مهرجان فلسطين الوطني للمسرح في يومه الثالث
مجلة الفنون المسرحية
مهرجان فلسطين الوطني للمسرح في يومه الثالث
“أنصار” و”قصص من زمن الخيول البيضاء”
أنصار : تجربة كفاحية مسرحية تقاوم النسيان
أعاد الفنان الفلسطيني نضال الخطيب، في ثالث أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، ومن على خشبة المسرح البلدي بمدينة رام الله، عملاً مسرحياً كان قدمه بعنوان “أنصار” في العام 1990 حول الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987، وتجربة الاعتقال في سجن النقب الصحراوي المعروف بأسم “أنصار 3” أيضاً .. أعاد رفقة ابنه موسى بناء الشكل الدرامي والتغيير في شيء من المضامين دون المس بروح العمل وبنيته الأساسية، أو هيكليته، في نسخة جديدة العام الماضي، لتصبح “أنصار” في شكلها الجديد “مسرحية تستذكر مسرحية”، بالاتكاء على ذاكرة الأب، وترمز لتلك المرحلة الكفاحية التي تقاوم النسيان، وتستلهم شعلة الثورة المتقدة، آنذاك، وعلى حماسة الابن الذي يشكل الرمزية المحورية لمستقبل أكثر أملاً، في حرب مستمرة للشعب الفلسطيني ضد الإحباك واليأس.
المسرحية التي قدمتها فرقة مسرح “الطنطورة” في إطار المسرحيات المتنافسة على جوائز المهرجان، الذي تنظمه وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح، سبق لها وأن فازت بجائزتين في المسرح المغاربي بالجزائر، في آذار (مارس) الماضي، كأفضل نص مسرحي متكامل، وأفضل ممثل وحازها الفنان الشاب موسى الخطيب.
وأشار الفنان نضال الخطيب، إلى أن استعادة العمر بشكل مبتكر بعد سبع وعشرين عاماً على تقديمه للمرة الأولى، يعكس قدرة الشعب الفلسطيني على التذكر، مشدداً على أن اليأس والنسيان أكبر عدويّن للشعب الفلسطيني .. مسرحية “أنصار” هي مثال واضح على أن النسيان خطر، وبالتالي تم استعادتها من جديد.
وحول حكاية “أنصار” أشار الخطيب إلى أنها مستوحاة من تجربة اعتقاله في سجون الاحتلال العام 1988، تلك الاعتقالات التي كانت تضم كافة شرائح الشعب الفلسطيني مجتمعياً، وثقافياً، وأكاديمياً، وسياسياً، واقتصادياً، فكان فيها حفارو القبور كما أساتذة الجامعات، مستذكراً ما أسماه بـ”تكسير عظام الأسرى في السجون كالظاهرية وعتليت وغيرهما، قبل نقلهم إلى معتقل النقب (أنصار) في الصحراء بحافلات تشبه القطارات .. في الصحراء منحوا كل واحد منا رقماً، وكان رقمي (1789) .. هناك لم أكن سجيناً فحسب، بل كنت أراقب بدقة كل ما يحدث، وخرجت بخلاصات مهمة، وحين خرجت من المعتقل، والتقيت بالمخرج الصديق فتحي عزام، كانت المسرحية بنسختها الأولى، والمبنية على تأليف جماعي يحاكي تجربتي في زنازين الاحتلال، وتجولت بعد عرضها في فلسطين إلى الولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وبريطانيا، وقدمناها بالإنجليزية، وفضحنا سياسات الاحتلال من خلالها.
وختم الخطيب: بعد سبع وعشرين عاماً من العرض الأول للمسرحية، وبعد سنوات من إلحاح ابني موسى على استعادة العمل المسرحي بتقنيات جديدة، وافقت، خاصة أن القضية تتواصل، كما المعاناة، بل تتزايد وتتعملق.
مسرحية “أنصار” من إخراج فاتح عزام ونضال الخطيب، عن نص لإسماعيل الدباغ وفاتح عزام وعبد الجعبة وموسى الخطيب ونضال الخطيب، فيما لعب الأدوار على الخشبة كل من نضال الخطيب وابنه موسى.
كان هذا هو العرض الأول في اليوم الثالث من فعاليات مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، مساء الأحد، وتنظمه وزارة الثقافة الفلسطينية والهيئة العربية للمسرح، والثالث من بين ثمان مسرحيات تتنافس على جوائز المهرجان.
قصص من زمن الخيول البيضاء، معركة انتهت ضد الاضطهاد العثماني لتبدأ معركة ضد الاانتداب البريطاني
وليس بعيداً عن موقع انتظام عرض مسرحية “أنصار” في المسرح البلدية بدار بلدية رام الله، كان جمهور المهرجان على موعد مع العرض المسرحي “قصص من زمن الخيول البيضاء” للمسرح الشعبي في رام الله، وهي المأخوذة عن رواية إبراهيم نصر الله “زمن الخيول البيضاء”، وقام بمسرحتها الفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، حيث ملأ القاعة التي تتسع لقرابة ثمانمائة متفرج.
تميز العمل، الذي يندرج في إطار “العروض الموازية”، أي خارج المنافسة على جوائز المهرجان، بالمزج ما بين الفيديو والمسرح، بحيث يسلم الممثلون الراية للشاشة العملاقة أعلى الخشبة، والعكس صحيح، كمتسابقين في عدو جماعي للوصول نحو نهاية محفوفة بالأمل، رغم كل الألم الذي ترصده المسرحية، كما الرواية، حول فلسطين في فترة الاضطهاد العثماني الذي يرقى لتسميته بالاحتلال، ومن ثم فترة الاحتلال البريطاني الذي نسميه بـ”الانتداب”، وجدلية الصراع مع المحتل من جهة، ومع المتخاذلين من أبناء البلد، الذي كانوا أعواناً لـ”العصملي”، وهو الاسم الدارج لدى الفلسطينيين عن العثمانيين الأتراك، وباتوا أعواناً للبريطانيين، وإن تبدلت بعض الوجوه.
وعلى مدار ثمانين دقيقة، استطاع فتحي عبد الرحمن وكل من آمال صالح ومحمد موسى، وتوليا مهمة إدارة خشبة المسرح، تقديم لوحات حظيت بإعجاب الجمهور، وضاقت بها مساحة المسرح مهما اتسع عن مواكبة النص وجمالياته وروحه الملحمية، فاعتلى باتجاه الفيديو الذي شارك فيه الممثلون أنفسهم، وكانوا خليطاً من ذوي الخبرة والشباب، وهم: حسين نخلة، ومحمود طمليه، وجميل السايح، وميساء الخطيب، وخزام بدران، وعدي الجعبة، وعمر الجلاد، ومحمد مشارقة، وعمر أبو عامر، ومحمد أبو عزيزة، ولارا نصار، ومرح ياسين، ورزان الخطيب، وعبيدة صلاح، وموسى ناصر، وموسى نزال، وكريستينا موسى، وأماني مطرية، وزينة أبو محسن، وكريم دقة، ومراد أبو صبيح.
كان عنوان المسرحية ذكياً بأن يحاكي رواية نصر الله، ولا ينقلها، فكان “قصص من زمن الخيول البيضاء”، وليس “زمن الخيول البيضاء”، مما أعطى مساحة للقائمين على المسرح الشعبي للاجتزاء مع العمل باجتهاد للحفاظ على روح النص المكتوب بين دفتي رواية هي جزء من مشروع الكاتب الموسوم بـ”الملهاة الفلسطينية”.
ويعد هذا العرض هو نسخة مجددة عن ذلك الذي قدم بداية بالشراكة مع فرقة وشاح للفنون الشعبية، حيث تخلص العمل من اللوحات الراقصة التي كانت جزءاً منها، وبات ذا نفس مسرحي مطعم بالفيديو، وإن كانت مساحة الفيديو في العمل بنسخته الجديدة تنافس زمنياً وحضوراً مساحة المسرح الذي غص بالمجاميع، في عمل اجتهد القائمون عليه أن يصل إلى ملحمية النص بفن مواز على الخشبة وفي شاشة العرض وفيديوهات كرم علي عرض ذات النفس السينمائي.
وفيما تلك الحركة المتتالية ما بين خشبة المسرح والشاشة رمزية لتنقل زماني ومكاني يؤكد أن المأساة الفلسطينية التي جسدها نصر الله في روايته “زمن الخيول البيضاء” لا تزال مستمرة، وهي تقنية ربما ليست جديدة في العمل المسرحي العربي والعالمي وحتى المحلي، لكنها أضافت بعداً بصرياً للعمل الذي شارك في تقديمه خمسة عشر ممثلاً وممثلة، وفي النسخة الأولى ستة عشر راقصاً وراقصة.
حاول الممثلون والراقصون “نقل القصص والتعبيرات الصادقة والشفافة من الورق إلى خشبة المسرح”، مقتنعين بأنه “تحدٍ صعب” أمامهم، هم الذين “اجتهدوا وحاولوا الارتقاء” بما قدموه إلى مستوى الرواية، وتقديم تجسيد شغوف لأحداث “مفصلية ربطت بين زمنين وعالمين: زمن العثمانيين، وزمن البريطانيين”.
وتجسد هذا في الخطاب الأخير للثائر أو الفدائي، حين عاد من معركة الانتصار على الظلم العثماني معلناً انهيار امبراطورية حكمت فلسطين أكثر من أربعة قرون، ليؤكد أن معركة انتهت، وأخرى بدأت ضد ظلم وقمع واحتلال بريطاني قادم، وأن الشعب الفلسطيني سيبقى يناضل ضد كل احتلال مهما كان، وفي أي زمان ومكان .. صحيح أن النهاية خطابية شعاراتية، لكنها كانت لتوضيح موقف الثائرين.
-----------------------------------------------------------------
المصدر : إعلام الهيئة العربية للمسرح. يوسف الشايب – رام الله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق