مسرحية " الشوط السابع " تأليف : *بيات مرعي
مجلة الفنون المسرحيةالكاتب بيات مرعي |
مسرحية " الشوط السابع " تأليف : بيات مرعي
( المكان يضج بكل شيء يوحي ان من يسكنه رجل مثقف لوجود مكتبة هائلة تضم عدد كبير من الكتب المختلفة وعدد كبير من التحف والمزهريات واشياء اخرى تدلل على ان المكان قد اعد باهتمام متزايد رغم عتاقته )
يبدو عليه شيء من القلق والخوف ... الحوار سريعاً
هو :
لا شيء يطوي صفحات الوقت الا صفحات الكتب ، الكتب تعشق رائحة القهوة ، ولكل فنجان حكاية هكذا علمتنا الأيام ، كنا نبعثر الكلمات والسطور على عتبات ذاكرتنا ، كنا نتأمل نتخيل نتصور نحلم آآآآه أيها الحلم ... كم من الوقت نزفنا سهراً من أجل الحلم ... الحلم ... الحلم ... ما أصعب أن تطوف في حلم لا يصلح لأي واقع إلا لرسم تخلقه انت في راسك ...
( يدحرج برميلاً كبيرا ً الى وسط المسرح وسط المكان )
( يحاكي البرميل ) ...
تعال وقف هنا سأجعل منك صهريجاً جميلاً يا صاحبي ولكن عليك أن تساعدني دون أن تخبر أحداً بما سنفعله .... وماذا سنفعل مجرد إخفاء جريمتي التي ما زلت لم أعرف ماهي ...
( يسمع صوت ضجة خارج المكان ) ...
( يحاول إيقاف صوت البرميل أثناء حركته ) أشش أسكت أيها اللعين هل تريد أن يكتشفوا مكاننا لكي يحرقوننا معاً .. إنهم كائنات غريبة لا يعرفون شيء سوى القتل أو حرق الناس ... أسكت بالله عليك ... علينا أن نحرق كل شيء على عجل قبل أن نُحرق ، يبدو أنهم يقتربون من هنا ... ( يذهب الى النافذة ينظر ) يبدو أن لدينا متسع من الوقت لإخفاء كل شيء ولكن لابد من أخذ الحيطة والحذر ونتوقع قدومهم ومداهمتهم لنا في أي لحظة ...
( مازال الخوف الشديد يبدو عليه وهو يجول في المكان كالمجنون ، ينزل عدد كبير من الكتب والمجلات وعدد من الشهادات التذكارية والجوائز من على رفوفها ويقربها من البرميل استعدادا لحرقها ) .
( بيده أحد الكتب ) ياااا كم أنت عتيق ، لقد اصفرت أوراقك أيها العجوز ، لكن روحك مازالت تنبض شبابا وحيوية ، عذراً ستأكل النار منك كما أكلت أفكارك مني سنين طويلة ( يرميه في النار ويأخذ بالبكاء ) ... ( ينظر الى الكتاب وهو يحترق ويبدأ بعد الأوراق التي بدأت النار تأكلها ) سبعة ... ثمانية ... تسعة ... عشرون الفصل الثاني جذور الإنسانية ... ياااه الإنسانية الإنسانية ... لقد استحقيت الحرق ... لم تعد للإنسانية وجود في عالم محطم كعالمنا ...
( يأخذ كتابا أخر ) قصة الحضارة ... ويل ديورانت ... ( يبدأ بالضحك ) كم أنت مغفل ياويل أي حضارة ( يصرخ ) أي حضارة والقيامة كل يوم هنا وهناك تحرق الأخضر واليابس ... كذب ... كذب ... لا شيء من هذا ... ( كتاب أخر ) الإنسان والروح إيفانوف ( أخر ) الطبيعة الإنسانية ... نعوم تشومسكي ... ميشيل فوكو... كذب في كذب ... لم تعد عناوينكم تثيرني ...
( ينتبه الى وجود صندوق صغير ) ياااه ها هو خزانة أسراري ، منذ زمن بعيد وانت تكتم وتتستر على أسرارٍ شتى ، كم انت وفي أيها الصندوق العتيق ( يفتحه ) وكأنه يحدث أحدا داخله أما زلت تنتظرين هنا ( يخرج صورة فتاة ) كم من السنين وأنت تعلقين نظراتك الجميلة نحو الأمل نفسه ، لقد قلتها لك ولكنك لم تسمعيني ... قلت لك لا أمل هنا ... ( يسمع صوت لفتاة ) صوت : أحبك نعم إنني أحبك ...
أي حب تتحدثين عنه ، لا فائدة مني قلتها لك تكرارا ومرارا أريد أن ارحل بعيدا قلتها لك حين كنا على سطح الدار وفي الحديقة العامة وعند باب مدرستكم هنا وهناك لم نبقي زاوية مررنا بها في المدينة كلها وأنا أخبرك برأي هذا ... لا فائدة مني ... لا حب في هذا الوطن ... لقد قتلوه ... مات الحب ... مات الحب ... وصار للحب قبراً ( يبكي )
أحببتها وملأت لها قلبي عشقا ، لكنني لم أبح به لها كنت أخاف عليها ، كانت تتصور إنها تحبني فقط وأنا لا ابادلها ذلك الحب ... كانت طفلة صغيرة ، تشد ضفائرها على جنبي رقبتها كأنهما غصني شجرة عنب وبينهما وجهها المحمر كوجه الشمس ساعة الغروب ، ما أن تبتسم حتى أشعر أن قلبي يكاد يفر من جسدي إليها ، كنت أسيراً لبرأتها ونعومتها ... ولم يكن هناك شيء أقوى من ذلك الحب سوى فكرة الرحيل ( يبكي ) لم أتخيل إنها سترحل قبلي في رحلة أجهل طريقها ، لقد انقضّت تلك الطائرة الملعونة على بيتها فأطفت كل الأرواح التي كانت تسكن فيه ... اللعنة على الحرب ...
( يسمع صوت قنابل وتفجيرات وطائرات ) ( يتغير المكان الى معسكر )
نعم ياسيدي ( صوت وكأنه يعطي الأوامر له ) حاضر ياسيدي ... نعم ياسيدي الوطن أثمن شيء .. نعم ياسيدي لابد أن نضحي له بالغالي والنفيس ... نعم ياسيدي حتى لو جعنا المهم هو الوطن ... حتى لو ذبحت أولادنا فهو الوطن ... نعم الوطن هو الوطن هو الشرف والكبرياء وال... (يسقط هو متعباً فيصرخ الصوت به الوطن أنهض )
لقد تعبت ياسيدي ( الصوت ماذا تعبت ... ؟ بل قل إنك خائن ) لا ... لا ياسيدي لا أرجوك أتوسل إليك لا تقل هذا انا لم أعرف طعم الخيانة ... لا الوطن هو الوطن سنحميه بدمي وروحي ... يس يم ... يس يم طالعلك يعدو طالع من كل بيت وحارة طالع
( يهتف بهسترية .. ) ( يبدأ بحرق عدد من الأوراق ويرميها في البرميل ...وهو يصيح ) الوطن ... الوطن ... طالعلك ياعدو طالع ...
( يسمع صوت وقع أقدام خارج المكان ) ...
لابد أنهم عادوا من جديد ( يتوجه الى النافذة لينظر ) عليا بالإسراع من حرق كل شيء ، إنهم مجرمون لايعرفون الرحمة ولن يغفروا لي إن وجدوا عندي كل هذه المصائب ...
كم ندمت على كل ذلك ... الأن عرفت ما قيمة أن يكون الفرد مغفلاً وساذجاً بل حيواناً ... يأكل ويشرب وينام ولا يدع دماغه للتفكير ... نعم ... أفضل بكثير مما أنا عليه الأن ... لو كنت ذلك لما قلقت كل هذا القلق ولم يكن هم في ذهنهم فكرة البحث عني وعن أمثالي ...
( يحاول أن يمثل مشهد الاستجواب معه بصحبة الصوت )
سيأتون ويجلس رئيسهم هنا والأخر هنا والأخر هناك وأنا سأقف كالعبد الذليل هنا خائفاً مرعوباً وسيمطرون عليا أسئلتهم التافهه :
أنت ما أسمك ؟
انا ياسيدي اس...........مي .. ( بخوف شديد ) هل بالإمكان إعادة السؤال من فضلك ...
أيها الحيوان أسمك هل نسيت أسمك ؟ هل تحب أن أذكرك به بطريقتنا ؟
لا ... لا ... ياسيدي إسمي زاهر / ماذا ؟ / عفواً ماهر نعم ياسيدي ماهر
وبأي شيء ماهر ؟ بخيانة الوطن ؟
لا والله يا سيدي طول عمري لم أخن ولا أذكر يوماً خنت أحداً ...
جيد جيد ... ما هذه الكتب التي جمعتها ؟
إنها كتب ياسيدي كتب
يا حيوان أعرف كتب ....
( يقطع المشهد ) لا .... لابد من حرقها إنها تجلب لي البلاوي ... ( يستمر في الحرق ) .
( يأخذ أحد الكتب الدراسية ) ...
ياااه كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإبتدائي ... ( يقلب أوراقه ) ...
هلو سامي ... هلو سمير
Where are you going ?
Im going to school .
( يصرخ ) خطأ ...خطأ ... حين ذهبت الى المدرسة ، كان عليا ان ابقى في الشارع أن أتسكع أن أكون صعلوكاً ...
( الصوت ) ... يا ماهر
نعم يا أستاذ ...
انتبه الى الدرس ... وأنظر في كتابك ... وإلا ...
( يستذكر ) كان أستاذ عدنان معلم اللغة الإنكليزية شديد التعامل معنا نحن الطلبة كان يقول اريد مصلحتكم ، ذات مرة سألته سؤالاً تعرق جبينه وهو يحاول أن يجيبني على سؤالي :
أستاذ هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة ؟
أجابني هل بدأت تتفلسف ياولد ... ثم قال من رأسك الفارغ يا غبي ... عليك ان تراجع دروسك وتسألني أفضل من سؤالك التافه ... قال لي ذلك بعد أن رأى الطلاب كلهم يضحكون على سؤالي له ... صرخ بهم صرخته المعروفة ... ثم أخذ ينهال علياً ضرباً وهو يقول إنك تثير الشغب والفوضى في الصف يا ولد ... ( حركة تدلل على أن أستاذ عدنان ينزل ضرب العصا على يديه وهو يصرخ ) والله يا أستاذ مجرد سؤال ...
وهو يقول راجع كتبك ياولد ... كتبك ثم كتبك ( يعاود حرق عدد أخر من الكتب )
جغرافية الوطن .. التاريخ المعاصر .. كتب الاقتصاد .. العلوم والأحياء ... الرياضيات الحديثة كذب في كذب في كذب ....0 ( يقرا صفحات من كتاب التاريخ )
كان قائداً عظيماً إتسعت الفتوحات في عهده حتى وصلت .... وصلت ماذا ؟ ماذا ؟
( بشيء من الإستهزاء ) هل يعقل ياسيدي إنك تصل الى ذلك المكان البعيد البعيد جداً أنت وجيوشك وقد تركت خلفك ألاف من القتلى والجرحى ... وهنا يقولون عنك المنتصر ... المنتصر دماء ودماء ودماء ...
( مشهد يظهر فيه أعضاء بشر مقطعه ) ..
( يبدأ بجمع الأعضاء ) ( يحاول جمع وتركيب الأعضاء على بعضها البعض لتصبح شبه إنسان أو ربما دمية ) ... ( يحاكي الدمية ) ...
هل أنت أحمد أم خالد أم ... من أنت ؟ ماذا لا إسم لك ؟ كيف ؟ الناس كلهم لديهم اسماء وبها يتعارفون وينادي بعضهم البعض بها ... حسناً سأجعل لك إسماً لكي نتحدث مع بعضنا ... سأسميك فاضل ، هل يعجبك هذا الاسم ؟
حسناً يا فاضل ... هل أنت جائع ؟
( الصوت ... لا لست جائعاً ... بل قل أنا لا أأكل ... )
لا تأكل ماذا لا تأكل ؟ كيف لا تأكل ألست إنسان من دم ولحم ؟
( الصوت ) : لا لقد أكلتني الحرب كما تراني ...
أكلتك الحرب ؟ كيف أصدق هذا الكلام ؟ ( بتراجع ) وكيف لا أصدقه أنا مثلك لقد أكلتني الحرب وما أختلف به عنك هو أنني مازلت ... مازلت حياً وميتاً معا ... اللعنة اللعنة الحرب ... ليتها أكلتني الحرب مثلك ... لقد تركتني للخوف والمجهول فتحت لي بابا نحو نفق الكوابيس ، كل ليلة يلبسني كابوساً أفضع من كابوس الليلة التي سبقتها ... ليتها أكلتني الحرب ... خوف وخوف وخوف ، لقد أضعت عكاز الحلم ، أنا رجل بلا أحلام تصور ياسيدي ( يحاكي الدمية ) أنا رجل بلا حلم ... أحمل في رأسي وذاكرتي حقيبة صور للموت فقط حقيبة للصراخ والألم معاً ، صور الحدائق باتت في عيني مقابر ... يا ... كم تمنيت أن تأكلني الحرب وينتهي كل شيء ... لم أعد أقدر على الوقوف في هذا المكان بين الحرب واللاحرب ... ( يحاول رمي الدمية في البرميل ليحرقها ) ... لتشبع الحرب ومن يأججها من مأدبتها ...
( يسمع صوت وقع الأقدام في الخارج أكثر قرباً من قبل فيتوجه الى النافذة ذاتها لينظر ) .
اللعنة إنهم يقتحمون بيت جاري ... مؤكد أنهم سيأتون الى بيتي بعد ذلك ... لأسرع بحرق ما تبقى إنهم يبحثون عن كل شيء ، لابد أن يفعلوا ذلك لكي يثيروا الرعب في نفوس الناس ويلهونهم بأشياء تافهة وبذلك يسكتوا الناس بالحديث عن الحرب وويلاتها ...
( حوار موجه للجمهور )
إذا أردت أن تعيش كما يريدون عليك أن تشارك في الحرب ...
وأنت ياسيدي ( يخاطب أحد الجمهور ) إن أردت العيش بعيداً عن الحرب أو رافضاً لها فلا بد أن تكون دائماً خائفاً ومرعوباً من شيء ما ...
( يقترب الصوت أكثر فأكثر )
إنهم قادمون ... اللعنة لابد أن أسرع من حرق كل شيء ... ( يحال مسرعا رمي أكبر عدد من الكتب في المحرقة )
ماهذه ( يحمل ثيقة أو شهادة فيقرأها )
بالنظر للجهود العظيمة التي بذلتموها خدمة للوطن قررنا منحكم هذه الشهادة لتكون دليلا ملموساً لتواصلكم وعطائكم وشاهداً للأجيال القادمة ...
( يسمع صوت تصفيق ) ..
لا يسعني في هذه اللحظة الى ان اتقدم بجزيل شكري وتقديري لكم لمنحكم إياي هذه الشهادة التي سأعتز بها ما حييت .. ( يلتقط عدد أخر من الشهادات والأوسمة )
شهادة وشهادة ووسام ومدالية ( يبدأ بحرقها ) كذب في كذب ... أين أنتم يامن منحتموني كل هذا في هذه الساعة التي أقف فيها على حافة الهلاك ... كنت مغفلاً حينها لقد جعلتم مني سلماً لكي ترتقوا أنتم الى نواياكم الحقيرة . لم أعد بحاجة الى كلماتكم وشهاداتكم الرنانة .. الى جهنم وبأس المصير ( يواصل حرقها ) ...
( طرق شديد على الباب ) ... ( الصوت ) افتح الباب بسرعة ...
من في الباب ؟ ( الطرق يزداد دون جواب ) .. قلت لكم من في الباب ؟ اللعنة ماذا أفعل سيقتادونني الى دهاليزهم الوسخة ... وسألقى منهم ما لا يطيقه إنسان من شدة تعذيبهم لي ... (يقترب من الباب قليلاً ) ياسيدي ربما أخطأتم العنوان ، أنا الذي منحتموه كل هذه الشهادات والدروع والأنواط والمداليات ... نعم أنا هو بدمه ولحمه .. ( الصوت ) افتح الباب ...
ولماذا افتح الباب ، ها أنا أكشف لكم عن هويتي ، أنا مواطن كما ادعيتم ذات يوم لي من أنني من مواطنين الدرجة الأولى ، وانكم أشعرتموني أن لدي حصانة لا يجرأ أحد على تجاوزها والمساس بي بشيء ... أنسيتم وعددكم لي أم ماذا ؟ لقد كنت حريصاً طول عمري أن أكون ملتزماً بكل قوانينكم ، لم أتخلف يوم ما عن دفع كل الضرائب التي سجلت باسمي ، ولم أعرف الخيانة في حياتي مطلقاً ، شاركت في كل الحروب التي تعرض لها الوطن ، كنت أميناً على أداء واجبي الوظيفي ... ماذا بعد ... ( الصوت ) افتح الباب وإلا ... )
لماذا افتح الباب ؟ ياسيدي لقد منحت الوطن نصف عمري والنصف الأخر مما ملكته .. ماذا تريدون مني بعد ؟ ( يكشف عن جسده ) هذه إصابة كدت أموت لأجلها وهذه شظية أخذت نصف عقلي ( يكشف عن أحد ساقيه الاصطناعية ) وهذا ساقي الذي بتر اثناء الحرب و ... و ...
( الصوت ) سنحطم الباب وندخل ...
لا ... لا ... لن أدعكم تجروني كالكلب ... سأنهي كل شيء بنفسي ( يرمي نفسه في النار ... ) .
( الصوت ) بالنظر للجهود العظيمة التي بذلتموها خدمة للوطن قررنا منحكم هذه الشهادة لتكون دليلا ملموساً لتواصلكم وعطائكم وشاهداً للأجيال القادمة ... ( يسمع صوت تصفيق ) ..
ستار
0 التعليقات:
إرسال تعليق