فتحي كافي : مسرحية "عزيزي طرزان" تجربة أحدثت تغيير في مساري المسرحي كممثل وكاتب ، فهي شهادة ميلاد للكاتب المسرحي
مجلة الفنون المسرحية فتحي كافي : مسرحية "عزيزي طرزان" تجربة أحدثت تغيير في مساري المسرحي كممثل وكاتب ، فهي شهادة ميلاد للكاتب المسرحي
بن علوش حورية :
يقارب المسرح الجزائري اللحظة الجزائرية في تحوّلاتها المختلفة، إذ لا يخلو من تعرية الواقع المزري سواء أثناء الاحتلال أو بعده ، إذ كان أحد مقومات النضال والجهاد... وحتى فترة الاستقلال الوطني، وبنبرة ناقدة أحياناَ وساخرة أحياناَ أخرى وفرجوية ، يعكس واقعا حياتيا بكل حمولاته محاكيا المجتمع الجزائري،وحتى الأعمال التي حسبت على الإيديولوجيات الحاكمة في سبعينات القرن العشرين، والتي كان هدف الكثير منها نقد الوعي السائد وخلق وعي جديد، لصالح الفكر الثوري الذي يؤمن به مخرجوها لا لصالح النظام القائم فكان اختيارنا لهذا النص ما هو إلا بناء مؤسس لما يحمله هذا النص من نقد وكوميديا ساخرة ومؤلمة سوداء بعمق معنها فلقد فرضت علينا الدراسة التحليلية تساؤلات طرحت نفسها لتوجه للمبدع صاحب النص الكاتب والممثل فتحي كافي
1- ملخص لنص المسرحي عزيزي طرزان :
ترصد مسرحية عزيزي طرزان جملة من المناوشات لجزائر ما بعد الإرهاب.... هذا الذي جعل التكامل بين عناصر العرض والانتقال من مشهد إلى آخر ومن حالة إلى أخرى سلساَ ومثيرا للفرجة والفضول معاَ، إذ كان الممثّل فتحي كافي يعرّي بموهبته الفذّة المتلقي من أقنعته من غير أيّ مقاومة منه، بل كان يقابل ذلك بالضحك. وحضرت جميع الأصوات والرؤى الموجودة في حيّ السلام/ الجزائر في الحقيقة كما هي، لكن الحوار فيما بينها جعل تناقضاتها المختلفة تطفو إلى السّطح، بما يظهرها أوراماَ حالت دون أن يصل الحيّ إلى حالة من التعايش والإيمان بالاختلاف
عبر النقد والسخرية أنتج المسرح الجهوي معسكر عملا مسرحيا جديداَ بعنوان عزيزي طرزان والذي أشرف رؤيته الإخراجية المخرج قادة شلابي، والسينوغرافيا نور الدين بعطوش والموسيقى عبد الرحيم زياني، والنصية الأستاذ فتحي كافي عن إحدى قصص الكاتب التركي عزيز نيسين لقصته من هو صاحب طرزان.... بممثل واحد والتي هي عبارة عن مونودرام، ومثَلت مرتين من طرف الكاتب فتحي، والمرة الثانية من طرف الممثل أحمد لكحل المعروف بالاسم الفني بقبوق.
مونودرام عزيزي طرزان هو العرض الذي إفتكّ جائزة أفضل عمل متكامل في الدورة الأخيرة للمهرجان المغاربي للمونودراما، والذي اتَخذ من تجمّع سكاني عشوائي يسمّى حيّ السّلام، وهذا نموذجاَ َ لرصد جملة التناقضات الفكرية والنفسية السلوكية لجزائر ما بعد الإرهاب، حيث المدرسة بجانب السجن والمستشفى قرب المقبرة. والمسجد بمحاذاة الحانة وعند نشوب النزاع بين روّاد المسجد وروّاد الحانة يطرح هذا السؤال: من هو الأقدم سكنا في الحيّ؟ في إشارة إلى تحكيم الشرعية التاريخية على حساب المواطنة
وبعد تحقيق مع مسنّي الحيّ يكتشف أنّه ( طرزان) وهو كلب شريف يحبّ الحيّ وأهله. وفي هذه الأثناء يزور الحيّ عالم اجتماع فرنسي يدعى "فرونسوا" لدراسة بعض ظواهره. فتتعرّض ابنته للتحرّش من أحد شباب الحيّ، فيكون له "طرزان" بالمرصاد وهذا كلّه ما يمهّد لعلاقة عميقة بين الكلب الشريف والجميلة الفرنسية "فيرونيك".
وحين تنتهي مهمّة الباحث الفرنسي "فرونسوا "ويقرّر العودة إلى بلاده، فتصرّ ابنته على أن تأخذ "طرزان معها" وهو الأمر الذي يوحّد سكّان الحيّ والحكّام ضدّها، بحجّة أنّ "طرزان" أصيل الأرض، ومن العار أن يسمحوا لأجنبي بأن يأخذه معه إلى ما وراء البحار..... لكن ما إن يغادر الباحث وابنته حتى يتوحّد الجميع على قذف" طرزان" بالحجارة، فيصبح الضرب وجبته الدائمة، إنّها الحقيقة الجزائرية التي أثبتت نفسها منذ الاستقلال الوطني، وهي أن الاجتماع الوطني في الجزائر لا يثمره الرهان الحضاري المشترك، بل يثمره العدوّ المشترك والتواطؤ المشترك ضدّ الكفاءة.
مونودرام "عزيزي طرزان "هو عبارة عن مسرحية مقتبسة من قصة الكاتب التّركي عزيز نيسين ( من هو صاحب طرزان) والتي كان موضوعها يدور حول شخصية طرزان ، الذي شغل دور البطولة من بداية المسرحية إلى نهايتها، وهو عبارة عن كلب، لكنّ صفاته ورمزيته في المسرحية فاقت رمز الحيوانية بكثير، فهو الرجل الثوري، وهو المناضل الذي ضحى بنفسه من أجل الكثير، وذاق مرارة العيش في وطنه عامّة، والتهميش والذّلّ من أبناء حيّه ( حي السلام). طرزان هو البطل الذي كشف خبايا المجتمع وما يخفيه أبناء حيّه حوله
التساؤولات المطروحة:
التساؤلات طرحت نفسها عبر دراسة نقدية لعملية الاقتباس التي قام بها الكاتب فتحي كافي للنص المسرحي "عزيزي طرزان " من النص القصصي "من هو صاحب طرزان" لعزيز نسين الكاتب التركي فأخذنا الطرح النقدي إلى محاورة الكاتب بهذه الأسئلة البسيطة التي طرحت نفسها في بداية البحث الذي دار مع الأستاذ فتحي كافي .
فقد كان السؤال الأول للكاتب ماذا يمثل لك نص عزيزي طرزان في مسيرة الكتابة المسرحية ؟
يقول فتحي كافي أن عزيزي طرزان هي أول تجربة كتابية له وهو يعتز بهذه التجربة التي أحدثت تغيير في مساره المسرحي كممثل وكاتب ، فهي شهادة ميلاد للكاتب المسرحي ، فهذا النص تحصل على الجائزة الكبرى للأيام المسرحية المغاربية بمشاركة ممثلين مسرحيين من تونس والمغرب ، ورغم هذا فالنص بنسبة للكاتب فتحي كافي لم يأخذ حقه كنص إبداعي وباختصار كل النصوص تقريبا لم تأخذ حقها في الفعاليات والمهرجانات في المجال المسرحي الجزائري بما فيها هارمونكا ، القرص الأصفر ، كاربوستال، رغم شهادة المختصين بروعة النصوص.
فنجد عبر هذه الإجابة للكاتب المسرحي أن الفنان والمبدع الجزائري لا يلقى الدعم من الجهات المختصة فالإبداع دائما يقتل في مهده ويموت ببطء ،فهناك إبداعات كثيرة وشخصيات موهوبة لم تلقى طريقها في الوصول ليس لعجز منها على الإبداع وإنما لأن الطريق دائما يسد باللامبالاة والإهمال والمحسوبية ،وتبقى سلطة المجال هي وموثقفها في صراع دائم.
السؤال الثاني كيف كان الاقتباس الشكلي في نص عزيزي طرزان من النص القصصي "من هو صاحب طرزان" ل "عزيز نسين"
يقول الكاتب حول هذا الإشكال أن النص المسرحي كتب ليقرأ ولم يكتب لينشر لذلك اتخذت من صفة المسرحية المعروض كواجهة لنص تحوي كل المعلومات حول المسرحية والنص معا.
ولقد انتقلنا بعد ذلك إلي تقنيات الكتابة كيفية طرح فتحي كافي العنوان لهذا النص المقتبس هل صار الكاتب على منهاج عزيز نسين في إدراج العنوان والسير على نفس الرؤية التي أتخذها في قصته التي تنتمي إلى مجموعة قصصية
السؤال الثالث :هل هناك اختلاف في عتبة النص الجديد أم أن هناك رؤية جديدة للكاتب وبوابة جديدة يرى فيها المتلقي انعكاسات جديدة ورؤى مختلفة منذ البداية في النص؟
يرى الكاتب أن النص القصصي كان حيادي في إبراز عاطفته فقد كان عزيز نسين حياديا في البداية من العنوان ،نجد فتحي كافي حدد منذ البداية مكانة طرزان "عزيزي طرزان" فالإشكالية الجديدة التي جاء بها الكاتب هي الموقف من هذا الحيوان "طرزان " الذي يعيش بين الناس في حي السلام يقول الكاتب كان "طرزان" نموذج رائع بنسبة للمواطن الصالح وهذا ما نراه عبر العرض ،ورغم ذلك فهو يعاني فلقد استخدم فلسفة خاصة به في الكتابة بطرح تساؤلات : دائما لماذا ؟ ،لماذا أختيار هذه القصة بذات ،فهو يجد أن الاختيار على حسب قوله كان مبنيا على جاذبية الفكرة التي تكمن في بطولة حيوان "كلب " في وسط إنساني وليس حيواني ، فكتابته مشبعة بموقف يملكه من البداية ، فكان يثق أن هذا النص يحوي دراما تصلح لأن تكون مسرحية ،وليست كل القصص تصلح لتكون عرض مسرحي
السؤال الرابع :هل قصة من صاحب طرزان يرى فيها فتحي كافي انعكاس للواقع الجزائري ،لأن كتابات عزيز نسين هي تراث عالمي؟
يقول فتحي كافي أن الواقع التركي الذي كتب عنه الكاتب سابقا فهو كان يعاني من الدكتاتورية في النظام فلم يكن منفتح النظام التركي وغيرها وهو يشبه الواقع الحالي الجزائري حاليا ، كما وأن العقلية والذهنية للمواطن التركي تشبه الشخصية الجزائرية من العنهجية والحماسة وغيرها ... وهذا الاستنتاج لم يأتي فقط من قراءة قصة من صاحب طرزان بل لكل كتاباته ،وهو يقول أنها ليست التجربة الأولى في الاقتباس من كتابات عزيز نسين نجد أيضا عبد القادر علولة في مسرحية نسين وسلاطين وقد اقتبست من أعمال عزيز نسين ،وهذا لرؤية الهادفة بوجود تداخل بين الواقع الجزائري وتركيا لأن عبد القادر علولة كان يكتب للواقع الجزائري ،كما أن القصة تحمل سخرية فهو معجب بالأدب الساخر لعزيز نسين وهذا ماوجده في القصة .
السؤال الخامس :السخرية الهادفة التي طرحها فتحي كافي في هذا النص لمن وجهت ؟
يقول الكاتب أن هذا النص يحمل كم كبير من السخرية وتعرية للواقع وهي كانت موجهة لتناقضات الحياة في الجزائر والفرد الجزائري ، فهو جسدها في كيف كان يعيش" طرزان" وسط الجزائريين وكيف كان يعامل بإذلال و إهانة معاملة سيئة كليا وانقلبت المعاملة بمجيء الفرنسي الذي تبناه فأصبح "طرزان" مكسب بنسبة للأمة وتناقض الأكثر هو تحول حياة "طرزان "في بيئته ولكن في بيت فرانسوا اختلفت حياته ، فلما أراد فرانسوا أخذ "طرزان" أقيمت مظاهرات من أجل إبقاءه،فهذه قمة التناقض وهذا لوجود النفاق الاجتماعي لهذا كانت معالجتي لهذا التناقض بالسخرية لأن بموضوع بهذه الحمولة لا يليق نقده إلا بطريقة ساخرة ،فهذه السخرية بدأت من عند عزيز نسين وانتهت عند فتحي كافي لذلك كان لابد من إضافة جرعة كوميدية و ما يسمى بالكوميديا السوداء ، وهذا ما جسده في ومضة التي تتحدث غن المطاردة للكلاب الضالة والتي أعطى لها بعد للعشرية السوداء ، فطرزان عاش حياة مطاردة وأضاف فتحي أن هذه العملية كان حملات صحية في تصفيات الكلاب الشاردة والضالة فالمشكل لا تكمن في الحملات وإنما في من يطبق الحملات، دافع الكاتب بقوة عن "طرزان" الذي يحرس الحي،وكان وسيلة من قبل الأمن في محاربة الجريمة والمخدرات ،
فتساؤل الذي طرحه الكاتب بعمق: لماذا هذه المعاملة السلبية للحيوان ؟
فهي محاولة أنسنة للحيوان و تماهي مابين صوت المجهول و "طرزان" وفي بعض الأحيان يحاول أن يصبح معلق وأحيانا أخرى يصبح شاهد عيان على الأحداث ،فالكاتب يرفض فكرة الراوي في المسرح فالمسرح ليس رواية إنما هو فعل يكبر أمام الجمهور فالدراما الأرسطية هي فعل جليل يدفع الجمهور للإحساس بالشفقة (على ما يحصل للبطل) والخوف (من المصير المجهول للبطل)
فالكاتب يقول أنه كان في موقف دفاع عن "طرزان " أي الدفاع عن مواطن شريف أشتبه به لكن يبقى مواطن شريف وهو رمز للذين راحوا ضحية اشتباه في العشرية السوداء.
كيف كانت رؤية فتحي كافي في رؤيته للأحداث النص المسرحي ؟
يرى الكاتب أن القصة تملك بناء درامي محكم ومشوق حاول الحفاظ عليه ،ولكن هناك إضافات تخدم الطرح أو الرؤية التي أرادها الكاتب أن تجسد على الركح ،مثلا تغيير في شخصية الأمريكي إلى الفرنسي" مسيو فرنسوا" وهو ما يناسب البيئة الجزائرية والأخر الاستعماري بنسبة للفرد الجزائرية
في نهاية الحوار يرى الكتابة المسرحية صعبة جدا والشق الأصعب هو البناء الدرامي وليس دائما نجد هذا الجوهرية وأنا لست ضد الأخذ من الأدب العالمي ولكن ضد الاقتباس السطحي الذي تغير فيه الأسماء وفقط فالاقتباس يتطلب حفر في الواقع الجزائري والذاكرة الجماعية واستفزاز المتلقى الجزائري وتعرية الواقعة ،وهي بنسبة للكاتب تجربة رائعة
ويرى الكاتب أن العرض الأول للمسرحية الشرفي كان جيد بتفاعل الجمهور ، وهذا رأي فتحي كافي الممثل وأيضا لقي العرض قبول في مدينة قسنطينة ، فالكاتب يرى أن قيمة النص المسرحي دون عرض وأن ماهية المسرح تكمن في العرض وليس في النص ،وهذا بدليل وجود عروض في التاريخ مثل عرض بونطوميم هو عرض يبنى على الإيماء نشأ في العهد الروماني وتطور وله خصائصه كفن متفرد، فهنا نستطيع أن نقول أن المسرح تحرر من عقدة النص فأي نص مسرحي لا يمكن إعطاءه قيمته خارج العرض .
في الأخير نشكر الكاتب والممثل فتحي كافي على هذه الإنارة القيمة والتي أضافت نوع من التوضيح للعرض المسرحي "عزيزي طرزان" وجعلت من المتلقي يقترب أكثر من جماليات المسرح والإبداع المسرحي، ليعيش المتلقي كل المراحل التي يبنى عليها تكامل العرض ونجاحه فجنود الخفاء دائما هم من يصنعون الجمال الأكبر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق