"جبل البنفسج".. مسرحية سورية تُشرك الأطفال في صياغة الحكاية
مجلة الفنون المسرحيةدمشق – يقوم العرض المسرحي السوري الموجه للأطفال “جبل البنفسج”، تأليف نورالدين الهاشمي وإعداد وإخراج خوشناف ظاظا، على تحقيق عنصر التفاعل بين الجمهور والممثلين على الخشبة في تأكيد لمقولة أوغستو بوال “المسرح ليس مجرد قصة وحدث، وإنما هو أسلوب حياة”.
واستطاع ظاظا منذ اللحظات الأولى أن يستقطب اهتمام جمهور الأطفال مادا جسور التواصل معهم باستمرار، بداية بكسر الإيهام وتوطيد العلاقة معهم عبر دعوتهم المباشرة من خلال أسلوب الراوي إلى متابعة العرض، وذلك بمرافقة موسيقى من إعداد حسين إبراهيم وأغان من ألحان سليمان أسعد ساهمتا في تحقيق التفاعل مع الأطفال وتحفيزهم على متابعة تفاصيل العرض.
أما الجسر الآخر الذي مدّه المخرج عبر مسرحيته للأطفال فكان من خلال التنويع في تمظهرات الحكاية، فمرة نشاهد ممثلين على الخشبة، ومرة أخرى نشاهد دمى متحركة، ومرة ثالثة نلاحظ ما يشبه خيال الظل، وذلك لمتابعة كيف بلغ الطمع بوزير المملكة حد أن يتخلى عن جبل البنفسج وساكنيه مقابل مكاسب مادية هي عبارة عن كرة ذهبية وقناع فضي وعقد من اللؤلؤ والألماس.
الطمع دفع الوزير مع مساعده “فهيم” إلى التقنّع والظهور كوحشيْن ليخيفا سكان الجبل بغية إخلائه من أجل تسليمه خلال مدة شهر للملك الأسود الطامح للاستيلاء على هذه البقعة الجميلة من المملكة. لكن هذه المساعي باءت بالفشل بفعل المحبة التي أبداها قاطنو ذاك الجبل وتعاونهم من أجل درء هذا الخطر المحدق بمملكتهم، كما كان لجمهور الأطفال دور في إفشال خطة الوزير ومساعده، عبر تحذيرهم السكان من أفعالهما الدنيئة.
التواصل مع جمهور الأطفال استمر طيلة فترة العرض بتعزيز من تقنيات مختلفة، حيث أن الممثلين لم يكتفوا بالخشبة مكانا لحركتهم، بل كانوا يخترقون باستمرار صفوف المتفرجين، إضافة إلى طرح الكثير من الأسئلة على الأطفال عن أنواع الخضروات والفواكه وسبل إفشال خطة الوزير.
وتمتعت المسرحية بالكثير من الطرافة من خلال الأشخاص الذين كانوا يمثلون الشر، ورغم ظرفهم لم يتوقف الأطفال عن إدانة أفعالهم الشريرة عند إخافتهم الفلاحين، بل على العكس شاركوا مع الممثلين في صياغة خطّة للإيقاع بالوزير ومساعده عبر استدراجهما إلى سلّة من الطعام والفاكهة بعدما أنهكهما الجوع، وهنا قام الممثلون والبعض من جمهور الأطفال برمي الشبكة عليهما ثم ربطهما بالحبال، كما شاركوا أيضا في إصدار الأحكام عليهما بمساعدة الملكة، حيث عاقبوهما بداية بالرقص على أنغام الموسيقى ثم بتنظيف جبل البنفسج لمدة شهر.
والجميل في العرض ذاك التواشج العميق بين عناصره المختلفة، من إضاءة إياد العساودة وصوت راكان عضيمي وأزياء وديكور محمد خليلي، ما جعل “جبل البنفسج” يحقّق أقصى قدر من المتعة، لاسيما مع الأداء المتقن لكل من الممثلين: نجاح مختار، أحمد الخطيب، علاء الشيخ، مادونا حنا، هديل عبدالقادر، طيبة الرحبي، خوشناف ظاظا، والممثلة ومحركة الدمى رندا الشماس.
ويقول مخرج العمل خوشناف ظاظا “يقع إمتاع الأطفال في أعلى قائمة أولوياتي أثناء التحضير للعرض وزرع الفرح في قلوب الحاضرين إلى جانب مجموعة الأفكار الأخلاقية والتربوية، لأن رسالة أي عرض موجه للطفل لن تتحقّق دون عنصر المتعة”.
ويضيف عن التوليفة التي صاغها من خلال “جبل البنفسج” “لم أكن لأستطيع تحقيق أي شيء لولا الجهد الجماعي الذي قدّمه الجميع في هذا العرض. ولعل التنويع بين مسرح الطفل للطفل ومسرح الكبار للأطفال، مع مسرح الدمى والعرائس وخيال الظل، ساهم إلى حد كبير في زيادة جاذبية هذا العمل وإيصال أفكاره بطريقة تفاعلية كبيرة”.
أما في ما يتعلق بالآلية التي يشتغل عليها فيوضّح “أسعى لأن تبدو محبة تفاصيل العرض لدى جميع العاملين فيه، وأن يُظهروا جميعا الأطفال في دواخلهم، لأنه دون ذلك لن نستطيع التواصل الصحيح مع جمهورنا، ولن نحقّق التأثير المرتجى. لذا أحاول أن أرسّخ لدى الجميع، وأولهم أنا، فكرة أن المسرح أسلوب حياة أولا وأخيرا”.
خوشناف ظاظا: رسالة أي عرض موجه للطفل لن تتحقّق دون عنصر المتعة
وعن العرض الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقى بسوريا قال ظاظا إنه “يتناول حب الوطن والدفاع عنه ضد الغرباء، موضحا أن استخدام المسرح التفاعلي لتقديم العرض كان بغرض تعميق الفكرة وانسجام المشاهد معها من خلال تفاعله مع الممثلين على المسرح ومعرفة مدى تفاعل الطفل مع الفكرة وكيفية فهم المسرحية”.
ويظهر هذا التفاعل مع كل عرض من خلال صعود الأطفال بكل عفوية إلى المسرح للدفاع عن جبل البنفسج وعن أرضهم من الأشرار، فنجاح المسرح التفاعلي في رأي ظاظا “لا يقوم على خطاب المشاهد أو الطفل وتوجيه أسئلة له ليجيب عنها، بل على الوصول إلى لحظة يتحوّل فيها الطفل المشاهد إلى ممثل مشارك في العمل ويضع النتيجة والنهاية للحدث”.
وأشار الفنان فرج عمر، الذي قام بدور فهيم مساعد الوزير في العمل، إلى أهمية المسرح التفاعلي في إذكاء ملكات الطفل الفكرية والحسية على حد السواء، بما يجعله عنصرا فاعلا في العمل لا مجرّد مُشاهد سلبي، فيعبّر عن شعوره بالفرح أو الغضب من خلال تفاعله المباشر والحي مع أحداث القصة وتطوّرها، بل ويساهم فيها أصلا.
ورأت الفنانة مادونا حنا التي شاركت بأكثر من دور في العرض أن الممثل الذي يؤدّي للطفل يجب أن يعمل على شد انتباهه والاهتمام به وعدم تجاهله، والتركيز على عدم التطويل والإيجاز حتى لا يشعر الطفل بالملل، وينبغي التعامل معه على أنه شخص واع له كيان، كما يتحتّم أيضا عدم مخاطبته بلغة متعالية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق