أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 11 فبراير 2023

فلسفة التعييد الاحتفالي هي الأصل( 3) / د. عبد الكريم برشيد

مجلة الفنون المسرحية 
فلسفة التعييد الاحتفالي هي الأصل 3

الأصل في هذه الاحتفالية هو أنها أفكار رمزية حية، وإذا كان هناك اليوم، ممن يقاسموننا حياة المسرح ومسرح الحياة، من يروها أشخاصا مشاغبين ومزعجين فقط، فهذا شغلهم وحدهم، ومن طبيعة هذه الأفكار الرمزية والشفافة، مثلها مثل كل الأجساد الحيوانية الحية، أن بإمكانها أن تحيا، وأن تعيش، وأن تتمدد في الجغرافيا، وأن تتجدد في التاريخ، إن كانت تتوفر فعلا على مقومات الوجود والحياة، وكان بداخلها محرك يحركها، وكان لهذا المحرك طاقة حيوية محركة ومتجددة
وهذه الاحتفالية، ليست هي فعل الاحتفال العابر، والذي له وقت محدد، وله فضاء مكاني محدود، لأنها بالأساس نظام حياة ونظام وجود، ونظام صناعات إبداعية من بينها المسرح وفنون أخرى كثيرة جدا، ولعل أخطر كل هذه الفنون هو فن العيش وفن الحياة، وأصدق المعارف أن يعرف الإنسان كيف يحا، ولماذا يحيا، ومع من يحيا، وكيف يحيا، وهذه هي الأسئلة الحقيقية والجوهرية في المشروع الاحتفالي 
 وإنني، أنا الاحتفالي، مازلت مقتنعا بأننا ـ نحن الأحياء، في هذا الوجود الحي ـ نعبش فعلا في هذا الحاضر المتحرك، ولكننا ولدنا في ذلك الماضي، والذي قد يراه الآخرون غائبا وبعيدا، ولكنه ـ بالنسة إلينا ـ يظل حاضرا وقريبا جدا منا، مثل ظلالنا التي لا تبتعد عنا، ولا تفارقنا، ونحن نعرف بأننا كائنات ثقافية، وبأن هذه الثقافة ـ ثقافتنا ـ لم نتسوقها اليوم  من الأسواق الكبرى، ونعرف أيضا، بأننا قد تربينا في الماضي، وبأننا ـ ومن حيث نريد أو لا نريد ـ محكومون بهذا لماضي، ولكل ألوانه وأضوائه وظلاله وأصدائه وابعاده وامتداداته، وماذا يمكن أن يكون هذا الحاضر ـ في معناه الحقيقي ـ سوى أنه الماضي الذي لا يمضي، وذلك والذي هو اليوم، في السياقات الجديدة غير ذلك الماضي الذي كان، او فقط ذلك نظن بأنه مضى وانتهى، إنه الآن ماض جديد ومتجدد، ونحن نقرأ كتابه الجديد   وهو في طبعات أخرى، جديدة ومتجددة، طبعات مزيدة ومنقحة ومحينة ومطورة  ومصنعة بصناعات الآن ـ هنا، وعليه، فقد أكدت هذه الاحتفالية دائما، أن من لا ماضي له لا مستقبل له، وأن الذاكرة مستودع الهوية، وبأن من لا يرى ما يقع أمامه وخلفه وحوله، لا يمكن أن يسلم من حوادث الطريق، وقد لا يكون له موقع في هذا الطريق الوجودي ، وانطلاقا من هذه القناعة، فقد رفضت الاحتفالية مفهوم التعامل مع التراث  أو توظيف التراث، مسرحيا وشعريا وسينمائيا، وفي كل الآداب والفنون، وبدل أن يقول الاحتفاليون (نحن والتراث) فقد قالوا وكتبوا ورددوا دائما ما يفيد  معنى ( نحن التراث)
والتراث الرسمي موجود في الكتب، والتي قد تكون بيضاء أو تكون صفراء، او باي لون آخر ، ولكن التراث الشعبي الحي موجود في الاحتفال الحي، وموجود في الأعياد التي لا تمضي إلا من اجل أن تعود، تماما كما تغيب الشمس مساء كل يوم، لتعود صباح كل يوم، اجمل واكمل في النفوس والأرواح والعيون ااجميلة، وهذا هو ما جعل الاحتفاليين يختزلون هذا المعنى في الشعار التالي 
الحفل أصدق أنباء من الكتب
وعندما أكد الطيب الصديقي، في مسرحه الاحتفالي، على ساحة جامع الفناء في مراكش، فما كان ذلك سوى لأنها فضاء  مفتوح للاحتفال والتعييد الشعبي اليومي الحي، ولقد أكدت اليونسكو هذا المعنى، عندما اعتبرت هذه الساحة تراثا إنسانيا، ولد فعلا في الماضي ، وفي مدينة مغربية تسمى مراكش، ولكنه ينتمي إلى اليوم، وإلى الحاضر، وإلى كل الثقافة الكونية والإنسانية، وهذا و المعنى الذي أكدت عليه الاحتفالية، عندما أصدرت بيانها الجماعي الأول من مدينة مراكش، وذلك في ربيع سنة 1979 
ولعل أجمل وأنبل وأصدق ما في فعل هذا الاحتفال الشعبي ، هو حياته وحيويته، وهو ذاكرته ومخياله، وهو تلقائيته وشفافيته،  هو عقله الجماعي ووجدانه الشعبي ، وهو صدقه ومصداقيته، وهو أنه لا يتحقق، ولا يكتمل معناه،  إلا بالحضور، الآن هنا، وبالمشاركة أيضا، وبالاقتسام، وبأنه لا وجود لاحتفال حي  إلا داخل مناخ إنساني ومدني حر، مناخ سليم وصحي، وأن يتم هذا الاحتفال الجماعي داخل طقس يتكرر ويتجدد في  كل لحطة وحين، تماما كما تتجدد الدماء في العروق، وكما تتجدد الحالات في النفوس، وكما تتجدد الأفكار في العقول، وكما تتجدد المياه في الأنهار وفي السواقي الجارية  
وعليه، فإن الاحتفالي الذي يسكننا ونسكنه، لا يعيش حياته الواقعية والفنية بالتقسيط، ولا يحيا حياته اليومية  قطعة قطعة، لأنها حياة واحدة، ولأن خط الزمن  في هذه الحياة الواحدة والموحدة، هو خط واحد أوحد، وعليه، فإنه لا يحق لنا أن نقول كما يقول اغلب الناس :هذا الماضي مضى وانتهى، ونرميه في سلة المهملات، وأن نبحث عن حاضر جديد مصنوع صناعة جديدة خالصة، أي لا ذرة فيها من ذرات الماضي، ولا ظل فيها من ظلال الماضي، ولا معنى فيها من معاني الماضي، ويحرص الاحتفالي على أن يقول بأن الحداثة الحقيقية لا تنزل من السماء، وبأنه لا شيء جديد في هذا الكون القديم، وأن كل شيء فيه مجدد ومتجدد إلى ما لا نهاية، وبانه أيضا لا شيء حديث، وكل الأشياء والمعاني والأفكار مستحدثة ومحينة، وهي خاضعة لنظام تدوير حبوي، وذلك لنفس العناصر المادية والرمزية الموجودة في الوجود، منذ ان كان هذا الوجود
وبالنسبة اللاحتفالية، فإن أي شيء، لا ينبع من منابعه الأصلية، ولا يكون له مسار واضح، ولا يأتي من داخل شروطه الذاتية والموضوعية، ولا داخل سياقاته الفكرية والجمالية والأخلاقية الثابتة، فإنه يظل بلا قيمة وبلا معنى، وهذا ما جعلنا نؤكد دائما على القناعات الأساسية التالية:
ــ أن الحداثة ( الخالصة) وحدها لا وجود لها، وعلى أنها مجرد وهم متوهمين وادعاء مدعين، وعلى انه لا شيء قبلها او بعدها، إلا وجودها الأساسي والاصلي، والذي هو درجة الخلق والتاسيس في حياتها وحيويتها
وفي المقابل، فإن الأصالة لا تعني الماضي، وليست وجودا موجودا في الخلف، وليست تخلفا، ولا هي مظهر من مظاهر التخلف، لأنها القاعدة الأولية والاساسية والتاسيسية الأولى، والتي لا يمكن أن تنفيها الاستثناءات العابرة والطائرة، وما هو أصيل اليوم، سوف يبقى كذلك دائما وأبدا، وكل أصالة غير متأصلة، في تربة الأرض، وغي أعمق أعماق النفوس، وفي سجلات التاريخ، فإنه لا معنى لها 
وإذا لم تكن هذه الأصالة حية ومتنورة ومتحركة ومتجددة وفاعلة ومتفاعلة ومثيرة ومستفزة ومحرضة ومقنعة وممتعة، ولم تكن منفتحة على ما يحدث اليوم وغدا وبعد غد، فإنه لا يمكن أن يعتد بها أبدا
ومن المؤكد أن هذه الاحتفالية، في أصالتها المحدثة، وفي ماضيها الذي يذهب ويعود، ويغيب ويحضر، ويختفي ليظهر جديدا، هذه الاحتفالية ولدت في التاريخ ولادة واحدة، ولا وجود لجسد حي، يمكن أن يولد أكثر من مرة، ولهذا فبعد فعل ذلك التأسيس الاحتفالي الذي كان في السبعينات من القرن الماضي، جاء اليوم فعل التجديد، أي تجديد هذه الاحتفالية الأصل، ومنعها من أن يلحقها القدم، وأن تنال منها الشيخوخة، وأن تلحقها أعراضها القاتلة، وبهذا يكون الاسم الذي يوافق هذا الجسد الفكري والجمالي هو (الاحتفالية المتجددة) وبهذا تكون هذه الاحتفالية طاقة حيوية في الحياة، وأن تكون موازية للطاقات الفيزيائية الموجودة في الوجود
وهناك كلمتان اثنان لا تراهن عليهما الاحتفالية، وذلك في معجمها، وهما كلمة الشباب وكلمة الجديد، لأن الشباب فترة عابرة، وكل ما هو عابر وغير مقيم، لا يغري الاحتفاليين، والكلمة الثانية هي الجديد، لأنه لا وجود لجديد دائم، وما قد نعتبره اليوم قديما، قد كان جديدا في زمن من الأزمان
والأصل في هذه الاحتفالية هي فلسفتها، والتي هي فلسفة التعييد الاحتفالي، وهناك فرق كبير بين الاحتفالية والاحتفاليين، فالاحتفالية اساسا روح الحياة، ولهذا الروح وجوده الكوني المطلق، اما بالنسبة للاحتفاليين، فالامر مختلف، وهم مجرد اجساد وأسماء عابرة في التاريخ، وغدا سوف تمضي، وغدا سوف تأتي اسماء أخرى غيرها، لتكتمل دورة الاحتفال في هذا الكون الاحتفالي

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption