مسرحية " حسابات " تأليف *الحسام محيي الدين
مجلة الفنون المسرحيةمسرحية " حسابات " تأليف * الحسام محيي الدين
رفيقا سلاح ، معا في خندقٍ صغير . يتحاوران :
الأول ( يلهث من شدة التعب ) : لقد ركضنا بما فيه الكفاية .
الثاني ( يلهث أيضاً ) : نعم . حفرة جيدة . كاد القصف يقتلنا . هل وقع منك شيء ؟ ذخيرة ؟ ضمادة ؟ ماء ...
الأول : لا أعتقد ، بل لا أعلم فقد حل المغيب وضعف النور . سأحاول تفقد ما حملت معي .
الثاني : يقترب صوت الطائرات ثم يبتعد . أسمع صوت مضادات كلما اقتربت
الأول : لم نطلق نارا منذ سنتين
الثاني : العدو يقصفنا ...
الأول : ولم ننتظر أن يكِرَّ علينا ؟ أن نبقى على صليب الانتظار ؟ اليوم وكل يوم نحاربه .
الثاني : بلى . لكنها الحسابات . تكتيك ميداني في كل مرة كي لا نخسر .
الأول : كيف ؟
الثاني : نحن نأتمر بالقادة .. بأوامر من أعلى ... من سُلَّمٍ أمني قصد السلامة من العدو . وهذا طبيعي كي ينجح الكفاح .
الأول ( بتعجب ) : لم أعرف يوما من أين تأتي الأوامر . ربما من وراء الحدود ... ولا أدري لم نقاتل كل عامين مرة ؟!
الثاني : لا يا رجل . إنها مصادفات . ولا يجب أن ننجر لما يريد العدو .
الأول : حسنا . وهل أصبنا في " التكتيك " اليوم ؟
الثاني : نعم .
صوت طائرات عدوّة تخرق السماء
الأول : الله يستر . هل أخذ " التكتيك " بالحسبان أننا أعزلان إلا من بندقيتين خفيفتين في مواجهة القوة الجوية فوقنا ؟
الثاني : كل شيء محسوب ، وقد تكون هذه المعركة فاتحة الانتصار الكبير .
الأول : يعني سينتهي حصار مدينتنا مثلا ؟
الثاني : أبشر . كل التوقعات أن هذه المعركة فاتحة دمارهم .
الأول : توقعات من ؟
الثاني : القيادة ... سنرميهم في البحر . لكن للضرورة أحكام .
الأول : تقصد للسياسة أحكام ؟ أشعر أننا صندوق بريد للرسائل المشتعلة . بندقية غبّ الطلب . ورق لعب على طاولة من يهمه الأمر ويعنيه
الثاني : ماذا تقول يا رجل ؟! أنت تبالغ
الأول : لا تخف . ليس هناك من يسمعنا ...أتساءل دوما : ألا يستحق من ماتوا أن نخوض حربا لأجلهم ؟ أن نفعل شيئا ما ... أن نهجم .. نغتال ...نُفجِّر ... أيّ شيء أيّ شيء . لا أن نتجمد بانتظار الأوامر الغامضة ... والحسابات
الثاني : بلى يستحقون . لكن يا عزيزي احسبها جيدا ... ربما ينصب العدو لنا فخاً... يجرنا للحرب ساعة وكيف يشاء .
الأول ( مقاطعا ) : الوطن لا ينتظر الحسابات ، القتال أمر مستمر ونحن مشاريع شهداء دائمين ... أهلنا ، أرضنا ، أولادنا ، وطننا ، هؤلاء لا يحتملون التأجيل والتسويف ... القتال أن نصنع قدرنا الجميل وها نحن أسرى خرافة النضال
تتجدد أصوات الطائرات العدوة فوق الرجلين وقصف مباشر يهتز له المكان
- ينظر الأول إلى رفيقه عله يتلو عليه خبرا ما عن جهازه اللاسلكي ، يفسر له ما يجري توّاً .
- الثاني ( يتحدث في الجهاز ) : آه . نعم ... اللعنة ( تشويش ثم أصوات متقطعة)
يبدو أنّ العدو يقصف المدينة . لم يشبع هذا اللئيم المجنون الغاشم البغيض من
سفك دمائنا . لم يشبع من حصار سنوات طوال ، تجويعا وتنكيلا وقتلا لأهلنا
فيها ، لم يرتدع عما يفعل ...
- الأول : وما الذي يمنعه يا صديقي ؟
- الثاني : أنا . أنت . كلنا .
- الأول : كلنا ؟! من كلنا ؟!
- الثاني : أنت إنسان سادي ... قاتلنا العدو في غير موقعة وانتصرنا ...
- الأول : قيل لنا أننا انتصرنا ... وعشنا أحلام ذلك النصر ... ثم صالحناه !
- الثاني : ليس صلحا .. هدنة ... حسابات ...
- الأول : عدنا للحسابات ! المنتصر لا يهادن ... ربما المنهزم
- الثاني : هذه سياسة ...
- الأول : أنا أقاوم ولا أشتغل سياسة .
- الثاني : المهم الآن . ألا تسمع القصف من حولنا ؟
- الأول : بلى
- الثاني : إذن !
- الأول : ننتظر الأوامر ؟!...
- الثاني ( لا يجيب ويحدق في جهازه ) : يتناقل الرفاق خبر مقتل مدنيين بكثرة
في المدينة ... الدول تستنكر .. بيانات الأشقاء تنهمر شاجبة ... خطابات وكلام
كبير ... الغرب يريد ضبط النفس كالعادة... لكن الأهم من كل ذلك أن هذه
المعركة تحديدا هي بداية النهاية لعدونا ... سنكنسهم من أرضنا ... سنحررها ..
الأول : لكن الأمور عكس ما تقول . العدو يزيد في القتل والتدمير ...
الثاني : سننتصر ... سيكون درسا قاسيا لهم ... صواريخنا طالت بيوتهم وناسهم . وهم في الملاجىء ... هذه بداية جيدة ...
الأول : هل قتلنا منهم أحدا ؟
الثاني : حتى الآن لا أحد ... ربما جرحى
الأول : ربما ؟!... جرحى ؟! صواريخنا لم تقتل أحدا.. ونحن نموت ... ومدينتنا المحاصرة تدمر كل يوم ، أحياؤنا ، حقولنا ، مدارسنا ، أطفالنا ...
الثاني (رافعاً قبضته ) الارادة ...
الأول : قتلانا بالمئات
الثاني ( معترضا ) : قتلى يا مستهتر ! شهداء
الأول : أيكفي أن نسميهم شهداء لنقبل قتلتهم بهذه الكثرة والطريقة ؟! بهذا الثمن البخس ؟! عبث مشؤوم بالارواح
الثاني : مهم جداً أنْ نسميهم شهداء في حساباتنا نحن ( نداء لاسلكي ) : نعم سيدي . أوووه تمام . شكرا. ( تنفرج أساريره وهو يرفع شارة النصر بوجه زميله ) : لقد توقفت العملية العسكرية . بدأت بشائر النصر
الأول : ( ينظر إليه بتعجب ) : هل انتهت الحرب ؟
الثاني : نعم ...
الأول : ولكن أيّ نصر . هل رفع الحصار عن مدينتنا ؟
الثاني : كلا
الأول : هل أطلقنا أسيرا ... أزلنا دمارا ...
الثاني : كلا
الأول : هل انتقمنا لليتامى والثكالى والحبالى ...
الثاني : كلا
الأول : هل عادت الماء ، الكهرباء ...
الثاني : كلا
الأول : الغذاء ... الدواء ...
الثاني : كلا
الأول : هل ...
الثاني : كلا
الأول : هل ...
الثاني : قلت لك كلا ... كلا ... كلا !
( يسود الصمت ثم أصوات بعيدة )
الأول : أسمع أصواتا عبرية .. غناءَ أعداء .. احتفالا ربما بأمر ما . كأنهم يغنون ... كأنهم يرقصون ! نعم أسمعهم جيدا ...
الثاني : ونحن نحتفل أيضا... هكذا تقول الأخبار ...
الأول : لكن كيف ؟!
الثاني : بعد المعركة يا صديقي يحتفل المنتصر لأنه قتلَ العدو ، ويحتفل المهزوم لأنه لا زال حيّاً !
ستار
*ناقد وكاتب مسرحي ، بيروت .
0 التعليقات:
إرسال تعليق