دراسة تنظرية لتيار الاحتجاج العراقي في العرض المسرحي مسرح ماجد درندش / د. جبار صبري
مجلة الفنون المسرحية
دراسة تنظرية لتيار الاحتجاج العراقي في العرض المسرحي مسرح ماجد درندش / د. جبار صبري
الاحتجاج protest
- دعني احتج
لكن هذه المرة أنا بلا وجود حقيقي تلمسه أنت. انا احتج ليس وأنا على قيد الحياة بل احتج وأنا على قيد الموت، هذه المرة أنا صدى وجود، ذلك الصدى الذي يتردد كثيرا في قاع الضمير وينعكس كثيرا من فوهات ومرايا التراب..
هذه هي مفارقة الاحتجاج الجديد. تيار مابعد ٢٠٠٣، تيار عراقي ينظر بغضب لا مما يحدث في الحياة بل مما يحدث بعد وقع الظلم فيما بعد الموت..
في العراق وحده ينتصر دائما الجلاد وتهزم دائما الضحية وبدلا من الوقوف مباشرة في الحياة من اجل تغييرها نحو الافضل يتم الوقوف لضحايا قد شبع منهم الموت والتراب لا لأجل تغيير الحياة بل لأجل تغيير الموت: موتهم غير اللائق وغير المنصف لهم كضحايا
من السهل جمع كل تيارات الاحتجاج السابقة في مشفرة: احتج في حياتي عما يقع من ظلم لأجل ان لا يقع الظلم في حياتي مستقبلا. تغيير الحياة من واقع مأساوي الى حياة بواقع كريم..
لكن هذا التعريف لم يعد له وجود في تيار الاحتجاج العراقي: مسرح الاحتجاج الجديد. انه يعيد انتاج المصطلح ثانية ومن زاوية يمكن تشفيرها على نحو: احتج في موتي من من اجل تغيير صورتي في الموت، وتغيير وثيقتي فيه لا من اجل سعادتي بل من اجل شرف الموت فيْ وشرف انعكاسه علي.
مسرح احتجاج مابعد ٢٠٠٣ مسرح ينظر بعين الضحايا والقتلى والشهداء بل وكل الموتى لا لشيء الا ليؤرخ من جديد شكل صورة الموت الظالم وشكل سلطة الحياة التي رسمت لؤلئك الضحايا مسارهم الخاطئ في تقبل الموت والسكن في كهوفه المنسية
في مسرحية Black box مثلا يطالعنا التعريف بالشخصيات تعريف بحالاتهم: انه تعريف بقوة حضور الموتى للبوح بكلمة لم يكن باستطاعتهم البوح بها وهم على قيد حياة. انها صورة الحياة الثانية التي هي من وراء حياة/ الموت تريد القول بالحياة.. هكذا يولد ابطال الاحتجاج في كل عرض مسرحي من حيث الولادة من اعماق الموت ولكن اي موت: الموت الذي لم يكن يحمل في جنباته اشكالا تقليدية في مسيرة الحياة: احتجاج الشهداء، احتجاج قتلى الاحتجاج، احتجاج المغدورين من المقابر الجماعية.. وصولا الى احتجاج الافكار المقموعة والتي اذا اريد البوح بها لا ينبغي البوح الا بعد قمعها. احتجاج الاحلام المكبوته والتي غرقت ذات سجن في قاع النفس المجهولة او الدولة الدكتاتورية.. احتجاج الصور التي تجردت من وجعها لتكون مجرد وثيقة مزيفة على قارعة وطن مقهور..
اجمالا يمكننا ترسيم معادلة الاحتجاج بمسرح درندش على نحو:
- الغضب في الموت يعيد الحياة الى الموتى ولكن في عالم الموت ذاته..
- التحريض على الانقلاب او التغيير او الموقف من خلال سرد الموت بوصفه حياة الضحايا.
- صورة القيمة الغاضبة مما وقع من ظلم تنعكس من حيث مرايا الموت ولا تنعكس من حيث مرايا الحياة.
- تولد الضحايا على شكل وثيقة يرسمها السرد الدرامي على انه بوح مسرحي.
تيار درندش في الاحتجاج المسرحي يمكن تأصيله نظريا وبدء ذلك التنظير يأتي من اعادة توصيف الاحتجاج بوصفه ظاهرة تنزل الى الواقع المعيش افتراضا ذلك لانها مترسخة في الموت قهرا.. ظاهرة لا تنعكس من مرآة الحياة في تداعي شخوصها وظروفها ومشكلاتها واحلامها بقدر ما تنعكس من مرآة الموت ذاته في البوح بذلك التداعي
احتجاج الموتى/ الاحياء
- عاد الشهداء
هكذا عرفنا ان الذين عادوا الينا في هذا المسرح. بل في الواقع المعيش الآن هم الموتى الذين هجروا الحياة الى الموت على بعد مسافة من الالم والقضية: تلك المسافة المسماة وطن.. عادوا الينا لكي ندرك قصة احتجاجهم لا على الموت بل على الحياة. هي رغبة انفلت فيها ليس شريط التذكر وحسب بل شريط القضية. شريط ذلك الموضوع الذي يريده الميت من اجل ان يعلم به الاحياء..
مثلا في مسرحية: 8 شهود من بلادي، نلحظ:
* كل فكرة الوجود هي فكرة موت ترمي نفسها على ضفة حياة. تلك الضفة التي ابتلعت في جوفها صورة الحياة. وكان لزاما على الموتى - وهم نتيجة ذلك الابتلاع الشره - ان يحتجوا عليها. وهذا كفيل ان يكون سببا لعودة الشهداء.
* الحياة في الموت تمنحنا رؤية وقدرة تعبير عن تاريخ الشهداء والشهادة ضمن مسافة الوطن والحياة في آن واحد.
* ان الموت استراحة مقاتل ومحكمة عدل يراد بها وفيها تضمين رسائل الاحتجاج على الوجود لا في عالم الموت بل في عالم الحياة.
* الادلاء بشهادة ما وقع على كل شهيد او مغدور او معدوم لا ليؤرخ من خلالها ما وقع بل ليؤرخ من خلالها تاريخ الحياة الذي كان سببا لهلاك الحياة واعلانا مناهضا لكل قوى القتل والتدمير ..
* في الموت وحده تتجلى الحقائق وسيرة تلك الحقائق هي شهادة احياء على المسرح لا شهادة اموات وحسب. وبافتراض ان المحكمة هي العرض المسرحي فان ما تعبر عنه تلك الشهادة تعبر عنه بوصفه مصير ومسير حياة..
* الحياة لم تك كاميرا تصور ما حدث بشكل صادق وحقيقي ولكن الموت وما بعد الموت على نحو الدقة يكون السبب الرئيس لنصب كاميرا تعمل على تبيان شهادة الشهود وان كانت تلك الكاميرا مصدرها والياتها الموت والموتى..
في مسرح درندش يقدم الموت كفلسفة احتجاج على:
- الانسان بوصفه مقهورا في الحياة وخاصة تلك الحياة التي تتوالى عليه مابعد الموت.
- الوطن الذي تناسب عنوانه مع عنوان القضايا الكبرى التي تلازمه ..
- الافتراض الفني المسرحي الذي رحّل الموت الى الحياة ورحل الحياة الى الموت وباتت معادلة الرائي في المسرح بوصفه موتا يعرض نفسه ومواده على انه اصدق مراحل الحياة..
لا يمكن تصور المسرح في هذا الاحتجاج العراقي الا نوعا من التماهي المفتوح، دلالة ووجودا، في الموت. ومن ذلك الموت تحديدا سوف يعاد رسم الوطن/ القضية/ الحياة وصولا الى اتمام دورة اللقاء ثانية بالموت ذاته. لا يمكن فهم العرض او الادلاء بشهادة الشهود الاحياء في الموت، الموتى في الحياة الا على اساس ان الصورة برمتها من تخليق الموت ذاته، من تلك المعادلة التي يصير فيها الغائب عن الحضور والمعاينة سببا لكل حضور ومعاينة.
خط الموت في تيار الاحتجاج العراقي هو :
- خط الشروع بالانعكاس البديل عن الحياة.
- خط زوال قيمة التذكر بلا رؤية مشهد او واقعة وابدالها بقيمة المكاشفة المباشرة.
- خط اعلان الوثيقة
- خط تبيان قضية الموتى على انها قضية الاحياء
- خط الغرض الرئيس من الاحتجاج لا لتغيير الحياة بقدر ما يمكن ايضاحه في الموت..
انظر المعادلة الآتية:
الشهود _ شهادة x الموت =
* العرض في المسرح بدواعي الاحتجاج على لحظة الموت غير المؤرشفة والتي لم تذكر كقضية انسان مقهور او وطن في خطر او مسار وجود مجروح..
* العرض في المسرح قصة الحياة والشهود في الموت لا في الحياة.. وان كانت الاحداث تبدو في ظاهرها صورة مقتطفة من حياة في الموت تتشبه بصورة مقتطفة عن حياة.
احتجاج الشخصية المركزية
ابتداء انظر مايلي:
* أنا كما أنا في دائرة الحياة المباشرة.
* أنا كما ينبغي ان اكون أنا ثانية في دائرة العرض المسرحي.
* ما بين أنا الحياة وأنا الفن المسرحي لعبة افتراض ابداعية يراد بها التطهير من ادران الحياة او تغييرها.
* عندما تنتهي الانا من تدوير وجودها وفعلها او تذكرها وجودا مباشرا او وجودا فنيا مفترضا تعود تلك الانا الى دائرة الحياة.
لكن في مسرح الاحتجاج العراقي توافرت الأنا/ الشخصية على وجود مغاير يمكن تتبع مساره على نحو:
- أنا تركت الحياة من غير ان تقصد او ترغب ترك الحياة بل تركتها بواقع قهر خارج عن ارادتها..
- هي أنا الموت التي استدعيت الى الحياة بطريقة الافتراض لا الحقيقة: اقول افتراض وجود لتلك الانا لا حقيقة وجود ثم ومن بعد ذلك الاستدعاء لا تقر في الحياة او الفن انما تعود الى الموت..
- تعوم الانا في مثلث اضلاعه الافتراض:
١- أنا الموات ( افتراض حياة ١)
٢- أنا العرض المسرحي ( استدعاء فني بغرض الاحتجاج المؤقت ).
٣- أنا الموات الثانية ( مفهوم العود الابدي لتلك الانا ).
ان الشخصية هي بكل ما تتوافر علية ابتداء انما هي شخصية موات تبحث عن عودة لا تطلب منها الحياة بقدر ما تطلب منها الاحتجاج.. هكذا يمكننا القول ان تلك الشخصية هي:
* سبب وجود محتج من وجود موات.
* سبب افتراض لم يأت من حياة او رغبة تغيير حياة بل يأتي لأجل تبيان حالة الموت/ الفقد/ التاريخ/ الشهادة/ تصوير السبب الذي وقع بسببه القهر..
* سبب احتجاج أشمل يتضمن كل احتجاج معلن او مضمر ..
تدور الشخصية على محور يبدأ وينتهي ثم يكرر ذلك ثم اذا اعاد تجربة العود اصبح ذلك المحور مدارا للشخصية ذاتها ولطبيعة الفعل والحدث والسرد والتنامي والتغاير بل وحتى تحولات الشخصية وان كانت تلك التحولات تسير في ركب اوله الموات وحراكه الموات في آن واحد.
من المدهش ان الموت بيئة الشخصية وان الموات مرجعيات احداثها وان موتها تدفق سردها وان تفاصيل نفسها هي أثاث مشهدها وان المرئيات منها مجرد ضمير قد تجسد في أوان الحياة التي انبثقت بسبب قيمة احتجاج ذلك الموات نفسه.
لا قيمة ديكورية يمكن ان نلحظها من التجسيد في الحياة ولكن تتجلى تلك القيمة وتتجسد بشكل صريح ومؤثر طالما هي تدفقات موات ملحوظ عن فعل السرد لما يجري من احداث. ان تلك الوحدات هي وحدات الذات المحتجة. وحدات صرخة الضمير الموجوع بذات وطن مسلوب..
ولا تعاني اذ تعاني الشخصية من ألم الموت. لا تعاني من فراق حياة او أسرة او أصدقاء لكنها تعاني التوقف من الاحتجاج اذ كل مولتها جريان في نهر الاحتجاج على صدفة الغياب والتغييب في وطن مستلب. وطن مقهور تتساقط ايامه على بعد من حياة مستلبة..
احتجاج الفعل المتوازي
بدء علي ان أحدد مسارات الافعال الدرامية على نحو العموم في مجريات المذاهب والتيارات الدرامية السابقة وكيف تأسست تلك الافعال وكيف تمنهجت واختصارا مكثفا يمكننا حصر تلك الافعال في:
* الفعل الدرامي العمودي: فعل سارت بركبه الدراما الكلاسيكية والواقعية بشكل صريح ومفاده: ان مجمل الاحداث تتحرك متصاعدة من لحظة التمهيد الى لحظة التعريف الى الكشف بتسلسل الافعال المتنامية صعودا نحو الذروة والحل..
* الفعل الدرامي الافقي الذي تجري احداثه على نحو التكرار والتداخل ولا تختلف نقطة الابتداء عن نقطة الانتهاء.. كما في مسرح العبث..
* الفعل الدرامي الدائري الذي يخض الحدث حلما ثم يعود اليه ثم يعيد تجربة ذلك الخوض.. وهكذا.. كما في المسرح التعبيري..
وهكذا..
لكن في العرض المسرحي في الاحتجاج العراقي سنلحظ مسارا للفعل مغايرا ويمكن وصفه على نحو:
- فعل متواز يكرر وجود احداثه عن طريق سلسلة الافعال المجاورة له بالتوازي.
- كل خط درامي هو فعل مستقل بذاته ولا يتقاطع او يتداخل او يتماهى مع سلسلة الافعال المتوازية الاخرى الا بضرورة رؤية او فرضية فنية..
- لا ينمو الفعل ولا يتكرر ولا يحلم بذات مهوسة بلاوعي بل يتداعي ليحتج لنفسه من نفسه ازاء وطن مستلب او جريح..
- الفعل يأتي من الموت باتجاه الحياة ولا يأتي من الحياة الى الحياة كما في مذاهب أخرى سالفة.
- يبدأ الفعل من موته ويختم بموته وان المسار بين نقطتين من موات في الاحداث انما هو مسار احتجاج غاضب ولكن على صدق ضمير ومسافة وطن..
- كل فعل يحمل ذاتا تتعادل بالوطن مثلما تتعادل بالشهادة وجرح الوجود كله بعذوبة وعذاب متداخلتين..
- بالوقت الذي ننظر الى الفعل وهو يتداعي بالوقت ذاته يتجلى فيه ويسمو ويتعالى كقيمة شهيد او وطن او قضية كبرى..
- الفعل كله مصدر شهادة وما يتداعى به الموتى/ الاحياء انما هو فعل شهود على الفعل بفعل غضب مبطن يرنوا الى صريح وطن وسؤال قضية بالخلاص والتطهير والتغيير ايضا.
ان مدار الفعل في الاحتجاج العراقي مسرحا وقضية تحدده نقطتان بارزتان:
١- الشهادة بوصفها ملاذا كليا للاحداث وان تلك الشهادة لا تقتصر على قتل او موت الجسد وحسب بل وجرح الوطن وقهر الانسان وضياع القضية..
٢- الشهود اذ ان الشهادة كوحدة فعل كلية تلعب دور الشاهد عليها في آن واحد.
في مسرحية 8 شهود من بلادي نلحظ بشكل صريح: ان كل الشخصية- الفعل تتأثر بمسار متوازي مع غيرها من جهة وتتداعي في نفسها لنفسها من جهة ثانية. وان ذلك المسار سيحمل في ذاته كطريقة لجريان الفعل:
* فعل الاحتجاج
* فعل الشهادة
* فعل الوثيقة
كل فعل يتدثر بفكرة احتجاج واضح وهذا التدثر هو طبيعة ما جرى بعد الموت لكل فعل لا انعكاس على حياة شخصية او فعل او حدث خاص وعام.. وان هذه الفكرة ستبدأ كما يبدأ الوطن كسؤال قيمة ووجود بالتحرك في ضمير ووجدان الشهود والشهداء على حد سواء.. هذه الفكرة هي اداء الفعل. هي لغة التجسيد والمعنى في آن واحد. لغة الوطن والقهر والموت والغضب..
احتجاج الحكي السرب
- لقد مت وأنا الآن انتظر ان أتلو عليكم قصتي، انا كشهيد سقط وحيدا في معركته لم يدر أحد ما كانت قصتي..
- هذه المرة ستكون مزايا قصتي مختلفة عما ألفتموه في قصصكم الحياتية، هذه المرة تختلف جذريا..
- تختلف من حيث:
اولا: أنا مت وهذا يعني انقطاع خبري. ولكن بدواعي الشهادة/ الاستثناء تأجل انقطاع لساني، تأجل صوتي من الرحيل في غياهب الموت وسمح لي تحت عباءة الشهادة ان أحكي قصتي- بطولتي- قهري - وصولا الى وجعي الانساني والوطني..
ثانيا: تصورا ان احتجاجا/ موتا منقطعا يمتلك لسانا وصوتا بل ونداء عميقا يسبر اغوار النفس والموت والوطن حتى يصل الى ابعد نقطة من اعماق الحياة وصداها..
ثالثا: تتجلى عن حكايتي سمات مختلفة:
* عائد من الموت يروي قصة ميت تغنى به وجع الحياة/ الوطن..
* في ضوء صفات موته الفريدة امتلك القدرة على البقاء بدواعي التذكير والاحتجاج العراقي. ان موتي كان افتراض موت وان ابتلى جسدي بالرحيل..
* الموتى لا يكذبون ابدا بل هم اكثر الاحياء صدقا في قصصهم والرحيل. ولما توافر فيه الصدق كله توافر فيه الوطن كله..
* ان حياتي بعد موتي انصع حياة: هنا تتضح الرؤية كاملة وتتدفق البصيرة كنهر مفعم بنقاء الصورة..
* ان في الحياة قصص يعلوها غبار الوهم والزيف والشكوك.. لكن في قصة شهادتي تتجلى الحقيقة وحدها. ان موتي محل الحقيقة الاصدق والاطهر على الاطلاق..
* ان في قصتي يتساوق الفعل: فعل بطولتي مع الراوي: راوي بطولتي. ان فعلي في موتي هو نفسه سردي له. انا موتي ولسان موتي وصداه الاوحد في آن واحد..
Black box نص الموتى الذين يريدون الترنم بالحياة بوصفهم كائنات لم تخبر الحياة بعد. نص الصوت الذي اندلق عن سلسلة من المقابر الجماعية التي امتلأ بها الوطن من الشمال حتى الجنوب. نص المقهورين بالتغييب وهم في أول طلوع برعم الحياة. نص سؤال تأجيل الرحيل بعد الموت للاداء بشهادة موتى على سوء ادارة حياة وانكسار وطن..
في هذا النص وغيره من مجموعة نصوص الاحتجاج العراقي نتميز:
- حكاية المقهورين او الموتى او الشهداء معادل. موضوعي لحكاية وطن..
- البعد الايديولوجي في نشر القهر يتساوق مع البعد الاجتماعي..
- كل وجود لمواطن مهدد بالتدمير والتشريد والقتل والتفقير .. بوصفه وجود وطن مهدد بذات السبب..
- الموتى والوطن على مسير واحد في الحدث الاني والمصير..
في سرد الاحتجاج ذاته يتدفق الاحتجاج وان كان تدفق ذلك الاحتجاج كأسراب طيور تجنح نحو سماء وطن. اذ كل سرب هو احتجاج قضية وانسان ووطن ومصير حياة في موت ومصير موت في حياة..
يمكننا من ذلك السرب الطائر بالموت والحكي نتبين فنية ما يحدث من احتجاج الحكي على نحو:
١- ان حكي موتي هو حكي وطني..
٢- ان حكي موتي هو فعل موتي .
٣- أنا الراوي اسرد اليكم عن قصة أنا الفعل الدرامي الذي وقع علي..
٤- ان سير حكايتي هو سير موتي على سكة قطاري فعلا وقصة وقضية وهو مسيري وحدي.
٥- ان سرب حكايتي مستقل لا يتقاطع ولا يتداخل مع بقية أسراب حكايا الموتى اقراني..
٦- أننا محض وطن يحتج من نفسه على نفسه في سورة عنوانها القهر والشهادة والبطولة..
الزمن الآخر للزمن
او الزمن الاحتجاج
ها نحن لم نعلم من بعد موت او قهر نفس بريئة أين نحن. لكن ما نعلمه بشكل ما ان نحن مازالت لديها الرغبة ان تخبر كل نحن بوجودها الاخر: وجود يفرض عليها نوعا مغايرا من الوجود. نوعا تألفه النفس من بعد رحيل عن وجود ولا تألفه غيرها. نحن في اكثر من مكان وفي زمان واحد ولكن من غير شك بالتفاوت بين مكانين مختلفين ومتباعدين وفيهما من الحدود المغلقة بينهما ما يمنع تداخلهما او فك مغاليق حدودهما..
في تيار الاحتجاج العراقي نلحظ الزمن يشتغل من وراء زمن علينا. يؤرخ لنفسه وجودا يتوافر عليه هنا وهناك في آن واحد. يفتح عينه تماما على نوع من الصدق والوضوح والرؤيا كما يفتح قلبه لبياض الحزن والشهادة والكفن..
يمكن ان نقسم الزمن ابتداء الى:
- زمن قبل حضورنا ككتلة وجود .
- زمن حضورنا ككتلة وجود.
- زمن حضورنا بعد رفع كتلة وجودنا عن الوجود.
لاحظ معي: ان الشق الثاني من الزمن هو مدار الحياة التي يتلاصق فيها الزمان والمكان على نحو حضور واحد. هو زمن الحياة العادية. زمن الكتلة. زمن القهر والجوع والشهادة وموتنا في مطحنة الدولة والامة التي تعيش كل زمن على ظلام وأسى ولوعة وتغييب قسري..
لاحظ معي ان الموتى تركو الزمن الثاني وانتقلوا الى الزمن الثالث: زمن رفع الكتلة.. هنا سوف نتبين وعبر دالة الاحتجاج العراقي شكل الزمن على نحو مغاير:
* رفع الكتلة/ الجسد المقهور لم يمنع حضورها على صورتين:
- صورة الشهيد الذي بواقع التضحية السامية هو حي كما لو انه لم يمت. تلك الصورة التي تكون مفعمة في الحياة حضورا ونماء..
- صورة الاحتجاج الحي وهي صورة تتمة النضال عن طريق البوح بما يؤلم المواطن المقهور في وطنه.. ذلك المواطن الذي مات على قارعة وطن او سؤال قهر او تضحية..
هكذا يكون ابتداء زمن الشخصية في العرض المسرحي الاحتجاجي قد تأطر بما هو وراء الزمن ويقصد بذلك زمن الموت لا زمن الحياة.
* زمن الشهيد معادل وطني لزمن فعل الشهادة ومعادل موضوعي لزمن القهر الطارئ على الشهيد.. فبالوقت الذي يغادر به الشهيد حياته بالوقت ذاته يبدأ من جديد حياته وان كان من خلال انعكاس موته كما تنعكس صورتنا في الحياة من خلال مرآة. هو العبور الى الضفة الثانية من الزمن ولكن لا انقطاع لهذا العبور .. بل تواصل وتداخل واحتجاج..
* يرتدي هذا الزمن المسمى: الزمن الاخر للزمن ثياب الاحتجاج. ثياب المناهضة واعلان القهر الواقع على الضحايا في كل زمان ومكان وتحديدا في الوطن العراقي كبيئة قهر كبرى..
ان وثيقة الاحتجاج في هذا الزمن هي وثيقة المغدورين والمفجوعين والصادقين والمعدومين. وثيقة الدم والخوف والجوع وبرد الحياة في صيف وطن لاهب بالقتل والترويع والتهجير.. مع ذلك ما يميز هذه الوثيقة انها صادرة عن زمن مغاير:
- اعادة كتابة القضية من بعد انتهاء مدة الكتابة. يعني اعادة اعلان الوثيقة: وثيقة الشهيد والشهادة مثلا من بعد موت الشهيد وانقطاع وجوده كمدون لما حدث له. وهذه الاعادة من شأنها ان تكون اكثر صدقا وحضورا وفعلا ورؤية وطن..
- استدعاء حضور الجسد من وراء زمن كان ابلغ أثرا وتأثيرا من حضوره السابق على قارعة حياة او وطن..
- انصهار زمن الموت مع زمن الحياة بواقع حضور الشهداء لسرد بطولاتهم او اوجاعهم ومسراتهم في بودقة زمن العرض المسرحي في آن واحد. وهذا اضفى من حضور مضاعف للزمن..
- اللحظة التي يموت فيها المقهور في وطن هي ذاتها اللحظة التي يتفجر من خلالها الزمن بالحضور الاصدق والاشد وطنية رغم صفة الاحتجاج الملازمة لهذا الحضور كل وقت..
الصورة الان للشخصية: شخصية الحقيقة لا الدور
او
الاحتجاج بوصفه صورة لذات
تتجلى الشخصية في العرض المسرحي ظهورا على نحو:
- شخصية متصورة في ذهن الكاتب منقاة من خياله او واقعه..
- شخصية مدونة على الورق بوصف ان هذا الورق هو مدونة مسرحية.
- شخصية الممثل الذي يريد لعب او تقمص تلك الشخصية
- دور الشخصية التي ينفذه الممثل كنسها عن قناعه الشخصي متماهيا مع ذلك الدور الافتراضي على المسرح
لاحظ معي ان صورة الذات على الخشبة المسرحية لحظة الاداء هي صورة الدور: انه استنساخ متكرر عن اصل. فلو قلنا ان الشخصية المتخيلة في ذهن الكاتب هي النسخة الاصل فان ما يأتي بعدها من خلال: تدوينة الكاتب لها والتقاط الممثل لها والدور الذي تتحوط او تحنط به، كل تلك المراحل هي استنساخ مكرر عن اصل..
ما يميز ذلك الاستنساخ للشخصية غياب الحقيقة: حقيقة الشخصية وما نراه في المدونة او العرض انما هو افتراض يستنسخ افتراض في واقع او حياة يشوبها الوهم والشك وانعدام الرؤية والصدق..
لكن في تيار الاحتجاج العراقي سوف نميز الشخصية صورة وزمنا واداء على النحو الآتي:
* هي صورة خرجت عن كل تلك الاطوار السابقة: @طور التخيل
@ طور التدوين
@ طور التقمص ( الممثل )
@ طور الدور المسرحي
* هي صورة الذات من بعد رحيل الذات من عالم الحياة الى عالم الموت
* هي صورة المكاشفة
* هي صورة الوثيقة
* هي الصدق كله والرؤيا الصادقة
* هي الحقيقة
* هي الصورة التي تتجلى من وراء الزمن المدرك لا من خلاله.
* هي مرايا الضحايا والمعدومين والمغدورين والمقهورين على باب وطن وانكسار زمن..
في الصورة حقيقة وجود لكل شخصية شهيد او مقهور وفي مرآتها يكمن الاحتجاج كله من:
- سبب الموت او القهر
- سبب الرحيل بغير رغبة الرحيل وأوانه
- سبب انكسار الوطن بعين الحياة والموت على حد سواء.
- سبب الرغبة بالعودة الى الوطن ولكن على صورة وطن آخر وان كانت صورة الذات الراحلة عنه في ثبات آخر..
- سبب احتجاج الصورة على كل ظلم او قهر وعلى حيوات من الموت والتشوه والقهر والتدمير والحرمان.. من اجل انسان آخر وحيرات أخرى في ظل وطن هو نفس الوطن ولكن بصورة وتصور من شهيد او مقهور..
- سبب الوطن الذي هو حلم وطن مع ايقاف الحلم.
- سبب الحقيقة العائلة عن الحياة والوطن والتي ان زرعت فيهما سوف نحصد من زرعها صورة حياة ووطن أخريات..
اذا كانت هذه هي الصورة فان طبيعة الاحتجاج: احتجاجها سيكون:
- أنا الشهيد صورة واداء الان وبعد الان ولا انقطاع لحضوره ابدا..
- أنا حقيقة تصدق بالقول والفعل وان صدقها سيكون جواس انذار لوطن مجروح..
- أنا تحلم بمستقبل افضل وازكى للوطن وهي قادمة من مستقبل الموت الى حاضر الحياة..
- أنا ترى ما وقع عليها من ظلم او عدوان او قهر سبيل تغيير بوصلة الوطن نحو الاجمل والاصدق كرامة وحياة..
- أنا تناهض كل زيف او غدر او جرح كرامة او ذل طريق وتريد الخلاص للوطن وان كان من خلال تضحيتها..
من هنا سوف ننظر الى الضحايا كصور:
* في الحقيقة
* في الصدق
* في المناهضة
* في قلب الوطن والوطنية
* في البطولة
* في الحلم الوطني
* في مستقبل الوطن الافضل كرامة ووجودا.
* في الاخرة هي حيوات وطن مجروح ومستلب.
* في الموت الذي يولد تأثيره اشد من تأثير الحياة.
* في الوثيقة الكبرى.
اذن، هو ذلك احتجاج الصور/ الذوات/ الحقيقة/ الشهداء.. والذي يحدث الآن على الرغم من ان قتل الذات وقهرها يعادل قتل الزمن وقهره وهو في كل الاحول قتل لصورتي في الوجود كشهيد او مقهور وقتل لوجودي مثلما هو قتل اكبر لوطني..
ولادة الوثيقة بعد موتها: التدوين خارج الزمن
الحدث الذي سقط به الشهداء كان حدثا استثناء في الحياة: الحدث الذي يقلب معادلة الموت حياة ومعادلة الحياة موت اذ ان القتلة اموات في الحياة والمقتولين/ الشهداء احياء في الموت. هي صورة الشهادة التي تصير جسرا ينقل الحدث من رتبة الموت والقهر والغياب الى رتبة الحياة والرفاه والحضور. رتبة تغيير عنوان ومتن الحدث بما ينسجم وعنوان او شرف التضحية والقهر.
اذن، انتهى وقوع الحدث وسقط الشهيد مضرجا بدمه او مات الفقير على قارعة وطن او غاب المقهور عن أعين العدالة. مع ذلك ان هذا الانتهاء سيكون مؤجل الانتهاء، مؤجل العبور الناجز من الحياة الى الموت. وهذا التأجيل من شأنه ان يفتح ابواب الوجود والحياة ليبدو اول وهلة في ظل وجود او حياة ولكنه سرعان ما يتحول الى مركز قيمي متعال يبث في الحياة كل اشعاعات الصدق ويوثق الى الحدث من جديد لا باوهام ما وقع بل بصدق ما وقع من حدث.
لكن ما يشكل على ذلك الوقع للحدث انه لم يدوّن بعد. لم تدركه ساعة التوثيق وجرى في نهر الزمن من غير عين تسجل خطواته ولا كتاب او كاميرا ترصد ما جرى فيه من تفاصيل:
- مظهرية الحدث الخارجي والمباشر في الحياة..
- ضمير البطولة والالم في الحدث ذاته والذي لا عين تراه الا قلب وضمير البطل او المقهور..
- وضوح رؤية الحدث من خلال عين من وقع عليه الحدث بعد موته او قهره..
نحن عموما نلحظ الحدث في الحياة على نحو:
* وقوعه الآني في الحاضر الذي تقع عليه الحواس.
* زوايا النظر للحدث تعبر عنها الحواس بشكل متفاوت من جهة،ومسطح من جهة ثانية. لذلك لا تلحظ ابدا صورة واحدة للحدث بل مجموعة صورة تحمل التناقض والتضاد والاختلاف الى درجة القطيعة من جراء ذلك الحدث.. وصولا الى موقف مضاد وكأن ما حدث ليس ظلما بل عدالة. ليس جريمة بل قصاص. وهكذا..
* كل تدوينات الحدث مرجعها الاساس الموقف الايديولوجي طالما انها رهينة حياة وواقع مباشر.
* الفهم المخطىء للحدث يصنع قناعات مخطئة له وبالتالي ان تدخلات العقل في تأطير الحدث كوثيقة تعد سافرة لما تتضمنه من اوهام وزيف..
* قد ترتد الوثيقة على بطل الحدث فبدلا من ان تثبت صدق وبطولة ومظلومية البطل تثبت العكس وبالتالي يتغرب البطل عما حدث له ويقتل او يموت او يقهر جراء ذلك مرتين:
١- مرة بواقع وقوع الظلم عليه وقتله او قهره..
٢- مرة بواقع توثيق الحدث الظالم بما يتنافى وحقيقة ما حدث..
لكن في تيار الاحتجاج العراقي سنلحظ وقوع الحدث ومدار توثيقه من حيث:
* يبدأ تدوين الحدث من بعد موت البطل لا بلسان غيره بل بلسان من وقع عليه الظلم سواء كان شهيدا او مقهورا..
* البطل يعاني اعادة تصوير الحدث كفعل آني مباشر ويعمل على روي او سرد حكايته من اجل تدوينها عبر دالة العرض المسرحي.
* الوثيقة تكتب بزمن ما بعد الزمن: زمن الموت لا زمن الحياة.
* الوثيقة والحقيقة في تطابق تام اذ ترفع عنها الحواس وما تضفيه من شبهات وترفع عنها الفهم بالعقل وما يرافقه من اوهام..
هكذا يكون التدوين:
- تدوين كاخراج عن الزمن فهو في الزمن الاخر: زمن الموت لا الحياة
- الراوي والفاعل والفعل والمفعول به هو ذاته البطل والذي اصدق قوله لما اصدق من عميق معاناته وسريرته..
- تولد الوثيقة بعد موت ابطالها.
هكذا يولد الاحتجاج ايضا من زاويتين متقابلتين:
زاوية ١ : احتجاج البطل ذاته عما لحق به من ظلم او قهر ..
زاوية ٢: احتجاجنا نحن الشهود على الوثيقة بعدما اخذنا الوثيقة من:
- من قلب وضمير بطلها وراويها.
- من زمن لا زيف فيه في اعادة تمثيل فعل الوثيقة وخبرها.
- من وقوع الظلم المكرر على ضحايا الوثيقة: مرة بالموت والقهر ومرة بزيف الوثيقة.
نحن نحتج اذن. ووسيلتنا في الاحتجاج الصدق المباشر لما تحمله الوثيقة من عميق صدق ومظلومية.. نحن نحتج طالما ان قهرنا وموتنا كان نتيجة قهر وطن وحياة اشمل. نحن نحتج اذ ان ارواحنا مازالت غاضبة، مازالت مؤجلة الرحيل، وتريد ان تدلو بشهادتها كوثيقة شهيد او مقهور من بعد موت..
عرض الارواح كدوال للعرض المسرحي
في تيار الاحتجاج العراقي في العرض المسرحي نلحظ مفارقة غريبة. نزول مفهوم مغاير وغير معتاد: ذلك ان الارواح: ارواح الاحتجاج او العرض المسرحي هي ذاتها وحدات ديكورية للعرض المسرحي. هي أثاث الفضاء المسرحي. هي الوطن بصفة مكان وزمان وقضية في آن واحد.
ويمكن تتبع تلك الوحدات من خلال:
- ان ارواح الشهداء، المعدمين في ذات وطن، المقهورين.. بمثل ما تكون شخصيات العرض والراوي الشاهد على تلك الارواح هي ايضا الواقع المرئي والمسموع لما يجري من سرد وافعال درامية في العرض المسرحي.
- ان تلك الارواح وان كانت معان نقية عبرت الى ضفة الموت فانها يمكن ولاتها مؤجلة الرحيل ان تكون دوال العرض المسرحي ليس لدواع فنية ولكن لدواع تاريخية وتوثيقية ووطنية او انسانية لتأكيد جرح وطن مستلب من خلال جرح مواطن مقهور في وطنه..
هكذا يكون الفضاء المسرحي عبارة عن:
* ارواح شفافة تمثلت واقعها غير المرئي في الحياة لتعيد انتاجه بواقع مرئي من اجل صدق القضية.
* ارواح عابرة الى زمان الموت وهي الان تستدعى الى حيز وحدود المكان بوسيط تلك الارواح وبالتالي لابد لها ان تكسب مبدأ التحول الى اجساد: زوال العراض لسببين:
سبب ١: احتجاجها لانها قهرت في وطن وكان قهرها ظلما في غير اوان المظلوم وغير أوان الوطن.
سبب ٢: احتجاجها للتعريف عما لحق بها والمكاشفة الحقيقية به لكي يكون معيار بطولة وحقيقة موقف..
* ارواح يمكن لها ان تشمل نفسها بالتجسيد وتشمل حيز واقعة احداثها بالتجسيد وبذلك هي تكسب المكان بكتل من وحي موتها بصفتها الروحية ولا تكسبه من حي عوالم الحياة التقليدية..
* ارواح تفرض نفسها كدوال للعرض وان كانت مجرد معان سائلة في الزمان، وبالتالي سيكون هذا الفرض نزعة وجود وان كان تحت عنوان ارواح العرض او ارواح الوطن..
مثلا في مسرحية 8 شهود من بلادي يجري تأثيث:
& الحياة بالشهداء ( الموتى او المقهورين ).
& الفضاء المسرحي بالشهداء.
& الوثيقة بالشهداء.
& طريقة سرد الوثيقة قصة وفعلا بالشهداء.
& ارتداء ثياب اداء الشخصية من قبل الممثلين بالشهداء.
& المسير بخطوط الحبكة وتعقيد ما يجري من بنية وخطاب بالشهداء.
ان هذا الاحتجاج يعبر من جادة الحلم فيما بعد الموت الى الحقيقة فيما قبل الموت ولانه يريد تبيان حقيقة موقف وتضحية لذلك بلغت الارواح المقهورة منزلة التجسيد لاجل تبيان الحقيقة من جهة وتبيان موقفها الوجداني والوطني من جهة ثانية.
ولانه بلغ عبوره الناجز فانه يتحول من معان روحية غائبة الى دوال حياتية مجسدة وحاضرة وان دواعي الحضور: حضور الدوال/ الشهداء بمقتضى:
- صرخة ضحايا في وطن
- صرخة وطن لضحايا مواطنيه
- صرخة موقف وضمير
- صرخة حقيقة
- صرخة تغيير
حتى اذا بلغ العبور محله من اتمام صورة القضية بلغ الجسد حضوره الواضح والدال عما يحدث داخل الوطن وعما تحولت به ارواح ابناءه المظلومين والمقتولين والمشردين والمقهورين الى حضور حيوات لاجسادهم من أجل حضور المسرح والوطن فيهم.
الافتراض الحقيقي للشخصية هو ذاته الافتراض الفني
في كل الخطابات المسرحية السابقة نحتاج الى افتراض فني للشخصية المسرحية ناتج عن افتراض حقيقي. اي ان المعنى الحقيقي للشخصية يصير جذرا منتجا للمعنى الافتراضي الفني الذي يلعب دوره الممثل وايجاده لا بحقيقته بل بفنيته وحسب. وبالتالي يصير الواقع الفني لأجل التماهي والتغيير واقعا حقيقيا يصدق على المشاهدين بوصفه نتاجا عن حقيقة..
انظر :
* الحياة/ واقع حقيقي _ المسرح/ واقع فني
* الشخصية في الواقع/ حقيقة معنى - الشخصية بالفن المسرحي/ افتراض فني للشخصية الواقعية.
لكن في تيار الاحتجاج العراقي سنلحظ مغايرة تقلب أطر المعادلة فيصبح الحقيقي فني والفني حقيقي. اي ان ما يعرض من دور للمثل على الخشبة المسرحية هو حقيقة ما كان في الواقع وان هذه الحقيقة قد اجتازت مراحل الافتراض:
- الحياتي كما هي في الواقع المعيش.
- الموتي كما ينبغي لها الغياب ودخول عوالم افتراض الحياة من بعد موت.
- افتراض لعب الدور واتخاذ الحقيقة من فعل ومعنى الشخصية كما هي دورا للعرض الاحتجاجي.
تتوافر الشخصية في العرض الاحتجاجي على مصداق كلي لا تشوبه اخطاء الاستنساخ والتقمص واضفاء المسحة الفنية والبلاغة او الخيال او اضفاء سلسلة اوهام التعبير بل تتوافر على الصدق الشفيف واللازم لتبيان صدق الوثيقة ولكن هذا الصدق الكلي يتميز كونه مطابقا للصدق الوطني من جهة وصدق معيار التضحية او القهر من جهة ثانية.
هي نتاج حقيقي عن جذر فني يفترض القهر والموت فنية ملازمة للشخصية.
انظر:
* الموت/ واقع فني للشخصية - المسرح واقع احتجاجي حقيقي للشخصية
* الموت افتراض شهادة وافتراض وثيقة للشخصية - المسرح محل اعتبار صادق وحقيقي للشهادة والوثيقة.
* الشخصية في العرض المسرحي الاحتجاجي حقيقة معنى.
ان في ذلك شبهة فنية: ربما السؤال التالي: هل تستطيع الوثيقة للشخصية ان تكون فنا مؤثرا علما ان صبغتها بالحقيقة تؤثر سلبا على جمالية الفن؟ لكن تلك الشبهة لا تصمد ازاء معادل موضوعي يرافق أداء الشخصية الاحتجاجية ويمكن تمثلها في:
- البعد السامي للمعنى النبيل للشخصية.
- البعد الوطني النبيل الذي تبثه الشخصية وهو بعد اعتباري عالي القيمة.
- شكل التضحية والفداء الوطني الذي يتناضح عنه صدق الخلاص الوطني والذاتي..
- صدمة الفعل الحقيقي للشخصية الذي لا يشبه شكل الحدث في الحياة العادية.
- صدق الحقيقة الكلية للخطاب الذي لا يزيغ نوعها الشكوك وغيرها..
- أثر الظلم الواقع عن الموت والقهر للشخصية.
هكذا تصير الحقيقة الكلية/ الصادقة تصير بذاتها انموذجا فنيا وان كانت انموذجا للوثيقة الصادقة التي تسامت بها الشخصية على نحو شفيف ووطني كلي وصادق. تصير افتراضا عابرا للافتراضات الفنية التي يتطلبها الفن فتكون حقيقة فنية صادقة ومتطابقة الى درجة بلاغة الصورة فيها وبلاغة المعنى المتواضع عنها..
الصراع في التعارف والتعريف: بنية التعارف الدرامية
اذا كانت صورة الفعل الدرامي قد تأخرت:
- بالوثيقة
- بالسرد عنها
- بتبيان صدق حالتها الوطنية
- بتبيان واقعة الموت والقهر عنها
ولمّا كان ذلك فأين يمكن ان نتبين الصراع الدرامي في لعبة العرض الاحتجاجي؟ اين منازل الصراع؟ اين التضاد في فعل النفس بوصفه يمتلك صراعا داخليا او التضاد في فعل يقابل فعل آخر يتقاطع معه ويصدم به لأجل وقوع القهر ؟ اين ذلك؟
في المسرح الاحتجاجي نحتاج ابتداء الى:
* التعريف بالضحية.
* التعريف بوثيقة الضحية.
* التعارف فيما بين الضحايا لوجود تماثل قهري.
* التعريف بموقف الضحايا المشترك.
* التعريف بوازع القهر وتقبل قربان الضحايا منه.
يحدث ابتداء كتمهيد ان يجد نفسه الممثل/ الشخصية/ الدور/ منبثقا كصورة حية في الفضاء المسرحي وكأنه مولود من بعد موت وحاضر من بعد غياب ومعلوم من بعد مجهول. وبدلا من كشف المكان بوصفه حاضنة فنية للشخصية بكشف الشخصية يتم العكس. يصير المكان مجهولا يحتاج الى تعريف وبذلك تعمل الشخصية الى تعريفه للانطلاق منه وان مجرد التعريف بالمكان سنلحظ:
- تذكر الحدث على مستوى راجع من صدى احداث سابقة.
- وقع الوثيقة في المخيال الجمعي.
- اعادة تصور الموضوع المراد طرحه.
- النظر الى الشخصية كموقف معادل للوطن والوطنية.
- حجم ومعاناة القهر النازل على الشخصية والذي ينظر اليه طردا مع الوطن.
ان هذا التعريف ابتداء من شأنه ان يرتبط بالزمن: زمن الوثيقة. زمن وقوع الحدث السابق. وبالتالي اعادة تعريف الحدث من جديد ستكون رحلة اعادة الصراع به ومنه وتأكيد مصداقيته ثانية بما يلزم معاناة الشخصية على نحو:
& ان ما قع بالحياة لم يوثق على صدق وحقيقة. من هنا يجهد الشهيد/ المقهور بالتعريف بما وقع لا على اساس ما تم تدوينه في الحياة بل على اساس رؤيته من خلال بطله بعد الموت وما يؤكده من شهادة صادقة وخالصة..
& هكذا يتم التعريف بوصفه وحدة صراع من حيث:
- قهر الشخصية بلا ذنب او خطيئة او تحملها للفداء مبكرا في الحياة.
- قهر اكذوبة وعدم مصداقية التدوين في الحياة: تدوين الوثيقة لا كما ازمتها الضحايا بل كما ادركها الاعلام المؤدلج على نحو العموم و المتوهم بالتصورات والاخيلة والرغبات من قبل افراد شاهدوا ما وقع من زواياهم الخاصة.
- اعادة ترسيم الحدث والتألم منه وفيه ثانية وما يفرزه من تبعات نفسية واجتماعية واسرية ووطنية..
- انشاء سلسلة تعارف على شاكلة المعرف به وبهذا يتضاعف العذاب وهو تضاعف لوحدات الصراع.
- العذاب الوارد من دخول زمن الوثيقة والخروج منه واعادة الدخول فيه من أجل ايضاح مقاصد ونبل المقهورين والشهداء..
& ان العرض المسرحي الاحتجاجي وسيلة كشف تعمل على التعريف الحقيقي لما وقع وهذا التعريف من شأنه اعادة انتاج البنية الفوقية المترتبة عليه وهي بنية تعمل على توجيه الرأي العام بمثل ما تعمل على ترسيخ مبادئ البطولة الحقيقية والصادقة.
$ ربط التعريف برمزية الشهادة وخذه الرمزية تجعل ذات البطل/ الشخصية تجهد في تبين نفسها كأيقونة وطنية كبرى.
& ان طبيعة التعارف بين شخصية ١ وشخصية ٢ ،٣ .. هي طبية تكرار ألم وموقف متشابه. تكرار بطولة أغمط حقها في الحياة وهي تنازع الآن بعد الموت من تبيان حقها في العرض المسرحي والوطني الاحتجاجي.
ان الصراع في العرض المسرحي الاحتجاجي يتدفق في العرض زمنا ومكانا وقضية في التعريف والتعارف واقتصار ذلك يؤدي الى اختزال الصراع بهذا الشكل الى التحقيق الوطني الصادق بالقضايا والاحداق وبالتالي يتحول التعريف والتعارف الى مبدأ كلي شامل للصراع الدرامي في تيار الاحتجاج العراقي.
موت الحبكة هي حبكة العرض وحبكة الحياة
حسنا لو قلنا ان هيكلة العرض المسرحي التقليدي تقتضي التراتب في وحدات البناء على نحو:
- تمهيد
- تعريف
- فعل ١
- فعل ٢
- فعل ٣
- تصادم
- عقدة صراع
- ذروة صراع
- حل
اذن، سنلحظ ان بنية العرض المسرحي الاحتجاجي قد اقتصرت على:
- التعريف
- التعارف
وما يميز هذا البناء الجديد حذف بقية مفردات هيكلة العرض المتعارف عليها. وبلاغة البنية الجديدة انها من خلال حقول البنية الاولى اكتسبت درجة الصراع من جهة، وعملت على تحقيق حبكة درامية مغرية بالالم والتصادم والقهر وبلوغ مصداق الوثيقة المراد له ان يكون معادلا صادقا وحقيقيا للتطهير الناتج عن الحل من جهة أخرى.
من هنا نتبين:
* كلما ماتت بقية مفردات الحبكة كلما تجلى مصداق التعريف بصفه الحبكة الشاملة التي تؤرخ من جديد الى مصداق الوثيقة.
* ان نزع مفردات الحبكة المتبقية من شأنه تعظيم جهد التعريف ببلاغة بناء من ادنى درجات البناء: التعريف، ومع ذلك يبلغ اقصى درجات الأثر والتأثير..
* ان موت الحبكة كتراتب درامي يدفعنا الى احياء الاحتجاج كموقف وطني من خلال احياء الوثيقة كمصدر شهادة كبرى.
* ان موت الحبكة فنيا كما هو مألوف في العرض المسرحي التقليدي يدفعنا الى بلوغ الحبكة الحقيقة المضمرة في الوثيقة.
* ان الانقلاب على الحياة من خلال دواعي الاحتجاج بعد الموت هو اشد حضورا وتأثيرا من كل صراع وابلغ اثرا في الصدق والخلود .. ابلغ أثرا في تحقيق القضية كرمز وطني أشمل..
ثمة حبكة اخرى تستبطن الحبكة المباشرة في العرض المسرحي الاحتجاجي: حبكة غير مرئية كما هي حبكة التعريف والتعارف لكنها مؤثرة جدا بل هي معادل كبير لحجم الرسالة المتوخاة من العرض: عرض وثيقة الاحتجاج بالمسرح. هي حبكة القيمة العليا للاحتجاج. قيمة الشهداء والمقهورين وأثرها على الضمير الجمعي وأثرها على الموقف الوطني.. هذه الحبكة ستكون مجاورة ومرافقة الحبكة الظاهرة: حبكة التعريف لكن اشتغالها ومفهوما سوف يتناضح الينا نحن الشهود الاحياء على شكل اعتبارات قيمية تعيد توجيه وتؤثر بموجهات المجتمع مثلما تصنع للوطن مبادئ عليا تحرك عجلة مفاهيمه وسلوكه اليومي والاعتباري..
ان موتنا سيكون مرادفا لحياتنا. هكذا ستكون حبكة ذلك الموت شكلا ملازما لاعادة الحياة ولكن من الطريق التي تبدو ظاهرا مهلكا ومغيبا للحياة. بيد أن تلك الطريق هي الحبكة التي ستعمل على انتاج الحياة من جديد وان كانت طريقا مغايرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق