مسرح الظلام في بوينس آيرس.. عالم خالٍ من الضوء ولكن مفعم بالخيال
مسرح الظلام في بوينس آيرس.. عالم خالٍ من الضوء ولكن مفعم بالخيال
بوينس آيرس (د ب أ)
يرتدي الممثلون الخمسة الذين يقفون فوق خشبة المسرح، ملابس سوداء، بدون وضع مساحيق تَزْيين أو أقنعة. ويقف اثنان منهم بالقرب من بعضهما البعض، حتى يتمكنا من إعطاء بعضهما البعض إشارات عن طريق التواصل الجسدي.
إلا أن الجمهور في "مسرح الظلام" لا يرى شيئا من ذلك، شأنهم شأن الممثلين المشاركين في العرض المسرحي، وذلك لأن "مسرح الظلام" دائما ما يكون بالغ الشدة القصوي الظُلمة. ولا تتواجد الأزياء والتجهيزات والمشاهد، إلا في خيال الجمهور.
ويقول أحد مرتادي المسرح: "تخيلت - في ذهني - أكثر الأشياء سخافة... لقد جعلني الامر أضحك بشدة."
ويعتبر المسرح الذي يقع في بوينس آيرس، واحدا من بين عدد قليل جدا من "مسارح الظلام" في الدول العالمية. ويتخذ المسرح من العاصمة الأرجنتينية، مقرا له، ويعتبر الممثلون فيه أنفسهم، روادا في مجالهم.
ولكونهم يعملون بدون ضوء تماما، فإنهم يسعون لجعل الناس أكثر وعيا بحواسهم الأخرى، كذلك علي الصورة الأخري أنهم يفتحون الأبواب للمكفوفين، للعمل وللترفيه كذلك علي الناحية الأخري ، بِصُورَةِ عام.
ويشار إلى أن 40 فِي المائة من العاملين في مسرح الظلام، هم من فاقدي البصر بصورة كلية أو شبه كلية.
ومن جانبه، يقول جوناس فولمان، وهو مخرج عرض الفنون السحرية، "إيلوزو"، كذلك علي الصورة الأخري أنه شارك فيه كممثل : "إن المسرح هو مكان للاندماج والشمول "، موضحا أن الكفيف والمبصر متساوون في الظلام الدامس. ويضيف أن "هذا المكان لديه إمكانات أكبر بكثير مما نتخيل."
وكان مسرح الظلام افتتح أبوابه في بوينس آيرس، في سَنَة 2008. ويقول مارتن بوندون، وهو أحد مؤسسي المسرح: "في البداية، كان من الصعب جذب الجمهور، ولكننا سرعان ما حققنا أَغْلِبُ النجاح، من أَثْناء ذيوع أمره بين الناس".
وإلى جانب المسرحيات التي تتم كتابتها خصيصا لمسرح الظلام، فإن المسرح يقدم كذلك علي الناحية الأخري ، بِصُورَةِ عام حفلات موسيقية وورش عمل للرقص، وعروضا للفنون السحرية ووجبات عشاء - كلها في الظلام بالطبع.
من ناحية أخرى، يقول بابلو جورليرو، وهو ناقد مسرحي يعمل لدى صحيفة "لا نيشن" الأرجنتينية الشهيرة: "في مسرح الظلام، يعتبر الظلام البطل الرئيسي والعنصر الفاعل في الدراما".
ويعمل في المسرح – الذي يرتاده حوالي 5000 شخص شهريا لمتابعة عروضه - نحو 70 موظفا.
ومن بين رواد المسرح، لوال شفارتزمان، التي تنتظر أمام أبوابه. وتقول الشَّبابِيَّةُ /20 عاما/ التي حضرت إلى المسرح مع صديقها: "أود أن أتعلم طريقة /برايل/ وأن أعيش تجربة أن أكون كفيفة".
وقد شاهد صديقها /28 عاما/ بالفعل الْكَثِيرُونَ من عروض المسرح. وعَرَّفَ فِي غُضُونٌ قليل ،راسما ابتسامة عريضة على وجهه،: " بالأحرى سمعت (عنها)". ويضيف أن مسرحية "لا فويلتا ديل موندو" (رحلة حول الدول العالمية)، قد جعلته يتعرف على روائح وأذواق الكثير من الدول الْمُتَنَوِّعَةُ، إلى جانب أنواع الموسيقى في تلك الدول.
ويقول بابتسامة تشجيعية وهو ينظر لصديقته، التي تبدو قلقة إلى حد ما: "إذا كنت لا ترى، فإنك أكثر وعيا - بِصُورَةِ كبير - بحواسك الأخرى".
وبعد وَقْتُ قصيرة، تم توجيههما إلى مسرح الظلام، وهما يضعان أيديهما فوق أكتاف أشخاص تسير أمامهما.
ويقول المخرج جوناس فولمان، إنه في كثير من الْأَوْقَاتُ، يشعر الناس بالذعر في الظلام ويرغبون في مغادرة المكان، مضيفا: "لقد أصبحنا نحن الممثلون، جيدين في التعامل مع مثل هذا الوضع".
وبالنسبة للكثير من رواد مسرح الظلام، فإن التجربة تعتبر جديدة وغير مألوفة. ومع إِسْتَفْتاح عرض "إيلوزو"، ينوي شعور بعدم اليقين والتوتر، في الانتشار بالمكان.
ولكن الأمر لا يستغرق سوى وَقْتُ قصيرة من الوقت حتى يعتاد الجمهور على الظلام، وسط تَحْرِير الهتافات الحماسية. ويقول فولمان إن "العروض السحرية تكون أكثر تفاعلية عن المسرحيات العادية".
وتلجأ العروض إلى استخدام مجموعة من التقنيات للتعويض عن الظلام: فعلى سبيل المثال، يعمل نظام صوت خاص، ثلاثي الأبعاد، على وضع الجمهور في مركز الحدث. ويؤكد فولمان: "لكن عليك التركيز، وإلا فلن تفهم ما يدور من أحداث".
من ناحية أخرى، يعتقد بوندون أنه لا توجد مسارح أخرى في الدول العالمية تستخدم نفس الأساليب مثل مسرح الظلام.
ويقول: "نرغب في إنشاء مسارح في دول أخرى في المستقبل... إننا نفكر حتى في تقديم عروض بلغات أخرى".
وهناك فرقة مسرحية في برلين، تأسست في سَنَة 2003، تركز على الارتجال في الظلام، وفي سَنَة 2011 قدم مسرح في مدينة يينا الألمانية، مسرحية "بيتافيل" في الظلام تماما. إلا أن الفرقتين المسرحيتين تستعينان بممثلين مبصرين.
وفي لوس أنجليس، يوجد مسرح ظلام لا يقدم العروض فيه سوى أشخاص من ضعاف البصر. وفي تل أبيب، يوجد مسرح للصم والمكفوفين، يقدم العروض فيه أشخاص من الصم أو المكفوفين.
ولكن في بوينس آيرس، يشترك المكفوفون والمبصرون في قيادة الجمهور إلى عالم خالٍ من الضوء، ولكن رغم ذلك، مفعم بالخيال.
0 التعليقات:
إرسال تعليق