مسرحية "المغتربان " وتجاوز التقليدية المتعارف عليها
مجلة الفنون المسرحية
احمد الحرباوي
مسرحية (المغتربان) للكاتب البولندي "سلافومير مروجيك"، إنتاج مسرح نعم/ فلسطين، تصميم وإخراج إيهاب زاهدة، وبطولة رائد الشيوخي ومحمد الطيطي، ترجمة ومعالجة نصية الفنان جورج إبراهيم، ادارة إنتاج محمد عيسى، والتنفيذ التقني لهمام عمرو، تم عرض المسرحية في مقر مسرح نعم/ الخليل، وتندرج المسرحية تحت ما يسمى (الكوميديا السوداء)، والتي تتطرق إلى نقد الواقع أو القضية المعالجة بإطار كوميدي ساخر، يسلط الضوء على المشكلة المطروحة بفلسفة وجدانية خاصة.
بالنسبة لمضمون المسرحية الرئيسي، والتي كتبت في النصف الأخير من القرن المنصرم، والتي ناقشت قضية الإغتراب والهجرة، التي وقع الكاتب ضحية لها بعد ما سمي (بربيع بلغراد) وعايش تفاصيل مهمة انعكست في نصه.
المحيط التاريخي والتجربة الشعورية للكاتب نقلت صدق القضية المطروحة، والتي لازالت تستشري في المجتمعات البشرية حتى الآن، فالإطار الزماني والمكاني المفتوح، والقضية العامة التي طُرحت في النص، جعلت المسرحية ضرورة ملحة في تسليط الضوء على هذه القضية، ولكن نجاح العمل واستمراريته يكمن في قدرة المسرح المحلي في كل دولة، على تبني النص وإعادة معالجته وفق المرحلة الزمنية المرحلية والخاصة، والمرتبطة بالمحيط الإجتماعي والسياسي الذي يعيد إنتاج المسرح مما يتوافق مع تطلعاته وآماله ومشكلاته، وبيئته الخاصة بكل مكوناتها.
إن هذا العمل يعالج في ثناياه، علاقة الفرد بالسلطة المحتكرة للحريات والأحلام، والملفت في النظر أن معالجة النص والإخراج في مسرح نعم الفلسطيني، تجاوز التقليدية المتعارف عليها في تحميل العبء في كافة المشكلات التي تواجه شعبنا للإحتلال الإسرائيلي، سواء في المسرح أو الأدب، فبرز من خلال النص الذي تُرجم إلى أداء مسرحي، اعتماده على النقد الذاتي في تسليط الضوء على أصل المشكلات، فالمسافة بين النص المكتوب والمتلقي وهي (الأداء التمثيلي) أبرزت بُعد تراجيدي يسير على منحنى واحد بين النص والأداء، فالإنفعال الوجداني والحالة الشعورية للممثلين بالإضافة إلى السيناريو كان يسير على منحنى واحد برز التماسك والإرتباط، ليعطي انطباع مرحلي على أقل تقدير للمتلقي بصدق القضية المطروحة، وبتأثير يجعله يطرح على نفسه ألف سؤال عن الواقع والمستقبل.
ومن المهم الحديث عن التكامل البارز بين الإخراج والتمثيل، والتي أعطت للمتلقي تجربة شعورية مكتملة الأركان، وهنا يكمن النجاح في فصل المتلقي عن ذاكرته وعن تجربته لفترة قصيرة بسبب قوة تفاعله مع الأحداث المنقولة على المسرح أمامه، ليقف على مسافة قصيرة من نفسه وتجربته لتضح لديه الصورة وخاصة عن قضية الهجرة، والتي تتفاعل داخل عاطفة كثير من الشباب، فالصورة اللفظية التي ناقشت هذه القضية المهمة بالإضافة إلى التعبيرات الحسية للأداء التمثيلي أعطت شكل من التكامل للمتلقي ،ليدخل في هالة التفاعل الفردي، رغم عدم مثالية الأداء في بعض المواضع وبتفاوت في مهارة الممثلين، إلا أن القضية كانت مكتملة الصورة بكافة إيجابياتها وسلبياتها للجمهور.
إن الحوار الذي تعمتد عليه مثل هذا النوع من المسرحيات مهم جدًا في نقل وجهات النظر المختلفة ورؤيتها للقضية المطروحة، وبرزت في هذه المسرحية بين الفئة المثقفة والطبقة الكادحة، والمساحة الواسعة التي تفصلها عن بعضها والمحشوة بعدم الثقة والخداع والخوف والإتهام المتبادل والإصطدام، ولكنهم يبقون في علاقة تكاملية في احساسهم بالخوف والضياع والإنصياع للسلطة العليا، وهذا برز بمهارة الممثلين في تمثيل هذا الصراع عبر لغة وانفعالات مقنعة زجت بالمتلقي داخل دائرة الصراع، قد تُحمله جزء من المسؤولية لتحديد موقفه ودوره.
ما يحسب كنقطة ايجابية مهمة للمسرحية، هي تماسك الإيقاع الأدائي بين الإنفعال الحركي واللغوي، إلى جانب التأثيرات الصوتية والإضائة والديكور، والتي أعطت للعمل رونقًا من التماسك والتفاعل بينها وبين المتلقي، لينفصل عن ذاته داخلًا في متاهات الأسئلة والبحث عن الذات، وهذه التوليفة الدرامية الذي قام بها مسرح نعم بكل طواقمه لنقل هذا العمل المسرحي لما يتوافق مع الحال الفلسطيني، عكس طموح المدينة الفلسطينية في إنتاج مسرح يعبر عن آمالها وتطلعاتها وحضاريتها.
بعدسة الاعلامية سمر بدر
0 التعليقات:
إرسال تعليق