لماذا لم يعرف العرب المسرح؟
مجلة الفنون المسرحيةالمقدّمة
من المعلوم أنّ المسرح فنٌّ أصوله غربيّة و لكنّ هذا لم يحل دون انتشاره في العالم العربيّ، فقد تركت ثلّة من المسرحيّين العرب بصمة واضحة في الموروث الفنّي العربي .
I- العرب و المسرح:
إنّ كل من اهتمّ بدراسة المسرح التونسي أو المسرح في أيّ قطر من الأقطار العربيّة إلاّ و طرح بادئ ذي بدء هذا السؤال: لماذا لم يعرف العرب المسرح ؟ و ذهب الدّارسون مذاهب شتّى في محاولة يائسة لإيجاد أسباب و مسببات غياب الفنّ المسرحي عند العرب، و نحن نعتبر أنّ هذا المجال لا يتسع لطرح هذا السؤال، بل لا نرى فائدة في طرحه ما دام الدارسون اتفقوا أو كادوا على أنّ المسرح لم ينبت في أرض العرب، و هذا ليس بعيب و لا مأخذ، لذلك لن نحاول إيجاد ما لم يوجد بل سنسعى إلى التعرّض : إلى هذا المسرح و قد نشأ وآتّفق على ذلك، حتّى و إن كان بإيجاز موجز و نعمّم قبل أن نخصّص فنقول
I I- بدايات المسرح في الأقطار العربية:
ظلّ الأدب العربي فاقدا للمسرح و يوعز البعض إلى أنّ بداياته قد دخلت للبلدان العربيّة مع دخول العربيين إليها، و بالتحديد كان ذلك إبّان لحملة نابوليـــون بونـابــرت على مصر و كان بين رجال حملته العلميّة رجلان من أصحاب الفنون الجميلة و كبار الموسيقيين، فاهتما بتمثيل بعض المسرحيات لتسلية الضباط و الجنود ( فروخ, 1981,ص920)، هذا التمثيل الذي لم يكن بلسان عربي قد ذهب وانتهى بانتهاء حملة نابليون بونابرت.
1-مارون النقاش:
برز للوجود أوّل عرض مسرحي بلسان عربي في منتصف القرن التاسع عشر و بالتحديد سنة 1847 مع رجل لبناني يدّعى "مارون النقاش" "إنّه في سنة 1847 لما الماروني مارون النقاش (1817 – 1855) قدّم لأوّل مرّة مسرحيّة باللغة العربيّة (بن حليمة, 1974,ص 14)."
كانت البداية الأولى للمسرح إذن مع مارون النقاش صاحب أوّل عرض، الذي كان قد زار أوروبا و خاصّة إيطاليا و تمكّن من مشاهدة العديد من روائع التمثيل علقت بذهنه و خلفت فيه إثرا عميقا، حتى إذا عاد إلى لبنان اقتبس مسرحيّة البخيل للشاعر الفرنسي مولييار "و قدّمها في سنة 1848 بحضور قناصل الدول وا عيان بيروت ( فروخ, 1981,ص921)."
من أهمّ مميّزات هذا العرض أنّ مارون النقاش قد حافظ على بنية المسرحيّة و لم يسعى إلى تغييرها بل أنّ تدخّله تمثّل في محاولة الحدّ منها هذا علاوة على كونه قد قام بتغيير أسماء الشخصيات و تغيير مكان الأحداث، كما أنّ هارون النقاش قد أدخل بعض الأغاني ذات صلة بروح المسرحيّة الشيء الذي جعلها مزيجا بين الأوبرا و المسرحيّة الهزليّة و يوجز بن حليمة تعريفها فيقول "إنّها مسرحيّة في خمسة فصول شعريّة، في شكل أوبرا كان النقاش قد لحّن لها بنفسه الموسيقى"( بن حليمة,1974,ص14).
عرفت هذه المسرحيّة نجاحا كبيرا و كان لها أثر بليغا "و تناقبلت جرائد أوروبية أخبارها"
( فروخ,1981,ص922) كان ذلك النجاح الذي حققه عرض مسرحيّة البخيل حافزا لمارون النقاش للمضيّ في فنّ التمثيل "ألف رواية أبي حسن المغفل أو هارون الرشيد مثلها أيضا في منزله سنة 1850 أمام والي سوريا و بعض الوزراء و رجال الدولة( فروخ,1981,ص925)"، ثمّ انه بعد ذلك و في سنة 1853 يقدّم مارون النقاش عرضا مسرحيّا أخيرا في القاعة التي أنشأها قرب بيته، و التي تحوّلت بعد ذلك إلى كنيسة، بعنوان "الحسود السليط" مستوحاة من مسرحيّة لمولييار يقول بن حليمة "أخيرا سنة 1853 يقدّم على المسرح الذي أنشأه قرب بيته، و أمام جمهور معتبر مسرحيته الثالثة ’الحسود السليط"( بن حليمة,1974,ص17).
توفّي مارون النقاش سنة 1855 و فقد بذلك أوّل دفع لفنّ المسرح مع الإشارة إلى أنّ النقاش لم يكن رجلا احترف المسرح و إنّما كان تاجرا قد ولع بالمسرح وافتتن به و كان فيما قام من مسرحيات ينحو منحى مولييار و خلفا لماروش النقاش ظهر أخوه "نيكولا النقاش" الذي كان قد نشر مؤلفات أخيه (في كتاب سماه (أرزة لبنان)) طبع في بيروت سنة 1869.( فروخ,1981,ص925)"
كما أنّه قام بتقديم بعض العروض مع ممثّلين من أفراد عائلته شأنه في ذلك شأن أخيه مارون.
برزت إثر ذلك عدّة أسماء كان لها حضورها المتميّز من دفع و ترسيخ الحركة المسرحيّة العربيّة و منها ابن أخ مارون النقاش "سليم النقاش" و أديب اسحاق و نجيب حداد. "و كان الشيخ خليل اليازجي واضع أوّل رواية تمثيليّة في الشعر وهي رواية المروءة و الوفاء، و قد مثلت في بيروت سنة 1978).
تولّى اسماعيل باشا عرش مصر فأنعم على الأدباء و رجال الفنّ و في عهده احتفل احتفالا عظيما بحفر قناة السويس كما بنى الأوبرا الخديوى و جلب لما فرقة أجنبيّة قامت بتشخيص "عايده" و ذلك باللغة الفرنسيّة، فأصبحت اذن مصر محط أنظار الفنانين و المبدعين و قصدها عدد غير قليل من أدباء لبنان و سوريا كان من ضمنهم أخ "مارون النقاش" "سليم خليل النقاش" الذي كوّن أوّل فرقة. زار مصر و كان ذلك سنة 1876. تمكّنت تلك المجموعة من تقديم عدّة عروض مسرحيّة هامة من بينها مسرحيّة عايدة الإيطاليّة الأصل : و الملاحظ أنّ أغلبيّة الروايات التي قدموها كانت مترجمة، كفدر الراسين و أورست لموليير.
2-ابو خليل القباحي:
و في أواخر القرن التاسع عشر ورد مصر أبو خليل القباني الأديب السوري بعد أن أغلق مسرحه في سوريا من قبل الخليفة العثماني ليعالج مسرحا ممزوجا بين الجدّ و الهزل.
يعتبر يعقوب صنوع اليهودي المصري أب الصحافة الهزليّة في مصر والذي عرف بآرائه الإصلاحيّة و خاصّة القوميّة، فقد تمكّن من ارساء مسرح ينطلق بالعامية برغم نشاطه الصحافي و قد شجّعه في البداية خديوي اسماعيل باشا ثمّ سرعان ما أغلق مسرحه، تمكّن صنوع من إنجاز أكثر من 30 مسرحيّة أشهرها موليير مصر.
فعرف خلالها بموليير مصر، و مع ذلك تبقى مسرحيات ضنوع غير قادرة على استقطاب أوسع الجماهير ربما لأنّ هذه الجماهير لم تجد في هذه المسرحيات تعبيرا حقيقيا عن مشاكلها و طموحاتها و ربّما أيضا لأنّ هذا الفنّ في حدّ ذاته علاوة على كونه يقدّم بالعاميّة لم يكن مستصاغا.
3-سليمان القرداحي:
شهد أواخر القرن التاسع عشر بروز عدّة فرق أخرى لعلّ أهمّها فرقة سليمان قرداحي و كان ذلك سنة 1882 الذي عرض مسرحيات تساير رغبة الجمهور و ذوقه فحقق نجاحا باهرا خصوصا عندما قدّم مسرحا غنائيّا وهو النمط الذي كان يميل إليه الجمهور.
و يرجع للقرداحي الفضل في بعث المسرح التونسي حيث يعتبر أحد الرّموز التي ساهمت في بناء و ترسيخ المسرح التونسي مقدما جوقه الذي حلّ بتونس في شهر نوفمبر 1908 إلى درجات عالية من النهوض و التطور.
و كانت المزاحمة على أشدّها نتيجة لبروز عدّة فرق أخرى و خاصّة فرقة اسكندر فرح السوري الأصل الذي انفصل عن فرقة "خليل النقاش" ليكوّن فرقة خاصّة به مستعينا في ذلك "بسلامى حجازى" و "سليمان الحدّاد" كان ذلك سنة 1899.
يمكن القول أنّ المسرح العربي خلال هذه الفترة بالذات قد اتّسم بخصوصيات و عرف بمميّزات يمكن ضبطها بإيجاز في هذه النقاط :
أوّلا : كان المسرحيون في معظمهم يعتمدون في عروضهم على مسرحيات مقبسة و خاصّة من إخراج فرنسي.
ثانيا : هذه المسرحيّات سواء كانت بالفصحى أو بالعاميّة عرضت العديد من المرّات.
ثالثا : ممثّلو المسرحيات هم أنفسهم كتابها و مخرجيها.
رابعا : الممثّلون كانوا في معظمهم هاوين الشيء الذي لا يضمن إلتزامهم بالفرقة، اضافة إلى ميل الجمهور للمسرح الغنائي مما جعلى المغنين يتقاضون أعلى الأجور.
خامسا : النساء اليهوديات و المسيحيات كنّ هنّ الأوائل في الظهور على الرّكح. (أوّل من سمح للمرأة بالظهور سليمان القرداحي).
سادسا : كثرت الفرق وآشتدّت المزاحمة فآنتقل المسرح من المقاهي إلى القاعات مما جعلها تتكاثر.
نهضت إذن المسرحيّة في مصر انشعب المؤلفون إلى قسمين قسم يعمد إلى اللغة العاميّة في ترجماته، و قسم يستمدّ من تاريخ العربي و الأدب الشعبي موضوعات يعبّر عنها بلغة عربيّة فصحى يتخللّها السجع( فروخ,1981, ص927).
4-جورج أبيض:
تجذّر المسرح المصري و أرسيت قواعد صلبة له في عهد عباس الثاني الذي بعث إلى فرنسا رجلا سوري المولد مسيحي الديانة يدّعى جورج أبيض بهدف التضلّع في فنّ التمثيل، فتتلمذ على يد Sylvin و رجع سنة 1910 ليكوّن فرقة قطعت بالمسرح أشواطا بعيدة و رفعته إلى درجة ممتازة، حيث أنّه كان يقدّم التراجيديات التي يحبّذها و يبرع فيها فعرض "أوديب الملك" كما عرض "عطيل" و غيرها وهو ما أعجب الجمهور فأكسبه شهرة كبيرة.
تمكّن جورج أبيض من أن يجذر المسرح في نفوس الجماهير، و منذ ذلك التاريخ عرف المسرح المصري تطوّرا متزايدا فيما انحدر المسرح السوري و تدهور، جورج أبيض قد فتح الباب أمام عدد غير قليل من الأدباء و الفنانين في مصر حيث نسجوا على منواله وانتشروا في أوروبا للوقوف على أصول التمثيل، و التمكّن منه فكوّنوا الفرق التي يرجع لها الفضل في ترعرع المسرح و تقدّمه في مصر و لعلّ فرقة يوسف وهبي و فرقة محمود تيمور أبرز تماذجها.
و تبعت تلك الحركة المسرحيّة المتطوّرة في فنّ العرض نهضة مهمّة في التأليف المسرحي كان أحمد شوقي رمزا بارزا لها و خاصّة سعيد عقل صاحب "بنت يفتاح" و بالأخصّ بقدموس التي قال فيها فؤاد البستاني "ولدت عبقريّة الشاعر سعيد عقل في المسرح قطعة لا يخجل الفنّ بأن ينعتها بالماسماة الحقّ و أخرجت في الشعر العربي رائعة طالما تاق إلى مثلها و دونت في الوطنيّة اللبنانيّة وثيقة لها ما بعدها قد موس مأساة. و لها من المأساة حلال القدم و كمال التعبير، ووحدات الفنّ المسرحي و خلاصة البحث أنّ الفنّ المسرحي يعود من قدموس بمأساة أصيلة و يعود الشعر العربي برائعه من أجل روائعه"( فروخ,1981,ص 930)
الخاتمة
تعدّدت محاولات المسرحيّين العرب من أجل إرساء مسرح عربيّ أصيل يثري المخزون الفنيّ ، و لئن بدا التأثّر بالنموذج الغربيّ واضحا ، فإنّ الهدف الأسمى و هو سدّ ثغرة في الفنون العربيّة بواسطة المسرح قد تحقّق .
المراجع
عمر فروخ ، تاريخ الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، 1981
حمادي بن حليمة، نصف قرن من المسرح العربي بتونس، الجامعة التونسية للنشر، 1974
الملخص بالعربية
ساهمت عواملُ عديدة في نشأة مسرح عربيّ لعلّ أهمّها الانفتاح على الثقافة الغربيّة و التأثّر بالتراث المسرحيّ الغربيّ ، فقد مثّلت حملة نابليون بونابرت على مصر أو ما يُسمّى صدمة الحداثة منعرجا تاريخيا حاسما في احتكاك العربيّ بالأجنبي و اطّلاعه على مجالات فنّ جديدة لم يألفها ، و لعلّ اللبناني مارون النقّاش أوّل من حاول تمثيل مسرحيّات مستوحاة من النموذج الغربيّ و قد فتح أبواب المسرح على مصراعيها أمام مجموعة أخرى مشغوفة بهذا الفنّ على غرار نجيب حدّاد و أديب اسحاق و سليم النقّاش ، و شهدت أواخر القرن التاسع عشر محاولات مسرحيّة متطوّرة في سوريا و لبنان و مصر ، و يظلّ هذا الميدان الفنّي غربيّ الأصل مجالا بكرا يمكن إثراؤه .
Abstract
The arabic theatre has been created due to many causes such as the impact of the western theatre and the opnenness on the western culture.
In addition de Napolean’s campaign againt Egypt or what is called the shock of modernity that has helped to get a seviour historical path and supported the contact between the arab people and the unstern ones. Thus, the arab knew about other unknown artistic domains. For instance, the play wright « Maron Nakash » was the first lebanese who tried to perform plays that are taken from the western model and he opened the way to some other playrights who loved this art such as « Nejib Hadded » « Edib Ishak » and « Salim Nakach ».
Besides, the end of the nineteenth century has seen many attempts of modern plays in Syria. Lebanon and Egypt finally, the western model of plays remained a virgin field to be enriched.
الإسم : مراد الساكت
الإيميل: Mouradsaket@yahoo.fr
الدرجة العلمية : دكتوراه
الجامعة أو مكان العمل: المعهد العالي للتنشيط الشبابي و الثقافي تونس
عنوان البحث: لماذا لم يعرف العرب المسرح؟
الدولة: تونس
الكلمات المفتاحيّة
-العرب و المسرح
-بدايات المسرح في الأقطار العربيّة
0 التعليقات:
إرسال تعليق