المسرح الجامعي العربي يشكو نخبويته المفرطة
مجلة الفنون المسرحية
المسرح الجامعي العربي يشكو نخبويته المفرطة
فيصل عبدالحسن - العرب
منذ سنوات والنقاش يدور بين المهتمين حول أسباب انحسار الجمهور العربي عن ارتياد المسارح في الوطن العربي، وأرجعوا هذا التدهور في العلاقة بين الجمهور والمسرح إلى افتقار العديد من المدارس في الوطن العربي إلى مسرح مدرسي، والمعروف أنّ المسرح المدرسي يربي الأجيال الجديدة على حب المسرح، ويخلق ثقافة مسرحية لديهم، ويهيئ مواهب غضة تتبوأ في المستقبل خشبات المسارح لتقدم إبداعها المسرحي، فهل يعبّر هذا المسرح عن هموم الشارع العربي؟
أزمة حرية ونص بالضرورة
من أشد المعضلات التي يواجهها مسرح اليوم في الوطن العربي تخلف المسرح الجامعي الذي يعد الحصيلة النهائية لما يقدمه المسرح المدرسي من مواهب للجامعات المختلفة، “العرب” استطلعت رأي بعض المثقفين والمسرحيين العرب حول أهمية المسرح الجامعي من عدمها في وقتنا الراهن، ومدى قربه أو ابتعاده عن مشاغل الناس.
وهنا يقول الباحث والمخرج المسرحي العراقي حسن السوداني المقيم في السويد حول هذا “تخيلوا معي! هنا في أُوروبا حيث أعيش أدير الرأس بين البناء والإنسان، فأجد تناسقا عجيبا، فالحرص على الشارع والحائط والحديقة وعلى التمثال واللوحة لا يحدّه حدّ، وأتساءل كيف وصلوا إلى هذا الإتقان في التطور الأنيق؟ فيتردد قول جوليان هلتون في رأسي: قام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم مسرحيات الأسرار والأخلاق كوسيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس، ولهذا السبب احتل النشاط المسرحي المدرسي مكانا رئيسيا في مناهج التعليم في عصر النهضة”.
ويضيف حسن “وتخيلوا معي أيضا كم سامي عبدالحميد ويوسف العاني وبدري حسون فريد وجواد سليم وفائق حسن وكاظم حيدر وفاضل خليل وعزيز خيون ومحمود أبوالعباس.. إلخ بين طلبة جامعتنا اليوم يبحثون عن فرصة، ليكونوا نجوما في سماواتنا الإبداعية، تخيلوا معي كم نقتل سنويا من تلك المواهب في جامعاتنا، ولا نوفر لها الفرصة للسطوع، المسرح الجامعي هو عجلة قيادة السفينة التي تحدد مسارات الجمال، وتعبر به إلى شاطئ التحضر، وإذا بقي المسرح العربي من دون أن يرفد بأجيال جديدة، فموته مسألة وقت فقط”.
الفرجة الإلكترونية
يشير عبدالوهاب الرامي، أستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، إلى أسباب أخرى، فيقول “يشكو المسرح العربي عامة من مزاحمة وسائل الاتصال الجماهيرية الجديدة، باعتباره الشكل التقليدي لفنون التجسيد، والتشخيص والرواية، وما يمكن ملاحظته هو أنّ المسرح، بكل صنوفه، لم ينغرس في ثقافة المواطنين قبل أن تزحف عليه الأشكال الجديدة للفرجة الإلكترونية، والمسرح ليس فنا للفرجة فقط، بل هو من مقومات تربية النشء، خاصة أنّه يتيح على مستوى المدرسة والجامعة الارتقاء بآليات التعبير، وتحقيق الذات المنشغلة بهواجس المجتمع والحياة عامة”.
جمال أمين الحسيني: بعودة مسرح الشارع يذهب المسرح إلى الجمهور، وليس العكس
ويستطرد الرامي “وما دامت المدرسة في الدول العربية لا تهتم بالفن المسرحي كوعاء تعبيري، تماما كما هو الحال بالنسبة للموسيقى والرقص والرسم والرياضة، فإنّ المواطن لن يعبأ في ما بعد بأبي الفنون، لوجود بدائل تغنيه عن الاستمتاع بحميمية الفرجة المباشرة على الخشبة، ويمكن للمسرح الجامعي أن يشكل حلقة وسيطة لإعادة الاعتبار لهذا الفن الراسخ في القدم، لكن على أساس أن يكون جاذبا لعدد كبير من المبدعين الطلاب وغير الطلاب، وذلك من خلال شراكات متعددة”.
أزمة جمهور
تحدث الباحث الفني والمخرج السينمائي العراقي جمال أمين الحسيني، المقيم ببريطانيا، عن الوجه الآخر لمشاكل المسرح العربي فقال “المسرح الجامعي ونوادي السينما يعتبران، وباقي الفنون من أهم وسائل التنوير في المجتمع، لما تتوفر عليه هذه الفنون من ثقافة ضرورية للطلبة الدارسين للعلوم والآداب، والجامعات من أهم الأماكن التي يجب أن تتوفر بها الفرق المسرحية ونوادي السينما، لأسباب مهمة جدا، لعل أهمها الجانب المعرفي، ولما تخلقه من متعة لمتابعيها”.
ويضيف جمال “إنّ إيجاد الفرق المسرحية ونوادي السينما يساعد على إيجاد عرف اجتماعي، وهو الذهاب إلى المسرح والسينما، والتعوّد على اقتطاع وقت من حياة الشاب كي يذهب إلى المسرح والسينما، فالذهاب إلى السينما والمسرح يحتاج وقتا، وتوفر هذه العروض في قاعات الجامعة قريبا من مختبرات العلم يعطي دفعة نفسية ومتعة بصرية تساعد الطالب على التخلص من الضغط النفسي الذي يمر به. والسينما والمسرح من الفنون الشعبية نظرا لسحرهما وتأثيرهما المباشر على المتلقي، ويبدو أنّه في الدول العربية، عدا مصر، أصبح المسرح يقدّم إلى جمهور نخبوي، وهذا ضد المراد.. أنا أدعو إلى عودة مسرح الشارع والمقهى والمسرح الفقير كي نتمكن من إرجاع الجمهور إلى المسرح، ولكن بطريقة عكسية؛ أن يذهب المسرح إلى الجمهور، ولا يبقى أسيرا لقاعات العروض النخبوية، كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لا يقللان من أهمية وجود دور العرض السينمائي والمسرحي”.
وقال الناقد الفني المغربي عبدالله الشاهد ” موضحا الجانب السياسي في الموضوع “يبقى المسرح الجامعي أحد الأنماط المسرحية التي لم تنل حظها من الاهتمام التحليلي والنقدي في عالمنا العربي، ولعل هذا الإجحاف إن صح التعبير ليس راجعا إلى ضعف هذا اللون الإبداعي الذي ظل حاضرا بالجامعات العربية، مشكلا أحد مصادر إشعاعها الثقافي والفني، حيث ازدهرت هذه الحركة المسرحية في المشرق العربي خلال ستينات القرن الماضي، وكان القطاع الطلابي بمثابة الفئة العريضة لجمهور هذا المسرح الذي كان آلية من آليات محاكمة الوضع السياسي والاجتماعي العربي، مما جعله محط أنظار الأجهزة الأمنية، وظهور عدة محاولات لتحجيم المسرح الجامعي من النواحي الفنية والتربوية المحضة في محاولة لجعله نسخة من المسرح المدرسي”.
عبدالله الشاهد: أزمة المسرح الجامعي، هي جزء من أزمة المسرح العربي بشكل عام
ويضيف الناقد الفني عبدالله الشاهد “لعل أزمة المسرح الجامعي جزء من أزمة المسرح العربي بشكل عام، إنّها أزمة حرية أولا ونص بالضرورة، وأخيرا أزمة جمهور ارتمى في أحضان الجرعات السريعة التي يوفرها التلفون والهاتف الذكي، مما أدى إلى ظهور أجيال جديدة بعيدة عن الطقوس الفنية والثقافية للزمن الستيني الجميل، حيث كانت المسارح قبلة النخب المثقفة والناس البسطاء معا”.
وتذكر الفنانة المغربية سناء الإدريسي (21 سنة)، وهي ممثلة في المسرح الجامعي، أن “فرص الموهوبين في المعاهد والجامعات العربية والمغربية محدودة بمناسبات محددة، منها حفلات التخرج السنوي”.
وتستطرد الإدريسي “للأسف، لا يتم تدريب الموهوب بالتمثيل أو الإخراج أو الإضاءة والسينوغرافيا أو المؤثرات الصوتية تدريبا مهنيا، بل يقوم الموهوب بتعليم نفسه بنفسه، وهذا بالطبع يؤثر على عطائه”.
وتضيف سناء “هذه المسرحيات تجد فيها الخلط بين مدارس مسرحية لا يمكن أن تتفق في عرض واحد كمسرح العبث ليوجين يونسكو والمسرح الملحمي البريختي، وكل هذا الخلط ناشئ للأسف من عدم خبرة الفنان الجامعي، وقراءاته المشوشة لمختلف المدارس المسرحية، وهذا ما تراه يظهر واضحا في العروض المسرحية بمعظم الجامعات والمعاهد المغربية، فهجر الجمهور المسرح”.
0 التعليقات:
إرسال تعليق