“ماذا، أين”.. مسرحية من فصل واحد لصموئيل بيكيت
ترجمة: د. إقبال محمدعلي - الكتابة
تم عرض هذا العمل لأول مرة، على خشبة مسرح (هارولد كلرمان Harold Clurman)، نيويورك، في حزيران، 1983.
كما قامت دار نشر (Faber & Faber) بطبع العمل لأول مرة، في لندن عام 1984
الشخصيات:
(BOM) بُوم،(ْBIM) بيم،(ْBEM) بِمْ،(BAM)بامْ
بامْ و في، شخصية واحدة.BAMو (V)
توصيات بيكيت:
– الشخصيات: يجب ان تكون متقاربة الملامح، قدر الإمكان.
– الملابس: بدلات طويلة رمادية.
– الشعر: طويل رمادي.
– رأس V: يكون على شكل مكبر صوت صغير عند الرقبة.
من صالة العرض يمكنك رؤية، بقعة على شكل مستطيل بمساحة 2×3 متر في أعلى يمين خشبة المسرح. تسلط عليه إضاءة خافتة، محاط بظلام دامس. أسفل يسار المسرح، إنارة خفيفة على ظِل وجه V.
________________________________
ظلام كامل، تسلط الأنارة على V. (صمت)
V – نحن آخر خمسة.
الآن و سنبقى.
حل الربيع.
الوقت يمضي.
بداية المشهد ستكون دون حوار.
سأفتح الإنارة.
يسلط الضوء على بقعة المستطيل (P)
يقف بام في الفتحة رقم3 بغطرسة، يقف بوم، عند الفتحة 1 مطأطأ الرأس. صمت
لا يعجبني هذا الدخول.
سأطفيء الإنارة. يطفئ الضوء المسلط على بقعة المستطيل.
سأعيد المشهد……………..
نحن آخر خمسة.
حل الربيع.
الوقت يمضي.
سيكون المشهد صامتاً.
سأشعل الإنارة.
يسلط الضوء على بقعة المستطيل بام لوحده يقف مطأطأ الرأس عند الفتحة رقم 3…صمت
ممتاز………………..
أنا وحدي.
حل الربيع.
الوقت يمضي .
المشهد صامت
يظهر”بوم” في النهاية.. يختفي” بوم”،ثم يعود إلى الظهور مرة اخرى
( يدخل و يخروج الممثلون دون حوار)……
(يدخل بوم من الفتحة N و يقف بغطرسة امام رقم 1 المطأطأ الرأس… صمت
يدخل بيم من الفتحة E ويقف بغطرسة أمام رقم 2 المطأطأ الرأس…صمت
يخرج بيم من الفتحةE يتبعه بوم.
يدخل بيم من الفتحة E و يقف بغطرسة امام 2 المطأطأ الرأس .. صمت
يدخل بم من الفتحة N و يقف بغطرسة امام 1 المطأطأ الرأس … صمت
يخرج بم من الفتحة N يتبعه بيم … صمت
يدخل بم من الفتحة N و يقف بغطرسة امام رقم 1 المطأطأ الرأس..صمت
يخرج بام من الفتحة W يتبعه بِمْ.. صمت.
يدخل بام من الفتحة W و يقف بغطرسة،امام رقم3 المطأطأ الرأس). صمت.
جيد
سأطفئ الإنارة ( يعم الظلام بقعة المستطيل).
سأبدأ من جديد…..
نحن آخر خمسة
حَل الربيع.
الوقت يمضي.
سأشعل الإنارة…( يسلطها على بقعة المستطيل)
بام يقف وحده عند مدخل الفتحة رقم 3مطأطأ الرأس (صمت).
جيد….
أنا وحدي.
حَلَ الربيع.
الوقت يمضي.
سيرافق المشهد حوار…
أخيرا، يظهر بوم.. يختفي بوم، ليعود إلى الظهور مرة اخرى..
( يدخل بوم من الفتحة Nو يقف بغطرسة امام رقم 1 المطأطأ الرأس )
بام: حسناً؟
بوم: (يطأطأ رأسه طوال المحادثة) .. لا جديد.
بام: ألم يقل شيئاً؟
بوم: كلا.
بام: هل سلمته الشغلة؟
بوم: نعم.
بام: لم يقل شيئاً؟
بوم: كلا.
بام: هل أنتحب؟
بوم: نعم.
بام: صرخ؟
بوم: نعم.
بام: توسل طالباً الرحمة؟
بوم: نعم.
بام: لكنه، لم يقل شيئاً؟
بوم: كلا.
V:هذا ليس جيداً …عليّ إعادة المشهد، مرةً أخرى…..
بام: حسناً؟
بوم: لا جديد
بام: لم يَقُل شيئاً؟
V: عظيم………
بوم: كلا.
بام: هل سلمته الشغلة؟
بوم: نعم.
بام: لكنه لم يقل شيئاً؟
بوم: كلا.
بام: هل انتحب؟
بوم: نعم.
بام: هل صرخ؟
بوم: نعم.
بام:هل توسل طالبا الرحمة؟
بوم: نعم.
بام: لكنه لم يقل شيئاً؟
بوم: كلا.
بام: لِمَ توقفت؟
بوم: لأنه مات.
بام : لم تتمكن من انعاشه؟
بوم: حاولت.
بام: حسنا ؟
بوم: لم أستطعْ. صمت
بام: أنت تكذب( صمت) لقد أخبرك( صمت) إعترِف انه أخبرك ( صمت)
ستستلم الشغلة إلى ان تعترف.
V: جيد……….
يظهر بيم في النهاية.
(يدخل بيم من الفتحة E بغطرسة و يقف امام رقم 2 المطأطأ الرأس)
بام: ( موجها الكلام لِبيم)، هل أنت حُر؟
بيم: نعم.
بام: خذه خارجاً، و سلمه الشغلة حتى يعترف؟
بيم: بِمَ يعترف؟
بام: أنه اخبرهُ.
بيم: أهذا كل شيء؟
بام: نعم.
V: المشهد سيء، عليّ ان اعيده مرة أخرى……………..
بام: خذه خارجا و سلمه الشغلة، حتى يعترف.
بيم: بِمَ يعترف؟
بام: بأنه أخبره.
بيم: أهذا كل شيء؟
بام: نَفِذ ما سمعت.
V: جيد……………….
بيم: أهذا كل شيء؟
بام: نعم.
بيم: هل اتوقف؟
بام: نعم.
بيم: جيد.. (يلتفت لبوم)، أتبعني.
(يخرج بيم من الفتحة E يتبعه بوم).
V: جيد…………………………………
انا وحدي
حلّ الصيف.
الوقت يمضي
يظهر بيم أخيراً.. ثم يعاود الظهور.
( يدخل بيم من االفتحةE و يقف بغطرسة امام رقم 2 المطأطأ الرأس )
بام: حسناً؟
بيم : (يبقي مطأطأ الرأس طوال اللقاء).. لا شيء.
بام: لم يقُل شيئاً؟
بيم: كلا.
بام: سلمته الشغلة؟
بيم: نعم.
بام: لكنه لم يقُل شيئاً؟
بيم: كلا.
V: هذا ليس جيداً.عليّ ان أبدأ المشهد من جديد……………
بام: حسناً؟
بيم: لا شيء.
بام: ألم يقل أين؟
V: جيد………………….
بيم :أين؟
V: آه!
بام: أين.
بيم: لا.
بام: سلمته الشغلة؟
بيم: نعم.
بام: و لم يقلْ أين؟
بيم: كلا.
بام:هل أنتحب؟
بيم: نعم.
بام: هل صرخ؟
بيم: نعم.
بام: هل توسل طالبا الرحمة؟
بيم: نعم.
بام: لكنه لمْ يقل أين؟
بيم: كلا.
بام: لم توقفت؟
بيم: لأنه مات.
بام: و لمَ لَمْ تُسعِفه؟
بيم: حاولت.
بام: حسناً؟
بيم: لم استطع.( وقفة)
بام: هذه كذبة.(صمت.. لقد أخبرك أين.( صمت) اعترف انه اخبرك أين (صمت) ستستلم الشغلة حتى تعترف.
V: جيد…………….
في النهاية، ( يظهر بِمْ في الفتحة N و يقف بغطرسة امام رقم 1 المطأطأ الرأس).
بام: (يوجه الكلام لبِمْ).. هل أنت حُر؟
بِمْ: نعم.
بام: خذه خارجاً و سلمه الشغلة حتى يعترف.
بِمْ: بِمَ يعترف؟
بام: أنه، أخبره أين؟
بِمْ: أهذا كل شيء؟
بام: نعم.
V: لم يعجبني المشهد.عليّ ان اعيده من جديد………………….
بام: خذه خارجا و سلمه الشغلة، حتى يعترف.
بَمْ: بِمَ يعترف؟
بام: ان الأخر،أخبره أين.
بَم: أهذا كل شيء.
بام: عليك ان تعرف أين.
V: جيد……………………
بِمْ: أهذا كل شيء؟
بام: نعم.
بِمْ: هل أتوقف؟
بام: نعم.
بِمْ: جيد( يخاطب بيم) اتبعني…. ( يخرج بِمْ من الفتحةN يتبعه بيم)
V: جيد………….
انا وحدي.
حل الخريف.
الوقت يمضي.
يظهربِمْ في بداية المشهد، يختفي ثم يعود للظهور…
(يدخل بِمْ من الفتحة N ، ينظر بغطرسة إلى رقم 1 الذي يقف امامه، مطأطأ الرأس).
بام: حسناً؟
بِمْ: (يبقي مطأطأ الرأس حتى نهاية المشهد) لا شيء.
بام: ألم يخبرك أين؟
بِمْ: كلا.
V: و هلم جرا……….
بام: كذِبْ ( صمت).. لقد أخبرك أين( صمت) ..أعترف انه اخبرك، أين…(صمت) ستستلم الشغلة حتى تعترف.
بِمْ : بِمَ يَعترِف؟
بام:أنه أخبرك أين.
بِمْ: أهذا كل شيء.
بام: و أين.
بِمْ: أهذا كل شيء؟
بام: نعم.
بِمْ: هل أتوقف؟
بام: نعم. أتبعني.( يخرج بام من الفتحةW، يتبعه بِمْ)
V: جيد………………………..
حَلَ الشتاء.
الوقت يمضي.
سأظهرفي نهاية المشهد ثم أعاود الظهور مرة أخرى….
( يظهر بام من الفتحة W ، يقف بغطرسة امام رقم 3 المطأطأ الرأس).
V: جيد….
حَلَ الشتاء.
الوقت يمضي
في النهاية عليّ ان أظهر.
ثم أعود للظهور.
(يظهر بام في الفتحة W يقف بغطرسة امام رقم 3 الذي يقف امامه مطأطأ الرأس)
V : جيد……………………….
أنا وحدي
الآن و سأبقى.
حَلَ الشتاء.
انتهت الرحلة.
الوقت يمضي.
و هذا كل شيء.
لا شيء يمكن فعله، سوى ترك الوقت يمضي.
سأطفئ الإنارة………………
)تتلاشى الإنارة عن بقعة المستطيلP-… تتلاشى الإنارة عن V……….يعم القاعة الظلام) .
لم ينس بيكيت، مآسي سنوات الحرب و ما خلفته من حالات ضياع و لاجدوى في نفوس الملايين من البشر. لم ينس سنوات الرعب و الخوف، سنوات العمل السري حين كان عضواً فعالاً في حركة المقاومة السرية الفرنسية، بعد إحتلال هتلر لفرنسا. أساليب الدمار القتل و التعذيب التي انتهجتها الفاشية، تركت في ذهنه، اسئلة داخلية مكتومة لم يستطع الفكاك منها حتى نهاية حياته.” في انتظار غودو”، عكست حالة الأستلاب و القلق، التي خرج منها انسان ما بعد الحرب.
“ماذا أين”…حين سألوا بيكيت عما كان يفكر به وهو يكتب هذا العمل القصير الذي لا يتجاوز أربع صفحات، أجاب: “أنا نفسي، لا أعرف ماذا عنيت. إنها مجرد موضوع”.
يذكر المنتج والتر اولمان: ان بيكت قام، بتكييف،سبعٍ من مسرحياته القصيرة عام ،1966بناء على رغبة التلفزيون الألماني في شتوتكَارت انتاج هذه العروض. تم اخراج هذه الأعمال على خشبة مسرح سوود دويجةSudeutscher”. عام ،1983سألوا بيكيت ان كان لديه اعمال جديدة… اخبرهم المخرج الألماني وولتر آسموس Walter Asmus، أنه قام بتكييف مسرحية بيكيت ” ماذا أين” لإخراجها للتلفزيون.بدء بيكيت مناقشة خطوات هذا العمل مع خبير التصوير، جيم لويس Jim Louis و المخرج وولتر آسموس.في المقابلة مع وولتر آىسموس يقول: عندما عاد جيم إلى ألمانيا فهمت منه، ان فكرة بيكيت كانت قائمة،بتقديم العمل كأي عرض مسرحي آخر، أي دخول وخروج الشخصيات كاملة على الخشبة، لم تكن هناك فكرة تعتيم الوجوه. عندما ذهبت إلى ألمانيا أقترح بيكيت ان تلبس الشخصيات الأربعة غطاء رأس يغطي الرقبة ايضاً، أو فينة أو الطربوش…. اثناء النقاش، أثارت أنتباهي جملة لم يكملها: “فكر بالوضع السياسي في تركيا… كانت هناك علامات استفهام عن عمليات القتل و التعذيب في تركيا، وضع الأرمن ، قضية الأكراد .. إلخ إلخ. ما ذكره كان أشبه بِ”البيان السياسي” و المناقشة عكست بعض ما كان يدور في ذهنه من هموم.
“ماذا، أين “…كانت واحدةً من المسرحيات القصيرة، العديدة، المصبوغة بسوداويتها التي كتبها بيكيت في السنوات الأخيرة من حياته.الحوار في مشاهد (ماذا) يتكرر في مشاهد(أين ). الإستجواب و التعذيب لا نراهما بل نسمع بهما على لسان الشخصيات لإنها( تحدث خارج المسرح). نستشف من الحوار ان المشاهد تنتهي بجريمة قتل. “ماذا و اين”، تستخدمان كأداة قتل، لقضية وهمية يختلقها V)،بام (… و ندرك من الحوار أيضاً، ان هذه الشخصية تمتلك منصبا كبيراً… كأن تكون، ديكتاتور أو مدير مخابرات عسكرية أو رئيس مافيا ارهابية. شخصية تستمتع، تتفنن، في خلق قضية خيانة وهمية بين رجاله، لا توجد إلا في ذهنه المريض يصبح ضحيتها ثلاثة من رجاله. الأوامر، لا تسمح لمن يقوم بالتحقيق، التساؤل عن ( الجريمة).. لأن التساؤل عن الجريمة، سيصبح جريمة بحد ذاته. الدكتاتور من صومعته (يروي ) و يعطي الأوامر بصوته الرتيب من خلال المايكرفون وفق أحداث مرسومة في مخيلته، مستخدما فصول السنة الأربعة لتنفيذ،عملية القتل.. تعاقب الفصول و جمالها لا يحركان احاسيسه أو يثيران اهتمامه..يبدو ان لا شيء يحرك هذا الكائن غير التفكير و المراقبة و الأشراف على تنفيذ،عملية القتل. تمثل المسرحية مدى الطغيان الوحشي الذي يساهم فيه القتلة أنفسهم في تدمير دائرة العنف و القمع.
بام: هل انتحب؟
بوم: نعم.
بام: هل صرخ؟
بوم: نعم.
بام:هل توسل طالبا الرحمة؟
“كان بيكيت مخرجا مسرحياً ذكياً.يرى شخصياته برؤيةٍ لا يراها الآخرين… اشباح مهمشة، مستلبة. يقول أسموس:” وجود بيكيت بيننا اثناء التدريبات كان”هِبةً” ثم اصبح ضرورة .. تعلمنا منه كيف نتخلص من كل ماهو فائض عن الحاجة، و اختزال تفاصيل لسنا بحاجة إليها”… العمل المسرحي المرفق الذي اخرجه آسموس،كان تكملة أمينة لما كان يجري في ذهن، المعلم الكبير.
26/01/2020
0 التعليقات:
إرسال تعليق