مسرحية " ابن جلا "تأليف محمود القليني
مجلة الفنون المسرحية أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني
الشخصــــــــــــيات :
الحجاج بن يوسف الثقفي ...........................والي العراق في عهد الدولة الأموية .
كليب .................................................قرين الحجاج .
تياذون ..............................................طبيب الحجاج .
ثيازون ............................................طبيب الحجاج .
رجال الحجاج :
يزيد بن أسلم
قتيبة بن مسلم
طارق بن عمرو .
عباد بن الحصين .
سعيد بن أسلم .
رئيس حرس الحجاج .
جارية الحجاج .
ساقي الحجاج
يحيى بن منقذ .
عبد الله بن الزبير .................................أمير المؤمنين على الحجاز .
أسماء بنت أبي بكر ................................أم عبد الله بن الزبير .
رجال عبد الله بن الزبير :
عبد الله بن صفوان .
بن عبد الرحمن .
مسورة بن مخرمة
المكان : ما بين مكة والعراق .
الزمان : 73 هجرية .
الفصــــــــــــل الأول
المشهد الأول :
يجلس (الحجاج بن يوسف الثقفي) في مقر حكمه في قصره بمدينة( واسط) في بغداد، يطالع كتابا ، يدخل عليه الحاجب معلنا عن وصول طبيبه ( تياذوق) .
تياذوق : ( يحمل عددا من القناني ) لقد جئتك الليلة بدواء فيه الشفا ء الناجع لكل ماتشكو منه .
الحجاج : ( يمس بيده على بطنه ) كل تلك القناني لن ينفعني ما بها من دواء .
تياذوق : ( يتقدم نحوه ) لماذا القنوط يا سيدي و ...
الحجاج : ( ينهض ويربت على كتفه مقاطعا ) ليس قنوطا ..ولكنها الحقيقة ، إني أتناول دواءك من سنوات ، إلى أن أصبح الدواء نفسه مصدر ألم ومعاناة ، وهذه إمارة أنت تعرف ما وراءها .
تياذوق : ( ناظرا إلى القناني بيده متعجبا ) لقد عالجت الكثير من الأمراء والملوك ولم يشك أحد في نجاعة الدواء .
الحجاج : ( يعود إلى مقعده ) دعك من جسدى المتهالك وداوئك الفاسد ..إني أريد دواءا يجعلني أنام ، فليلي أصبح أطول وأثقل من ليل ( امرئ القيس ) .
تياذوق : ( مندهشا ) وما الذي يبعد النوم عنك ؟!
الحجاج : ( يحدق في زوايا المكان المظلمة ) إنهم يطاردونني ، يجعلون النوم جحيما لا يطاق ..النوم عند الناس راحة وأمن وعندي صار هما وعذابا .
تياذوق : ( يقترب منه متعجبا ) من هؤلاء الذين يطاردونك ؟!
الحجاج : ( نافد الصبر) وكيف أعرفهم ؟!
تياذوق : من وجوههم !
الحجاج : ( مذعورا ) إنهم مقطوعو الرؤوس ، ومع ذلك يتحدثون فيما بينهم ، وينظرون إلي ويجرون ورائي ويلاحقونني إلي أي مكان أذهب إليه .
تياذوق : على ما بيدوا هناك ثأر بينك وبينهم .
الحجاج : ( يمس على عنقه ) إذن هم يريدون قتلي كما قتلتهم ؟!
تياذوق :( مندهشا ) أأنت قتلتهم ؟!
الحجاج : وفيما يطاردونني ياهذا؟!
تياذوق : وفيما قتلتهم ؟!
الحجاج : أتصدقني لو أخبرتك أنني لا أعرف السبب الذي من أجله قتلتهم !
تياذوق : تجهل السبب أم تتجاهل وتتناسى ياسيدي ؟
الحجاج : ( ينهض ويدور حول نفسه ) صدقني ..أمور كثيرة انمحت من ذاكرتي ، حتى ما بقي منها فهي أحداث ضبابية ورمادية ، ملامحها مطموسة وأجزاؤها مبتورة ..وكأنني رجل فقد ماضيه وضل عنه تاريخه .
تياذوق :هذا شأن الأحلام ، أحداثها غامضة ولا رابط يربط بين أجزائها و ...
الحجاج : ( مقاطعا ) إنها ليست أحلاما ..ما أراه تجاوز الأحلام إلى الحقيقة ...انتقل من النوم إلى اليقظة .
تياذوق : ( مندهشا ) أتحلم وأنت مستيقظ ؟!
الحجاج : ( غاضبا ) قلت لك ليست أحلاما .
تياذوق : ( متعجبا ) إذن ماذا تكون ؟ !
الحجاج : (يقف ، ويتجه خلف كرسيه ) لا تنظر إلى كما تنظر إلى من فقدعقله ، لم أجن ، ولكن لو استمر الأمر ، قد أجن وأفقد عقلي .
تياذوق : ( يضع ما بيده على المنضدة مشيرا إلى الكرسي ) ما لا يعرفه الكثيرون أن العقل يمرض كما يمرض الجسد ، ولكل دواء .
الحجاج : ( يجلس متحسسا جبينه مندهشا ) العقل يمرض !!
تياذوق : نعم ، دعنا نتأمل ما قلته بهدوء وروية ، أنت ترى في أحلامك أو كما تقول في الحقيقة من يطاردونك ليثأروا منك ، وأنك حينما سألوك لم قتلتهم ،لم تعرف الإجابة لآنك نسيت كل شيء ، وهناك أمور كثيرة نسيتها وما تتذكره لا تدري السبب والدافع لفعلك لها ، وأنك لم تعد تفرق بين ما تراه في الحقيقة وما تراه في النوم .
الحجاج : ( شاردا ) صارا شيئا واحدا .
تياذوق : منذ متى ؟
الحجاج : ( يتحسس جبينه ) منذ أن ثقلت العلل على جسدي، وأمر آخر لا أريدك أن تصرح به لأحد .
تياذوق : ( يقترب منه ) ما هو .
الحجاج : ( يخفض من صوته ) الموت !
تياذوق : ( مندهشا ) ما شأنه ؟!
الحجاج : أفكر فيه كثيرا ،وأشم رائحته في كل مكان ، وأرى ظله حولي .
تياذوق : ( يجمع القناني من على المنضدة ) أمور كثيرة تشكو منها ، لا علاج لها عندي .
الحجاج : ( محبطا ) هل حالتي ميئوس منه إلى تلك الدرجة ؟!
تياذوق : من قال ذلك ؟!
الحجاج : ألم تقل إن ما أشكو منه لا علاج له عندي ؟
تياذوق : نعم ، لا علاج له عندي ،وإنما قد يكون عند غيري .
الحجاج : ( مندهشا ) عند غيرك ؟!
تياذوق : لي صديق يدعي ( ثيازون ) أظن قد يفيدنا في حالتك تلك .
الحجا ج : ( متلهفا ) لتحضره على الفور .
تياذوق : للأسف إنه في (خراسان) .
الحجاج : أرسل إليه وليأت على وجه السرعة .
تياذوق : ( يستدير متجها نحو الباب ) سأرسل إليه ، وأرجو أن يكون لديه الدواء الناجع لحالتك .
الحجاج : (يستوقفه) ما تحدثنا فيه سر لا يطلع عليه أحد .
تياذوق : ( مبتسما ) وهل أنت أخبرتني بشيء .
الحجاج : ( يصطحبه إلى الباب ) إني أتحمل كل شيء إلا أن يُقال إن (الحجاج) فقد عقله .
تياذوق : ( يربت على كتفه ) لست من الرجال الذين يفرطون في عقلهم ، وإن شاء الله سيكون عند ( ثيازون ) الدواء الناجع لكل ما تشكو منه .
إظلام .
المشهد الثاني
يجلس (الحجاج بن يوسف الثقفي) في مقر حكمه في قصره بمدينة ( واسط ) بالعراق ، بقعة ضوء تحيط به ، وبقية المكان ظلام دامس ، يصيخ السمع لصوت خطوات تقترب منه ، يدقق النظر في الظلام أمامه يتحرك بقلق في مقعده ، وقبل أن ينهض يتقدم منه شخص
الشخص :طبت مساء يا ابن جلا .
الحجاج : ( يتفرس في الظلام ) من أنت ؟ ومن الذي جرأك لتدعوني بهذاالاسم ؟!
الشخص :لم أكن أعرف أن الاسم يغضبك ، وأنت الذي أطلقته على نفسك !
الحجاج : ( يقف ويتقدم خطوات ) أترك منطقة الظلام ، وتعالى هنا في النور لأراك وأتبين ملامحك حتى أعرف مع من أتحدث .
الشخص : ( ساخرا ) أي نور هذا الذي تتحدث عنه ، لقد أظلمت حياتك كلها .
الحجاج : ( غاضبا ) لا شأن لك بحياتي ، وأخبرني من أنت وإلا أمرت بقتلك .
الشخص : ( مندهشا ) تأمر يقتلي !!..أنت حتى لاتعرفني... أتقتل من لا تعرفه ؟! ..ولم لا لقد قتلت الكثير والكثير ...قد يغفر الله لك كل ما فعلته إلا القتل ..إلا القتل يا ابن جلا .
الحجاج : (يقف ويتقدم نحو الباب ) أنت مصرٌ على أن تُقتل يا هذا .
الشخص : أنت تستطيع أن تقتل من تشاء ..إلا أنا ...فأنت أشد ما تكون عجزا حتى أن
تمسني مجرد مس .
الحجاج : إن كنت لا أعرفك فأنت تعرفني حق المعرفة ..وتعرف أن قتل الآخرين من أيسر الأمور وأهونها على نفسي ..وما هي إلا لحظات ويكون رأسك بين قدميك .
الشخص : ( ضاحكا ) أتحداك أن تنجح في قتلي
الحجاج : ( يقترب من الباب ) أيها الحارس..
الشخص : (مقاطعا ) لم تسألني با ابن جلا لماذا لا تستطيع قتلي ؟
الحجاج : لا يوجد إنسان على ظهر الأرض ....
الشخص : ( مقاطعا ) إلا أنا .
الحجاج : (مندهشا ) إلا انت ! لماذا ؟!
الشخص : لأني أنا هو أنت .
الحجاج : لا شك أنك مجنون لتقول هذا ...إن لم ترني وجهك سوف ..
الشخص : ( يتقدم إلى مساحة النور ) سوف أريحك يا ابن جلا .
الحجاج : أزح اللثام من على وجهك .
الشخص : ( يزيل اللثام ) ها أنذا ...ابن جلا وإن شئت (الحجاج بن يوسف الثقفي) أو
لتدعوني ( كليب ) ..أه ..من الآن لتدعوني ( كليب ) .
الحجاج : ( يصرخ ممسكا رأسه ) لا أنا في حلم ...ما أراه ليس حقيقية .
الجارية : ( تدخل مذعورة ) سيدي أتريد شئيا ؟
الحجاج : ( غاضبا ) ما الذي جاء بك في تلك الساعة أيتهاالحمقاء ؟
الجارية : ( مذعورة) كنت مارة بجوار الباب فسمعتك تصرخ و ..
الحجاج : ( غاضبا ) وأين الحارس بالباب ؟!
الجارية : ( مترددة ) إنه ..إنه نائم ولم يلحظ دخولي .
الحجاج :الويل له ..سوف أمر بقطع رقبته .
كليب : ( ضاحكا ) أيسر شيء قمت وتقوم به في حياتك ..قطع الأعناق .
الحجاج : أتظنني قد اقتنعت بكلامك أيها الكذاب الأشر .
الجارية : ( تحدق فيه ) إلى من تتوجه بالكلام يا سيدي ؟!
الحجاج : ( غاضبا ) ألا ترين من يقف بجوارك أيتها الجارية البلهاء.
الجارية : ( تتلفت حولها ) لا يوجد إلا أنا وأنت سيدي !!
الحجاج : ( غاضبا )إذن أذهبي إلى حال سبيلك، وأيقظي الحمار النائم بالباب .
كليب : أظن هذا دليل على صدق كلامي .
الحجاج : ربما تكون الجارية متأمرة معك .
كليب : ادع الحمار بالخارج أقصدالحارس .
الحجاج : ولماذا لا يراك غيري ؟!
كليب : لا يوجد هنا إلا شخص واحد .
الحجاج : ( مندهشا ) وأنت ؟!
كليب : أنا وأنت شخص واحد ...ألا أشبهك يا ابن جلا ؟!
الحجاج : إذا كنت كما تقول فلماذا لم تظهر إلا الآن ؟
كليب : أنا معك منذ أن ولدت ، ولكن لجبروتك ووظلمك كنت لا تسمح لي حتى بالتنفس ...أنا (كليب ) أنسيت من ( كليب ) اسمك الحقيقي قبل أن تغيره .
الحجاج : كأنني فيما مضى كنت أمنعك ولا أسمح لك حتى بالتنفس ؟!
كليب : نعم .
الحجاج : والآن سمحت لك أن تتنفس وتتكلم وتظهر .
كليب : بالضبط .
الحجاج : ولكني لم أفعل شيئا مما تقوله .
كليب : ابن جلا ..أنت لم تكن تسمح لي ولا لغيري فيما مضى .
الحجاج : والآن ؟
كليب : ( يتقدم نحومقعده ) الآن ...هذا مربط الفرس ..الآن أنت تشعر أنك تقترب من الموت أو أن الموت يقترب منك وتشعر بالضعف والوهن ،وهذا شيء طبيعي لأنك كبرت ومثلك أنهك جسده ونفسه ولم ترحمهما قط ولم ترفق بهما ، ولم يعد أمامك الكثير لتقوم به ، فبدأت تعيد تقيم كل ماقمت به ، وتحاسب نفسك حساب الملكين كل تلك الأسباب هيئت لي الفرصة لأظهر لك .
الحجاج : ( ينهض ويتقدم نحوه مقاطعا ) أنا لستً نادما على كل ما قمتً به ،
كليب : كل تلك الدماء التي سفكتها والأرواح التي زهقتها على مدى سنوات عمرك ..رملت ..ويتمت ...وأثكلت... وسجنت... وتقول إنك لست نادما ؟!
الحجاج : ( يمس على جبينه مندهشا) أأنا فعلت كل هذا ؟!
كليب : ( ساخرا ) بل أكثر من كل هذا !
الحجاج : ( شاردا ) أنا لا أتذكر شيئا عما تتحدث عنه ، أحاول أن أتذكر ولكن ذاكرتي لا تطاوعني ...نظراتك لي تقول إنك لا تصدقني .
كليب : وكيف لا ، لقد سمعت كل ما دار بينك وبين طبيبك ، وأني أصدقك في كل ماقلته ...والآن أتريد أن تتذكر .
الحجاج : أريد الإجابة عن السؤال الذي يلاحقونني به ليل نهار في النوم واليقظة في الحقيقة والخيال .
كليب : أي سؤال تقصد ؟!
الحجاج : لماذا قتلتهم ؟! إنهم كثر، يعدون بالعشرات .
كليب : بل المئات .
الحجاج : ( متعجبا ) المئات !!
كليب : ( رافعا ذراعيه ) بل الآلاف !!
الحجاج : ( يبتعد عنه مذعورا ) لقد عرفت الآن من أنت ...أنت شيطان جاء ليلهو ويعبث بي .
كليب : ( ضاحكا ) لم يأتك الشيطان فيما سبق ، هل يأتيك وأنت في تلك الحالة التي يرثى لها ..ثم أنك تفوقت على الشيطان نفسه ، إنه يعد صبيا من صبيانك .
الحجاج : ( يتقدم منه ) إذن من أنت ؟!
كليب : ( يتهادى في المكان ) كما قلت لك أنا أنت ، أو أنا ضميرك ، أو أنا ذاكرتك
أو أنا ..
الحجاج : ( غاضبا مقاطعا ) لتكن من تكون ..ماذا تريد منى الآن ؟
كليب : ( مندهشا ) أنا لا أريد منك شيئا ، بل أنت من تريد !
الحجاج : أنا لم أطلب منك شيئا .
كليب : ( يشبك أصابع يديه ) ربما طلبت من غيري .
الحجاج : ( متباهيا ) (الحجاج) لا يطلب ، وإنما يأمر فيطاع .
كليب : ( ساخرا ) وحديثك مع طبيبك الخاص (تياذوق ) ؟!
الحجاج : ( غاضبا) أكنت تتجسس على أيها الآفاق ؟!
كليب : ( مندهشا ) أيتجسس الإنسان على نفسه ؟!
الحجاج : أوتظن أنني اقتنعت بترهاتك إنك أنا و..
كليب : ( ساخرا ) إذن من أكون ؟
الحجاج : شيطان لعين يعبث بي ...أو محض خيال ..أو حلم من الأحلام من التي تلاحقني حتى في يقظتي .
كليب : ما تراه في يقظتك ليس بحلم ..وإنما حقيقة .
الحجاج : كيف ؟! فإني أراك في يقظتي ولست حقيقيا .
كليب : كيف هذا ؟!
الحجاج : بدليل أن الجارية لم ترك .
كليب : ( نافد الصبر ) ألم ترك الجارية وتحدثت إليها ؟!
الحجاج : نعم .
كليب : إذن رأتني ...فنحن الاثنان شخص واحد ...دعك من هذا الأمر ..اعتبرني غير موجود بالمرة .
الحجاج : أنت فعلا غير موجود لا تظنني ..
كليب : ( مقاطعا ) ليكن ..أنت الآن تتحدث مع نفسك ..تتحاور مع (الحجاج )..أو لنفرض ان الطبيب الذي أرسلت في طلبه قد جاء أظنك ستطلب منه أمرين .
الحجاج : قلت لك (الحجاج )لا يطلب ولكن يؤمر .
كليب : أنا ( الحجاج ) وأنت الطبيب فرضا ...سأقول لك : إريد الإجابة عن سؤال هؤلاء الذين يطاردونني لماذا قتلتهم ...و أريد أن أتذكر ما انمحى من ذاكرتي ..أجب فأنت الطبيب الآن ...ربما يقودنا هذا إلى أول خطوات العلاج والسير في طريق الشفاء . هيا أجب أيها الطبيب .
الحجاج/ الطبيب : ( مترددا ) وهل معرفتك سبب قتلهم سيريحك ؟
كليب/ الحجاج : ربما لو عرفوا سبب قتلهم يمتنعون عن مطاردتي .
الحجاج/ الطبيب : هم لا يسألون عن جهل وإنما يسألون تبكيت ولوم ، فهم لا يجدون سببا يستحقون عليه أن يًقتلوا .
كليب /الحجاج : إذن أنا في نظرهم مجرم وسفاك دماء وهم ضحايا أبرياء ، أليس هذا ما يريدون أن يؤكدوا عليه .
الحجاج/ الطبيب : )متحمسا ) نعم . إن لم يكن هناك مبرر قوى بل شرعي للقتل فالقاتل مجرم وسفاك دماء والقتلة ضحايا أبرياء .
كليب /الحجاج : هؤلاء استحقوا القتل لأنهم عصاة متمردون .
الحجاج/ الطبيب : عصوا من وتمردوا عمن ؟!
كليب /الحجاج : عصوا ولي الأمر وتمردوا على الدولة .
الحجاج /الطبيب : وهل عصيانهم وتمردهم يستوجب قتلهم ؟!
كليب /الحجاج : كان لابد للدولة أن تُؤسس وتًقام ، وكان التمرد والثورة في كل مكان ، وكانت الفوضى والفتنة ستعصف بالناس وتقضى على الأخضر واليابس ، ولم يكن هناك من خيار سوى الضرب بيد من حديد لقمع تلك الثورات والتمرد التي نشبت في كل مكان ، وكل أصحابها يرون أنهم على حق وغيرهم على باطل ، وكان لابد من قتالهم والقضاء عليهم حتى يعود الأمن والاستقرار إلى الناس
الحجاج /الطبيب: وهل تُؤسس الدول على الدماء والغصب والإرهاب ، أم تُؤسس على البشر
الأحرار والرضى والاقتناع ؟!
كليب/ الحجاج: قلت لك لم يكن هناك من خيار و ...
الحجاج /الطبيب: ( مقاطعا ) وهل في كل ما فعلته كان في سبيل قيام الدولة أم في سبيل تحقيق
مجد شخصى لابن جلا ؟
كليب/ الحجاج: ( متعجبا ) وما الفرق إذا كنت أساعد في تأسيس دولة وفي نفس الوقت أبني
مجدي
الحجاج /الطبيب: لا ..هناك فرق شاسع يا ابن جلا .
كليب/ الحجاج :أي فرق هذا الذي تتحدث عنه ؟
الحجاج /الطبيب : إذا كانت الدماء التي سفكتها في سبيل الدولة لهان الأمر وإن كنت مشنترك
في تحمل وزر تلك الدماء .أما إذا كنت سفكتها في سبيل تحقيق مجدك الشخصي فأنت مجرم وسفاك دماء .
كليب/ الحجاج : ( غاضبا ) التزم حد الأدب... لقد طال صبري عليك .
الحجاج /الطبيب: أتنكر أنك مجرم وسفاك دماء وأغلب من قتلتهم وسجنتهم ضحايا أبرياء ؟
كليب/ الحجاج : كل من قتلته كان يستحق القتل .
الحجاج /الطبيب: من الذي حكم بذلك يا ابن جلا ؟
كليب /الحجاج : ( مفتخرا ) أنا .
الحجاج/ الطبيب : ولكنك لست قاضيا ، ولم يخولك أحد لتقوم بتلك المهمة .
كليب/ الحجاج : هناك من فوضني وأعطاني هذا الحق
الحجاج /الطبيب : من ؟
كليب/ الحجاج : أمير المؤمنين .
الحجاج /الطبيب: ( ساخرا ) ليكن الأمير فقط ..لاداعي لكلمة المؤمنين
كليب/ الحجاج : ليكن الأمير فقط .
الحجاج/الطبيب : أذن أنت تنفذ رغبة الأمير أو الملك
كليب /الحجاج : ألسنا مأمورين بطاعة ولي الأمر .
الحجاج /الطبيب : قتل الأبرياء ليس بطاعة ، وإن كان فهومعصية لله الذي أمر بالعدل
كليب /الحجاج : ( غاضبا ) قلت لك أن كل من قتلته كان يستحق القتل
الحجاج/ الطبيب : ربما أصابت ذاكرتك عطب أو أنك تحاول أن تتناسى أوتهرب من جرائمك .
كليب /الحجاج : (مصرا ) لم يصب ذاكرتي أي عطب ولم أنس ولم أفعل أمرا أندم عليه .
الحجاج /الطبيب : (يتراجع إلى الخلف ) إذن لنرجع إلى الوراء، ونستحضر موقعة ،ونرى ما
حدث منك با ابن جلا ربما تكون بريئا وإن كنت أشك في ذلك .
كليب :( مقهقها ) إذن (الحجاج بن يوسف الثقفي) يريد أن يرجع إلى الوراء إلى سابق عهده ليتذكر ما نسي أو يستذكر ما تنساه .
الحجاج : ( مندهشا ) من ؟! أنا ؟!
كليب : ( يتقدم نحوه مشيرا إليه ) نعم ، أتنكر أنك (الحجاج بن يوسف الثقفي) ، وتريد استعادة كل ما نسيته من أحداث أو أمور قمت بها ؟!
الحجاج : ( يشير إلى نفسه ) ولكني الطبيب وأنت (الحجاج بن يوسف الثقفي ).
كليب : ( ساخرا ) تلك كانت دعابة أو مزحة .
الحجاج : ( غاضبا ) أتعبث بي وتلهو ؟!
كليب : لقد راق لك العبث واللهو .
الحجاج : أنا لم أعبث ولم ألهو في حياتي من قبل .
كليب : ولكن راق لك أن تقوم بدور الطبيب .
الحجاج : لقد خدعتني .
كليب : ( شامتا ) ( الحجاج) لا يُخدع ...ولكنه يتخادع ..أتدري لماذا رضيت أن تقوم بدور الطبيب ؟
الحجاج : لماذا ؟
كليب : لأمرين : الأول لأنك في مسيس الحاجة إليه ...ولأنك تريد أن تكون أي إنسان غير (الحجاج) .
الحجاج : ( بتحد ) ولماذا أكون غير( الحجاج )؟
كليب : لتاريخك الأسود .
الحجاج : وهو تاريخك أيضا ..نحن مشتركان في كل شيء ..ألم تقل أننا شخص واحد ؟ّ!
كليب : لا أنكر ذلك ..ولكنك أنت الفاعل الحقيقي لكل ما حدث .
الحجاج : وأنت ؟!
كليب : أنا الشاهد على كل ما فعلته ..أنا ضميرك ..أنا ذاكرتك التي حاولت أن
تطمسها وتمحها ..أنا (الحجاج ) قبل أن تكونه .
الحجاج : كلمة أخيرة أقولها لك ..أنت وهمٌ ...أنت خيالٌ ، أهم شيء لدي هو الحاضر ، ماذا أفعل بالماضي وتاريخي إن كان أسود او أبيض ؟
كليب : تقول ذلك لأنك أشد ما تكون خوفا وفزعا ورعبا من تاريخك وماضيك .
الحجاج : أنا لا أخاف من شيء ، ولو عندك شيء واجهني به .
كليب : ( متحديا ) ألديك القوة و الشجاعة للمواجهة والمصارحة ؟
الحجاج : ( يقف ويتقدم منه متحديا ) إنما أنا القوة والشجاعة تسير على الأرض ، ولا أخشى شيئا وأعرض على ما ليدك .
كليب : ( متراجعا ) نعم ، سأعرض وأذكرك بما نسيته ..ولكن لا تنكر منه شيئا .
الحجاج : ( متحديا )قلت لك لدي من القوة والشجاعة أن أعترف بما فعلته إن كنت فعلته .
كليب : إذن لتسمع وترى .
إظلام .
المشهد الثالث
إضاءة .
مقر الحجاج في مكة : قاعة واسعة ، مقاعدخشبية بجوار الجدران وأمامها عدد من المناضد المتهالكة ، وفي جانب عدد من السيوف والخوذات والدروع ، يجلس على مقعد كاتب (الحجاج ): ( يزيد بن أبي مسلم ) يتصفح عدد من الرسائل الورقية ، ويضع ما اتنهي من قرآته جانبا على منضدة ، بجواره يجلس ( قتيبة بن مسلم ) .
قتيبة بن مسلم : ( مشيرا إلى الخطابات ) لا أراك إلا وأنت غارق بين الأوراق !
يزيد :( يرفع عدد من الخطابات ) الخطابات من وإلى دمشق تكاد لا تنقطع نظرا لما نحن فيه من أحداث خطيرة ، وأميرالمؤمنين ( عبد الملك بن مروان ) يريد أن يعرف كل كبيرة وصغيرة عما يحدث هنا
قتيبة : ( يشير إلى السيوف والدروع )على رأيك .لولا ما نحن فيه لكنا الآن محرومين مع حجاج بيت الله . لا نستطيع أن نفعل ذلك ونحن على مقربة من الحرم ..
يزيد : أوتظن أن هناك حجاج في الحرم ؟!
قتيبة : ( مندهشا ) ما بك ؟! ألسنا في موسم الحج الآن ؟!
يزيد : ألم يأمرالحجاج منذ أيام بنصب المنجانيق على جبل ( أبة قبيس ) وجبل ( قعيقعان ) .أيرى الناس المنجانيق على الجبلين ويغامرون بالتواجد في الحرم .
قتيبة : ( مندهشا ) وهل دار بخلدك أن (الحجاج) قد يأمر بقذف الحرم بالمنجانيق ؟!
يزيد : وماجدوى نصبهما وحشد الآلاف من الرجال بكامل أسلحتهم .؟!
قتيبة : أظن هو يفعل ذلك لإخافة ( عبد الله بن الزبير ) والضغط عليه وعلى من معه للهروب أو الاستسلام .
يزيد : لا أظن ذلك !
قتيبة : ( متعجبا ) أمعقول يرمي (الحجاج) الحرم بالحجارة والنيران ..أنا لا اصدق ذلك ؟!
يزيد : وماذا يفعل وقد لجأ واحتمي ( عبد الله بن الزبير ) بالحرم .
قتيبة : ( عبد الله بن الزبير) لم يلجأ إلى الحرم إلا وهو على يبقين أن (الحجاج) لن يجرؤ على رمي الحرم بالحجارة .
يزيد : إذن هولا يعرف (الحجاج) تمام المعرفة .
قتيبة : ( ساخرا ) وأنت تعرف (الحجاج) تمام المعرفة .
يزيد : (الحجاج) لن يتواني أن يحطم الكعبة فوق رأس ( عبد الله بن الزبير ) .
قتيبة : أجننت أيها الرجل فلم تعد نعقل ما تقول ؟! يحطم الكعبة ..البيت الحرام ؟! وعلى رأس من ؟! ألا تعرف من يكون ( عبد الله بن الزبير ) ومن تكون أمه ومن يكون أبوه ؟
يزيد : ( يبعد ما أمامه من أوراق ويقف متقدما من قتيبة ) أعلم أن كلها جرائم ولا تغتفر ولم تحدث من قبل وأظنها لن تحدث مطلقا بعد ذلك، ولكن (الحجاج) سيحمل وزر كل هذا في رقبة ( عبد الله بن الزبير ) .
قتيبة : ( مندهشا ) يعلقها في رقبة (عبد الله بن الزبير ) كيف ؟!
يزيد : سيقول إن (عبد الله بن الزبير) هو الذي اختار مبدان الحرب حينما لجأ إلى الحرم .
قتيبة : ولكن حتى ونحن في الجاهلية من يلجأ إلى الحرم ويستعيذ به فهذا في حد ذاته عاصم له من أي أذى ، فقد كان الرجل يقابل قاتل أبيه فيتجاهله وكأنه لم يره ! وهنا حرمات : حرمة الحرم وحرمة الأشهرالحرم وحرمة ( عبد الله بن الزبير ) ابن السيدة ( أسماء) أخت السيدة ( عائشة ) زوجة النبي ، وذات النطاقين ؟
يزيد : ( يعود إلى الجلوس ويرفع عدد من الرسائل ) الرسا ئل الواردة من الخليفة ( عبد الملك بن مروان ) إلى ( الحجاج ) تطلق يديه أن يفعل ما يشاء ، و(الحجاج ) في غنى عن تلك الرسائل فلا شيء يوقفه عن تنفيذ ما يريده .
قتيبة : ( مندهشا ) حتى لو كان هذا فيه سبب لغضب الله !
يزيد : ( يومئ إلى الباب ) اخفض من صوتك ،هنا حراس بالباب وربما يسمع أحدهم ، وأنت تعلم غضب (الحجاج) .
قتيبة : (يصيخ السمع ) صوت من هذا الذي يصيح هكذا ؟
يزيد : ( متطلعا إلى الباب ) صوت ( طارق بن عمرو ) .
قتيبة : ( مندهشا ) وما الذي جاء به الآن ؟أليس مع الجيش على جبل ( قبيس ) ؟!
طارق بن عمرو : ( ثائرا ) أين (الحجاج) ؟
قتيبة : ( مندهشا ) ما بك ياطارق ثائرا ؟! أحدث شيء .
طارق : ( يتناول جرعة من الماء ) مصيبة كانت على وشك الحدوث ولكني منعتها .
يزيد : ( متعجبا ) ما الأمر ؟!.
طارق : الجنود على المنجنيق كانوا عى وشك أن يرموا الحرم ، وحينما منعتهم قالوا إن الأوامر صدرت إليهم من (الحجاج) برمي الحرم .
يزيد :هم ينفذون الأوامر .
طارق : ( متعجبا ) أوتظن أن (الحجاج ) أمر بذلك ؟!
يزيد : لن يفعل الجنود شيئا كهذا إلا إذا صدرت لهم الأوامر بذلك .
طارق : لابد أنهم فهموا أوامر (الحجاج) خطأ .
يزيد :( ساخرا ) أخشى أن تكون أنت المخطئ .
طارق : ( مفزوعا ) تقصد ..
يزيد : نعم ..أوامر(الحجاج) واضحة ، ولا لبس فيها .
طارق : ( يتهاوى على مقعد ) يا ويلي ..إذن أنا الذي جعلت الجنود يعصون أمر (الحجاج ).
يزيد : وأنت تعرف مصير من يعصى أوامر (الحجاج) .
طارق : ( مندهشا ) ولكن الحرم مزدحم الآن بالحجاج ..تخيل حينما تسقط الحجارة على تلك الأعداد الخفيرة ..أرواح ستزهق بدون ذنب .
قتيبة : كنا نتحدث في هذا الأمر قبل أن تحضر .
طارق : وأين (الحجاج) الآن ؟
يزيد : خرج هو و(عباد بن الحصين) و( سعيد بن أسلم) و(يحيى بن منقذ).
طارق : ( متطلعا نحو الباب ) ومتى سيعود ؟
يزيد : قد يأتي الآن وقد يأتي بعد ساعة أو أكثر .
طارق : ( يتلفت حوله ) وماذا على فعله الآن ؟
يزيد : ( ضاحكا ) تصلح ما أفسدته .
طارق : ( متعجبا ) تقصد أن آمر الجنود برمي الحرم !
يزيد : : لا ، يل ينفذون أوامر (الحجاج ).
[ يدخل الحجاج وراءه( عباد بن الحصين) و(سعيد بن أسلم) و(يحيى بن منقذ) ]
الحجاج : ( يجلس غاضبا مشيرا إلى طارق ) يا (طارق بن عمرو) ...من الأمير هنا ؟
طارق : ( مرتعدا ) الأمير هو أنت .
الحجاج : وما حق الأمير ؟!
طارق : السمع والطاعة .
الحجاج : ولكنك لم تسمع ولم تطع .
طارق :(مندهشا) كيف هذا ؟!
الحجاج : لم تسمع ما أمرتُ به ، مع أن قائد الجند أخبرك بما أمرتُ به ، ولم تطع أمرى حينما أمرت أنت قائد الجند أن يمتنع عن رمي الحرم بالمنجنيق .
طارق : إن أذن لي الأمير أن أوضح له الأمر .
الحجاج : ( غاضبا ) الأمر ليس في حاجة إلى إيضاح ، وإنما الأمر في حاجة إلى عقاب لمن يعصى الأوامر .
طارق : ( يجفف جبينه ) أنا على استعداد أن أتحمل ما يحكم به الأمير ، ولكن بعد أن أدافع عن نفسي ،وأظن هذا حقا من حقوق من تعاقبه .
الحجاج :( يبوح بيده ) لن أسمع ...
بن الحصين :(مقاطعا) أصلح الله الأمير، لنسمعه ربما يكون هناك دافع دفعه إلى ما
فعله ،
الحجاج : تفضل ..تكلم ..دافع عن نفسك .
طارق : لقد أرسلت أمرا شفهيا لقائد وحدة المنجنيق أن يرمي الحرم بالحجارة ، والذي حمل الرسالة عاد على الفور إلى هنا ، وحينما سألت قائد المنجنيق وهوعلى وشك الرمي ، من الذي أمرك بهذا لم نجد المرسل الذى أرسلته ، ولخطورة الأمر خشيتُ أن يكون قائد المنجنيق قد فهم الأمر خطأ ، أو أن المبلغ قدأخطأ في تبليغ الرسالة فأسرعتُ إلى هنا حتى استوثق منك يا سيدى .
الحجاج : ( يمس على لحيته ) إذن من أرسلته أخطأ في تبليغ قائد الجند وبلغ قائد المنجنيق لأن كليكما يحمل نفس الاسم ،إذن قائد المنجنيق هومن عصى الأمر .
طارق : هو أيضا كان مترددا في تنفيذ الأمر ، وكأنني أنقذته من حرج كبير .
الحجاج : إذن أنت ترى رمي ا لحرم أمرا شنيعا . وقائد المنجنيق يري رمي الحرم أيضا أمرا شنيعا ... .إذن تعاليا وأجلسا مكاني وأمرا بما تريانه صالحا .
طارق : (ينكس رأسه ) عفوا أيها الأمير ..كلنا نأتمر بأوامرك .
الحجاج : ( يشير إليه ) تعلم أيها القائد أن تطع الأمر وتنفذه بدون تفكير أو مناقشة ، أنت هنا لتفذ فقط ..أنت هنا لتعمل ماذا ؟
طارق : ( مذعورا ) لأنفذ فقط ...إن سمح لي الأمير أرجع إلى الميدان لأمر قائد المنجنيق أن .
يحي بن منقذ : لا تحمل هذا الهم ..إن الأمير يجبر تقصير جنوده ...
سعيد بن أسلم : فقد وصل خبر منعك لقائد المنجنيق قبل أن تصل إلى هنا وأرسل أمرا مؤكدا
بأن يقذف الحرم .
بن الحصين : وربما يكون قدانتهى من قذف الحرم .
طارق : إن سمح الأمير أسرع لأنال شرف تنفيذ أوامرك لقذف الحرم .
يزيد : ( يسر لقتيبة ) لقد كان يتحرج أن يقذف غيره الحرم والآن يريد شرف قذف الحرم بنفسه
قتيبة : الجميع يسعي سعيا لينال رضا الأمير مهما كلفهم الأمر .
يزيد : وأنت ألا تريد أن تنال هذا الشرف ؟
قتيبة :لم أعرف أن رضا الأمير عسير إلا الآن . ولكن ماذنب حجاج بيت الله الآن .
زيد : يتولاهم الله برحمته .
الحجاج : ( مخاطبا يزيد ) هل أعددت الرسائل التي سنرسلها لأمير المؤمنين (الوليد بن عبد الملك )
يزيد : ( يجمع عدد من الرسائل من أمامه ويتقدم نحوه ) نعم ، وننتظر أن تأمر ونرسلها .
الحجاج : (مفكرا ) تمهل في إرسالها لبعض الوقت .
[ يسمع جلبة وضوضاء بالخارج ]
الحجاج : ( متعجبا ) ما هذا الذي أسمعه ؟!
طارق : ( يدخل مترددا ) لقد حدث أمر خطير أيها الأمير .
الحجاج : ( مندهشا ) ما هذا الأمر ؟! وما الذي يحدث بالخارج ؟ وما الذي ردك مرة أخرى ؟!
طارق : ( متوترا) لم أرجع ، ولكننى قابلت قائد المنجنيق ومعه بعض الجنود .
الحجاج : لماذا ؟! هل أصاب المنجنيق عطب ما ؟!
طارق : لا أيها الأمير ، بل الذي أصيب هم الرجال .
الحجاج : ( متقدما نحوه ) هل أرسل (عبد الله بن الزبير) رجالا يقاتلون رجالنا ؟
طارق : بل نزلت صاعقة من السماء فأصابت الكثير من الرجال .
الحجاج : ( مندهشا ) وما علاقة الرجال الذين أصيبوا ومجئ قائد المنجنيق وتركه رمي الحرم ؟!
طارق : ( مترددا ) لم تحدث الرعود والبروق و تنزل الصاعقة وتصيب الرجال إلا بعد رمي الحرم والحجيج ، فجنودنا يرون أن هذا عقاب من الله .
الحجاج : ( ناظرا إلى الجميع حوله ) أتسمعون ما يقوله هذا الأحمق ؟!
بن الحصين : الرجال من الشام حديثوا عهد بالمكان.
سعيد بن أسلم : ولا يعرفون أن تلك رعود وبروق وصواعق ( تهامة ) وأن هذا وقتها من كل
عام .
يحي بن منقذ : ( متجها نحو الباب ) سوف أخرج إلى الرجال وأخبرهم أن ما أصابهم قد
يصيب رجال ( عبد الله بن الزبير ) هذا إن لم يكن قد أصابهم بالفعل .
قتيبة : ألا يمكن أن ننتظر حتى يخرج ( عبد الله بن الزبير ) من الحرم ، فنحن محاصرون (مكة) منذ مدة وأعوانه بدأوا يتفرقون من حوله .
بن الحصين : لقد تخلى عنه أقرب المقربين منه .
الحجاج : لأني أمنح الأمان لمن يطلبه ولم أرد أحدا ...حتى ولديه لجأا إلى ولم أردهما .
قتيبة : أذن عن قريب إما أن يستسلم أو يهرب تاركا الحرم .
الحجاج : أنتم لا تعرفون ( عبد الله بن الزبير ) كما أعرفه .
سعيد بن أسلم : نعم ، ولكن كل الظروف ضده، حصار (مكة ) وتخلي الكثيرين عنه وأظن مع
سنه المتقدمة قد لا يتحمل هذا الجهد طويلا .
الحجاج : نسيت أهم سند له في حربه معنا .
سعيد بن أسلم : ( متعجبا ) أي سند هذا ؟!
الحجاج : اعتقاده أنه الخليفة الشرعي بعد مقتل (الحسين) .ومبايعة أهل المدينة والحجاز ، وقد ظل في الخلافة مدة ليست قصيرة .وهناك بلدان تعتبره الخليفة الشرعي لأن عدد من الصحابة قد بايعوه .وأنت تعرف مدى تأثير وقوة النفوذ المعنوي لصحابة رسول الله .
قتيبة : ومع ذلك نحن نرمي الحرم ونحاصر (مكة) وهم بداخلها ..البعض ينظر إلينا أننا ..
الحجاج : ( مقاطعا ) (عبد الله بن الزبير ) هومن يتحمل ما يترتب عن هذا ، ليس هدفنا (مكة) ولا الحرم وولا الحجيج إنما ( عبدالله ) وإن خرج من الحرم ومن مكة ، فلن نرمي حجرا واحدا .
بن الحصين : إلى أين يذهب وهو محاصر من كل الجهات ، وهو لم يلجأ إلى الحرم إلا
لأنه الملاذ الأخير له .
سعيد بن أسلم : نحن لم نترك خيارا له .
بن الحصن : أو تظن ليس له من خيار آخر ؟
سعيد بن أسلم : نهايته محتومة سواء واصل القتال أو استسلم .
بن الحصين : إلا إذا طرأ على الموقف ما ليس في الحسبان .
سعيد بن أسلم : تقصد أن يرسل أحد الأقطار المبايعة له جيشا لنجدته ؟!
الحجاج : لا أظن أن ذلك يحدث .
بن الحصين : ( متجها إلى الحجاج ) ما رأي الأمير إذا لجأنا إلى الحيلة والمكيدة .
الحجاج : أي حيلة وأي مكيدة ؟!
بن الحصين : أن تمنح الأمان (لأبن الزبير) للخروج من (مكة ) ومن الحجاز كلها
الحجاج : ( مندهشا ) وإلى أين يذهب ؟
بن الحصين : إلى الشام .
الحجاج :وماذا يفعل في الشام ؟!
بن الحصين : يبايع ؟
الحجاج : من يبايع من ؟
بن الحصين : (عبد الله بن الزبير) يبايع (عبد الملك بن مروان ).
الحجاج : ( ضاحكا ) إذا كان هذاممكن الحدوث فلماذا لم يحدث من قبل ؟
بن الحصين : الظروف التي جدت على ( ابن الزبير ) تجعل ما كان مرفوضا بالأمس مقبولا اليوم .
الحجاج : هذاإذا كان يحتكم إلى المنطق والعقل .
بن الحصين : وإلى ماذا يحتكم الآن ؟
الحجاج : ( يمس عى لحيته ) يحتكم إلى أي شيء إلا ما يمليه العقل ويحكم به المنطق .كل ما سوف نعرضه سيرفضه لا علاج (لابن الزبير) سوى السيف ، والعجيب لسنا من أختار ذلك ولكن هو من أختار .
بن الحصين : لماذا ؟
الحجاج : ( شاردا ) لأنه من نوعية الرجال التي لا تساوم.
بن الحصين : أمعجب به ؟
الحجاج : أشد أنواع الإعجاب أن تقدر عدوك ...وأنت لا تملك إلا ان تقدر (عبد بن الزبير) رغم كل شيء .إنه حلقة في سلسلة متصلة بدأت (بعلى بن أي طالب) ثم (الحسن) و(الحسين ) صنف من الرجال ليسوا من عالمنا ، وعالمنا ليس عالمهم .
يحي بن منقذ : ( يدخل مسرعا ضاربا كفا على كف ) إن ما يحدث في غاية العجب ولا أجد له
تفسيرا .
الحجاج : ( مندهشا ) ماهذا الذي لا تجد له تفسيرا يا يحي ؟!
يحي بن منقذ : ( متعجبا ) لن تصدقوا ما رأيته بأم عيني !!
بن الحصين : أنت لم تقل شيئا حتى نصدقه أو نكذبه .
يحي بن منقذ : صاعقة من السماء سقطت على المنجنيق فأحرقته .
الحجاج : والرجال ..ما أثر ذلك عليهم ؟!
يحي بن منقذ : علا تكبيرهم ونزلوا من على الجبل .
الحجاج : ( مندهشا ) لماذا ؟!
بن حصن : أستطيع أن أخمن فيما فكر الرجال .
الحجاج : فيم فكروا ؟
بن حصن : الصاعقة التي أحرقت المنجنيق أرسلها الله دلالة على غضبه لرمي الحرم والحجيج .
سعيد بن أسلم : نحن على وشك فتنة تحدث بين الجنود .
بن الحصين : وإن لم نتدارك الأمر بسرعة قد نعجز على السيطرة على الجنود .
سعيد بن أسلم : ( مشيرا إلى الحجاج ) فتنة والأمير (الحجاج بن يوسف الثقفي )...فلا .
بن الحصين : ( متجها إلى الحجاج ) ماذا سنقول للجنود ؟
الحجاج :( مفكرا) ما علامة قبول الله لأي قربان يقدمه الإنسان قديما .
بن الحصين : أن تنزل نار من المساء تحرقه .
الحجاج : وماذا حدث للمنجنيق ؟
بن الحصين : أحترق .
سعيد بن أسلم : ولكن المنجنيق ليس قربانا نقدمه لله .
الحجاج : حينما إحترق صار قربانا .
سعيد بن أسلم : ولكن من سيقنع الجنود بهذا ؟
بن الحصين : ( مشيرا إلى الحجاج ) لا أظن أن أحدا يملك من سبل وطرق البيان للاقناع
سواك أيها الأمير .
الحجاج : ( متقدما نحو الباب ) هيا بنا فأمامنا مهمة عسيرة .
إظلام .
الفصل الثاني
المشهد الأول
في جانب من جوانب الحرم المكي .وفي داخل خيمة نصبت (لعبد الله بن الزبير) يجتمع فيها مع قواد ما تبقى من جيشه وبعض أصدقائه .في جانب الخيمة فراش متواضع يجلس عليه ( عبدالله ) وحوله وأمامه العديد من الرجال ، تتدلى آلات القتال من سيوف وخوذات ودروع من حبل يقطع الخيمة من المنتصف .
عبد الله بن الزبير : ( يتقدم إلى المنتصف ) يا عبد الله بن صفوان، ساعدني في إرتداء الدرع .
عبد الله بن صفوان : ( مندهشا) ولكن ليس هذا ما اتفقنا عليه يا أمير المؤمنين !
عبد الله بن الزبير : وعلام اتفقنا يا (ابن صفوان) ؟
عبد الله بن صفوان : أن تبقي هنا وسوف نخرج بما بقى من قواتنا لمهاجمة قوات ( الحجاج
بن يوسف الثقفي ).
بن عبد الرحمن : ننتظر حتى يرجع مسورة بن مخرمة ليخبرنا بالحجم الحقيقي لقوات
(الحجاج )، ومدى تمركز وتماسك قواتنا .
عبد الله بن الزبير : ( يعلق سيفه في نطاقه ) أرسل(عبد الملك بن مروان ) الكثير من قوات
جيش الشام تحت قيادة رجل لم تمنعه حرمة الكعبة أن يرميها بالحجارة
ويسفك دماء الحجيج في هذا الشهر .
عبد الله بن صفوان : عبدالملك بن مروان لم يجد أشرس وأطغى وأعتى من( الحجاج بن
يوسف الثقفي ) ليرسله محاربا لنا .
بن عبدالرحمن : وصفات المكر والدهاء والخديعة والتي لم أجد أحدا يتصف بها مثله .
عبد الله بن صقوان : ( أسفا ) وتلك أمض وأشد تأثيرا من السيف .
بن عبد الرحمن : تقصد منحه الأمان والعفو لمن يلجأ إليه من عندنا .
عبد الله بن صفوان : ليس هذا فحسب ، بل إغرائهم بالمال أيضا .
عبد الله بن الزبير : وهذا ما لم نستطع أن نجاريه فيه .
عبد الله بن صفوان : ( يشير إلى باب الخيمة ) أظن أن القادم هو(مسورة بن مخرمة) فهو لا
يتوقف على تعنيف الحراس خراج الخيمة .
عبد الله بن صفوان : ربما يأتينا بأمر جديد .
عبد الله بن الزبير : ( بأسف) لا أظن ...إلا أن الأمور إزدات تحرجا وعسرا ..
مسورة بن مخرمة : ( رافعا يده ) السلام على أمير المؤمنين .
عبد الله بن الزبير : وعليكم السلام ورحمة الله .ما وراءك يا ( مسورة ) ؟
مسورة : تشكيلات قواتهم تتخذ وضعية الهجوم ..أظن أنهم سيقتحمون الحرم بعد مدة ليست بالطويلة .
عبد الله بن الزبير : ( منزعجا ) وقواتنا !
مسورة : ( منكسا رأسه ) ...........
عبد الله بن صفوان : ( متحمسا ) كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
بن عبد الرحمن : ( يرفع سيفه ) سننال اليوم إحدى الحسنيين ..النصر او الشهادة .
عبد الله بن الزبير : ( يحكم ربط الدرع حول صدره ) أظن أن الشهادة أقرب إلينا .
عبدالله بن صفوان : ما يقدره الله لنا سيكون .
عبد الله بن الزبير : ( يتقدم ويقف وسطهم ) تلك ساعة مصارحة وتقرير مصير ..فمن رأي
منكم النجاة في طلب الأمان والعفو فليفعل ، ومن منكم طلب النجاة في الفرار من المواجهة فليفعل ن ومن يفعل أحد هذين الأمرين فليس بملوم ، فحب الحياة لا يعدله حب .
الله بن صفوان : وجزاء الشهادة لا يعدله جزاء في الدنيا .
مسورة : ( يشد على يده ) نحن معك فيما اخترت .
بن عبد الرحمن : تبعناك وسرنا معك على طريق الحق ، ونحن سائرون معك إلى نهاية
الطريق وليقض الله أمرا كان مفعولا .
[ يدخل الحارس معلنا عن قدوم أم عبد بن الزبير ( اسماء بنت أبي بكر ) ]
أسماء : (تدخل مستندة على يد حارس ) أين أنت يا (ابن الزبير) ؟
عبد الله بن الزبير : ( يسرع إليها مقبلا جبينها ) لماذا شققت على نفسك ..كنت سأذهب إليك .
أسماء : ( تدق بعصاها على الأرض ) بل نحن من يسعى إلى أمير المؤمنين .
عبدالله بن صفوان : ( يشير إلى من معه ) سنتتظرك بالخارج يا أمير المؤمنين .
عبد الله بن الزبير : ( يقبل يدها ) أول مرة تأتين إلى وتخرجين من بيتك ياأمي ، بماذا يخبرك
قلبك ؟
أسماء : ( تتحسس الدرع ) دع قلبي وما يحمل لك ...اليوم ستخرج لهم .
عبدالله ابن الزبير : إن لم أخرج لهم سيقتحمون الحرم علينا .
أسماء : وماذا ستفعل ؟
ابن الزبير : سأجاهدهم .
أسماء : إلى النصر أم إلى الشهادة ؟
ابن الزبير : ليس لأحدهما .
أسماء : (متعجبة ) كيف ؟
ابن الزبير : أما النصر فإني لا أطمح إليه، وأما الشهادة فتلك منزلة عالية أراني دونها .
أسماء : أرى أن (الحجاج ) لن ينيلك النصر ، وإن كان سيعجز أن بمنعك أن
تنال الشهادة .
ابن الزبير : لن أكون أعز عليهم من (الحسين بن على ) سيد الشهداء .
أسماء : (الحسن) ثم (الحسين ) ثم( مصعب بن الزبير) وكأن قدركم الشهادة في سلسلة متصلة تكاد لا تنقطع .
ابن الزبير : لابد أن يكون للحق علامة وإلا ضل الناس عنه .
أسماء : وماذا عليكم لو تركتموهم والدنيا ..إنها جيفة منتنة كما قال رسول الله .
ابن الزبير : ليس صراعنا على الدنيا يا أماه ،ولا على المنصب ولا على الحكم ، وإنما صراعنا على الحق ، هم يريدون الباطل والضلال والفساد ، ونحن نريد الحق والهدى والصلاح ،
أسماء : ( متعجبة ) إذن لماذا تخلى الناس عنكم ؟!
ابن الزبير : ليتخذ الله منا شهداء ، ويحرم من تخلى من الشهادة ، ولأن القابض على الحق كالقابض على الجمر .
أسما ء : وألا يعلم الناس ذلك ؟!
ابن الزبير : يعلمون ، ولكن إيمانهم خذلهم .
أسماء : ( تربت على يده ) انتحل لهم العذر ، معدنهم ضعيف وهش .
ابن الزبير : وماذا فعل أقوياء الإيمان ذوو المعدن القوي .
أسماء : تقصد من ؟
ابن الزبير : (محمد بن الحنفية) و(عبد الله بن عمر) و( ابن عباس ) .
أسماء : ولكنهم لم يبايعوا لغيرك !
ابن الزبير : لم يؤيدوا الباطل ، ولكنهم خذلوا الحق
أسماء : ( تنهض ) الحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق .. يا بني دعني انصرف ..فقد تأخرت على رجالك وهم ينتظرونك بالخارج .
ابن الزبير : (يأخذ بيدها) ادعي لي يا أمي .
اسماء : ( تسير مستندة إليه ) ليثبتك الله با بني على ..واحذر كل الحذر من عدوك فإنه خوان ووضيع .
ابن الزبير : وهذا ما أخشاه ..إنهم لا يقاتلون بشرف ولا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة .
أسماء : ( تربت على يده ) لاتعتب على إن لم استطع أن أبكيك ، وليس ذلك لجمود العين ولا قسوة بالقلب ، ولكن لأني استنفدت كل دمعها والقلب فتته الأحزان ، أدع الله ألا يبقيني بعدك طويلا ، فلا أحد يقدر حال من يبكي بلا دمع ويحزن بلا قلب .
ابن الزبير : ( يقبل يدها ) وهل عتبتك عليك وأنا حي ، لأعتب عليك وأنا ميت ؟!
أسماء : كل هذا في ميزان حسناتك يا بني ..دعني أقبل جبينك لعلي لا أراك بعد يومي هذا .
ابن الزبير : ( يقبل أمه ) اتركك في رعاية الله وأمنه .
إظلام .
المشهد الثاني
مقر الحجاج في مكة ، ( يزيد بن أسلم ) منهمكا في كتابة الخطابات و ( قتيبة بن مسلم ) جالس بجواره يخط بغصين جاف على الأرض .
يزيد بن أسلم : ( يضع القلم جانبا ويرفع ورقة لأعلى ) هذا آخر خطاب أكتبه اليوم إلى الخليفة
عبد الملك بن مروان في دمشق .
قتيبة : ( حزينا ) لك أن تستريح بعد ذلك .
يزيد بن أسلم : ( يحدق في وجهه ) ما لي أراك مغتما هكذا ؟!
قتيبة : ( يقف ويلقى بالغصين بعيدا ) وهل ما يحدث الآن يدعو إلا إلى الغم ؟
يزيد ين أسلم : ( يشير إلى الخطابات على المنضدة ) تقصد قتل (عبد الله بن الزبير) ؟
قتيبة : ياليته قُتل فحسب ، ولكن مًثل به وبأصدقائه ، قًطعت أعناقهم ، وصُلبت أجسادهم على أبواب الحرم والبعض قُطع يداه وسًمرت بمسامير على الجدران ، وكل هذا على مسمع ومرأى من النساء والأطفال والحجيج .
يزيد بن أسلم : ( يتقدم منه ويربت على كتفه ) أأنت حزينا على (عبد الله بن الزبير )؟
قتيبة :أنا حزين على الإنسان سواء كان قاتلا بتلك القسوة أومقتولا بتلك المهانة و ..
يزيد بن أسلم : ( مقاطعا ) إذا كنت أنت تقول ذلك ، فماذا يقول أعداؤنا ؟!
قتيبة : هل كل مايحدث أمر من الخليفة عبد الملك بن مروان ؟
يزيد بن أسلم : أنت تعلم أن (الحجاج ) يجود في تنفيذ أوامر الخليفة ، فكل ما حدث بعد مقتل
(عبد الله بن الزبير) بأمر وإرادة ( الحجاج ) ، وهذا ما جعلهم متمسكين به، أنه يفعل أمورا لا يرضون عنها .
قتيبة : ( متعجبا ) يفعل أمورا لا يرضون عنها ومع ذلك يتمسكون به !
يزيد بن أسلم : أقصد أمورا لا تليق بهم وتضر سمعتهم في العلن ، ومعى ذلك هم يؤيدونها في
الخفاء ويثنون عليه .
قتيبة : أنا لستُ مقتنعا بما تقوله .
يزيد بن أسلم : ( مشيرا إلى الخطابات على المنضدة ) أتدري ماذا سيكون رد (عبد الملك بن
مروان ) حينما تصله أخبار ماحدث ؟
قتيبة : لا .
يزيد بن أسلم : سيلوم ويعنف (الحجاج )على ما فعله من قطع الأعناق وصلب الأجساد
والتمثيل بالجثث ، ويطلب منه إنهاء كل ما حدث ، بل قد يأمره بالذهاب إلى أهل القتلى وتعزيتهم .
قتيبة : ( مندهشا ) وهل سيفعل (الحجاج )ذلك ؟!
يزيد بن أسلم : وأكثر من ذلك
قتيبة : كيف ؟!
يزيد بن أسلم : ( مبتسما ) سيجزل العطاء والمنح لأهل وأقرباء القتلى .
قتيبة : لقد بدأت أخاف (الحجاج ).
يزيد بن أسلم : كلنا نخافه ونهابه ، فلا أمان لأحد من غضبه وانتقامه .
قتيبة : إنه سيف السلطان المسلط على رقاب الجميع .
يزيد بن أسلم : بل قل عقله ( يربت على كتفه ) وأنا أنصحك أن تغادر هذا المكان قبل أن
يحضر الحجاج .
قتيبة : ( مندهشا ) لماذا ؟!
يزيد بن أسلم : قد يقرأ ما تفكر فيه ويطلع على سريرتك .
قتيبة : ( مذعورا ) أتقول الحق ؟!
يزيد بن أسلم : لديه القدرة على قراءة أفكار من أمامه بل والاطلاع على مشاعره ..أذهب قبل
أن يحضر ، وأنا أراك مجهدا بعض الشىء فاذهب لتنل قسطا من الراحة .
قتيبة : ( متجها نحو الباب ) معك حق فأنا في غاية الاجهاد .
[يدخل الحجاج وراءه عباد بن الحصين ويحي بن منقذ وسعيدبن اسلم ]
الحجاج : ( يربت على كتف يزيد ) كتبت الرسا ئل التي سترسل إلى دمشق ؟!
يزيد بن أسلم : نعم أيها الأمير .
الحجاج : ( يرفع إصبعه مهددا ) حذار ان تكون كتبت كل ما حدث وإلا جلبت غضب الخليفة علينا .
عباد بن الحصين : ( ضاحكا ) كل ما حدث العالم كله سيعلم به، فكل ما حدث كان على مرأى
ومسمع حجاج بيت الله ،وهؤلاء من مختلف البلاد وسيعودون ويقصون ما رأوا
سعيد بن أسلم : وما رأوه يشيب من هوله الولدان .
يحي بن منقذ : لقد رأيت الكثيرين يغشى عليهم من هول ما رأوه .
عباد بن الحصين : والكثير من الحجيج قتلوا أثناء اشتباكنا مع قوات ( عبد الله بن الزبير) .
الحجاج : (الزبير) هو الذي قتلهم !
يحي بن منقذ : ( متعجبا ) كيف قتلهم ؟!
الحجاج : هو من اختار ميدان المعركة أن يكون الحرم، لذا فهو يتحمل دم كل من قتلوا .
عباد بن الحصين : لقد قُتل هو الآخر .
الحجاج : ( يمس على لحيته ) لم يبق أمامنا إلا تأدية واجب العزاء .
سعيد بن أسلم : فيمن ؟!
الحجاج : في (عبدالله بن الزبير ).
عباد بن الحصين : ( مندهشا ) تعزي من ؟
الحجاج : أمه .السيدة ( أسماء بنت أبي بكر) .
يحي بن منقذ : ومثلك لا يغفل عن هذا الواجب .
عبد الله بن الحصين : ولكن ألا ترى أن ذهابك لتعزية السيدة ( أسماء) غريب بعض الشيء ؟
الحجاج : كيف ؟!
عبد الله بن الحصين : أنك من قتلت (ابن الزبير) وقطعت عنقه ومثلت بجسمانه ولم تأمر بدفنه
للآن وبعد كل هذا تذهب إلى السيدة (أسماء ) لتعزيها .
يحي بن منقذ : عقلي لا يستطيع أن يستوعب هذا .
سعيد بن أسلم : دعك من هذا ..هل السيدة (أسماء) ستقبل العزاء في ابنها وجسمانه ما يزال مصلوبا على با ب من أبواب الحرم ؟!
الحجاج : ( مفكرا ) معك حق ..لماذا لم يخطر هذا الأمر ببالي من قبل ؟! ولكن هب
أننا لسنا من قتله أتقبل السيدة ( أسماء )العزاء ؟
عبد الله بن الحصين : نعم ..ستقبله !
الحجاج : إذن سأذهب للعزاء .
يحي بن منقذ : وهل يعنى هذا أننا لم نقتل (عبد الله الزبير) ؟!
الحجاج : لسنا من قتل ( عبد الله الزبير ).
يحي بن منقذ : ( متعجبا ) كيف وسيوفنا ما زالت تقطر من دمائه ودماء أصحابه ؟!
الحجاج : دعك من سيوفنا ومن دمه ..من الذي حكم بقتله .
يحي بن منقذ : ( متعجبا ) من ؟!
الحجاج : ( عبدالله بن الزبير) هومن حكم على نفسه بالقتل . .
يحي بن منقذ : كيف ؟
الحجاج : الزبير ألحد في الحرم بتحويله إلى ساحة للحرب في الشهر الحرام وتسبب في مقتل الكثير من حجاج بيت الله .
عبد الله بن الحصين : إذا اقتنعنا بهذا الكلام فهل السيدة أسماء ستقتنع ؟
الحجاج : وما جدوى اقتناعها ؟
عبد الله بن الحصين : استقبالك و ..
الحجاج : ( ينهض مقاطعا ) لا يوجد بيت في مكة يوصد بابه في وجه الحجاج ...مر الحراس يمهدون الطريق إلى بيت السيدة أسماء .
إظلام .
المشهد الثالث
في غرفة من غرفات بيت يقع في ثنية ( كدا ) (بالحجون ) بالقرب من الحرم المكي ، تنتظر ( أسماء ) أم ( عبد الله بن الزبير ) أن يسمح ( الحجاج بن يوسف الثقفي ) أن تواري جسد ابنها ( عبد الله ) التراب ، بعد أن قُتل وقُطع رأسُه وأصدر ( الحجاجُ ) حكمَه الجائر أن يُصلب ويبقى مصلوبا أياما بدون أن يُدفن .
الغرفة مربعة الشكل في عمقها فراش متواضع ، في وسطه لفائف كفن ،وبجواره الحنوط ،
وفي أقصى اليمين بجوار الجدار منضدة عليها خوذة وبجوارها سيف في غمد جلدي مهترئ ، وفي أقصى اليسار عباءة معلقة على مشجب رأسي وفوقها عمامة ..بنفذ شعاعا ضوء من كوة في أعلى الجدار جهة اليمين ، وكوة جهة اليسار ، ويتجمعا الشعاعان ليضاءا وسط المكان حيث تجلس ( أسماء ) منكسة الرأس محدودبة الظهر تبحث عن العصا بجانبها ، تمسك بها ، تنهض معتمدة عليها ، تتقدم نحو الفراش تجلس عليه ، تضع العصى على فخذها ، تصبخ السمع ، تدير رأسها يمينا ويسارا ..تسمع طرقا على الباب .
أسماء : ( مستفسرة ) من الطارق ؟
الحجاج : (الحجاج بن يوسف الثقفي) جاء ليؤدي واجب العزاء .
أسماء : ( تدق بعصاها على الأرض غاضبة ) من سمح لك بالدخول علي ؟
الحجاج : ( يتلقت حوله ) لم يسمح لي أحد ، ولم يمنعني أحد كذلك .
أسماء : (تقف وتتقدم خطوات من مصدر الصوت ) وهل يقدر أحد على منعك من شيء وقد ملأت أرض مكة ظلما وجورا و خوفا وفزعا .
الحجاج : ( يتلفت حوله ) لا يخافني إلا كل عاص متمرد .
أسماء : وهل كان (عبد الله بن الزبير) عاصيا ومتمردا ؟
الحجاج : نعم ، فقد نازع الخليفة الشرعي .
أسماء : وهو .ألم يكن طوال تسع سنوات خليفة شرعيا على الحجاز ومصر والعراق با بن الثقفي؟!
الحجاج : والآن ؟!
أسماء : مصلوب في طريق (مكة )، تأكل الطيور من جسده والهوام
الحجاج : هومن تسبب .......
أسماء : ( تقترب من مصدر الصوت ، وتدق بالعصا على الأرض مقاطعة) لا تقل أن (عبد الله الزبير ) هو من تسبب في قتل ( عبد الله الزبير ) ،كما قلتم على (الحسين ): قتله من أخرجه .
الحجاج : نعم ، ولو لم يخرج (الحسين ) ماقتل ، ولولم يصمم ( عبدالله الزبير) في البقاء في الحرم ما قتل .كان أمامه أن يذهب إلى (الشام) مبايعا ، وكان أمامه أن يذهب إلى أي مكان في العالم و ..
أسماء :(مقاطعة ) كنتم تقبلون منه أن يفعل أي شيء إلا أن يقيم عليكم الحجة .
الحجاج : ( متعجبا ) أي حجة تقصدين ؟!
أسماء :أنكم قتلة الأنبياء ..وسفاكو دمائهم .
الحجاج :( متعجبا ) نحن لم نقتل أنبياء !!
أسماء : بل قتلتوهم ألف مرة ، بنشركم الفساد ورفعكم لراية الظلم ،وتبديدكم للعدل ومحاربتكم للخير ووأدكم للحب ..كل أنبياء الله يتبرأون من أفعالكم ،كل أنبياء الله بجأرون بالشكوى من أعمالكم .
الحجاج : ( يتقدم نحوها باسطا يده ) إني أمد يدي معزيا وهذا ماجئت من أجله .
أسماء : (تتراجع خطوات للخلف ، قابضة بيدها على يد عصاها ) أرجع يدك التي تقطر دما .وشلت يداي إن لامست يدك .
الحجاج : ( متعجبا) لم يا أماه ؟! .
أسماء : ( ترفع العصا في وجهه ) لست بأمك ، ولعنت تلك البطن التي حملتك ، وعقمت النساء وغاضت أرحامهن إن لفظن سفاحا مثلك إلى العالم .
الحجاج : ( نافد الصبر ) ما زلت أمد في حبال الصبر ...ولكن حذار إن نفد صبري .
أسماء : (تلوح بالعصا في وجهه ) وماذا بيدك أن تفعل ..هل ستأمر بقطع عنقي أم ستأمر بصلبي كما صلبت أشرف من كان (بمكة) . ..حفيد الصديق ..حفيد ثاني اثنين وابن حواري رسول الله .
الحجاج : ( يستدير متجه نحو الباب ، ثم يعود إليها ) لقد قصدتُ بابك معزيا ...وأوصدتيه دوني ...قد تدقين بابي غدا ولكني لن ...
أسماء : ( مقاطعة ) تحسب أني قد اذهب إليك متوسلة متضرعة أن تعطيني جسد فلذة كبدي لأواريه التراب ...لا لن أفعل ذلك...وليبق جسده شاهدا على جريمتك ، ولتلعنك كل حبة رمل من رمال (مكة ) سال دمه عليها ، وكل حجر من جبالها سمع صرخة حق جأر بها ، أخرج أيها المبير ، وإني أحمد الله أن كُف نظري كي لا أرى وجهك الشيطاني .
الحجاج : ( خارجا ) لن ألومك أيتها الأم الثكلى .
أسماء : لست بالثكلى ، فإن قتلتم (الحسين) بالأمس سيكون هناك ألف (حسين) ، وإن كنتم قتلتم (الزبير) اليوم فسيكون هناك الف (زبير) ، الدم الطاهر الذي روى الأرض الظمأي المباركة سينبت رجالا يسطع بسيوفهم الحق ، ويزهقون بأيديهم الباطل والضلال .
إظلام .
الفصل الثالث
المشهد الأول
في قصر الحجاج في مدينة واسط بالعراق ، يسير الحجاج مترنحا محدودب الظهر منكس الرأس ،زائغ العينين ، يجرجر طرف ثوبه على الأرض عاري الرأس ، أشعث الشعر ، وقد غزى الشيب فوديه ، يعود ويتهاوي على مقعده ، يتلفت حوله ، يحدق في منطقة الظلام التي يجلس فيها ( كليب ) .
الحجاج : ( يشير إلى كليب بإصبعه المرتعش ) أأنا فعلت كل تلك الجرائم ؟!
كليب : ( يخرج من منطقة الظل ) تقصد كل تلك المذابح .
الحجاج : ( زائغ العينين ) لا ..لا لم أفعل شيئا مما عرضته على ..أنت شيطان رجيم ...أنت من ألد أعدائي .
كليب : ألك أعداء ؟
الحجاج : أعدائي كثيرون ، لا يعدهم الحصر .
كليب : لماذا ؟
الحجاج : ماذا تقصد ؟
كليب : لماذا أعداؤك لا يعدهم الحصر يا حجاج ؟
الحجاج : ( متضايقا ) دعك من هذا ...أنا لم أفعل شيئا مما قلته ، أنا يدي ...
كليب : (مقاطعا ) يدك ...أنظر إلى يدك جيدا ...قربها من عينيك الكليلتين ...شمهما ستجدهما مضمختين بلون الدم ، تفوح منهما رائحة دم ضحاياك .
الحجاج : ( يخفي يديه بين فخذيه ) لا شأن لك بيدي أو بقدمي ...أغرب عن وجهي ..أنا لم أفعل شيئا ..لقد اجهدتني ...وأمرضتني أيها اللعين ...
كليب :( يقترب منه ) كل ما فيك ضعف وخار إلا عنادك وبقية من جبروتك وطغاينك وبطشك ..ولا اخال أن كل هذا سيزول إلا بموتك
الحجاج : ( يقف منتفضا ) لا تذكر الموت ... لا أريد أن أموت .
كليب : أوتظن نفسك من الأحياء ؟! أنت ميت منذ أمد بعيد .
الحجاج : ( يجلس مندهشا ) ما هذا الهراء الذي تقوله ؟!
كليب : من قتل يقتل ...وأنت قتلت مئات الآلاف ..فأنت لم تمت ميتة واحدة ولكن مت مئات الآلاف .
الحجاج : ( يلوح بيده مستسلما ) ما الذي ستجنيه من أن تعذبني وتمعن في ذلك ؟!
كليب : أنسيت ما أتفقنا عليه ؟
الحجاج : ( مندهشا ) علام أتفقنا ؟
كليب : أن تعترف وتقر بكل ما فعلته وتعلن مسؤليتك التامة والكاملة وتوقع أنك كنت في كامل حريتك ووعيك .
الحجاج : وهل هذا سيقذني من العذاب والمعاناة .
كليب : ربما ...وربما يزيد في عذابك ومعاناتك .
الحجاج : أتعبث بي وتسخر مني ؟
كليب : لا تنس أنها محاولة .
الحجاج : قد تفشل .
كليب : وقد تنجح ...ولا تنس أن الإقرار بالذنب في حد ذاته فضيلة ..أو هو أول خطوة في سبيل التكقير على الذنوب الكثيرة ...والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
الحجاج : (مترددا ) ولكن ماعرضته علي جرائم كثيرة بل هي فظائع و ...
كليب : ( مقاطعا ) بهذا أنت تتراجع عن السير في الطريق الصحيح .
الحجاج : على الأقل لا أتحمل مسؤولية كل ما حدث وحدي .
كليب : ( بإصرار ) أنت المسؤول والأول والأخير وتتحمل دم كل القتلى والضحايا الذين قتلوا هناك في (مكة) وهنا في (العراق) .
الحجاج : ( يقف غاضبا رافعا ذراعيه ) أصار (الحجاج ) متحملا جريرة كل الدماء التي تسفك في العالم ؟ !
كليب : نعم ، وأكثر من ذلك .
الحجاج : ( يجلس ، يمسح على لحيته محدقا في كليب ) أغرك مني مسايرتي لك ، وموافقتي على ما تقول إني فعلته في (مكة )، وتريد أن تحملني ذنب قتلة آخرين ، ألم تنجب الأمهات قاتلا غيري ؟!
كليب : لم تنجب الأمهات قاتلا بلغت به الجرأة أن يقذف البيت الحرام بالحجارة في الشهر الحرام ويقتل حجاج لا ذنب لهم إلا أنهم يقضون فريضة مقدسة عليهم لله . ويقتل صحابي جليل ابن حواري رسول الله وأمه أخت زوج رسول الله ، ولم يكتف بذلك بل يقطع رأسه ورؤوس أصحابه ليرسلها إلى أسياده في الشام ، ويصلب جسده ، ليراه الرائح والغادي ، وتأكل الطير والهوام من جسده ، ويرفض كل التوسلات والتضرعات ليدفن ، ومن يفعل ذلك ، فليس بعزيز عليه أن يفعل ما دون ذلك هنا في (العراق )...على الأقل (العراق) ليس له حرمة (مكة) .
الحجاج : ( يبسط أصابع يده الممدودة على جانبي المقعد..منكسا رأسه ) (عبد الله بن الزبير) هو الذي أضطرني أن أقذف البيت الحرام بالحجارة و ...
كليب : ( مقاطعا ) هذا ما تقوله وماتعلنه لتبرر فعلتك النكراء وتصرفك الحمق الأرعن .
الحجاج : ( يضم أصابع يده إلى فمه ويعضها ) قلت لك هو الذي اضطرني إلى ذلك .
كليب : ( يقترب منه واضعا يده على كتفه ) كان أمامك ألف تصرف إلا ما فعلته .
الحجاج : ( ينتفض واقفا ويدفع كليب بعيدا عنه ويسير مترنحا ، مستندا إلى الحائط ) قلت لك ..
كليب : ( يحاصره ) كان معك ألفين فارس من الشام ، ومنعت الماء والطعام عن( مكة )، وأغريت كل من حول ( عبد الله بن الزبير ) بالتخلي عنه ومنحت لهم الأمان ، حتى ولديه ( حمزة ) و (حبيب ) لجأا إليك طمعا في وعودك ، فما مبررك بعد ذلك أن تقذف الحرم بالحجارة .
الحجاج : لم يكن ليستسلم ...أنا أعرف معدن (ابن الزبير )، إنه عنيد (كالحسين) و,,
كليب : إذن فعلت ما فعلوه (بالحسين )، قطعت رأسه وأرسلتها إلى أسيادك في الشام ، لم تكتف بذلك ، لابد أن تضع خاتمك ، ليعرف العالم كله مدى قسوتك وجبروتك وبشاعتك ووقاحتك وسفالتك ، تأمر بصلب الرجل ، وبعد ذلك تذهب إلى أمه مهددا إياها ، لو كان في صدرك قطعة من الحجر بدلا من قلبك للان الحجر ، لو كان قطعة من الحديد مكان كبدك لتفتت الحديد وذاب . لك قلب أشد قسوة من الحجارة ، ولك كبد أشد صلابة من الحديد .
الحجاج : ( يعود إلى كرسيه متهاويا عليه ) الظروف هي التي دفعتني إلى فعل هذا .
كليب : ( مندهشا ) أي ظروف تقصد ؟
الحجاج : ( بصوت متحشرج ) كنت أريد أن اخلص الحرم مما يحدث فيه بأسرع وقت ، إنها فتنة ،ولابد من القضاء عليها بأي ثمن فأمن وسلامة الحرم مقدمة على كل شيء ،.وأنهيت كل شيء في أيام وخلصت ونظفت الحرم مما حدث فيه وعاد الحجيج إلى ممارسة مناسكهم .
كليب : وما فعلته هنا في العراق ..هل الظروف هي التي دفعتك إلى ذلك ، وامن وسلامة العراق هي التي دفعتك كذلك ؟
الحجاج : ( ينتفض واقفا ) أنا لم أفعل شيئا في العراق . ..كفاك حملتني كل ما حدث في مكة ...
كليب : والسجون التي بنيتها في العراق .
الحجاج : لم أبن سجون .
كليب : والذين ماتوا في سجونك من النساء والرجال وبالمئات ظلما وبدون جريرة وبدون محاكمة . .
الحجاج : لم أسجن أحدا .
كليب : والذين قتلتهم بدون أي شبهة .
الحجاج : لم أقتل أحدا .
كليب : وعبد الله بن الجارود ؟.
الحجاج : لا أعرفه .
كليب : وقطري بن الفجاءة ؟
الحجاج : لم أره .
كليب : ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ؟
الحجاج : لم أقابله .
كليب : وعبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري ؟
الحجاج : لا أذكره .
كليب : ( يقترب منه واضعا يده على كتفه ) و سعيد بن جبير ؟
الحجاج : ( مفكرا ) من سعيد بن جبير هذا ؟!
كليب : ( مقتربا منه ) ألا تعرفه ..من كنت تطلق عليه ( شقي بن كسير ) ..ألم تأمر بذبحه يا حجاج ؟! قد تنسى كل من قتلتهم إلا( سعيد بن جبير) ..أقدح زناد فكرك يا حجاج (سعيد بن جبير) الذي أحال ليلك إلى جحيم لا يطاق ، ونهارك إلى ندم لا يحتمل بعدما ذبحته .
الحجاج : ( شاردا ) من سعيد بن جبير هذا تحدثني عنه ؟!
كليب : ( مبتعدا عنه ) ألا تذكره ...إن دمه لم يجف عن النطع بعد ، والسيف الذي ذبحته به مازال يقطر دما .
الحجاج : ( ممسكا رأسه بكلتا يديه ) النطع ...السيف ...الدم ...الدم ..
كليب : ( ساخرا ) بل قل نطوع ..وسيوف ...ودماء .
الحجاج : ( يدق فوق رأسه ) الغشاوة تنزاح ..أتذكر كل شيء ...نعم الذكريات تتزاحم وتتسابق
كليب : ( يهز رأسه ) بل قل تتصارع .
الحجاج : ( يحيط رأسه بذراعيه ) أشعر بألم لا يطاق ...مطارق من حديد تعصف برأسى ...ومع كل طرقة تتفجر الأحداث التي مرت بي ..نعم الآن تذكرت الظلام يتبدد ، كل شيء صار واضحا جليا .
كليب : ( مندهشا ) تذكرت كل شيء !
الحجاج : ( يحرك يده أمامه في الهواء ) هاهي الأحداث تمر أمامي متدفقة متزاحمة.
كنت أظن اني فقدت عقلي ونسيت كل شيء .
كليب : وتكرت كل من قتلتهم .
الحجاج : ( يمسج على جبينه ) أقول لك تذكرت كل شيء .
كليب : لماذا قتلتهم ؟!
الحجاج : ( ينهض ويسير خطوات إلى وسط المكان متذكرا ) حينما قتلت أول رجل لم أنم لأيام ، والندم كان يمزق كبدي ، ولكن الطريق الذي سرت فيه جعلني بين خيارين : أما أن أكون قاتلا اومقتولا ، فاخترت أن أكون قاتلا ، حينئذ لم أكن أنام قرير العين إلا بعد أن أقتل ، ولم أشعر بوخذة الندم ، بل كنت أشعر بالبهجة والسعادة كلما أمرت بالقتل ، الدماء التي تسيل كأنها خمر كانت تسكرني ، لم أكتف أن أشرب تلك الخمر ، بل كنت أريد أن أجعلها بحرا أسبح فيه ، وكنت أعلو وارتفع على جماجم وجثث القتلي ، الجميع يهابونني ويخافون مني ، لا ينتظرون أن أتكلم ، يكفي الإشارة او الإيماءة ، أعلم أن الجميع يكرهونني ، ولكن بماذا أستفدت بحبهم فيما مضى ، الناس لا يحبون أحدا ، وإن أحبوا فهم لا يحترمون ولا يوقرون ، الخوف والرهبة التي تقذفها في القلوب هي من تجعل لك مكانة بينهم ،لا أتجاوز عن إساءة المسىء ،ولا أقبل إحسان المحسن ، كنت مجرد معلم للصبيان ، نكرة لا أحد يعبأ أو يكترث بي ، أصبحت الرجل الأول في أكبر وأعظم دولة في العالم ، لأني قتلت وذبحت وصلبت المئات بل الآلاف بل مئات الآلاف ،ويتمت أطفالا ورملت نساءا وجعلت أمهات ذكلى ، وسجنت شبابا ورجالا ونساءا ، وعذبت الكثيرين ، أنا الحجاج بن يوسف الثقفي ، لم أصنع مجدا لي فحسب بل صنعت مجد دولة ، أنا تلك الدولة بكل جبروتها وسطوتها وسلطانها ، لو لم أكن لما كانت دولة ولما كانت خلافة ، ولما كانوا ملوكا أو أمراء .
كليب : وماذا أنت الآن ؟
الحجاج : ( يعود إلى مقعده ) سعيت إلى الأمراض من كل حدب وصوب ، لا أهنأ بطعام ولا شراب ولا نوم ، أشعر بطعم مرارة الحياة في حلقي ، ولكن دع كل هذا .وأخبرني ما أراه في نومي ويقظتي سيتوقف ...هؤلاء الذي يلاحقونني سيتركونني لحال سبيلي ، أم أنهم ( يتلفت حوله ) أين أنت ؟ ! أين ذهبت يا كليب ؟( يجري هنا وهناك ) الآن تهرب منى ؟ يا كليب ..يا كليب .
الحارس : ( يدخل مذعورا ) أتريد شيئا يا سيدي ؟ سمعتك تنادي ؟!
الحجاج : ( ساخرا ) أكنت نائما كعادتك ؟!
الحارس : ( مضطربا ) لا سيدي أنا في قمة اليقظة والوعي .
الحجاج : ألم يخرج أحد ؟
الجارس : ( متعجبا ) لم يدخل أحد ولم يخرج يا سيدي وإلا لكنت رأيته !
الحجاج : ( غاضبا ) لمااذ تنظر إلى هكذا ...أتظنني جننت ؟!
الفارس : ( مفزوعا) عفوا يا سيدي .
الحجاج : ( غاضبا ) أخرج ولا تتدخل إلا حينما أستدعيك .
الحارس : ( يصطدم بالباب ) سمعا وطاعة سيدي .
الحجاج : ( يقبض على جانب المقعد بتوتر ) لا أدري يا ( كليب ) أجلبت لي الراحة أم الشقاء ؟ أم أنني كنتُ شقيا فزدت في شفاوتي ...وفيما كان ظهورك ؟! وفيما كان اختفاؤك الآن ؟! الآن تأكدت ...أنت شيطان يعبث بي ...نعم شيطان ..بل شيطان الشياطين ... ولكن إذا كان شيطانا فلماذا لم يظهر لي إلا الآن ؟! ربما يكون كل هذا خبالا وأوهاما..وإذا كان خيالا وأوهاما فأنا على حافة الجنون ،أو أكون قد جننت حقا ، وهل المجنون يدرك أنه مجنون ؟! لا أنا عاقل بل أنا في قمة العقل ...وهل العاقل يرى ما تراه ويسمع ما تسمعه ؟! أنا أتوقع ظهورهم في أي لحظة ، يخرجون إلى من الظلام ، من الزوايا ،من النوافذ ، من الأبواب ، يهبطون على من السماء ، يجرون ورائي بلا رؤوس ودماؤهم تسيل ، يسبحون فيها ، إني أشم رائحتهم ، أرى ظلالهم ، أسمع وطء أقدامهم ، أشعر بأنفاسهم ، إنهم يقتربون ..يقتربون ....أيها الحارس ..أيها الحارس .
الحارس : ( يدخل مفزوعا ) سمعا وطاعة يا سيدي .
الحجاج : ( يقترب منه ) ماذا تفعل بالخارج ؟
الحارس : (مرتعدا ) أقوم بنوبة حراستي !
الحجاج : من الآن تقوم بنوبة حراستك في الداخل هنا وليس في الخارج .
الحارس : ( متعجبا ) ما تأمر به يا سيدي .
الحجاج : ( يتلفت حوله ) اذهب وادع رئيس حرس القصر بسرعة .
الحارس : ( ينصرف ) سمعا وطاعة يا سيدي .
الحجاج : ( يستوقفه ) إلى أين أنت ذاهب أيها الأحمق ولماذا تترك نوبة حراستك ؟
الحارس : ( مندهشا ) أدعو رئيس الحرس كما أمرتني !
الحجاج : وهل هذا يستدعي أن تترك نوبة حراستك هنا ؟
الحارس : ( مندهشا ) وكيف سأدعوه إن لم اغادر المكان هنا ؟!
الحجاج : ( يتلفت حوله ) اذهب وعد بسرعة ...لا تغلق الباب .
الحراس : لن أتأخر يا سيدي .
الحجاج : ( يذهب إلى مقعده ) لن أجعلهم يقتربون منى أو يظهرون هنا أو في أي مكان في القصر ...لن أسمح لهم أن يطاردوني كما كانوا يفعلون ، سأقتلهم مرة أخرى كما قتلتهم من قبل ...
رئيس الحرس : ( يدخل ووراءه عدد من الحراس ) من هؤلاء الذين ستقتلهم ؟!
الحجاج : ( منتبها ) لا شأن لك بالأمر . ولتفعل ما أمرك به فورا .
رئيس الحرس :( مندهشا ) ولكنك لم تأمرني بشيء !!
الحجاج : الحراس من الآن يحرسون من داخل القصر ..أمام النوافذ والأبواب وفي الزوايا ..وفي كل مكان . ..وضع أكبر عدد من الحراس هنا في تلك القاعة .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) ولكن إذا كان هناك خطر فهو لا يأتي إلا من خارج القصر !
الحجاج : الخطر من داخل القصر وليس خارجه .
رئيس الحرس: لا يوجد ما يمثل خطرا داخل القصر .
الحجاج : وما أدراك أنت ؟
رئيس الحرس : لن تدخل نسمة هواء داخل القصر إلا بعد أن تمر بمئات الحراس حول القصر ، وفي كل مكان داخل القصر أيضا .
الحجاج : ( يقترب منه ويسر في أذنه ) ألم ترهم ؟
رئيس الحرس : ( متعجبا ) تقصد من ؟!
الحجاج : ( يتلفت حوله ) مقطوعي الرؤوس .
رئيس الحرس : ( يحدق في وجه الحجاج ) ومن الذي قطع رؤوسهم ؟!
الحجاج : ( غاضبا ) لا شأن لك بهذا الأمر ، لينتشر الحراس في كل مكان داخل القصر ..هنا وفي كل مكان .
رئيس الحرس : ( متعجبا ) هنا ..في تلك القاعة ؟!
الحجاج : نعم ..أمام الأبواب ..وأمام النوافذ وفي الزاويا ...وفي الظلام .
رئيس الحرس : ( متعجبا ) الآن ؟!
الحجاج : الآن .
رئيس الحرس : وأنت موجود هنا ؟
الحجاج : بل لا يتواجدون إلا وأنا موجود .
رئيس الحرس : ( يقترب منه ) سيدي ..أنا اول مرة أراك ..
الحجاج : ( مقاطعا ) أتظنني خائقا ؟
رئيس الرحس : لا ..حاشا لله ..ولكني أول مرة أراك حريصا على ...أتتوقع خطرا ما ..أو مؤامرة على وشك الحدوث ..أو شيء من هذا القبيل .
الحجاج : لا أتوقع ..بل أنا على يقين من الخطر .
رئيس الحرس : ممن ؟
الحجاج : مقطوعو الرؤوس .
رئيس الحرس : ( يمسح على لحيته ) مرة أخرى مقطوعو الرؤوس .
الحجاج : ( غاضبا ) لتفعل ما أمرك به بدون مناقشة .
رئيس الحرس : ( يلتفت إلى الحرس وراءه ) لتبقوا هنا في القاعة ولا يغادر أحد مكانه ...لا اريد بعوضة تدخل من نافذة أو باب ..أعينكم مفتوحة ..وأيديكم على مقابض سيوفكم ، واذانكم على اتم الاستعداد لتلبية أوامر أميرنا وقائدنا (الحجاج ).
الحجاج : ( متلفتا حوله ) أين هو (الحجاج )؟!
رئيس الحرس : ( مشيرا إليه مندهشا ) أنت يا سيدي (الحجاج ) أميرنا وقائدنا !
الحجاج : ( مندهشا مشيرا إلى صدره ) أنا (الحجاج )...من أخبرك بهذا ؟!
رئيس الحرس : ( مشيرا إلى الحراس بالابتعاد ) سيدي ..أتشكو من مرض ؟!
الحجاج : ( يتحسس وجهه ورأسه ) نعم ..أشعر أنني مريض .
رئيس الحرس : أدعو لك الطبيب .
الحجاج : لمن الطبيب ؟!
رئيس الحرس : لك يا سيدي !
الحجاج : ( متعجبا ) لي ؟! لماذا ؟!
رئيس الحرس : ألم تقل إنك تشعر بالمرض ؟ !
الحجاج : ( منكرا ) أنا قلت هذا ؟ وإن كنت أشعر بالمرض فلماذا قول لك ؟ أأنت طبيب ؟!
رئيس الحرس : ( متحرجا ) أنا خادمك المطيع .
الحجاج : ( مشيرا إلى الحراس في عجب ) وماذا يفعل كل هؤلاء الحرس هنا ؟!
رئيس الحرس : ( يتراجع إلى الوراء ) لقد أمرت أن يبقى الحرس هنا .
الحجاج : ( مندهشا ) ومنذ متى يبقى الحرس هنا داخل القاعة ؟ !
رئيس الحرس : ( واضعا يده على رأسه ) أنا على يقين يا سيدي أنك طلبت منى أن يقف الحرس داخل القاعة أمام الأبواب والنوافذ و...
الحجاج : ( غير مكترث ) مرهم أن يخرجوا ولتبق أنت ، أريدك لأمر هام .
رئيس الحرس : ( يومئ للحرس بالخروج ) ماذا تريد مني يا سيدي ؟!
الحجاج :( مندهشا ) لماذا لم تنصرف معهم ؟!
رئيس الحرس : لقد أمرتني أن أبقى !
الحجاج : ولماذا تبقى ؟
رئيس الحرس : لأنك تريدني في أمر هام .
الحجاج : ما هذا الأمر الهام ؟
رئيس الحرس : لا أعرف .
الحجاج : إذن لماذا تبقى ؟
رئيس الحرس : لا أعرف .
الحجاج : من أنت ؟
رئيس الحرس : أنا رئيس حرسك .
الحجاج : وأين هم الحرس ؟
رئيس الحرس : لقد أمرتهم بالإنصراف .
الحجاج : ولماذا أمرتهم بالإنصراف ؟!
رئيس الحرس : ( غير مصدق ما يسمعه ) لأنك طلبت مني أن أصرفهم !
الحجاج : أنا ..طلبت ..منك ..أن تصرف الحرس ؟
رئيس الحرس : أنا لا أفعل شيئا إلا بعد أن تأمر بذلك .
الحجاج : إذن طالما الحرس انصرفوا فلتنصرف أنت أيضا .
رئيس الحرس : ( متجها نحو الباب ) فليأذن لي سيدي .
الحجاج : إلى أين ؟!
رئيس الحرس : انصرف .
الحجاج : لماذا ؟
رئيس الحرس : لأنك أمرت بذلك منذ لحظة .
الحجاج : وما سبب حضورك ؟
رئيس الحرس : أنك دعوتني .
الحجاج : إذن لماذا أمرك بالإنصراف إذا كنت قد دعوتك ؟
رئيس الحرس : ( حائرا ) لا أدري هل أبقى أم أنصرف ؟!
الحجاج : ( بدون اكتراث متجها نحو الباب) أنت حر ..إن شئت لتبقى وإن شئت لتنصرف ...أما أنا فسوف أنصرف .
إظلام .
المشهد الثاني
في قاعة بقصرالحجاج بمدينة واسط بالعراق، يجلس الطبيبان ( تياذزق ) و ( ثيازون ) في انتظار مجيء الحجاج .
تياذوق : لقد أمضيت وقتا طويلا مع (الحجاج) ..وجلست مرات معه ..وللآن لم توصف له دواء .
ثيازون : ( مفكرا ) وأظنني لن أوصف له دواءا .
تياذوق : ( مندهشا ) لماذا .
ثيازون : لا دواء له .
تياذوق : أهو خرف الشيخوخة ؟
ثيازون : ( يمسح على لحيته ) قد يكون .
تياذوق : ( محتدا ) أبعد كل هذا لم تصل إلى تحديد مرضه بالضبط ؟
ثيازون : ( ينهض ويدور حول كرسيه ) ومن قال لك إني لم أصل إلى تحديد مرضه .
تياذوق : ( مندهشا ) ألم تقل إن لا دواء له ؟!
ثيازون : ( مقتربا منه مربتا على كتفه ) حالة (الحجاج )إلى جانب أنها معقدة وخطيرة فهي نادرة الحدوث بل تكاد لا تحدث بالمرة .
تياذوق : ( ضاحكا ) إذن جلوسك لساعات طويلة في حديقة القصر مفكرا لم يضع هباء .
ثيازون : بل التفكير في حالته أبعدت النوم عن جفوني ليالي طويلة ، فما سمعته عن الرجل وأنا في طريقي من ( خرسان ) إلى هنا ، وما قام به في (مكة) وفي (العراق) طوال العشرين سنة الماضية ، وما سمعته من المقربين منه ، ومنك بصفتك طبيبه الخاص ، وأنك في آخر مقابلة لك معه لاحظت أنه يشكو من فقدان ذاكرة مؤقت ويري في أحلامه أو في يقظته إناسا يطاردونه لا يعرفهم مع أنهم يعرفونه جيدا ......
تياذوق : ( متعجبا ) لماذا توقفت عن الكلام أكمل ما بدأته ؟ ماذا بعد كل ما سمعته وعرفته ؟!
ثيازون : أضف إلى كل ذلك ما يشكو من علل جسدبة زادت واستفحلت في المدة الأخيرة ، وكل أوصافك وأدويتك لم تجد نفعا،وهو أعترف لك بذلك ......
تياذوق : لن أمضى الجلسة استنطقك ..ما بك اليوم يا ثيازون ..تكلم يا صاح .
ثيازون : ( يتلفت حوله ) لبشاعة وخطورة ما فعله الرجل ...
تباذوق : ( مقاطعا ) تقصد (الحجاج) ؟
ثيازون : لبشاعة وخطورة ما فعله (الحجاج )، وكم الدماء التي سفكها على مدى تاريخه صار كيانه ووصوله إلى تلك السن ، وكثرة الأمراض التي يشكومنها ، وإحساسه بقرب الموت منه ، ويقظة ضمير ، وأظن في المدة الأخيرة بعد أن استتب له الأمر وهدأت وسكنت العواصف والمؤامرات والحروب ، قام بمراجعة ما مضى ، وصل حالة ....
تياذوق : ( مقاطعا ) ما الحالة التي وصل إليها ؟! وإن كنت لا أفهم كثيرا مما تقوله !
ثيازون : ( يعصر جبينه ) كيف أقولها لك ؟
تياذوق : ( مندهشا ) أأنت عاجز عن التعبير عن حالته أما أنا عاجز عن فهم ما تقوله ؟! ما بك اليوم يا رجل ؟! لم أرك في مثل تلك الحيرة من قبل وأنت من كتبت وحللت وشرحت الكثير من العلل النفسية والعقلية .
ثيازون : (شاردا ) صار كيان الرجل لا يتحمل إلا أمرين ...
تياذوق : ما هذان الأمران ؟
ثيازون : إما (الحجاج ) بلا ذكريات وبلا تاريخ ...وإما الذكريات والتاريخ بلا (حجاج ) .
تياذوق : ( متعجبا ) ثكلتني أمي لو كنت أفهم مما تقوله شيئا !!
ثيازون : ( مفكرا ) ألم تلحظ أنه لا يتحدث عن نفسه مطلقا ، وإن تحدث عن نفسه فهو يستعمل ضمير الغيبة ، وكأنه يتحدث عن رجل لا يعرفه ، وأنه في حالة تذكره أحداث ما مضى وبالأخص الأحداث الرهيبة التي قام بها ، لا ينسبها إلى نفسه بالمرة ؟
تياذوق : تقصد أنه قام بعملية فصل لا إرادية كفاعل أساسي للأحداث التي قام بها .
ثيازون : ليس هذا فحسب ..بل هو ينكر نفسه ويغيبها إذا تذكر الأحداث ، وكأنه لا علاقة له بما حدث لا من قريب ولا من بعيد .
تياذوق : ومن فعل كل ما حدث ؟
ثيازون : (الحجاج ).
تياذوق : ألم تقل إنه لم يفعل ؟!
ثياذون : أنا وأنت وغيرنا يعلمون ذلك ، ولكن (الحجاج) نفسه لن يعترف مطلقا إلا بشيء واحد ...كونه (الحجاج) لم يفعل أي شيء وأن يده بيضاء طاهرة وبرئ من دم كل ضحاياه .
تياذوق : ولكن ما فعله حقيقة وواقع ومسجل ..
ثياذون : ( مقاطعا ) لا ينسبها إلى نفسه .
تياذوق : إذن إلى من ينسبها ؟
ثيازون : إلى (الحجاج ) .
تياذوق : إذن هو أعترف بمسؤليته .
ثياذون : ( مبتسما ) لا ، لم يعترف على نفسه
تياذوق : لم ؟
ثيازون : لأنه ليس (الحجاج ) أمام نفسه .
تياذوق : ( يمسح على رأسه متنفسا الصعداء ) الأن فقط فهمت .
ثيازون : فهمت ماذا ؟
ثياذوق : مدى بشاعة وجرم ما فعله (الحجاج )، وان كل ما يفعله الإنسان من شر وسوء للآخرين مردود إليه ، بل فيه إذاء لنفسه قبل أن يؤذي الأخرين
ثيازون : وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
ثياذوق : ( ينهض واقفا أمامه واضعا يديه خلف ظهره ) والآن ماذا أنت فاعل للرجل ؟
ثيازون : لا شيء .
ثيازوق : ألن تكاشفه بحقيقة أمره ؟
ثيازون : لا .
ثياذوق : ( متعجبا ) لماذا ؟
ثيازون : في اللحظة التي سيكتشف حقيقة حالته قد يقتل نفسه .
ثياذوق : ( مندهشا ) يقتل نفسه ؟! لماذا ؟!
ثيازون : عقابا له على كل ما فعله .
ثياذوق : أوليس من خيار سوى القتل ؟
ثيازون : بلى.
ثياذوق : ماهو ؟
ثيازون : المحاكمة .
ثياذوق : ( مندهشا ) المحاكمة !
ثيازون : نعم ...العدل .
ثياذوق : ومن يحاكم من ؟ لا أظن يوجد أحد يحاكم (الحجاج ) .
ثيازون : ( مبتسما ) يوجد .
ثياذوق : ( متلهفا ) من ؟
ثيازون : (الحجاج ) نفسه .
ثياذوق : ( متعجبا ) (الحجاج) يحاكم (الحجاج )!! الخصم والحكم في نفس الوقت !!
ثيازون : في تلك المحاكة لن يكون (الحجاج) هو القاضي .
ثياذوق : إذن من ؟
ثيازون : ضحيته .
ثياذوق : تقصد من ؟
ثيازون : أكبر ضحية (للحجاج )هو (الحجاج) نفسه .
ثياذوق : ( ينهض رافعا طرف العباءة على كتفه ) إذن لا مبرر لوجودنا الآن .
ثيازون : ( ينهض متجها نحو الباب ) نعم ، أمامي سفر طويل .
ثياذوق : ألن تبقى معي بعض الوقت ؟
ثيازون : لا ، أريد أن أعود إلى (خراسان) على وجه السرعة .
ثياذوق : أستطيع أن أخمن ماذا ستفعل فور عودتك .
ثيازون : سأكتب عن حالة (الحجاج ) .
ثياذوق : معك حق .
ثيازون : ألا تستحق أن يكتب عنها .
تياذوق : ( ضاحكا ) ولكن لا تصرح ..وإلا سيكون آخر ما تكتبه .
ثيازون : دائما ستظل الصراحة والحقيقة متوارية .
تياذوق : ( يربت على كتفه ) متوارية ...وسيعثر عليها من يبحث عنها ..ولكن لي طلب أرجو ألا يكون ثقيلا عليك .
ثيازون : تفضل .
تياذوق :أن ترسل لي نسخة بما سوف تكتبه عن ( الحجاج ) .
ثيازون : ( ضاحكا ) هو معك ليل ونهار ..وأنت طبيبه الخاص .
تياذوق : نعم ، طبيب جسده ، وليس عقله وفكره ، وأنت كشفت لي الكثير ووضحت لي أمورا كنت أجهلها .
ثيازون : سوف أرسل لك ما أكتبه .
تياذوق : على وجه السرعة ..رجاء .
ثيازون : إن أردت أن احضر إليك بنفسيب فلا مانع .
تياذوق : ( ضاحكا ) لا أريدك أنت ..وإنما أريد ما تكتبه .
ثيازون : سيكون تحت يدك قريبا ..وولكن حذار أن يطلع عليه أحد .
تياذوق : لن أطلع عليه أحدا سوى (الحجاج ) .
ثيازون : ( ضاحكا في سخرية ) إذن سيكون آخر شيء أكتبه .
تياذوق : وسيكون أخر شيء أقرأه .
إظلام
المشهد الثالث
في القاعة الرئيسة في قصر (الحجاج )، الجارية والساقي منهمكان كل في علمهما .
الجارية : ( تتهاوى على المقعد ) لم أعد قادرة ، فمنذ الصباح لم أتوقف عن العمل ، فمنذ دخل الحراس داخل القصر ، لم يعد قصرا وإنما معسكرا .
الساقي : ( يجمع القناني المكسورة حوله ) وأنا كل يوم أجمع أعدادا لا حصر لها من القناني المهشمة .
الجارية : ( متعجبة ) من الذي يقوم بتحطيمها ؟!
الساقي : ( متلفتا حوله ) سيدي الأمير .
الجارية : ( متعجبة ) ولماذا يقوم بتحطيمها ؟!
الساقي : ( مقتربا منها ) لا هو لا يحطمها ..بل يقذفهم بها .
الجارية : ( مفزوعة ) يقذف من ؟
الساقي : الذين يتحدث إليهم ويتحدثون معه .
الجارية : أرأيتهم ؟
الساقي : ( يقترب منها واضعا يده على فمه ) في مرة دخلت عليه ، ولم يشعر بي ..ووجدته يتشاجر معهم .
الجارية : إذن رأيتهم ؟
الساقي : ( يتلفت حوله ) لم يكن أحد في القاعة سواي وهو .
الجارية : ( تضع يدها على فمها ) إذن لقد جُن الأمير
الساقي : وما يدريك ؟
الجارية : ( تنظر نحو الباب ) في مرة أثناء مروري سمعت صياحه ، فظننت أنه يريد شيئا ، فدخلت فكان يتحدث مع شخص ، مع أنه لم يكن أحد بالقاعة .وسألني إن كنت أرى أحدا فأجبته بالنفي فغضب وطردني من القاعة ،وحينما خرجت تنصت فسمعته يواصل حديثه .
الساقي : ربما يرى ما لا نراه .
الجارية : وفي مرة سمعت سيدتي تقول أنه لا ينام ..وإذا نام يستيقظ مفزوعا ويصيح وينادي على أشخاص لا وجود لهم .
الساقي : ربما يكون مريضا .
الجارية : ربما ، فلم يعد يأكل أو يشرب أو ينام .
الساقي : ولم يعد يقابل أحدا ، ولايسمح لأحد بالدخول إليه إلا رسول أمير المؤمنين .
الجارية : وماذا قال الطبيبان ..لقد كانا هنا بالأمس ؟
الساقي : لقد رحلا ...فقد رفض الأمير تناول الدواء وكثيرا ما احتدا عليهما مؤخرا .
[ يسمعا صوت أقدام تقترب من القاعة ]
الساقي : ( مفزوعا ) انهضي من على كرسي الأمير أيتها الحمقاء ..لو رآك تجلسين
هنا لأمر بقطع عنقك ...هيا أسرعي بالخروج .
الجارية : ( تتجه نحو باب الخروج ) وأنت ماذا ستفعل ؟
الساقي : سأخرج فورا بعد أن أضع القناني على المنضدة .
الحجاج : ( يدخل إلى القاعة ووراءه رئيس الحرس ) لتأمر الحرس بالخروج من القصر والعودة إلى أمكانهم خارج القصر .
رئيس الحرس : كما تأمر أيها الأمير ..وإن كنت لا أدري سبب دخول الحرس هنا !
الحجاج : ( شاردا ) كنت أظن أن وجود الحرس سيمنعهم عني ولكني كنت على خطأ .
رئيس الحرس : (مندهشا ) من هؤلاء ؟
الحجاج : ( زائغ البصر ) الذي يطاردوني في نومي ويقظتي .
رئيس الحرس : يطاردونك في نومك ويقظتك .!!
الحجاج : ( منتبها ) من يطارد من ؟!
رئيس الحرس : (محدقا في وجهه ) يطاردونك !!
الحجاج : ( مشيرا إلى صدره ) لا أحد يطاردني أنت تقولني كلاما لم أقله .
رئيس الحرس : سيدى الأمير ..
الحجاج : ( مقاطعا في غضب ) لا تتدخل فيما لا يعينك ، ولتؤمر رجالك ليبقوا خارج القصر بما فيهم أنت .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) أنا أبقى خارج القصر ؟!
الحجاج : أليس رجالك خارج القصر .
رئيس الحرس : بلى .
الحجاج : ( مشيرا إلى الباب ) لتبق معهم ...تفضل .
الساقي : ( يدخل حاملا قناني الدواء ) موعد الدواء يا سيدي .
الحجاج : ( غاضبا ) لا أريد دواءا .أغرب عن وجهي أيها الأحمق لا أريد أن أرى أحدا ....لا أريد أن أرى أحدا . ..أذا رأيت أحدا منكم سأقتله ...سأقتله ..اتركوني وحدي ...( يخفي وجهه بيديه ) لم أعد أتحمل أشعر بثقل الجبال على كتفي ، رأسي يؤلمني ..أكاد أتنفس بعسر ، جسدي يشتعل نارا ، كل خلاياي تنتفض .
[ تظلم القاعة فجأة ، ويسود صمت عميق وسكون ]
الحجاج : ( منتفضا غاضبا ) من أطفأ الأنوار ...أنيروا المكان أيها الخونة ..سأجعلكم تندمون على ذلك ...لست أنا من يعبث به .
[ تضاء القاعة ، عدد من الأشاخص يشكلون نصف دائرة أمام الحجاج ]
الحجاج : ( يتقدم إلى منتصف الواقفين حوله ) من أنتم ؟! وماذا تريدون مني ؟!
ضحية 1 : ( يتقدم خطوة ) ألا تعرفنا ؟
ضحية2 : ( يتقدم خطوة ) ألاتعرف ضحاياك ؟
ضحية 3 : ( يتقدم خطوة ) ألا تعرف قتلاك ؟
ضحية4 : ( يتقدم خطوة) ألا تعرف من أعدمتهم ظلما ؟
ضحية 5 : ( يتقدم خطوة ) معك حق ألاتعرفنا .
ضحية 6 : ( يتقدم خطوة ) فنحن كثيرون تتذكرمن ولا من؟ فالقتل ينسي بعضه بعضا .
ضحية 7 : ( يتقدم خطوة ) كنا بالنسبة لك مجرد خراف .
ضحية 8 : ( يتقدم خطوة ) بكلمة منك .
ضحية 9 : ( يتقدم خطوة ) بل بإيماءة تطير الرؤوس .
ضحية 10 : ( يتقدم خطوة ) وتسيل الدماء أنهارا.
ضحية 1 : ويتيتم الأطفال .
ضحية 2 : وتترمل النساء .
ضحية3 : ولينتشر الرعب والفزع في كل مكان .
ضحية 4 : كل هذا ليس مهما ، ولا قيمة له .
ضحية 5 : الأهم هو أنت ..لتعنو الجباة (للحجاج) وتنكس الرؤوس .
الحجاج : ( يتراجع خطوات إلى الوراء ) ولكني لست حجاجكم ..لست من تقصدونه .
ضحية 6 : إذن أنت من ؟
الحجاج : ( يتلفت حوله ) أي شخص إلا من تتهمونه بكل هذا .
ضحية 7 : إذن قل لنا من أنت ؟
ضحية 10 : علق على صدرك شارة تحمل اسمك .
ضحية 1 : ألا تعرفنا يا (حجاج) ؟
ضحية 2 : ( يشير إلى رؤوسهم ) أنت من قطفت رؤوسنا بسيف غدرك وظلمك .
ضحية 3 : وأنت من أعادها إلينا .
الحجاج : ( متعجبا ) أنا من قطعت رؤوسكم ؟!
ضحية 4 : نعم .
الحجاج : ( متعجبا ) وأنا من أعادها !!
ضحية 5 : نعم .
الحجاج : لماذا ؟
الحجاج : لم يرق لك أن نطاردك ونلاحقك بلا رؤوس .
ضحية 6 : أمعقول أني أعيد لكم رؤوسكم ؟
ضحية 7 : وهل من المعقول أن تقطعها يا ( حجاج) ؟
الحجاج : ( يسير بينهم محاولا لمسهم ) أعرف ألا وجود لكم لا في خيالي وأنكم مجرد وهم ، وأن عقلي مرض وعطب كجسدي ولأثبت لكم ذلك ( يمد يده ليأخذ سيفا معلق على الحائط ) هذا السيف سأضربكم به .
ضحية 8 : دع السيف مكانه يا (حجاج) .
ضحية9 : ولا تحاول أن تهرب متكلفا الجنون والمرض .
ضحية 10 : نحن لسنا خيالا أو وهما .
الحجاج : إذن من أنتم ؟
ضحية 10 : ( متعجبا ) من نحن ؟!
ضحية 1 : كنت لا تعرف علينا ونحن بلا رؤوس .
ضحية 2 : وبلا وجوه .
ضحية 3 : وبلا ملامح .
ضحية 4 : أما الآن فنحن برؤوس ويوجوه تحمل ملامحنا .
ضحية5 : وبأسماء .
ضحية 6 : إن شئت يذكر كل منا اسمه .
ضحية 7 : ولماذا فأنت تعرفنا حق المعرفة .
ضحية 8 : أم نسيت .
ضحية 9 : أو تناسيت .
الحجاج : ( منكمشا في كرسيه ) من أنتم ..من أنتم ؟
ضحية 10 : نحن ما جنت يداك .
الحجاج : وماذا تريدون .
الجميع : ( في صوت واحد ) القصاص العادل .
ضحية 1 : العين بالعين .
ضحية 2 : والسن بالسن .
ضحية 3 : والجروح قصاص .
الحجاج : ( غاضبا ) لا ..إلا القصاص .. أنا لست حجاجكم .
ضحية 1 : إذن من تكون إن لم تكنه ؟
الحجاج : أي شخص أخر ،وأي اسم إلا إن أكون من تتحدثون عنه .
ضحية2 : أتأذن لنا أن نظلق عليك اسما ؟
الحجاج : فليكن .
ضحية 3 : ليكن القاتل .
ضحية 4 : أو السفاح .
ضحية 5 :أو سفاك الدماء .
ضحية 6 : أو المجرم .
ضحية 7 : كأننا لم نفعل شيئا ..فكل هؤلاء فيهم شيء من (الحجاج) .
ضحية 8 : بل (الحجاج) يزيد عليهم .
ضحية 9 : بل تجاوز كل هؤلاء بمراحل .
ضحية 10 : معك حق يوجد قتله كثيرون وكذلك سفاحون وسفاكون دماء ومجرمون وهم متفاوتون ..ولكن لا يوجد إلا (حجاج ) واحد لا مثيل ولا نظير له .
الخجاج : ( يخبط رأسه بقبضتيه ) أنا لست الحجاج ...أنا لست الحجاج . أقسم لكم و ..
ضحية 1 : ليكن ..ولكنك تعترف وتقر أن تلك المذابح قد حدثت .
الحجاج :كل الناس يقرون بذلك فقد وقعت على الملأ ، وأظن أنها لن تبرح ذاكرة الناس ولو على المدى الطويل . ..فما حدث بشع ورهيب
ضجية2 : وأنت شخص لا علاقة لك بما حدث ولا دخل لك ....لتكن ..
الحجاج : ( مقاطعا ) ماذا أكون ؟
ضحية 2 : لتكن قاضيا مثلا .
الحجاج : ( متعجبا ) قاضيا !
ضحية 2 : نعم ، فكونك قاضيا يقطع أي علاقة أو صلة لك بالموضوع .
الحجاج : طبعا ..لأكون قاضيا ..فأنا لا علاقة لي بأي شيء ، ولكن فيما سأحكم ؟
ضحية 3 : تحكم فيما سنعرضه عليك .
ضحية 4 : ولماذا نعرضه ؟ فهو يعرف كل شيء .
الحجاج : ( معترضا ) لن أحكم إلا فيما سيعرض على الآن ..لقد نصبتوني قاضا فلا علاقة لي بأي شيء إلا ما سوف يعرض على.. والآن .
ضحية 5 : أنار الله بصيرتك يا قاضينا الهمام
ضحية 6 : هيا ليعرض كل منا قضيته أمام قاضينا المبجل
الحجاج : ( مشيرا إليهم متعجبا ) ولكنكم كثر !
ضحية 7 : كلنا تجمعنا قضية واحدة ...قتلنا ظلما وبدون محاكمة ولم تجن ذنبا نستحق
عليه القتل .
الحجاج : ومن قتلكم ؟
الجميع : ( في صوت واحد مرتفع ) الحجاج بن يوسف الثقفي .
الحجاج : ( متلفتا حوله ) أين هو ؟
ضحية 8 : وفيما تريده ؟
الحجاج : ( متخذا سيما القاضي ) لابد من وجود المدعي عليه .
ضحية 9 : وإن لم يكن موجودا .
الحجاج : تؤجل الدعوة إلى أن يحضر المدعي عليه .
الجميع : ( في صوت واحد ) لا ...إلا التأجيل .
الحجاج : ( متعجبا ) لماذا ؟!
ضحية 10 : التأجيل ظلم على ظلم
الحجاج : ليس من بد من التأجيل .
كليب : (يشق الصف ويدخل ) لن تؤجل الدعوى ..ها أنذا .
الحجاج :(متعجبا ) من أنت ؟!
كليب : أنا كليب .المدعي عليه .
الحجاج : ولكن المدعي عليه هو (الحجاج بن يوسف الثقفي) .كما يزعمون .
كليب : أنا اعترف أمامك وأمامهم أنني ارتكبت كل الجرائم التي تحدثوا عنها ، وأنت تحاكم الآن على أفعال وجرائم وقعت وأرتكبت في حقهم أم على مجرد أسماء؟
الحجاج : على الاثنين ...ولكن اتوافقون على أن هذا الشخص هو المدعي عليه .
الجميع : ( في صوت واحد ) نوافق .
الحجاج : ( مشيرا إلي كليب ) هل تعترف أنك ..
كليب : ( مقاطعا ) نعم أعترف وأقر ...وأشهد .
الحجاج : ( متعجبا ) تعترف بما..؟! وتقر علاما...؟! وعلى أي شيء تشهد ؟!
كليب : أعترف بكل التهم التي قالوا بها ، وأقر أني قمت بها وأني مسؤل عنها مسؤولية كاملة ..وأشهد على كل هذا .
الحجاج : ( مندهشا ) ولكنك لم تسمع ما قالوه ، فلم تكن موجودا وقتئذ .
كليب : ( يتقدم منه خطوات ) أنا لم أفارقك لحظة واحدة .
الحجاج : ( غاضبا ) وما شأنك بي وما شأني بك ...أنا أحدثك عليهم هم .
كليب : ألم تسمع ما قالوه ؟
الحجاج : بلى .
كليب : إذن أنا أيضا سمعته .
الحجاج : وقت ما سمعتُهم أنا ، لم تكن أنت موجودا هنا .
كليب : ليس معنى أنك لم ترني أني ليس موجودا . ..فهناك أشياء كثيرة موجودة ومع ذلك لا نراها .
الحجاج :مثل ماذا ؟
كليب : مثل ماضيك مثلا ..فهو موجود مع أنك لا تراه بعينك ، وإن كنت تراه بعين عقلك .
الحجاج : ( غاضبا ) قلت لك لك لا شأن لك بي .
كليب : أنا أقول مثلا .
الحجاج : دعنا من هذا ...ولنعد إلى موضوعنا .قلت إنك تعترف وتقر بكل التهم التي قالوا بها .
كليب : وأشهد ..
الحجاج : ( مقاطعا ) تشهد على ماذا ؟!
كليب : أشهد على نفسي .
الحجاج : ( مشيرا إلى الواقفين خلفه ) أتدري أن كل من يقف خلفك يطاليون بالقصاص منك ؟
كليب : ( يلتفت إليهم ) أعرف ذلك ...وهذا حقهم .
الحجاج : ( متعجبا ) حقهم في أن يقتلوك !!
كليب : وأنا ..ألم أقتلهم من قبل ؟
الحجاج : إما أنك تعديت حد الشجاعة أو أنك مجنون .
كليب : لا هذا ولا ذاك .
الحجاج : وبماذا تسمى ما أنت مقدم عليه ؟
كليب : مثلما فعلتُ أنا بالآخرين يُفعل بي .
الحجاج : ( متعجبا ) بتلك البساطة ؟!
كليب : أليس هذا القصاص ؟
الحجاج : نعم ، ولكن تنفيذه صعب .
كليب :لماذا ؟
الحجاج : كل منهم يريد القصاص منك على حده .
كليب : فلتأمر وهم ينفذون ما تأمر به .
الحجاج : وأنت.. أليس لديك ماتدافع به عن نفسك ؟
كليب : إن دافعت عن نفسي ووجدت مبررا في قتل واحد ، فما مبرري في قتلهم جميعا ، حتى ولو دافعت عن نفسي لأني قتلتهم جميعا فهناك غيرهم المئات والمئات سيأتون ويطالبون بالقصاص .
الححجاج : أكنت تدري أنك ستقف هذا الموقف ؟
كليب : بالطبع لا .
الحجاج : ( متعجبا ) من يقتل يقتل فردا أو اثنين بينما أنت – كما تقول - قتلت المئات .
كليب : من قتل فردا فإنما قتل الناس جميعهم ..فالأعداد هنا ..
الحجاج : أتقصد لا قمية لها ؟
كليب : من تجرأ على إنسان سيتجرأ على الناس كلهم .
الحجاج : ( محدقا في وجه كليب ) لابد أن يكون الحكم عليك موازيا على قدر جرمك .
كليب : وأنا في انتظار ما تحكم به .
الحجاج : ( يتقدم من الضحايا ) سأمر بتنور يشعلونه نارا ، وأعطى كل منكم سكينا تقطعون من لحمه وتلقونه في التنور وهو يشاهدكم تفعلون بلحمه ذلك ليرى بأم عينه لحمه يحترق ويشم رائحة الشواء ..وبذلك يكون كل منكم إقتص منه . ... (يلتفت إلى كليب ويربت على كتفه ) ما رأيك في هذا الحكم ..أيرضيك ؟!
كليب : ( مشيرا إلى الضحايا ) إذا كان يرضيهم فأنا راض به .
الحجاج : ( مشيرا إلى الضحايا ) ألستم راضين بهذا الحكم ؟
الضحية 1 : نعم ، غير راضين به .
الضحية 2 : ليس هذا قصاصا عادلا .
الحجاج : ( متعجبا ) وما هو القصاص العادل في رأيكم؟!
الضحية 3 : القتل .
الضحية 4 : نعم ، من قتل يقتل .
الضحية 5 : وهو قتل المئلت .
الضحية 6 : فلابد أن يُقتل بعدد من قتلهم .
الحجاج : تقصدون أن تشتركوا كلكلم في قتله .
الجميع : ( في صوت واحد ) لا بالطبع .
الحجاج : (متعجبا ) إذن ماذا تريدون ؟!
الضحية 7 : قلنا لك يقتل بعدد من قتلهم .
الحجاج : ( متعجبا ) ما زلت لا أفهم !
الضحية 8 : مثلا الضحية رقم واحد ستقتص منه بقتله .
الضحية 9 : ماذا ستفعل الضحية رقم 2 ؟!
الضحية 10 : كيف ستقتص منه منه وهو مقتول ؟!
الضحية 1 : إذن الذي سيقتص منه ويثأر لنفسه ضحية واحدة فقط ..أما باقي الضحايا فلن يقتصوا منه ..وكيف يقتصوا من شخص قد مات .
الحجاج : ولكن ما تطلبونه غير معقول وغير منطقي ؟
الضحية 2 : ما هذا غير المعقول وغير المنطقي ؟
الحجاج : أن يقتص كل واحد منكم على حدة !!
الضحية 3 : وما الغريب في هذا ؟!
الحجاج : وهل من المعقول أن نحي المقتول لنقتص منه مرارت ومرات .
الضحية 4 : وهل من المعقول أن شخص واحد يقتل المئات !
الحجاج : من هذا الشخص ؟
الضحية 5 : أنت .
الحجاج : ( مندهشا ) أنا!!
الضحية 6 :نعم ... أنت قتلت وذبحت وصلبت .
الحجاج : ( مندهشا ) أنا القاضي !
الضحية 7 : أنت لم تعد قاضيا .
الحجاج : لماذا ؟!
الضحية 8 : لأنك عجزت أن تحقق العدالة .
الحجاج : ما تطلبونه ليس عدالة .
الضحية 9 : وبماذا تسميه ؟
الحجاج : مستحيل ...ولم يحدث من قبل .
الضحية 10 : لأن الجرائم التي فعلتها لم تحدث من قبل .
الحجاج : ( متعجبا ) أنا لم أفعل شيئا ...أنا القاضي !
الضحية 1 : لم تعد قاضيا .
الحجاج : لماذا لم أعد قاضيا ؟!
الضحية 2 : لأنك عجزت عن تحقيق العدل .
الحجاج : لا أنا ولا غيري يستطيع أن يحقق العدل هنا . ولا ينفذ القصاص .
الضحية 3 : ( مشيرا إلى الضحايا ) ودماء هؤلاء ستبقى مهدرة هكذا ؟!
الحجاج : يتحمل وزرها من أهدرها .
الجميع : ( في صوت واحد ) أنت من أهدرت دماءنا .
الحجاج : ( ينتفض ويجري بعيدا ) أنا لم أقتل أحدا ...يدي نظيفة لم تحمل دم اي واحد منكم .
الضحية4 : ( يتقدم منه ) إن يدك مضمخة من دمائنا ..أنظر إليها جيدا ، فهذا دمي أنا اعرفه جيدا وهذا دم كل ضحاياك ..أرفع يدك لترى الدماء تسيل منها .
الحجاج : ( مذعورا واضعا يده خلف ظهره ) أنتم مجانين ..أنا لم أقتل أحدا ..ويدى لن يراها احد .سأخفيها إلى الأبد ...ساقطعها
الضحية 5 : ( يتقدم منه ) وملابسك التي تحمل رائحة دمائنا .
الحجاج : ( يلملم ملابسه حول جسده ) سأمزقها .. سأحرقها .
الضحية 6 : ( يتقدم منه ) وعيناك التي مازال مرسوما فيها كل ضحاياك .
الحجاج : ( يضع يده على عينيه ) سافقعهما .
الضحية 7 : وضميرك الذي يؤنبك ليل نهار .
الحجاج : سأميته ..سأقتله ... سأصلبه .
كليب : ( يتقدم الصف ) أتقدر على قتله .
الحجاج : نعم ، أقدر على قتله .
كليب : قدم لنا دليلا على ذلك .
الضحايا : ( في صوت واحد مشيرين إليه ) أنت أعجز ما تكون أن تقدم دليلا أو تبرهن على مقدرتك .
الحجاج : ( يحدق في وجوه من أمامه ) كيف هذا ، وقد قتلتكم كلكلكم ..قتلت العشرات .المئات ..الألوف ..أنا لست عاجزا ..أنا قادر ..أنا ..أنا..
كليب : أنت من ؟ من أنت ؟
الحجاج : ( يتجه نحو السيف المعلق على الحائط ) أنا الحجاج ...أنا ابن جلا ..أرى أمامي رؤوس قد أينعت وحان قطافها ..وسأقطفها ..
كليب : ابق مكانك يا ابن جلا ..لم تعد تستطيع حمل سيفا ...بل بالكاد تحملك قدماك ..لم يعد عاتقك قادرا على حمل ذنوبك وأوزارك ..لقد قتلت الكثير وذبحت ولكن أتدرى من هو أكبر ضحاياك ؟
الحجاج : .........
كليب : أنت ...(الحجاج ) أكبر ضحية (للحجاج )...إذا كان لك ضحايا ..فانت ضحية ضحاياك ...كل رجل تقتله ..كنت تقتل نفسك ...فأنت قُتلت بعدد من قتلتهم أتدري يا (حجاج ) ما هي أكبر مآسيك ...أنك لا تستطيع أن تكفر عن ذنوبك أو تصلح أخطاءك ، حتى لو أردنا أن ننفذ ما حكمت به ، وهو أن نقطع من لحمك أجزاء نوزعها على الضحايا لكي يحرقوها في تنور مشتعل ، فلن يكفي هذا ، حينما حكمت وأنت قاضي لم تكن تحكم إلا على نفسك ، لأننا أنا وأنت شخص واحد ، لم تستطيع أن تقتص من نفسك لنفسك ، وكل ضحاياك الذين حولك هم أنت ، يحاولون أن يخلصوك ويدفعوك أن تتخفف مما تحمله على صدرك من أوزار ، ولكنهم للأسف عجزوا كما عجزت أنت ، لأن ما جنته يداك لا يتحمل ثقله إنسان على وجه الأرض ، ودعني أسألك سؤالا مازال يحيرني ، ماذا كسبت ؟ بما فزت ؟ ماذا اشتريت ؟ وماذا بعت ؟ أتدري ماذا بعت ؟ بعت روحك ؟ وما الثمن الذي قبضته ... انظر لنفسك في المرآة ... شخص محطم وهن عظمك وشاب شعرك وتكالبت الأمراض عليك من كل صنف ونوع ، لم تعد تهنأ بشربة ماء ولا بكسرة خبز ولا بغفوة ، والعالم الذي بعت روحك له ، أدار لك ظهره ، أتدري يا (حجاج ) أن أفقر حطاب في العراق أغنى منك ...لأنه على الأقل لم يبع روحه ..لم يبع روحه مثلك يا (حجاج ) ..مثلك يا ( حجاج ) ...مثلك يا ( حجاج ) .
[ يسود الظلام القاعة بعض الوقت ، ثم تضاء ]
الحجاج : ( ينتفض ، يجري مذعورا في أرجاء القاعة الخالية ، يسقط على الأرض ، ثم ينهض محتميا بالحائط) أين أنتم ؟ في كل مرة تهربون منى ..أنتم شياطين ..أنتم أبالسة ...تحسدونني .تغيرون منى .. وأنت أيها الحقير المدعو (كليب ) كل ما تقوله هراء ،محض أكاذيب وأباطيل أنا لم أبع روحي لأحد ، أنت كنت مجرد معلم للصبيان لا قيمة لك ، لا أحد يعبأ بك أو يكترث لك ، بينما أنا أسمعت العالم كله ، بنيت دولة ..أسست إمبراطورية ، أقمت مجدا لي ، وكان لابد أن أزيح العقبات من طريقي ، أتخلص من العراقيل التي تعوقني ، سيئو الحظ من وضعهم القدر أمامي ،عشرات ..مئات ...ألوف ...وكما أختارهم القدر ووضعهم أمامي ..اختارني القدر ووضعني أمامهم ، لم يكن لهم خيار ،وأنا لم يكن لي خيار ، كلانا كان ألعوبة في يد القدر ، هم كضحايا ..وأنا ..لا أدري إلا أنني أسرفت كثيرا على نفسي ، حققت ما لم يحققه أحد، نهضت بما لم تنهض به الجيوش ( يجثو على ركبيته ، يضع يده على عاتقه ) وفي الهاية خذلني جسدي ، فلم يعد يتحمل ( يضع يده الأخرى على رأسه ) وعقلي تخلى عني ( ضاحكا ) يصور لي أن بعضي يحاكم بعضي ، يخيل لي أني أدين نفسي ، وإناس يطاردونني تارة بلا رؤوس وتارة برؤوس ، يريدون الثأر مني ،( ينهص يتجه نحو الحائط ) أخذوا رأسي مني يريدونني بلا رأس مثلهم ، سأحطمه قبل أن يأخذوه مني سأحطمه ...سأحطمه ..لأحطمهم داخله ...تحطم أيها الرأس وأرحني .
[ يسود الظلام القاعة بعض الوقت ثم تضاء ]
الحجاج : ( مقيد بحبال إلى كرسيه ، والدماء على رأسه وصدره ) ما هذا ؟! من الذي قيدني هكذا ؟!
رئيس الحرس : ( مشيرا إلى الجارية والساقي خلفه ) أبلغاني أنك تصرخ في جوف الليل ، وحينما أسرعت بالوصول وجدتك تخبط رأسك بالحائط ،والدماء تسيل من رأسك وتملأ المكان .
الجارية : ( مذعورة ) لقد أمرت ألا أدخل عليك ولكن صياحك بصوت مرتفع هو ما جرأني على الدخول .
الساقي : ( مرتعشا ) وحينما أخبرتني بما رأته أسرعت بإبلاغ رئيس الحرس .
رئيس الحرس : وأنا وجدتني مدفوعا أن أخالف أوامرك بعدم الدخول عليك ..لأن حالتك كانت تحتم دخولي .
الحجاج : ( يحدق في القيود ) إذن فك القيود واخرجوا كلكم .
رئيس الحرس : ( يومئ إلى الجارية والساقي بالخروج ) سيدي الأمير فلتسامحني ، فلن أنفذ ما تأمر به .
الحجاج : ( غاضبا ) أجننت ..أتعصى أمري ..قلت لك فك قيودي .
رئيس الحرس : ( مبتعدا عنه ) سيدي الأمير ..في المرة السابقة فككت قيودك فعاودت صدم رأسك بالحائط .
الحجاج : (متعجبا ) وهل سبق وقيدتني .وصدمت رأسي بالحائط ؟!
رئيس الحرس : نعم أيها الأمير
الحجاج : لا ، لم يحدث أنت تكذب .
رئيس الحرس : ( مشيرا إلى رأسه ) وتلك الدماء .
الحجاج : ( شاردا ) معك حق ...فالدماء لا تكذب ...أصدقني القول ...لماذا لا تحل وثاقي .
رئيس الحرس : خوفا عليك من أن تؤذي نفسك .
الحجاج ; ( يحدق في الأركان المظلمة ) أم أن ( كليب ) والضحايا العشرة أوصوك أن تقيدني ؟
رئيس الحرس : (متعجبا ) من (كليب ) هذا ؟ وما شأن الضحايا العشرة ؟!
الحجاج : (كليب ) هذا هو أنا .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) أنت كليب ؟!
الحجاج : نعم ، ولكن أنا لست كليبا .
رئيس الحرس : ( يهز رأسه ) والضحايا العشرة ؟
الحجاج : هم أنا أيضا ..كانوا مقطوعي الرؤوس ولكن عادت رؤوسهم إليهم .
رئيس الحرس : ومن الذي قطعها ومن الذي أعادها ؟
الحجاج : أنا من فعل ذلك ...أنت لا تصدقني ...سوف يحضرون وسلهم سيخبرونك بكل شيء .
رئيس الحرس : ( يربت على كتفه ) لقد أرسلنا إلى الطبيب وسيحضر حالا .
الحجاج : ( محاولا التخلص من القيود ) أتظنني مجنونا ..؟.فك قيودي .
رئيس الحرس : حينما يحضر الطبيب .
الحجاج : ( ينظر إلى كوب الماء بجواره ) أعطني جرعة ماء .. فقد جف حلقي .
رئيس الحرس : ( يناوله الكوب ) تفضل أيها الأمير ..بالهناء .
الحجاج : ( يختطف الخنجر من نطاق رئيس الحرس ويطعن نفسه عدة طعنات ) لقد طال صبري عليكم ...لابد أن أتخلص منكم .
رئيس الحرس : ( مرتعدا ) أنت تقتل نفسك أيها الأمير !!
الحجاج : ( يتنفس بعسر ) لو كان هذا هو السبيل الوحيد للتخلص منهم فلن أتردد .
رئيس الحرس : ( يقترب منه ثم يبتعد ) من هؤلاء الذين تقتل نفسك من أجلهم ؟!
الحجاج : ( يشير خلف رئيس الحرس ) هاهم يخرجون من القاعة
تياذوق : ( يدخل ومعه حقيبته ، يقف مشدوها ) أوفعلها ؟!
رئيس الحرس : ( مندهشا ) أكنت تتوقع أن يقتل نفسه أيها الطبيب ؟!
تياذوق : ( يقترب بحذر مضمدا جراحه ) ليس بتلك السرعة .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) ولكن لماذا يقتل نفسه ؟!
تياذوق : ( يضع الضمادات على جرحه ) وهل تتوقع أن الأمير يقتل نفسه .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) أليس هذا ما حدث الآن ؟
تياذوق : لا تجهد فكرك فيما حدث أمامك .
رئيس الحرس : ألن تأخذ منه الخنجر قبل أن يثوب إلى رشده ؟
تياذوق : ولماذا ؟
رئيس الحرس : كي لا يؤذي نفسه .
تياذوق : ( يربت على كتف الحجاج ) فك قيود الأمير يا رئيس الحرس .
رئيس الحرس : ( فاغرا فاه ) أقول لك خذ الخنجر من يده فإذا بك تقول فك وثاقه ؟ !
تياذوق : وهل القيود التي قيدته بها منعت أن يؤذي نفسه ؟
رئيس الحرس : على الأقل منعته من أن يجهز على نفسه .
تياذوق : ( يحل القيود من على الحجاج ) وإلى متى ستظل مقيده هكذا ؟
الحجاج : ( منتبها ) ماذا تفعل ؟! أتقيدني ؟!
تياذوق : لا ، وإنما أحل قيدك .
الحجاج : ( مندهشا ) ومن الذي قيدني ؟! ومن أنتما ؟
تياذوق : ( يلقي القيد جانبا ) أنا طبيبك ..وهذا رئيس حرسك ...ألا تتذكرنا ؟
الحجاج : ( يتلفت حوله ) نعم ...نعم تذكرتما .
تياذوق : ( يحدق في وجهه ) ألا تتكر أمورا أخرى ؟
الحجاج : ( مفكرا ) أمورا أخرى !! ( متأملا الخنجر في يده ) ما هذا الخنجر بيدي ؟! وما تلك الدماء ؟! واين عباءتي وقلنسوتي ...أأنا في حلم أم في يقظة ؟!
تياذوق : ( يقدم له كوبا ) خذ هذا الدواء فسيفيدك .
الحجاج : ( ينتفض واقفا مطوحا بالكوب ) لا أريد دواءك .
تياذوق : ماذا تريد أيها الأمير ؟
الحجاج : ( يشير إليهما بالخنجر ) أريد حقيقة ما يحدث ..إني آمركما ..وإلا أنتما تعرفان جريرة غضبي .
تياذوق : ( يومئ إلى رئيس الحرس ) أخبر الأمير بكل شيء .
رئيس الحرس : ( مترددا ) لقد جاءني الساقي والجارية في جوف الليل وأخبراني بأمور غريبة تحدث هنا في القاعة ..وحينما دخلت وجدتك ...
الحجاج : ( غاضبا ) ماذا وجدتني أيها الأحمق ؟
رئيس الحرس : وجدتك تصدم رأسك بالحائط والدماء تغطي كل شيء .
الحجاج : ( يدور حوله نفسه واضعا يديه فوق رأسه ) أنا من يفعل ذلك بي ؟!
تياذوق : ( يربت على كتف رئيس الحرس ) أكمل حديثك يا رئيس الحرس .
الحجاج : ( يتهاوى على كرسيه ) أهناك شيء آخر ؟!
رئيس الحرس : (مترددا ) وحرسا مني على سلامتك سمحت لنفسي بعد إذن الأمير أن أقيدك رغما عنك .
الحجاج : ( غير مصدق ) أنت قيدتني ؟!
رئيس الحرس : ( معتذرا ) حرسا مني على سلامتك ليس إلا .
تياذوق : باقي شيء لم تصارح به الأمير .
رئيس الحرس : ( متضرعا ) فلتقله أنت .
تياذوق : أنا لم أر شيئا ، وإنما أنت من أخبرتني .
الحجاج : ( ينقل نظره بين الاثنين ) ما الذي يمكن أن أفعله أسوأ من ذلك ؟!
رئيس الحرس : ( يشير إلى الخنجر بيد الحجاج ) اختطفت خنجري وأخذت تطعن به نفسك .
الحجاج : ( مذهولا ) إذن تلك الدماء دمائي ..وأنا الذي ...( محدقا في وجهيهما ) هل يعرف أحد غيركما ما حدث؟!
رئيس الحرس : لا ..منعت الجميع من الدخول هنا .
تياذوق : لا يشغلنك أمر ما حدث أيها الأمير .
الحجاج : ( يتقدم منه ممسكا بكتفه ) ماذا تقول ؟! أيمكن أن يتكرر مني ما حدث ..أن أخرج بدون أن أرتدي كامل ملابسي وأصدم رأسى بالحائط وأطعن نفسي .
تياذوق : ( بصوت منخفض ) ليس هذا فحسب ..بل قد يحدث الأسوأ .
الحجاج : وهذا الجنون بعينه .
تياذوق : بل أخطر من الجنون .
الحجاج : ( يعود إلى كرسيه ) الأهون أن أقتل نفسي من أن أُجن .
تياذوق : أنت بالفعل تقتل نفسك .
الحجاج : ( يشير إليه بإصبعه ) أتدري خطورة ما تقول ؟
تياذوق : ( يلتقط الخنجر من على المنضدة ويسلمه لرئيس الحرس ) أنا أقرر الحقيقة.
الحجاج : أوصار قتلي لنفسي حقيقة ؟!
تياذوق : وبماذا تسمي ما فعلته ؟
الحجاج : (شاردا) كثيرا ما كنت أسأل نفسي لماذا لم أُُقتل ، بالرغم خوضي معارك كثيرة ، وتعرضي لمؤامرات ؟ لماذا لم أغتال ؟ كنت أرى الموت أقرب من شراك نعلي ..ولكنني كنت أعلم لا أحد سيقدر على قتلي ..والآن فقط عرفتُ من الذي سيقتلني ...أتدريان من ؟
رئيس الحرس : ( متلهفا ) من أيها الأمير ؟
الحجاج : ( يمسح لحيته ) أنا الذي سأقتل نفسي ...أنا أتربص بنفسي ..أو نفسي تتربص بي ...الموت يزحف إلى من داخلي . ( يقترب من رئيس الحرس ممسكا بمقبض سيفه ) ماذا لو قلت لك اغمد سيفك هذا في سويداء قلبي ..ماذا أنت فاعل ؟
رئيس الحرس : ( مبتعدا عنه ) شُلت يداي قبل ان أسل السيف من غمده .
الحجاج : ( ممسكا بكوب مقتربا من طبيبه ) وماذا لو قلت لك ضع سما هنا لأشربه ؟
تياذوق : ما كنت لأفعل ذلك .
الحجاج : ( يعود إلى كرسيه ناظراإلى أعلى ) كثيرا ما كنت اهرب من نفسي ..اتجنب المواجهة ..أتغافل عن المصارحة ..أتغابي عن المكاشفة ..لم اكن اعرف ان سيأتي يوم وتكون المواجهة والمصارحة والمكاشفة حتما ورغما عنى ..وأكتشف اني كنت ذلك الشقي الأحمق الذي أسكره الشيطان بخمرته ..يفعل كل مالا يخطر على بال من شرور بكل رعونه وتبجح ولم تزده الأيام إلا عمى وجبروتا وبطشا ..كالثور أهاجه لون الدم ..وحينما أفاق من سكرته هاله وأفزعه ما فعله بكل أرادته وحريته ,وويل لمن توافر له هذان .
رئيس الحرس : بارك الله في حياة الأمير وأمد في عمره .
الحجاج : (يجذب طرف ثوبه من ناحيه صدره ) فيما يمد عمرى؟!.سأظل هكذا بقية عمرى نصف مجنون ونصف عاقل وأظن أن هذا عقاب من الله ، سيظل النصف العاقل يحاكم ويونب النصف المجنون ..والنصف المجنون يعذب النصف العاقل ، ( يتجه إلى طبيبه ويمسك بكتفه ) ولكن قل لي بربك ..متى تنتابني حالة الجنون تلك ..أليس لها مقدمات أو أمارات ؟!
تياذوق : هل اعتبرتها جنونا أيها الأمير ؟
الحجاج : ( يذهب إلى كرسيه شاردا ) وبما تسمي ما يحدث لي ؟ لم أعد أفرق بين ما يحث في النوم وما يحددث في اليقظة ..لا أدري إن كنت ما أراه حقيقة وواقعا أم خيالا ووهما. العشرات يطاردونني تارة بلا رؤوس .وتارة برؤوس .وتنصب محاكمة ...الغريب أنني القاضي ..وكنت المتهم ..كيف هذا لا أدري ؟! وحكمت على نفسي ( ضاحكا في هيستريا ) حكمت على نفسي وكنت أظن أني أحكم على ( كليب ) ماهو (كليب ) هو أنا ..أو أنا ( كليب ) ..( يبكي في صمت ) كيف صرت إلى هذا ( ينهض ويسير خطوات وسط القاعة ويدور حول نفسه ) .أنتبه فأجد من يخبرني أن أحطم رأسي بالحائط ..وأطعن نفسي بسكين ...وأجدني مقيدا إلي كرسي والدماء تغطيني ،ولكن إذا كنت قد جننت فلماذا يحدث لي صحوات عقل ؟ لماذا يؤخذ عقلي منى ثم يرد إلى مرة أخرى ؟ ثم أني لا أتذكر ما يحدث لي في نوبات جنوني ؟
تياذوق : ليست نوبات جنون أيها الأمير .
الحجاج : ( مندهشا ) ليست نوبات جنون ..وبماذا تسميها ؟!
تياذوق : قلت في كلامك أنك كنت قاضيا وأصدرت حكما .
الحجاج : ( مفكرا ) نعم .
تياذوق : أظن أنك تنفذ هذا الحكم الآن .
الحجاج : نعم ، ولكن لم أكن في كامل وعي وقت أن صرت قاضيا ووقت أن أصدرت الحكم ...ثم هم الذين اقترحوا أن أكون قاضيا .
تياذوق : كنت في حالة مختلفة من حالات الوعي وقت أن اصدرت الحكم ، وتتلبسك نفس تلك الحالة لتنفيذ الحكم .
الحجاج : تقصد حالة الجنون ؟!
تياذوق : مابين منطفة النور ومنطقة الظلام مئات المساحات لا هي نور ولا هي ظلام ، كذلك قد تنتاب الإنسان حلات لا هي نوم ولا يقظة ولا هي حقيقة ولا وهم ..حالات لم يسبق له أن عايشها .
الحجاج : عن إرادة منه أو عن عدم إرادة ؟!
تياذوق : نحن نجهل تماما ما الذي نريده وما لا نريده ؟
الحجاج : ( مبتعدا عنه في ضيق ) لا ..أنت تحدثني اليوم بألغاز عقلي لا يستوعبها ،،وكلامك غير مقنع ولا يفيد كدوائك ( مخاطبا رئيس الحرس ) أفهمت شيئا مما يقوله هذا الطبيب ؟
رئبس الحرس : ( متحرجا ) حقيقة أيها الأمير لم أفهم ولا كلمة مما قاله .
الحجاج : لأنك حمار ..أو قل أنا وأنت حماران ؟ وليس معنى أننا لا نفهم ما يقوله أنه محض هراء .
رئيس الحرس : معذرة أيها الأمير فنحن نستمد منك الحكمة والصواب والرشد . ..فأنت أميرنا.
الحجاج : ( حزينا ومنكسرا ) كنت أتمنى أن أظل أميركم .
رئيس الحرس : أمد الله في عمركم وبارك فيه .
الحجاج : أيها الطبيب أود أن أسالك سؤالا وتجيب عليه بكل صراحة ..هل ما حدث لي الليلة قد يحدث مرة أخرى ؟
الطبيب : طالما حدث ، فقد يحدث مرة أخرى ، وقد يحدث أسوأ فتلك مجرد بداية .
الحجاج : ( مهددا ) أتدريان أنكما تستحقان القتل ؟
رئيس الحرس : ( مذعورا ) ولماذا أقتل أنا لم أفعل شيئا يستوجب القتل !
الحجاج : وأنت أيها الطبيب ..أتتوقع أن أقتلك ؟ ألا ترى أن هذا شيء غريب ؟!
الطبيب : ( بدون إكتراث ) أظن من يهون عليه نفسه أن يقتلها ، فليس بالغريب أن يقتل غيره وبدون سبب وجيه للقتل .
الحجاج : ولكن لم يسألني أي منكما لماذا قد أقدم على قتلكما ؟!
الطبيب : لقد قتلت من هم أفضل منا وأعز ، فمسألة قتلنا أيسر وأهون ، والغرييب أن كلمة منك تساوي حياة إنسان .
الحجاج : أهذا راجع إلى مكانة الكلمة أم إلى هوان الإنسان ؟
الطبيب : لا هذا ولا ذاك ..ولكن إلى منصب صاحب الكلمة أيها الأمير .
الحجاج : لعلكما تتعجبان : كانت حياتي بين أيدكما منذ دقائق ..والأن تتلقيان تهديدا بالقتل مني وأنا في تلك الحالة ..ومع ذلك لم يسأل واحد منكما لماذا فكرت بقتلكما ؟
رئيس الحرس :لماذا أيها الأمير ؟!
الحجاج : ( محدقا في وجهيهما ) لأنكما تعرفان ما لا يعرفه غيركم ...الأمير تعرى أمامكما ..ويا ليبته تعرى من ثيابه ...ولكنه تعرى من عقله ..رأيتماه بلا عقل .ومع ذلك سأكون أشد حرصا على سلامتكما وأن لا يصاب أحدكما بأي سوء .
تياذوق : لماذا أيها الأمير ؟!
الحجاج : ( يقف أمامهما وجها لوجه ) لأنكما من ستقتلاني .
رئيس الحرس : ( مندهشا ) نحن نقتلك !!
تياذوق : ولماذا نقتلك ؟!
الحجاج : في العادة الأمير يقتل بعضا من حوله كي لا يقتلونه ..أما أنا فلن أقتلكما كي تقتلاني ....فقد عشت أميرا ، ولابد أن أموت أميرا .
تياذوق : وما علاقة قتلنا لك بموتك أميرا ؟!
الحجاج : لا تظناني لا أعرف ما يقال على أو ما كتب عنى ،أو أني لا أدرك مدى جرم ما فعلته ، لقد كرهت (الحجاج) ولكني احترمته ، مقته ولكني كنت أقدره ، فكرت في كل شيء وقدرت ودبرت ، ولكنني لم أفكر في النهاية ، لا أحد يفكر في النهاية ، وأنها لابد أن تكون جزاءا وفاقا ، ولوفكر في النهاية لم يكن أبدا ليبدأ ويستمر ، وأنا لم أفكر في النهاية إلا حينما أصبحت قاب قوسين من الموت ، لم أفكر في الموت إلا حينما بعضي قد مات ،وأظن أنها ستكون نهاية سوداء ،ومع ذلك لوخيرت لأخترت نفس الطريق الذي سرت فيه ، وهل يملك الشهاب المنطلق بكل قوة تغيير مساره الذي سينتهي بالاحتراق والفناء والدمار؟ ، تسألاني ماذا أريد ؟ّ أسألاني ما لا أريد ..لا أريد أن أموت مجنونا ... لا أريد ميتة لا تليق (بالحجاج )( يأخذ الخنجر من على المنضدة مقتربا من رئيس الحرس ) بهذا الخنجر أريدك أن تفجر ما يختزنه قلبي من دماء ،ولا أريد أن أفيق من نوبة جنوني فأجدني مقيدا مرة أخرى إلى الكرسي ( يأخذ كوبا ويقترب من طبيبه ) وإن لم يفعل رئيس حرسي ذلك ،فضع سما زعافا وأسقنى إياه ولا تحاول أن تسقني دواءا مرا أنت تعرف وأنا أعرف أنه لا رجاء في هذا الجسد المهلهل والروح المعذبة والنفس الشقية ، لا تتركاني وحيدا ، ولا تطفأا الأنوار .
( ستار النهاية )
ســــيرة ذاتــــية للمؤلف
الاسم : محمود محمد محمود القليني .
المؤهل : ليسانس في الآداب والتربية جامعة الإسكندرية- شعبة: لغة عربية عام 1979.
الإيميل : elkellenymahmoud@yahoo.com
الهاتف :0201061414124- 0201025544856
الوظيفة : مدير عام بالتربية والتعليم سابقا .
العنوان : جمهورية مصر العربية – محافظة البحيرة – دمنهور – شارع السيدعمر مكرم –برج الفتح .
الأعمال المنشورة :
أولا : في المسرح :
مسرحية : ( إخناتون والكهنة ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1994
مسرحية : ( مصرع الخُرساني ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام2002.
مسرحية :(محنة الإمام أحمد بن حنبل) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1997
مسرحية : ( بلد راكبها عفريت ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام 2010.
مسرحية : ( غائب لا يعود ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة – تاريخ النشر 2019.
كتاب : ( الأدب في مسرح الطفل ) جهة النشر : العلم والإيمان للنشر والتوزيع بدسوق عام 2015.
مسرحية : ( محاكمة الحمير ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار )
مسرحية : ( البلطجية اشتكوا ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية –مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار )
مسرحية : ( ليلة وحشية ) مونودراما – جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع : ( محسن النصار )
مسرحية : ( الأرجواني السماوي ) خيال علمي – جهة النشر – المسرح نيوز – مؤسس ومدير الموقع : ( صفاء البيلي )
مُثلت مسرحية (بلد راكبها عفريت ) على مسرح مركز ثقافة المحلة الكبرى بطنطا .
ثانيا : في الروايات والقصص :
رواية :(الإسكندرية عناقيد العشق والغضب) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2011.
رواية :(الجنوب الهادئ ) جهة النشر :الهيئة العامة لقصور الثقافة عام : 2014
رواية : ( الدجال والشيطان ) جهة النشر : مكتب معروف للنشر والتوزيع عام 1985
( إنهم يذهبون ) مجموعة قصص قصيرة ، جهة النشر : دار الشعب بالقاهرة عام 1983.
ثالثا : في الكتب :
(الفكر الإسلامي ومستجدات العصر) جهة النشر :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة عام 2005 .
( أمير الصحافة العربية ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2009
( العمرية ..في رحاب عمر بن الخطاب ) جهة النشر: مكتبة دار العلم والإيمان عام 2007
( عش حياتك سعيدا ولا تحزن ) جهة النشر: مكتبة بستان المعرفة عام 2004 .
( الثورة في وجدان المصريين ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2012.
( الباحثون عن الله ) جهة النشر مكتبة دار العلم والإيمان عام 2013.
(شخصية موسى النبي) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2011 .
(شخصية المسيح) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014.
( شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014
10-(قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015.
11-( الذاتية والقيم الوجودية في أدب إبراهيم عبد القادر المازني ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015.
12- (النساء فقدن عروشهن) جهة النشر :مكتبة العلم والإيمان بالمنصورة .
13- الخليل – عليه السلام – رحلة في المكان وسياحة في الزمان . دار العلم والإيمان عام 2018 .
14- نحو تفسير علمي للأحلام – الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة - 2022
الجوائز الحاصل عليها :
1-جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد )
جائزة ( ملتقى جائزة أبها ) بالمملكة العربية السعودية عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ) عام 1417هجرية .
جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( إخناتون والكهنة ) .
جائزة التأليف المسرحي من مجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( مصرع الخرساني ) .
جائزة من نادي القصة بالقاهرة عن رواية بعنوان : ( قوس قزح ) عام 2002
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( الذاتية والقيم الوجودية في أدب المازني )
جائزة المقالة النقدية عن دراسة في قصة ( الطريق ) لنجيب محفوظ ،من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة التأليف المسرحي للكبار – الشارقة – الهيئة العامة للمسرح – عن نص مسرحي بعنوان ( غائب لا يعود ) 2016
الوصول إلى القائمة القصيرة في مسابقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الخيال العلمي للأطفال عن مسرحية بعنوان ( الأرجواني السماوي ) 2017
0 التعليقات:
إرسال تعليق