سندباد ..العالم لا ينهار أمام التفاهات والخيال ينسج الحكاية / داليا همام
مجلة الفنون المسرحية
سندباد ..العالم لا ينهار أمام التفاهات والخيال ينسج الحكاية
يقف الخيال وراء قدرة الانسان على الإبداع، وهو أيضاً الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها كل الإبداع الفني والحكايات الشعبية، وتعد حكاية السندباد من أشهر الحكايات الشعبية عند الفرس والعرب، ويدور محورها الرئيسي عن الرحلات والأسفار، السندباد من الحكايات التي يمكنها جذب الأطفال والكبار وهي دائمة التقديم سواء في المسرح أو السينما.
قدم البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية فرقة تحت 18 مسرحية سندباد إخراج شادي الدالي، وتأليف إسلام إمام على مسرح البالون وضمن فاعليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته 15، المسرحية تتخذ من شخصية السندباد محوراً لأحداثها وبنائها الدرامي، والشخصية في عمومها هي مزيج محدد وخاص من نماذج العاطفة وأنماط السلوك للفرد، وبذلك فإن شخصية السندباد لها طبيعتها الخاصة التي تمتزج فيها العديد من المكونات النفسية والعقلية فهي تجمع بين الإقدام على المغامرة والخوف والشجاعة، والحلم والضعف والقوة بما يعنى أن شخصية السندباد تجمع بين الأضداد في تكوينها، وبذلك فهي من الشخصيات الثرية على المستوى الدرامي.
أما عرض سندباد فيبدأ زمنياً من اللحظة الآنية والتي نجد فيها سندباد صاحب قصر ومن الأغنياء، وهو الذى يقدم للمتلقي حكايته من خلال سردها على عابر سبيل جاء يقطف من حديقته تفاحة، فيدور العرض في سياق حكاية سندباد التي يسردها بشكل مرئي فالحكاية تقدم تمثيلاً من خلال شخصية السندباد والشخصيات الأخرى في المسرحية، ومن اللافت للنظر أنه لا توجد اشارة لاحقاً داخل احداث العرض إلى أن السندباد مازال يحكي حكايته بل يتم الاستغراق في الحكاية من قبل الممثلين ويتم اهمال الإشارة لما كان يسرده سندباد، الا أن متابعة الحكاية تمثيلاً تستطيع جذب المتلقي وتثير اهتمامه، ونحن اذاً نرى رحلة السندباد بعينيه ومن خلاله، ونعرف ما كان بداخله من شعور انساني لحظة القيام بأي فعل، فتارة يكون خائف وأخرى يشعر بالسعادة فشخصية السندباد تعبر طوال العرض عن مشاعرها الداخلية لفظاً وأداءاً فقد اختار المخرج أن تكون تلك الشخصية أقرب للشخصيات التي يمتزج فيها الخيال بالواقع، وسرعة رد الفعل عنوانها، والتردد والخوف هما رد فعلها الأول على أي موقف يواجهها، ومن خلال الاسترجاع تمثيلاً يعود بنا العرض إلى الماضي حيث سندباد المعتاد على التبزير واهمال المال، ومن خلال مكاشفة بينه وبين والدته نعرف أنه أصبح لا يملك شيئاً فقد ازدادت الديون نتيجة عم الاكتراث، ولا سبيل للسداد سوى العمل واذاً عليه خوض غمار رحلته عبر البحر كما كان والده البحار يفعل، وذلك حتى يعمل في التجارة وينقذ نفسه واسرته من الفقر المنتظر نتيجة اسرافه واقتراضه.
بداية الرحلة :
يخوض سندباد تلك الرحلة التي تغير كل شيء حتى شخصيته الاعتمادية وخوفه الزائد، وتستطيع تهذيب سلوكه المتردد والمعتاد على التبزير، فعلى الرغم من أن الرحلة تعتمد على الخيال في نسجها للمواقف والأحداث - خصوصاً حين يحمله طائر الرخ ذلك الطائر الأسطوري، أو حين يهبط على جزيرة البلهاء أو حين يجد الكنوز من الجواهر، ويعود محملاً بها إلى وطنه - الا ان العلاقة بين نطاق الزمن الخيالي داخل المسرحية ونطاق الزمن الفعلي مثل العلاقة بين المكان الخيالي والبيئة الخيالية الحقيقية ملائم للنوايا المتضمنة في النص، فالفكرة أن يعرف المتلقي حجم الأخطاء التي وقع فيها السندباد فيتجنبها وأن يستمتع بتلك الرحلة الخيالية حتى وإن كان المكان غير قابل للتحقق سوى في الخيال، فالتنوع في اختيار الأماكن التي يذهب اليها سندباد في العرض يأتي ضمن اطار الأماكن الفانتازية والتي يمكنها أن تضيف الجو العام على الحكاية ولكنها غير قابلة للتحقق الفعلي على الأرض، وزمن حدوثها بالضرورة يتجاوز أي زمن فعلى أو حقيقي، لذلك فإن اختيار الأماكن التي يذهب اليها سندباد نابع من أماكن الحكاية الأساسية في التراث عن السندباد كشخصية تراثية ضمن حكايات ألف ليلة وليلة، وقد أضاف هذا الاختيار للأماكن ثراء على النص الذى قدمه اسلام امام وجعل المتلقي يشعر بالألفة مع الأماكن على غرابتها في الحقيقة، ولكنها تتفق مع طبيعة الحكاية الخيالية ذاتها، واستخدامات الديكور التي قدمها المخرج شادي الدالي كوسائل تعبر عن المكان وموحية به، فمثلاً الايهام بوجود البحر إلى جوار الشاشة في الخلفية أضفى تنوع وكان متسق مع فانتازيا الحكاية.
الكوميديا وسيلة لإيصال الرسائل :
وقد اعتمد المخرج في توجيه ممثليه على اتخاذ الكوميديا وسيلة يُضَمن من خلالها إيصال جميع الرسائل لمتلقيه، ذلك أن الكوميديا تصل بشكل مباشر إلى عقل المتلقي وتخاطبه ففي لحظة استجابة المتلقي للضحك يكون على صلة بعقول الآخرين فشعورنا بالعزلة لا ينتج ضحكاً، ومهما افترضنا أن المضحك واضحاً للكل الا أنه يخفي في داخله فكرة تآمر مع ضاحكين أخرين، وكلما كان المسرح يحتوى على عدد كبير من الحضور كلما كان الضحك أكثر. ومن الضروري التأكيد على أن الكوميديا تجنح إلى التصوير الواقعي للوسط الاجتماعي، فهي تشير دائما إلى حوادث من الزمن الراهن وتفضح الممارسات الاجتماعية المضحكة والسيئة ،ولذلك فإن الاضحاك فيها يكون وسيلة نقد ،وقد تمكن عرض سندباد من أن ينتقد الواقع الاجتماعي من خلال سلوك الشخصيات في المسرحية، هذا إلى جوار انتقاد الواقع الفني من خلال الإشارة إلى بعض الأفلام المبتذلة والممثلين المعتمدين على نمط معين في تقديم الأفلام لتحقيق ما يمكن أن نطلق عليه نجم أو نجمة شباك، تحديداً في فترة التسعينيات في مصر.
آليات الإضحاك في عرض سندباد:
إن السخرية والاضحاك في الكوميديا يتوقفان عند فكرة أنه لا مضحك الا فيما هو انساني، فنحن نضحك في عرض سندباد من خلال المواقف التي يتعرض لها سندباد وغيره من الشخصيات التي تقدم أدائها على خشبة المسرح، وقد اعتمد المخرج على آليات الإضحاك في صياغة عرضه المسرحي، ومن المؤكد أن آليات الاضحاك يتم الاعتماد عليها من خلال الممثل على خشبة المسرح، فالتكرار يتم الاعتماد عليه في العديد من المواقف داخل العرض، والتكرار في الكوميديا له سمات مختلفة عن التراجيديا وعن الحياة العادية ذلك أن التكرار في الكوميديا يعتمد على عنصر الآلية وهو الباعث الحقيقي على الضحك، ونجد استخدام عنصر الآلية من خلال شخصية قبطان السفينة، والذى يبدو نطقه لبعض الجمل وحركته كالألة مما يثير الضحك، وشخصية الدائن لسندباد واعتماده المظهر الألى أحياناً في الحركة والكلمات يثير الضحك، هذا إلى جوار شخصية ملك الجان واعتماده الألية أيضاَ وهذه الشخصية تحديدا قد تبدو مثيرة للجدل كونها تعتمد على تكنيك قلب الأدوار فهي في الحقيقة ممثلة / فتاة وتقوم بدور ملك الجان فيبدو الصوت أنثوي في لحظات يفترض فيها شدة وخشونة الصوت بينما ما نسمعه هو صوت الفتاة مما يثير الضحك لدي المتلقي، وأيضاً قلب الأدوار في الكوميديا لا يكون في المظهر فقط وانما قد يكون في الجوهر أيضاً فقد يثير ضحكنا أن يتكلم السندباد على قوته وشجاعته وهو في موقف نسمع فيه دقات قلبه من خوفه من الشخصية المقابلة له، أيضاً حينما يتحدث الدائن غريب المظهر عن الأخلاق وأفعاله تناقض ذلك ،ويستخدم أيضاً المخرج آلية الاضحاك» الالتباس» وهى آلية تثير الكثير من الضحك ،ً ففي جزيرة البلهاء حينما يتحدث سندباد إلى سكانها غير مدرك أنهم لا يعرفون ما هو مكتوب على جزيرتهم ويعتقد هو أنهم يدركون فيصنع الكثير من الارتباكات والمداخلات المثيرة للضحك وما يسمى تداخل السلاسل، إلى أن يفض هذا الالتباس فيعود الحال كما كان وتسير الأحداث نحو التصاعد الذى يؤدى في النهاية كحال المسرحيات الكوميدية إلى النهاية السعيدة بأن يثاب الخير وهو هنا سندباد وحبيبته ويعاقب الشرير وهو الدائن والبحار وملك الجان أيضاً.
وبداخل المسرحية يوجد ما يمكن أن نطلق عليه التنكر، ولكنه تنكر من نوع خاص فملك الجان قادر على إعمال السحر في جميع من يخالف أوامره، فتارة يحول من أحبها ورفضته إلى كرسي وتارة أخرى يحول حبيبين إلى زرافة للزوجة وأحد الماشية للزوج، أما عن حبيبة سندباد والتي تم بيعها حينما بدأ هو رحلته فقد حولها ملك الجان إلى طائر، ومن الجدير بالذكر أن حبيبة سندباد هي بالأساس جارية كان سيشتريها سندباد ويحررها من العبودية ثم يتزوجها، وهو مالم يحدث في بداية المسرحية لذلك كان هذا أحد الدوافع لدى سندباد إلى البدء في رحلته، بل والعودة لخوض غمار رحلة جديدة يستعيد فيها حبيبته ويتحدى ملك الجان.
في نهاية الكوميديا السعيدة تعود الشخصيات إلى طبيعتها فالعائق الذى أدى إلى أن المتلقي يضحك على هذه الشخصية يزول وتعود الأمور إلى نصابها الصحيح، وتكمن النهاية السعيدة في الكوميديا في التأكيد على أن العالم لا ينهار امام التفاهات والتصرفات الشاذة بل لا بد من استعادة الحياة من جديد.
عرض السندباد من اخراج” شادي الدالي”، “كتابة اسلام امام”، أشعار” محمد زناتي “وهي أشعار تخدم الحكاية الأساسية للسندباد وتؤكد على رحلته، ومن الجدير بالذكر التأكيد كون هذه الأشعار أضفت الكثير من البهجة على العرض المسرحي واختزلت بعض من الزمن في اللحظات التي كان السندباد ينتقل فيها من بلد لأخر ضمن سياق الحكاية.
الاستعراضات ل “كريمة بدير” تميزت بالسلاسة القادرة على التعبير عن المعنى إلى جوار أنها أسهمت في استكمال الصورة الجمالية للعرض المسرحي.
تصميم الأزياء ل “مروة عودة” ساهمت في تأكيد الحالة الخيالية التي تستمد جذورها من التراث، وتوافقت الملابس مع طبيعة كل شخصية.
تصميم الديكور والاضاءة ل “عمرو الأشرف” و استطاع الديكور أن يعبر عن المكان والزمان بشكل مختصر غير مبالغ فيه، وتميز بسهولة الاستخدام والتحريك فمشهد المركب الشراعي وحركتها السلسة صنع إضافة واضحة لرحلة السندباد، أما الإضاءة فكانت مناسبة للاستعراضات وتخللها الألوان المبهجة، وتناسبت الإضاءة بشكل عام مع العرض وطبيعته.
الماكيير ل “وفاء داوود” استطاع التأكيد على عدد من الشخصيات خصوصاً شخصية ملك الجان فهذه الشخصية اعتمدت على المكياج بشكل أساسي لإمكانية التنكر من أنثي لرجل هو شخصية ملك الجان، فكانت المبالغة في شكل العين والفم إلى جوار الباروكة التي يتم ارتدائها، وقد استطاعت “وفاء داود” ضبط المكياج الخاص بكل شخصية مما ساعد في ضبط التصور الذهني عن كل شخصية لدى المتلقي .
الممثلين أدوا أدوارهم بما يتوافق مع كل شخصية وطبيعتها وعلاقاتها بالشخصيات المحيطة بها، وقد قام بدور السندباد “ضياء زكريا” والذى قدم الدور بحس كوميدي وباعتماد على المبالغة في رد الفعل أحيانا ولكن دون اللجوء إلى التزيد، أما شخصية حبيبة السندباد فأدتها “هند الشافعي” واستطاعت ان تقدم الضحك بشكل مناسب للشخصية، أما عن ملك الجان “يسرا كرم” و الدائن لسندباد” محمد يوسف/ أوز” فقد اعتمدا على تقديم الشخصيات ذات الطبيعة الكارتونية أي التي تكون المبالغة في الشكل والحركة والصوت والأداء وسيلتها في إضفاء الكوميديا وتكوين ملامح خاصة للشخصية، وقد نجحت يسرا في صياغة شخصيتها بشكل موفق، وكذلك استطاع محمد يوسف إضفاء البهجة على الشخصية وانتزاع الضحكات العالية من الجمهور، أما شخصية البحار والتي قدمها “أحمد أوسكار” بشكل كاريكاتوري مثير للضحك واستطاع من خلالها استلاب الضحكة من المتلقي إلى جوار أنه قدم بعض العزف الموفق على ألة الهارمونيكا.
السندباد من العروض التي تقدم الكوميديا دون اللجوء إلى الافتعال لإثارة الضحك.
_______________________
المصدر: جريدة مسرحنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق