استذكارات: سعدون العبيدي.. ستون عاماً من العطاء
مجلة الفنون المسرحية
استذكارات: سعدون العبيدي.. ستون عاماً من العطاء
د. عبد الاله كمال الدين - المدى
بعد فصلي من الدراسة المتوسطة عام١٩٥٦، بسبب اشتراكي في تظاهرات استنكار العدوان الثلاثي على مصر، اضطررت الى العمل ككاتب طابعة في قسم المشاريع التابع لمديرية استثمار الاراضي الأميرية.
خلال عملي تعرفت على سعدون العبيدي (المولود في مدينة العمارة ١٩٣٣) الشاب الوسيم الذي كان يعمل في شعبة الرسم الهندسي، توطدت علاقتي بسعدون على نحو مميز جراء انجذابي الى أفكاره وتطلعاته، في تلك الفترة كان سعدون طالباً في معهد الفنون الجميلة القسم المسائي ويمارس نشاطاً ملحوظاً فيه كممثل، فضلاً عن ممارسته كتابة النصوص المسرحية .. أهداني ذات يوم كتابه الأول "مجموعة مسرحيات" اثناء ترددي عليه في شعبة الرسم الهندسي فكان هذا الكتاب فاتحة لاهتمامي بالأدب الدرامي بدءاً من عام ١٩٥٧. مرت بضع سنوات والتقيت مجدداً بسعدون العبيدي عام١٩٦٢ في معهد الفنون الجميلة (الذي انتميت اليه عام ١٩٥٩) وهذه المرة لقاء الطالب بأستاذه. التحق الأستاذ سعدون كتدريسي في المعهد بعد تخرجه من معهد جيلد هول في لندن وحمل معه خبرات ممثل عالمي عبر اشتراكه بمسلسلات بريطانية عديدة. في المعهد تميز الاستاذ سعدون بعلاقات متينة مع طلابه وشاركهم التمثيل في بعض العروض، ومنها مسرحية المثري التبيل لموليير إخراج المرحوم الاستاذ جعفر علي . غادرت الى براغ بعد تخرجي من المعهد وأكملت دراستي الجامعية. في كلية الدراما في جامعة تشالز. وحين عدت الى العراق وعيّنت مدرساً في معهد الفنون عام ١٩٦٨ التقيت مرة أخرى بالأستاذ سعدون، الذي انتقل للعمل في دائرة السينما والمسرح بعد أن عمل مدرساً في معهد الدراسات المسرحية في الكويت في عامي١٩٦٩ و١٩٧٠. عرف عن الاستاذ سعدون خلال عمله في الفرقة القومية للتمثيل، حُسن اختياره لإخراج نصوص هادفه بمستوى عال من المهنية. والى جانب عمله الرسمي أسس فرقة مسوح الرسالة عام ١٩٧٠ بعد عودتي من بخارست نهاية عام ١٩٧٩ والتحاقي كتدريسي في كلية الفنون، ازدادت علاقتي بالأستاذ سعدون عمقاً ومحبة، ففي بداية الثمانينيات، عملنا معاً في نقابة الفنانين بمعيّة النقيب الرائد الخالد الأستاذ حقي الشبلي، كان الأستاذ سعدون رئيساً للشعبة المسرحية وكنت نائباً له، شهدت تلك المرحلة أبرز إنجازات الأستاذ سعدون على صعيد كتابته للتمثيلات الإذاعية والتلفزيونية وكممثل بارز في الإذاعة والتلفزيون الى جانب تألقه في اخراج مسرحية ibc تأليف الراحل معاذ يوسف وتتناول استغلال شركة Ibc لنفط العراق (كتبت عنها دراسة نقدية أكاديمية في مجلة آفاق عربية العدد السادس عام ١٩٨٩ بعنوان (التحولات التاريخية الكبرى في الأدب المسرحي العراقي) ومسرحية ابن ماجد وعشرات الأعمال الأخرى، فضلاً عن نشره لعدّة كتب منها. اربع مسرحيات عن دار الشؤون الثقافية عام ١٩٨٨ ومسرحية نور والساحر عن دار ثقافة الأطفال عام١٩٩٠ وإقامته معارض رسم تجسد موهبته وهوايته المفضلة. من الملفت للانتباه احتفاظ سعدون باستقلالية موقفه السياسي فلم تغريه مزايا الانتماء لحزب السلطة. بعد سقوط النظام اختير الاستاذ سعدون عام ٢٠٠٥ لتولي منصب مدير عام دائرة السينما والمسرح، فكان اختياره في مكانه باعتباره الابن البار لهذه الدائرة، لكن السن القانونية لم يسمح له بقيادة الدائرة لفترة طويلة. أحيل سعدون على التقاعد بعد أن استقرت منجزاته وعلاقاته الانسانية في نفوس كل من عرفه كاتباً ومخرجاً وممثلاً وإدارياً وإنساناً مثقفاً، تحمّل مسؤولياته بحماس المقاتل ونقاوة المبدع الكبير في علمه وسلوكه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق