أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 11 يوليو 2021

مسرحية " فتاة فوق طابية " تأليف أحمد إبراهيم الدسوقى

مجلة الفنون المسرحية



                                               ( بثلاث مشاهد)

                                المشهد الأول

عندما تأرجح الزمن فوق الطابية

( يرفع الستار ....
الزمان : يتداخل الزمن ما بين بداية القرن 21 ، وزمن الحملة الفرنسية على مصر ، فى نهاية القرن 18 
المكان : منطقة جبلية بجوار البحر ، فى إحدى المدن المصرية ، الساحلية السياحية
الوقت : وقت المغيب
يرى مشهد لكلب أبيض صغير ، ترك صاحبته التى تتريض ، فى المكان كسائحة ، وجذبه الفضول فجرى ، ووصل لذلك المكان المهجور ، أمام طابية تاريخية مهملة عالية 
قرص الشمس قد غاص فى البحر ، ولم يتبقى منه شىء ، الليل قد بدأ يزحف مسرعا ، ترى صاحبته تبحث عنه ، فى كل مكان ، وتنادى بأعلى صوتها )
صاحبة الصوت ( فى غضب )
ــ  فرنسيس فرنسيس أين ذهبت 
( تظل تنادى ، حتى تصل للمكان مصادفة ، فترى الطابية العالية المهجورة ، بجوار البحر شديد الأمواج ، وكلبها يقف أسفلها ، ينبح عند بابها ، أمام درج سلمها ، وصاحبة الكلب  تدعى ( جاسمين ) 
فتاة مصرية ثرية عزباء ، تجاوزت العقد الثالث من العمر ، إمراة عصرية ، تهوى السفر والسياحة ، حاصلة على شهادة الدكتوراه ، فى تاريخ الشعوب القديمة ، من جامعات أوربا ، وتعمل حاليا أستاذة زائرة ، فى الجامعات المصرية الخاصة ، التى إفتتحت فى السنوات الاخيرة ، وتقع معظمها على أطراف القاهرة ، فى المدن الجديدة وفى سنواتها الأخيرة ، قد تخصصت فى مناهج ، تدريس التاريخ المصرى القديم ، منذ عصر الفراعنة ، وحتى ثورة يوليو ، بسبب عشقها ، لكل ما هو مصرى قديم 
تنادى على كلبها ، الذى يقف عند باب الطابية ، وينبح ولا يريد العودة معها ، فتندهش كل الإندهاش )
جاسمين ( بغضب )
ــ  هيا يا فرنسيس ، نريد أن نغادر ، لنعود إلى الفندق ، لماذا أتيت لهذه المنطقة المقفرة ، لقد بعدنا كثيرا عن القرية السياحية ، أنت كلب مجنون ، مثل الرجل الفرنسى ، الذى إشتريتك منه ، فى باريس منذ عامين ، هيا .. هيا لا تضيع وقتنا ، الظلام بدأ يحل ، بل حل بالفعل والبحر هائج ، سنتوه هكذا ، فى رحلة العودة للفندق  
( فجاة ينبح الكلب نباحا عاليا ، ثم يدلف من باب الطابية ، ويصعد السلم ، ويسمع صوت خطواته الصغيرة ، لقد جذب إنتباهه شىء ما 
وصاحبته تنادى عليه ، فى غضب وخوف ، ويمر الوقت وبعد نصف دقيقة ، تسمع صوته من أعلى الطابية ، التى لا يتجاوز طولها ، أكثر من أربعة طوابق )
جاسمين ( فى غضب وذهول )
ــ  أنا أخاف أن أصعد خلفه ، لكن لابد من الصعود والإمساك به ، هذا اللعين ، حتى لا يقفز من أعلى الطابية ، فهو مجنون ، مثل الرجل الذى اشتريته منه 
( تتسلح جاسمين بالشجاعة ، وتتحسس المكان ، وتصعد درج سلم الطابية ، فى حذر ، والظلام قد غشا ، كل المكان تدريجيا ، والبحر إلى جوار الطابية غاضب ، وأمواجه مرتفعة ، تجد الفتاة السلم حلزونى مظلم ، لا يزيد إرتفاعة ، عن أربعة طوابق ، السلم بحالة جيدة ، وعند الصعود لنهاية الطابية ، فوق السطح ، تجد الظلام قد حل نهائيا ، وفجأة تسمع صوت نباح ، كلبها فرنسيس ، فتنظر أمامها لتجده ، واقفا ينبح بلونه الأبيض ، أمام شىء ما ، فلا تهتم ، وتتقدم منه لتحمله وتغادر المكان 
لكن فجأة ، تجد أمام مكان الكلب ، سكين طويل مدبب ، مثبت فى بندقية طراز مندثر ، يمسكها جندى من زمن قديم ، ملابسه لم تتبينها ، فتشهق وتتراجع للخلف ، وهى لا تصدق عينيها )
الجندى ( وهو يتقدم نحوها )
ــ  إلى أين تذهبين سيدتى ، تقتحمين طابيتنا ، وتغادرين هكذا بلا توديع ، لابد من عمل حفل خاص ، للمتسللين أمثالك  
( يتضح للفتاة جاسمين ، من حديث الجندى أنه فرنسى ، فتنظر لملابسه ، فترى بصعوبة فى الظلام ، أنها ملابس جنود الحملة الفرنسية ، على مصر فى نهاية القرن 18 ، وهى الخبيرة والعالمة بالتاريخ 
فلا تكاد تصدق عينيها ، هل أتى زمنهم إليها ، أم عادت هى لزمنهم ، أم أن الموقف كله فيلم تمثيلى ، وكابوس مرعب ، ترى الفتاة جاسمين ، واقفة مذهولة فاغرة الفم ، شاخصة العينين لا تصدق ما تراه 
ينادى الجندى ، الذى يضع سلاحه فى وجهها ، على إثنين من زملائه ، وهى تحتضن كلبها فى ذعر شديد )
الجندى ( صائحا )
ــ  يا ( جان فيليب ) هلم أنت ( وبيتريش ) ، وجدنا متسللة مع كلبها الأبيض ، هلموا هلموا ، إنها تتحدث العربية بطلاقة ، لكن ملابسها غريبة ، لم أرى ملابس ، كهذه فى حياتى ، قد تكون جاسوسة من الأتراك ، أو حتى الإنجليز ، أو المماليك 
( يلتف الجنود الفرنسيين ، حولها فى غضب شديد ، وهم موجهين بنادقهم حولها ، وهى ترتعش ، لا تتفوه بأى كلمة )
جندى جان فيليب ( فى غضب )
ــ  الويل لك ، لابد أنك من نساء المماليك 
( لزملائه )
أنا أعرفهم من ملابسهم ، إن ملابس نسائهم غريبة ، وشرقية مبهرجة 
( يلتف الجنود أكثر وأكثر حولها ، وهى ترتعش وتحتضن كلبها ، فتحدث نفسها ، غير مصدقة ما تراه ، هل جن الزمن ، وألقاها فى غياهب ، تاريخ مصرى قديم )
جاسمين ( مذهولة )
ــ  إنهم بالفعل جنود ، من زمن الحملة الفرنسية ، ويظنونى جاسوسة ، ما هذا الكابوس ، الذى أنا فيه 
( يدفعها أحد الجنود بغلظة ، ويود ضربها بقسوة ، وهو يشير لزملائه )
بيتريش ( صائحا )
ــ  إقتلوها هى جاسوسة ، تسللت للطابية مركز القيادة السرى ، حتى تتجسس علينا ، على الجمهورية الفرنسية ، إقتلوها تلك المرأه المصرية  
جاسمين ( تصرخ مرعوبة )
ــ  لا ، لا تقتلونى ، لست جاسوسة أنا ، أنا من القرن 21 ، قذف بى الزمن اليكم لقد لقد .... 
( ترتعش وهى تخاطبهم )
لقد كنت أتريض بجوار الفندق ، وقت المغيب فى القرن 21 ، داخل القرية السياحية ، وهرب منى إلى هنا ، كلبى فرنسيس هذا ، لقد ضللنا الطريق ، وتبعته لأجد نفسى بينكم ، أرجوكم لا تقتلونى ، لست جاسوسة ، أنا عابرة الزمن فحسب ، ألا تحترموا النساء
جندى جان فيليب ( مندهشا )
ــ  ما هذه الهلوسة ، لم افهم منك شىء ، قرن 21 ، وفندق وقرية سياحية ، وكلب فرنسيس ، أتسمين كلبك ، على إسم جمهوريتنا يا ملعونة ، إنك تدعين الجنون ، لن ينطلى علينا ذلك ، أنت جاسوسة وسترمين بالرصاص  
جاسمين ( تبكى )
ــ  أرجوكم لست كما تظنون ، أنا استاذ زائر للتاريخ المصرى ، فى جامعة خاصة ، تقع على أطراف القاهرة ولست كما تظنون جاسوسة ، من عند أحد ما ، وقد قذف بى الزمن ، خطئا إلى عالمكم ، أتقتلونى بدون محاكمة 
بيتريش ( يفكر )
ــ  لن نقتلك ، لتمثلين بين يدى القائد ، ليبت فى أمرك ، علنا نخرج من بين شفتيك ، أى معلومات عن جيش العدو
( يدفعها الجنود ، إلى نهاية سطح الطابية ، فترى فى الظلام وهى منهارة ، شىء أشبه بباب خشبى ، قديم عملاق ، موشى بالزخارف ومشغول بالذهب ، ينتصب أمامه جنديان ، وعند الوقوف أمامه تتلفت حولها ، فتجد جنود كثيرين يغمغمون ، فتدرك أن من بالداخل ، شخصية ذات مكانة كبيرة )
جاسمين ( لأحد الجنود متسائلة )
ــ  من .. من هذا القائد الذى بالداخل 
الجندى ( فى صرامة )
ــ  إنه يا حمقاء القائد العام ، نابليون بونابرت ، قائد الجيوش الفرنسية ، أتدعين أنك لا تعرفينه .... 
( ساخرا )
إن لم تتعاونى معنا ، يا جميلة وتعترفين ، سنذبح كلبك أمامك ، ونمزق لك أحشائه ، بعدها سننزع ملابسك ببطء ، قطعة قطعة ، ونقطع لحمك ونشويه على الفحم ، وقبل كل ذلك ، سنجعلك حلوى سكاكر لجنودنا ، يتلذذون بمضغك ، فأنت إمرأة مثيرة للغاية ، ونحن هنا بلا نساء   
( تذهل الفتاة ، عند سماعها لإسم نابليون بونابرت ، وتتوجس من تهديدات الجندى ، وتلميحاته الجنسية )
سرمداء ( تشهق فى خوف ، وتخاطب نفسها )
ــ  نابليون بونابرت بذاته ، يالغرابة الأقدار ، أأسافر عبر الزمن رغما عنى ، لألتقى بسارى عسكر ، كما سماه المصريين ، إن رسالة الدكتوراة الخاصة بى ، عن تاريخ الشعوب القديمة ، وحملة نابليون ، هى جزء من التاريخ المصرى ، الذى تخصصت فيه مؤخرا ، فى السنوات الأخيرة ، ياللمصادفات العجيبة ، ترى ماذا سيفعل بى بونابرت العظيم ، يالكارثتى هل سيظننى جاسوسة ، مثل جنوده   
( تلتفت للجندى ، لترد على تهديداته لها ، وهو لا زال يرمقها بغضب )
لا .. لا داعى للتلويح بإهدار الآدمية ، قائدكم العسكرى العظيم ، رجل عاقل يحترم النساء ، وسيتفهم موقفى ، وسيتركنى أعود لعالمى القرن 21 ، بعد أن يتاكد من صدق حديثى
( يضحك الجندى فى سخرية ويقهقه ، مكذبا الصورة الجميلة ، التى تتخيلها عن نابليون بونابرت ، فتتوجس فى خوف ، ثم تشرد طويلا ، وتعود لتحدث نفسها )
إنه يضحك بأسلوب مخيف ، لا يريحنى ، ماذا سيفعل بى سارى عسكر هذا ، إنهم فى الحروب ، يمثلون بالأسرى العزل ، وهم لم يقترفوا أى ذنب ، فما بالكم بالجواسيس 
( تشهق وتتهدج أنفاسها ، حتى تسيل دموعها )
يا إلهى .. إنهم يعدمونهم بلا محاكمات ، بعد أن يعذبوهم بوحشية ، ويهدرون آدميتهم ، إنهم يغتصبون الأطفال والنساء ، لابد .. لابد أن أهرب ، وأعود لعالمى عالم القرن 21 ، لكن كيف ساعود ، أنا فى طور المعتقلة ، المحكوم عليها بالموت ، وحتى إن نجوت ، أخشى أن أضيع فى الزمن ، لا توجد مركبات ، تعيدنى لعالمى المستقبلى  
( تنظر إلى كلبها ، فى غضب وأسى )
كل ذلك بسببك يا كلبى فرنسيس ، ليتنى ما إشتريتك فى باريس ، من الرجل المجنون ، بل ليتنى ما درست ، التاريخ القديم للشعوب ، أنا أكره التاريخ الشرير هذا ، فسيرة معاملة النساء ، فى الحملات العسكرية والحروب ، سيئة للغاية   

ستار 

                                  المشهد الثانى
لقاء مع نابليون بونابرت

( يرفع الستار ....
 جاسمين تقف أمام الغرفة الحجرية ، التى بابها خشبى عملاق ، موشى بالزخارف ومشغول بالذهب ، ويحيط بها جنود كثيرين ، يرى الجزع والفزع على وجهها ، لا تعرف ماذا سيكون مصيرها ، يستاذن أحد الجنود ، ويخاطب الجنديان ، حارسى الغرفة بإحترام )
الجندى ( للآخر )
ــ  لقد وجدنا تلك المتسللة سيدى ، إنها مصرية وتهلوس بالكلام ، لعلها جاسوسة من جيش الأتراك ، أو الإنجليز أو المماليك ، أعلم القائد العام بونابرت بالأمر ، لعله يأمر بإستجوابها أو إعدامها 
( تستمع جاسمين لحديثه ، فترتعش وتسيل دموعها ، ثم يطرق الجندى الحارس ، الباب العملاق طرقتين ، فيفتح له آخر ويدخل ، ثم يغلق الباب ، وبعد ربع دقيقة ، يخرج ويحادث الجندى )
الجندى الحارس ( فى صرامة )
ــ  القائد العام بونابرت علم بالأمر ، وغضب جدا ويود إستجوابها بنفسه ، ليحدد ماذا يفعل بها ، بعد ذلك ، إن الأمر خطير ، وكل جنود الحراسة الليلية سيعاقبون ، لأن الفتاة الجاسوسة ، تسللت حتى أعلى الطابية ، ووصلت إلى مركز القيادة السرى ، أنتم جميعا مقصرون ، وستتم محاكمتكم ، هيا أدخلوا الفتاة المتسللة أولا ....
( يدفع الجندى جاسمين بعنف ، إلى داخل غرفة القائد ، نابليون بونابرت )
الجندى ( فى غضب وحقد )
ــ  سنحاكم وسنعاقب بسببك كلنا ، سأكون أول من يضربك بالسياط ، على ظهرك العارى ياحلوه ، عندما يأمر القائد بونابرت بذلك ، عله يأمر بإعدامك ، وننتهى من أمرك يالعينة 
( تدخل جاسمين الغرفة الحجرية ، والجندى يدفعها بكل غلظة ، وهى ترتعد وتبكى حاملة كلبها 
الإضائة خافتة ، يشير لها الجنود بالتوقف ، ثم يغادرون ماعدا جندى واحد ، يقف خلفها مشهرا سلاحه ، فتتوجس منه ، تنظر حولها ، وقد هدأ رعبها قليلا 
فتجد منضدة خشبية ، كبيرة جدا وسط الغرفة ، وسط كتل الظلام الباهتة ، عليها ما يشبه الماكيت ، لحركة الجيش الفرنسى ، فى الأراضى المصرية ، يستعمله نابليون ، لمتابعة حروبه مع قواده ، الماكيت بدائى جدا بالمقارنة بزمنها ، عليه قطع خشبية صغيرة ، من السفن والمدافع والأسلحة 
يقعون جميعا فوق رقعة ، مرسوم عليها المدن والصحارى ، والبحار المصرية بالحبر الاسود ، وبعضها ملون ، تنظر عند آخر الغرفة ، لتجد مقعد آرابيسك كبير ، حوله عدة مقاعد ، إستولت عليه الحملة ، عند دخولها لمصر ، وبالطبع يجلس نابليون ، على المقعد كالملوك ، وحوله قواده وضيوفه 
ترى قناديل النور ، على الجدران خافتة الإضائة ، وسط كتل الظلام الباهتة ، جاسمين  لازالت تتلفت حولها ، ترى شبحا أمامها يتقدم نحوها ، يشير للجندى بيده ، بأن يزيد من ضوء القناديل ، فيتقدم الجندى ويفعل ، فيضاء المكان 
ثم فجاة تشهق ماخوذة ، لا تصدق عينيها ، إنه نابليون بونابرت أمامها ، وجها لوجه فى ملابسه العسكرية ، تتجمد أطرافها ، ولا تتفوه بأى شىء )
نابليون بونابرت ( ينظر إليها متفرسا مبتسما )
ــ  كلب أبيض جميل لإمراة أجمل
جاسمين ( تشهق وهى تمسح دموعها )
ــ  إنه أنت نابليون بونابرت 
( يندهش بونابرت ، بعد أن تعرفت عليه ، ويرى على وجهه الغضب ، لكنه يعود ليتظاهر بالإبتسام )
نابليون بونابرت ( ينظر اليها متسائلا )
ــ  كيف تعرفت على ، ونحن لم نتقابل من قبل 
( يصمت ويدور حولها )
ما إسمك آنستى
جاسمين ( فى خوف )
ــ  آ .. آ .. جاسمين ، إسمى جاسمين 
إسم جميل ، شىء جيد ، شىء جيد جدا ، جاسوسة عربية مدربة تدريب عالى ، تدعى جاسمين ، إسم روماتيكى ، هذا إذا كان إسمك الحقيقى ، لندخل فى الموضوع ، لقد أراك أحدا ما ، صورة مرسومة لى ، زيتية مثلا ، لذلك تعرفت على ، قولى لى يا حلوتى ، كيف وصلت إلى طابيتنا السرية ، لا تقولى لى سباحة ، أو طيران مثلا ، فوق طائر ، هل رئيسك تركى عثمانى متكبر ، أم مثلا إنجليزى متغطرس ، أم من المماليك الحمقى الواهمين ، كونى مطيعة ، حتى لا ترين غضب الجمهورية الفرنسية ، فى صورة بطشى 
جاسمين ( وقد إرتعدت فرائصها )
ــ  سيدى القائد العظيم ، أنا لست كما تظنون جاسوسة ، من عند جيش معادى لكم ، أنا مجرد أستاذة تاريخ جامعى ، حدث خلل فى زمنها ، وألقى بها فى عالمكم
( يندهش نابليون ، من كلماتها عن الزمن ، ويضحك ماخوذا ، وهى لازالت ترتعش )
نابليون بونابرت ( مكذبا حديثها )
ــ  ما معنى أستاذة جامعية ، وتدرسين التاريخ ، كيف يكون ذلك ، وفى أى مدرسة تدرسين ، هذا إن صدقتك بالفعل 
( تنظر جاسمين إلى الجندى ، الذى يقف خلفها ، فتجد وجهه بلا أى تعبير ، فتنزعج وترتعش ، ثم تعود لتحدث نابليون بونابرت )
 جاسمين ( فى إرتعاد )
ــ  سـ .. ساشرح لك ، سيدى القائد العظيم ، أستاذة جامعية ، بمعنى .. بمعنى أنى أدرس فى مدرسة عليا ، يدرس بها الطلاب ، ما بعد الثانوى
نابليون بونابرت ( مندهشا )
ــ  وما هو الثانوى هذا ، مدرسة خاصة 
جاسمين ( تشرح له )
ــ  هو مرحلة دراسية ، فالمراحل تبدأ بالتمهيدى ، ثم الإعدادى ثم الثانوى ، بعدها دراسة عليا ، وهى الجامعة
نابليون بونابرت ( مندهشا فى تعجب )
ــ  جيد جدا .. نظام تعليمى مرتب ومنظم ، قولى لى ....
( ينظر لها نظرة ذات مغزى )
هل رئيس تلك الجامعة تلك ، على بك الكبير المملوك المغرور ، الذى يحاربنى ، ونتنافس على الأراضى المصرية ، وهو هارب الآن فى الصعيد 
جاسمين ( تلوح بيديها )
ــ  سيدى .. لست أعمل لحساب المماليك ، ولا غيرهم ، أنا من زمن مستقبلى آخر 
( يضحك نابليون بونابرت ، ضحكات عالية ، ويمسك بعصا عسكرية قصيرة ، ويضرب بها على يديه ، ويقترب منها أكثر وأكثر ، فترتعب وتتفصد عرقا ، وتتراجع للخلف )
 نابليون بونابرت ( يتحدث )
ــ  إذا لم يكن رئيس الجامعة تلك ، على بك الكبير ، إذن لنقول مثلا ، أنه الأدميرال نلسون الانجليزى ، الذى يطاردنى بأسطوله فى البحار
( يدور حولها منتظرا الإجابة ، وهى ترتعش )
 جاسمين ( فى إرتعاد ، وهى تعبث بملابسها )
ــ  يا سيدى إنظر لملابسى ، إنظر لمتعلقاتى ، أنا من زمن مستقبلى آخر 
نابليون بونابرت ( يغمغم )
ــ  حسنا لنظل مع كذباتك ، حتى نصل للحقيقة ، أرنى متعلقاتك المزعومة
( فى تعجل وإرتعاش ، تفرغ له جاسمين ، كل ما فى جيوبها ، فيمسك بها بونابرت ، وهو فى أشد حالات دهشته ، فيجد معها نقود ورقية ومعدنية ، من عالم القرن 21 ، وهاتف محمول حديث 
وميدالية مفاتيح مكتظة بمفاتيح مختلفة ، بعضها لمنزلها والآخر لسيارتها ، والبقية لغرفتها فى الفندق والجامعة ، ينظر الأخير بدهشة ، إلى متعلقاتها ، ويتحسس النقود الورقية ويتفحصها ، وقد إمتلأ بالذهول )
إن مصر ، لا تعهد النقود الورقية ، بل لا توجد دولة فى عالمنا تصنعها ، من أين جئت بها ، شىء أغرب من الخيال
( يمسك بالنقود المعدنية ، فيجد تاريخ إصدارها فى القرن 21 ، فيكون ذهوله أكبر ، فينظر إليها تارة ، وإلى النقود تارة أخرى ، وهى تتنفس الصعداء 
ثم يمسك بهاتفها المحمول ، ويهزه عله يصدر صوت ، كانت عيناه زائغتان ، فيشير لها بيديه متسائلا )
ماهذا الشىء 
جاسمين ( فى شبه خوف وهدوء )
ــ  إنه هاتف جوال خلوى ، يسمى فى عالمنا بالتلفون المحمول
( يشير اليها بإكمال الشرح ، وهو يتفحصه ، دون أن ينظر اليها )
إنه .. إنه يعنى أنك سيدى ، عندما تكون هناك شبكة إرسال لاسلكى ، تستطيع أن تخاطب به الناس ، أصدقائك ومعارفك وقوادك ، من أى مكان فى العالم 
نابليون بونابرت ( يحاول كشف صدقها أو كذبها )
ــ  إختراع عجيب .. لكنى لازلت لا اصدقك ، هيا برهنى لى على صدقك ، وإجعلينى أخاطب فيه ، خطيبتى جوزيفين ، إنها فى باريس الآن ، ونحن فى مصر 
( ترتعش سرمداء ، وقد أعطاها الهاتف المحمول )
 جاسمين ( تشرح له متوجسة )
ــ  سيدى وأرجو ان تصدقنى ، لابد أن يكون لصديقتك ، مكان تقف فيه ، وبه شبكة قوية ، تعمل وتبث من شركة الهواتف المحمولة ، وكذلك يكون مع صديقتك ، هاتف خاص بها ، له رقم ما ، تتصل أنت به من هاتفك ، فترد هى عليك ، أما الآن فأنا فى عالمكم القديم ، ولا توجد شبكات ، الشبكات تركتها فى عالمى ، وبالتالى فالهاتف هذا لا يعمل الآن 
( تمسح عرقها وتتنهد )
لكنى ساريك شىء ، لأثبت به صدقى ، أنا من هواة تسجيل المكالمات ، بينى وبين أصدقائى ومعارفى ، وتوجد رسالة مسجلة ، على الهاتف هذا ، لى مع صديقة باحثة أوربية ، كنت أخاطبها ، فى نصف الكرة الشمالى ، أى كنت أنا فى مصر ، وهى فى أخر الدنيا
( تلمس سرمداء أزرار المحمول ، الذى يعمل باللمس ، فيسمع نابليون صوت المكالمة ، التى وقعت بينها وبين صديقتها ، الباحثة الأجنبية منذ شهور ، وهما يتحدثان باللغة الفرنسية )
 نابليون بونابرت ( يتهلل وجهه وكله ذهول )
ــ  هذا هذا إختراع رائع ، إذا استخدم عسكريا ، سيحقق الإنتصار السريع ، للجيوش فى الميدان ، لكنى .. لكنى لازلت لا أصدقك ، قد تكونى ساحرة أو مشعوذة ، فمصر ملئى بالدجالين 
جاسمين ( تمسح عرقها )
ــ  حسنا سأسمعك بعض الرنات ، فهذه ليست شعوذة ، إنها نغمات موسيقية قصيرة ، مخصصة للإعلان ، عن متصل بى  
( تشغل الفتاة بعض الرنات ، فيسمع صوت الموسيقى العالية ، فينتفض نابليون مأخوذا ، ويتراجع الجندى الذى خلفها ، وقد شهر سلاحه 
فيشير له القائد بضبط النفس ، ويأمرها بإيقاف الموسيقى ، وقد مسه الذهول لمدة ثوان ، يمسك بعد ذلك نابليون ، بميدالية مفاتيحها ، وهو يرمق الفتاة بكل ريبة ، لا يصدق ما يراه ويسمعه )
نابليون بونابرت ( يشير لها نحو ميدالية المفاتيح )
ــ  وهذه أرى أنها مفاتيح ، لكن عجيبة الشكل ، وصغيرة الحجم 
جاسمين ( تشرح له وهى تتفصد عرقا )
ــ  هذه المفاتيح المعدنية ، مفاتيح منزلى وكراج عربتى ، والأخرى المغطاة بالبلاستيك ، هى مفاتيح سيارتى ، والآخرين مفاتيح غرف حجراتى ، فى الجامعة وغرفة الفندق 
 ( يضحك نابليون بونابرت مذهولا ، لأنه لم يفهم شىء ، مما قالته )
نابليون بونابرت ( يشير لها بالشرح المطول )
ــ  سيدتى أنا لم أفهم شىء ، إشرحى لى ما قلته بالتفصيل 
جاسمين ( تتنفس بصوت عالى ، فتضبط من تنفسها )
ــ  هذا الأول المعدنى ، مفتاح باب منزلى ، والثانى هو مفتاح كراج سيارتى ، والثالث هو مفتاح سيارتى ذاتها 
( يقاطعها نابليون بونابرت )
نابليون بونابرت ( متسائلا )
ــ  سيارة بمعنى عربة ، أليس كذلك 
( تهز سرمداء رأسها بالموافقة ) 
هل تحتاج عربة الخيل ، لمفتاح لتسير ، أى عالم هذا الذى أتيت منه
 جاسمين ( تشرح له )
ــ  كلا سيدى ، ففى عالمى تطورت العربات ، وأصبحت سيارات لا تجرها الخيل ، ولكن تعمل بوقود البنزين ، وهو سائل ، مثل مثل وقود القناديل ، أو حديثا بالغاز المسال ، فتسير السيارة ، التى مصنوعة من الصاج او الحديد ، وتقطع المسافات ، التى قد تكون شاسعة ، وكل سيارة لها مفتاحها الخاص ، حتى لا يستولى عليها الغير ، فلا يستطيع فتح باب السيارة ، إلا صاحبها بمفتاحه الخاص 
( يرفع نابليون حاجبيه متعجبا ، وقد ذهل كل الذهول )
 نابليون بونابرت ( مكذبا )
ــ  عجبا عربات تسير بلا خيل ، أى شعوذة تلك ، هل أنت ساحرة 
جاسمين ( تنفى بكلتا يديها )
ــ  كلا سيدى ، إنه التقدم العلمى ، لست ساحرة ، لقد القانى زمنى ، فى عالمكم خطئا ، إن زمن القرن 21 متقدم جدا ، به طيارات تطير فى السماء ، وسفن فضاء تصل للقمر ، وكواكب المجموعة الشمسية 
( يظل نابليون فاغر الفم ، ثم يأمر الجندى ، الذى يقف خلفها ، بمغادرة المكان ، فيغادر بعد التحية العسكرية ، فتتنفس الفتاة الصعداء ، وتمسح عرقها )
لابد أنك صدقتنى الآن .. سيدى 
نابليون بونابرت ( مغمغما وقد أعطاها ظهره )
ــ  نعم شبه أصدقك لكن ....
( يلتفت لها محذرا ملوحا بإصبعه )
لكن حتى لا تعاملين كجاسوسة ، وأأمر بإيذائك نفسيا وبدنيا ، وأتركك لجنودى يمثلون بك ، وتعلقين عارية أعلى الطابية لابد ....
( يصمت قليلا ، فتتلاحق أنفاس الفتاة مرتعدة )
لابد وأن تسردى على ، الأشياء والأحداث ، التى ستحدث فى المستقبل ، والتى سأسالك عنها بكل صدق ، وبلا تزييف ، بما أنك قلت أنك عالمة فى التاريخ 
( تقاطعه وهى تمسح عرقها )
 جاسمين ( تزفر متنهدة )
ــ  أستاذة تاريخ جامعية سيدى 
نابليون بونابرت ( يتحرك ويدور حول نفسه ببطء )
ــ  حسنا سأسئلك عدة أسئلة ، بعدها ساتركك تغادرين الطابية ، إلى أى مكان توديه ، وستكونين حرة بعدها
جاسمين ( وقد استعدت لتساؤلاته ، أملا فى النجاة )
ــ  حسنا سيدى .. إسالنى فى حدود معرفتى بالتاريخ ، فأنا لست مُنجمة 
نابليون بونابرت ( يشير إلى البحر ، وما خلفه بعيدا )
ــ  ما أحوال فرنسا ، أعنى الجمهورية الفرنسية ، فى عالمك القرن 21
جاسمين ( تضحك وتشير نحو البحر بالخارج )
ــ  أحوالها جيدة جدا ، هى القوة العظمى الرابعة ، فى العالم ، حسب وجهة نظرى ، والتاريخ الحديث
( يتههل وجه نابليون ويبتسم ، ويرفع حواجبه )
 نابليون بونابرت ( يشير لها بيديه )
ــ  قوة رابعة جيد جدا ، وما هى القوى التى قبلها
جاسمين ( تشرح وتعدد فى حذر )
ــ  القوى التى قبلها أمريكا ، وروسيا وإنجلترا ، والقوة الخامسة القادمة فى الطريق ، هى الصين 
( يتجهم وجه نابليون ، فتتوحس سرمداء وتصمت )
نابليون بونابرت ( يغمغم ناظرا إلى اللاشىء )
ــ  إنجلترا قبلنا .. تبا لهم ولأسطولهم القوى ، وكذلك الأراضى الجديدة ، أمريكا هى القوة الأولى ، يبدو أنهم لا يضيعون وقتا ، وياللعجب المملكة الروسية قوة ثانية ، مرحى للقياصرة ، أما مايدهشنى هى الصين ، تلك الدولة المتخلفة ، قوة خامسة ، ماذا حدث فى الدنيا 
( يصمت ويدور حول جاسمين ، وهى متوجسة ، ويتوقف بعدها أمامها ، ويضرب بعصاه على يده ، وهو متجهم )
نأتى للشىء الهام .. حدثينى عن أحوال ، الحملة الفرنسية على مصر ، ما مصيرها وإلام تنتهى 
( ترتعش جاسمين ، وتتحدث حذرة فى خوف ، وهى تنتظر منه الأسوأ )
جاسمين ( تتفصد عرقا )
ــ  آ .. آ .. أحوال الحملة ليست جيدة ، سيدى ستـ .. ستفشل و .. و ..
( تحمر عيون نابليون ، وتقدح شررا ، فيقترب منها وهى ترتعد )
نابليون بونابرت ( يحاول كظم غضبه )
ــ  حسنا حسنا أكملى .. لماذا توقفت
جاسمين ( مرتعشة )
ــ  ستـ .. ستقوم ثورتين على الحملة ، ثورة القاهرة الأولى والثانية 
نابليون بونابرت ( يتسائل )
ــ  من سيقوم بالثورتين
جاسمين ( تمسح عرقها )
ــ  سكان القاهرة ، وباقى مدن مصر من بعدهم ....
نابليون بونابرت ( يعود للتساؤل )
ــ  ومن زعماء تلك الثورتين 
جاسمين ( ترتعش شفتاها )
ــ  شيـ .. شيوخ الأزهر
نابليون بونابرت ( يدور حولها )
ــ  وماذا سيكون رد فعلى أنا ، تجاه الثورتين
 جاسمين ( تمسح عرقها )
ــ  ستنصب مدافعك فوق جبل المقطم ، وتضرب أحياء القاهرة بالقنابل
( يضحك نابليون ضحكات عالية )
نابليون بونابرت ( يدور حول نفسه ببطء )
ــ  أنا اصدقك ، لأن هذا هو نابليون بونابرت ، الذى أعرفه
( يصمت ثم يدور ، عدة دورات فى الحجرة ، يعود بعدها للحديث )
وعلى المستوى الشخصى ، ماذا يقول التاريخ عنى 
جاسمين ( تنظر له بخوف وإحترام ، فى ذات الوقت )
ــ  التاريخ يصنفك ، كقائد من أعظم القادة العسكريين ، على مر التاريخ ، مع الإسكندر الأكبر وغيركم
( يبتسم نابليون ، ويعطيها ظهره ويلوح يبده )
نابليون بونابرت ( يتنهد )
ــ  شكرا للعم تاريخ ، فهو على غير عادته لم يكذب 
( يصمت قليلا ثم يتكلم متحرجا )
آ .. أريد أن أسالك سؤال شخصى ، عن .. عن .. حبيبتى جوزيفين 
( تضع جاسمين رأسها فى الأرض ، توجسا من السؤال )
هل .. هل .. فى سفرى البعيد .. هى مخلصة لى 
جاسمين ( تتحدث ولا ترفع رأسها )
ــ  إعفنى من هذا السؤال .. سيدى القائد
( ينكس نابليون رأسه متألما )
نابليون بونابرت ( يتنهد فى ألم )
ــ  أنا أدرك بعدم إخلاصها ، فى سفرى البعيد
( يتدارك نابليون إضطرابه ، ويعود كقائد عسكرى ، لا محب مهزوم ، فى مضمار العشق )
قولى لى يا حلوة ، كيف ستكون نهايتى .. قولى لى الصدق وإلا ....
جاسمين ( ترتعش وهى تتكلم )
ــ  لن .. لن تموت بالإغتيال ، لكن .. لكن ستعادى كل أوربا .. فيهزمك ملوكها فى موقعة تدعى .. تدعى ( ووتر لو ) سامحنى ياسيدى .. وستهزم إلى الأبد .. بعد أن تروعهم طويلا ..  وسيسجنك المنتصرين فى جزيرة ( سانت هيلانة ) .. حتى موتك المفاجىء .. المشكوك فيه .. أرجو المعذرة سيدى ، أنت الذى طلبت الصدق ، هذه وقائع تاريخية ، لا مجال للتدليس فيها    
( يبتئس نابليون ، ويضع يده على بطنه ، ويضغط كعادته الشهيرة ، مقاوما الألم ، حتى أنه إشتهر بهذه الحركة )
نابليون بونابرت ( يتنهد فى ألم )
ــ  نهاية مفجعة لقائد عظيم 
( يلتفت إليها فى عناد )
لكم قد تتغير النهاية إذا .. إذا علم الشخص بها .. مثلى أنا .. سأحتاط حتى لا أهزم
( يشير لها بإكمال حديثها )
جاسمين ( تكمل وهى تجتر الكلمات )
ــ  أما عن الحملة الفرنسية ، فلسوف تغادرها سرا ، إلى فرنسا بعد .. بعد ..
( يشير لها نابليون منزعجا ، بإكمال حديثها )
بعد إغراق الأسطول الإنجليزى ، لأسطولك فى موقعة       ( أبى قير البحرية )  
نابليون بونابرت ( يتنهد فى غضب )
ــ  آه .. إنه الأدميرال نلسون اللعين 
( يعطيها ظهره ، ويشير لها بإكمال حديثها )
جاسمين ( تتوالى الكلمات من فمها )
ــ  بعد إغراق الأسطول ، ستتسلل أنت فى قارب صغير ، لتصارع الأمواج ، لتصل بعد ذلك لفرنسا ، بعد اضطرابات فيها ، وتضع بدلا منك الجنرال كليبر ، قائدا على الحملة فى مصر ، لكن للاسف ....
نابليون بونابرت ( يتسائل فى غضب )
ــ  لكن ماذا .. أكملى سيل الكوارث
جاسمين ( تشرح متوجسة )
ــ  لكن .. لكن سيقتل كليبر ، على يد شاب أزهرى سورى 
نابليون بونابرت ( فى غضب )
ــ  ما اسمه قولى والا ....
جاسمين ( ترتعش )
ــ  إسمه .. إسمه سليمان الحلبى ، شاب صغير من حلب فى سوريا
نابليون بونابرت ( فى ثورة ، وقد إحمرت عيونه )
ــ  قولى من حرضه 
جاسمين ( تتراجع وهى ترتعد )
ــ  شيخ من شيوخ الأزهر ، كان يتعلم على يديه ، أفتى .. أفتى بقتل الجنرال كليبر 
( هنا يثور نابليون بونابرت ، ويلقى بالعصا على الأرض ، ويصرخ مناديا الجنود ، الذين بالخارج ، فترتعد جاسمين وتبكى ، وهى تقرأ الشهادتين 
يدخل جنديان مسرعان ، وهما ممسكان بسلاحهما ، منتظران أوامر قائدهما )
نابليون بونابرت ( يصرخ فى الجندىان )
ــ  يقبض على كل طلبة الأزهر ، السوريين فى مصر ، ويتم التحقيق ، مع كل شيوخ الأزهر ، حول تآمرهم على رجالات الحملة ، وتوضع حراسات كاملة ، لحماية جنرالات الحملة ، وعلى رأسهم الجنرال كليبر 
( لأحد الجنود )
إذهب أنت لتبليغ الأوامر الجديدة ، وزميلك الآخر يظل واقفا بسلاحه ، لأنكم ستسمعون أخبارا سيئة ، عن تلك المتسللة 
( تتراجع سرمداء للخلف ، فتكاد تصطدم بالجندى ، الذى شهر سلاحه ، وإستعد للبطش بها ، يقترب منها نابليون فى تحفز ، ويمسك بها من بلوزتها ، فتشهق مرتعبة ، ويسقط كلبها على الأرض ، وهو ينبح فى فزع )
كل أخبارك سيئة ، هل كل أخبار التاريخ سيئة .. أجيبينى 
( يتركها ويعطيها ظهره ، فتحمل كلبها ثانيا فى إرتعاد )
أنا .. أنا لا اصدقك .. لماذا يحاول سليمانك الحلبى هذا ، قتل الجنرال كليبر 
( يلتفت لها ويصرخ )
لنفكر بطريقة المتآمرين ، من الأهم ، ما دام هو فى مصر ، وإختمرت الفكرة فى ذهنه ، أن .. أن يقتلنى أنا لا كليبر   
( ترتعد جاسمين ، ولا تستطيع التفوه بأى كلمة ، وهو ينظر لها بكل غضب ، وقد جن جنونه )
تكلمى أنت .. أنت مشتركة فى تلك الموامرة ، مع شيوخ الأزهر وسليمانك الحلبى .. هل .. هل هو زوجك .. خطيبك حبيبك ، إنكم متامرون ، لقتل كل قواد الحملة الكبار 
( تسيل دموع سرمداء ، وقد لاحت نهايتها )
إنك .. إنك إمراة مملوكية أظن .. أظن أنك إحدى جوارى أم المماليك ( نفيسة المرادية ) ، أم المماليك ، زوجة ( على بك الكبير ) ، مناوئى الهارب ، بمماليكه فى الصعيد ، إنكم جميعا متآمرين ، على الجمهورية الفرنسية 
( تشير باكية جاسمين ، بالنفى بكلتا يديها ، فيسقط كلبها منها ثانيا ، ويظل ينبح وينبح ، فيصرخ نابليون ، فى الجندى المرابط خلفها )
 خذوها إلى الخارج ، وعلقوها عارية ، فى أعلى عامود خشبى ، فوق الطابية ، وإضربوها بالسياط ، حتى يتمزق جسدها ، لتفصح بعدها ، عن سر تواجدها معنا ، فى الطابية ، مركز القيادة السرى  
( تصرخ جاسمين ، باكية متوسلة ، للقائد نابليون بونابرت ، وقد أعطاها ظهره ، ثم تلتقط كلبها ، من على الأرض ، والجندى يجرها جرا للخارج ، بكل قسوة ، وقد لاحت نهايتها ، وهى تبكى وتتوسل ، بلا جدوى 
بعدها يتغير المشهد ، إلى خارج الغرفة ، فوق سطح الطابية ، كما كانت فى البدء ، وقد وقفت ترى الجنود ضاحكين ، يربطون عامود خشب طويل ، فى حجارة الطابية تجاه البحر ، ليعلقوها عليه عارية ، وهم سعداء يصخبون ، فى هوس جنسى 
فما كان منها من هول المشهد ، قبل أن يمزقوا ملابسها ، ويغتصبوها ويقطعوا لحمها ، إلا وان غافلتهم ، وقفزت وهى تحمل كلبها ، من فوق الطابية ، لتسقط فى البحر وسط الظلام الدامس 
فيذهل الجنود من سرعة ، قفزها فى الماء ، ولا يستطيعون فعل أى شىء ، إلا الهمهمة بأصوات عالية ، فيخرج القائد نابليون بونابرت ، على لغط أصواتهم ، من غرفته ، متسائلا محتدا عليهم )
نابليون بونابرت ( فى غضب ودهشة )
ــ  ما الذى حدث ، هل قتل المتسللة أحدكم ، لم آمر بقتلها يا أغبياء
جندى جان فيليب ( يشير مذهولا ، إلى الماء الشديد الأمواج )
ــ  لقد قفزت ، تلك المتسللة المجنونة ، فى المياه 
جندى بيتريش ( مندهشا غير مصدق )
ــ  ستموت غرقا ، لقد أرهبها الموقف ، هربت من موت إلى موت 
( ينظر نابليون بونابرت فى الماء ، ويفكر قليلا )
نابليون بونابرت ( فى تفكير )
ــ  لن تغرق ، لابد إنها سباحة ماهرة ، ستسبح للجانب المجاور للطابية ، وتحاول بعدها الـ .. الفرار ، إما للسوق الشعبى المجاور ، أو .. أو لعالمها المستقبلى ، كما إدعت عالم القرن 21 
( يشير نابليون لجنوده )
الصباح سيبزغ بعد ساعات ، أرسلوا جنودا إلى السوق الشعبى ، المجاور للطابية ، على بعد خطوات ليست بقليلة ، ملابسها ستكشفها ، وكلبها الأبيض الأوربى الغريب ، الذى تصر على حمله ، سيوقع بها ، أريد القبض عليها صباحا ، عندما يكتظ السوق الشعبى بالناس ، فهم مثرثرين ، ويسهل مع لغوهم ، إيجاد مكانها ، إنهم شعب طيب ثرثار ، يتحدثون مع أى أحد ، عن أى أحد ، لا تعودوا إلا بها حية ، مكبلة بالأصفاد ، فهى تعرف الكثير عن المستقبل ، وهذا يعجبنى ويهمنى ، لأرسم خططى حسب قصصها المستقبلية  

ستار

                                      المشهد الثالث
هروب وسط سوق شعبى

( يرفع الستار ....
يرى مشهد للسوق الشعبى ، المجاور للطابية ، على بعد خطوات ليست بقليلة ، الصباح قد حل ، والشمس تشرق بصعوبة ، وسط كتل السحاب 
الناس يسيرون فى السوق ، يروحون ويغدون ، وعلى جانبى السوق ، المنازل التى لا يزيد إرتفاعها ، عن أربعة طوابق ، تزينها المشربيات المغلقة 
الباعة جالسين على جانبى السوق ، يبيعون كل شىء ، يتصوره الإنسان ، رجال بسطاء فى زى القرن 18 ، ونساء يرتدين الملابس البلدية ، ويغطين وجوههم الا القليلات     ما ندر ، يرى مابين خمسة ، إلى عشرة اشخاص ، يمرون ببطء ، وهم يتفحصون البضائع ، المفروشة على الأرض 
وسط العشرات من المارة ، ترى الفتاة جاسمين ، تمر وسطهم مرتعشة ، وهى تحمل كلبها الأبيض فرنسيس ، المنكمش هو الآخر 
تخفى هروبها بصعوبة ، تسير فى المجهول ، وقد ارتدت رداء إمرأه مملوكية ، أسود لامع طويل ، يبدو أن أحد ما أعطاه لها ، تعاطفا معها ، تغطى رأسها بشال أسود ، كنساء المماليك الميسورات ، تسير وقد أعياها الهروب ، متخفية عن الأنظار 
تتلفت حولها من الخوف ، ولا يشعر بها أحد ، تظل سائرة حتى أخر السوق ، تسير حائرة بلا هدى ، ثم تختفى عن الأنظار 
بعدما يقرب من نصف دقيقة ، يرى الجنود الفرنسيين ، يترجلون فى عجلة،  أكثر من 15 جندى ، شاهرين الأسلحة ، ومعهم رجل مصرى ، يرتدى الملابس البلدية 
يترجم للجنود أحاديث العامة ، يتحدث الفرنسية والعربية بطلاقة ، يعمل مع جيش الحملة الفرنسية ، منذ قدومها ، لا يألفه الناس ، ينظرون له بإستنكار ، فهو فى نظرهم عميل خائن 
يشير أحد الجنود له ، بسؤال إحدى البائعات الفقيرات ، التى تبيع الخضراوات الطازجة ، فيتوقفون عندها ويخاطبها المترجم )
المترجم ( يشير لها ، على الجندى الفرنسى )
ــ  يا إمراة .. أنا أعمل مع الحملة الفرنسية ، السيد الجندى هذا يسالك ، هل رأيت إمراة ملابسها غريبة ، تحمل كلبا أبيضا ، لك مكافاة مالية كبيرة ، إن أرشدت عنها      
بائعة الخضراوات ( تشير فى بساطة ، إلى أول السوق )
ــ  نعم .. نعم إنها عيوشة ، أم الولد سليمان أبو عين ، سمى بذلك لأنه أعور ، مرت على ومعها زوجها سعدالله ، بائع العيش الملفوف السورى ، وولدها المبروك على كتفها ، وكانت تجر حمارها الأبيض ، هى تسكن فى الزقاق المجاور ، هل فعلت شىء ، لا سمح الله للفرنسيس   
( يترجم الرجل ، للجندى الفرنسى ما قالته ، فيصيح فى غضب ، أن مع المراة الهدف ، كلب لا حمار ، فيغادروها إلى بائع آخر عجوز ، يبيع الأوانى النحاسية ، يخاطبه المترجم )
المترجم ( يشرح له )
ــ  يا عم .. هل مرت أمامك ، إمراة ملابسها غريبة ، تحمل كلبا أبيضا ، توجد مكافاة كبيرة ، لمن يرشد عنها
بائع الأوانى النحاسية ( يشير فى غضب )
ــ  نعم نعم ، إنها البنت شلبية ، إبنة ابو سالم ، الطويلة اللسان ، بنت عمرها 12 عام ، كانت تحمل حملها الأبيض ، وتجر ورائها ماعز صغير بحبل ، إن ابوها حداد صانع أسلحة ، سكاكين وسواطير وقواديم ، وأمها ميتة منذ سنوات ، لقد سبتنى إبنة الملاعين وجرت ، إنها تسكن فى عطفة البصاصين هناك ، قل لى هل سرقت شىء ما ، من السيد الجندى ، هل سبت سارى عسكر بونابرته ، أم ماذا
( الرجل يترجم للجندى الفرنسى ، ما قال البائع العجوز ، فيصيح فى ثورة ، أن الهدف إمراة لا طفلة ، وتحمل كلب      لا حمل ، فيغادروها إلى بائع آخر ، شاب صعيدى يبيع المشغولات ، المصنوعة من جريد النخيل ، يخاطبه المترجم فيشيح بوجهه ، لأنه لا يتعامل مع الفرنسيس ، ولا اعوانهم ، فيترجم الرجل للجندى ، فيصرخ من الغضب ، ويتجاهله الشاب البائع بكل جرأة ، ويظل الجنود يوقفون المارة ، والنساء بعنف ليتفحصوهم ، البعض يتعامل معهم ، والبعض الآخر ، يرفض أسلوبهم الفظ ، ويسب الرجل المترجم ، بأنه خائن لمصريته ، قد باع نفسه لجنود الحملة 
الناس بدأت تضج منهم ، وتصرخ وتحتك بالجنود ، يلتف المارة تدريجيا حولهم ، ويبدئوا فى الغضب الجماهيرى ، وتعلو الأصوات وتمتد الأيادى ، والجنود يعاملوهم ، بعنف مدافعين عن أنفسهم 
وتحدث مع مرور الوقت ، حالة من الهرج والمرج ، فيخرج الرجال من المنازل ، بالعصى والأسلحة البيضاء ، والأطفال يمطرونهم بالحجارة ، لقد انتشر خبر المرأة ، ذات الكلب الهاربة من الفرنسيس ، ويبدو أن أحدا ما ، يساندها سرا  
تصيح فيهم الحشود ، وتظهر النساء من المشربيات ، بكل جراة صارخين ، مهددين بالإنتقام ، ويلقون عليهم الماء والقاذورات 
والجنود قد رفعوا أسلحتهم ، لأعلى مهددين ، لازالوا يسالون عن المرأة ، صاحبة الكلب فى جنون ، فيصيح جميع العوام والنساء ، بصوت فيما يشبه الصراخ )
 الجميع ( فى صوت واحد متداخلين )
ــ  لا توجد إمراة عندنا ، تحمل كلبا أبيض ، وإن وجدت لن نسلمها لكم ، هيا إغربوا عن بلادنا ، يا جيش الشؤم 
( يحيط العامة بالجنود ، ويحدث تشابك بالأيدى ، والجنود يصوبون الأسلحة عليهم ، ويستغيثون بزملائهم ، فى عبارات فرنسية 
فترى المراة ( جاسمين ) ، تمر خلفهم مرتعشة ، من آخر السوق ، وهى تحمل كلبها الأبيض فرنسيس ، تحاول إخفائه فى ملابسها 
تتجاوز المعركة بصعوبة ، إلى أول السوق ، ولا يشعر بها الجنود ، المنهمكين فى إبعاد الناس عنهم ، وإطلاق النيران فى الهواء ، والإستغاثة بزملائهم ، فى الشوارع المجاورة ، وقد وقع الصدام بينهم ، وبين الأهالى  
وقد إرتدت الفتاة جاسمين ، رداء إمراة مملوكية ميسورة الحال ، يبدو أن أحد ما أعطاه لها ، تعاطفا معها ، تخفى وجهها ، بشال أسود لامع ، تسير فى المجهول ، متخفية عن الأنظار 
إلى حين حدوث معجزة ، تعيدها إلى عالمها ، عالم القرن 21 ، ويبدو أنها قد ضاعت ، بالفعل فى الزمن ، لكن لا ننسى أن بُعد الزمن ، قد أرسلها من عالمها ، إلى زمن قديم منصرم ، صفعاته قاسية  
وقد يعيدها فى أية لحظة ، إلى زمنها المستقبلى ، لتفلت من بين أيادى نابليون بونابرت ، وجنود حملته العسكرية )

                                                      ستار
تمت بحمد الله
أحمد إبراهيم الدسوقى
بكالوريوس إعلام
جامعة القاهرة
ahmeddsoky0101@gmail.com
ahmeddsoky107@gmail.com
القاهرة
مصر
2021
  

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption