مسرحية تداعيات تأليف عكاب حمدي
مجلة الفنون المسرحيةمسرحية تداعيات تأليف عكاب حمدي
شخوص المسرحية:
1- الرجل
2- الشخص الاول
3- الشخص الثاني
(تفتح الستارة : موسيقى تدل على الترقب والحذر والخوف واضاءة تكشف عن وحشية المكان بعد لحظات يقذف رجل من مرتفع ليتدحرج على خشبة المسرح ... تتصاعد الموسيقى (ثم تبدأ بالتلاشي تدريجيا ويزداد قوة الضوء ليكشف لنا عن مقبرة فيها من القبور والشواهد المتناثرة هنا وهناك بعد لحظات يدخلان شخصان يحمل كل منهما سجل كبير ويقف الشخص الأول عند رأس الرجل بينما يقف الشخص الثاني عند قدميه)
الرجل/ ( حركة بطيئة تدب في جسد الرجل مع صوت الموسيقى ... الرجل يتصرف وكأنه في حلم)
الله ما هذا الجمال لم اشاهد من قبل مثله ... هيا تعالي ... أقتربي ... لماذا أنت بعيدة عني ... هيا تعالي لا تخافي (يلتفت يمينا وشمالا) هيا لا يوجد أحد هنا
الشخص الأول/ أحم أحم نحن هنا
الرجل/ قلت لك هيا تعالي لا يوجد ما يزعجنا هيا هيا
الشخص الثاني/ صاحبنا لا يستطيع ان يسيطر على مشاعره يبدو انه كان يعيش في حالة جفاف هل نتركه يتمتع قليلا
الشخص الأول/ كلا ... هيا أيقضه ... هيا لا يوجد لدينا سعة من الوقت هناك من ينتظر
الشخص الثاني/ (بعنف) هي ... أنت ...أنت ... هيا أستيقظ (يركله) قلت لك هيا استيقظ
الرجل/ (ينهض مذعورا) يا الهي ما هذا الازعاج ... اللعنة ... من انتما ... من سمح لكما أن تقتحما خلوتي وتحرماني من أجمل حلم
الشخص الثاني/ يبدو حلمك جميل وممتع؟
الشخص الأول/ عيني أنت أبو الأحلام الوردية تسمح لنا أن نأخذ من وقتك
الرجل/ آسف ليس لدي وقت أقضيه معكما ...دعوني أعود الى أجمل حلم (يستدرك) ولكن من أنتما ... كيف تدخلان علي بدون أستاذان
الشخص الأول/ نحن في غاية الأسف ياسيد ... نحن (يقاطعه)
الرجل/ من أنتما (ينظر اليهما ثم يضحك طويلا) الآن عرفتكما (للأول) أنت أكيد قارئ المقاييس في دائرة الكهرباء يا استاذ خافوا الله ورحمونا في الأجور ... أتدري يا سيدي نحن لا نرى الوطنية الا في المناسبات والأعياد الوطنية ولولا المولدات لأصبحت حياتنا ظلام بظلام (للثاني) أما أنت فأكيد أبو الماء يا استاذ المواطن ممتن منكما الماء صاف ومعقم وخال من الديدان والمكروبات ما ان تفتح حتى تخرج عليك اشياء لم تخطر على بال أي أنسان ... أي الحمد لله المؤمن مبتلى ... أندري يا استاذ منذ اسبوع والماء مقطوع والمواطن المسكين يشتري الماء من اصحاب التناكر
الشخص الثاني/ أخي نحن لسنا أصحاب الكهرباء ولا أصحاب الماء
الرجل/ أذن انتما أصحاب سيارة الزبالة
الشخص الثاني/ أخي أرجوك دعنا نوضح لك الأمر
الرجل/ الأمر لا يحتاج الى توضيح الكتاب معروف من عنوانه
الشخص الأول/ (بعصبية) أخرس ... أي كتاب ...اي عنوان ...أي كهرباء ... أي ماء ... أي زباله ... احي نحن جئنا لنسألك
الرجل/ (بتعجب) تسألوني؟! عن ماذا (يضحك) ها الآن عرفتكما ... يا اخوان المواطن
الشخص الأول/ (بعصبية) المواطن المواطن ... المواطن عندما لا يصبح بها الوجه سيكون يومه سعيدا
الرجل/ أرجوك ... أنا لا أسمح لك
الشخص الثاني/ بل نحن نرجوك ليس لدينا وقت دعنا نسألك ونغادر
الرجل/ تسألوني؟! عن ماذا؟
الشخص الأول/ عن حياتك التي غادرتها
الرجل/ غادرتها؟ أنا لم اسافر طيلة حياتي
الشخص الأول/ أنا لا أقصد السفر
الرجل/ أذن ماذا تقصد؟
الشخص الأول/ أقصد العالم الثاني
الرجل/ (يضحك) هو أنا عرفت العالم الأول حتى أعرف العالم الثاني
الشخص الأول/ أخي أنا أقصد العالم الثاني يعنى العالم الآخر
الرجل/ العالم الثاني العالم الآخر ... ماذا تقصد؟ أنا لم أفهم شيئا
الشخص الأول/ يا الهي كيف اوضح له (للشخص الثاني) وضج له
الشخص الثاني/ أخي أنت الآن في العالم الثاني
الرجل/ ها ... العالم الثاني
الشخص الأول/ (يفرح ...يتصور بأنه فهم) نعم في العالم الثاني
الرجل/ ماذا تقصد بالعالم الثاني ... لم أفهم
الشخص الثاني/ العالم الثاني ... يعني ... هو العالم الآخر
الرجل/ ها ... العالم الآخر ... يا رجل لم لا تقل ذلك
الشخص الأول/ الحمد لله وأخيرا
الرجل/ ماذا تقصد بالعالم الآخر
الشخص الثاني/ (بعصبية) عالم ما بعد الموت
(موسيقى)
الرجل/ (باستغراب) تقصد ... أنا
الشخص الأول/ نعم أنت الآن ميت
(موسيقى)
الرجل/ (أثناء الموسيقى يتفحص نفسه ويؤدي حركات تدل على انه على قيد الحياة ) مستحيل ... مستحيل ...أكيد انكما واهمان أو تمزحان معي
الشخص الثاني/ كلا يا سيد نحن متأكدان ولم نمزح معك
الرجل/ مستحيل ... أنا ما زلت على قيد الحياة حتى أني ما زلت أتنفس وأتكلم ... مازالت حواسي تعمل
الشخص الأول/ كلا يا سيد أنت الآن ميت
الرجل/ (بعصبية) كيف أنا ميت وأنا الآن واقف أمامك بلحمي وشحمي؟ ... كيف أنا ميت وقلبي ينبض؟ ... كيف أنا ميت وقلبي مازال يخفق حبا؟ أنا لم أمت ... لم أمت ...لم أمت
الشخص الأول/ أرجوك يا سيد أن تهدأ وأن تستسلم للحقيقة
الرجل/ أي حقيقة هذه التي تتكلم عنها
الشخص الأول/ حقيقة الموت
الرجل/ قلت لك اني لم أمت ... أنا ما زلت على قيد الحياة
الشخص الثاني/ يا سيد أرجوك لا تضيع وقتنا هناك من ينتظر أهدأ كي نسالك ونغادر
الرجل/ أنا أرفض أن أخضع لرغباتكم ... أنا لم أمت ... هيا أخرجوني من هنا ... أنا أريد أن أغادر هذا المكان ... هيا أعيدوني الى عالمي الذي كنت فيه ... أنا أرفض عالمكم هذا
الشخص الأول/ ليس بمقدورك أن ترفضه
الرجل/ أنا أرفضه لأني ما زلت على قيد الحياة
الشخص الثاني/ لو كنت على قيد الحياة كما تدعي لما جئت الى هنا
الرجل/ لو كنت ميتا كما تدعي ما كنت الآن أتحدث معك واناقشك لكنت قد تحولت الى جيفة نتنة
الشخص الأول/ أرجوك يا سيد هذا نقاش عقيم أهدأ قليلا كي نسألك
الرجل/ (يفكر...موسيقى) حسنا... عن ماذا تسألانني
الشخص الأول/ عن حياتك التي أنقضت في ذاك العالم ... نريد أن نعرف كل تفاصيل حياتك
الرجل/ تفاصيل حياتي؟
الشخص الأول/ نعم أدق التفاصيل
الرجل/ حتى ال ....
الشخص الأول/ حتى ال....
الرجل/ جاءك الموت يا تارك الصلاة
الشخص الثاني/ وأياك أياك أن تزيف الحقائق كل شيء مدون هنا
الرجل/ كل شيء مدون هنا
الشخص الثاني/ نعم
الرجل/ حتى ال...
الشخص الثاني/ حتى ال...
الرجل/ حسنا ... من أين أبدأ؟
الشخص الأول/ أبدأ لنا من الولادة
الرجل/ من الولادة؟
الشخص الأول/ نعم من الولادة وبالتفاصيل
الرجل/ (يتذكر ... موسيقى حزينة) يا سادة سأبدأ لكما من اللحظة التي أتيت بها الى ذلك العالم الذي غادرته ... تلك اللحظة التي كنت دائما ألعنها لأنها بداية تعاستي وشقائي ما أن فرغت أمي من ولادتي حتى فارقت الحياة ... تصوروا يا سادة في اللحظة التي يأتي بها طفل الى الدنيا أمه تغادرها ... أي تعاسة هذه ... على كل حال عشت طفلا يتيما تتقاذفني الأحضان من حضن الى حضن ... طفلا محرومنا من الحب والحنان كنت اتوسد ارصفة مدينتي العتيقة وامامي اكياس النايلون وعلب السكائر وانا ابن الخامسة لأبيعها على أصحاب السيارات التي تتوقف عند الإشارة المرورية (يؤدي الرجل دور الطفل والشخص الأول رجل المرور والشخص الثاني سائق الأجرة المكان الاشارة الضوئية)
الطفل/ (يتقدم مسرعا نحو السيارة المتوقفة عند الاشارة المرورية وهو يحمل بضاعته) عمي ... عمي أشتري مني ... الله يخليك ... الله يخلي اطفالك
المرور/ تحرك اخي .. انت سائق التكسي .. هيا اتحرك (تنطلق سيارة الاجرة بأقصى سرعة)
الطفل/ عمي عمي عمي (موسيقى ... تعود الشخصيات الى وضعها السابق)
الشخص الثاني/ أكمل
الرجل/ تزوج أبي بعد وفاة أمي من امرأة قاسية القلب كانت تعاملني على اني ابن ضرتها كانت هي السبب في عدم دخولي الى المدرسة ... وكلما ينوي أبي ادخالي المدرسة تقيم الدنيا ولم تقعدها بصراخيها وعويلها
(الشخص الثاني يجسد شخصية الزوجة والشخص الاول يجسد شخصية الزوج)
الزوج/ يا امرأة اتركي الولد يدخل المدرسة ليتعلم القراءة والكتابة
الزوجة/ يا رجل دع الولد وشأنه أتريد أن تفسد طبائعه. ماذا تصنع له المدرسة طبيبا، مهندسا، قاضيا ثم من من اهلك أكمل دراسته أعلى شهادة عندكم بالعشيرة هي الرابع ابتدائي كلكم بقالون وعربنجية دعه يتعلم صنعة يعيش من ورائها وينفعنا عند الكبر يا رجل
(تعود الشخصيات الى وضعها السابق)
الشخص الثاني/ وبعد ماذا حدث
الرجل/ لم يحدث شيئ تحققت نبوءة زوجة ابي واصبحت حمالا محترما اعمل من الصباح حتى المساء بأكل بطني فقط ... لا أعرف من الدنيا الا العمل ... كبرت واحببت بنت الجيران كانت فتاة في غاية الجمال والرقة والأدب أخبرت أبي بالموضوع ففرح كثيرا وطلب من زوجته ان تكلم أم الفتاة بالموضوع فجن جنونها رفضت الموضوع رفضا قاطعا واخذت تصرخ بوجه ابي
(الشخص الثاني يجسد شخصية الزوجة والشخص الاول يجسد شخصية الزوج)
الزوج/ يا امرأة الولد كبر ... دعينا نفرح بزواجه
الزوجة/ يا رجل الولد مازال صغيرا لماذا تفتح عينه على مثل هكذا مواضيع دعه يلهو بعمله والذي ينفقه على الحليب والحفاظات نحن أولى بها اياك اياك أن تتكلم بهذا الموضوع بعد الآن
(تعود الشخصيات الى وضعها السابق)
الشخص الأول/ هل تزوجت؟
الرجل/ لا
الشخص الثاني/ لماذا
الرجل/ لأني ما زلت صغيرا كما قالت زوجة ابي وبقيت أنتظر حتى كبرت
الشخص الثاني/ الحمد لله واخيرا تزوجت؟
الرجل/ لا .... دخلت الجيش لأن الحرب قد بدأت (انشودة وأحنا مشينا للحرب... اثناء الأنشودة يتحول المسرح الى وحدة عسكرية وساحة عرضات للتدريب ... الرجل يجسد شخصية الجندي الذي لا يجيد التدريب ويؤدي حركات تثير الضحك بينما يجسد الشخص الأول شخصية قائد عسكري كبير والشخص الثاني شخصية عريف يشرف على تدريب الجندي)
العريف/ (بصوت مرتفع) ثابت ... الى اليمين در
الجندي/ (يؤدي عكس الايعاز)
العريف/ غبي ... هل هذا هو اليمين؟ اتنكب سلاح ... عادة سر ... يسيم يسيم يسيم الى الوراء در.. يسيم يسيم يسم... كل قف الى اليمين در ... جنبك سلاح ... استرح.
(موسيقى تدل على حدوث هجوم، اذ تسمع صوت كافة الأسلحة وصوت الطائرات وهي تقصف وانفلاق القذاف وازيز الرصاص ... أثناء الموسيقى يتحول المسرح الى ساحة معركة، المتارس والمراصد وأكياس الرمل والسواتر الترابية يظهر الجندي وهو يقاتل بضراوة بينما في أعلى المسرح يظهر القائد وأمامه منضدة وضع عليها زجاجة كبيرة من الخمر وهو يحتسي على صوت أم كلثوم أغنية (هذه ليلتي) .... يرن جرس الهاتف)
الجندي/ (بارتباك) سيدي القائد نحن في موقف حرج بدأ العدو يقترب من مواضعنا وعتادنا بدأ ينفد
القائد/ لا عليك شاغلهم لحين أن تصلك الإمدادات ...أصمد وأياك ان تتراجع (يستمر القتال بينما يعود القائد الى جو الشرب)
الجندي/ (يتصل) سيدي القائد الإمدادات لم تصل بعد والعدو أصبح قريبا من الساتر
القائد/ أصمد الامدادات بالطريق ... قاتل ولا تتراجع لحين وصول الامدادات ... القيادة تسلم عليكم صيروا أبطال (يستمر القتال بينما يعود القائد الى جو الشرب)
الجندي/ (يتصل) سيدي سيدي العدو صعد الى الساتر والامدادات لم تصل
القائد/ أصمد وقاتل لا تتراجع الإمدادات بالطريق (يستمر القتال ويسيطر العدو على الموقع الذي يقاتل فيه الجندي)
الجندي/ (يتصل) سيدي
القائد/ الامدادات
الجندي/ اي امدادات سيدي وياك العدو (يعطي سماعة التلفون الى احد جنود العدو)
(موسيقى ... تعود الشخصيات الى وضعها السابق)
الشخص الأول/ وماذا حدث بعد ذلك؟
الرجل/ أسرني العدو
الشخص الأول/ أسرك العدو؟
الرجل/ نعم
الشخص الأول/ احكي لنا عن الاسر
الرجل/ (يضحك) ماذا تريدان أن أحكي لكما؟
الشخص الثاني/ أحكي لنا مثلا عن التعامل ... كيف كنت تقضي يومك
الرجل/ التعامل يا سادة في غاية الإنسانية تصوروا حال وصولنا اسكنونا في فندق خمس نجوم لكن تحت الأرض مع الفئران والجرذان ... اذكر كنا نسرق الأكياس التي كانوا يجلبون لنا بها الأرزاق وهي من الجنفاص ونصنع منها ملابس تستر عرواتنا وجوارب تحمي اقدامنا من الصخور الحادة .... أما بالنسبة للطعام فما لذ وطاب تصوروا كل أنواع الجت والبرسيم كانوا يصنعونه لنا مرقا ... سنوات طويلة ونحن نأكل علفا حيوانيا حتى بدأ واحدنا ينسلخ من انسانيته ويتحول بلا شعور الى حيوان من يمرض منا كان مصيره الموت ... أما كيف كنت اقضي يومي فأنا كنت كثير التنقل بين معسكرات الأسرى لأنني كنت كثير الشغب وهذا ما جعلني ألتقي المثقف والشاعر والمسرحي والاديب وحتى الوزير ... الأسر عالم غريب وعجيب تصوروا كان للأسر فائدة لي وكما يقال رب ضارة نافعة ما حرمتني منه زوجة ابي تحقق لي في الأسر.
تعلمت هناك القراءة والكتابة والشعر والأدب والمسرح والفلسفة كنت أقضي يومي أتنقل من معلم الى آخر لم أترك لحظة الا وتعلمت فيها شيئا
الشخص الأول/ كم بقيت في الأسر؟
الرجل/ ثمانية عشر عاما وعندما رجعت وجدت ابي قد فارق الحياة وزوجته عمياء ومقعدة ولم اجد من اصحابي الا القليل ... يا ليتني لم أرجع (موسيقى)
الشخص الأول/ أحكي لنا عن العودة
الرجل/ العودة ... كانت هذه الكلمة حلما جميلا لكل اسير .. حلما يصعب تحقيقه لا يمكن أن اصف لكما لحظة عودتنا ووصولنا الى الحدود ... في تلك اللحظة الكل اجهش بالبكاء وترجلنا من الحافلة ونحن كالمجانين لا نعرف ماذا نصنع نقبل الأرض ونشم ثراها ونصلي ونرفع اكف الدعاء شاكرين الله ... كانت لحظات وجدانية صادقة، بعدها صعدنا الى الحافلات ثم صعد احد الجنود وهو انضباط عسكري ليخبرنا بقرار القيادة بمنح مكرمة لكل واحد منا خمسون الف دينار .. خمسون ألف دينار مبلغ خيالي ... قبل أن أقع في الأسر كان هذا المبلغ يكفي لشراء زقاق في حينا الفقير ... همس بأذني زميلي الجالس بجانبي في الحافلة ماذا ستصنع بهذا المال قلت له لا ادري أتعلمون بماذا اخبرني قال لي انا سأشتري بهذا المال بيتا وحافلة كبيرة لنقل الركاب مثل هذه التي نحن بها جالسون واشتري لي سيارة صغيرة والباقي افتح به حساب في البنك دعني ارتاح باقي العمر (يضحك)
الشخص الأول/ نراك تضحك
الرجل/ (مازال يضحك) كيف لا أضحك وقد اتضح فيما بعد بان المبلغ لا يكفي لشراء نصف خروف (يضحك الجميع)
الشخص الثاني/ أكمل
الرجل/ وصلت الحافلة الى المكان الذي يتم به تسليمنا الى ذوينا وجدنا الناس قد افترشوا الأرض ينتظرونا وقبل أن نترجل من الحافلة خطب بينا أحد الأسرى خطبة عصماء (يجسد الشخص الأول شخصية الأسير صالح صاحب الخطبة العصماء بينما يمثل الشخص الثاني أحمد أبن الأسير صالح)
الأسير صالح/ اخوان اخوان ... أرجو أن تسمعوني جيدا ... أرجو منكم أن تتذكروا باننا أبطال دافعنا عن وطننا في ساحات القتال وفي أقفاص الأسر لقد تحملنا الجوع والمرض والتعذيب طيلة مدة الأسر ولم نستسلم ولم نضعف أرجو أن لا يضعف أحدكم أمام أبيه أو أمه أو زوجته أو ابنه وتذكروا بأن الرجال لا يبكون ( يصعد الى الحافلة الشاب أحمد)
أحمد/ اخوان الحمد لله على السلامة من منكم يعرف الأسير صالح
الرجل/ (يؤشر على صالح) هذا هو الأسير صالح
احمد/ (يتقدم اليه) أبي أبي كيف حالك يا ابي
الأسير صالح/ (مندهشا) من أنت من أنت أنا لا أعرفك
احمد/ أنا أبنك أحمد
الأسير صالح/ لالا أنت لست أبني لا يوجد عندي ولد اسمه احمد أنت لست أبني أنا لا أعرفك لا أعرفك
احمد/ لا يا أبي أنا أبنك أحمد لقد تركتني جنينا في بطن أمي
الأسير صالح/ مستحيل ... مستحيل أن تكون أنت ولدي
احمد/ وحياتك يا ابي أنا أبنك أحمد وامي أمينة
الأسير صالح/ (يجهش بالبكاء) ولدي ولدي احمد لقد اصبحت رجلا يا ولدي (يتعانقان)
( موسيقى ... تعود الشخصيات الى وضعها السابق)
الرجل/ رجعنا وكنت أتصور بأنني سأجد حياة أفضل بكثير من حياة الأسر الا انني كنت مخطئا لقد عشت حياة الفقر والعوز والتشرد الى أن حدث التغير وفعلا تغيرت الحياة نحو الأفضل (إشارات تدل عكس ما يقوله) المواطن أخذ حصته من النفط البطاقة التموينية كبرت كبرت حتى صارت (اشارة تدل على ثلاثة مواد) الحياة اصبحت جدا سهلة ... اصبح المواطن يحمل هويتين ... هوية يذهب بها وهوية يرجع بها ... لا توجد بطالة ... لا توجد رشوة ...لا توجد محاصصة ... لا توجد محسوبية ... لا توجد تفجيرات لا توجد جثث في الشوارع ... تصوروا قسم من ثلاجات الطب العدلي اعلنوا عن بيعها بالمزاد العلني الى اصحاب المرطبات والمثلجات لقلة الموتى ... في احدى الايام خرجت الى سوق بيع الخضراوات القريب من بيتنا حدث انفجار قوي جدا اعتقد كان نتيجة مس كهربائي او ناتج عن انفجار قنينة غاز المهم تطايرت الاشلاء مع الخضر والسلع بحيث امتزج اللحم البشري مع لحوم الاغنام المعروضة للبيع في هذا السوق المنكوب ... ضج السوق بصراخ وعويل النسوة والاطفال واصوات الجرحى تستغيث تطلب من يسعفها هرعت مسرعا وعندما اقتربت من احد الجرحى لإسعافه حدث انفجار آخر أقوى من الانفجار الأول أعتقد هذه المرة ليس انفجار قنينة غاز أو مس كهربائي لم أعرف بعدها ما حدث ولم أفق الا بعدما أيقظتموني
الشخص الأول/ أتعرف ماذا حدث لك بعد الانفجار الثاني
الرجل/ لا لم أعرف
الشخص الأول/ لقد فارقت الحياة نتيجة انفجار سيارة مفخخة
الرجل/ يعني أنا مت حينها
الشخص الثاني/ نعم وانتقلت الى هذا العالم
(يتقدم الشخص الأول والشخص الثاني ويمسك كل واحد منهما يد الرجل ويذهبان به الى الفتحة التي نزل منها في البداية)
الرجل/ الى أين أنتما بي ذاهبان
الشخص الأول/ سنعيدك الى الحياة لأنك لم تذق طعما للراحة
الرجل/ لكنني أرفض
الشخص الثاني/ وهل يوجد من يرفض العودة الى الحياة
الرجل/ أنا من يرفض العودة الى الحياة
الشخص الأول/ لماذا؟!
الرجل/ لأنها مهما تكن فأن هنا أرحم من هناك ... انا افضل أن تأكلني ديدان الأرض هنا على أن تأكلني الكلاب المسعورة هناك... أنا ارفض العودة الى الحياة ... لن ارجع .. لن ارجع لن أرجع (يسقط ميتا)
( موسيقى ... يتقدمان اليه ويقومان بتكفينه ويخرج كل منهما من جهة)
ستار
2012م
0 التعليقات:
إرسال تعليق