أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 30 مارس 2023

مونودراما (زَيْزَفْ) لعادل البطوسى

مجلة الفنون المسرحية
د.سحر محمود


مونودراما (زَيْزَفْ) لعادل البطوسى

بقلم : د. سحر محمود عيسى ـ جامعة تبوك ـ السعودية 

الإنسان كأوراق الشجر سيسقط حتمًا .. فالموت مصير محتوم ..!!

جملة جاءت في النسق التعبيري لمونودراما (زَيْزَفْ) ورغم أنها تبدو جملة مغلفة بأنفاس الحكمة والصبر وكأن ثمة ضوءً خارجًا لتوه من العقل قد رسم حروفها، لكنها عتبة كاشفة لهذه النفس الرقيقة الشفافة التي ترى الحياة في "زَيْزَفْ" وترى في "زَيْزَفْ" الحياة..!!

أتابع عادل البطوسي عبر ما يسطره هنا وهناك وأجد أنه يصمت بعض الوقت ليلتقط الأنفاس قليلا، بعد رحلة، وسفر طويل في حديثه الموجع عن أمه، ثم فجأة يعود إلى موطنه الأصيل ولسان حاله يقول : أنى للجرح الغائر أن يبرأ، وأني للوتر المقطوع أن يلتئم؟ وأنى للروح السابحة في فضاء الحب أن تتكيء على أرض لينة وجدار خاو ..!

"زَيْزَفْ" "الحياة"ولا توجد مفردة أخرى تحاول التقاطها كي تستخدمها للتعبير عما تشعر به بعد فراغك من قراءة زَيْزَفْ!  تصطف العبارات والمفردات لتشكل سحابة ألم ووجع ممتد كالسماء تتآزر الحروف معا لترسم لوحة حزن ممزوج بالحنين القاتل ..!

تتوالى الأسطر وتختلط بالدموع والآهات حتى أنك لا تستطيع أن تفرق بين الأصوات والشخصيات المتعاقبة في النص ..!  كل شيء ينطق بالحزن والسكون وكل شيء يفصح عن محاولة للخروج الآمن من رحم المعاناة والوجع … لكن هيهات ..! هذا ما سمعته في النبرات المتنوعة في هذا النص وكأن عادل البطوسي لا يريد البكاء فحسب، بل يريد أن يشعر العالم بوجعه وفقده للحياة، وأن يلمس أوتار قلبه ونبضه فكل شيء حي فيه، وكل ما في الحياة يبحث عن زَيْزَفْ وليس هو فحسب..! عادي ومألوف أن نحزن .. ولكن الوجع الأكبر عندما يرشفك الحزن بيديه قطرة قطرة ويعتصرك فلا حيلة لك آنذاك سوى البحث عن يد حانية تربت على كتفيك ولو كذبا وتصنعا ..!

هذا ما لمسته من بين الأسطر في كل كلمة يرسمها البطوسي عن أمه، فألم الفقد لا ينسى، لكن الألم الأكبر ألا نجد حضنًا آمنا يحتوينا، هنا يشتد بكاؤنا على كل شيء ومن كل شيء..!

تستدعي الشخصية لحظات المرض والفقد والتحنان وتسرد بلغة تبدو سهلة كاشفة خلجات الروح وخواطر النفس، وكأن البوح دواء مؤقت سيزول مفعوله سريعا لكنه على الأقل سيزيح بعض الألم ..!

لا أريد الحديث الفني المعروف عن عناصر العمل الأدبي للمونودراما من شخصية ومكان وحوار وغير ذلك، فهذه الأدوات تفصح عن نفسها بوضوح، لكنني آثرت الوقوف عند (حالة التلقي) لهذا العمل لمن يقرأ بتأمل ومعايشة، لأنها ترتبط بكل ما كتبه "البطوسي "عن "أمه "فهذا العمل هو حلقة من سلسلة روحية صوفية سابحة في فضاء حياته وروحه (زّيْزَفْ) ومن ثم فعند القراءة أحسب أنك قد تبكي وقد تتأثر وقد تحزن، وقد تفعل أشياء كثيرة لكنك في النهاية ستحاور نفسك في محاولة للبحث عن إجابة لسؤال لا إجابة له : كل هذا الحب ..!!!

.................................................

وربما تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة الموقرة : سحر عيسى كانت قد تكرمت بكتابة مقال آخر بعنوان : عادل البطوسي في حضرتها ـ الوطن والذات ـ تم نشره بكتاب (موناليزا الشرق) ط :1 ـ يوليو 2019م على الصفحتين : 38 و39 حيث كتبت عنايتها قائلة :

ــ ربما اندهش كثيرون من تلك الحروف البيضاء التي يرسمها البطوسي كل يومٍ عن أمِّه عبر الكلمات أو الصور أو التعليقات ..! 

لكني لم أندهش أبدًا لأن علاقتي بأمِّي تشبه علاقة البطوسي بأمه ..! 

لذا فإن كل حرف دافىء سطره البطوسي كان يتسلل سريعًا سريعًا إليَّ ـ وإلى كل مُحبٍّ ـ عبر أوراق الشجر الأخضر مُطلّا بوجهه الصبوح لأنه في حضرتها فحسب : الأم  ...

لكن : 

ـ ما الذي تطالعه عيناك عبر متابعتك لأحرفه البيضاء طوال سنوات فقدها ؟ 

ـ ما الذي تقرأه في عيني هذا المبدع الذي تنساب مشاعره دفَّاقة حيَّة؟ 

ـ الوطن .. والحياة .. والشمس .. والظل ..! 

طالعت مبدعًا يبحث عن وطنه ولا يمل البحث أبدًا، تطوف قدماه هنا وهناك، يتكىء على عصا الأمل والتحنان، ويلتحف بوجهها المضيء، يستدفىء به في شتاءٍ قارسٍ مثقل بالوجع والصمت ..! 

طالعت طفلاً يتوق إلى ظلِّه وملاذه الآمن، إلى الأمل الذي يرقد هناك حيث السكون ..! 

شاهدت طائرًا هادئًا إنكسر جناحاه فمضى يلملم أنفاسه الحائرة فقط كي يكمل البحث عن وطنه ..! 

البطوسي عبر حروفه البيضاء عن أمِّه .. لايزال يستمد حياته من عطرها .. ونورها .. وإطلالتها .. يبتسم حيث تبتسم .. ويغفو حيث تغفو .. ويحلق بعيدًا بعيدًا عن البشر، كل البشر، لحظة تجلي أمه وحلولها في قلبه ومحياه ..! ..

إن لحظة (الفقد) رغم مرارتها ووجعها؛ أنبتت مساحة خضراء حية شاسعة تعانق النسيم ويعانقها السحاب الذي يحمل بين كفيه وجه الأم؛ ومن ثم فهي شامخة حية سامقة نيِّرة جميلة مشرقة تستيقظ كل صباح تمد يديها إليه، وتعده بأنها معه وستظل محلِّقة في فضائه، وقد كسرت حاجز الصمت والسكون وسكنت في روحه وقلبه إلى الأبد، وهنا الخلود .. وهنا الحياة .. وهنا الوطن ..! 

هنيئا للبطوسي بروحه .. 

وهنيئا لأمه بنسمات البر التي تتجلى كل لحظةٍ عبر حروفه البيضاء ..




0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption