«روميو وجولييت»… وليام شكسبير والحب الخالد
مجلة الفنون المسرحية«روميو وجولييت»… وليام شكسبير والحب الخالد
*زيد خلدون جميل - القدس العربي
من الصعوبة بمكان العثور على شخص لا يعرف شيئا عن قصة «روميو وجولييت» التي كتبها الكاتب المسرحي البريطاني وليام شيكسبير (1564 – 1616) كمسرحية، فقد ترسخت في أعماق الثقافة الشعبية والإعلام العالمي. ولا يتوقف إنتاج الأفلام المأخوذة عنها، أو المتأثرة بها، حيث أنتج حتى الآن أكثر من مئة فيلم عنها، بالإضافة إلى آلاف الأفلام التي تأثرت بها والسينما العربية ليست استثناء. وكثير من الأفلام التي تقع أحداثها في الصعيد المصري أو الغرب الأمريكي، أو الخيال العلمي تعكس بوضوح آثار هذه المسرحية بالذات.
أحداث المسرحية
تدور أحداث المسرحية في القرن الرابع أو الخامس عشر، فقد كانت مدينة «فيرونا» تعاني من صراع محتدم بين اثنتين من أشهر عوائلها، وهي عائلتي «مونتاغيو» و»كابوليت». وتجرأ شاب في السادسة عشرة من العمر من عائلة «مونتاغيو» يدعى «روميو» للدخول خلسة في حفلة للطبقة العليا من مجتمع المدينة، أقامتها عائلة «كابوليت» المعادية لعائلته، وشاهد بالصدفة «جولييت كابوليت» ذات الثلاثة عشر ربيعا، التي تخطط عائلتها لتزويجها بأمير من عائلة حاكم المدينة. ويتبادل الاثنان النظرات، وسرعان ما يتبادلان التحية والكلام. وخلال ثوان قليلة فقد الاثنان الشعور بوجود الآخرين، حيث أصبحا في عالم خاص بهما، وعرف الاثنان أن ما يجمعهما هو الحب العميق والمصير الواحد. ولكن الحياة ليست خالية من المفاجآت، إذ اكتشف «تيبولت»، ابن عم «جولييت» وجود ابن العائلة المعادية «روميو» في عقر دار عائلته، وفي هذه الحفلة المهمة، فأراد قتله، ولكن والد «جولييت» منعه فورا، كي لا تحدث معركة في منزله وأمام الحضور المكون من كبار القوم. ويلتقي العاشقان المراهقان عند شباك القصر ويقرران الزواج، وينجحان في إتمام الزواج سرا في اليوم التالي. وتحدث معركة بالسيوف بين صديق «روميو» العزيز «مركشيو» وابن عم «جولييت». وعندما يحاول «روميو» منع صديقه من القتال يستغل «تيبولت» الفرصة ويطعن «مركشيو» طعنة قاتلة ليخر صريعا بين يدي «روميو». ولم يصدق «روميو» ما حدث، فقام بتحدي «تيبولت» وقتله بعد مبارزة حامية الوطيس. ونتيجة لهذا قام حاكم المدينة بإصدار أمر بنفي «روميو» إلى خارج المدينة. ولكن أحد رجال الدين يقترح خطة معقدة على «جولييت» كي تلحق بحبيبها، وهي أن تتناول «جولييت» مخدرا يجعلها مغشيا عليها بطريقة تعطي الانطباع بأنها ميتة لفترة محددة، كي يُلغى زفافها من الأمير، ويأتي «روميو» في موعد استعادتها لوعيها ويأخذها معه إلى خارج المدينة، ولكن الخطة تفشل وتنتهي القصة بانتحار «روميو» بالسم، وكذلك انتحار «جولييت» بطعن نفسها بخنجر كان «روميو» يحمله في حزامه.
تاريخ القصة قبل المسرحية
تمثل قصة «روميو وجولييت» مثالا لكيفية تطور القصص وتأثرها ببعضها بعضا، فقد تكون بداية هذه المسرحية قصة «ثيسبي وبيراموس» للكاتب الروماني «أوفيد» المتوفى في القرن الأول الميلادي، والتي تدور أحداثها في بابل، حيث نجد عشيقين من عائلتين متخاصمتين. ونجد المخدر الذي يجعل من يتناوله يبدو ميتا لفترة معينة للمرة الأولى في قصة يونانية شهيرة من القرن الثاني الميلادي. وفي بداية القرن القرن الرابع عشر، ظهر اسما العائلتين المتخاصمتين «مونتاغيو» و»كابوليت» للمرة الأولى في «الكوميديا الإلهية» للكاتب الإيطالي دانتي. وعلى ما يبدو أنهما كانتا من العوائل القوية، إذ تذكر المصادر التاريخية، أنهما كانتا في صراع مع بعضها بعضا في شمال إيطاليا آنذاك. وتطورت القصة حتى ظهر اسما «روميو» وجولييت» أخيرا في نسخة للقصة نشرت عام 1531 من قبل الكاتب الإيطالي لويجي دا بورتو، ونرى فيها للمرة الأولى الأسماء التي استعملها «شيكسبير» في مسرحيته. وانتقلت القصة إلى بريطانيا عندما ترجمها أرثر بروك إلى الإنكليزية عام 1562، والتي كانت أساس المسرحية التي كتبها «شيكسبير» بعد أن قام ببعض التحويرات عليها. وكان قد اعتاد المسرحيون البريطانيون في تلك الفترة على أن يحولوا بعض هذه القصص إلى مسرحيات، ولم يكن «شيكسبير» استثناء حيث حول خمس قصص إلى مسرحيات لاقت رواجا ملحوظا في إنكلترا، وأشهرها «روميو وجولييت» و»تاجر البندقية»، ولكن مسرحية «روميو وجولييت» كانت أول مسرحية تندمج فيها الكوميديا والتراجيديا بالرومانسية، وكانت هذه بداية لنوع جديد من المسرح لا يزال حيا حتى الآن.
كان أول فيلم شهير للمسرحية قد أنتج عام 1936 ومن تمثيل ليزلي هوارد في دور «روميو» ونورما شيرر في دور «جولييت»، وأثار تقدم كلاهما الواضح في السن، سخرية الكثيرين، حيث كان الممثل في الحقيقة في الثالثة والاربعين من العمر بينما كانت الممثلة في الرابعة والثلاثين.
عرض المسرحية
يُعتَقَد أن شيكسبير بدأ بكتابة المسرحية عام 1591، ولكنه نشرها عام 1597. وتتسم المسرحية بجميع سمات أسلوب «شيكسبير» الذي تميز بحوادث القتل بمختلف الأساليب خاصة السم، وكذلك حالات الانتحار، فقد أدرك شيكسبير أن الموت يمثل أقصى درجات التراجيديا. ونجد هذه السمة كذلك في مسرحية «روميو وجولييت» التي امتازت بالعنف والانفعالات الشديدة حيث قُتِلَ شخصان في مبارزات وانتحر اثنان. ولكن لماذا كان السم الوسيلة المفضلة للكاتب؟ قد يكون السبب أن الانتحار بالسم يمثل حالة متطرفة من العذاب النفسي للإنسان. وأما القتل بالسم والذي نجده بكثرة في مسرحيات شيكسبير، فإنه الطريقة التي لا تترك علامة على القتيل، ودليلا على مؤامرة محبوكة بشكل مثير، حيث لم يكن الطب متقدما آنذاك لكشف السم.
الغريب في الأمر أن نجاح مسرحية «روميو وجولييت» كان محدودا في البداية، واضطر الممثلون الرجال أن يمثلوا الأدوار النسائية بسبب قوانين تلك الفترة التي كانت تمنع النساء من التمثيل. واستمر الحال على هذا المنوال حتى عام 1662 عندما مثلت دور «جولييت» الممثلة ماري سوندرسن. وسرعان ما تغيرت الظروف، حيث ازدادت شهرة المسرحية وأصبح الاشتراك فيها أمنية الممثلين من كلا الجنسين، ففي القرن التاسع عشر مثل دور «روميو» أدوين بوث، الذي كان أشهر ممثل في الولايات المتحدة، وهو شقيق جون بوث، الذي اغتال الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن. وفي الولايات المتحدة كذلك قامت الشقيقتان شارلوت وسوزان كوشمان بتمثيل دوري «روميو» و»جولييت» في العروض نفسها. أما في القرن العشرين، فقد ازدادت شهرة المسرحية وتوالت العروض المسرحية، وأنتجت العشرات من الأفلام السينمائية عنها، واشتهر بعضها بشكل خاص. وحاول بعض الكتاب والسينمائيين تغيير بعض التفاصيل وكذلك النهاية، بل إن فيلما فكاهيا اقتبس عن المسرحية من تمثيل بيتر يوستينوف، حيث تحب ابنة السفير الأمريكي ابن السفير السوفييتي في إحدى الدول الاوروبية.
كان أول فيلم شهير للمسرحية قد أنتج عام 1936 ومن تمثيل ليزلي هوارد في دور «روميو» ونورما شيرر في دور «جولييت»، وأثار تقدم كلاهما الواضح في السن، سخرية الكثيرين، حيث كان الممثل في الحقيقة في الثالثة والاربعين من العمر بينما كانت الممثلة في الرابعة والثلاثين.
أما الفيلم الشهير التالي عن المسرحية، «قصة الحي الغربي» (1961)، فقد كان فيلما غنائيا، وأصبح «روميو» شاب امريكي أبيض يغرم بفتاة بورتوريكية في منطقة تشهد صراعا بين البيض والبورتوريكيين. ونال هذا الفيلم شهرة واسعة، واعتبرت موسيقاه التي وضعها الموسيقار الأمريكي الشهير ليونارد برنشتاين، من كلاسيكيات الموسيقى التصويرية في الولايات المتحدة. ومثلت النجمة الأمريكي ناتالي وود دور البطولة فيه، ما جعلها إحدى أشهر ممثلاث السينما الأمريكية حينها. وفي عام 1968 قام المنتج والمخرج الإيطالي فرانكوزيفرللي بإنتاج الفيلم، الذي اعتبر الأقرب إلى المسرحية الأصلية، حيث استعان بالبريطانية أوليفيا هسي ذات الخمسة عشر ربيعا لتمثيل دور «جولييت» والبريطاني ليونارد وايتنغ في دور «روميو»، الذي كان أكبر من الممثلة بعام واحد. وقد أثار الفيلم ضجة لقيام الممثلين المراهقين بتمثيل مشهد فاضح فيه. وكان للموسيقى للمرة الثانية دور مهم في شهرة الفيلم، حيث قام الموسيقار الإيطالي نينوروتا بتأليف إحدى أجمل المقطوعات الموسيقية في تاريخ السينما العالمية. ولكن هذه النسخة كررت خطا مقصودا ظهر في الكثير من الأفلام والمسرحيات عن هذه القصة، حيث تحول الشباك، الذي تقف عنده «جولييت» وهي تصرح بحبها لـ»روميو»، إلى شرفة. وقد تكون الشرفة أجمل وعملية أكثر من الشباك، ولكنها لم تكن موجودة في البنايات في عهد شيكسبير، بل إن كلمة شرفة لم تكن موجودة في اللغة الإنكليزية آنذاك، ولذلك ذكر شيكسبير الشباك، وليس الشرفة. وتشترك جميع هذه المسرحيات والأفلام عن المسرحية في إظهار «روميو» كمراهق خجول وبالغ الرقة. ولكن قراءة دقيقة للمسرحية تعطي الانطباع أنه ربما كان شابا بالغ الجرأة والتهور.
نجاح المسرحية على مدى كل تلك القرون، يثبت أن الطبيعة البشرية لم تتغير مهما تغير العالم، فلا تزال الرومانسية تؤثر في الطبيعة البشرية في كل مكان.
تم إنتاج أربعة وعشرين أوبرا حول المسرحية وعدة عروض للباليه، كان أشهرها من تأليف الموسيقار الروسي الكبير بروكوفييف. وأما أشهر سيمفونية عن المسرحية، فقد ألفها الموسيقار تشايكوفسكي.
المسرحية والتاريخ
قصة المسرحية خيالية، ولكن الكثير من التفاصيل كانت من مظاهر الحياة في إيطاليا في القرن الرابع عشر، فالمدن الإيطالية، كانت فعلا تحت سيطرة عدد قليل من العوائل القوية، التي كانت أحيانا تدخل في صراع ضد بعضها بعضا يقع ضحيته أفراد منها، وقد تكون أشهرها محاولة اغتيال كبار أسرة «مديتشي» من قبل عائلتين منافستين لها أثناء حضورهم صلاة عيد الفصح في إحدى كنائس مدينة «فلورنسا» عام 1478. أما المبارزات بالسيوف، فقد كانت من أشهر الوسائل المستعملة حينذاك لإنهاء الخلافات، على الرغم من وضع قوانين صارمة لإيقافها. وهذه علامة مهمة، حيث لم تكن المبارزة بالسيوف معروفة قبل أواخر العصور الوسطى في العالم، على عكس ما تظهره الأفلام السينمائية وتدعيه الحكايات الشعبية.
لم يكن للحب أي دور في أي زواج حتى القرن الثامن عشر، حيث كانت هناك أسباب عملية وبعيدة عن الحب، تجعل المواطنين يبحثون عن شريك للحياة. ولهذا فإن الزواج الذي كان من المفروض أن يتم بين الأمير و»جولييت» كان هو المعتاد. وأما زواج «روميو» منها الذي كان نتيجة قصة حب، فكان في الواقع شيئا نادرا. كان لنجاح المسرحية نتائج لا علاقة لها بالفن، حيث استفادت مدينة «فيرونا» كثيرا من المسرحية وأصبحت مدينة معروفة يقصدها السياح من مختلف أنحاء العالم، خاصة العشاق منهم. وكان هذا عاملا اقتصاديا مهما بالنسبة للمدينة. واستفاد كذلك عدد كبير من المخرجين والمؤلفين والممثلين من المسرحية، حيث كانت الاختبار الحقيقي لقدراتهم الفنية، ومثلت نقطة انطلاق لمسيرتهم المهنية، ومنهم الممثل ليوناردو دي كابريو. ولا يمكن تجاهل استفادة بريطانيا والمسرحية من بعضهما بعضا، حيث عززت المسرحية من مكانة المسرح البريطاني لتظهر بريطانيا كقوة ثقافية عالمية، بالإضافة إلى كونها قوة سياسية، وفي الوقت نفسه ساهم كون شيكسبير إنكليزيا بشكل أساسي في شهرة المسرحية، حيث صاحب نمو الإعلام البريطاني تأسيس الامبراطورية البريطانية العملاقة. وبذلك أصبح شيكسبير ومسرحياته وبريطانيا رموزا بالغة الأهمية للثقافة العالمية.
إن نجاح المسرحية على مدى كل تلك القرون، يثبت أن الطبيعة البشرية لم تتغير مهما تغير العالم، فلا تزال الرومانسية تؤثر في الطبيعة البشرية في كل مكان.
٭ باحث ومؤرخ من العراق
0 التعليقات:
إرسال تعليق