أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 13 أكتوبر 2017

مسرحية "أسود شفاه "تأليف فاتن حسين ناجي

مجلة الفنون المسرحية


الشخصيات
الزوج : أعمى في الخمسين من عمره 
الزوجة : صماء في الاربعينيات من عمرها
 المكان : بيت قديم بباب خشبية قديمة وجدران تحول بياضها الى رماد ..نوافذ موصدة بنى عليها الغبار اعشاش من جحور الظلام ..اريكة غطى خشبها السواد .

المشهد الأول 
 ( أعمى وصماء )

المكان   :  صالة البيت .
الزوجة  :  اشعر انك تشتمني اسمعك ....اسمعك صماء لكني اسمعك ، أين أنت ؟ أنت تشتمني ...
الزوج   :  ( يتحسس الارض بعصاه ) لا أرى شيئا سواك.
الزوجة  :  لقد سئمت البحث في الادراج .. أين وضعتها ؟
الزوج   :  كلما سألتك سؤالا آخر .. أجبت بصراخ آخر .
الزوجة  :  أين وضعت علبة الكبريت ؟ ادرك انك لا تبصر لكني بدأت اشك بانك لا تفهم ايضاً.
الزوج   :  ( يسحب نفسا عميقا من سيكارته وينفثه ) أشم رائحة دخان !
الزوجة  :  أشم صوت شهيق وزفير نتن جدا .
الزوج   :  ( يصرخ بها ) أين ؟ ما بك ؟ أي صوت ؟ ( يتوقف ، بخيبة ) إنها لا تسمع.    
الزوجة  :  ( تقترب منه بهدوء ) جارتنا البلهاء تحسدني لأنني لا أسمع . لاتعلم اني افهم حركات الشفاه .
الزوج   :   أنا أسمعك جيدا.. ولكن عليك أن تفهمي ما أردد .
الزوجة  :   الرجال .. مشكلات تمشي على الأرض .
الزوج   :   نبحث عن آذان تصغي لما نقول ، لقد تحول بيتنا الى كلمات متقاطعة .
الزوجة  :   السعادة في رجل لا يرى وامرأة لا تسمع .. هكذا تقول جارتنا البلهاء .
الزوج   :   تسمعين جارتنا .. ويتوقف سمعك الباسل أمام زوجك .
الزوجة  :   اشاراتها صادقة أحيانا .. الرجال يكثرون من الثرثرة بغية الوصول الى أعماق غضبنا ، ثم يتكؤون على أقرب منصة هدوء ، ويتركون عاصفة الغضب تفتك بكل ما هو صادق .
الزوج   :   هل أقول لك شيئا مهما يا امرأة ؟
الزوجة  :   لم يأت اليوم بائع الخضروات .. رغم أنني أخبرته برغبتي شراء الباميا لكي أضعها في خيوط وأجعلها تتيبس على سطح المنزل ، ولكنه لا يفقه الحديث ( توجه يدها نحو زوجها ) هو في النهاية رجل مهما باع أو اشترى .
الزوج   :   أنا جائع .. هل تسمعين ؟ أنا جائع ، لا شيء سوى الدخان يدخل الى احشائي.
أنا جائع ، هل تسمعين ؟ أنا جائع ، لا شيء سوى الدخان يدخل الى أحشائي .

الزوجة :سمعت البارحة ليلاً صوت غريب في المنزل .. رغم اني لااسمع .. ولكن الغرابة احياناً تجعلنا نستشعر بلاشياء بعمق

الزوج :( يصرخ بها ) أنا جائع يا امرأة ، سأتيبس بدلا من الباميا .. وانت مازلت تنتظرين بائع الخضروات منذ ثلاثين عاما .
( يشم ) ما زلت اسمع رائحة دخان في بيتنا .
الزوجة :للمرة الخامسة والاربعون بعد الالف اقول لك لاتربت على كتفي بقوة (تمسك بيديه بقوة ) اخذ منك نظرك ليعطيك قوة الكفين
الزوج :كنت اعتقد بأنني اضع يدي على طاولتنا القديمة . طاولاتك جميعها قديمة ..اصبح الطعام فوقها يزيدها بؤساً.

الزوجة :نعم سمعتها هذه الكلمة سمعتها بشفاهك المتيبسه

الزوج :ولماذا لا تسمعي جوعي ، أنا جائع ومازلت اسمع صوت الدخان هنا .


الزوجة :لربما استجاب الله لدعواتي واحترقت معدتك
الزوج :دعواتك .. لن تصل الى حدود باب بيتنا .
اصلي فروضي بطهارة .. ولاعذر لي كما هي اعذار الضالين  الزوجة :
الزوج :والدخان ؟
( يرمي سيجارته )

الزوجة :لايطهر الدخان من اجسادهم لاطهارة لها

الزوج :أعترف بأنني أعيش في وسط لغز ( خائفا ) شيء ما يحترق في بيتنا .
دعيني ارى بعينيك الحريق ، ارجوك ، اتوسل إليك ( يتوقف ) إنها لا تسمع لا تسمع لا تسمع ...

الزوجة :لاحرائق في جسدي لتراها
غدت كل اجزائي شظايا
انت لاترى
ولاتريد انت ترى سوى ماتريد
بدأت استنشق رائحة احتراقك

الزوج :أنت أول حريق في عمري .. ولا تسمعي سوى مفرداتك .

الزوجة :يالها من رائحة تشعرني وكأن اسفل قدمي رماد الحروب


مشهد الثاني 

 (تدور الأحداث في المطبخ )

الزوجة :قلت لك لاتدخل المطبخ لوحدك

الزوج :الجوع يوصلني دائما الى مطبخك . وليس فيه سوى الظلام .

الزوجة :انا لم اطبخ شيئاً اليوم ..سئمت ان اطبخ وتذمون ماتأكلون

الزوج :لا تطبخين سوى طبخاتك التي لا أحبها ، أنت تتفردين بسلطتك داخل المطبخ وتريدين مني أن ارى طعامك الباهت وأصفق لك أيضا !

الزوجة :انا دائما من يدخل هذا المطبخ وانا دوماً من يشعل النيران تحت القدور وانا في كل البدايات والنهايات من تذم لان اكلها لافائدة منه

الزوج:لا تملكين سوى الخطابات الرنانة في هذا المطبخ ، والسكاكين التي تهدديني بها دون أن أراها .

الزوجة :اطيل الجلوس حول محد السكاكين وتخرج من بين ذراعه سكاكيني عمياء . كما هي الاعين التي تطيل النظر نحو اللاشيء فلتسقط تلك السكاكين

الزوج :اكره محد السكاكين .. اكرهه .

الزوجة :فلتسقط القدور والطبخات

الزوج :حاولي ان تسمعينني ولو لمرة واحدة في حياتك .. حاولي ، لماذا عليّ الحديث مع حجارة ياربي ؟

الزوجة :فلتسقط معها كل ملاعق الافواه الصامته

الزوج :أنا جائع .. وليس في مطبخك سوى الشعارات المحترقة .

الزوجة :انت  لاتتكلم سوى بالفزع..
سئمنا فزع الانتظار..
سنوات طويلة ونحن نتتظر وانتظار الموت اصعب من الموت ذاته

الزوج:( خائفا ) لا ترفعي سكاكينك بوجهي يا امرأة .

الزوجة :انت لاتملك صبراً على الجوع لساعات ونحن جياع منذ ان اكلت حواء مااشتهت نفسها
ياليتها اكلت الافعى
وتركتنا نمضي نحو الازل

الزوج :أنت من أنزل آدم الى مطبخ هذه الحياة التي ليس فيها سوى الجوع ( يصرخ بها ) ما زلت أشم دخانا في بيتنا ، وأنت تقفين مثل ملعقة فارغة في احلام الجائعين .

الزوجة :لن اطبخ اليوم انا قررت ان لاطبخ اليوم ..

الزوج :لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟

الزوجة :تستطيع ان تتوسد جوعك وتغفوا
لن تزلزل الارض تحت اقدامك

الزوج :والجوع ؟ هل تفهمين ماذا يعني ان انام ببطن صارخة ؟

الزوجة :انا لاافقه شيء بعد الان

الزوج :دخان دخان دخان .. الرائحة تشتد يا امرأة .

الزوجة :انا اشتم رائحة دخان وانت لاتدرك سوى الجوع

الزوج :سنحترق ، هل تسمعين ( يرفع عصاه ) انها لا تسمع شيئا سوى كلماتها.

الزوجة :لربما هي رائحة معدتك الخاوية على عروشها الابدية

الزوج :أعمى وجائع .. ماذا تريدين أكثر مني ؟

الزوجة :ومنذ متى وانت تعطي حتى اطلب منك انت لاتملك سوى الأخذ

الزوج :سمعتيها اذن ؟ سأجن أيضا .

الزوجة :هناك خبز وبصل في ركن المطبخ اذهب وااكل منه ان كنت جائع

الزوج :لا شيء في مطبخك يا زوجتي سوى خبز وبصل وانتظارات ، لا شيء يؤكل سوى آمال بائسة لاتسد الرمق .

الزوجة :رمق الجوع تسده قطعة رغيف مابالك برمق سنين من الشوق والانتظار هل يسدها شيء من ذلك الخواء

الزوج :حاولت أن أحبك ، حاولت رغم الظلام الذي يسكن رأسي .. ولكنك دائما تتحولين الى شوكة كبيرة في عينيّ.

الزوجة :بدأت رائحة الدخان تزداد لربما احد من الجيران يحرق طبخة ما؟؟

الزوج :سنحترق وانت تتفرجين على احتراقنا .

الزوجة :نستجمع افكارنا .. نستجمع قوانا ... نستجمع مواد طبختنا .. نسجمع نارها ... ويحترق كل شيء في لحظات ولايحترق اناء الطبخ لوحده بل يحرق الجدران والسقوف التي تأوي ماتحتها

الزوج :أووووووه .. مللت من خطاباتك .. تريدين ان تستولي على تفاصيل هذا البيت ، حتى الذكريات تريدينها لنفسك ، لروحك ، لقلبك ...


الزوجة :لربما هي ليست رائحة حريق اودخان لربما هي رائحة تفوح من جسدك تحرق انفاسك وانفاسي منذ مدة طويلة والماء لم يلمس اجزاءك

الزوج :أقسم لك بأنني اشم حريقا في بيتنا ...

الزوجة :اقرأ من بين شفاهك انك تقسم ... ويحك ان كنت تقسم ان الرائحة تفوح من جسدي
تضع يدها على السكين بقوة
تتوجه نحوه
تقترب من اذنه

الزوج :تحترقين ؟

الزوجة :(تهمس له وكانها مجنونه)
لاتكرر قسمك مرة اخرى...والا

الزوج :أشم رائحة سكين يرفع بوجهي .

الزوجة :هل تحولت الى كلب ام ماذا كل حديثك عن الشم ... حتى السكاكين اصبح لها رائحة مع ذلك الانف المنزوي خلف ستار البصر

الزوج :لا أملك سواه .. امام هجومات سكاكينك التي لا تنتهي .

الزوجة :امتلك قوتي سوف تمتلك كل شيء بعدها البقاء للاقوى

الزوج :الرجال قوامون في بيتهم .. أما سلطة سكاكينك فهي زائلة .

الزوجة :منذ زمن قديم ...زمنٌ يعلوا ترائبه الغبار ..كان الرجال قوامون اما اليوم فحتى الرجال اصبحوا ثلاث اقسام او ثلاث اشياء

الزوج :لا احب اكلاتك المفضلة .. اريد يوما واحدا تطبخين اكلتي المفضلة التي نسيت اسمها وشكلها وطعمها ورائحتها .

الزوجة :اذهب الى امك سوف تطبخ لك كل ماتشتهي وتتمنى ..الا يكفيني الثلاثين عاماً اطبخ فيها ماتريد وتشتهي وفي نهاية المطاف ادرك انك قد نسيت طعمها وشكلها ورائحتها
لقد تحولت الان من كلب الى قطة 
في نكران مستمر
(تضحك بقوة وجنون)
ياله من يوم جميل قطط وكلاب ورائحة دخان... وكاننا في خرابة

الزوج :هذا البيت هو مملكتي .. لم يعد فيه معك سوى اتهامات لا تنتهي .

الزوجة :مارأيك ان نتخلص من رائحة الكلاب والقطط ورائحة الدخان كذلك ونخرج من المطبخ الى الحمام

الزوج :ولكنني جائع ( يصرخ ) جائع .. وحمامك يوجعني بمائه الساخن .

الزوجة :سوف تمتلأ معدتك بمائي الساخن وستنسى جوعك

الزوج :ولكنني خائف .. ان تأخذي سيكينك معك للحمام .

الزوجة :ساتجرد من سكاكيني وبامكانك ان تتاكد من ذلك

الزوج : ( بفرح ) حقا .. والشوكات ؟

الزوجة :لايملأها الماء ولايستطيع احتضانها

الزوج :اعتدت ان تهددينني دائما واعتد ان استوعب تهديداتك بالحب . لقد غادر الحب هذا البيت منذ زمن بعيد ، ولقد فشلنا حتى بإنجاب طفل يحمل تأريخ هذه العائلة !

الزوجة :كلما تطلعت في المرآة ( تاخذ احد السكاكين تمسحها بقوة بطرف ثوبها تنظر من خلالها الى وجهها ) مازلت جميلة رغم اني لاادرك ذلك وانت لاتدرك ذلك لكن يكفي لسكيني ان تلمع فرحاً وهي تلقي بضوئها فوق جبيني

الزوج :طالما سمعتك تخطبين في منتصف الليل امام مرآتك حاملة سكين مطبخك ، وتدونين بياناتك المدوية في ارجاء هذا البيت الذي يحتاج الى لحظة هدوء واحدة ، لحظة حب ، لحظة حياة ، لحظة همس ، لحظة ...

الزوجة :لحظة ... اصمت للحظة اتبعثر وانا الملم الحروف من على شفاهك الاتدرك اني لاافقه من الحديث سوى تجميع الحروف


الزوجة :دعك من الهروب الآن .. الم يكفيك هروبك من الحياة برمتها

الزوج :سأحترق بافكارك ومؤامراتك وصراخك ...

الزوجة :دعني احرقك بمائي الساخن

الزوج :الماء اهون علي من دخان روحك في المطبخ ..

الزوجة :اتكأ على كتفي لاقودك حيث مياه روحي

الزوج :أنا أبحث عن روحك الان .
( يبحث بعصاه في المكان )

الزوجة :ادعك من عصاك الان اتكأ على كتفي

الزوج :أين أنت ؟ أين ؟ تعالي .. لمرة واحدة في عمرك اتكأ على كتفيك .

الزوج :اليك كتفي التي هدها وطنك .. اتخذ منها وطن لايهدأ

الزوج : ( يضع يده على كتف زوجته ، يخرجان من المطبخ مسرعين ، تغلق الزوجة باب المطبخ بعد ان تجتاحه النار )

المشهد الثالث 

(الغسل )

الرجل هنا في وسط الطست والزوجة واقفة تقوم بتغسيله

الزوجة :صار لابد لك ان تتخلص من رائحة الدخان التي ملئت جسدك

الزوج :الدخان يلتصق بي منذ ألف سنة .

الزوجة :ومنذ الف سنة لم اعهد مياه نهري بهذا اللون

الزوج :أي لون ؟

الزوجة :احمر بلون الدم .. وكان نسبة المياه على وجه الارض تحول من سبعين الى سبعمائة حتى بدأت ذرات المياه تتداخل ببعضها وتتخلى عن زرقة لونها

الزوج : ( يصرخ بها ) وهل تغسلينني بالدم يا امرأة ؟

الزوجة :انها دمائكم .. ليس هنالك دم غريب

الزوجة :الدماء متشابهة لونها واحد ليس بدم غريب قد اخترق ثناياها

الزوج :اجبرتني على الاغتسال في هذا الطست .. وانت تعرفين جيدا بأنني أخاف من الماء

الزوجة :تتمتم بهدوء (استغفر الله الحي القيوم .. استغفر الله عن المعاصي والذنوب )

الزوج :ماذا تفعلين يا زوجتي ؟ ما هذه التمتمات ؟

الزوجة :تستمر بالتمتمه وتصب على جسده الماء وتعد ابى ثلاث مرات ( واحد اثنان ثلاثة)

الزوج : ( بألم ) ماذا يجري هنا ؟ أشم رائحة كافور !

الزوجة :افتح لي فمك اريد ان انظف اسنانك حتى تغدوا بيضاء ناصعة ولاتخاف لون الدماء الاسنان لاتعانق الالوان

الزوج :هذا ليس غسلا .. بدأت أشك بأنك زوجتي .

الزوجة :اريد ان اقص جزء من شاربك ولحيتك او دعني اقصها كلها ليس هنالك داعً لوجدها
سنوات عدة وانت تربي وترعى وتتوسد هذا الشارب الذي لاخير فيه سوى التكاثر

الزوج : ( بخوف ) لالالا .. توقفي ارجوك عن افكارك ، هما هويتي التي عرفت بهما ، كيف لي الظهور دونهما للناس
( يصيح بها ) من أنت ؟

الزوجة :انا التي اعطيتك هوية

وبامكاني ان اسحبها الآن واجردك حتى من اي مسمى للهوية

الزوج :لا املك هوية سوى الظلمة ( يصرخ ) لاتضربيني بمائك هكذا ( يصيح وهو يفرك عيناه ) عيناي تحرقاني .

الزوجة :اردت ان اغسل لك بمياه باردة لكنت حينها اقرب للتقوى

الزوج :أنا حي أرزق .. ولا يمكن لكلماتك الباردة ان تجعلني ميتا .

الزوجة :اعطني يسارك ....واحد اثنان ثلاثة

الزوج :ماذا تفعلين ؟

الزوجة :مااطيب هذه الرائحة ... اعشق عطر الكافور عندما يفوح من بين الترائب

الزوج : ( بخوف ) كافور ؟ ما زلت اتنفس الحياة هنا ، وابحث عن الشمس في عيون الناس ، أنا قلب ينبض بالحب .

الزوجة :ساكسر القيود وساسرح لك شعرك
لاتخاف لن يتساقط
وان تساقط
فانها البداية
واحد اثنان ثلاثة
استغفر الله الحي القيوم

الزوج :لاترددي اية كلمة ، انها لا تسمع ، اخاف كلماتك يا امرأة .. لماذا تستغفرين وانت تغسلينني من دخاني ؟

الزوج :الآن صار لابد لك ان تتخلص من نارك ودخانك ووتعطر بلكافور ورغوة السدرة

الزوج :لالا .. لا اريد كافورك وسدرتك .. اريد الخروج من هذا الطست التي اغلقني بدخان 
تمتماتك ...

الزوجة :اين انت ذاهب بدمائك ... ارجع الى الطست لاتملأ الكون بمياه الدم

الزوج :دماء ؟! افتح عيناي يارب للحظة واحدة ودعني ارى مايحدث في هذا البيت ، أي تعاسة ان تتحكم بك امرأة لا تسمع سوى انفاسها .

الزوجة :هل اراك تتذمر امام ناظري وانا ملطخة بدماء لاعلم لي بهويتها لاجل ان تنعم انت بطهارة لادخان بها

الزوج :أي طهارة ان تغسلي جسدي بالدماء ؟ الدخان اهون عليّ مما تدعونني اليه .

الزوجة :اليك بهذه الخرقة البيضاء امسح بها وجهك لكن احذرك ان تغير بياضها الى لون الدم

الزوج :لا أرى البياض الذي تتحدثين عنه .. كل الالوان عندي سوداء .

الزوجة :اخرج قدميك من الطست بهدوء

الزوج : ( يحاول النهوض ) سأخرج .. ولكن الى اين ؟

الزوجة :لاتحاول ان تطبع اثار اقامك الدامية على ارضي العريقة بالحضارات

الزوج :عيناي من ستكتب تأريخ هذا البيت الذي تحاولين ان تفرضي سطوتك فيه.

الزوجة :افترش خرقتي البيضاء تحت مسير اقدامك حتى تشهد هذه الارض بياض خرقتي

الزوج :انا ارفض غسلك .. ارفضه ، دعيني مع دخان وغبار الشوارع وسخام الحياة ، لا اريد خرقتك البيضاء .. اعطني ملابسي القديمة لكي ارتديها .

الزوج :(يخرج من الطست ، يرفض ارتداء قطعة القماش البيضاء ، يحاول البحث عن ملابسه )

الزوجة : (تبحث في المياه تحت قدميها )اين هو الكافور لقد اختلط كل شيء مع هذه الدماء

الزوج :الموت ينتشر في المكان هنا ويغرق برائحة الكافور .. انا في ورطة كبيرة

الزوجة :هيا .. ضع يدك على كتفي
سأقودك الى مضجعك الاخير

الزوج :الى اين تأخذينني ؟
لاتلوثني بدمائك
يكفي ان غسلت بها دخانك واحتراقك

الزوج :دعيني مع الظلام الذي اعيش فيه .. واذهبي الى مرآتك وخطاباتك وبياناتك واحلامك التي لا تنتهي .

الزوجة :ان وصلت الى مخدعك الاخير اعطني خرقتي البيضاء اريد ان افترشها على الكرسي قبل ان اجلس عليه خوفاً من ان يكون قد تلوث بمياه الالف والسبعمائة
لاحاجة لي بخرقتك .
لقد دفنت رائحة الدخان مع ولادة ميمونة لرائحة الكافور
الزوج :يارب .. ستقتلني هذه المرأة ... سأخرج الان قبل اختنق برائحة كافورك ودخان البيت ونار مطبخك الذي احترق ( يترك المكان ويخرج )

المشهد الرابع 

( الغرفة )

الزوجة :ان كان الجوع مايزال يتوسد جسدك يمكنك ان تنعم بحفلة شواء لامثيل لها بين صحونك
الزوج :لن اكون كبش فداء لنار هذا البيت .

الزوجة :ادركت انك ستكون جائع بعد ان اطاحت بك المياه الساخنة

الزوج :جائع منذ زمن بعيد ، وقد اردت ان اكون ميتا لتحكمي هذا البيت ، او لتلعبي هنا لعبتك المفضلة .

الزوجة :لابد لك ان تتزود بزادك الاخير

الزوج :من أنت ؟ لا أكاد  اعرف هذا الصوت ، تغيرت روحك ، قلبك ، جسدك ، صوتك ( يصرخ بها ) من أنت ؟

 الزوجة : ( تقترب من شفاهه تضع اصابعها على وجهه ) اعد لي ماقلت لم افهم حركة شفاهك لكني اتيقن اشد اليقين انك انكرتني اعد لي ماقلت

الزوج :شفاهي يابسة لاتقوى على اعادة الكلمات ، انت امرأة لا تسمع سوى انفاسها .

الزوجة :هههههههه فهمت ماذا قالت شفاهك هههههههه بالتأكيد انا امرأة ... وانفاسي حارقة حد اللهيب

الزوج :ماذا تريدين ؟ لم تبق سوى غرفتنا التي احتفت بنا يوما ما كعروسين ، ونفضتنا كوجعين ، اشعر بغربة عاشق في هذا المكان .

الزوجة :بحثت عن احمر شفاهي بين اركان هذه الغرفة المعتمة .. لم اجده .. لم اجد سوى اسود شفاه يحتضن هذه العتمة الابدية

الزوج :يابسة ألوانك يا زوجتي .. وأسود شفاهك الذي كان ينعم بلونه الاحمر .. تحول الى تأريخ من السواد والحريق في بيتنا .

الزوجة :نحن من حملنا فأسنا وحولنا تأريخنا الى صفحات من السواد لاعجب ان يحترق كل ماحولنا دون ان نمسك عود ثقاب واحد

الزوج :ارجوك أن تسمعي كلمة واحدة مني ( يصيح بها ) انا ادعوك ان تغادري بيتي حالا ، لم يعد لك اي مكان صالح للحب او الحياة هنا .

الزوجة :مازالت خرقتي بيضاء ... لم يحن اوان الرحيل بعد

الزوج :تسمعين ما تشائين .. رحيلك او رحيلي ، لا ثالث لهما .

الزوجة : ( تلفت حوله بسرعة جنونية ) ارحل انت ان شأت فلازال رحيلي مقيد بتلك الجدران التي لاسقف لها

الزوج :النار التهمت كل شيء .. اريد ان اطفيء ما تبقى من بقايا بيتي .. مابك ؟ اريد العيش لوحدي بعيدا عن نارك ودخانك ...

الزوجة :ابحث لي عن خماري وعبائتي السوداء ... وان .. وانا اشك في ذلك .. ان وجدتها حاول ان تكفن بها جسدي لاخرج من بين عمدان قصرك هذا

الزوج :بل ستخرجين محترقة بنارك .

الزوجة :بكلاهما سأحترق وبدونهما سأحترق وارجم

الزوج : ( يصيح ) ياربي .. أنا اتحدث مع الصمت ، مع امرأة لا تفهم ان رجل البيت هو السلطة والقوة والاغلبية في بيته .

الزوجة :دعك من ترهات والدتك .. الم تع بعد انها قد حرقت مئات المرات فوق رؤسنا .. غفر الله ماتقدم من ذنبها ان استطاع اليه سبيلا

الزوج :أمي كانت تقول لي دائما .. عليك ان تفتح عينيك رغما ظلامهما .. ولا تدع تلك المرأة تهيمن بافكارها عليك .

الزوجة :امي دائماً كانت تقول لي مابالك بهذه الكتلة العمياء تثقل ايامك ولاجدوى من الليالي التي لاضوء فيها .. لكني كنت ادعي عدم الفهم رغم انني كنت اقرأ شفاهها بصمت وهدوء

الزوج :سأقتلك ثأرا لسنوات الاستلاب التي عشتها معك ، كنت اعيش خادما مطيعا في مملكتك .. وآن الآوان لكي انتصر لتلك السنين .

الزوجة :لايمكنك قتلي .. فالخائنة وحدها تستحق القتل وانا خنت  نفسي مراراً وتكراراً ولم اخنك حتى في افكاري

الزوج :لالا .. لا يمكن ان استمر خاسرا ، آه .. أي رجولة ميتة فيّ ؟ وأي حرب اعيش هنا ( يصيح ) يارب .. افتح هاتين العينين لأرى مايحدث حولي ...

الزوجة :ابواب السماء مغلقة في هذا الوقت

الزوج :أتوسل اليك ان تغادر البيت .. هل ينفعك التوسل ؟

الزوجة :لم اغادر بيتي الا بخماري وعباءتي السوداء

ما دمت انت رجل المنزل كما تدعي استر جسد زوجتك من عيون المتربصين

 الزوج : ( يضحك بقوة ) بيتي بلا ابواب يا امرأة .

الزوجة :انت من اختار ان يعيش دونما ابواب

الزوج :الدخان دخل غرفة زفافنا ايضا .. ألا تشمين ايضا ؟
اين انت
اين ذهبت 
اين صوتك 
.................................
يحترق البيت كله ماعدا بقعة في غرفة الجلوس لم تصلها النهار بعد .

الزوجة :
تفترش خرقة بيضاء على كرسي يتوسط غرفة الجلوس تجلس عليه تضع ساقاً على الساق الاخرى تمسك بيدها قطعة فحم وفي اليد الاخرى مرآة وامامها وعاء فيه ماء احمر ومشط خشبي تزيح الحجاب الذي يغطي راسها تنظر في المرآة وتغني بهدوء بهيده من تسبكني روحي بهيده هيده والفرح داير عليها بهيده من تتعنه ليك بهيده هيده ويمك يورد حجيها بهيده هيده تمهل ايها الشيب بغزواتك نحو راسي وكأنك وبين ليلة وضحاها اسرجت خيولك واخرجت سيوفك من غمدها وقطعت كل سواد احتضنه شعري هل كنت تدرك ان جيوشك وخيولك قادرة على ان تستأصل روح الشباب من بين جوارحي دون ان اقاوم او حتى الفظ كلمة لا ... لم اكن لالفظها ومايفرق الابيض عن الاسود ان كانت مرآة شبابي عمياء لاتبصر النور ( تاخذ المشط من الاناء تمشط شعرها يتحول شعرها الابيض الى احمر تمسك بقطعة الفحم تصبغ بها شفاهها وتبتسم ) جميل هو الاسود شفاه هذا جعلني ابدوا وكأنني اميرة ( تنظر نحو شعرها ههههههههه تحولت ايها الابيض الى احمر دعك في تقلبات الوانك تجيئك يميناً وتطرحك شمالاً وانا اتوسد هذا الكرسي وتلك الخرقة البيضاء وانظر نحو الكافور والدخان وهما يقيمان حفلة سمر امام ناظري يحتظن كلاهما الآخر يهمسان بكلمات الحب وانا استمع ( تثور من مكانها فجأة ) ولايدركان ان بداخلي عطش للحب لايدركان ان شبابي قد دفن تحت حوافر الخيول العمياء ( تضرب نحو الدخان تركض نحوه اينما سار ) اصمت ... اصمت ياطاغوت شبابي ( تجلس على الارض تصرخ بشدة تغلق آذانها بكلتا يديها) توقفوا عن همس كلمات الحب توقف ايها الكافور انا اسمع صوت قبلاتكم انها ترن في مسمعي وكأنها ناقوس موت اسمع ضحكاتكم توقفوا والا احرقتكم توقفوا توقفوا ... ( تزحف نحو الكرسي تتشبث به بقوة وقبل ان تجلس عليه تنتبه ان الدخان قد اختفى تثور من مكانها تصرخ ) اين ذهبتم انتم الاثنين في اي ركن تنزوون اخرجوا هيا لماذا توقفتم عن قرع الاجراس ( تزحف نحو زوايا الغرفة ) اخرجوا ولاتفكروا للحظة اني لااادرك مااذا تفعلون تحاولون ان تجسدوا من خلفي قصة حبكم وتشمتون بشبابي الذي بات خرقة بيضاء لايعلوها سوى الماء الاحمر.. تريدون ان تقولوا لي ان انوثتك قدطمرت منذ ثلاثين عاماً تحت بلاط تلك الغرفة ( تشير الى غرفة النوم ) لكني لن ادعكم تحبون بعضكم بطمأنينة دون ان تشعروا بلآخرين ساحرقكم انتم وحبكم وشبابكم وشعركم الاسود ( تتجه نحو باب المطبخ تفحها بقوة تخرج النيران مسرعة الى غرفة الجلوس تعود هي تجلس على الكرسي تضع ساق على ساق وتمشط شعرها
بجفوفك الترفات تتمنى روحي تبات وانذرلك النجمات كونك تجيها بهيده من تسبكني روحي بهيده هيده
 بهيده هيده

ستار 

 بابل 2016

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption