أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 3 ديسمبر 2022

مسرحية " سجينان " تأليف حسين عبد الخضر

مجلة الفنون المسرحية


زنزانة قذرة، تتصاعد منها رائحة الفضلات البشرية. كتابات على الجدران نتبين منها عبارة ( لماذا يا الهي؟) خطت على الجدار المقابل للجمهور. 
سجينان شابان تظهر عليهما آثار التعذيب. أحدهما يستعد للصلاة والآخر يراقبه وهو منزعج.

سجين1: ( يرفع يديه بالتكبير) الله أكبر. 
سجين2: الله، الله، وأين هو الله؟!
سجين1: (يرفع صوته) الحمد لله رب العالمين.
سجين2: ( يصيح به) من هذا الذي تحمده، وعلى ماذا؟ هل أنت مجنون؟
سجين1: ( يرفع صوته أكثر) الرحمن الرحيم.
سجين2: (يضحك بشكل هستيري) رحمن ورحيم أيضا! أنت تصر على أثارة أعصابي. تصر على دفعي للجنون. رحمن رحيم ونحن في هذه الزنزانة؟ لقد أذلونا يا رجل.
سجين1: ( يرفع صوته أكثر) مالك يوم الدين.
سجين2: ( بيأس) ألا ترى أننا في يوم الدين، وأن المالك هو السجان؟ لقد انتهى أمرنا. توقف عن مناجاة رب لا يسمعك. نحن في الجحيم، ولا وجود للرب هنا أو في أي مكان آخر. الرب هو الحكومة وقد احتكرت الجنة لنفسها، وحبستنا في الجحيم. حاول أن تستوعب هذا.
سجين1: ( يرفع صوته أكثر) إياك نعبد وإياك نستعين.
سجين2: ( يصيح به) على ماذا تستعين به، وأنت في يد السجان يفعل بك ما يشاء؟ ولماذا تعبده وقد تركك هنا؟ 
سجين1: ( يرفع صوته أكثر) اهدنا الصراط المستقيم.
سجين2: ( موجها كلامه إلى الأعلى) الصراط المستقيم الوحيد هو صراط يقودنا إلى خارج السجن.
سجين1: ( يرفع صوته أكثر) صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
سجين2: ( بصوت متعب ونبرة باكية) وأي مغضوب عليه يلاقي ما نلاقي؟ وأي ضال يمكن أن يقوده قدره إلى هنا؟ أنتم أيها المؤمنون مجانين، عميان. 
سجين1: بسم الله الرحمن الرحيم.
سجين2: ( يصرخ) لم أعد أحتمل.
سجين1: إنّا أنزلناه في ليلة القدر. 
سجين2: ( يهجم على سجين1 ويطرحه أرضا) ما هذا الذي أنزله في ليلة القدر؟! ما هذا الذي أنزله؟! 
سجين1: (وقد تخلص من سجين2 وطرحه أرضا) أنزل ما لو تمسكنا به لحل العدل والسلام في العالم. أنزل ما لو تمسكنا به لما كان للسياط أثر على جسدي أو جسدك. 
سجين2: اتركني. دعني أنهض لنخوض حوارا عادلا. ( يكمل وقد تركه سجين1) أنتم لتم سوى مجانين اخترعتم ربا ليقف إلى جانبكم في أوقات ضعفكم. 
سجين1: لا أرغب في خوض حديث تافه كهذا، وأنا أعلم أنك كغيرك لا تمتلك من الأدلة سوى الإنكار. لذلك أرجو أن تدعني أكمل صلاتي وأعتذر لله تعالى عن كل ما فعلته البشرية من جرائم. أعتذر بدلا من السجانين، والقتلة، واللصوص. أعتذر لأننا ارتكبنا كل المحرمات التي نهانا عنها الله تعالى. أعتذر لأننا جعلنا العالم وكرا مثاليا للشيطان. 
سجين2: الشيطان! وما شأن الشيطان بهذا؟! أنتم دائما تلقون باللوم على الشيطان، ولا تلومون الله لأنه خلق إنسانا ناقصا.
سجين1: وقعت في الفخ. قبل قليل كنت تنكر وجود الله تعالى، تكذب، وأنا وأنت نعرف أنك تكذب، لكن ما أن ذكرت الشيطان حتى أصبحت مدافعا عنه، لأنك في الحقيقة عندما لا تعبد الله فإنك تعبد الشيطان مهما كنت تدعي. الحكومة أيضا تعبد الشيطان، هؤلاء الذين يعذبوننا، كل أولئك الذين ينشرون الظلم في الأرض ويرتكبون الجرائم يعبدون الشيطان، حتى لو أنهم صلوا وصاموا. 
سجين2: أنت تقول ذلك لأنك تخاف من الله، تخاف أن يلقي بك في جهنم إذا ما لمته ولو على تعرضك للتعذيب. أنا لا أعبد الشيطان. . أنا لا أعبد شيئا. لست مضطرا إلى تقديم الشكر لأي شيء خلقني لأعاني آلام هذا الوجود. 
سجين1: هذا لأنك لا تعرف لماذا أنت موجود ولا ما هي العبادة. تظن أن العبادة هي الصلاة فقط. . العبادة هي أن تطيع، هل تفهمني؟ الطاعة هي العبادة. لو أننا فعلنا ما أمرنا الله تعالى به لما كان هناك سجن ولا تعذيب ولا طغاة. نحن هنا لأن هناك من لا يخاف الله تعالى. تظن أن الخوف من الله تعالى عار! العار هو أن لا تخاف الله تعالى فتقترف كل الجرائم. 
سجين2: ومع ذلك أنا وأنت في زنزانة واحدة! من يخاف الله ومن لا يخاف الله! 
سجين1: نحن هنا، لأننا نطالب بتغيير الحكومة. لأننا خرجنا بمظاهرة واحدة ومطلب واحد. لكن لأسباب مختلفة. 
سجين2: فسر كلامك يا فيلسوف زمانك.
سجين1: كلامي بسيط وواضح ويفسر نفسه. ألقي القبض علينا في تظاهرة مطلبها الرئيسي إسقاط النظام. لكنني أحلم باستبداله بنظام آخر يحكم بما أنزل الله تعالى، أما أنت فكنت تطالب بتغيير الحكومة بأخرى تقضي على فقرك  الذي حرمك من تحقيق أحلامك في شرب ما تشاء من الخمور والزنا بمن تشاء من النساء. 
سجين2: وأنت أيضا تحلم بالخمر والنساء، ولكن هناك في الجنة التي لن تدخلها حتى لو كانت موجودة.
سجين1: غبي. غباؤك يؤلمني أكثر من التعذيب. رائحة أفكارك أقذر من روائح الزنزانة.
سجين2: تشتم كعادة المتدينين.
سجين1: لا يوجد عندي رد مهذب لسخافاتك. آسف، لكنك تفهم الأمور بشكل ساذج. الجنة يا زميلي ليست بيت دعارة، هذا ما تظنونه أنتم عندما تسمعون عن خمر وحور عين. الجنة مكان طاهر لا يدخله إلا الأطهار، ليس هناك جنس وسكر وعربدة. سلام دائم، دفء دائم، شبع دائم، ارتواء دائم، وقرب من الله تعالى. عبادة مستمرة لا يشوبها القلق على المعيشة أو الخوف من شيء.
سجين2: لكن هذا مذكور في القرآن.
سجين1: لا، ليس مذكورا في القرآن. من علمك ذلك أراد خداعك فقط. ربما يكون لدينا متسع من الوقت لأشرح لك هذا إذا ما خرجنا أحياءا من زنزانتنا هذه، وإذا خرجت وحدك فابحث عن الكتب التي تفسر لك القرآن بالصورة الصحيحة. . خمر ونساء! وهل ما لا يسكر خمرا؟! وهل حور عين نساءا؟!
سجين2: إنه يقول خمر ويقول نساء. لا تجادل أكثر أرجوك. لا تحاول خداعي. في كتابكم المقدس رب يعدكم بالخمر والنساء. 
سجين1: أنت تضطرني إلى حديث طويل أعرف أن لا فائدة ن ورائه في هذا المكان على الأقل. 
سجين2: تتكلم وكأن أعمالا مهمة بانتظار أن تنجزها! اطمئن، لا شيء سوى التعذيب بانتظارك إلا إذا كنت متعجلا لتصرخ تحت السياط أو لتستمتع بالتيار الكهربائي وهو يشوي قضيبك.
سجين1: اسمع إذن. عندما تسمع كلمة خمر يتبادر إلى ذهنك الزقنبوت الذي كنت تشربه خارج السجن وأنت في شوق الآن إلى شربه، لتنتشي ويذهب عقلك إلى حد الهذيان. خمر الجنة لا يذهب بالعقل ولا يسبب الهذيان، هو ليس كخمر الدنيا، شراب آخر بصفات مختلفة، لكن القرآن الكريم يخاطبنا باللغة التي نفهمها. مثلا، إذا قلت لك سوف أعطيك ساميفوكافلا، فهل ستعرف ماذا سأعطيك؟ لا، لذلك أنت لا تعرف ما هو الخمر في الجنة سوى أنه شراب لذيذ ستحبه كما يحب مدمني الخمر خمر الدنيا. هل فهمت؟
سجين2: هذا بالنسبة للخمر. والنساء؟
سجين1: تقصد الحور العين. لم يذكرهن القرآن الكريم ولا لمرة واحدة باسم النساء. . حور عين. مخلوقات جنتية تعيش معها وتأنس بها كما يأنس الرجل للمرأة. 

يسمعان وقع أقدام وصت باب زنزانة يفتح، فيجفلان. 

سجين2: ماذا؟
سجين1: هو صوت الزنزانة المجاورة.
سجين2: أكمل.
سجين1: الوقت ضيق، سيحين دورنا بعد قليل. إذا أخذوني ولم أعد، وإذا كتبت لك النجاة، فأوصيك بأن تبحث عن الحقيقة.
سجين2: ربما أبحث. ولكن حتى ذلك الحين علينا أن نجد طريقة تضمن تعايشنا السلمي هنا.
سجين1: ليس الأمر صعبا. ليحترم كل واحد منا خصوصية الآخر.
سجين2: اقتراح رائع، لكنه غير منصف.
سجين1: لماذا؟
سجين2: عبادتك تسبب لي الجنون. لا أستطيع أن أراك تعبد ربا سمح بوجودك هنا.
سجين1: وهذه هي خصوصيتي التي يجب أن تحترمها.
سجين2: ( وهو يستعد للقتال) مستحيل. لن أصبر على رؤية هذه المهزلة.
سجين1: ( وهو يستعد للقتال) وأنا لن أتنازل عن عقيدتي من أجل مزاج إنسان غبي.
سجين2: أنت . . . . .

يسمعان دوران المفاتيح في باب الزنزانة، فيتوقفان وينصتان بخوف.
سجين1: ( يهمس) دورك أم دوري؟
سجين2: المفترض أن يكون دورك. لكنهم لا يتبعون تسلسلا محددا.
على وقع خطى الجلادين يحل الظلام.
ستار
الناصرية
20/ 11/ 2022 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption