أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 17 مايو 2020

مسرحية " الصلصال " تأليف محمد الكامل بن زيد

مجلة الفنون المسرحية 

الكاتنب محمد الكامل 



لا شمس ..
لا ظل ..
هل هذا ما سنستمر في البحث عنه ؟

محمد الكامل


الشخصيات:


- حارس الكرسي 
- السيدة العجوز: فضيلة دزيرية :
               سيدة  غناء جزائرية مشهورة 
- طفل صغير 
- صوت خارجي 
- أصوات متعاقبة ......


رؤيا1:



خشبة المسرح الإنارة فيها تكاد تكون منعدمة.. شبه ظلام.. عبر كامل الستارة الخلفية للركح علقت لوحة فنية كبيرة رسمت عليها عدة وجوه متباينة العمر والفئة والوضوح  ..
مع كل ثانية أو ثانيتين يشتغل مصباح كبير وُضع على يمين الخشبة.. يحوم ببطء شديد بين الوجوه المرسومة ..مستمرا على هاته الحال عدة مرات ..ثم بعد فترة زمنية وجيزة يسلط المصباح ضوءه على كرسي شاغر موضوع في الجانب الآخر من الخشبة فيحدث ارتعاشا شديدا.. ويبقى الضوء يتحرك بين الوجوه والكرسي ..فقط حركته تزداد اهتزازا وارتعاشا كلما سُلِّط على الكرسي وتخف وتقل كلما صوب نحو الوجوه المرسومة ...
همهمات ولغط كثير وشديد  يعلو وينخفض لأصوات يخيل للمشـاهد و كأنـها تصدر من أفواه الوجوه المرسومة ..

صوت خارجي  :  (يأتـي صـداه عاليا.. ألم نقل لكم إن سحره عظيم ؟!

(صمت  رهيب)

صوت خارجي  : (يتكرر الصـدى).. ألم نقل لكم إن سحره عظيم ؟!

(ضوء المصباح الكبير تزداد شدة توهجه وسرعة حركته بين الوجوه المرسومة)


صوت خارجي  :  (في غضب ..هي الحقيقة لا بد أن تقال ولا بد أن ندركها جميعا  ..

أصوات متعاقبة: (بعد لحظات من ترقب وتوتر تؤكد في صوت مضطرب وتجيب:
- لهذا فرعون لم  يرم المنشـفة ..
- ولا كليوباترا
- ولا ملك الفرس  كسرى
- ولا نيرون 
- ولا إسكندر الأكبر
- ولا هولاكو
- ولا الحجاج
- ولا موسولوني 
- ولا هتلر 
- ولا ...ولا ...ولا 
- نسيتم نمرود ؟!
- نعم ..نعم ولا نمرود
صوت خارجي : (في حزم)..اسألوا التاريخ فإنه لا يكذب..لا يرحم..لا يخطئ..لا ينسى ..

أصوات متعاقبة: (مؤكدة) .. سمعنا الحكايات ، قرأنا الأساطير .. آمنا بالمعجزات ..

صوت خارجي :  (مفتخــرا) فأينكم أيها العابرون..أيها الفانـون.. أينكـم.. فسحــره لا يزال يغري الناظــرين والطامحين منكم ..هل أنتم هنا ؟ هل مازلتم هنا ؟ هل تبحثون عنه ؟ ..أكيد تسألون عنه؟..

                           (صمت رهيب)

صوت خارجي:    (في انزعاج ) ..أنتم الذين تمشون في الأرض إني أسمع حثيثكم.. هل أنتم هنا ؟ هل ما زلتم هنا؟ لا..لا تخشوا شيئا ..هنا الشمس ..هنا الظل ..اقتربوا..اقتربوا..هنا السحر العظيم..
          (صمت رهيب)

صوت خارجي: (في غضب ..أيها العابرون..أيها الفانون ..ماذا دهاكـم قــد كنت أسمعــكم ترددون خلـفي  ؟!..

         (صمت رهيب)  
أصوات متعاقبة: (بعد لحظات من ترقب وتوتر تؤكد في صوت مضطرب وترد: 
- نعم هي أفواهنا رددت معك 
- لكن قلوبنا معنا  
- ومن حقنا أن نؤمن 
- وليس من حقنا أن نقتاد 
صوت خارجي: (يضحك في خبث) ..مذهل ..مذهل ..أيها الفانون كم يعجبني مزاحكم لكنه دون جدوى ..هيا اعترفوا ..نعم اعترفوا ..لولا سحره لما أتيتم ! !..

        (صمت رهيب) 
صوت خارجي: هيا.. هيا بلا خجل اعترفوا أنكم جئتم إلى هنا لأنه سحركم ..نعم سحركم 
أصوات متعاقبة: (منزعجة )..
- أيها الصوت القادم من خلف الجدار 
- أيها المجهول الصورة 
- أيها المسموع من بعيد 
- من تقصد ؟
- أتتحدث معنا 
- إلينا ..
- عنا 
صوت خارجي: (مستاء) ألستم كذلك؟.. ألستم من انتظر؟..ألستم ممن يبحثون عنه؟ ..أكيد الإرهاق والتعب أخذ منكم مأخذا.. فمن يصبر على لهيب رمال الصحراء ويعاند أمواج البحر العاتية ..لن يقدر اللحظة على إدراك أيـن هـو الآن ؟؟..لـذا وجب علي أن أصبر عليـكم..نعم..نعم..رويـدا..رويـدا.. وستدركون عظمة هذا المكان..    أين تقفون الآن ؟!

أصوات متعاقبة: (في عدم اكتراث)
- نحن؟
- نعم نحن 
- لا إنه يقصد آخرين 
- لا ..لا يقصدنا  نحن
- بل يقصد .. 
- رمال الصحراء
- أمواج البحر العاتية ..
- اللطف ..
- اللطف..
        (صمت رهيب) 
صوت خارجي:   (منزعجا في قمــة الغضب).. لا..لا..مستحيل ..مستحيل ..كل هذا الوقت وأنا أحدث أناسا آخرين ..
أصوات متعاقبة: (في استهزاء) ..
- أكيد ليس الذنب ذنبنا 
- ألا ترانا ؟!
- شوقك لغيرنا أعماك 
- أكيد.. أعمى
- - لا أظنه أعمى البصر
صوت خارجي: (في غضب) ..أعمى ..أنا أعمى ..أيها الفانون..لا يحق لكم أن تتجاوزوا الحدود..فالعاقبة ستكون أسوأ مما ظننتم..نعم..صدقا ما عاد في حلقي ماء و لقد بدأ الشك يساورني ..يزلزلني ..

أصوات متعاقبة: (في تلعثم) ..
-   نحن ..نحن  .. 
-   نعم ..نحن 
-   من نحن ؟
-   هل يحدثنا 
-   من قال إنه يتحدث عنا ..
-   معنا 
-  نحن

صوت خارجي: (يأخذ نفسا عميقا ثم يصرخ عاليا ) يا أنتم طفح الكــيل ..ماذا تفعلون هنا ؟ ماذا تريدون..؟..من جاء بكم ..؟

أصوات متعاقبة: (صمت ..همهمات تتعالى رويدا ..رويدا ) ..
- هذا الذي يحدثنا 
- أسئلته كثيرة
- مملة 
- مستفزة 
- أصبح أمره لا يطاق 
صوت خارجي: (غاضبا)..ألا تعلمــون ..ألا تعلمون أنكم في سدرة المنتهى..أيها الفانون.. 
أصوات متعاقبة: 
- سدرة المنتهى 
- أمعتوه هذا ؟
- من أتى بنا إلى هنا قال لنا إنكم في مأمن من كل شيء ..
- من الحياة 
- من الجنون 
- أكيد عصف برأسك 
- توهمت يا هذا 
- من هذا المغرور ؟
صوت خارجي:  اللعنة ..اللعنة ..إنها سدرة المنتهى 

أصوات متعاقبة: (في تذمر) ..
- لا يزال يصر على أنها سدرة المنتهى
- إنا نراها أرضا قاحلة 
- الأرض كلها نراها صلصالا 
- وهو يصر على أنها سدرة المنتهى 
- أمعتوه هذا ..؟
- لا.. لا ..لا نشك ..
- أمجنون هذا ..؟
- لا.. لا ..لا نشك ..
صوت خارجي:  يا صاحــب الستـر .. أي عقــول هذه ..؟!..أي بشر هؤلاء ..؟!

أصوات متعاقبة: (يصيحون في ضيق) ..أيها المتحدث إلينا ..منذ خلقنا اعتدنا أن نتبع أولياءنا وسادتنا ..فهل أنت ولي  ؟

صوت خارجي: - لا .. أكثر 

أصوات متعاقبة: -سيد؟ 

صوت خارجي: -  لا ..لا ..أكثر ..أكثر 

أصوات متعاقبة: -أعجزتنا يا هذا ..فمن تكون ؟

صوت خارجي:- أنا صاحب السحر ..

أصوات متعاقبة: 
-قل أعوذ برب الناس 
- من الشر 
- من الوسواس
صوت خارجي:    (في غضب شديد)..أغبياء ..حمقى ..ألم تدركوا  إلى الآن أنكم أنتم الحياة التي أريدها..وأنا صاحبكم.. صاحب السحر ..

أصوات متعاقبة: 
-قلنا لكم أيها الـ... 
- قل أعوذ برب الفلق 
- من شر ما خلق 
صوت خارجي: (في غضب أشد) ..رأسي سينفجر أيها الحمقى ..ألا تفقهون ما أقول ..حقا إنكم بؤساء ..أنتم بؤساء وستظلون بؤساء ..

أصوات متعاقبة: 
-يا هذا ..علام الغضب ؟
- يا هذا لا داعي لمثل هذا القول 
- نعم بؤساء لكن لنا عزة 
- شرف 
- كرامة 
- الله الهادي 
- الله الشافي 
- الله لا يغفر لك 
صوت خارجي:  (مقاطعا بشدة )..نعم أقولها بشـــدة  أغبياء ..حمقى ..بؤساء ..لا ولن تدركوا من أكون ..أنا ..أنا ..الذي سحره عظيم ..أنا الذي  يأتيني على بساط أحمر ..وورق أحمر ودماء حمراء ..كل من يسكن هاته الأرض ..نعم كل من يسكن هذه الأرض لا بد أن يأتي إلى سدرتي طائعا .. خانعا 

أصوات متعاقبة: 
- يا لطيف ..ألطف 
- يا عزيز ..
- يا رحمان 
- يا رحيم 
- يا مغيث 
- لابد أن الشيطان قد تلّبسه 
- طائعا خائنا 
- ألا ينظر إلى نفسه في المرآة ؟
- أم أن المرآة مسحورة هي الأخرى ؟
- أكيد لم يتفقد الأرض كونها صلصالا

(قهقهات ضاحكة .. )

صوت خارجي: تأملوني جيدا.. وتفحصوني مليا ..تأملوا أرضي التي أنتم عليها ..أليست هي سدرة المنتهى؟.. أليست كذلك؟؟

أصوات متعاقبة: (يرتفع صوتها رويــدا..رويــدا في حنق وتأسف )        
- الله غالب 
- الله غالب 
- نحن لا نرى شيئا 
- نحن لا نسمع شيئا 
- هذا المكان ليس مكاننا ..
- أكيد إن هذا المكان مسكون ..ملعون
- ومن أوصانا بالمجيء خدعنا 
- نعم خدعنا ..ورب الكعبة ..خدعنا 
- انظروا حولكم ..هل ترون أحدا ؟ 
- لا ..لا نرى أحدا 
- هو ذاك الصوت 
- انسوا أمره واستعيذوا بالله 
- قل أعوذ برب الفلق 
- قل أعوذ برب الناس
- من الخناس الوسواس 
- هيا بنا نرحل 
- نعم نرحل 
- الرحيل ..الرحيل 
صوت خارجي: (في تلعثم وتوتر) .. أيها الفانون ..انتظروا ..إلى أين أنتم ذاهبون أيها الحمقى ؟ ..هنا ملاذكـم ..هنا تقف الشمـس لا ظل لهـا والظل لا شمس له ..

أصوات متعاقبة: (في حزم وإصرار)..
- ذهابنا لا رجعة فيه 
- حسم الأمر واتفقنا 
- لا شمس ..لا ظل ..لا نريد شيئا 
- أرض الله  واسعة 
- لن نؤمن بولي ..
- ولن نتبع وليا ..
صوت خارجي: (مذهولا غير مصدق).. ماذا؟..ماذا؟.. لا يمكن أن ترحلوا لا ..لا.. (يستشــيط غضبا فيزداد صراخه) ..لن يسمح لكم سحره أن ترحلوا بهاتــه البساطــة ..بهاته الجرأة ..سيرمي لعنته عليكم ..نعم سأرميها عليكم ..أيها الفانون ..أيها العابرون ..من دخل هذا المكان من المستحــيل أن يعرف طريق العودة ..مستحيل ..

أصوات متعاقبة: (حزينة ..بائسة ..يائسة) 
- لهذا فرعون  لم  يرم المنشفة ..
- ولا كليوباترا
- ولا ملك الفرس  كسرى
- ولا نيرون 
- ولا إسكندر الأكبر
- ولا هولاكو 
- ولا الحجاج
- ولا موسولوني 
- ولا هتلر 
- ولا ...ولا ...ولا 
- نسيتم نمرود 
- نعم ..نعم ولا نمرود
 (الظلام يشتد حتى لا يكاد يُرَى شيءًٌ ..وصمت رهيب   يطبق على المكان.. )


رؤيا 2:

نفس المنظر ..
تظهر سيدة عجوز في أرذل العمر ..ترتدي حايكا أبيض باليا ورثا ..بدت عليها علامات الوهن والإرهاق ..على ما يبدو من المشي الطويل ..يتــراءى  لها الكرسي الشاغر فتسر لرؤيته فتسرع الخطا للوصول إليه ..دون أن تنتبه إلى الشخص الذي يرتدي ثيابا سوداء وعلى وجهه قناع أبيض يضع عليه نظارة سوداء ..ممسكا بالكرسـي في حزم وإصرار كأنه حارسه ..
السيدة العجوز:(تتنهد بعمق ممسكة ظهرها من شدة الألم)..أنا جد متعبة ..مرهقة ..الطريق طويل جدا والشمس الحارقة هذا اليوم أخذت مني مأخذا (تنظر إلى الكرسي نظرة ســـرور) الحمد لله وجدت أخيرا كرسيا أرتاح عليه قليلا (تقترب بصعوبة نحوه )..

الحارس: (في حزم بصوت مرتفع)..  ممنوع ..ممنوع 

السيدة العجوز: (تتوقف مرتبــكة)..أستغفــر الله ..أستغفر الله.. يا لطيف ألطف ..يا لطيف ألطف..لقد أفزعتني حتى  كدت أن  تقتلني أيها الرجل.. (تضـع يدها عــلى صـدرها) ..أمن السماء سقطــت أم مـن الأرض برزت أيهــا الرجـل ؟..وهل أنـت  مـن الإنــس أم من الجن ؟..

الحارس: (لا يزال يردد) ..ممنوع ..ممنوع 

السيدة العجوز: (في استياء)..ممنوع.. ممنوع.. ما هو الممنوع ؟

الحارس: (في حزم أكثر كأنه لا يراها) ..ممنوع ..ممنوع  

السيدة العجوز: (في شيء من الغضب) ألا ترى أني عجوز مسنة والإرهاق يكاد يسقطني أرضا ..وأنت لا تعرف إلا قول كلمة واحدة ..ممنوع ..ممنوع

(صمت رهيب )

السيدة العجوز: (تتأوه بشـدة)..يا أيها الرجل.. لقد أجهدت نفسي وجاهدتــها حتى  أقطـع كل هاته المسافة ..

الحارس: (يتأملها في صمت)..

السيدة العجوز: (تكمل حديثها )..في البدء ظننت أني لن أقدر لكنى قطعت شوطا عظيما حتى أصل إلى هنا ..والحمد لله  أظن أن مشواري لم يتبق منه الكثير ..فقط  أنا بحاجة إلى راحة قصيرة أكــمل بعــدها ما تبقى.. (يزداد تأوهها) ..

الحارس: (يتململ في مكانه كأن إحساسا بالشفقة وتأنيب الضمير قد وخزه ثم يستعيد التزامه) ..ممنوع ..ممنوع 

السيدة العجوز: (متوسلة)..أيها الرجل  الطيب  ..أيها الرجل الطيب ..

الحارس: (ينظر طويلا ذات اليمين وذات الشمال.. يتــردد زمنـا ثم يخاطبها بصوت منخفض).. الله غالـــب..الله غالــب...

السيدة العجوز: (تغلبها ضحكة ..مستهزئة)..الله غالــب..الله غالـب ..منذ أن خرجت من بيتي هذا الصباح وأنا لا أسمع إلا كلمة واحدة تظل تتردد في مسمعي ..الله غالب ..الله غالب ..

الحارس: (في شيء من الخوف والحنان) ..أيتها العجوز الطيبــة أطلب عفوك ..المعذرة..أقسم بالعلي القدير  أني لا أستطيع ..

السيدة العجوز: (في استعطاف)..يا أيها الرجل  الطيب ..لن آخذ من وقتك الكثير ..مجرد أن أستعيد عافيتي قليلا أنهض من  فوقــه وأستمر في سيري.. 

صوت خارجي : (آمرا بصوت عال) ..أيها الحارس لا تنس الأوامر ..ممنوع الاقــتراب.. ممنوع اللمــس ..ممنوع التصوير..

الحارس: (يرتعش من الخوف)..الويل لي ..الويل لي..أيتهـا العجــوز..أسمعــت ؟! إنها تعليمات صارمة ..؟!

السيدة العجوز: (تحاول التأثير عليه بعــد أن لامسـت تعاطفا منه معها)..يا أيها الرجل الطيب..ارحمني..ارحم الشيب والعجز ..ارحمني رحم الله آباءك ..

الحارس: (متوسلا) أيتها العجوز ..أقسم لك للمرة الثانية أنا أقدر حالتك وأشفق عليك ..لكنه ممنوع ..ممنوع ..

السيدة العجوز: دقائق معدودة ... 

الحارس: (بصوت متلعثم) أيتها العجوز الطيبة أنت لا تقدرين موقفي ..أتعلمين ..أتعلمين ..أنت لا تدرين شيئا عن هذا الكرسي ..هذا الكرسي ليس كباقي الكراسي ..

السيدة العجوز: (تتأمل الكرسي وتستغرب) ..أراه كرسيا عاديا.. لا أظنه من الذهب أو من اللؤلؤ  .. (تضحك مستهزئة) .. 

الحارس: (يستطرد بصوت منخفض) ..أيتها العجوز الطيبة  هذا الكرسي الذي تستهزئين به له شأن عظيم.. حتى أنه ليس له  مثيل  في مدينتنا هاته ولا في المدن المجاورة ..

السيدة العجوز: (تنتابها نوبة من الدهشــة  والاستغراب )..حقا .. حقا ..


الحارس: (كأنه يهمس لها) ..نعم ..نعم .. الأحاديث التي تجول في الخفاء هنا وهناك تتحدث عن قدراته العجيبة ..يقال والعهدة على الراوي  من يجلس عليه يتملكه سحر عظيم وتنفتح له أبواب السـمــــاء.. (يحرك رأسه وكتفيه )..أنا  لم أر شيئــا  لكني سمعت الكثير من الناس يقسمون على صدق الأحاديث ..


السيدة العجوز: وهل تؤمن بما تسمع ؟..خرافة ..خرافة

الحارس: (يحرك رأسه ثم ينظر إلى الكرسي) ..لا أعرف ..لا أعرف ..قطعا ليست خرافة ..

السيدة العجوز: إن لم تكن خرافــة فلم لا تجرب حظك وتجلس فوقه؟

الحارس: (يرتعد خوفا ويضطرب) ..أنا !.. أنا! ..مستحيل ..مستحيل ..

السيدة العجوز:وكيف أيقنت بأن له سحرا عظيما ..؟

الحارس: لا أعلم ..الذي أعلمه يقينا أن الجميع هنا  دائمو القلق والتوتر والحرص على سلامته وأمنه .. (يحاول أن يكتم ضحكته) ..وماذا أفعل أنا هنا ؟.. لدي أكثـر من ثلاث سنوات وأنا أحرسه ليل.. نهار ..

السيدة العجوز: (بانفعال مكبوت ثلاث سنوات) !..ليل نهــار..ألــيس لك بيت.. زوجـــة و أولاد .. ؟!

الحارس: (بابتسامة الواثق) بلى ..بلى ..لكنه الواجب ..لقد قيل لي أن ثوابي فيه شيء عظيم ..

السيدة العجوز: (بإشفاق) الله المستعان يا أيها الرجل الطيب ..ربما ما تقوله صحيح فعلا ..

الحارس: (يبتسم فخورا) إن مهمتي ليست سهلة كما يظن الكثيرون..وأنت منهم كما رأيت الآن ..فعملي لا يقتصر على البقاء واقفا بالقرب من الكرسي .. لا.. لا أيتها العجــوز الطيبــة.. إن مهمتي أجل وأرقى..مهمتي أن أحرس هذا الكرسي الثمين من كل محتل ..من كل طامح ..طامع ..من الكائدين..

السيدة العجوز: (تحتار كثيرا)  الله أعلم ..أنت أدرى ..لقد أذهلتني بحكاية هذا الكرسي ..ظننـــته كرسيا عاديا بإمكاني الجلوس عليه لدقائق ثم أمضي ..
  
(دائما بصوت منخفض) أتعلمين إنه من المقدســات وأن ثمنــه غال وباهظ جدا  ؟  
الحارس
السيدة العجوز: (تحرك رأسها) .. الشيء المؤكد أن عيني رغم أني بلغت من العمر عتيا مازالتا تريانــه كرسيا عاديا ..وأن أصلـه من الصلصال ..

الحارس: إن صاحبه وهو من كبار القوم وأعظمهم مكانة  فعل المستحيل كي يشتريه ..وحسب ما قيل لي بأربع بقرات صفراء سمان فاقع لونها تسر الناظريــــن والخامسة أوصى هذا الصباح بأن تسدد ..

السيدة العجوز: (مرتبكة في ذهول) أربع..خمس بقرات!...لله الفضـل من قبل ومن بعد ..!

الحارس: (مازحا)..هل يمكنك شراؤه ؟

السيدة العجوز: أنا ..لا.. لا أستطيع.. ومن أين لي  المال لأشتري أربع أو خمس أو حتى بقرة واحدة !.. فكل ما أملكه هو ما أستر به نفسي .. 

الحارس: (يقترب منها ليهمس).. ليس لي ما أضيفه لك أيتها العجوز الطيبة سوى أن أذكر أن لهذا الكرسي تاريخا موغلا في القدم ..موغلا في الدماء ..حارب وجاهد وتنافس عليه الكثير والكثير من الناس كي يحصلوا عليه .. (يبتسم) ..هـــذا والعهدة على الراوي ..

السيدة العجوز: (تتأمل مليا الكرسي في استغراب ودهشة) ..جعلت للكرسي هيبة ومكانة فوق التصور ..
 
الحارس: أيتها العجوز الطيبة ..أنت لا تعلمين ماذا لو أن هذا الكرسي مسه سوء ..؟ ماذا سيحدث لهــذه المدينة ؟.. سينقلب عاليها فوق أسفلها ..

السيدة العجوز: (فزعة ..مرتعشة) ..اللطف ..اللطف ..اللهم اجعل هذا البلد آمنا ..


الحارس: اللهم آمين ..


صوت خارجي : (بصوت عال) ..أيها الحارس مع من تتحدث؟ إياك أن تتخاذل ..انضباط تام ..انتبه .. لا يحق لك التحدث مع أحد ..و إياك أن تدع أحدا يقترب من الكرسي ..ممنوع اللمس ..ممنوع التصوير ..إياك ..

الحارس: (متوترا) ..لا أحد يا سيدي ..لا أحد ..فقط سيدة عجوز تمر من هنا سائلة عن مقصد لها  ..

صوت خارجي : (آمرا بصوت عال) ..لقد قلنا الكلمة وانتهى ..احذر ثم احذر ..حاول أن تبعدها من أمامك ..وإياك أن تتحدث مع أحد بعدها .. 

الحارس: أمرك سيدي ..أمرك.. (ينظر إلى السيدة العجوز)..أيتها العجوز الطيبة ..أرجوك لقد سمعــت ..إنهــا  الأوامــر.. أرجوك .غادري المكان ..

السيدة العجوز: (تتنهد وتتأفف ) ..سامحكم الله 

  
الحارس: (مترجيا) أنا عبد مأمور أيتها العجوز الطيبة ..أيتها المرأة الخالدة .. يا فضيلة الدزيريــه 

السيدة العجوز: (تتوقف فجأة ..تستدير إليه بعد أن مسحت دموع الخيبة واستبدلتها بابتسامة).. ظننت أني نسيا منسيا ؟..

الحارس: (يبتسم مزهوا ).. لا يمكن لأحد منا أن ينسى أو يتجاهل السيدة فضيلة الدزيريــه..رمز السعادة ..رمز الطرب والزمن الأصيل  ..

(يُسمع فاصـل غنائي لأهم وأشهر أغاني فضيلة الدزيريه * )

الحارس: (مكملا حديثه متفاخــرا).. عملي أيضا كحارس للكرسي يجعلني أعرف كل شيء في هاته المدينة ..غير أن حدودي لا تتجاوز هذا الكرسي ..

السيدة العجوز: (تنفرج أساريرها قليلا) ..أيها الرجل الطيب ولكن ..

الحارس: (مقاطعا)..أيتها العجوز الطيبة إلا هذه ..المعذرة  


السيدة العجوز: (تتكدر) ..عنيد 

الحارس: وقلبي طيب لكنها الأوامر ..لكن قولي لي ماذا جاء بك إلى هنا ؟.. من أين أتــيت ؟..وإلى أين تقصدين ؟


السيدة العجوز: (تتنهد بحرقة) ..أتيت من الحي العتيق القصبة القديمة قاصدة حي العالية.. حيث مقبرة الشهداء..حيث أولادي وإخواني وأحبابي ..لقد اشتقت إليهم كثيرا ..
الحارس: (يحـرك رأسه آليـا )..هذه طريق طويلة ومتعبة ..

السيدة العجوز: جدا ..جدا ..لكن كل شيء يهون في سبيل رؤيتهم ..فأنا أحس بضيق شديد في هذه الأيام ..ولا أجـــد  متنفسا لي إلا قرب الأحبة ..

(يُسمع صوت أجش يردد " يا من تشتري الدور ..الله يمدك بالخير .. الحال تغير وما بقي على حاله ..إذا ما أردت ألا تترك دورك لإخوتك ..سيكون مصيرك مثل جيرانك ..ولن يدوم  إلا وجه الله الكريم ..

ضوء المصباح الكبير تزداد شدة توهجه وسرعة حركته بين الوجوه المرسومة.. )

السيدة العجوز: (تنفجر بالبكاء ).. لنا الله ..لنا الله 

الحارس: ما يبكيك أيتها العجوز الطيبة؟ 

السيدة العجوز: ألم تسمع قول العابر خلفنا ؟

الحارس: مجنون من الأحياء ..يمر أمامنا في كل يوم مرة أو مرتين..

السيدة العجوز: ألم تفقه قوله ؟

الحارس: (يحاول أن يتظاهر باللامبالاة) ..   ما أفقهه جيدا إنّ علي حماية هذا الكرسي ..

السيدة العجوز:ألا تراه صادقا في قوله.. إنه يذكرنا كيف ضاعت أحلامنا مع رحيل الزمن الجميل..

الحارس: (يتنهد) كان زمنا جميلا ..

السيدة العجوز: (في أسى) ..كان زمنا جميلا ..ما كدنا نستفيق من نشوتــه حتى أصيب الجميع باللعنة وأصبحوا لا هم لهم إلا البحث عن السحر العظيم ..فتلاشت تلك الأيام ..

الحارس: هوس طاغ  أرهقنا جميعا ..

السيدة العجوز:لذا وجب علينا أن نحتار في أمرنا ونبحث عن السبيل إلى الخلاص فليس من السذاجة أن لا نعير لقوله أدنى اهتمام ..

الحارس: (مستسلما) ..لست ساذجا ..أعلم ..أعلم .. قلت لك أيتها السيدة الفاضلة أني أعلم كل شيء..لكن مهمتي تقيدني ..

السيدة العجوز: تقيدك ..اعترف أيها الرجل الطيب  ..هل أنت خائف ؟

الحارس: (قاطعا ) ..أنا ..أنا.. لا أخاف.. 

السيدة العجوز: (مستفزة) ..لا.. لا أنت خائف  

الحارس: (في عصبية )..قلت أيتها العجوز ..أنا لا أخاف..

السيدة العجوز: لا.. يبدو عليك ..أنك تخاف  


الحارس: (يجاهد لكبح جماح غضبه) ..هذه إهانة ..وأنا لا أسمح ..أنا لا أخاف 

السيدة العجوز: معاذ الله ..أنا لا أهينك أيها الرجل الطيب لكني لا أريدك أن تخاف ..

الحارس: (منفعلا وممسكا بشدة على مقبض الكرسـي)..أقسـم بالله إني لا أخاف ..لا أخاف ..

السيدة العجوز: بل تخاف الموت ..الموت 

(يُسمع فاصل إخباري لأحداث مأساوية ..صوت انفجارات، وقنابل و رصاص ممزوج مع أصوات لنساء ينتحبن ورجال يبكون في حرقة،  وصوت لصحفي في التلفزيون يقرأ التقارير بحزن عميق : 
اليوم حدثت مجزرة دموية في بن طلحة.
اليوم تم اغتيال المغني الشاب حسني. 
اليوم تم اغتيال الصحفي إسماعيل يفصح.
اليوم تم اغتيال الروائي بختي بن عودة.
اليوم تم اغتيال المسرحي عبد القادر علولة..

اليوم..
اليوم ..
اليوم .. )
 
الحارس: (ممسكا رأسه كأن به صداعا شديدا ولا يقدر أن يتماسك فتنهمر  دموعه بشدة) .. أيتها العجوز ..بالله عليك كفى ..كفى..
السيدة العجوز: هل ما زلت تخاف؟
 
الحارس: (صارخا)..كفى ..كفى .. 

السيدة العجوز: (مصرة) ..هل ما زلت تخاف ؟

الحارس: (منفعلا بشدة) ..قلت لك أنا لا أخاف ..لا أخاف ..من عاش تلك الحقبة وهزته تلك المشاهد لا يمكن له أن يخاف 

السيدة العجوز: (تمسك يده بقوة)..فماذا تنتظر؟ مـاذا تنتظر  ..؟

صوت خارجي: (معاتبــا  في عنف) ..أراك أطلت الحديث مع السيدة العجوز ..

الحارس: (يحاول التملص) ..لا يا سيدي ..السيدة العجوز ..أصيبت بوعكة  خفيفة من شمس هذا اليوم الحارقة ..وسترحل الآن ..

صوت خارجي: احذر ..احذر أيها الحارس ..كيد النساء عظيم ..الشيطان رفع رايته البيضاء واعتزل منذ زمن يوسف النبي والعزيز والنسوة اللواتي قطعن أيديهن ..

السيدة العجوز: (لم تستطع أن تتمالك) ..هذا المعتوه مزعج جدا ..هل ستبقى تصغي إليه ..أيها الرجل الطيب؟!

الحارس: أيتها العجوز ..؟!

السيدة العجوز: هل ستبقى خانعا ..طائعا 

صوت خارجي: اطلب من السيدة العجوز الرحيل فورا  .. فلا مكان لها هنا..

السيدة العجوز: (في حمـاس)..ماذا تنتظـــر؟.. لابد للزمن الجميل أن يعود ..و الصلصال آن له أن يتشكـل من جديد ..

الحارس: (يخمن طويلا ثم ينزع قناعه الأبيض ونظارتـــه الســوداء)..اسمـعي أيتـها العجوز الطيبــة..اجلسي..اجلسي .. (يومئ إلى الكرسي )..
  
السيدة العجوز: (متفاجئة غير مندهشة)..كنت أعرف أن أصلك من صلصال ولكن ماذا ستفعل مع صاحبك ..صاحب الكرسي؟ 
 
الحارس: (في حزم) ..لم تعد هناك مشكلة ..اجلسي ..اجلسي .. فقط ادعي لي بالخير.. (يحاول أن يتماسك)

السيدة العجوز: أيها الرجل الطيب سأصلي كي ترزق  السعادة الأبدية ..(تعانقه بدفء)..

صوت خارجي: أيها الحارس..إني أشك في أن أمرا مريبا سيحدث ..

الحارس: اطمئن يا سيدي أنا هنا بالمرصاد لكل معتد.. لكل طامح.. لكل طامع.. للكائدين .. 

صوت خارجي: أمتأكد؟ ..فما بالي  أسمع صوت جلبة عندك ..؟

الحارس: أكرر سيدي ..ليس هناك شيء ولن يحدث شيء ..فأنا الحارس الأمين ..
السيدة العجوز: أيمكننا الرحيل ؟

صوت خارجي: انتبه ..أكرر ..احذر.. احذر ممنوع الاقتراب ..ممنوع التصوير ..ممنوع اللمس ..

الحارس: لا تخف ..أمرك مطاع ..

الحارس: (يشير إلى السيدة العجوز أن تجلس فتجلس ببطء شديد وبعد أن يقبل رأسها في حنو ينطلق بها راكضا ) انتهى ..انتهى 

صوت خارجي: (مرتبك)..أيهـــا الحارس..المصابيح المنبهة لحركة الكرسي أضاءت عندنا ..ماذا تود أن تفعل ؟

الحارس: لا شيء سيدي ..تذكرت أني لم أغسل الكرسي لأيام طويلة ..حتى أن رائحته أصبحت لا تطاق  ..

صوت خارجي: ماذا؟!..مــــاذا؟!..هذا تسيب ..هذا استهتار ..لماذا لم تقدم إخباريتك..؟ يا أنت ..ستعاقب على فعلتك عقابا شديدا ..

الحارس: (يحادث نفسه في حنق).. اللعنة رغم ما أقدمــه وما قدمته من تضحيات ..سأعاقب !


صوت خارجي: انتظر حتى نرسل لك الدعم ..

الحارس: لا داعي..لا داعي..سأتحمل المسؤولية 

صوت خارجي: لا..لا انتظر..توقف ..قلنا لك يا أنت ..سنرسل الدعم ..

السيدة العجوز: (بعد أن تجلس فوق الكرسي تحس بنشوة عارمة .. تبتسم ابتسامة عريضة).. له كل الحق من قال إن  سحره عظيم ..ولهم كل الحق من تكالبوا عليه وأرادوه مهما كان الثمن ..
صوت خارجي : يا أنت..يا أنتم ماذا دهاكم..؟ (مذهولا غير مصدق )..ماذا؟..ماذا؟..  لا يمكن أن ترحلوا لا ..لا.. (يستشيط غضبا فيزداد صراخه)..لن يسمح لكم سحره أن ترحلوا بهاتـــه البساطة ..بهاته الجرأة ..سيرمي لعنته عليكم ..نعم سأرميها عليكم ..أيها الفانون ..أيها العابرون ..من دخل هذا المكان من المستحــيل أن يعرف طريق العودة ..

أصوات متعاقبة: (تتصاعد نبرتها وتنخفض) 
- لهـــذا فرعـــون لم يرم المنشفـة ..
- ولا كليوباترا
- ولا ملك الفرس  كسرى
- ولا نيرون 
- ولا إسكندر الأكبر
- ولا هولاكو 
- ولا الحجاج
- ولا موسولوني 
- ولا هتلر 
- ولا ...ولا ...ولا 
- نسيتم نمرود 
- نعم ..نعم ولا نمرود-
رؤيا 3:

نفس المنظر ..
موسيقى الترقب والتوتر تعلو وتنخفض ..المصباح الكبير تزداد حركته إلى أقصى ما يمكن بين الوجوه المرسومة ..لحظات يخرج من بين الوجوه طفل صغير حاملا في يديه شمعة صغيرة و حجارة ..لا يتردد في قذفها على المصباح فيكسره ..
ظلام حالك يعم الخشبة ..الطفل الصغير يجري في أرجاء المكان بشمعته ..دورة ..دورتان .ثلاث ،وكلما قام بدورة تتقد شموع أخرى عبر كامل زوايا الخشبة ..ثم يتوقف ..
صوت خارجي : (بصوت عال)..من أطفأ المصباح ؟

(صمت رهيب ..)

صوت خارجي : من أوقد الشمعة ..الشموع؟
 
الطفل الصغير : (يضع شمعته أرضا في حرص شديد ثم يضع يديه على أذنيه ويبدأ في الغناء بصوت مبهم متجاهلا الصوت الخارجي) 

صوت خارجي: (يكرر نفــس الأسئلة).. من أطفأ المصباح ؟..من أوقد الشمعة ..الشموع؟

الطفل الصغير: (يعاود الجري في أرجاء المكان ..دورة ..دورتان .ثلاث.. يصيح ساخرا) ..الشمعة أفضل من المصباح..الشمعة أفضل من المصباح..

صوت خارجي: (غاضبا مرتعبا) ..من هناك ..من هناك ..أيها العابرون ..أيها الفانون ..هل بقي منكم أحد ..إني أسمع جريا حثيثا ..(يقهقه في خبث )..نعم ..نعم ..بقي منكم أحد ..قلت لكم أنكم ستعودون ..فسحــره عظيم ونشوة سكرته لن تزول أبدا .. 

الطفل الصغير: (يصر على تجاهل الصوت الخارجي) الشمعة لا تختار بل نحن من نختارها لأنها بحجم أحلامنا أما المصباح فهو كبير جدا بحجم الشمس ..

صوت خارجي : (يثور هائجـا) .. الشمس.. الشمس ..هي المصباح..هي الكرسي ..هي سدرة المنتهى.. 

الطفل الصغير :(في عـــزم) ..لا نريـــد تلــك الشمس..الشمس التي تحرقنا  إذا ما كبــرت  أحلامـــنا وأوشكــت على ملامستها ..

صوت خارجي :(متألما.. متحسرا ..ساخطا )..أيها العابرون ..أيها الفانون ..أنتم لا تفقهون شيئا ولا تريدون شيئا ..لا طموح لكم ..لا أمل لكم ..ستبقون أبد الدهر بين الحفر ..عليكم اللعنة ..عليكم اللعنة ..

الطفل الصغير : (بصوت صادح قوي ينتفض).. أيها الناس ..أيها الفانون ..أيها العابرون ..لن يبقى في الواد إلا حجارته وصلصاله ..ونحن الحجارة ..نحن الصلصال ..(ثم يتقدم نحو الكرسي ..يسكب عليه الماء فيذوب) ..كل شيء في هذا الكون ..أصله صلصال وسيبقى صلصالا ..


                                   ستار

بدأت كتابتها في شط مريم ،تونس،18 أوت 2018
معالجة نهائية يوم 28 ماي 2019





0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption