ؟ ها أنت تعترف بأنك طكعاني ، قلت ، لالالالالا ، لا تنكر ، قلت بلسانك أنك لم تجرب وسائل ضيافة طكعان .
المتهم : نعم يا سيدي قلت ذلك ، ولكن هذا لا يعني أنني طكعاني المذهب . 
الضابط : وكيف لا تكون طكعاني المذهب ، وأنت لم تدخل ولا لمرة واحدة الأوكار الطكعانية ؟ 
المتهم : لم ادخل لأنني كنت أجيد تحاشي الوقوع في الخطأ . 
الضابط : الخطأ ! هل تمتلك الجرأة لتسمي البطولة خطأ .
المتهم : ليست البطولة خطأ يا سيدي ، إنما التخلي عن الحذر ، هذا ما كنت اقصد ، لقد كنت حذرا . 
الضابط : ولا شك أنك ستقول بعد ذلك أنني مناضل ، وتخترع حكايات عن بطولات تظن انك ستخدعني بها .
المتهم : إلا الخديعة يا سيدي ، لا اسمح لك مطلقا أن تتهمني هذه التهمة المشينة .
الضابط : لا تسمح لي ! هلو . عشنا وشفنا . اسمعني جيدا ، نحن نعرف أنكم كلكم كنتم طكعانيون . . كنتم تعيشون مرفهين هنا في المدن ، بينما كنا نحن نناضل هناك وسط البق والبعوض .
المتهم : ليس ذنبي يا سيدي أنك كنت تناضل هناك ، المرء حر في اختيار ساحة نضاله . 
الضابط : اسمع ولك ، لا أريد أن أطيل النقاش معك . عليك أن تعترف أنك طكعاني لينتهي الأمر . لدينا مشاغل . 
المتهم : لن اعترف أبدا بما لم ارتكب .
الضابط : كما تشاء . . لكنك ستعترف رغما عن جلدك السميك . ( يضغط على زر أمامه ، فيدخل شرطي ) أعيدوه للتحميض مرة أخرى . 
الشرطي : ( بعد أن ينظر إلى المتهم ) عندي اقتراح سيدي .
الضابط : خذه واذهب أنت لا تفهم شيئا .
الشرطي : لا لا ، عندي اقتراح عظيم سيدي ، أرجو أن تسمعه .
الضابط : تفضل اقترح .
الشرطي : ما رأيك أن نجعله يوقع في غرفة التحميض . 
الضابط : أنت حمار فعلا ، وما عملي أنا إذن إذا كانت الاعترافات توقع في غرفة التحميض ؟ قلت لك خذه وامشي . 
الشرطي : حاضر . ( ياخذ المتهم ويمضي ) . 


المشهد الثاني


غرفة في السجن ، ولها بالطبع مزايا أي غرفة في أي سجن من العالم . 
المتهم ممدد على الأرض ، تبدو عليه آثار تعذيب . 
المتهم الثاني يدور في الغرفة غاضبا .


المتهم الثاني : غبي ، غبي . كان عليك أن تخبره الحقيقة . . أنت مجنون حقا . كيف تنكر كل ماضيك في الوقت الذي تكون في أمس الحاجة إليه ؟!
المتهم : هل تعتقد أنهم لا يعرفون الماضي .
المتهم الثاني : وهل تعتقد أنهم يعرفون كل شيء ؟ ربما اختلط عليهم الأمر ، ربما أنت هنا بدلا من شخص  آخر .
المتهم : لا ، لا اعتقد ذلك . أنا هنا لأنهم يريدونني أنا شخصيا .
المتهم الثاني : وكيف عرفت ذلك ؟ ألم تقل أنهم يريدون منك أن تعترف بأنك لست طكعاني ؟ 
المتهم : هذا هو المطلوب بالتحديد . يريدون مني أن اعترف رسميا أنني لست طكعانيا ليتسنى لهم اتهامي بأنني طكعاني .
المتهم الثاني : أنت تتكلم كالمجانين . ربما كانت غرفة التحميض قاسية على عقلك . 
المتهم : لا تقلق على عقلي ، انه معتاد على الهزات العنيفة . أصبحنا نستوعب كل شيء مهما بدا غريبا . 
المتهم الثاني : لا اجد هنا ما هو أكثر غرابة منك . . تنكر كل ماضيك . . ماضيك المشرف ، وكأنك تستأنس لوجودك هنا ، مع أنه يفترض أن تكون في مكان أفضل . . يفترض أن تجلس أنت مكانهم لتطارد أعداءك السابقين . 
المتهم : لا يوجد لدي أعداء سابقون وأعداء حاليون . . عدوي موجود منذ بداية الزمان وسيبقى إلى أن يشاء الله . 
المتهم الثاني : ها قد بدأت تهذي . 
المتهم : اسمع يا صديقي . . اسمعني جيدا ، ربما كان لقاؤنا هنا مخطط له بيد الغيب .  افهم ما أقوله لك جيدا . الفرق لدينا ليس جوهريا ، كلانا يؤمن بمبدأ ، إلا أننا نختلف قليلا من حيث أن كل واحد منا يؤمن بمبدأ مختلف . . 
المتهم الثاني : أنت تعيد علي ذلك كل ليلة ، هل تسمح لي أن أكمل أنا بدلا منك .
المتهم : لا ، ليست المسألة في أن تحفظ الكلام لتردده ، الجميع يفعلون ذلك . . المهم أن تفهم الكلام ، وتؤمن به . أنت لم تفهمني حتى الآن ، أو أنك تفهمني لكنك لسبب ما لا تريد أن تصغي إليّ .
المتهم الثاني : لا أريد أن أصغي لك بكل تأكيد ، ولا أريد أن أؤمن بك أيضا ، يمكنك أن تقول مع سبق الإصرار والترصد ، لأنني لا أريد أن أؤمن بكلام يبقيني هنا في السجن مع انه يمكنني الخروج منه حالا . 
المتهم : لكنك تستطيع الخروج حالا إذا أردت .
المتهم الثاني : الأمر مختلف . لأنني يجب أن ادفع لهم المال ، المزيد من المال ، أكثر مما يستحق الأمر . . .
المتهم : أحسنت ، لنتوقف هنا . هم يريدون أن يأخذوا منك الكثير مما تعتبره أنت هدفا تعيش من اجله ، أليس ذلك صحيحا ؟
المتهم الثاني : صحيح جدا .
المتهم : ومع أني لا اعتبر هدفك هذا يستحق هذه التضحية الجسيمة منك ، لكنه هدفك على أية حال ، أنا أيضا يريدون أن يأخذوا مني ، لكن ليس الكثير ، بل يريدون أن يأخذوا مني كل ما أعيش من اجله ، وهو كرامتي . هم يعرفون أنني لست طكعانيا ، أنا كما تعرف لست رجلا  يمكن أن يكون مجهولا لهم ، فلماذا تظن أنهم يريدون مني أن أدون ذلك على ورقة رسمية ؟ 
المتهم الثاني : على فرض أنني اصدق قصتك ، وأنت مناضل عتيد ضد الطكعانيين ، وسأفترض أنهم يعرفون ذلك كما تقول ، أظن أنهم . . أظن أنهم . . لا استطيع أن أظن شيئا . 
المتهم : بالطبع لا تستطيع ، لأنك تستبعد موضوع الكرامة . 
المتهم الثاني : وما هي قيمة كرامتك بالنسبة لهم يا أخي . . دوختنا بكرامتك . 
المتهم : ماذا تظن انه سيحدث لو أنهم نشروا خبرا يقول انه ثبت بعد التحقيق معي أني لست طكعانيا ؟ سيثير هذا الخبر الشبهات من حولي ، مع أن الجميع يعرف قبل هذا الخبر أنني مضاد للمذهب الطكعاني ، ولا أحد يشك بذلك . 
المتهم الثاني : ( يأخذ دور المحقق ) وكيف تثبت لي أنك لست طكعانيا .
المتهم : أخبرتك عن كل شيء . ويمكنك أن تسأل الآخرين إذا لم تكن تعلم ، أما أن تطلب مني التوقيع على محو تهمة يعلم كلانا أنها ملفقة ، فهذا ما لن تناله . 
المتهم الثاني : وما هو الدليل على أقوالك ؟ أريد دليلا ، فمجرد الكلام لا يكفي . 
المتهم : كيف آتي لك بدليل ، وكل الأوراق قد احترقت . 
المتهم الثاني : أرني الأثر . 
المتهم : لا يمكن ، كيف أريك الأثر ؟ أنت تعرف أن المناطق الحساسة . . .
المتهم الثاني : لا سبيل أمامك غير ذلك ، آمرك أن تريني الأثر حالا ، لننهي هذه المسألة . 
المتهم : ( يدير وجهه إلى الجدار المقابل للجمهور ، ينزل سرواله ، وينادي المتهم الثاني ) تعال وانظر . 
المتهم الثاني : ( بعد أن ينظر ) ياه ، خلاص ، لقد صدقتك ، من الخير لك أن تنتحر يا أخي ، فما هي قيمة الحياة من دونه . 
المتهم : البغال وحدها تنتحر . الحياة كبيرة يا أخي حتى من دونه . 
المتهم الثاني : طز بحياتك يا أخي ، وهل هذه حياة ، بلا يا رجل! . . بلا ! كيف تكون رجلا إذا كنت بلا ؟!
المتهم : يمكنك أن تكون رجلا بلا ( يشير إلى عضوه ) لكنك لا تستطيع أن تكون إنسانا بلا ( يشير إلى رأسه ) .
المتهم الثاني : وقلت أنهم اغتصبوها أمامك . . يا رجل ، اغتصبوها أمامك ، ثم جعلوك غير نافع لها . . ياه ، لا شك أنك عانيت كثيرا .
المتهم : ( يغص بالبكاء ) عانيت . . عانيت . 
المتهم الثاني : قم الآن ، قم وأرهم أنك عانيت أكثر مما عانى أي كلب منهم . 
المتهم : لا ، لن اعرض آلامي في مزاد البراءة المزيف هذا ، ثم أنها عاشت . . عاشت وتزوجت وأنجبت ، صحيح أنها عاشت بعيدا عني ، لكنني واثق من أنها مازالت تحبني . 
المتهم الثاني : بعيدا عنك . . وتحبك ، طبعا ، وماذا بقي لديك غير أن تقول ذلك . صحيح ، حدثتني عن عدو غريب ، كان وسيبقى ، من هو ؟ 
المتهم : ما يجري الآن .
المتهم الثاني : ما يجري الآن هو عدوك !. . عدوك الذي كان وسيبقى ! يا الهي ، هل كان قدري أن أحبس في زنزانة واحدة مع مجنون ؟! ( ينادي على الشرطي ) شرطي . . ابو اسماعيل . تعال وأخرجني ، أريد أن أرى الضابط . 
( يأتي الشرطي ، ويفتح له باب الزنزانة ، فيخرج ) . 

المشهد الثالث

فضاء مظلم . المتهم معلق إلى السقف عاريا . 

صوت المحقق : أذكر اسما واحدا فقط ، وقسما بستر أختي ، سأطلقك . 
المتهم : لن تنال حتى حرفا . 
صوت المحقق : سينتهي أمرك هنا إذن .
المتهم : لا يهمني .
صوت المحقق : اجلده . 
( صوت جلد . المتهم يتلوى ألما ، المحقق يشتم ببذاءة ، وتختلط كل هذه الاصوات مع موسيقى صاخبة . بعد دقائق يفقد المتهم وعيه ) .
صوت المحقق : فوّقوا ابن الكلب هذا ، وأعيدوا التحقيق معه من جديد . 
( يحل ظلام كامل ، وترتفع أصوات تأتي من الذاكرة ) .
صوت فتاة : ستورطنا معك حتما . 
صوت المتهم : الحياة ليست أنا وأنت فقط ، يجب أن يعمل الجميع من اجل الجميع .
صوت فتاة : صدقني لا يوجد من يستحق أن تضحي من اجله . 
صوت المتهم : إذا لم يكن من اجلهم / فمن اجلي أنا ، لا يمكن أن استسلم لهذا الوضع . 
صوت الفتاة : وماله وضعك ؟ أنت موظف تتسلم راتبك كل شهر ، يمكنك أن تفتح بيتا ، ونتزوج لنعيش كباقي خلق الله .
صوت المتهم : وهل نحن إحياء يا عزيزتي ؟ إننا أحياء ميتون ، صحيح أننا نتحرك ونتنفس ويمكننا أن نتكاثر ، لكن محجور علينا أن نفكر أو أن نصرخ حتى ، هل تسمين هذه حياة ؟ 
صوت الفتاة : على الأقل هي أفضل من أن تكون هناك .
صوت المتهم :  هل رأيت ؟ أنت تخافين حتى من تسمية الأشياء بأسمائها . لو بقينا على هذه الحال فسيصبح كلامنا كله رموز حتى نعجز عن نقل قضيتنا للآخرين . 
صوت الفتاة : اسكت أرجوك ، ربما يسمعنا احد .
صوت المتهم : سأسكت ، ولكن ليس من اجل أن لا يسمعنا احد ، بل لأنك جميلة جدا عندما تكونين مطمئنة . 
صوت المحقق : ابن الكلب ، هذه هي حبيبتك . أليست هذه هي ؟ سأجعلهم ينيكونها أمامك الآن . . كلهم سوف ينيكونها . 
الفتاة تصرخ وتتوسل . 
المتهم يصرخ .
أصوات اغتصاب وحشي ، وشتائم المحقق . 
ثم ، سكون تام . 


ستار
حسين عبد الخضر 
Husayna3@gmail.com


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption