ماكبث والليدي ماكبث ..تداعيات الخطيئة على قلب كلا منهما / أميرة أحمد
مجلة الفنون المسرحيةماكبث والليدي ماكبث ..تداعيات الخطيئة على قلب كلا منهما / أميرة أحمد
قرأت مسرحية (ماكبث) لشكسبير في المرحلة الثانوية، وأخذت انطباعا عاما في حينه أن الليدي ماكبث هي الشرير الرئيس في المسرحية، وأنها هي من تتحمل وزر ماكبث حين أغوته فأتم جريمته. ومن يومها انقطعت صلتي بماكبث شكسبير.
خلال العام السابق، شاهدت فيلم ماكبث الصادر سنة 2015، وهو من إخراج المخرج الأسترالي (جاستن كوزيل)، وتمثيل الممثل الأيرلندي مايكل فاسبدر في دور (ماكبث)، والممثلة الفرنسية ماريون كوتيار، في دور (الليدي ماكبث)، والإنجليزي شون هاريس في دور (مكدف). وكان عرضا ممتعا، ومتميزا إخراجا وتمثيلا.
أغراني الفيلم لمشاهدة عروض أخري لماكبث، كما أعطاني الفيلم انطباعا أردت أن اختبر صدقه بقراءة النص المسرحي الأصلي، فاستقر بعد قراءة النص الانطباع لدي وتعمق.
لقد اقترن تفسير النص بأسطورة أو قصة آدم والمعصية الأولي طبقا للرؤية المسيحية عن الخطيئة، فالساحرات (يمثلن الشيطان المتنكر في صورة الحية)، ظهروا لماكبث (آدم) وهو في أرض المعركة، وألقوا عليه نبوءتان عن مستقبله، الأولي: أنه سيصبح لورد كاودور، والثانية: أنه سيصير ملكا. تحققت النبوءة الأولي ومازال ماكبث في أرض المعركة، فتثار نزعة الطمع بداخله في محاولة نزع الفضيلة عنه، ويرسل ماكبث خطابا لزوجته الليدي ماكبث (حواء) بنبوءة الساحرات، التي تصيبها الغواية على أثر ذلك، وتصير عازمة لتحقيق النبوءة الثانية بيدها، لا انتظار تحقيقها قدرا، بل أرادت أن تمثل هي وزوجها يد القدر، وحين يتملك ماكبث التردد، تكون هي شديدة العزم عنه وقوية، لتدفعه نحو جريمة قتل الملك، فتتحقق نبوءة الساحرات ويصبح هو الملك.
إلى هنا يبدو الأمر متعلق بقصة آدم وحواء والمعصية، وتبدو هنا التفاحة ليست تفاحة المعرفة بل الطمع، التي كانت مدخل الإنسان للمعصية. وإلى هنا تبدو (الليدي ماكبث) هي المتهم الأول الذي دفع المتهم الثاني (ماكبث) للجريمة.
فماذا حدث بعد السقوط في الخطيئة الأولي (ارتكاب الجريمة الأولي بقتل الملك دنكان)؟
لم تهدأ نفس الليدي ماكبث، حاولت الليدي ماكبث تجاوز الخطيئة الأولي ولم تستطع أو لم يعطيها ماكبث (آدم) الفرصة لتهدأ وتتجاوز جريمتهما، بل لم يتوقف واشتبك في جرائم أخرى، من قتل وطغيان، لم يفلت منها حتى الأطفال والنساء، وهكذا طغي وتكبر، أما حواء (الليدي ماكبث) التي كانت تبدو أشد قوة وبأسا من (ماكبث) قبيل ارتكاب جريمتهما الأولى، فلم تحتمل، لم تتحمل أعصابها سلسال الدم وهي لم تهدأ بعد من الجريمة الأولي فجنت وماتت فيما يبدو أنه كان انتحارا.
ماتت الليدي ماكبث من ثقل الذنب الأول، وذنوب أخري متتابعة صنعها زوجها وحده، وحين ثقل الأمر على قلبها، صارت تهذي قبيل موتها وتقول:
(ألا يتنسي لي أبدا تنظيف هاتين اليدين...هذه اليد على صغرها لا تطهرها جميع الأعطار العربية)
كانت تنادي كما يبدو على ماكبث، لا تعلم أهي تعيد تمثيل الجريمة الأولي، أم هو نداء رجاء، وأملا في راحة القلب المرهق، كانت تهذي وتقول:
) أعطني يدك. ما مضى فقد انقضى. إلى السرير، إلى السرير، إلى السرير. (
وماتت (الليدي ماكبث). أما (ماكبث)، فعلي العكس أصابه التكبر وجنون العظمة وظل في طغيانه رغم بيان انهزامه حتى قتل في النهاية، رغم أنه علم أن الشياطين أغوته، وها هو يعترف بالقول:
) لا يحسن، بعاقل منذ اليوم أن يصدق الشياطين الخداعين، الذين يغروننا بألفاظ ذات معنيين، فيسرون آذاننا بالمواعيد، ثم يخيبون آمالنا).
ورغم بيان أنه يصنع شرا، وأن الشياطين أغوته لذلك، لم يسلم بل أصر على طغيانه، حتى مع بيان انهزامه:
(أأسلم أنا فأقبل التراب تحت قدمي الفتى ملكولم؟ وأعرض لإهانات السوقة.... فلأكافحنك إلى النهاية) ماكبث
0 التعليقات:
إرسال تعليق