أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 18 يناير 2023

مسرحية " مأساة جحا الحائر البائر " تأليف محمود القليني

مجلة الفنون المسرحية



الشخصيات :
جحا .
عم بهلول الخياط .
إبراهيم الفطاطري .
شافعي الحصري 
حمزة العسال 
الدخاخني
.شديد القفاص .
سعد الكتبي 
النبهاني  راوي جحا 
عماشة الحمار 
رهف 
لجين 
ميساء 
سنية الخاطبة 
فتحية الداية .
مريم الحمامية 
الوزير 
كاتب الوزير .
المحتسب محمد بن شعبان الشمسي .
عز الدين الروماني نائب المحتسب . 
  



                                 الفصل الأول 
المشهد الأول : 

في مركز تصريف أمورالمملكة ، قاعة واسعة ،يجتمع فيها الوزير وكبار مسؤولين المملكة لتسير شؤونها   عدد من المقاعد بجوار الحائط ، وأمامها المناضد ،يشكلون نصف دائرة ،  وفي المنتصف منضدة كبيرة بيضاوية الشكل ،  يجلس الوزير وبجواره الكاتب  يطالع عددا من الأوراق ، يوقع على البعض وينحي البعض والكاتب  واقف أمامه يأخذ الأوراق ويضعها في ملف كبير يحمله 
الوزير  : ( ينتقل إلى مقعد وثير ) لقد كان يوما شاقا حافلا بالمشاكل والقرارات الصعبة .
الكاتب : ( يجمع الأوراق من على المنضدة ) نعم يا سيدي الوزير ...هناك أمور لا نستطيع أن نتخذ فيها رأيا إلا بعد الرجوع إليك .
الوزير : ( ضاحكا ) والناس في المملكة يحسدوننا ، ولو علموا مقدار ما نعاني ماحسدوننا . 
الكاتب : ( مترددا ) أعانك الله يا سيدي ...ولكن هناك أمر ا تافها   وإن كنت لا أريد أن أشغل بالك به .
الوزير : ( يمس على لحيته )  طالما هو أمر تافه  فلماذا تريد أن تشغلني به ؟!
الكاتب  : ( يتجه للإنصراف ) إذن طابت ليلتك يا سيدي .
الوزير    : (يستوقفه ) ما هذا الأمر ؟ 
الكاتب : لا تشغل بالك و ..
الوزير : ( مقاطعا ) لقد انشغل بالي يالفعل ...قل ما هو ؟
الكاتب : ( مترددا ) إنه متعلق بجحا .
الوزير : ( ضاحكا ) أخبرني بأخر ما قاله ..وأرجو ألا يكون الأمر هذه المرة متعلق بي أو بأحد من الأمراء أو المسؤولين في المملكة  
الكاتب  : هذه المرة لم يقل شيئا ولن يقول .
الوزير :  ( متعجبا ) أفصح أيها الكاتب .
الكاتب  : ( يضع ملف الأوراق على المنضدة ) جحا أعلن انه سيعتزل الناس وسيحبس نفسه في بيته أو سيترك المملكة ويرحل .
الوزير : ( مندهشا ) أنت اعتبرت أمر جحا تافها ، ومع ذلك كنت مصرا أن تخبرني به ، وإصرارك يدل على خطورة أمره ..فيا ترى أي الأمرين تقصد ؟ !
الكاتب : ( يجلس ويحكم وضع العمامة على رأسه ) والله يا سيدي أمر جحا هذا محير ، من ناحية أعتبر أمره هين الشأن لأنه واحد من عامة الناس ، ومن ناحية أعتبر أمره خطيرا لأهميته وتعلق الناس به . 
الوزير  : ( ساخرا ) عند الناس فقط ؟
الكاتب : إلام ترمي يا سيدي ؟ 
الوزير : ( يقف ويسير خطوات في المكان واضعا يديه خلف ظهره ) أظن أمر جحا هام عند عامة الناس  والأمراء والأعيان فكل هؤلاء لم ينجوا من نقده ...ومع ذلك فهو حر يعتزل أولا يعتزل .يجلس في بيته أو يجلس في الطرقات أو حتى يرحل عن المللكة نهائيا .
الكاتب : وهذا ما أخشاه يا سيدي .
الوزير : ( يواجهه ) تخشى ماذا ؟! 
الكاتب : أنه حر ويفعل ما يشاء .
الوزير : ( مفكرا ) تقصد ...
الكاتب : نعم ، فمنذ متى كان الناس أحرارا فيما يفعلونه ..ثم هل هو عرض الأمر علينا كي نوافق عليه ؟
الوزير : (متعجبا )رجل قرر أن يرحل عن المملكة، هل هو في حاجة إلى موافقتنا ؟ !
الكاتب أولا( جحا) ليس رجلا عاديا فما من كلمة أو تصرف إلا وينتشر في المملكة ومنها إلى بقية الممالك حولنا ..حتى أطفال المملكة يحفظون أقواله عن ظهر قلب ..وشباب الممكلة يتتبعون خطواته خطوة بخطوة ..فإذا أعلن أنه حر في ألا يخالط الناس فقد يقلده الناس من حيث المبدأ وتصبح موضة في المملكة ..كل من يطرأ على ذهنه فكرة ينفذها ويصير الأمر فتنة .
الوزير : (مفكرا ) معك حق ...ولكن ألم يعلن عن السبب ؟ 
الكاتب : أي سبب تقصد يا سيدي ؟
الوزير : ( محتدا ) سبب اعتزاله الناس وبقائه في بيته أو رحيله عن المملكة .
الكاتب : الأقوال متناثرة هنا وهناك ، يقولون إنه انتابته حالة يأس من إصلاح أحوال الناس .
الوزير : ( غاضبا ) كأن حالة الناس سيئة ..هل يقصدنا بهذا الكلام ؟ ثم ماذل لو وصل كلامه للسلطان ، والأخطر أنه سيرحل إلى الممالك حولنا ، وهناك ممالك بيننا وبينهم عداء قد يستغلون جحا في الأساءة لنا ، جحا ينبغي ألا يرحل مطلقا عن المملكة 
الكاتب : ( يقترب من الوزير) لا أدري إن كان من سوء حظه هو أن يعلن الرحيل ويقول ما قاله في تلك الفترة بالذات .
الوزير : (مندهشا )  كيف ؟!
الكاتب : في الفترة الأخيرة فرضنا ضرائب جديدة وكثير من الناس تبرموا وقبضنا على عدد كبير ممن رفض الدفع     
الوزير : نعم ...وإن كانت تلك الضرائب تثقل كاهل الفقراء كثيرا ، ألا ترى أننا بالغنا كثيرا في تلك الضرائب الجديدة 
الكاتب : لقد طرأت ظروف وقررنا اعتمادات إضافية للأمراء والجيش والشرطة . 
الملك : ( متذكرا ) على حد علمي أن خزائن المملكة عامرة بالذهب والأموال أظن أنني تسرعت في فرض الضرائب ، ولكن هذا الأمر كان تلبية لأوامر الملك  
الكاتب : وما في ذلك لتبقى خزائن الممكلة عامرة بالذهب والأموال وليدفع الناس .
الوزير : ولكن الناس تبرموا كما تقول .
الكاتب : رئيس الشرطة ألقى بهم في السجن .
الملك : ( مندهشا ) أ نريد مالا أم سجن الناس ومضايقتهم ؟!
الكاتب : الاثنين ...والأمران  يصبان في مصلحة المملكة .
الوزير : ( ينهض ) وماذا ستفعل مع جحا ؟!
الكاتب : الأجهزة في المملكة ستتولى أمره  سواء رئيس الشرطة والمحتسب و..
الوزير : ولكن كيف سنمنع جحا من الرحيل ؟
الكاتب : لن نستطيع منعه إلا بسجنه . 
الوزير : ( مندهشا ) وكيف نسجنه بدون تهمه والرجل لم يتركب ما يخالف القانون ؟
الكاتب : ولكنه قال اشياء تخالف القانون أو تعارض مصالحنا وتعرض امن واستقرار المملكة للخطر . 
الوزير : أنت تعلم مدى اهتمام الناس بجحا واخباره ومواقفه ليس في مملكتنا فحسب بل في بقية الممالك حولنا ، فلابد أن تكون حريصا في التعامل معه .
الكاتب : هناك من سيتولون أمره فلا تشغل بالك .
الوزير : تقصد من ؟
الكاتب : المحتسب محمد بن شعبان الشمس ومن معه ورئيس الشرطة 
الوزير : ( مفكرا )أمازال هذا الرجل في ولاية الحسبة ، لقد جاءت شكاوى ضده ، ثم على ما اتذكر لقد تحدثت معك في امر عزله وتعيين شابا تجتمع في مواصفات المحتسب كان يعمل في ولاية الثضاء نسبت اسمه .
الكاتب : عز الدين الروماني .
الوزير : نعم تكرت عز الدين الروماني أليس هو المحتسب ؟
الكاتب هو الآن نائب المحتسب محمد بن شعبان الشمس ، ووجود عز الدين كنائب الشمس يقيد يده بعض الشيء .وعندما يحترق الشمسى نعين عز الدين مكانه 
الوزير : ( متعجبا ) ولم لا يعزل من ولاية الحسبة طالما كثرت الشكاوي فيه .
الكاتب : إنه رجلنا وينفذ ما نريده ونأمره به .
الوزير : تقصد ..
الكاتب : ( مقاطعا ) سيلقي بجحا في غيابة السجن وينساه الناس للأبد  
الوزير : لقد سمعت الكثير عن جحا ولكنني لم أره ..أيمكن ان تصفه لي .
الكاتب : (ضاحكا ) والله يا سيدي يحار الوصف فيه ...فكل الأوصاف تنطبق عليه .
الوزير  : ( كأنه يحدث نفسه ) أليس غريبا أنني لم أره من قبل ؟!
الكاتب : ( متحمسا ) إن شئت يا مولاي أتيتك به مكبلا تحت قدميك يرجو عفوك وغفرانك . 
الوزير : (ناهضا متجها نحو الباب ) ألا ترى أننا قد بددنا وقتا في أمر كنت تقول عنه إنه تافه؟
الكاتب  : ( يصحبه نحو الباب ) فد تستغرقنا توافه الأمور أكثر مما تستغرقنا جليلها ..طابت ليلتك يا سيدي الوزير . .

إظلام .  
                                          
المشهد الثاني :

، يجلس مدير الشرطة وفي يده الدرة .  المنضدة عليها أكواب الشراب وطبق الفاكهة ، وعدد من السياط وألات التعذيب  ويقف أمامه مساعده  .
المساعد :  ( متعجبا ) ولكن ما التهمة التي سنوجها له ؟!
مدير الشرطة : (يضرب سطح المنضدة بالدرة ) ومنذ متى تعينا الحيل لنوجه لأحد التهم ؟!
المساعد : ( يحرك رأسه ) على رأيك ..منذ متى تعينا الحيل لنوجه لأحد التهم ؟!
مدير الشرطة : ( يقف واضعا الدرة على كتف المساعد ) لدينا الشهود الذين لم يشهدوا شيئا ، ومع ذلك يقسمون بالإيمان المغلظة أنهم شهدوا كل شيء ، وعندنا القضاة الذين على استعداد أن يحكموا بأشد أنواع العقاب على الذي لم يقترف جرما في حياته ،ولدينا الجلادون الذي يتحرقون شوقا لتمزيق جلد أي إنسان يقع تحت نيران سياطهم ، ولدينا السجانون الذين يتمنون أن يضعوا كل سكان المملكة داخل السجون وفوق كل هؤلاء المحتسب ( محم دبن شعبان الشمسي ) 
المساعد : إذن أين المشكلة ؟
مدير الشرطة : ( يعود إلى مجلسه ) المشكلة أن ( جحا ) ليس شخصا عاديا ..ألا تدري من جحا ؟
المساعد : وهل من الضروري أن نحاكمه بتوجيه تهمة له ؟
مدير الشرطة :ماذا تقصد ؟!
المساعد : ما المانع أن نحاكمه بدون توجيه تهمة .
مدير الشرطة : أأنت مجنون ؟!  لكي نحاكمه لابد أن تكون هناك تهمة .
المساعد : ( يحرك العمامة دائرا حول نفسه ) ولكننا حاكمنا الكثير بدون أن يكون عليهم تهم .
مدير الشرطة : ( يضربه  بالدرة ) لم أعرف أنك غبي لتلك الدرجة ، كل الحيل والأساليب التي كنا نفعلها مع الأخرين لن تصلح مع جحا ..
المساعد : ( مندهشا ) ولماذا ؟
مدير الشرطة : كل الممالك حولنا نعرف من جحا وتتلقى أخباره وأقوله باستمرار .
المساعد : إذن لا نحاكمه ولا نوجه له أي تهمة .
مدير الشرطة : وماذا نفعل ؟
المساعد : ( مفكرا ) نقتله .  
مدير الشرطة : ( يقلده ساخرا ) نقتله ...هكذا بكل بساطة .
المساعد : وما في ذلك ...لقد قتلنا الكثير من قبل هكذا بكل بساطة .
مدير الشرطة : (محتدا ) أتدري من الذي يجب أن يحاكم وتوجه له المئات من التهم ،بل ويعدم بدون رحمة ؟
المساعد : من يا ترى ؟
مدير الشرطة : ( يشير إليه بالدرة ) أنت ....أتدري ما التهمة التي تستحق القتل عليها ؟
المساعد : ( يضع يده حول عنقه ) ما هي ؟
مدير الشرطة : ( ينهض ممسكا بكتفه ) أنك أغبى رجل في العالم ...يا أغبى الأغبياء جحا هذا كل ملوك العالم تحسب له ألف حساب والأمراء والقضاة والفقهاء والتجارواللصوص والزعار  وعامة الناس والأطفال والنساء .. كلهم يرددون أقواله ليل نهار  ،وإذا اجتمعوا لا يحلو الحديث والسهر إلا بذكر قول من أقواله ، ولا شيء يضحكهم مثل تصرف من تصرفاته ..أتدري ما السبب أننا أشهر ممالك العالم ؟ 
المساعد : ( مفكرا ) أظن لأن لدينا أجود أنواع البطيخ .
مدير الشرطة : ( ساخرا ) بل قل إننا نصدر أجود أنواع لب البطيخ . 
المساعد : ( مشيرا إلى فمه ) إنه يتخلل أسناني ويؤلمها ...لذلك لا أحبه . 
مدير الشرطة : ( غاضبا ) لا البطيخ ولا لب البطيخ هو ما جعل مملكتنا هي أشهر الممالك .
المساعد : ( مشيرا إلى طبق الفاكهة ) إذن هناك أنواع أخرى من الفواكة .
مدير الشرطة : الذي جعل مملكتنا أشهر الممالك هو جحا أيها الغنبي .
المساعد : ( جالسا على طرف المقعد متحسسا عمامته ) جحا الذي نراه متبطلا في المقاهي والموالد والأسواق والشوارع والميادين والحانات ، ويجالس الزعار والشطار ويسامر اللصوص وحفاري القبور له كل هذه الأهمية ...لطالما أقابله في بعض الطرق ولا أعيره أدنى اهتمام .
مدير الشرطة : لا شك أنه أهتم بك وقال بشأنك قولا ما .
المساعد : لماذا ؟
مدير الشرطة : لأنه لم يترك أحدا قابله إلا وقال فيه قولا .
المساعد : (قلقا ) وهذا القول مدحا أم ذما ؟
مدير الشرطة : نقدا .
المساعد : ( متعجبا ) ما معنى نقد ؟!
مدير الشرطة : ( يقف ويسر في المكان متطلعا إلى ما علق على الحائط ) أنت تعلم أن لا أحد خال من النقص والعيب ، والناس يحاولون إخفاء هذا النقص والعيب ...جحا لديه عبقرية في كشف هذا النقص والعيب وإذاعته ونشره بين الناس في طريقة بسيطة ومضحكة .
المساعد : بأي صفة ؟
مدير الشرطة : ماذا تقصد ؟ 
المساعد : من أعطاه الحق في فعل هذا ؟ 
مدير الشرطة : فعل هذا من تلقاء نفسه .
المساعد : وهؤلاء الذين أظهر جحا عيوبهم ونقائصهم ألم يغضبوا ؟
مدير الشرطة : لا شك أغضبهم ، ولكن ما فعله جحا لا يعاقب عليه القانون .
المساعد : إذن نضع قانونا يعاقب جحا على فعله هذا .
مدير الشرطة : ( يتوقف مربتا على كتف مساعده ) قانون يعاقب جحا على فعله ؟!
المساعد : ( متحمسا ) نعم ..كل من يظهر عيوب الناس أو نقائصهم يعاقب ، لأن هذا بمثابة فضح الناس وفضح الناس يؤدى إلى نشر الرزيلة في المملكة .
مدير الشرطة : ( يجلس إلى مقعده مفكرا ) ولكن من الذي سيشكو ويتولى تقديم جحا للمحاكمة ؟
المساعد : كل من أظهر جحا عيوبهم .
مدير الشرطة : ( ضاربا المساعد بالدرة ) سبحان الله ...التمسوا الحكمة عند أغبى الأغبياء ...معك حق ..سيعلن للناس أن كل من لديه مظلمة أو شكوى ضد جحا فليتقدم بها ، وبذلك نثبت أننا لسنا طرفا في تلك المحاكمة ...ولكن هناك مشكلة .
المساعد : ما هي ؟
مدير الشرطة : لم يترك جحا أحدا في المملكة إلا وأظهر نقائصه وعيوبه ...على هذا فكل الناس سيقدمون شكاوي ضده .
المساعد : ( متباهيا ) إلا أنا ..الحمد لله .
مدير الشرطة : (ساخرا ) على ما يبدو لم يجدك تستحق أن يقول فيك شيئا ما .
المساعد : إذن سأقدم فيه شكوى من أجل هذا .  
مدير الشرطة : ( متأهبا للإنصراف ) هيا أيها الأحمق فوراءنا عمل ثقيل .


إظلام . 


المشهد الثالث : 
 
 المحتسب ( محمد بن شعبان الشمسي )   ،جالسا إلى منضة كبيرة   وعلى يساره ويمينه يجلس مساعدوه من العرفاء   ,يتقدم ( عز الدين الروماني ) نائب المحتسب  المكلف ببحث حالة ( جحا ) وتكييف حكما قانونيا ضده  بعدما بلغه المحتسب بمضمون  الحكم ، يحمل بعض الأوراق منهمكا في قراءاتها .
عز الدين  : ( ينظر إلى الجميع متعجبا وهو يرفع الأورق لأعلى ) ( جحا ) أفسد حياة 
الناس ..أمعقول ما هو مكتوب هنا في عريضة الدعوى ؟!
المحتسب  : (مبتسما ) نعم ( جحا ) أفسد حياة الناس .
عريف 1 : ( متحمسا ) ليس هذا فحسب بل  مصرً ومصممً  على الإفساد .
عز الدين  : ( متعجبا ) كيف ؟!
عريف 1 : هل أطعم جائعا ؟
عريف 2 : هل كسا عريانا ؟
عريف 3 : هل أصلح أرضا ؟
عريف 4 :  هل أقام مصنعا ؟
عريف 5 : هل كفل يتيما ؟
عريف  6 :  هل أصلح بين متخاصمين ؟
عريف  7 : هل هدى ضالا ؟ 
عز الدين   :  ( متعجبا ) لا، ( جحا ) لم يفعل شيا مما ذكرتموه !
المحتسب : إذن أنت متفق معنا في هذا !
عز الدين : لا شك .
المحتسب : إذن هو أفسد حياة الناس .
عز الدين  : ( متعجبا ) ليس معنى  أنه لم يفعل كل ما ذكرتموه أنه  أفسد حياة الناس !
المحتسب : ( ساخرا ) أتراه مصلحا ؟!
عز الدين  : ليس معنى أنه غير مصلح أنه مفسد !
المحتسب : الناس بين اثنين ..إما مصلحون وإما مفسدون .
عريف 1 : ومن لم يكن مصلحا فهو مفسد .
عز الدين : ( متعجبا ) مايقال غير معقول بالمرة !
المحتسب : إذن أين تضع ( جحا ) ؟
عز الدين : لا مصلح ولا مفسد ..أي لا له ولا عليه .
المحتسب : أأنت معنا أم مع (جحا) ؟
عريف 1 : على ما يبدو أنك متعاطف معه .
عريف 2 : أو مدافع .
عريف 3 : أو مبرئ .
عريف 4 : أومؤيد .
عريف 5 : أو مشجع .
عريف  6 : أو منصف .
عريف 7 : أو مقتنع .
عز الدين  : لا ، أنا ليست واحدا من هؤلاء ..ولكن لابدأن تتفق أحكامنا مع العقل والمنطق أو ....مع القانون  .
عريف 1 : منذ متى ونحن نحكم بالقانون ؟  
عريف 2 : أو يحكمنا القانون ؟ 
عريف 3 : نحن من نضع القانون .
عريف 4 : ونحن من نبطل القانون .
عريف 5 : ونحن من ينفذ القانون .
عريف 6 : ونحن من يرفع القانون فوق رؤوس الناس .
عريف 7 : ونحن  من نضع القانون تحت النعال 
عز الدين  : ( ساخرا ) على هذا لا يوجد قانون !
المحتسب : ( ضاحكا ) إذا وجد القانون ، فلا حاجة للناس إلى محتسبين ولا عرفاء  ولا إلى  محاميين ولا إلى شرطة ولا إلى سجون ولا ..
عز الدين : ( مقاطعا ) وما درسناه وما تعلمناه طوال سني الدراسة .
عريف 1 : لقد أجبت على سؤالك أيها النائب الشاب  .
عريف 2 : القانون موجود لكي يُدرس ويُتعلم .
عز الدين  : ( متعجبا ) فقط !
عريف 3 : ( مبتسما ) فقط .
عز الدين  : وأنا وأنتم ماذا نفعل بعد أن درسنا وتعلمنا القانون ؟!
عريف 4 : نؤكد ونبرهن على هذا ونصون ونحمي القانون .
عز الدين  : مم ؟!
عريف 4 : من أن يُطبق .
عز الدين  : ( يدور حول نفسه ) أكاد لا أصدق عقلي !
المحتسب : ما زلت حدثا وغرا على ما يبدو أنك ستتعب نفسك وتتعبنا ..بماذا تردون أيها العرفاء  .
عريف1 : القوانين عرفتها ووضعتها الإنسانية من آلاف السنين .
عريف 2 : والإنسانية تتعامل معها منذ ذلك الوقت .
عريف 3 : هل انتصف للمظلوم ؟
عريف 4 : هل رد حق ضائع ؟
عريف5 : هل أعيدت كرامة مهان ؟
عريف6 : هل صحح خطأ ؟
عريف 7 : هل أستجيب لشكوى مغبون ؟
المحتسب: ومع ذلك لا يوجد مملكة حولنا إلا وفيها محاكم وقضاة و..
عز الدين : ( يشير إلى نفسه ) وتلك الشارة على صدري وهذا الرداء على جسمي ؟!
عريف 1 : أتنكر أنك تحب تلك الشارة ؟
عريف 2 : وتصون هذا الرداء ؟
عريف 3 : وتحرص عليه حرصك على أغلى شيء ؟
عريف 4 : وقد عشت عمرك تحلم به ؟
عريف 5 : ويراك الناس مرتديه ؟
عريف 6 : ويشيرون إليك ؟
عريف7  : ويقدمونك في الطرقات ،ويقفون لك في المحافل والمراسم؟ 
عز الدين  : كل هذا لا أنكره .
المحتسب : إذن ماذا تريد بعد ذلك ؟
عز الدين  : تنفيذ القانون كما درسته وتعلمته .
المحتسب : ما الذي تريده بالضبط ؟
عز الدين  : نحن سنحاكم ( جحا ) على ماضيه وما صدر منه ..ولكن كيف سنحاكمه على 
شيء ما زال في طي صدره هذا إذا كان موجودا ؟
المحتسب  : أنه قرر الرحيل .
عز الدين  : ( جحا ) تمكن من إفساد حياة الناس  لأنه كان موجودا بينهم وهم محيطون به .أليس كذلك ؟
المحتسب : نعم .
عز الدين : وهذا ما مكنه من الفاسد والإفساد .
المحتسب : نعم . 
عز الدين  : وسيحاكم على هذا ؟ 
المحتسب : نعم . 
عز الدين  : قرر ( جحا ) أن يعتزل الناس ويبتعد عنهم .
المحتسب  : نعم . 
عز الدين  : بهذا لن يكون موجودا بين الناس ولا الناس يتعاملون معه .
المحتسب : نعم . 
عز الدين  : هنا ، علام سيحاكم ( جحا ) ؟!
المحتسب : إنه امتنع عن قصد وسبق إصرار عن ممارسة ما كان يمارسه .
عز الدين : ما هذا الذي كان يمارسه ؟
المحتسب : إفساد حياة الناس .
عز الدين  : وعلى حد علمي أعلن ( جحا ) أنه توقف عما كان يمارسه ويزاوله وحبس 
نفسه في منزله لا يخرج منه .والبعض يفول إنه سيرحل 
المحتسب  : ويحاكم على هذا أيضا .
عز الدين  : ( متعجبا ) نحاكمة على أن توقف على إفساد حياة الناس ؟!
المحتسب : كانت المملكة مستقرة وهادئة وقت أن كان ( جحا ) وسط الناس يفعل ما يفعله .
عز الدين  : فرضنا ذلك .
المحتسب  : توقف ( جحا ) وانسحب من حياة الناس ، أتظن حال الناس سيبقى كما كان ؟
عز الدين  : أظن أن حالة الناس ستتغير إلى الأحسن و ...
المحتسب : لا يهمنا إلى الأحسن أو إلى الأسوأ ، سيحاكم لأن حال الناس تغير وتبدل وهو المتسبب في ذلك ،وتغيير حال الناس في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون .
عز الدين : إذن ( جحا ) مدان حتى قبل المحاكمة ؟
المحتسب  : ولو لم يكن مدانا فلماذا نحاكمه ؟
عز الدين    : ولماذا نحاكمه ؟!
المحتسب  : لكي ندينه . 
عز الدين  : أحمد الله كثيرا .
المحتسب  : علام ؟
عز الدين  : أني لم أكن مكان ( جحا ) .
إظلام . 
  


          


                             الفصل الثاني 

 المشهد الأول : 

قاعة واسعة من حمام للنساء ، كوات في سقف القاعة وفي جوانب الحائط ينفذ منها ضوء النهار يضي أجزاء في المكان ، سيدات وصبابا يجلسن على مقاعد رخامية  بعد أن انتهين من الإستحمام يتزين بأنفسهن والبعض تقوم عاملات الحمام بتزينهن  ،ومساعدتهن في إرتداء ملابسهن ، والبعض منهن منهمك في أحاديث جانبية ، والبعض الآخر يتحدث بأصوات مرتفعة ويصدرن ضحكات ماجنة .حسناء تجلس وحولها عدد من أصدقائها ، تتميز عنهن بفاخر ثيابها وإحاطة العاملات بها .
ميساء : يرحل أو يبقى ، جحا هذا ما هو إلا صعلوك من صعاليك المملكة ، ولا أجد سببا لأهتمامكن بأخباره . 
صديقة 1 :لا تنكري أنه من أشد رجال المملكة ظرفا ، وما من امرأة إلا وتتمنى أن يتحدث إليها أو تتحدث معه .
صديقة 2 : ألا تخجلين مما تقولينه أيتها الماجنة .
صديقة 1 : ولماذا أخجل وما من امرأة أو فتاة في المملكة إلا وتردد أقواله وتتبع أخباره .
صديقة 2 : بل قولي كل من في المملكة ، إنهم ينامون على أقواله ويستيقظون عليها .
صديقة 3 : ألا ترين أنه غريب الأطوار ؟
صديقة 1 : ماذا تقصدين ؟
صديقة 3 : أنه لم يتزوج للآن ؟
صديقة  2 : (تضحك ) ربما لم يجد فتاة أحلامه .
صديقة   3 : (تتصنع المكر ) وهل لو تقدم لك توافقين ؟
صديقة 2 : ( تضحك في مجون ) طبعا سأكون أسعد فتاة في المملكة لأنه وقع اختياره علي ،ومع ذلك سأرفض طلبه . 
صديقة 1 : لأن كل الناس سيسألون من تلك التي رفضت الزواج من جحا ؟
صديقة 2  : ( تربت على يد ميساء ) وأنت يا ميساء لماذا أنت صامتة ؟
ميساء  : مندهشة من حماقتكن وذوقكن المتدني . 
صديقة 3 : ( مندهشة ) ألن تغيري رأيك فيه حتى بعد أن قرر الرحيل عن المملكة .
ميساء : ( محتدة ) وما شأني به وما اهتمامي به ، إنه مجرد صعلوك ومهرج كما قلت لكم .
رهف : ( تستدير إليهاغاضبة  ) جحا ليس صعلوكا أومهرجا أيتها الحمقاء الغبية .
لجين : ( تضع يدها على فم صديقتها مذعورة ) لتنزل نار من المساء تحرق جحا ..ألا تدرين مع من تتحدثين ؟ 
ميساء : ( بغرور مشيرة إلى رهف ) من أنت ؟ وما الذي سمح لك أن تتدخلي في حديثي بين صديقاتي ؟ وأي جرأة  دفعتك لتنعتينني بالحمقاء الغبية ؟
لجين :( معتذرة ) لا تؤاخذينها ، هي لم توجه لك الحديث ، إنها دائما تصفني بالحمق والغباء وأنا أيضا أصفها بذلك فلا تغضبي
رهف : ( بإصرار ) لا ، إني أوجه الحديث إليها ، وجحا ليس صعلوكا وهو لسان الناس .
ميساء : ( ساخرة ) تقصدين اللصوص والزعار والمطبتلين والرعاع المنتشرين في شوارع وميادين المملكة ، ولم لا فهو واحد منهم وعلى شاكلتهم .
رهف : اللصوص الحقيقيون والمرتشين والفاسدين هم من يستترون وراء مناصبهم ويحمون المفسدين ..
لجين : ( تلطم على وجهها مذعورة وتسر في أذنها ) نهارنا اسود يا ابنة بهلول أغلقي فمك أنت تحدثين ابنة رئيس الشرطة .. أأنت مجنونة ؟!
رهف : ( تبعدها عنها ) حتى لو كانت ابنة الوزير ..إنها متكبرة ومغرورة وأنا أتحين الفرصة لكي أعرفها مقامها ، وها قد جاءت ولن  أتركها . 
ميساء : (غاضبة ) ماذا تقصدين من كلامك هذا أيتها الوقحة ؟!
رهف : ( متحدية ) من على رأسها بطحة .
ميساء : ( تجذبها من شعرها ) ربما أخطأ مع واحدة مثلك ويريد الهروب من جريمته 
رهف : ( تدفع بميساء وتلقيها على الأرض وتنشب أظفارها في عنقها ) أنت و أمثالك من يفعل ذلك ...سألقنك درسا لن تنسيه .
[ يسود هرج ومرج في القاعة ويرتفع الصراخ ويدخل في الصراع أنصار كل طرف وتسيل الدماء على الوجوه وتتمزق ملابس البعض وشعورهن ]
المعلمة  : ( مقبلة من خارج القاعة غاضبة ووراءها عدد من المساعدات ) اهدأن يا سيدات ..لا داعي لكل هذا الشجار أنكن في حمام محترم ولا يؤمه إلا المحترمات أرباب البيوت الراقية . 
ميساء : ( تسوي شعرها وثوبها ) لم يعد يؤمه غير الرعاع والسوقة ..سوف أخبر والدي ليأمر بإغلاقه .
المعلمة : ( مذعورة ) الست ميساء .. ( تلتفت إلى المساعدات ) ساعدنها في تسوية شعرها وثيابها ..من فعل بك هذا ؟
ميساء : ( مشيرة إلى رهف ) تلك الفتاة المجنونة .
المعلمة : ( مهددة ) اخرجي من الحمام على الفور ولا أرى وجهك بعد الآن .
رهف : ( تلملم شعرها ) ولكني ..
المعلمة : ( مقاطعة ) لا أريد أن أسمع صوتك هيا أخرجي . 
ميساء : ( تمسك بها ) لن تخرج من هنا إلا على السجن وسأخبر والدي ليسجن أهلها كلهم .
المعلمة : ( تخلصها من يدها معتذرة ) لا داعي لذلك ..لقد اخذت حقك وطردتها أمام كل الموجودات ولن أسمح لها بدخول الحمام مرة أخرى . 
ميساء : من تلك الفتاة ؟!
المعلمة : إنها ابنة عم بهلول الخياط ، وهي فتاة مؤدبة ..ولا أدري ما السبب الذي جعلها تسلك معك هذا السلوك ..أحدث منك ما يغضبها .
صديقة 1 : كنا نتحدث عن جحا ميساء سخرت واستهزأت به ، فما كان من تلك الفتاة إلا أن أهانت ووبخت ميساء وتتطور الأمر إلى ما رأيت .
المعلمة :  ( متعجبة  ) لقد حدث بين الرجال في الحمام ليلا ما حدث بينكما من خصام وشجار بسب جحا ، البعض يحبه إلى درجة الجنون والبعض يكره كرها بينا ولا أدري ما الذي حدث لأهل المملكة حينما نوى الرحيل .
ميساء : ( محتدة ) لا يعينيني هذا الصعلوك في شيء ، كل ما يعنينني ابنة فلفول الخياط هذا .
صديقة 1 : ( ضاحكة ) بهلول وليس فلفول .
المعلمة  : ( مخاطبة المساعدات ) ابقين مع الست ميساء وأفعلن ما تأمركن به .
ميساء : ( تستوقفها ) ماذا تعمل ابنة بهلول ؟
المعلمة إنها حائكة وأغلب من يترددن على الحمام هنا تصنع لهن ثيابهن فهي ماهرة بهذه الصنعة .
ميساء : ( مندهشة ) ابوها حائك وهي كذلك ؟! ولكن لماذا كانت تدافع عن ذلك الصعلوك هذا الدفاع الشديد ؟!
المعلمة : ما حدث بينكما هذا الصباح من شجار ونزاع سمعت أنه حدث مساء بين الرجال في الحمام وبسبب جحا أيضا ، وارجو ألا تكوني غاضبة مما حدث ..إن سمحت سأنصرف فوراء عمل كثير .
الصديقة 1 : الكثيرات معجبات بجحا ولا يطقن كلمة سوء عليه .
ميساء : هل رأيتن جحا هذا ؟
الصديقة 2 : ( مندهشة ) عجبا لك !! هل يوجد أحد في المملكة لا يعرف جحا أو لا يردد كلامه ويتندر بمواقفه .
ميساء : أنا أسأل هل رأيتن جحا ؟ أما كلامه ومواقفه فقد سمعت عنه كغيري .
الصديقة 3 : لقد رأيته ذات مرة .
ميساء : أيمكن أن تصفيه لي ؟
الصديقة 1 : ( بمكر ) ولماذا لا تقولين أنك ترغبين في رؤيته .
ميساء : ( مفكرة ) ولم لا ؟ نعم أريد رؤية هذا الصعلوك .
الصديقات : ( في صوت واحد) ونحن معك .
ميساء : لا ، أريد رؤيته بمفردي وبدون أن يعرف من أنا .
الصديقة 3 : لقد سمعت أنه يتجول في ارجاء المملكة ليلا  ونهارا ، فمن  السهل رؤيته في أي مكان .
ميساء : ( مفكرة ) لقد عرفت أين ومتى ألقاه . 
 إظلام . 






المشهد الثاني  

 في دكان عم ( يهلول ) الخياط ، يجلس وسط أكوام من القماش على دكة بجانب الحائط ، ومشاجب عديدة معلق عليها الجلاييب من مختلف الأشكال والألوان ، (رهف) يجمع عدد من قطع القماش وتدور حول نفسها :

رهف : وماذا يملك رئيس الشرطة أن يفعل بنا ؟ وماذا ستفعل ابنته الحمقاء المغرورة ؟
بهلول : (محاولا وضع طرف الخيط في ثقب الإبرة ) يملكان يا ابنتي الكثر ، لقد رأيت صاحبة الحمام كيف طردتك  ترضية لابنة رئيس الشرطة ، أما أبوها فبيده رقاب العباد . وبيده أن يلقي بي في السجن .
رهف : ( متعجبة ) بأي تهمة ؟!
بهلول : ( يربت على يدها ) أنت ما تزالين صغيرة لا تدرين شيئا عما يجري حولك ، الأمور في المملكة ساءت وتزداد سوءا كل يوم ، الحصيف هو من يمشي جنب الحائط ولا شأن له بالآخرين ، لا سيما وإذا كانت ابنة رئيس الشرطة .
رهف : ( متوترة ) أنا لا أطيق رؤيتها لأنها متكبرة ومغرورة ، ولم أستطع أن أتحكم في نفسي حينما سمعتها تذكر جحا بسوء . 
بهلول : ( يلاحقها بنظراته ) وما الذي جعلك تثورين حينما ذكرت جحا ؟
رهف : ( تتجنب نظراته ) لا شيء مجرد أن جحا جارنا وصديقك المقرب ...وهو ليس بالصعولك أو المهرج كما ذكرته .
بهلول : ( يربت على يدها ) فقط يا ابنة بهلول ؟
رهف : ( تعصر أصابع يدها  ) وماذا تظن غير ذلك يا أبي ؟
بهلول : ( يأخذ من يدها قطعة القماش ) لقدكبرت في السن وأتمنى أن تكوني في كنف رجل ، ولكن جحا لا يصلح لك ولا تصلحين له .
رهف : ( مترددة ) وما به جحا ؟ هل به عيب ؟
بهلول : الأمر لا يتعلق بعيب أو ميزة ، الأمر أكبر من ذلك .
رهف :( مندهشة )  كيف ؟
بهلول : ( ينهض معلقا ما بيده على مشجب ملتفتا إليها) البشر يا أبنتي انواع ، منهم من لا ينفع إلا نفسه ، ولا يضر الآخرين ، ومنهم من يضر الآخرين وينفع نفسه ، ومنهم من يضر نفسه لينفع الآخرين ، جحا من هذا النوع الآخير كل همه الناس والتفكير والعمل في إصلاح أحوالهم .
رهف : ألا يستحق شخص بهذا الوصف كل تقدير و ..
بهلول : ( مقاطعا ) شخص بتلك المواصفات لابد وأن يأتي يوم ويحترق ، ويفقد كل ما لديه من طاقة وتحمل .
رهف :  بعد كل تلك الحيوية  والحماس ؟!
بهلول : حتى الأنبياء والرسل يأتي عليهم وقت يملأ الإحباط واليأس صدورهم ، حينما يرون أنهم عجزوا عن تغيير العالم حولهم إلى الأحسن ، وجحا ليس نبيا ولا رسولا .
رهف : ( متحدية ) جحا قوي .
بهلول : ولكنه خسر رهانه .
رهف : ( مفكرة ) ليعيش كما يعيش ملايين البشر فقد أدى ما عليه .
بهلول : نحن أحرار في أن نختار ، ولكننا لسنا أحرارا في أن نغير ما أخترناه .
رهف : ولم لا ..فلنغير ما اخترناه ونختار مرة أخرى
بهول : ليس هذا اختيارا ولكنه انتحار ...لذلك قرر جحا الرحيل . 
رهف : أليس هذا نوعا من الهروب ؟!
بهلول : الهروب ضعف عن المواجهة ، وجحا طوال عمره كان يواجه العالم ويصارحه ، ولكن في اللحظة التي جاءت ليواجه نفسه ويصارحها قرر الرحيل . 
رهف : عن أي شيء يرحل ؟
بهلول : عن نفسه .
رهف : إذن المشكلة داخله وليست في العالم حوله .
بهلول : حتى لو بقى جحا بيننا فليس هو جحا ، جحا الذي نعرفه رحل أو على وشك الرحيل 
رهف : ( معاندة ) جحا يمر بأصعب مراحل حياته ، ولن نتخلى عنه ، ربما تكون محنة ، واجبنا أن نقف بجواره نعضده ونؤازره . 
بهلول : ( يلملم أشياءه ويتأبطها ضاحكا) كما عهدتك عنيدة ، حاولي يا ابنتي ربما تنجحين فيما فشلت أنا فيه ، وإن كنت أرى أن من يجب ان يقف بجانب جحا هو جحا نفسه ، لأن المأساة نابعة منه .
رهف : ( مترددة ) ولكن يا أبي ...
بهلول  : ( مقاطعا ) ألا ترين أنك بددت كثيرا من الوفت ووراءك ثياب عروس لابد أن تنتهي  منه ، لا ينبغي أن يشغلنا شيء عن رزقنا ، وأثناء غيابك جاء عدد من النساء يسألن عنك ، وأنا ألاحظ في المدة الأخيرة كثرت الشكوى منك .
رهف : ( تتهيأ للأنصراف ) ليس كسلا مني ولكن العمل كثير ياأبي .
بهلول : ( ضاحكا ) صرت أشهر من أبيك يا ابنة بهلول .
رهف : لأن ما تنفقه المرأة على ثيابها أكثر مما ينفقه الرجل على ثيابه .
بهلول : لا تتأخري في العودة إلى المنزل أريد أن أتناول عشائي وأنام مبكرا .
رهف : ( تتجه نحو الباب ) أتريد شيئا .
بهلول : مع السلامة يا ابنتي .
  
إظلام .   



                               
        المشهدالثالث :

في دكان عم ( يهلول)
بهلول : ( يضع مابيده جانبا ) لماذا يا جحا ؟
جحا : (ملتفتا إليه مندهشا ) حتى أنت يا عم بهلول ؟! إذن الناس لديهم عذر في أن يسألوننى في كل مكان أذهب إليه !
بهلول :  ( يقف مقتربا منه ) وما أنا إلا واحد من الناس يندهش مما يندهشون ويتعجب مما يتعجبون . 
جحا : ( يلقي ما بيده ويمسك بيده ) لا ياعم بهلول ، لست واحدا من الناس ، أنت أكثر واحد قريب منى ، تعرف ما أفكر فيه ، تحس بما يؤلمني وبما يسعدني ،وأنت أكثر واحد تعرف أني قضيت عمرى كله أحمل هموم الناس على كتفي ، أحاول أن أنطق بما يعجزون عن نطقه ، أقوم بتوصيل ما يخشون توصيله إلى حاكميهم ، ولا أبالي بما قد يحدث لي ، أخرجهم من غمهم وحزنهم ،أدخل على قلوبهم الفرح والسعادة ، أبصرهم بعيوبهم ونقائصهم في رحمة وشفقة ، وفي سبيل ذلك جعلتُ من نفسي أضحوكة وسخرية ، تغابيت .تجاهلت ، جعلتهم جميعهم : الرجل والمرأة الشيخ والطفل يعتقدون أني أغبي رجلا في المملكة وهم الأذكياء، أجهل فرد وهم العلماء ، أضعفهم وهم الأقوياء و ...
بهلول : ( مقاطعا مربتا على كتفه ) با بني أن أعرف كل ما تقوله وأكثر ، وأعلم عنك ما لا يعلمه أحد في البلدة ..ولكن ما الجديد في ذلك ، لماذا تفكر في الرحيل ؟
جحا : ( يجلس على أقرب مقعد ممسكا برأسه ) اكتشفتُ أنني أحرث في البحر ..مجرد مهرج يضحكون له وعليه .
بهلول : ( يعود إلى مجلسه ويتناول قطعة القماش ) وماذا كنت تتوقع غير ذلك ؟
جحا : ( مندهشا ) أن يعترفوا  بجميل ما أسديتُ لهم !
 بهلول : هل قررت الرحيل لأنهم لم يعترفوا بجميلك أم أنك يأست من إصلاح أحوالهم ؟
جحا :  نجاحي في إصلاح أحوالهم كان لي بمثابة أكبر جائزة أحصل عليها .
 بهلول : إذن أنت نادم على أنك قضيت عمرك كله فيما لا جدوى منه ؟
جحا :  ( متحسرا ) للأسف لم أكتشف ذلك إلا مؤخرا !
 بهلول : ( منهمكا فيما بيده ) ليس أمامك إلا أن تكمل ما بدأته .
جحا : (يختطف ما بيده غاضا ) أقول لك إنني نادم على إنفاق عمرى كله فيما لا جدوى منه تقول لي أكمل ما بدأته ؟!
 يهلول : ( يسترد ما أخذه جحا برفق مربتا على يده  ) إذن ماذا أمامك لتفعله ؟
جحا : (يدور في أرجاء المكان ) أرحل إلى بلاد أخرى ، أتعامل مع بشر أخرين .
بهلول : لتبدأ المأساة من جديد في مكان أخر مع بشر أخرين  .
جحا : ( مندهشا مشيرا إلى صدره ) وهل كانت حياتي مأساة ؟!
بهلول : وماذا تظنها غير ذلك ..ثم أنت الذي قلت هذا منذ قليل .
جحا : لتكن مأساة ..لقد قررت أن أترك كل شيء وراء ظهري وأرحل .
بهلول : ( مبتسما ) قد تنجح في الرحيل وترك كل شيء وراء ظهرك ولكن ستكون مأساتك معك ، تلاحقك في كل مكان تذهب إليه .
جحا : ( يدور حول نفسه ) إذن كيف أتخلص من مأساتي ؟ 
بهول : ( ساخرا ) هذا شيء صعب عليك لا تستطيع أن تنفذه .
جحا : ( متقدما نحوه غاضبا ) مهما كان صعبا لابد أن أفعله أن مصيري معلق عليه 
بهلول : ( يقف ويربت على كتفه ) أنا أتفق معك على قرار الرحيل الذي أعلنته منذ قليل ، ولكن ليس الرحيل عن البلد ولا عن الناس .
جحا : ( مندهشا ) وعن أي شيء أرحل ؟!
عم بهلول : ترحل عن نفسك ..ترحل عن جحا .
جحا : ( متعجبا ) أرحل عن نفسي ..جحا يرحل عن جحا !!
بهلول : ( يربت على كتفه ساخرا  ) ألم أقل لك إنه أمر صعب ولن تستطيع ...
جحا : ( مقاطعا ) أخبرني كيف أرحل عن نفسي ؟
بهلول : (ضاحكا) كنت فعلتها من قبلك يا جحا يا بني .
جحا : ( مندهشا مشيرا إليه ) أأنت تعيش في مأساة ؟!
يهلول : كل منا عبارة عن مأساة تسير على قدمين .
جحا : إذن لستُ وحدي .
بهلول : ( مشيرا إليه ) أنت قمة المأساة ..أو مأساة المآسي .
جحا : ( متعجبا ) لماذا ؟ 
بهلول : لأنك  اكتشفت أنك تعيش في مأساة .
جحا : والناس ؟!
بهلول : لا أحد منهم يعرف ...كلهم سكارى .
جحا : ( مشيرا إليه ) وأنت ؟
بهلول : المجنون الوحيد وسط السكارى .
جحا : لماذا ؟
بهلول : لأنني رميتُ عقلي بأول نهر مررتُ به .
جحا : لماذا ؟
بهلول : لأعيش مستريحا وسط السكارى . 
جحا : ( ساخرا مشيرا إلى صدره ) ومع المأساة إليس كذلك ؟! 
 بهلول : ( جالسا متناولا قطعة القماش ) سكارى ومجنون ومأساة .
جحا : ( جالسا منكس الرأس ) ليتني فعلت مثلك .
بهلول : ( مبتسما ) والجنون مأساة أخرى ...ولكنها تريح صاحبها ألم تسمع قولهم المجانين في نعيم ؟!
جحا : ( محتدا ) أي نعيم هذا الذي يعيشه المجانين ؟!
بهلول : ( مشيرا إلى الباب ) إبراهيم الفطاطري أحضر لنا فطيرة .
 الفطاطري : ( مندهشا ) أنت هنا يا جحا والعسس يبحثون عنك في كل مكان !
بهلول : ( منزعجا ) ماذا فعلت يا جحا في يومك ؟!
جحا : ( متعجبا ) اليوم الذي قررتُ فيه ألا أفعل أو أقول شيئا يبحثون عني فيه ..ثم ماذا يريدون منى ؟!
 الفطاطري : ( يضع الفطيرة ) وما ذا عن الكلام الذي يتناقله الناس يا جحا ؟
جحا : أي كلام تقصد ؟
الفطاطري : أنك تريد الرحيل عن البلدة .
بهلول : ( مفكرا ) إذن هم يربدون منعك من الرحيل .
جحا : ( مندهشا ) وهل أي شخص يفكر بالرحيل يُمنع ؟!
الفطاطري : ( يتناول ثمن الفطيرة من بهلول) وهل أنت شخص عادي يا جحا ؟!
جحا : حتى ولو كنت كذلك فهل هذا يمنعني من الرحيل ؟!
الفطاطري : وماذا جعلك تظن أنهم يريدون منعك من الرحيل ؟
بهلول : إذن فيم يريدونه ؟
الفطاطري : أذهب إلى صاحب الشرطة لتعرف كل شيء .
بهلول : ( مشيرا إلى الباب منزعجا ) سلاما قولا من رب رحيم ..ها هم جاءوا كالشياطين .
شرطي1 :لقد قلبنا البلد عليك ، وبحثنا عنك في كل مكان .
جحا : ( متعجبا ) أنا لم أفعل شيئا ولم أقل شيئا !
شرطي2 : ( يمسكه من كتفه ) وما شأننا بما تفعله أو تقوله يا جحا ؟!
بهلول : ( يترك ما بيده ويتقدم منهما ) إذن بأي تهمة ستقبضون عليه ؟
شرطي1 : لا يوجد أي تهمة .
شرطي 2 : ولن نقبض عليه .
الفطاطري : عجبا !! إذن لماذا تبحثون عنه ؟!
شرطي1 : رئيس الشرطة يريده .
جحا : ( مندهشا ) وفيم يريدني ؟!
شرطي2 : وما أدرانا فيما يريدك ؟!
الفطاطري : سأحضر معك يا جحا ، لن أتركك تذهب بمفردك .
شرطي 1 :(يبعده عن طريقه ) الأجدى أن ترسل له فطائر .
الفطاطري : (مندهشا ) أرسل له فطائر !
شرطي2 : ( يدفع جحا أمامه) ولا تنس رئيس الشرطة يفضلها بالعسل .
شرطي 1 :  ( ضاحكا ) ونائبه يفضلها بالمكسرات .
شرطي2 :( ملتفتا إلي الفطاطري ) أما نحن فنفضلها بالقشدة .
الفطاطري : (ساخرا ) وأنت يا جحا فيما تفضلها ؟
جحا : بالسم الهاري يا فطاطري ( مخاطبا الشرطيين ) اذهبا لتاخذا الفطائر سأذهب إلى البيت لأغير ملابسي وأمر على رئيس الشرطة . 
شرطي 1 : ( مصمما ) لن نعود إلا وأنت معنا .
جحا : هل أمركما أن تقبضا علي ؟
شرطي2 : ( مترددا ) كل ما أمرنا به أن نبلغك بالأمر .
الفطاطري : تعاليا خذا الفطائر وسيذهب جحا بنفسه ، ماذا يظن الناس به وأنتما تسيران معه أو يسير معكما ؟
بهلول : ( يتبعهم ) خذوني معكم لأشتري بعض الأقمشة والخيوط من المعلم ( الخلايلي ) من السوق المجاور ( يلتفت إلى جحا ) ابق في الدكان يا جحا ريثما أعود إليك .
جحا : لا تتأخر لأذهب إلى رئيس الشرطة لأعرف فيما يردني .
بهلول : ( ضاحكا ) لا شك يريد أن يعرف السر الذي تخفيه .
جحا : وما شأنه هو ؟
بهلول : لنتاقش في هذا حينما أعود .
جحا : ( يتابع امرأة واقفة بباب المحل )  أتريدين شيئا أيتها المنتقبة ...دكان أزياء النساء وصاحبته رهف بالجوار .
المنتقبة : لا أريد دكان ثياب النساء 
جحا : ( مندهشا ) إذن ماذا تريدين ؟!
المنتقبة : ( تدخل   ) أأنت جحا ؟
جحا : ( مندهشا ) نعم ، وأنت من ؟
المنتقبة : ( باستخفاف ) ليس مهما أن تعرف من أنا ؟
جحا : ( محدقا في عينيها ) أنا بالفعل لا أعرف من أنت . ولست مهتما بمعرفتك ..تفضلي فلا مكان للنساء هنا .
المنتقبة : إنك عديمُ الذوق وجلفٌ .
جحا :(غاضبا) وأنت بذيئةُ ووقحةُ .
المنتقبة  : ( محتدة ) أتسب امرأة ؟
جحا : ( يتلفت حوله ) أنا لا أرى أي امرأة ، وإنما أفعي ترتدي ثياب امرأة .
المنتقبة  : ( ساخرة ) ويقولون كلامك يسحر النساء ويخلب الرجال . 
جحا : لقد أخطأت الرجل أيتها المتنقبة ، كلامي لا يسحر النساء ولا يخلب الرجال 
المنتقبة  : ( تتلفت حولها ) لقد سألتُك : ألست جحا ؟
جحا : ( نافد الصبر ) أنا قطران أنا جحا ولتطمئني لا أحد يتمسى بهذا الاسم في المملكة كلها سواي .
المنتقبة : ( تتأمله باحتقار ) إنهم يبالغون في الحديث عنك وفي وصفك مع أني أرى أمامي و..
جحا : ( مقاطعا ) لا ترى أمامك إلا صعلوكا ومهرجا  ..أهذا يريحك ؟ 
المنتقبة : ( مندهشة ) وكأنك أخذت الكلمتين من على لساني ..وكأنك تقرأ أفكاري . 
جحا : ( مكفهرا ) لا أخذتُ الكلمتين من على لسانك ولا أنا أقرأ أفكارك ..ولكنها الحقيقة التي كنتُ غافلا عنها طوال عمري ...أنا أكبر مخدوع في المملكة  أكذوبة وصدقتها وعشت عليها عمرى كله ، ولكني استيقظتُ ..تنبهتُ ، ويا ليتني ظللت نائما ومخمورا . وأنا الآن لا أستطيع أن أعود كما كنتُ ، ولا أحتمل ولا أطيق ما صرتُ إليه .
المنتقبة  : ( مشفقة ) أنت تعيش مأساة بحق أني مشفقة عليك .
جحا : ( معتذرا ) ممتن لشعورك هذا ، وأعتذر إن صدر مني كلمة قد تكون ..
المنتقبة  : ( مقاطعة ) وأنا أيضا قلت كلمة .
جحا : ( محتدا ) لقد قلت كلاما وليس كلمة ..أنت لسانك ..
المنتقبة : ( تربت على يده ) كل منا يعتذر للأخر ..لم أعرف أنك تعاني الكثير .
جحا : ( متاثرا ) وما بيدي أن أفعل .
المنتقبة : لهذا قررت الرحيل عن المملكة .
جحا : ( يخطو خطوات مبتعدا عنها ) وما شأنك أنت برحيلي أو بقائي ؟ 
المنتقبة  : ( تقترب منه  ) لماذا تبتعد عني ..أتخافني ؟
جحا : ( مندهشا ) أخافك ،أنا لا أعرفك ؟!
المنتقبة : ( تتلفت حولها )  إذن لنكمل حديثنا حتى انصرف وأريحك مني .
جحا : ( مندهشا ) أولا أنت لا تسببين لي أي تعب ، ثانيا  أي حديث هذا الذي تريدين إكماله  ؟
المنتقبة   : لماذا تريد الرحيل و..
جحا : ( مقاطعا ) وما شأنك أنت بأمور تخصني ..أنا لا أعرفك ..تخفين وجهك وكأنني أتحدث مع خيال ، ولا أعرف اسمك  و .. 
المنتقبة : ( مقاطعة ) وهل سيغير في الأمر أن رأيت وجهي أو عرفت اسمي ؟!
جحا : لا أظن ..سيان 
المنتقبة  : ( تشير إلى مقعدين ) لنجلس هنا ونكمل حديثنا .
جحا : (مندهشا ) عجبا  بدأت وكأنك تريدين ضربي والآن ..
المنتقبة  : ( مقاطعة ) حقيقة كنت أشد رجلا أمقته في المملكة 
جحا : والآن ؟
المنتقبة : بدأتُ أصدق ما يقولونه عنك .
جحا : مدحا أم ذما ؟ 
المنتقبة  : الاثنين .
جحا : ( يشير إلى نقابها ) هل سأظل أتحدث معك من خلال الثقبين .
المنتقبة : لن ترى وجهي ولن أبوح لك باسمي .
جحا : ومع ذلك تريدين أن نجلس ونتحدث سويا ..
المنتقبة  : أظن أنك قلت إن الأمر بالنسبة لك سيان .
جحا : نعم .
المنتقبة : أخشى ان أعطلك  .
جحا : ( يتلفت حوله ) لقد أنهيتُ كل ما يربطني بالمملكة .ولم يبق إلا أن أرحل .
المنتقبة   : دعني أصارحك ولتغفر جرأتي .
جحا :صراحة وليست وقاحة .
المنتقبة  : ( ضاحكة ) ألا يمكن أن يكون قرار رحيلك هروبا  ؟
جحا : ( مندهشا ) ممن ؟!
المنتقبة  : من الناس .
جحا : ولماذا أهرب من الناس ؟!
المنتقبة  : قبل أن يهربوا منك .
جحا : كيف ؟ !
المنتقبة : اكتشفت مؤخرا أن الناس سأموا منك ..أعرضوا عنك ، لم تعد بالنسبة لهم كما كنت ..الزمن تجاوزك ، فقدت أهميتك .استنفدت غرضك ومبرر وجودك بينهم ..فقلت بيدى لا بيد عمرو .
جحا : ( واقفا  غاضبا ) من عمرو هذا الذي سأخذ يده أو يأخذ يدي ؟! كل ما تقولينه هراء ..وليست تلك صراحة منك  وإنما وقاحة و ..
المنتقبة : ( تحدق في عينيه ) الناس يحبونك أم يكرهونك ؟
جحا : ( يعود للجلوس ) طبعا يحبونني .
المنتقبة : ( تتلفت حولها ) وهل تثق في محبة الناس ؟ 
جحا : وما رأيك أنت في الناس ؟
المنتقبة : الناس شيء عرضة للتغير السريع ، قلوب الناس ومحبتهم شيء لا ثبات ولا قرار له ، وإذا أحصيت ما يحبه الناس ستجده لا نفع فيه بل قد يضرهم ، ولأكون أكثر صراحة معك أو وقاحة كما وصفتني ..الناس وهمٌ  ..أكذوبة ..خدعة كبرى . 
جحا : ( مصفقا على يديه ) لا شك أنني أتحدث مع مجنونة أو بلهاء !
المنتقبة  : لماذا وصقتني بهذا الوصف ؟
جحا : ( ساخرا ) كلامك يدل على ذلك .
المنتقبة  : ( مندهشة ) وما في كلامي من جنون ؟!
جحا : ( يضحك ساخرا ) مرة تقولين أن قلوب الناس سرعان ما تتغير ، ومرة الناس يحبون ما لا جدوى ولا نفع فيه ، ومرة تقولين إن الناس وهمٌ وأكذوبة  ..أي من تلك الأقوال أصدق ؟! 
المنتقبة : لا تصدق شيئا مما قلتُه ..أنت أمضيت عمرك كله بين الناس ما رأيك فيهم ؟
جحا : ( آسفا ) أظن أنهم سبب مأساتي ...ولكنهم ليسوا وهما كما تقولين .
المنتقبة : أنا لا أقصد عدم الوجود ،ولكنك لا تستطيع أن تعتبرهم شيئا ثابتا ..كيانا واحدا تعتمد عليه في تحديد طريقة معينة في التعامل معهم ..إنهم شيء محير لأنهم كيان متقلب ..متغير لا يعرفون ماذا يريدون ولا ماذا يفعلون .
جحا : ( متفرسا في ملامحها ) من أنت ؟! وكيف عرفت كل تلك الأمور ؟ 
المنتقبة : ( تضحك في دلال ) واحدة من الناس .
جحا : ( حائرا ) وهمٌ ؟! لا أنت حقيقة ...ولكن ربما تكونين شيطانة .
المنتقبة : ( ضاحكة ) أنا إنسانة بسيطة ..كل ما في الأمر أنني أقرأ كثيرا في كل شيء ..وشيئا آخر لا أريد ان أبوح لك به ..
جحا : نحن في جلسة مصارحة ومكاشفة .
المنتقبة : أنني سألتُ عنك الكثيرين ، وقرأتُ كل أقوالك وأفعالك قبل أن أقرر مقابلتك .
جحا : ( متعجبا ) كأن تلك المقابلة كانت عن عمد .
المنتقبة : وماذا تظن  غير ذلك ؟!
جحا : والآن ؟
المنتقبة : لا تغضب .
جحا : لن أغضب .
المنتقبة : كنت لا أعيرك اهتماما ،كنت أظنك مجرد مهرج شخص أبله يعمل على إضحاك الناس وتسليتهم .
جحا :   وما زلت عند رأيك ؟
المنتقبة : ( تلمس يده ) ما زلت في حيرة من أمرى .
جحا : لماذا ؟
المنتقبة  : أظن في حاجة إلى وقت لأعيد التفكير .
جحا : ( مندهشا ) التفكير ؟!
المنتقبة : نعم ، فيك أنت وفي كل ما قرأتُه وسمعتُه عنك . 
جحا : وهل ستغيرين رأيك ؟
المنتقبة : أظن ذلك .
جحا : ( أسفا ) لا فائدة من ذلك .
المنتقبة : ( مندهشة ) لماذا ؟
جحا : ( متململا ) لأسباب كثيرة .
المنتقبة  : ( تتهيأ  للانصراف ) ربما أتوصل بنفسي لتلك الأسباب .
جحا : بعد أن أرحل . 
المنتقبة : لن ترحل إلا بعلمي .
جحا : ( مندهشا ) لن أرحل إلا بعلمك ..من أنت وما حقيقتك ؟!
المنتقبة  : ( تلمس نقابها ) في المرة القادمة حينما نتقابل .
جحا : وهل ستقابل مرة أخرى ؟
المنتقبة : صدفة كما تقابلنا اليوم .
جحا : ولكنك قابلتينني عن سابق ترتيب وعن عمد 
المنتقبة  : ( بدلال ) لتكن صدفة عن سابق ترتيب وعن عمد .
رهف : ( تدخل ) من تلك يا جحا ؟
جحا : ( مضطربا ) تلك منتقبة .
رهف : ( محتدة ) لقد رأيتها أسألك من هي ؟
جحا : ( حائرا ) لا أعرف من هي .
رهف : وماذا كانت تريد ؟
جحا : تسالني كما يسألني كل من يقابلني ..
رهف :  ( مقاطعة ) لماذا تريد الرحيل ؟
جحا :  (مندهشا ) كأنك كنت معنا !
رهف : ( مهددة ) لن ترحل إلا وأنا معك .
جحا : ( متعجبا ) هي تقول لن ترحل إلا بعلمي ، وأنت تقولين لن ترحل إلا وأنا معك !
رهف : ( مندهشة ) لن ترحل إلا بعلمها كلامها عجيب ،  وشكلها أعجب ..لا أدري أظن أنني قد رأيتها قبل ذلك .
جحا : ربما فصلت لها  ثيابا ؟
رهف : لا .ثيابها مجلوبة من خارج المملكة ...سوف أتذكر أين رأيتها .
جحا : كيف تتذكرين وهي تخفي وجهها ؟!
رهف : وهل المرأة لا تعرف إلا من وجهها ؟!
جحا : ليست المرأة فقط بكل كل الناس لا يعرفون إلا من وجوههم .
رهف : لا المرأة تعرف من أشياء أخرى غير وجهها .  ..دعنا من هذا الأمر متي سترحل وإلى أين ؟
جحا : ..نحي فكرة أن ترحلي معي من ذهنك .
رهف : ولماذا ؟
جحا : لأنك لن ترحلي معي إلا إذا تزوجتك .
رهف : ولماذا لا تتزوجني .
جحا : أظن أننا تناقشنا في هذا الأمر كثيرا ووصلنا فيه إلا قرار يرضينا نحن الاثنين . 
رهف : هذا قبل أن تقرر الرحيل .
جحا : وما الفرق ؟
رهف : ( تتأمل ملامح وجهه )كان يكفيني أن أراك أو أتحدث معك وتتحدث معي .
جحا : (مبتعدا عنها ) هناك شباب كثيرون في المملكة  يتمنون أن يتزوجوك .
رهف : أنت تعرف الذي يهواه قلبي . 
جحا : أنا لا أصلح لك زوجا .
رهف : تردد كلام أبي .
جحا : أقال لك ذلك ؟
رهف : ومازال يقوله ...ولكن هذا كلام العقل .
جحا : وإن لم نسر وراء كلام العقل فخلف من نسير ؟
رهف : وهل من العقل أن تترك المكان الذي أمضيت عمرك فيه ؟ وتهجر أصدقاءك وأحباءك ، هل من العقل أن تدير ظهرك لماضيك وحاضرك ، وتواجه مستقبلا مجهولا لا تعرف ولا تدري عنه شيئا ؟ و ..
جحا : ( يمسك يدها مقاطعا ) إن كنت تحبينني بصدق ، فساعدينني أن أرحل .
رهف : ( تدمع عينيها ) ستعود ؟
جحا : من يرحل لا يعود . 
رهف : لم أعهدك بتلك القسوة . 
جحا : كل الأدوية مرة المذاق .
رهف : ( تقبض علي يديه ) ليس دواء وإنما سم . 
جحا : ربما يكون من أنجع الأدوية .
رهف : (مندهشة) السم دواء ؟!
جحا : إذا لم نتحمل الدواء فهو سم ...وكل الأدوية أنواع من السموم ..
رهف : نحن في غنى عنها .
جحا :الدواء أم السم ؟
رهف : الاثنين . 
جحا : العليل مضطر .
رهف : وهل أنت عليل ؟
جحا : أنا عليل الأعلاء .
رهف : لأكن دواءك .
جحا : علتي ليس لها دواء سوى الرحيل . 
رهف : لأكن منفاك .
جحا :تطالبنني أن أبدأ معك وقد وصلت للنهاية ،سأكون أنا منفاك وغربتك ..أنت فجر يبزغ نوره في الأفاق ، وأنا غروب يعقبه ظلام يبتلع كل ملامح الوجود هل رأيت فجر وغروب يلتقيان ؟  

إظلام .



                                   الفصل الثالث

  المشهد الأول : 

في قاعة الحكم ، رئيس الشرطة  ووراءه مجموعة من الحرس .
رئيس الشرطة : ( يدور حول جحا رافعا ورقة ) قبل أن تصلني تلك الورقة أم بعد أن وصلتني ؟
جحا : ( مندهشا ) وما شأني بتلك الورقة ؟!
رئيس الشرطة : ( يجلس ) إنها متعلقة بك ويتوقف مصيرك عليها .
جحا : ( يدق على سطح المنضدة ) كلامك كله غير مفهوم ..ماذا تقصد ؟!
رئيس الشرطة :لقد أرسلت لك الحرس لأنني أريد أن أتحدث معك حديث صديق لصديق ، هذا قبل   أن تصلني الورقة .
جحا : ( متطلعا إلى الورقة ) وبعد ان وصلتك .
رئيس الشرطة : ( يبسط الوقة امامه ) إنها من المحتسب  ... أتدري بما يأمرني ؟
جحا : ( مندهشا ) وما أدراني ؟!
رئيس الشرطة : بسجنك .
جحا : ( يلتفت إلى الحراس ) لماذا ؟! أنا لم أقترف ذنبا ! ثم ما التهمة التي يتهمني بها ؟.
رئيس الشرطة : ( يطوي الورقة ) أنك أفسدت حياة الناس .
جحا : ( مندهشا ) أنا لم أفسد حياة الناس ، وإن كنت فعلت فأين الدليل ؟! 
رئيس الشرطة : الدليل إنك قررت الرحيل وأعلنت ذلك على الملأ .
جحا : ( مندهشا ) قررت الرحيل لأنني يئست من إصلاح احوال الناس .
رئيس الشرطة : لم تستطع أن تصلح إذن أفسدت وإلا ما سبب قرارك بالرحيل ؟
جحا : وهل معنى أني عجزت عن إصلاح حياة الناس أنني افسدت ؟
رئيس الشرطة : نعم .
جحا : ( ساخرا ) وإذا قررت أن أبقى ولا أرحل ؟
رئيس الشرطة : ( مفكرا ) هذا إصرار منك على الإفساد كما هو مكتوب هنا .
جحا : ( يدور حول نفسه مندهشا ) إذا رحلت أتهم بأنني أفسدت حياة الناس ، وإذا 
قررت البقاء فهذا إصرار مني على إفساد حياة الناس ؟!
رئيس الشرطة : كما تقول بالضبط .
جحا : أظن أن لا أحدمن الناس قد قال أن أفسدت حياتهم .
رئيس الشرطة : ( مندهشا ) وما شأن الناس بهذا الأمر ؟!
جحا : أليست الحياة التي افسدتها كما تقول هي حياتهم ، 
رئيس الشرطة : ومنذ متى يعرف الناس ما يضرهم وما ينفعهم ؟ 
جحا : ( مندهشا ) ومن الذي يعرف ؟
رئيس الشرطة : نحن من يعرف ، إذن لماذا نحكمهم ؟
جحا : تحكمونهم لتقرروا لهم ما ينفعهم وما يضرهم ..أتلك كل مهمتكم ؟
رئيس الشرطة : لا طبعا لنا مهام كثيرة ولكن تلك من أهم المهام . 
جحا : وسجني سيصلح ما أفسدته ؟  
رئيس الشرطة : لا طبعا .
جحا : إذن ما جدوى سجني ؟!
رئيس الشرطة : لكي تحاكم أمام قاضي القضاة   .
جحا : وهل أفسدت حياة الناس في يوم وليلة ؟
رئيس الشرطة : أظن فعلت هذا طوال عمرك كله .
جحا : ولماذا تركتمونني  طوال تلك المدة أفسد حياة الناس ولم أسجن ؟!
رئيس الشرطة : ( يقف مربتا على كتف جحا ) أوامر المحتسب تلك لا أفقهها ، ومالي غير تنفيذ الأمر 
( يلتفت إلى الحراس ) أيها الحرس ..ضعوا القيود حول يدي جحا وقدميه .
إظلام . 




المشهد الثاني :


( درب سعادة ) مكان متسع تشرف عليه أبواب الحوانيت المنتشرة حول المكان ، وأمامها يعرض البضائع والسلع من حصير وخزف وقناديل وشموع وثياب للرجال وأخرى للنساء وأقمشة وبقاله وعطارة وحبوب ، المكان مزدحم طوال ساعات النهار بالمارة ، فمنه تتفرع طرق إلى عدد من الأسواق حوله ، وإلى الوكالات والمساجد والزوايا ، وعدد من الصبية يلهون والآخر يطلون من داخل الحوانيت يشاركون لهو الصبية بعيونهم ، وتطل على المكان نوافذ ومشربيات البيوت المتداعية وخلفها مآذن المساجد ترمق حركة المكان من أعلى .
المنادي : ( يدخل ينقر علي طبلته ) يا أهل الدرب ..من لديه شكوى أو مظلمه ضد المدعو (جحا)  فليرفعها إلى شيخ القضاة للنظر فيها ، ومن يتباطئ أو يتخلف سيتخذ ضده اجراءات رادعة .
صبي1 : ( يشير لبقية الصبية ) تعالوا لتعرف من الذي سيجرس اليوم .
صبي2 : ( ييتحسس الطبلة ) أين سيجرس جحا ؟
المنادي : ( مهددا ) اذهب بعيدا وإلا ضربتك بالمقرعة .
صبي3 : أعطني المقرعة لأدق على الطبلة .
المنادي : ( يلوح بالمقرعة ) اذهبوا بعيدا أيها الشياطين وإلا حبستكم في حجرة الفئران 
صبي 4 : ( ينقر على قطعة من المعدن مقلدا المنادي ) ياأهل الدرب من لديه شكوى أو مظلمة ضد المدعو (جحا)  ...
صبي1 : ( مقلدا المنادي ) فليرفعها إلى شيخ القضاة ..
صبي2 : ( مقلدا ) ومن يتباطئ ..
صبي3 : ( مقلدا ) أو يتخلف ..
صبي4 :(مقلدا ) سيتخذ ضده ...
صبي1 :( مقلدا ) إجراءات رادعة .
 [ يتجمع حول المنادي عدد من النساء والرجال ]
شافعي الحصري : ( متعجبا ) ولماذا نتقدم بشكوى ضد جحا ؟! 
المنادي : ( يضرب الصبية ) لأنه مسجون الآن وسيحاكم قريبا .
حمزة العسال :(يضرب على يديه ) وماذا فعل جحا لتسجنوه؟ !
شديد القفاص : ( متعجبا ) كان يجلس معي هذا الصباح وساعدني في فتح الحانوت .
الدخخاني : وشربنا القهوة معا في المقهى .
سنية الخاطية :  ( توكزه في جنبه ) لابد أنك أخطأت في الاسم ..جحا من أطيب الرجال في البلد 
فتحية الداية : ( تدفعه من أمامها ) وهل يوجد مثل جحا في البلد كلها ؟
قمرالحمامية : ( تسكب ماءا على المنادي من النافذة ) لا تسمعنا صوتك يا غراب البين أخرج من الدرب .
سعد الكتبي : ( مربتا على كتف المنادي ) وما ذنبه هو ..إنه عبد المأمور ..ولكن أليس من المفروض يا ( طحان ) أن يتقدم الناس أولا بالشكوى ثم تفحص الشكاوي ، وبناء على ذلك يتم القبض على جحا ومحاكمته إذا كان هناك ما يستوجب المحاكمة ؟!
طحان المنادي : كما قلت أنا عبد المأمور ، وجحا ليس على رأسه ريشة فالمئات في السجون .
سنية الخاطبة : ابتلاك الله بما لا تقدر عليه يا غراب البين .
الحصري :نريد أن نعرف ماذا فعل جحا ؟
العسال : الرجل عاش معنا عمره كله ولم يفعل ما يستوجب سجنه .
شديد القفاص : ما من فرد في المملكة إلا ولجحا عليه فضل وإحسان . 
سنيه الخاطبة : إنه زينة رجال المملكة .
الدخاخني : ( مشيرا إلى بهلول ) هاهو عم بهلول قادم نحونا ومعه إبراهيم الفطاطري ..ربما يعرفان  ما لا نعرفه .
بهلول : : ( متعجبا ) لماذا أنتم متجمعون هكذا ؟!
الفطاطري : أحدث مكروه لأحد في الدرب ؟ 
الدخاخني : ( مشيرا إلى طحان المنادي ) لقد قبضوا على جحا ويريدون من الناس تقديم شكاويهم ومظالهم منه ولا ندري ماذا فعل جحا . 
بهلول : لقد حذرته ولكنه لم يصغ إلي . 
الفطاطري : ( متعجبا ) لا حول ولا قوة إلا بالله . أيجبرونه على البقاء ؟
بهلول : حتى لو بقى سيقى في السجن وقد بدأوا يستعدوا الناس عليه .
الفطاطري : وهم في حاجة إلى الناس  ، الآن ستجد مئات الشكاوي والمظالم مكتوبة وجاهزة ضد جحا والشهود موجودون .
بهولول : وهم ليسوا في حاجة إلى الشكاوي او الشهود ، جحا وضع نفسه في مأزق الله أعلم كيف سيخرج منه .
عماشة الحمار : ( مشيرا إلى الفطاطري ) تعال يا فاطاطري اعطيني فطيرة أكاد اموت جوعا 
الفطاطري : ( يربت على كتفه ) لقد سجنوا جحا يا عماشة .
عماشة :  ( محتدا )فليسجنوه أو يطلقوا سراحه، وليرحل أو يبقى ، ماذا فعل لي جحا ؟
الدخاخني :كيف تقول على جحا ذلك وأنت الذي ...
عماشة :( مقاطعا ) ماذا فعل لي جحا ؟ رد لي الحمار اللذي أخذوه منى لأنني لم أقدر على دفع الضرائب 
الحصري : ( متعجبا ) وأنا أسأل نفسي أين ذهب حمارك ؟
شديد القفاص : ومن الذي يحمل الركاب والبضائع ؟
عماشة : ( مشيرا إلى كتفه وظهره ) على هذين .
الحصري : أوتقدر يا رجل على هذا ؟
عماشة : وماذا أفعل غير هذا وإلا اموت جوعا .
شديد القفاص : كان الله في عونك يا عماشة .
عماشة : ( مربتا على يد الفطاطري ) هيا أعطني فطيرة لأسد بها جوعي ولا تحدثني عمن سجنوه أو ..
بهلول : ( مقاطعا ) إنه جحا يا عماشة لم نكن نتوقف عن الحديث والكلام معا ليل نهار ، والوحيد الذي كان يعبر عن كلما نعاني منه .
عماشة :وهذا كل ما اخذناه أقوال وحكاوي . 
شديد القفاص : على رأيك يا عماشة ..أقوال وحكاوي وظل الظالم ظالم والمظلوم مظلوم .
الفطاطري : وما بيد جحا ان يفعله لكم ؟ 
بهلول : وهو لا يملك غير الكلمة   يقولها .
الحصري : ولسنا في حاجة إلى كلام يقال .
الفطاطري : وماذا تحتاجون ؟
بهلول : وحتى لو لم يملك سوى الكلمة يقولها فهذا ليس بالقليل .
عماشة : وماذا تفيدنا الكلمة الآن ؟ 
الدخاخني : الكلمة لن تطعمنا .
شديد القفاص : ولن تدفئنا من برد ولن تظللنا من حر .
الحصري : لقد سئمنا الكلام ومللنا المتكلمين .
بهلول : ( متعجبا ) إذن (جحا ) على حق في كل ما فعله .
الفطاطري : أبعد كل مافعله من أجلكم تتنكرون له ؟!
الحصري : وما بأيدينا أن نفعل له وهو ملقى بالسجن ؟
الدخاخني : أظن لو تكلم أحدنا عنه قد نسجن معه . 
شديد  القفاص : ومن الذي سيستمع إليك ،نحن مجرد خشاش في الأرض . 
بهلول : العجيب أن كل ما حدث وما سيحث لجحا من أجلكم أنتم 
عماشة : نحن خاسرون ومل من يدافع عنا أو يهتم بنا خاسر .
الفطاطري : ( يربت على يده ) معك حق يا عماشة ..هيا لأعد لك فطيرتك فقد تأخرت عليك .
سعد الكتبي : (مشيرا إلى ناحية في الدرب ) من هذا الرجل الذي يقف أمام دكاني ؟ لأذهب إليه لأسأله ماذا يريد .   
الحصري : لعله يريد شراء كتابا أو نسخه . 
سعد الكتبي : (مشيرا إلى الفطاطري ) لتكن فطيرة عماشة على حسابي ..وأرسل لي واحدة بالقشدة مع صبيك حتى أرى ماذا يريد هذا الرجل .
(إظلام) 




المشهد الثالث :  

في (درب سعادة)  أمام دكان سعد الكتبي  ، أرفف خشبيةعلى جانبي الباب من الخارج عليها
 لفائف الأوراق وأدوات الكتابة من أقلام البوص وأدوية الحبر وأكداس من الكتب القديمة 
والجديدة من مختلف الأحجام والأنواع .   
سعد الكتبي : ( يتفقده ) أو تبحث عن شيء يا سيدي ؟
عز الدين : (يتلفت حوله ) نعم ، عن جحا أريد مقابلته قيل لي إنه يقيم هنا في الدرب .
سعد الكتبي : لقد وصلت متأخرا .
عز الدين  : ( مندهشا ) لماذا ؟
سعد الكتبي :  ( مندهشا ) أنت نائب المحتسب ولا تعرف ما حدث له ؟
عز الدين  : لقد طلبت إعفائي من نيابة الحسبة 
سعد الكتبي : لماذا ؟ 
عز الدين  : لأنني لست موافقا على محاكمة جحا وأفكر أن أدافع عنه في ساحة القضاء .
سعد الكتبي : إذن أنت ترى أن جحا بريء و..
عز الدين  :  ( مقاطعا) الأمر أكبر وأخطر  من إدانة جحا أو تبرئته و..
الراوي : ( متدخلا باسطا بعض الوريقات ) لقد حضرت إليك في الصباح ولم أجدك 
                   خذ تلك أخر كلمات جحا قبل أن يرحل .
سعد الكتبي : ( مندهشا ) كيف يرحل وقد قُبض عليه وسجن وفي انتظار محاكمته ؟!
الرواي : لقد حذرته ولكنه لم يصغ إلي . 
عز الدين  : أتعرف جحا ؟
سعد الكتبي : ( مشيرا إليه ) إنه راوي جحا وهذا نائب المحتسب ولكنه   استقال لكي يدافع عن جحا  .
الراوي : ( يصافحه  ضاحكا )إذن جحا هو الذي جمع بيننا ، أنا بصفتي روايه و(سعد) بصفته ناسخ أقواله ، وأنت بصفتك محاميه .
عز الدين : جمع بيننا وهو في الحبس الآن ..الغريب أنني لم افكر أنا أقابله مع 
أنني قرأت وسمعت كثيرا عنه وحينما اردت مقابلته أدخل إلى السجن وبدون محاكمه .
سعد الكتبي : لا ، لقد بدأت محاكمة جحا ؟
عز الدين    : من الذي يحاكمه .
سعد الكتبي : عامة الناس ..هنا في الربع وأظن يجري محاكمته الآن في كل مكان في المملكة . 
الرواي : ( مندهشا ) عامة الناس لقد قضى حياته كلها بينهم ؟! ماذايقولون عنه ؟ 
سعد الكتبي : إنه لم يقدم لهم سوى كلام ، وهذا الكلام لم يفدهم بشيء .
عز الدين  : ( متعجبا ) أتعرفان  ما التهمة الموجه لجحا ؟ 
الراوي والكتبي : ( في صوت واحد ) ماهي ؟
عز الدين  : إفساد حياة الناس .
الراوي : ألأنه يأس من إصلاح حياة الناس يتهمونه بتلك التهمة ؟!
سعد الكتبي : ( مشيرا إلى عز الدين  ) من أجل هذا أنت ...
عز الدين : (مقاطعا ) نعم ، من أجل هذا طلبت إعفائي من العمل  .
سعد الكتبي : عامة الناس يتنكرون له وأن كل ما قدمه لهم كلام لا يغني ولا يسمن من جوع ، والسلطة في المملكة تتهمه بإفساد حياة الناس .
عز الدين  : إذن جحا في مأزق خطير .
الراوي : تقصد وُضع في مأزق خطير . وكل هذا حينما أعلن عن نيته للرحيل عن البلد .كنت أتوقع أن يحدث مثل هذا ولكن ليس بتلك الضراوة . 
سعد الكتبي : أين الحقيقة في كل هذا ؟ّ
عز الدين  : الحقيقة نعرفها حينما نعرف الدور الحقيقي الذي كان يقوم به جحا .
سعد الكتبي : ( متعجبا ) أكان جحا يقوم بدور ؟!
عز الدين  : ومن أخطر وأهم الأدوار ، وإلا لما حدث ما حدث حينما أعلن عن نيته للرحيل ..
سعد الكتبي : هم يريدون منه أن يؤدي هذا الدور أم لا ؟ فإذا كانوا يريدون أن يقوم بالدور فلماذا سجنوه ؟ وإن لم يريدوا أن يؤديه لماذا منعوه من الرحيل ؟ 
عز الدين  : نحن للآن لم نصل إلى حقيقة الدور الذي كان يقوم به جحا ؟ 
الرواي : (مفكرا ) يخيل لي أن جحا أوجد نوعا من التصالح بين المتناقضات في المجتمع والتي من شأنها أن تحدث صراعا بين فئات الناس 
سيد الكتبي : ماذا تقصد بذلك ؟
عز الدين  : تقصد تصالحا بين الظالم والمظلوم وبين الغني والفقير بين المصلح والمفسد و...
الراوي : ( مقاطعا ) أو كان ينشر حالة من التسامح والرضا بكل ما في الحياة من تناقضات .
عز الدين : وكيف تسنى له ذلك .
الراوي : جحا طوال عمره يبحث عن نواحي النقص والإعوجاج والفساد في المجتمع ويعريها ويكشفها للناس ليس هذا فقط ولكن كان يسخر منها ، كان يفعل ذلك ظننا منه أن الناس سيغيرون هذا الواقع الفاسد .ولكن للأسف الناس لم يكونوا عند حسن ظن جحا .
عز الدين  : لماذا ؟
الراوي :كما اعتمدوا على جحا في كشف نواحي النقص ومظاهر الفساد وسخر سخرية مريرة من المفسدين خلص نفوسهم من النقمة والغضب ، أو أراحهم من الإحساس بأن هناك رغبة جارفة في التغيوالإصلاح جحا فعل بالناس كما تفعل الأم بطفلها المشاغب ظلت تهدهده حتى تنيمه ويكف عن مطالبه .  
سعد الكتبي : إذن جحا فعل ما يفعل المخدر للإنسان .
عز الدين  : ( متحمسا ) إذن بهذا يكون جحا قد أفسد بحق حياة الناس . 
الراوي : وحينما أدرك جحا هذا الأمر قرر الرحيل . 
سعد الكتبي : ليس جحا فقط الذي أدرك هذا  والناس أيضا ومن أجل هذا بدأوا ينتقدونه .
عز الدين : وأصحاب السلطة والنفوذ في المجتمع أيضا . 
الراوي : نعم ، ولكن كل واحدمن هؤلاء كان له نظرة للدور الذي يقوم به جحا .حتى جحا نفسه .
سعد الكتبي : كيف ذلك ؟ 
الراوي : كان الناس يرون في جحا أنه يشاركهم همومهم وأحزانهم وأنه يواسيهم ويضمد جراحهم بما يضعه من مراهم السخرية والتكيت ، وأصحاب السلطة والنفوذ كانوا يرون في جحا أنه يحافظ على استقرار المجتمع وهدوئه مما يثير الغضب بسبب الفساد والإعوجاج ، وكان جحا سعيدا برضا هؤلاء وهؤلاء  .
عز الدين  : وما الذي غير من هذا الأمر طالما الجميع راضون .
الراوي : في لحظة كاشفة أدرك جحا حقيقة دوره وإن لم يكن ضمن منظومة الفساد إلا أنه كان من العناصر التي ساعدت في تأجيل المواجهة مع الفساد والمفسدين 
عز الدين :ولكن لماذا يريدون سجنه و ..
الرواي : جحا لا يعينهم في شيء ، أهم شيء لديهم هو الدور الذي كان يؤديه جحا . 
سعد الكتبي : وكيف يؤدي جحا دوره وهو مسجون .
الرواي : ( يرفع الأوراق بيده ) ما انتشر بين الناس من أقوال جحا وموقفه وما سجلته وكتبته وما لدى الناس من قصص وحكاوي عن جحا هذا هو دوره . 
عز الدين  : ولما ذا يريدون سجنه ؟
الراوي : كي لا يبطل ويفسد هذا الدور وتأثيره في الناس ، لأن معنى رحيلة هو تنصله من الدور الذي كان يقوم به ، أو هو اعتذار علني للذين خدعهم وغرر بهم . 
عز الدين  : أي لم يعد هناك تصالح بين المتناقضات ، ولن يشعر الناس بالرضا ولن يكونوا متسامحين وسيسعون إلى التغيير ، بعدما يتصاعد الغضب ولا يجدوا متنفسا أو تحويلا لمسار الغضب في شكل السخرية والتكيت والاستهزاء .
سعد الكتبي : وهوما كان يقوم به جحا . 
عز الدين : إذن جحا برئ من تهمة إفساد حياة الناس 
الراوي : جحا يحاول أن يصلح ما أفسده . أو ما اشتركنا كلنا فيه.  
سعد الكتبي : ( متعجبا) ماذا تقصد من كلمة كلنا ؟!
الراوي : ( مشيرا إليه ) أنا وأنت ولك من في المملكة مشتركون فيما فعله جحا ، بل نحن المرضون والمشجعون لذلك .
سعد الكتبي :  كيف ذلك ؟!
الرواي : أنا بروايتي كل ما يقوله وكل ما يفعله ، وأنت بالنسخ والكتابة والنشر بين الناس ،والناس لأنهم بحثوا وتمسكوا عمن يرضيهم ويريحهم بل ويضحكهم ويدخل السرور عليهم غافلين عن حقيقة واقعهم المر ، والمفسدون حافظوا على بقائه واستمراره لأنه يجملهم ويزينهم ، حتى ولو سخر منهم واستهزأ بهم ، فهو لم يظهر الوجه البشع لهم .بل أظهرهم بصورة ظريفة لم تغضبهم ولم تجعلهم يفكرون في إيقافه .
عز الدين  : وأنتما لماذا لم تنبهوه إلى خطورة ما يقوم به ؟ 
الرواي : وهل كنا ندرك خطورة هذا الدور ..هو نفسه لم لم يدركه إلا مؤخرا حينما أراد أن يرحل أو يوقف ما كان يقوم به وكما ترى قامت الدنيا عليه .
سعد الكتبي : المهم  ما مصير جحا الآن ...هل سنقف مكتوفي اليدين ؟
الرواي : ( مشيرا إلى عز الدين  ) أظن الذي يجيب على هذا محاميه .
عز الدين : ( مفكرا ) هناك تصميم غريب من النيل من جحا .
الرواي : ومن خلف هذا ؟
عز الدين  : من الجميع ..من أكبر مسؤول في المملكة إلى أصغر موظف .
سعد الكتبي : وبدأ عامة الناس ينقلبون علي جحا كما سمعت بأذني .
الرواي : أنت تعلم عقلية الناس جحا الآن مقبوض عليه وسيحاكم وأظن ليس بأيديهم فعل شيء .
عز الدين  : ( متحمسا ) ولكنا بأيدينا أن نفعل شيئا لجحا ..أنا سأدافع عنه ضد التهم التي يرمونه بها . 
سعد الكتبي : ونحن ماذا سيكون دورنا ؟
الرواي  : ( مفكرا )  ما بأيدينا أن نفعله  ؟ليس امامنا سوى الناىس ..ولكن ماذا سنقول لهم ؟هل سأعيد رواية أقواله ومواقفه ؟ ربما هذا لا يرضيه ، لقد طلب مني في آخر مقابلة معه  أن أحرق كل تاريخه الذي رويته .
سعد الرواي : معنى هذا أن كل ما كتبته أنا أيضا أن أمزقه .
عز الدين : أظن كل ما تقولانه لن يفيد جحا . 
الاثنان : (في صوت واحد ) وما الذي يفيده ؟
عز الدين  : جحا أحب الناس وفعل كل ما فعله من اجلهم ، والناس هم أيضا رعم كل شيء أحبوه ..
الراوي : ثم ماذا بعد ؟
عز الدين : هم بدأو في شن حملة من عامة الناس لتشويه جحا ودفع الناس للهجوم عليه 
  وبذلك يجدون المبرر  للحكم عليه .
الرواي : أنت لم تذكر ما هو دورنا ؟
عز الدين  :أنا سأدافع عن جحا في ساحة المحكمة امام القضاة ودفاعي لا شك سيحرجهم 
أما انتما قستقومان بالدفاع عنه في كل مكان في المملكة لتبقى صورته كما كانت . 
الرواي : ولكن نحن نفعل كل هذا في غياب جحا ..ربما يكون له رأي آخر .
عز الدين :معك حق ..وهذا يحتم عليكما أن تقابلاه .
سعد الكتبي : كيف ذلك وهو مسجون ..حتى لو قابلناه فلن يسمحا لنا أن نتحدث معه بحرية 
عز الدين  : أنا سيسمح لي بمقابلته بحكم الدفاع عنه ،ولدي فكرة سأعرضها عليه ربما تخرجه من التهمة كالشعرة من العجين . 
سعد الكتبي : ما هي تلك الفكرة ؟
عز الدين  : ( مشيرا إلى رأسه ) مازالت تختمر في رأسي ..ولكن ستأتون معي وتدخلان إليه بأ ي صفة ؟  
الرواي : ( مفكرا ) أنا سأحضر معك بصفتي حامل أوراقك .
سعد الكتبي : ( مفكرا ) وأنا بصفتي خادمك . 
عز الدين  : ( متهيا للإنصراف ) أعدا أنفسكما لنذهب إليه في الغد .

(إظلام)   

 
المشهد الرابع :

  خلف القضبان الحديدية  يجلس جحا مطرقا ،يفتح الباب وتدخل امرأتان
جحا : ( مندهشا ) رهف والمنتقبة !!ما الذي جمع بينكما ؟! ثم كيف دخلتما إلى هنا ؟!
رهف : ( تربت على أصابعه من فوق القضبان ) لو عرفت من هي ما تعجبت من دخولنا .
جحا : ( مندهشا )  من تكون ؟!  
رهف : ( تتلفت نحو الباب ) إنها ابنة رئيس الشرطة . 
جحا :الآن عرفت سبب السماح لكما بزيارتي ، ولكن ما الذي جمع بين ابنة بهلول الحائك وابنة  رئيس الشرطة ؟!
رهف :(تحتضن ميساء ) إنها من أعز صديقاتي ، وإن كنا فيما سبق أعداء .
جحا : وما سبب هذا التحول ؟ 
رهف : ( تجذب النقاب من فوق وجه ميساء ) إنها شخصية عظيمة لم أقابل مثلها ، لا داعي يا ميساء لأخفاء وجهك عن جحا الآن .
جحا : ( مذهولا ) أأنت بهذا الجمال وتخفين وجهك ؟!
ميساء : ( ضاحكة ) أتغازلني يا جحا أمام رهف ؟  
رهف : ( تربت على يد ميساء ) جحا رجل يقدر الجمال ، وأنت حقيقة جميلة .
ميساء : ألا تغارين على جحا ؟ !
رهف : ( تمسك بيد ميساء ) لو غرت من جميع النساء فلن أغير منك ، أنا لم أتحدث عن حقيقة ما بيني وبين جحا إلا لك لأني عرفت كم أنت نبيلة وراقية ، وزاد حبي وتقدير يلك حينما عرضت علي خطة تهرييب جحا من السجن  و ...
جحا : ( مقاطعا ) مهلا مهلا ..ما هذاالذي أسمعه ؟! من يهرب من ؟
ميساء : غدا فجرا سيقوم مجموعة من الرجال بتهريبك .
رهف : لقد أعدت ميساء كل شيء .وما جئنا الآن إلا لنخبرك بذلك 
ميساء : وهؤلاء الرجال سيخرجونك خارج المملكة كي لا يصل إليك أحد .
رهف : وأنا جهزت نفسي لأهرب معك . 
جحا : ( محتدا ) ومن قال لكما أنني أريد الهروب ؟!
رهف : ( مندهشة )  ألم تكن تريد الرحيل وأبلغت الجميع بذلك ؟!
جحا : نعم ، الرحيل وليس الهروب .
ميساء : وما الفرق ؟ 
رهف : أنا لا أري أي فرق .
ميساء : المهم أن تخرج من السجن وتغادر المملكة .
جحا : أنتما لا تريان فرقا ، ولكن عندي الأمران مختلفان .
رهف : كيف ؟
جحا : حينما أعلنت الرحيل فهذا موقف أتخذته ، نوع من الاعتراف ..نوع من الثورة والتمرد .
ميساء : على من ؟
جحا : ( يدق على القضبان ) على نفسي ، على تاريخي ، على كل كلمة قلتها وعلى كل موقف أتخذته ، و..
ميساء : ( مقاطعة ) لم يعد الأمر متعلقا بما تريد أنت وإنما بما يريدون ؟
جحا : ( مندهشا ) وماذا يريدون ؟
رهف : إنهم يتهمونك بتهمة لا تتخيلها .
جحا : ( مندهشا ) أنا متهم ؟! وما الذنب الذي اقترفته ؟ّ
ميساء : أنك من  أفسدت حياة الناس . 
جحا : ( ضاحكا في هستيريا ويدور حول نفسه ) أنا من أفسدت حياة الناس ؟! والناس فسدت حياتهم بسببي ؟!
رهف : ألم أخبرك أنك يجب أن تهرب وعلى وجه السرعة .
ميساء : لن يشرق صباح الغد إلا وأنت خارج المملكة .
جحا : ( مصمما ) لن أهرب .
ميساء : لن يتركوك ترحل .
جحا : ( محدقا في عينيها ) لماذا تريديني أن أهرب ؟ ولماذا سعيت إلى لتقابلني وأنت متخفية وراء نقاب ، ولماذا وثقت علاقتك مع رهف ؟ ولماذا أتيت بها إلى هنا ؟
ميساء ( متوترة ) ماذا تقصد ؟ 
جحا : وهل صدفة بعد كل هذا أن تكوني ابنة رئيس الشرطة ؟
رهف : ( متعجبة ) أتشك في صديقتي ميساء بعد كل ما فعلته من أجلك ؟
جحا : أنا أتسآل ما الدافع لأن تفعل كل هذا ؟ وكل ما بيننا مجردمقابلة استمرت دقائق ؟
ميساء : ( أسفة ) معك حق ..أنا الملومة في ذلك ...اعتبرني واحدة من اللائي أعجبن بشخصيتك ليس أكثر.
رهف : ( تربت على يد ميساء ) لم أعهد فيك تلك القسوة  يا جحا ..إن ميساء تقدرك وطوال الطريق تحدثني عنك وعن مواقفك و 
ميساء : ( تكفكف دموعها متجهة نحو الباب ) هيا يا رهف لقد تأخر بنا الوقت .
رهف : (  معاتبة ) لقد أبكيتها يا جحا .
جحا : أعتذري لها إن كنت قد أسأت إليها وأخبريها أنني لن اهرب والسجن خير لي من الهروب .
رهف : ( تلمس يده من خلف القضبان ) الله معك يا حبيب قلبي . 
جحا : ( يربت على يدها ) لا تبكي ، فلن أتحمل رؤية امرأتين تبكيان من اجلي ..صحبتك السلامة . 
السجان : ( يدخل  يتشمم الهواء ) لم أصادف مسجونا مثلك يا جحا ، أمور تحدث منذ أن حضرت تدعو للعجب .!
جحا : ( ساخرا ) وما الذي يثير عجبك أيها السجان ؟ 
السجان : ( يدور حول نفسه ) أعداد لا حصر من كل الأعمار ..نساء ورجال وصبية كلها تريد زيارتك والسؤال عنك ، والبعض يرسل لك أطعمه وهدايا ..أصبح السجن كمزارعام يؤمه كل يوم أعداد غفيره ..وهناك أمر آخر يحيرني 
جحا : ما هذا الأمر يا عزيزي السجان ؟
السجان : طالما كل الناس يحيونك هكذا فلم سجنوك ؟
جحا : ( ساخرا ) لأن هذا يخالف القانون .
السجان : ( متعجبا ) حب الناس يخالف القانون ؟!
جحا : ( ضاحكا ) نعم ، لقد وضعوا قانونا إذا أحب الناس شخصا  وتجاوز عددهم حدا معينا يسجن هذا الشخص ؟
السجان : ( متبالها ) وماذا ذنب هذا الشخص ؟ ولماذا يعاقبونه ؟ 
جحا : لا، هم لا يعاقبون الشخص المحبوب ، ولكن يعاقبون الناس ؟ 
السجان : ( يضع يده على رأسه ) ولماذا يعاقبون الناس ؟
جحا : لأنهم أحبوا هذا الشخص .
السجان : أنت تسخر مني كعادتك يا جحا .
جحا : ولماذا أسخر منك ؟
السجان : لأنني لا أفهم شيئا في القانون .
جحا : ومع ذلك أنت من تنفذ القانون .
السجان : وهل هناك قانون للكراهية ؟
جحا : ماذا تقصد ؟
السجان : لو كره الناس شخصا هل يسجنون هذا الشخص ؟
جحا : لا ، في هذه الحالة يسجنون الناس . 
السجان : ( متململا ) لقد نصحني الرفاق ألا أتحدث معك .
جحا : ولماذا تحدثت معي ولم تعمل بنصيحتهم ؟
السجان : ( يتجه نحو الباب ) لا أدري ..المهم هناك من ينتظر لمقابلتك .
جحا : من ؟
السجان : ( متطلعا نحو الباب ) هاهم قد وصلوا ..ادخلوا ولا تطيلوا المكوث ، الوقت   المسموح به ضيق للغاية . 
جحا : (  يدق على القضبان متعجبا ) بتلك السرعة ؟! لقد أخبرتهما أنني لن أهرب ...لن أهرب .
الرواي : ( متعجبا ) ومن قال لك أنك ستهرب يا جحا ؟!
سعد الكتبي : ألا تعرفنا يا جحا ؟!
جحا : ( متعجبا ) من ؟! سعد الكتبي والراوي ومن هذا الذي معكما ؟ !
الراوي : إنه نائب المحتسب : عز الدين الروماني ...و من سيتولى الدفاع عنك .
جحا : ( مندهشا ) نائب المحتسب  ويدافع عني  ..كيف هذا ؟!
سعد الكتبي : كان نائب المحتسب ، ولكنه استقال وقرر الدفاع عنك  .
جحا : ( مصافحا من وراء القضبان ) وما سر هذا التحول ؟ 
عز الدين : تقدير لشخصك وإيمانا ببراءتك .
جحا : أظن  قضيتك خاسرة ، فانت تعرف كيف يفصلون القانون وفق هواهم ؟  
عز الدين : لن نسير في المسار الذي يظنونه ..ولن نناقش الاتهامات ولكن سنبطل كل دعاويهم .
جحا : كيف ؟
عز الدين : أمرا لم يكونوا يتوقعونه .
جحا : ما هو ؟
عز الدين : ستنكر إعلانك الرحيل  .
جحا : كيف وقد عرفت المملكة كلها بنيتي على الرحيل ؟
سعد الكتبي : اعتبره خبرا كاذبا .
الرواي : إشاعة مغرضة .
سعد الكتبي : دعابة منك وما أكثر دعاباتك . 
جحا : ولكنه ليس خبرا كاذبا ولا إشاعة مغرضة ولا دعابة . 
عز الدين :إذن ماذا تعتبره ؟
جحا : موقف ..أختم  به تاريخي .
عز الدين : تختم به تاريخك او تمحو تاريخك ؟ 
جحا : تاريخي ليس بالسئ إلى درجة أني أفكر في محوه . 
عز الدين : وما فعلته طوال عمرك  ؟
جحا : محاولة إنسانية مخلصة ربما يكون جانبها الصواب 
عز الدين : هل أخطأت ؟
جحا : لم أكن موفقا بالقدر الكافي .
عز الدين : هل أنت نادم ؟
جحا : لا .
عز الدين : لماذا ؟ 
جحا : لأن ما حدث ما كان يمكن تغييره، كان لابد لجحا أن يظهر في هذا الزمان وهذا المكان وسط هؤلاء البشر بملامحه الخلقية والخلقية ويسير سيرته المعروفة ويتعامل معهم بطريقته ويتعاملون معه بطريقتهم ، أمور كثيرة تشكل ما نعتبره قدرا الذي لا نملك تغييره وإن كنا نحن من ساهم في تقديره . 
عز الدين : ورحيلك ؟ 
جحا : محاولة للتغيير .
عز الدين : تعيير من ؟
جحا : الكون ..الناس ..الآفكار ..المشاعر الحياة ...كل شيء  كل شيء . 
عز الدين : وهل رحيلك سيغير كل هؤلاء ؟
جحا : لا شك في هذا..وهذا هو السبب في منعي من الرحيل . 
عز الدين : لتبق وغير ما تريد تغييره . 
جحا : وجودي يعارض ويقوض رغبتي في التغيير ، لكي أغير حياة الناس لابد أن أرحل . 
عز الدين : وهل تعبر رحيلك قدرا ؟ 
جحا : ما نلمك تغييره فهوليس قدرا ، وما لا نملك تغييره فهو قدر . 
السجان : ( يدخل ) الزيارة انتهت يا سادة  .
سعد الكتبي : لقد بددتما وقت الزيارة ولم نتفق على شيء وسمعت أن المحاكمة بعد غد .
الرواي : وما تظنان بما سيحكمان على جحا ؟ 
السجان : ( يحرك مجموعة مفاتيح في يده ) رفقائي يقولون سيحكمون عليه بقطع عنقه أو قطع لسانه .
الجميع  : ( في صوت واحد ) قطع عنقه أو لسانه ؟!
جحا  :( ساخرا ) ألم يخبرك رفقاؤك بالجريمة التي ارتكبتها ليقطعوا عنقي أو لساني ؟ 
السجان  : ( يدق بالمفاتيح على القضبان ) ألم تقتل زوجتك لأنها خانتك مع عشيقها ؟
جحا : إذن أنا تزوجت وزوجتي خانتني وقتلتها ؟!
الرواي : ( مندهشا ) ولكن جحا لم يتزوج للآن ؟ 
السجان : ( متبالها ) وكيف قتل زوجته وهو لم يتزوج ؟
سعد الكتبي : ألا ترى الأمر غريبا ؟
السجان : إذن من تكون تلك التي قتلها جحا ؟ 
الراوي :  المهم لديك أن يكون جحا قاتلا .
السجان : إذن علام سيحاكمونه و..
عز الدين : ( مقاطعا )  الآن فقط برقت على ذهني فكرة .
جحا : أي فكرة تقصد ؟
عز الدين :  ( مشيرا إلى الكتبي والراوي ) أريد أكبر عدد من الناس في المملكة يحضرون تلك المحاكمة وإذا تمكنتم أن يحضر جميع من في المملكة يكون أفضل .
الرواي : وكيف نفعل ذلك ؟
سعد الكتبي : وهل الناس سيتركون أعمالهم لحضور محاكمة ؟
عز الدين : ( يربت على يد السجان ) ستنشرون كلام أخينا السجان .
الرواي : ( متعجبا ) أي كلام تقصد ؟!
عز الدين : قطع عنق جحا ولسانه و..
السجان : ( غاضبا ) أنا قلت قطع عنقه أو لسانه .
سعد الكتبي : وهذا الذي أغضبك ؟!
السجان :( محتدا )  نعم  لا تقول كلاما لم أقله .
جحا : ما الذي ترمي إليه ؟
عز الدين : خبر كهذا سيثير الناس ولا شك سيحرصون على حضور المحاكمة بأعداد      كبيرة جدا نظرا لشهرة جحا ولغرابة التهمة والأشد غرابة الحكم .
جحا : ولكن انت تعرف وغيرك أن التهمة غير حقيقية وعلى هذا الحكم لا أساس له 
الرواي : على رأيك وسيعرف الناس كذب وزيف تلك الاشاعات من أو لحظات المحاكمة .
عز الدين : ليس هذا مهما ، المهم أن يحضر الناس بأعداد كبيرة وقبل ميعاد المحاكمة بوقت طويل .
سعد الكتبي : فرضنا أننا نقدر على حشد أعداد كبيرة لحضور المحاكمة من خلال اختلاق تهمة وحكم يترتب على التهمة .
الراوي :  فكيف نجعلهم يحضرون قبل المحاكمة بوقت طويل ؟!
عز الدين : ( مفكرا ) سنختلق خبرا ثالثا أيضا .
جحا : ( محتدا ) ما كل هنذه الأخبار الكاذبة التي تريد نشرها بين الناس ؟! ما الذي تريده بالضبط ؟!
الرواي : ( يربت على يد جحا ) اهدأ حتى نعرف ما يقصده .
سعد الكتبي : ما الخير الذي تريد نشره حتى يحضر الناس قبل المحاكمة قوت طويل .
عز الدين : ( متحمسا ) أنهم سيحاكمون جحا بعد الفجر .
الجميع : ( في صوت واحد ) بعد الفجر ؟!
السجان : ( متبالها ) هم لا يحاكمون بعد الفجر ولكن يعدمون بعد الفجر .
الرواي : ( مندهشا ) أمازلت واقفا هنا وسمعت ما نقوله ؟!
السجان : أنا لا أفهم مما تقولونه شيئا ..المهم أن تغادروا المكان فالزيارة انتهت .
سعد الكتبي : وحينما نخبر الناس أن المحاكمة بعد الفجر  ما أثر ذلك عليهم ؟
عز الدين : سيظنون أنهم غير مرغوب فيهم لحضور المحاكمة ، لذلك سيصرون على حضورها 
سعد الكتبي : معك حق ، قد يدفعهم هذا للمبيت أمام المحكمة .
جحا : ( نافد الصبر ) بعد كل هذا ما الذي تقصده  ؟!  
عز الدين :  ( متحيرا ) حقيقة لا أدري كل ما ...
سعد الكتبي : ( غاضبا ) بعد كل ما تطلبه تقول لنا لا أدري ؟!
الرواي : ( مشيرا إلى رأسه ) هل أصاب عقلك عطب أم ماذا ؟
جحا : ( مهدئا ) مهلا على عز الدين ...أنا أشعر أن عز الدين يريد تحقيق شيء وإن كان هذا الشيء في مرحلة التكوين .
عز الدين : ( يمسك يديه من خلال القضبان ) بالضبط يا جحا ..انا أريد حضور كل الناس بأكبر عدد ، الناس هم الذين سيعدولون كفة الميزان ، أنت عشت بين الناس وحملت همومهم ومشاكلهم وكنت لسانهم وارتبطت بهم وارتبطوا بك و ..
سعد الكتبي : وما يملك الناس أن يقدموه لجحا الآن ؟
الراوي : ولا تنس أنهم سبب ما يعاني منه جحا الآن .
جحا : لا ،عز الدين معه حق ، أنا لا أتفق معه أن وجودهم سيعدل الميزان ، ولكن مجرد وجودهم سيكشف الحقيقة التي لم أستطع الوصول إليها ، ويعرقل مساعي الذين يريدون طمسها و ..
السجان : ( مقاطعا في حدة ) ما رأيكم أن أدخلكم القفص وتبقوا مع جحا حتى يحين موعد المحاكمة ؟ 
سعد الكتبي : أانت مازلت هنا ..ظننت أنك انصرفت ؟!
الرواي : ( يشير لهما بالانصراف ) هيا وإلا ينفذ تهيدده ويضعنا في القفص مع جحا .

إظلام . 
   
    

المشهد الخامس :

قاعة المحكمة ، منصة شاغرة تتصدر المسرح ،على يمينها منضدة المدعي وعلى يسارها منضدة المحامي ، وأمام منصة القاضي مقعد للمدعي عليه ، وفي جانب يجلس الشهود وفي الجانب الأخر يجلس أعداد غفيرة من الحضور وعلى باب من أبواب القاعة يقف الحارس محاولا منع الناس من الدخول لإمتلاء القاعة . 
سعد الكتبي : ( مشيرا إلى أعداد الحاضرين ) لم أكن اتخيل كل تلك الأعداد تحضر المحاكمة ، إن درب ساعدة وكل الحواري والدروب حضروا منذ الصباح الباكر .
الراوي :إن الشوارع والميادين المؤدية إلى قاعة المحكمة غاصة بالبشر منذ الفجر . 
بهلول : لقد قضيت الليل أمام باب المحكمة رغبة في مقابلة جحا ولكن للأسف لم أقابله .
الفطاطري : أما انا فقد قضيت الليل لصنع فطائر لأهل الدرب ولجحا إلا أن رجال العسس لم يتركوا لنا إلا القليل . 
بهلول : ( يقترب من رهف ) أما كان الأفضل ان تبقي في البيت وكنت سأخبرك بكل شيء .
رهف : لابد أن أكون بجوار جحا في محنته تلك .
بهلول : ( مشيرا إلى ميساء ) ومن تلك المتتقبة التي كانت جالسة بجوارك ؟
رهف : ( تسر إليه ) إنها ابنة رئيس الشرطة .
بهول : ( مفزوعا ) كيف هذا ؟! ألم تتشاجرا من قبل ؟!
رهف : لقد صرنا صديقتين . 
بهلول : ولماذا حضرت ؟!
رهف : صديقة مخلصة لجحا .
بهول : ( محدقا في عينيها ) صديقة ومخلصة لجحا ؟
رهف : ( تربت على يديه ) وتعرف ما بيني وبين جحا .
بهول : ( متكلفا الحزم ) وما الذي بينك وبين جحا يا ابنة بهلول ؟! ستظلين متعلقة بالحبال المهترئة حتى .
رهف : ( مقاطعة ) ألا ترى أن جحا في حاجة إلى كل أصدقائه ومحبيه ( تلتفت إلى ميساء ) أليس كذلك يا ميساء ؟
ميساء : ( تتلفت حولها ) كان جحا في غنى عن كل هذا لو سمع كلامي وقبل بفكرة تهريبه .
رهف : أخشى أن تكوني غاضبة من رده عليك .
ميساء : الغريب أنني كنت متوقعه رفضه لعرضي بتهريبه .
رهف  : لقد فكرت فيما قاله جحا ..ودعيني أسأل نفس السؤال ما سبب اهتمامك بجحا ؟
ميساء : أتصدقينني أنني سألت نفسي هذا السؤال ، ولكن لم أجد له إجابة ؟
رهف : ( متخابثة ) أيمكن أن تكوني قد وقعت في حب جحا بدون أن تدري .
ميساء : ( مفكرة ) جحا أكبر من أن تختزلي علاقتك به بالحب او الكراهية ..جحا شخصية في حاجة إلى مشاعر وفكر من نوع خاص .
رهف : ( متحيرة ) لا أفهم ما تقصدينه ؟! 
ميساء : ( تسوى النقاب على وجهها ) أقصد جحا ليس رجلا عاديا من لحم ودم وإنما أفكار وقيم ومبادئ ، تشعري أنه يحمل مهمة ويفكر كما يفكر الأنبياء ، ولكن للأسف ..
رهف : ( تقاطعها  مشيرة إلى بهلول ) تتحدثين عن جحا كما يتحدث أبي عنه .  
بهول : ( مشيرا إلى أهل درب سعادة ) جميع أهل الدرب رجال ونساء وأطفال إني أغبط جحا على كل هذا الحب من الناس له .
سعد الكتبي : ( قلقا ) لماذا لم يحضر عز الدين للأن ؟!
[ يسمع ضوضاء وأعداد كبيرة تقتحم القاعة من الباب المخصص للجمهور  ويسمع اسم جحا يتردد على الألسنة ، ويدخل مجموعة من الحرس وسطهم جحا ، ويجلسوه في الوسط أمام منصة القاضي ، تتقدم ميساء ورهف منه ، يمنعهما الحارس ، يتقدم منه رجل يسر في أذنه ، ينحني الحارس ويبتعد قليلا عن جحا ]
رهف : ( تقترب من جحا  محدقة في وجهه ) لقد تغيرت ملامحك كثيرا يا حبيبي .
جحا : ليس هذا المكان المناسب لمثل هذا الكلام .
ميساء : أمازلت مصرا على رأيك ؟
جحا : ( مشيرا إلى الحراس ) أنت تعرفين رأيي .
ميساء : ( تخفض من صوتها ) ما زلت عند وعدي لك رغم ما تراه من حرس حولك ، الرجال داخل وخارج القاعة وبإمكانهم تهريبك والآن .
جحا : لا تتعجلي الأمور ، هم يريدون تهريبي ولكن بصورة غير التي تريدينها 
ميساء : ( متعجبة ) تهريبك ؟!
جحا : نعم ، كل ما يفعلونه ليهربوني من الناس  أو يهربون الناس منى .
الحاجب  : ( يدق على سطح المنصة دقات متتالية ) السيد المبجل رفيع المقام قاضي القضاة .
سعد الكتبي : ( يتطلع إلى الباب مضطربا) ما الذي آخر عز الدين ؟
الرواي : أخشى ألا يحضر المحاكمة .
بهلول : ( قلقا ) ومن الذي سيدافع عنه ؟
الفطاطري : هو يدافع عن نفسه .
أهل درب سعادة : ( في صوت واحد ) نحن من سيدافع عنه . 
سعد الكتبي : لا تصلحون للدفاع عنه يا  أهل درب سعادة .
سنيه الخاطبة : ( ساخرة ) ولماذا لا ندافع عنه ؟
فتحية الداية : ألا نستطيع أن نتكلم كما يتكلم الرجال.
مريم الحمامية : أم ظننتم ان القطط اكلت ألسنتنا ؟!
الدخاخني : نحن أجدر من يدافع عن جحا . 
شافعي الحصري : لقد قضى عمره كله بيننا ولا أحد يعرفه كما نعرفه .
القاضي : ( يدخل من باب خلف المنصة ، يسود الصمت والسكون القاعة ) هل الجميع موجودون ؟
الحاجب : المدعي موجود  ؟
المدعي : ( واقفا ) نعم ، موجود يا سيدي القاضي .
الحاجب : المدعي عليه موجود ؟
جحا : ( واقفا ) نعم ، موجود يا سيدي القاضي .
الحجاب : المدافع عن المدعي عليه موجود ؟ 
الحارس : ( يغلق باب القاعة بعنف ) لا أحد يدخل القاعة بعد حضرة القاضي  اذهب إلى حال سبيلك أيها الرجل
القاضي : ( متطلعا إلى الباب متعجبا ) من هذا الأحمق الذي يريد دخول القاعة بعد دخولي ؟!
الحارس : ( مضطربا ) يقول أنه من سيدافع عن جحا .
القاضي : دعه يدخل أيها الحارس .
عز الدين : (متوترا) معذرة سيدي القاضي و..
القاضي : ( مقاطعا ) الأوراق التي امامي تقول انك سبق لك وعملت بالقضاء أي أنك تعرف القانون ومع ذلك جئت متأخرا ؟
عز الدين : ( يتقدم نحو القاضي ) الحرس يا سيدي القاضي يمنعون الناس من .. 
القاضي : ( مقاطعا ) فليتفضل الإدعاء ولتكن موجزا في عرضك
المدعي : ( يقترب من جحا مشيرا إليه )  هذا المدعو جحا قام بنشر الفساد والكذب والخداع والتضليل بين الناس مستخدما أسلوب السخرية والاستهزاء من الجميع ، لم ينج أميرا ولا فقيرا قويا أو ضعيفا صغيرا أو كبيرا رجلا أو امرأة من سلاطة لسانة ، واستخف بقيم المملكة وأدابها وتقاليدها ، وجرأ عامة الناس والغوغاء على الأسياد والأمراء ، بل أنه استعدى الفقير على الغنى والضعيف على القوي والخادم على السيد وفي اللحظة التي كشف وفضح فيها وأدرك الناس فظاعة جرمه وشناعة فعله قرر الهرب كي يفلت من يد العدالة ، ولكن لسوء حظه ونكد طالعة أن عين العدالة مفتحة فقد تم القبض عليه ، وها هو ماثل أمامكم لتحكموا عليه بما يستحقه بأشد انواع العقاب على من بنشر الفساد والدمار بين سكان الممكلة و ..
القاضي : ( مقاطعا ) ماذا كنت ستقول إن لم أطلب منك الإيجاز في العرض ..أظنك ستطلب الإعدام لجحا ؟
المدعي : ( منحنيا ) عفوا سيدي القاضي ما يكون لي أن أتعدى على إختصاصكم في الحكم . 
القاضي : ( مشيرا إلى الدفاع ) بم ستدافع عن تلك الإتهامات ؟ أرجو ألا تتأخر في الدفاع كما تأخرت في الحضور .
عز الدين : سيدي القاضي ..المدعي يقول إن جحا قرر الهرب وهذا لم يحدث وإنما قرر الرحيل .
القاضي : وهل هناك فرق ؟
عز الدين : نعم سيدي القاضي ..الهرب يكون خلسه وبعيدا عن علم وأعين الناس ،ويكون صاحبه خائفا من أمر ما ،  أما الرحيل فقد أعلم  جحا الجميع أنه سيرحل وبناء عليه تم القبض عليه لمنعه من الرحيل ، مع أن القوانين  لا تمنع أحدا من الرحيل متى شاء .  
المدعي : هل يسمح لي سيدي القاضي أن أسأل جحا سؤالا ؟ 
القاضي : تفضل .
المدعي : ( مقتربا من جحا ) لقد قضيت ما انقضى من عمرك بين الناس ،وأظن أنه ليس قصيرا وأصبحت شخصية عامة الجميع يعرفك ، ويتتبع أقوالك وأخبارك ومواقفك ..جحا جاء جحا ذهب جحا قال جحا فعل ونجحت في أن تجعل الناس تتعلق بك ..أظن كل ما قلته  توافق عليه .
جحا  : نعم .
المدعي : لماذا فجأة وبدون سبب - على الأقل واضح لنا – تقرر الرحيل وتعلنه للناس ؟!
عز الدين : ( متدخلا ) أظن هذا تدخلا في خصوصية  جحا ، وهو غير ملزم بالإجابة على سؤالك .
القاضي : ( مشيرا إلى جحا ) ربما يكون لدى جحا إجابة لنقف على الدوافع التي دفعته للرحيل ولا نقول الهرب . 
المدعي : ( يتقدم من جحا ويربت على كتفه ) سأعفي جحا من الإجابة وأوجه له سؤالا أخر ،هل انت راض عن احوال الناس ؟
جحا : طبعا لا .
المدعي : أتنكر أنك كنت تحاول إصلاح تلك الأحوال ؟
جحا : لا أنكر بل أعترف أنني حاولت مرارا وتكرارا ولكنني فشلت .
المدعي :فيم فشلت ؟
جحا : إصلاح أحوال الناس .
المدعي : لم تستطع إصلاح أحوالهم فأفسدتها .
جحا : هي كانت فاسدة .
المدعي : ولكنك حاولت أت تصلحها ..أليس كذلك ؟ 
جحا : بلى  .
المدعي : لماذا ؟
جحا : كان لدي أمل ورجاء .
المدعي : والآن ؟
جحا : فقدت كل أمل ورجاء .
المدعي : أظن لأن حالة الناس ميئوس منها .
جحا : نعم . 
المدعي :  أذن انت رأيت حالة الناس فاسدة وحاولت الإصلاح ولكنك فشلت مدركا أن حالة الناس ميئوس منها ...أليس كذلك ؟
جحا : بلى .
المدعي : إذن أنت المسئول عما صار إليه الناس من فساد .
جحا : كيف ذلك ؟!
المدعي : نفنرض أنك طبيب ، وعهدنا إليك بمريض لتعالجه ولكن بعد محاولات ساءت حالته وفُقد كل أمل في شفائه .من المسئول عن ذلك ..الطيبب أم المريض ؟
جحا : المريض .
المدعي : لماذا ؟
جحا : ألم تسمع بالقول : الوقاية خير من العلاج ، فلو قام المريض بعمل ذلك ما اضطر الذهاب إلى الطبيب ، وما عجز الطبيب عن شفائه . 
المدعي : والطبيب لا يتحمل أي مسؤولية في نظرك ؟
جحا : بل يتحمل الوزر الأكبر .
المدعي : لماذا ؟
جحا : لأنه حاول أن يعالج مريضا 
المدعي : ولكن تلك مهمته .
جحا : إذن مهمة الطبيب علاج المريض وليس ضمان شفائه . أليس كذلك ؟  
المدعي : بلى .
جحا : وأنا كانت مهمتي محاولة إصلاح أحوال الناس نجحت في ذلك أم فشلت .
المدعي : ولكنك لست طبيبا يا جحا .
جحا : والناس ليسوا مرضى .يا سيدي .!
المدعي : أين الخلل يا جحا ؟
جحا : لا أفهم ما تقصده ؟
المدعي : الخلل والانحراف فيك أنت شخصيا أم في الناس ؟
جحا : لا أدري .
المدعي :ربما يكون في الناس .
جحا : ربما .
المدعي : أو فيك أنت ؟
جحا : ربما .
المدعي : أو فيك وفي الناس على  السواء ؟
جحا : ربما . 
المدعي : إذن أن لا تبرئ نفسك من أن تكون سبب ما فيه الناس من انحراف وفساد .
جحا : لا احد برئ كلنا خطاؤون 
المدعي : ( ملتفتا إلى القاضي ) ها هو يعترف ويقر  وبذلك يعتبر نفسه مذنبا . 
القاضي : ليس معنى أنه لا يبرئ نفسه أنه مذنب ، ثم قال كلنا خطاؤون وهذا يشملك ويشلمني ويشمل كل من في القاعة . 
المدعي : إن لم يعترف صراحة ، فقد أعترف وأقر ضمنيا يا سيادة القاضي من أنه كان يسعي في إفساد وتخريب حياة الناس و..
القاضي : ( يمسح على لحيته ) ما الحكم الذي تسعي لكي نحكم به على جحا ؟ 
المدعي : أنا لا أتعدى على إختصاكم ، ولكن ينبغي أن يكون الحكم متساويا مع الجرم الذي ارتكبه جحا في حق الملايين من البشر ، إن تأثير جحا لم يقتصر على مملكتنا ولكنه تعدى الممالك حولنا ، ولن يقتصر على الحاضر ولكنه يتجاوز ذلك إلى المستقبل ، فيجب تطهير عقول ووجدان الناس من كل أقوال جحا وأفكاره ، ونصادر كل الصحف التي تسجل أقواله ونجرم أي إنسان يروي عنه أو يحكي أو يتحدث ،
القاضي :( ساخرا مشيرا إلى مستشاريه)وهل لدينا قانون يطهر عقول الناس وقلوبهم ؟!
المدعي :  الأمر خطير  يا سيدي القاضي وخطورته أن جحا يدس السم في العسل . 
القاضي : (متعجبا ) أي سم وأي عسل تقصد ؟!
المدعي : ظاهر جحا أنه مصلح ويحب الناس ويشاركهم أحزانهم وهمومهم ولكن في باطنه مفسد ومدمر ومخرب .
القاضي : الدفاع .
عز الدين : ( مشيرا إلى جحا) أنا وإن كنت أقف الآن مدافعا عن جحا إلا انني لن أعفيه من المسؤولية وأنه السبب فيما آل إليه ، فقد كان يريد إرضاء جميع الأطراف ، لا يريد أن يغضب أحدا ، إنسانيته ونبله تغلبت عليه ،فهو متسامح مع الجميع بلا استثناء  ، مشفق على المفسدين ، وإن كان يسخر منهم ويجعل الناس يضحكون ويستهزؤن بهم ، وكان يجب أن يكون حازما  ، أيضا اهتم جحا بصورته عند الناس حرص أن يكون محبوبا وأن يرفه على الناس ويخفف عنهم همومهم ، وهذا جعل الناس ينتظرون منه الدعابة والنكتة لا أن يكون سببا لتبصيرهم وتنبيههم إلى نواحي النقص في واقعهم ، التغيير صعب على الناس ، وكذلك الحقيقة قاسية ، إلا أنهم اخذوا الجانب اليسير السهل فيما يعرضه جحا وتركوا الجانب الصعب وهذا الذي اكتشفه جحا مؤخرا ، ولم يكن أمامه إلا أمران إما أن يصدم الناس وهذا ما لا يتوقعونه منه ، وقد لا يقدر عليه وإما أن يرحل ،فاختار الجانب السهل عليه وعلى الناس . 
القاضي : ( مشيرا إلى جحا ) أتريد ان تقول شيئا يا جحا ؟
جحا : ( واقفا )    نعم أنا لا أعفي نفسي وما كان يجب أن أكونه ، لقد أخطأت فعلا ، كان يجب أن أكون قاسيا وحازما وغير متصالح وأن أكون صريحا وواضحا مع الناس ولا مانع أن اكون وقحا يكرهونني ولكن في النهاية أقول الحقيقة بدون تزييف ، وان أكون صادقا مع نفسي ، الإصلاح ليس له إلا طريق واحد ، وليس له إلا أسلوب واحد ، وليس له إلا قول واحد وليس له إلا شخص واحد ، وأظن أنه لم يكن جحا كما عهده الناس . 
القاضي : دعني اسألك سؤالا يا جحا .
جحا : تفضل يا سيدي القاضي .
القاضي : إعلانك الرحيل ألا ترى ان هذا سيشيع خالة من اليأس والاحباط عند الناس ؟
جحا : لحظة مصارحة ومكاشفة بالحقيقة .
القاضي : أذن طوال عمرك لم تكن صريحا ولا حريصا على كشف الحقيقة .
جحا : كنت أحاول ولكنني لم أصل .
القاضي : وتلك المحاولة استغرقت كل تلك السنين ؟
جحا : نعم .
القاضي : والآن ؟
جحا : مصرٌ على الحقيقة .
القاضي : إذن إعلانك الرحيل خط فاصل بين الخداع والحقيقة .
جحا : نعم .
القاضي : إذن أنت  كنت تخدع الناس يا جحا طوال تلك السنين ؟ 
جحا : بل كنت مشفقا .
القاضي : على الناس أم على نفسك .
جحا : على نفسي وعلى الناس . . 
القاضي : ( واقفا ) ترفع الجلسة للمداولة . 
الرواي : ( يمسك بيد جحا ) الخطرلن يقتصر عليك وحدك بل سيصل إلى فأنا راويك يا جحا .
سعد الكتبي : وأنا أيضا ، فأنا من يسجل كل أقواله وانشرها بين الناس ربما يغلقون لي الدكان .
بهلول : أجننتما وما ذنبكما أنتما ؟!
سعد الكتبي :  ( مفزوعا ) ألم تسمع ما قاله المدعي ؟ 
بهلول : لا تكترث به ،  الكلمة الأخيرة للحكم الذي يصدره القاضي ، وهو قاضي مشهور عنه العدل والانصاف . 
الفطاطري : إن كانا يخشيان على أنفسهما فيجب كل أهل درب سعادة يخافون أيضا .
الدخاخني : لماذا ؟
الفطاطري : ألم يكن جحا يعيش بيننا وأكثر من يردد أقواله ويتحدث عنه .
الحصري : ليس هذا فقط بل أكثر من يحبه ويرتبط به . 
عماشة الحمار : لنسجن مع جحا ..السجن مع جحا جنة .
شديد القفاص : لك أن تقول ذلك ..حتى حمارك لم تعد تحمل همه .
عماشة الحمار  : ( حزينا ) كان هو الذي يحمل همي .
حمزة العسال : ألم تسترد حمارك للآن يا عماشة ؟!
عماشة الحمار : ( ساخرا ) الضرائب المفروضة على أكثر من ثمن الحمار . 
الحصري : لا أحد  يحل تلك المشكلة سوى جحا 
عماشة : ربنا يفك أسره ..ونتجمع مرة أخرى في درب سعادة . 
بهلول : حتى لو لم يسجن سيرحل جحا . 
شديد : أنا للان لا أدري سبب عزمه على الرحيل .
الفطاطري : أي واحد مكانه لابد أن يرحل ...لقد رأي من الناس الكثير والكثير . 
الحصري : معك حق ...من يفكر في تصرفات الناس هذا الزمن لا يفكر في الرحيل بل يفكر في الانتحار و ..
الحاجب : ( بصوت جهوري ) صاحب المقام الرفيع قاضي القضاة . 
القاضي : ( يتصفح بعض الأوراق أمامه ثم يشير إلى جحا ) يا جحا .
  جحا : ( واقفا ) نعم يا سيدي القاضي .
القاضي : من نصبك أو أمرك لتهتم بأمر الناس وتحاول أن تقوم من امورهم .
 جحا : لا أحد نصبني أو أمرني ..وإنما فعلت ذلك تطوعا من تلقاء نفسي . 
  القاضي : ( مخاطبا المن في القاعة ) إذن  تطوع جحا من تلقاء نفسه لمحاولة إصلاح أحوال الناس من وجهة نظره ، ولم يكلف من أي جهة بذلك ، وإن رأى البعض أنه لم يوفق في محاولته ، وعدم توفيقه يتحمل مسؤوليتها ومعه الناس ، ولكن ذلك لا يوجب عليها عقابا لأمرين ، الأمرالأول وقر في ضمير   المحكمة خلوص وصدق نية جحا للإصلاح ، الأمرالثاني : أن ما تواخاه كان متضامنا مع الناس ، وبموافقتهم ورضاهم بل وبتشجيعه من خلال ترديد أقواله والموافقة على أفعاله ومباركة تصرفاته ..لذلك ترى المحكمة أن جحا ليس عليه أي وزر وأنه برئ من كل الاتهامات التي وُجهت إليه ويخلى سبيله فورا .
[ تضج القاعة بالتكبير والصراخ والزغاريد والهتاف للعدالة ولجحا ]
القاضي : ( يشير للحضور بالصمت ) أمازلت يا جحا تنوي الرحيل ؟ 
جحا : ( يتلفت حوله مشيرا إلى الحضور ) نعم يا سيدي القاضي . ولكنني سأرحل إليهم .
القاضي : الأهم أن يرحولوا هم إليك .

إظلام . 
                        
                                       ( ستار) 
 


 
                           المؤلف في سطور.
الاسم : محمود محمد محمود القليني 
الإيميل : elkellenymahmoud@yahoo.com
الهاتف :0201061414124- 0201025544856
  
الأعمال المنشورة : 
أولا : في المسرح : 
مسرحية : ( إخناتون والكهنة ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1994
مسرحية : ( مصرع الخُرساني ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام2002.
مسرحية :(محنة الإمام أحمد بن حنبل) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1997
مسرحية : ( بلد راكبها عفريت ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام 2010.
مسرحية : ( غائب لا يعود ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة – تاريخ النشر 2019.
كتاب : ( الأدب في مسرح الطفل ) جهة النشر : العلم والإيمان للنشر والتوزيع بدسوق عام 2015.
مسرحية : ( محاكمة الحمير ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار ) 
مسرحية : ( البلطجية اشتكوا ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية –مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار ) 
مسرحية : ( ليلة وحشية ) مونودراما – جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع : ( محسن النصار ) 
مسرحية : ( الأرجواني السماوي ) خيال علمي – جهة النشر – المسرح نيوز – مؤسس ومدير الموقع : ( صفاء البيلي ) 
مسرحية : ( الوزير على التليفون ) جهة النشر: المسرح نيوز – مؤسس ومدير الموقع : ( صقاء البيلي ) 
مسرحية :(المحاكمة) :جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع )محسن النصار )  
مسرحية : ( أسوار بغداد ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع )محسن النصار )  
مسرحية : (ابن جلا ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع )محسن النصار )  
مسرحية  : ( الأم الثكلى ) مونودراما . جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع )محسن النصار )  
مسرحية : ( القرية الذكية ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع )محسن النصار )  .
مسرحية :(بوظا في مجلس الشعب ) جهة النشر : دليل النصوص المسرحية – الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة . 
مسرحية ( غائب لا يعود ) الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة- 2019 
مُثلت مسرحية (بلد راكبها عفريت ) على مسرح مركز ثقافة المحلة الكبرى بطنطا .المخرج : ياسر سري.
ثانيا : في الروايات والقصص :
رواية :(الإسكندرية عناقيد العشق والغضب) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام  2011.
رواية :(الجنوب الهادئ ) جهة النشر :الهيئة العامة لقصور الثقافة عام : 2014
رواية : ( الدجال والشيطان ) جهة النشر : مكتب معروف للنشر والتوزيع عام 1985
( إنهم يذهبون ) مجموعة قصص قصيرة ، جهة النشر : دار الشعب بالقاهرة عام 1983.
ثالثا : في الكتب : 
(الفكر الإسلامي ومستجدات العصر) جهة النشر :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة عام 2005 .
( أمير الصحافة العربية ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2009
( العمرية ..في رحاب عمر بن الخطاب ) جهة النشر: مكتبة دار العلم والإيمان عام 2007
( عش حياتك سعيدا ولا تحزن ) جهة النشر: مكتبة بستان المعرفة عام 2004 .
( الثورة في وجدان المصريين ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2012.
( الباحثون عن الله ) جهة النشر مكتبة دار العلم والإيمان عام 2013.
(شخصية موسى النبي) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2011 .
(شخصية المسيح)  جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014.
( شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014
10-(قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015.
11-( الذاتية والقيم الوجودية في أدب إبراهيم عبد القادر المازني ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015. 
12- (النساء فقدن عروشهن) جهة النشر :مكتبة العلم والإيمان بالمنصورة .
13- الخليل – عليه السلام – رحلة في المكان وسياحة في الزمان . دار العلم والإيمان عام 2018 .
14- نحو تفسير علمي للأحلام – الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة - 2022
الجوائز الحاصل عليها : 
1-جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد )
جائزة ( ملتقى جائزة أبها )  بالمملكة العربية السعودية عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ) عام 1417هجرية .
جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( إخناتون والكهنة ) .
جائزة التأليف المسرحي من مجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( مصرع الخرساني ) .
جائزة من نادي القصة بالقاهرة عن رواية بعنوان : ( قوس قزح ) عام 2002
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( الذاتية والقيم الوجودية في أدب المازني ) 
جائزة المقالة النقدية عن دراسة في قصة ( الطريق ) لنجيب محفوظ ،من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة التأليف المسرحي للكبار – الشارقة – الهيئة العامة للمسرح – عن نص مسرحي بعنوان ( غائب لا يعود ) 2016
الوصول إلى القائمة القصيرة  في مسابقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الخيال العلمي للأطفال عن مسرحية بعنوان ( الأرجواني السماوي ) 2017 .
الوصول إلى القائمة القصيرة في مسايقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الكتابة للأطفال عن مسرحية بعنوان ( القرية الذكية ) 2021
الوصول إلى القائمة القصيرة في مسابقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الكتابة للكبار عن مسرحية ( أسوار بغداد ) 2023
  

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption