مسرحية " زقاق القناديل " تأليف محمود القليني
مجلة الفنون المسرحيةالشخصــــــــــــــــــــيات
شخصيات من أهل زقاق القناديل :
أولا : الرجال .
حسين العطار .
إبراهيم الخياط .
فاروق الكحال .
جعفر الصرماتي .
فرج الخماري .
ثانيا : الشباب .
أبو شامة .
زغلول .
مجاميع من الصبية .
ثالثا : النساء .
أم خوخة العدادة .
أم زغلول البلانة
أكمل الماشطة .
مبروكة المرضعة .
نعمات الدلالة .
غرام .
أم مليكة .
شخصيات من خارج زقاق القناديل .
أبوالحسن على بن رضوان ...............رئيس الأطباء في البلاط الفاطمي.
من أصدقاء أبو الحسن على بن رضوان .
حسام الغتدقلي
ولي الدين الشامي .
يوسف اللبدي
قمر الهاشمي
أسحاق العنابي
الشيخ أبو الفتح
الشريفة مجيدة .
ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي ...قائد الجيش التركي والمنافس للخليفة الفاطمي ( المستنصر بالله )
أفين ....................زوجة ناصر الدولة .
فخر العرب ................أخو ناصر الدولة .
تاج المعالي ................أخو ناصر الدولة .
فرح ناز ...................جارية ناصر الدولة .
برجيس ..................جارية ناصر الدولة .
أبو جعفر النجاري ..........رسول ناصر الدولة وصديقه .
خصوم ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي .
الوزير ابن أبى كدينة .
تاج الملوك شادي .
ابن كيغلغ.
الأعز بن سنان .
بلدكوز .
عزيزالدولة .
إلدكر .
الفريق المكلف بإغتيال ناصر الدولة التغلبي .
37-شيراز
نيار
مهيار .
أميد .
المكان : مابين الفسطاط والقاهرة .
الزمان : 462هجرية – 1070 ميلادية .
الفصل الأول
المشهد الأول
: زقاق القناديل بمدينة الفسطاط .
البضائع والأجولة مكدسة أمام أبواب الحوانيت والدكاكين ،وبجوارها دكك خشبية يجلس عليها عدد من أصحاب الحوانيت وبعض الزبائن في انتظار تلبية طلباتهم ، الزقاق مزدحم بالناس سواء الذاهبين إلى الأسواق المحيطة به أو العائدين منها ، عدد من النسوة والأطفال يطلون من النوافد والمشربيات المتداعية المتصدعة ، يراقبن حركة البيع والشراء ، ومن خلف البيوت العتيقة تظهر مأذن الجامع العتيق ،يقف الجميع متطلعا نحو نهاية الزقاق المطلة على سوق الخبازين ، حينما يسمعون جلبة وضوضاء يدخل شاب ووراءه عدد من الصبية يحملون أرغفة الخبز ويصيحون :
زغلول : ( رافعا أرغفة الخبز ) يا أهل زقاق القناديل ..الخبز بدرهم هيا أسرعوا قبل أن ينفد .
الصبية : ( في صوت واحد ) يا أهل زقاق القناديل الخبز بدرهم ..ياأهل زقاق القناديل
حسين العطار : (خارجا من حانوته حاملا عصاه ) إن لم تجمع هؤلاء الهلافيت وتخرج من الزقاق سوف أقرعك بتلك العصا .
مجموعة الصبية : ( يتواثبون في صوت واحد ) العصا .
زغلول : ( ضاحكا ) لقد ضاع نصف عمرك لأنك لم تر ما رأيته يا حسين يا عطار في سوق الخبازين .
مجموعة الصبية : ( في صوت واحد ) الخبازين .
حسين العطار : ( غاضبا ) وهل حسين العطار يلهو معك أيها السفيه ؟!
مجموعة الصبية : ( في صوت واحد ) السفيه .
إبراهيم الخياط : ( يمسك به ) ماذا رأيت يا زغلول ؟
مجموعة الصبية : ( في صوت واحد ) زغلول .
زغلول : ( ضاحكا ) يجرسون رضوان الخباز ، نقباء المحتسب وضعوه على جمل وألبسوه طرطورا أحمر ، وبيده جرس يدقه ووراءه قرد يضربه بالعصا ويقول رضوان الخباز بأعلى صوته : لقد خبأت الخبز عن الناس .ولن أعود إلى ما فعلته مرة أخرى .
الصبية : ( في صوت واحد ) أخرى .
فاروق الكحال : ( خارجا من حانوته غاضبا ) ياولاد اللئام إن لم تنصرفوا من هنا حالا سوف
أسكب عليكم زيتا مغليا ..وأنت يا زغلول الكلب خذ هؤلاء الصبية وإلا أبلغت عنك المحتسب وأخبرته عن كل ما تفعله ليلا .
حسن العطار : ( يجري وارءه محاولا أن يمسك به ) لن يقلع عن غيه إلا بعد أن توثقه بالحبال ونضربه كما فعلنا به الأسبوع الفائت .
فاروق الكحال : وأنا سأتيك بالحبال ، حاول تمسك به .
حسين العطار : ( يجلس على كرسيه ) لن نستطيع أن نمسك به إنه معجون بماء عفاريت .
أبو شامة : ( خارجا من باب داره ) ما بكم يا تجار زقاق القناديل ، هل اشتريتم الزقاق واستعبدتم ساكنيه ؟ أليس هؤلاء الصبية لهم حق في الزقاق كما لكم حق ؟ على الأقل هم لم يشغلوا الطريق كما تشغلونه ببضائعكم وتذحمونه بزبائنكم .
حسين العطار : ( متحسرا ) أين هي البضائع وأين هم الزبائن ، الحال ينتقل من سيئ إلى أسوأ يا ( أبو شامه )
إبراهيم الخياط : ( يدفع الذباب عن وجهه) لم يعد لأحد هم اليوم إلا أن يسد بطنه بأقل القليل .
فاروق الكحال : ( مشيرا إلى مجموعة الصبية ) إنهم لا يكفون على الصياح والضوضاء طوال النهار .
حسين العطار : وفي الليل لا نسلم من أيديهم الطويلة فهم يسرقوننا .
أبو شامة :(يدق على الأجولة امام الدكان ) زقاق القناديل يرد عليه خلق كثير من جميع الأسواق حولنا ، وأنتم بضائعكم ما شاء الله كثيرة ومتفرقة أمام دكاكينكم ..
حسين العطار : ( مشيرا إلى الصبية ) أنا على يقين إنهم و(زغلول) من يسرقوننا .
أبو شامة : إذن ليس أمامكم إلا أن تستخدموهم ويساعودكم ويحموا بضائعكم .
إبراهيم الخياط : ( ساخرا ) نستخدمهم ..ومن أين ناتي لهم بالأجرة ، أنا منذ شهرين لم أبع شيئا ذا قيمة .
فاروق الكحال : (ضاربا كفا بكف ) سنوات ونحن على تلك الحال ، متى سيزيح الله عنا تلك الغمة التي لم نر مثلها من قبل ؟
حسين العطار : ( يقبل ظهر يده ) الحمد لله ...فنحن أفضل من غيرنا.. الناس يسيرون في الطرقات يستجدون الخبز ولا يجدون حتى الخبز الجشكار الذي تعافه الطيور والحيوانات .
إبراهيم العطار : لقد سمعت أن هناك من يموت جوعا ، والفلاحون في الريف يأكلون ورق
الشجر بعد أن بارت أراضيهم وماتت حيواناتهم من العطش .
فاروق الكحال : ربنا يصلح حال النيل ، وتعود المياه تجري كما كانت .
حسين العطار : النيل برئ من تلك التهمة يا (فاروق) .
فاروق الكحال : ( متعجبا) أليس كل مانحن فيه من شدة وكرب سببه نقص مياه النيل ؟!
حسين العطار : سبب ما نحن فيه الجيوش المتناحرة ، هذا تبع الخليفة ، وهذا تبع ( ناصر الدولة ) وهؤلاء ترك وهؤلاء سوادنيين وأكراد وأعراب ووزراء مرتشون لا هم لهم سوى جمع المال وفرض الضرائب والمكوس على عامة الناس .
إبراهيم العطار : والمصيبة الكبرى أن ( المستنصر ) حائر بين كل هؤلاء ، إذا حاول أن يرضي تلك الفئة أغضب الفئة الأخرى .
حسين العطار : طالما لا يعمل في سبيل رضى الناس فلن يفلح أبدا .
جعفر الصرماتي :( متقدما نحوهم مندهشا ) من أين عرفتما كل تلك الأخبار ؟!
حسين العطار : ( مشيرا إلى واجهة محل الصرم ) ابق أنت في صنع الصرم وترقيعها .
إبرهيم العطار : ( ضاحكا ) عمرك كله قضيته في تلك الحرفة التي ستقضي عليك يا صرماتي .
جعفر الصرماتي : ( متحسرا ) الذي سيقضي علي عدم وجود لا درهم ولا دينار في جيبي ، النس الآن يسيرون حفاة ويبخلون أن يشتري أحد منهم ما يرتديه في قدميه .
حسين العطار : الناس في هذا الزمن لا يفكرون إلا في رغيف الخبز ، وكيفية الحصول عليه .
أبو شامة : ( ساخرا ) ما هذا الذي أسمعه منكم ؟! أنتم تندبون حظكم ، كل واحد منكم لديه حانوته ودكانه ، وبيوتكم ملآنه من خيرات الله ، والأسواق حولنا كسدت وأصحابها أغلقوا دكانينهم بعدما أفلسوا .
أم خوخة العدادة: ( مقبلة من بداية الزقاق غاضبة) أنت با ابو شامة ، ربنا ينتقم منك يا ظالم
يا مفتري .
أبو شامة : ( متعجبا ) لم ؟! ماذا فعلت بك يا أم خوخة !
أو خوخة العدادة : ( تحلس على كرسي تجفف عرقها ) أذهب إلى الجنازة ، وأبكي وأصرخ
بأعلى صوت وأعدد ، وأجد أصحاب الجنازة يقذفونني بالججارة ، لأن لديهم عروسة يجهزونها لعريسها .
أم زغلول البلانة : ( مقبلة من نهاية الزقاق ) ماذا أقول لك ..ربنا ينتقم منك ، أزغرد وأرقص
وأغني ، وأجدهم يشيعون ميتهم ، ويظنون أني امرأة مجنونة ويجري ورائي الصبية في الحواري والدروب وينادون علي بالمجنونة .
أكمل الماشطة : ( خارجة من بيتها تضرب أبو شامة على ظهره ) أين تذهب نساء وبنات زقاق القناديل منك أيها الداعر ..
أبوشامة : ( يسقط على الأرض وينهض ) وما ذنبي أنا ؟!
أم خوخة العدادة ) : تتحسس الجرح في رأسها ) ألم تكتب لي ورقة على بيت الميت فأجدههم
يجهزون لعروسة ؟!
أم زغول البلانة : ( تجفف دموعها ) وأنا تجعلني ازغرد وأرقص وأغني وسط جنازة ميت
..النساء صربنني ضربا مبرحا .
أبوشامة : إذن كان يوجد عرسا وأيضا يوجد جنازة ولم أخدع اي واحدة منكما ..فلابد أنكما بدلتما الورقتين اللتين ارسلتهما لكما هذا الصباح .
أم خوخة العدادة : أنت تعلم أننا نجهل القراءة والناس دلونا على المكتوب في الورقة .
أكمل الماشطة : بعدما بدلتما الورقتين بينكما .أيتها الحمقاوتان.
أم خوخة العدادة :( تضربه في صدره ) ومع ذلك فأنت السبب فيما حدث لنا .
أكمل الماشطة : (مواسية ) ربنا يعوض عليكما ..( تومئ إلي أبي شامه ) وينتقم من كان سببا فيما نالكما من أذي .
أبو شامة : ( سائرا في أرجاء الزقاق مشيرا إلى المشربيات والنوافذ والأبواب ) أبو شامة أصبح المسؤل عن كل المصائب في زقاق القناديل .. أشهدوا يا خلق ..يا أم فكرى يا خاطبة ، يا مبروكة يا مرضعة ، يا نعمات يا دلالة ، يا عم جعفر يا صرماتي ..يا عم فرج يا خمرجي ..أبو شامة هو المسؤول عن كل المصائب في زقاق القناديل وخارجة ، وأنا المسؤول عن أزمة الخبز والمسؤول عن شح المياة والمسؤول عن وقف الحال في (الفسطاط) كلها والمسؤول عن فساد الوزراء وعبث الأمراء وعن بطش العسكر الأتراك والأكراد وأنا من حطمت الجسور وبورت الأرض وأمت البهائم وأنا المسؤل عن الناس الذين يبيتون بطونهم فارغة وأجسامهم عارية وأنا ....
جعفر الصرماتي : ( متقدما منه وبيده صرمة مقاطعا ) كفاك يا أبو شامة ، أنت يا بني حمل
تلك المسؤليات ...لا تغضب .كل أهل زقاق القناديل يعلمون أنك خادم لهم من الكبير وإلى الصغير ، وتبحث لهم عن مصالحهم ..وإن قالت لك واحدة من الزقاق كلمة فمن ضيق الحال وغلبهم .
أبو شامة : ( يأخذ منه الصرمة ) أنا مقدر ما هن فيه يا عم جعفر ، أنا طوال النهار أبحث في الشوارع والحواري وأسأل هذا وذاك كي أعثر لهن عن عمل يأكلون من وراءة لقمة عيش .
مبروكة المرضعة : ( تطل من نافذة بيتها ) لا تغضب يا أبو شامة كل من في الزقاق يحبك
ويقدرك .
نعمات الدلالة : ( تعلق ثوبا على حبال المشربية ) نحن نعتبرك ابنا من أبنائنا بل أحب .
أم فكري الخاطبة : ( تخرج من باب بيتها ضاحكة ) عندي لك عروسة ، تقول للقمر قم وأنا
أجلس مكانك ..ماذا ترى يا أبو شامة ،ولن أتقاضي درهما منك نظير ذلك .
أبو شامة : ( مبتعدا عنها ) وهل هذا زمن يتزوج أحد فيه يا أم فكري .
غرام : ( تتدلي من فوق السطح بنصفها ) لا شأن لك بأبي شامة يا أم فكري ...أبو شامة خطيبي أنا .
أم فكري : ( متعجبة ) متى خطبتها يا أبو شامة ؟!
أبو شامة : ( ضاحكا ) في الأحلام .
غرام : ( تقذفه بحجر ) لو خطبت غيري سأقتلها وأقتلك يا ( أبو شامه) ثم أقتل نفسي .
ابو شامة : ( يتفادى الحجر ضاحكا ) إبدئي بقتل نفسك أولا يا (غرام ).
نعمات الدلالة : ( ضاحكة ) لقد سمعت أنك متزوج من امرأة ثرية وعندك منها اولاد ..يا داهية .
أبو شامة : ( يتحرك يمينا ويسارا ) أين أذهب منكن يا نساء وبنات الزقاق ؟!
فرج الخماري : ( يجذبه من يده ) تعالي عندي في المقهي سأقدم لك شرابا لن تنسى مذاقه
جعفر الصرماتي : ( محذرا ) أبو شامة لا يشرب الخمر يا فرج يا خمرجي .
فرج الخماري : ( ملوحا بيده ) ذهب الخمر وذهبت أيامه منذ حل الفاطميون بالبلد.. مع أني
أعرف أنهم يشربونه في قصورهم .
أبو شامة : ( متحسرا) الناس لا يجدون الماء ليشربونه أو يرون به أرضهم .
فرج الخماري : الناس مثلي ومثلك ولكن الأمراء الأغنياء والأتراك فإنهم يستحمون كل يوم
بالماء ..
جعفر الصرماتي : ( مندهشا ) أتقول الحق ؟! وهل هذا معقول ؟!
أبو شامة : ( مندهشا ) كل يوم ؟!
فرج الخماري : ( مصطحبا إياه ) دعك من هذا..أريد أن أسألك عن الطبيب (أبو الحسن ابن
رضوان ) وأصدقائه لم يأتوا المقهى منذ مدة ...أحدث ما يمنعهم من المجيء ؟!
زغلول : ( يعترضهما ) خذني معك يا أبو شامة لأجلس في المقهى وأشرب قرفة .
أبو شامة : ( يربت على رأسه ) تعالى يا زغلول .
فرج الخماري : ( يدفع زغلول بعيدا ) لا مكان لك في المقهى يا زغلول ..اذهب يا زغول أمك تنادي عليك .
أبو شامة : ( محذرا ) إن لم يأت زغلول ويشرب قرفة فلن أتي معك .
فرج الخماري : ( ملوحا له ) إذن تخلص من الصبية الذين يتبعونك كظلك .
أبو شامة : ألم تسأل عنهم ( ابن صورة ) دلال الكتب بجوار الزقاق ، فهم يتجمعون في دكانه أحيانا ؟
فرج الخماري : سألته ولكنه أخبرني أنهم لم يعودوا يزورونه مع أنه يدخر لهم العيدد من الكتب
كانوا يريدونها منه . .
أبو شامه : ( متعجبا ) وفيم تريد سيدي ( أبو الحسن بن رضوان) ؟!
فرج الخماري : ابني مريض منذ مدة وأريد أن يراه ويصف له دواءا ...وتلك الأرملة التي تقيم
في حارة (برجوان) بجوار الجامع العتيق ابنتها مريضة وأرسلت تسألني عنه.
أبو شامة : أعرفها ذات الوجه الأبيض المستدير ( أم مليكة )
فرج الخماري : ( مندهشا ) وما أدراك بوجها وهي ليست مكشوفة الوجه ؟!
أبو شامة : ( متباهيا ) ألا تعرف أن أبو شامه لا يخفى عليه شيء في زقاق القناديل وأعرف كل نساء وبنات الزقاق ومن يتردد عليه
فرج الخماري : وهذا الذي دفعني لأسألك عن الطبيب يا عفريت زقاق القناديل .
أبو شامه : ( مفكرا ) الذي أعرفه أنه يقابل المرضى يومي السبت والثلاثاء في قيسارية (ابن ميسر) بسوق (القشاشين) وأنا أظل أخدمه في هذين اليومين وبعد أن ينتهي ييتقابل مع أصدقائه أما في فندق (أبو الثناء) أو في وكالة (الحراني) ..وإن لم أعثر عليه سأذهب إلى بيته في القاهرة .
فرج الخماري : ( مندهشا ) وهل تعرف بيته يا أبو شامه ؟!
أبوشامه : نعم فقد صحبته أكثر من مرة حاملا له بضائع من حانوت ( حسين العطار ) ، ثم أنه يمنحني الكثير من المال في اليومين اللذين أعمل عنده
فرج الخماري : إنه يحب ويعطف على كل أهل الزقاق ، فهو مولود هنا .
أبو شامه : ( مندهشا ) الطبيب ( أبو الحسن ) مولود هنا ..أمعقول هذا لقد سمعت أنه طبيب أمير المؤمنين ؟!
فرج الخماري : لقد أخبرني والدي بذلك .
أبو شامه : ( غير مصدق ) وكيف وصل إلى قصر أمير المؤمنين في القاهرة ؟!
فرج الخماري : بجده واجتهاده وعلمه ...فهو أبرع أطباء زمانه .
أبوشامه : ( متعجبا ) نعم فهو غنسان عظيم يفحص المرضى ولا يتقاضى أجرا لى هذا ، بل رأيته يعطيهم الدواء مجانا ...وحديثك عنه زادني إحتراما له ..سأوافيك بأخباره حالا .
فرج الخماري : ( يربت على كتفه ) وأنا في انتظارك لتعود لي بأخبار عن الطبيب .
زغلول : (يجذب فرج من طرف ثوبه ) وأنا ألن أشرب القرفة ؟
فرج الخماري : ( يدفعه ) اذهب إلى حال سبيلك أيها الفتى .
أبو شامة : ( متوعدا ) إن لم تقدم له القرفة وطعاما أيضا فلن أتيك بأخبار إنه من أعز أصدقائي في الزقاق
فرج الخماري : ( جاذبا زغلول من يده ) تعالي لأسقيك القرفة ( مهددا ) وبعد ذلك تبرح
المقهى على الفور .
إظلام .
الفصل الأول
المشهد الثاني
في بيت الطبيب (أبو الحسن بن رضوان ) بالقاهرة ، يلتقي بأصدقائه في حجرة مكتبته ، الأرفف المعلقة على حوائط الحجرة مكددسة بأعداد كبيرة من من مختلف الأحجام والأشكال ، ومناضد وسط الحجرة متفرقة عليها أكواب العصير وأطباق الفاكهة ، وفي جانب منضدة كبيرة الحجم موضوع فوقها قناني ذات ألوان وأحجام مختلفة وفي وسط كل زجاجة شريط من الورق الأبيض مكتوب عليها باللون الأسود اسم الدواء وتحته اسم الداء الذي يعالجه ، الأرائك الوثيرة متفرقة في القاعة يجلس الطبيبب وحوله وأمامه مجموعة أصدقائه .
حسام الغتدقلي : ( مندهشا ) نفهم من كلامك وحالتك تلك أنك لن تخرج معنا الليلة لنسهر ؟!
ولي الدين الشامي : ( ضاحكا ) طبيبنا في حاجة إلى طبيب يعالجه مما يشكو منه .
قمر الهاشمي : ( يقضم تفاحة ) إذا كان عظيم الأطباء في القاهرة وفي البلاد المجاورة يشكو فكان الله في عون الناس .
يوسف اللبدي : ( يسير خطوات في وسط المكان مشيرا إلى المنضدة وما عليها من قناني ) ربما تكون علة طبيبنا لا دواء لها من تلك الأدوية .
حسام الغتدقلي :(ساخرا ) إذن هو يشكو من علة داؤها غير معروف .
قمر الهاشمي : غير معروف ومعروف للبعض .
يوسف اللبدي : ( مندهشا ) ماذا تقصد يا هاشمي ؟!
قمر الهاشمي : ( ضاحكا ) أظن أن طبيبنا يعاني من تصدع قلبي .
يوسف اللبدي : ( مندهشا ) تصدع قلبي وما سبب ذلك ؟
قمر العاشمي : ( يوميء إلى الطبيب ) لأن القلب يهوي من تعيش في زقاق القناديل ويميل إلى من تقيم في قصر أمير المؤمنين .
أبو الحسن بن رضوان : ( منتفضا غاضبا ) طالما لم أصرح لك بشيء فليس من حقك أن تتفوه
بمثل تلك الترهات .
قمر الهاشمي : ( معتذرا ) عذرا ..أنا لم أقصد إغضابك ..كل ما قصدته ..
حسام الغندقلي : ( يربت ابن رضوان ويشير إلى الهاشمي) نعلم يا هاشمي أن قصدك مداعبة ابن رضوان ولكنه الليلة في حالة اكتئاب غريبة ، ومن حقك علينا يا أبا الحسن ألا نتركك إلا بعد أن نصرف ما بك من هم وغم وأشياء اخرى لا نعلمها .
يوسف اللبدي : (ضاحكا ) ولا شيء يصرف الهم والغم مثل سهرة للصباح وسط الغناء والرقص والموسيقى والشراب .
أبو الحسن بن رضوان : ( مشيحا عنهم ) ألا تخجلون من أنفسكم ؟!
الجميع : ( في صوت واحد مندهشين) نخجل من أنفسنا ؟!
حسام الغندقلي : ( مندهشا ) وما الجرم الذي أرتكبناه لنخجل من أنفسنا ؟!
أبو الحسن بن رضوان : ( مبتعدا عنهم إلى آخر القاعة ) حياة كلها لهو ولعب ..ليلة عند
(نسب الطبالة ) وليلة عند (خديجة الرحبانية) وليلة عند ( عزيزة السطوحي ) !!
حسام الغندقلي : ( ضاحكا ) ونسيثت المغنية ( اتفاق )
يوسف اللبدي : و (بهار ) القارسية.
قمر الهاشمي : و ( جوليا ) الرومية .
ولي الدين الشامي : و ( هوشة ) النوبية .
قمر الهاشمي : هذا فيما يخص الغناء أما ما يخص الرقص فلا أحدثك عن الراقصات الفاتنات .
حسام الغندقلي : من تفضل يا هاشمي ؟
قمر الهاشمي : ( يقف ويتقدم إلى وسط المكان ) كلهن يا صديقي .. التركيات لهن البياض ، الروميات لهن زرقة العيون ونعومة الشعر ، النوبيات لا يوجد لهن مثيل في الجمال لرقة شفاهن وشعرهن المرسل و ..
ابن رضوان : ( مقاطعا في حدة ) ألا تخجلون من حديثكم .
قمر الهاشمي : ( مندهشا ) أمرك غريب يا أبا الحسن ...ألم تصحبنا في كل تلك الأماكن ؟!
حسام الغتدقلي : أنسيت أنك أنت من عرفتنا على مجالس المرح الأنس تلك ؟!
ولي الدين الشامي : ( ضاحكا ) ثم ما الذي نفعله غير أننا نمتع أذاننا بالغناء والموسيقى وعيوننا بالرقص .
يوسف اللبدي : ( يربت على كتف ابن رضوان ) والباقي أنت تعرفه .
ابن رضوان : ( ساخرا ) وحالة البلد ، وما يعانيه الناس من سنوات من جوع وفقر ومرض وحرمان .
قمر الهاشمي : (مندهشا ) وما بأيدينا أن نفعله للناس ؟!
ولي الدين الهاشمي : وما الجديد في ذلك ؟! طوال عمر البلد (النيل) ينقص فتنتشر المجاعات وتتفشي الأمراض وتظلل الغمة الجميع .
يوسف اللبدي : إلى أن يأمر الله فتنكشف الغمة .
ابن رضوان :(متحسرا ) الغمة لا تظلل الجميع ولكن الفقراء والمعدومين فقط .
ولي الدين الشامي : ( بأسف ) معك حق والله يا أبا الحسن .
حسام الغندقلي : ( محتدا ) أي حق هذا الذي معه ؟!.لقد خلقوا فقراء قبل الغمة وبعد الغمة سيظلون فقراء .
يوسف اللبدي : ولهم راع يتحمل مسؤو ليتهم .
ابن رضوان : تقصد من ؟
يوسف اللبدي : أمير المؤمنين ..الخليفة الفاطمي ( المستنصر بالله )
ابن رضوان : ( ساخرا ) إنه لا يشعر بوجودهم أصلا .
يوسف اللبدي : فليشعروه بوجودهم .
ابن رضوان : ( ساخرا ) الفقراء يشعرون الخليفة الفاطمي بوجودهم ...إذن أنت لا تعرف الناس لأنك لا تسير بين الحواري والأزقة والدروب ..ولا تمشي في الأسواق. الناس يستجدون في كل مكان لا أريد أن أقول لك ماذا يأكلون .وما الأمراض التي بدأت تنتشر بينهم .. مقبلون على مصيبة وكارثة إن استمر الوضع على ما هو عليه
يوسف اللبدي : لأنهم ليسوا فقراء إلى الخبز فقط، ، ولكنهم فقراء في الإرادة والقدرة خاضعون مستسلمون يقبلون بالذل والهوان ، وكما تقول لديهم استعداد أن يأكلوا مالا يؤكل ..إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ابن رضوان : وهل يملكون أن يغيروا أي شيء .
يوسف اللبدي : إذن ليظلوا في هذا الذل والهوان والظلم .
ابن رضوان : وما دورنا نحن نحو هؤلاء ؟
يوسف اللبدي : ( متعجبا ( وما شأننا بهم وما شأنهم بنا ؟!
ابن رضوان : ( يقف مواجها له ) معك حق ..فأنت من الأعيان الأثرياء ومن الوافدين على البلد ، إن ضاقت بك البلد تعود إلى موطنك الأصلي في طرابلس .فلايهمك ما حدث لا ما سوف يحدث هنا في مصر .
يوسف اللبدي : معك حق ولكني اعتبر هذا البلد موطني الثاني والدليل أني أعيش هنا و كثيرا ما مددتُ يد العون والمساعدة للمحتاجين والفقراء كما تفعل أنت ولكن ما نفعله أننا نعطي مسكنا ومخدرا لمريض ميئوس من شفائه وأظن تلك الحالة أنت تتعامل معها بكثرة . .فالمجاعات تحدث منذ عشرات السنين وتحدث الآن وستحدث مستقبلا وليس بأيد الناس أو يأيدينا عمل شيء أكثر مما نعمله .
إسحاق العنابي : ( يدخل حاملا عدد من الكتب ) سلام على الصحاب الكرام .
ابن رضوان : ( يتناول الكتب ويضعها على المنضدة ) لقد تأخرت عن موعدنا .
أسحاق العنابي : ( يتناول كوبا من العصير ) لقد حضرت في الموعد المحدد ولكنني كنت واقفا بالباب أسمع ما يدور بينكم .
قمر الهاشمي :( ضاحكا ) ألن تقلع عن عادتك تلك يا (عنابي) ؟!
إسحاق العنابي : الباب كان مفتوحا وصوتكم يسمعه السائر في الميدان المجاور فقلت أنتظرحتى لا أقطع حديثكم .
قمر الهاشمي : إذن كنت تشاركنا السمع إن لم تكن تشاركنا الكلام .
ولي الدين الشامي : والآن تريد مشاركتنا الكلام .
حسام الغندقلي : تفضل شنف أذاننا بأرائك المملة لقد ضاعت السهرة ولن نذهب إلى اي مكان الليلة ، لكي يعجب ابن رشوان .
إسحاق العنابي : أول مرة أسمعكم تتحدثون في شأن يهم الناس في هذا البلد ، وهذا ما أدهشني وجعلني أقف بجوار الباب ولا أدخل .وأنا أؤيد ( ابن رضوان ) في كل ما قاله .
قمر الهاشمي : ( رافعا يديه صائحا ) طبعا كعادتك تؤيده في كل ما يقول وتعارضنا في كل ما نقول ..أتمنى أن أراكما في يوم تختلفان في الرأي .
ولي الدين الشامي : وأني لهما الاختلاف وهما نشأا معا وكأنهماأخوان ومشاربهما واحدة في القراءة والاطلاع ؟!
قمر الهاشمي : ( مشيرا إلى مجموعة الكتب ) ومنذ ان أصبح العنابي مسؤلا عن مكتبة القصر يغرق (ابن رضوان) بالكتب والمخطوطات النادرة .
حسام الغندقلي : ( يلتفت إلى العنابي ساخرا ) وفيما تؤيد (ابن رضوان ) بالضبط؟
إسحاق العنابي : ( جالسا واضعا قدما فوق الأخرى ) أؤيد ( ابن رضوان ) في كل ما قاله ، وأتفق مع (اللبدي) في كل ما ذكره .
قمر الهاشمي : ( ساخرا ) الكتب في مكتبة القصر تعددت عشرات الآلاف في كل فروع العلم والمعرفة ، فليس بغريب أن بنال عقل المسؤول عن كل تلك الكتب لوثة وخلل ...كيف تؤيد ( ابن رضوان ) في كل ماقاله وتتفق مع (اللبيدي ) في كلما ذكره وهما في الأساس مختلفان ؟!
إسحاق العنابي : ( ضاحكا ) أيها الشاعر المغمور والذي لم يقرأ من الكتب سوى عناوينها ..إن قرأها ...أتفق مع ( ابن رضوان ) أن الغمة التي استمرت سنوات ولا يعلم إلا الله إلى متى ستستمر لا يصطلي بنارها إلا الفقراء وأهل البلد ، أما الجنود والقواد وأمراء الجنود من أتراك وأكراد وعبيد وأعراب ومغاربة ولواته فسلاحهم في يدهم يمكنهم من فعل أي شيء وهم يرتهنون البلد حتى أمير المؤمنين مرهون بإرادتهم ، واتفق مع (اللبدي) أن الناس وأهل البلد تنقصهم الإرادة والقدرة والرغبة في تغيير هذا الوضع .
قمر الهاشمي : ومنذ متى الناس وأهل البلد يملكون شيئا ..لقد قلت أن من معه السلاح والقوة هو من يحصل على حقه وعلى أكثر من حقه .
أسحاق العنابي : ولكن صوت الناس أحيانا يكون أقوى وأمضى من هؤلاء الجنود لسبب أوحد انهم أصحاب البلد الحققيين بينما غيرهم غرباء .يوازنون بين المكسب والخسارة ، وسوف يتركون البلد إن لم يكسبوا ويتركوا المهزوم وإن كانوا يحاربون تحت لوائه وينضمون للمنتصر حتى وإن كانوا يعادونه .
حسام الغندقلي : طالما الفقراء وأهل البلد لهم مثل هذا التأثير فلم لم يستخدموه.
إسحاق العنابي : أيها الكاتب الهمام يا من تخونه ذاكرته ..في عهد (العزيز بالله) سيطر اليهود والنصارى على دواواين الدولة ، فتجمع الناس وكتبوا رقعة وجعلوا امرأة تحملها أثناء مرور موكب الخليفة وسلمته إياها واختفت بين الناس وكان مضمون الرقعة : ( يا أمير المؤمنين بالذي أعز النصاري( بعيسى بن نسطورس ) واليهود (بمنشا بن إبراهيم) وأذل المسلمين بك ألا نظرت في أمري ) ولما أطلع الخليفة على أمر الظلامة خشي من غضب الناس فأمر بالقبض على اليهود والنصاري واخلى دواوين الدولة منهم وعين بدلا منهم المسلمين من أهل البلد
ابن رضوان : وأيضا في عهد (الحاكم بأمر الله) حدث أن كان المعروض من الخبز على درجة كبيرة من الرداءة ولونه أسود ورائحته كريهة فأثار الناس ضجة شديدة وتجمعوا وذهبوا ووقفوا تحت نوافذ القصر وكتبوا شكوى وأرفقوا بالشكوى رغيفا للبرهنة على كلامهم فتحرك (الحاكم بأمر الله) وقبض على الطحانين والدقاقيين وبعد ذلك أعادوا الخبز إلى سابق عهده .
العنابي : وما من مرة يتجمع الناس من مظلمة ما إلا واستجاب الحاكم لهم .لأن لا أحد يستطيع الوقوف أمام غضب الناس .
اللبدي : وما العمل إذا كان الناس الآن لا يغضبون ولا يرفعون مظالمهم ؟!
ابن رضوان : إنهم يغضبون ولكنهم لا يعبرون عن غضبهم بشكل فعال .
اللبدي :لماذا ؟
ابن رضوان : أظن لا يجدون من يدفعهم إلى هذا ويجمعهم وينظمهم
العنابي : ويقودهم ويوجههم .
الغندقلي : ومن الذي سيفعل ذلك ؟!
ابن رضوان : ( متحمسا) نحن .
الجميع : ( في صوت واحد ) نحن ؟!
ولي الدين الشامي :وما الذي نستطيعه ؟!
ابن رضوان : معظم النار من مستصغر الشرر .
العنابي : (مفكرا ) أظن فات أوان ذلك يا ( ابن رضوان ) الأمر أصبح أكبر من تجمع الناس والذهاب إلى قصر الخليفة ورفع شكاوي ..لأن البلد قسمت بين قيادات الجيش وكل قائد يحكم بقوة السلاح
الغتدقلي : والخليفة ؟
العنابي : ليس له من الخلافة إلا الاسم .
قمر الهاشمي : إنه سبب كلما نحن فيه .
العنابي : إنه خطأه وخطأ من كان قبله
ولي الدين الشامي : بهذا وصلنا إلى طريق مسدود وعدنا إلى البداية أننا ليس بأيدينا شيء .وأن الوضع لن يتغير وسيستمر وكل الذي خسرناه وضيعناه هو السهرة لك الله يا ( ابن رضوان ) أنت و(العنابي)
العنابي : الوضع في البلد الآن وصل إلى قمة الفساد، وأي تغيير يحدث أظن سيكون في صالح البلد .
ابن رضوان : ماذا تقصد ؟
العنابي : هو قائد على الجيش التركي بدأ يلمع نجمه وأظن هو وحده بيده إحداث تغيير لهذا الوضع
قمر العاشمي : تقصد ( ناصر الدولة بن حمدان) ؟
ابن رضوان : نعم ، لقد سمعت عنه لقد خاض معارك بينه وبين (المستنصر) وانتصر في معظمها وانتصر على جيش العبيد وطاردهم حتى الصعيد
العنابي : لي صديق مقرب منه يقول عنه أن بيده إحداث تغيير كبير في البلد والمهم أنه ذكي وقد يعيد إلى الدولة هيبتها وسيطرتها إن صار له الأمر .
ولي الدين الشامي : ( ينهض ) إذن ما علينا إلا الانتظار .
العنابي : وعلينا تأييده ومساندته .
ابن رضوان : ( متحمسا ) نعم كما تقول علينا تأييده ومساندته .
اللبدي : أكثر شيء أخشاه حماسكما لشيء في طي الغيب .
الغندقلي : وهل نعرف شيئا عن( ناصر الدولة )هذا وما هي خططه وما هي أهدافه .
العنابي : المهم أنه سيغير مانحن فيه .
ولي الدين الشامي : ألا يمكن أن يكون إلى الأسوأ؟.
العنابي : أسوأما نحن فيه ؟! لا أظن .
بن رضوان : الأسوأ ليس عنده حد يقف عنده ، فمنذ أعوام لم نكن نتخيل أن تصل حال البلد إلى ما وصلت إليه .
ولي الدين الشامي : لا تنس أن (ناصر الدولة) ليس مصريا .
ابن رضوان : أغلب الذين حكموا البلد ليسوا مصريين . وفي الأغلب جاءوا خصيصا ليحكموا أهلها
ولي الدين الشامي : ألا تعتبر هذا غريبا ؟
ابن رضوان : ماذا تقصد ؟
ولي الدين الشامي : لماذا لا يكون الحاكم من أهل البلد ؟ أنت مثلا أو العنبابي أو الغندقلي .
قمر الهاشمي : ( ضاحكا ) إن هذا لم يخطر لنا على بال .
ولي الدين الشامي :حتى الفكرة لم تخطر على البال .فما بالك أن تتحقق فعليا ؟
العنابي : ( صائحا ) أنتم تحلمون ...نحن نتمني من يخرج البلد من حالتها السيئة أي ماكان جنسيته حتى لوكان الشيطان نفسه ، أما أن يكون مصريا أو غير مصري فهذا هوالوهم نفسه ، ثم منذ متى كان الحاكم مصريا ؟!
ولي الدين الشامي : ( ينهض وينهض معه الباقون ) على رأيك كان الحاكم رومانيا ثم عربيا إسلاميا ثم جعاعة الطولونيين ثم الآخشيد ثم الفاطميين ولاندري من الذي سيحكم بعد ذلك ؟
الغندقلي : (ضاحكا ) تأبى الأقدار ألا يكون من أهل البلد الخلص .
العمنابي : ( يتجه نحو الباب ) للأسف نحن من نصنع أقدارنا .
ابن رضوان : ( مندهشا ) إلى أين أنتم ذاهبون ؟!
ولي الدين الشامي : دقائق والفجر يؤذن يا (ابن رضوان ) سنتركك مع صديقك تكملان
السهرة
العنابي : ( مودعا ) لدي عمل باكرا في مكتبة القصر... أحمالا من الكتب في حاجة إلى تنيسيق وترتيب ..( مودعا ) تصبح على خير يا (ابن رضوان) سأنتظرك في المكتبة بعد الظهر ..تصبح على خير .
إظلام
الفصل الأول
المشهد الثالث
القاعة الرئيسية في قصر (اللؤلؤة) بالقاهرة ، المقر الجديد الذي اتخذه ( ناصر الدولة بن حمدان ) ليدير أمور الحكم بعد إخراج أم الخليفة ( المستنصر بالله ) من القصر وسجنها وبناتها ، يقف مطلاعلى حديقة القصر من إحدى النوافذ ،تدخل عليه زوجته (أفين ) ترفل في ثيابها :
أفين : وماذا أفعل بكل هذا الثراء والسلطان إذا كنت أفتقدك ؟!
ناصر الدولة : ( ملتفتا إليها ) أهلا الجهة الجليلة والستر الرفيع الملكة .
أفين : ( تسمك بيديه الممدودة إليها ) ملكة بلا ملك !
ناصر الدولة : ( يتجهان إلى كرسي العرش ويجلسان ) وأنا ماذا أفعل هنا ؟!
أفين : ( معاتبة ) أتتذكر آخر مرة جلسنا وتحدثنا ؟!
ناصر الدولة : ( يقف واضعا يديه خلف ظهره ) معذرة في الفترة الأخيرة شغلت عنك .
أفين : ( تقف مقتربة منه ) أنت لم تشغل عني فحسب بل عن نفسك ...أنت لم تعد تنام ولم تعد تأكل وطوال اليوم اجتماعات مع قوادك وأصدقائك ، إن ابنك لم يعد يراك ..وانا كدت أنسى ملامحك .
ناصر الدولة : ( يمس على شعرها ضاحكا ) أنت دائما تبالغين ...وأي ملامحي تلك التي كدت تنسيها .
أفين : ( تسمك بديه ) أنت لم تعد زوجي الذي أعرفه ، لقد صرت شخصا آخر لقد تعيرت ..تبدلت .ليس هذا فحسب بل صرت أخافك .
ناصر الدولة : ( مندهشا ) تخافينني ؟!
أفين : ( مستدركة ) وأخاف عليك ؟
ناصر الدولة : ( متعجبا ) لم كل هذا ؟
أفين : دائما في حالة حرب ، من شمال البلاد إلى جنوبها ، والحرب سجال بين النصر والهزيمة ، أصدقاء اليوم هم أعداء الأمس ، وأعداء الأمس أصدقاء اليوم ...
ناصر الدولة : ( مقاطعا ) ولكن جنينا ثمرة كل هذا التعب وأوشكنا أن نصل إلى ما كنا نحلم به .
أفين : ما هذا الذي كنا نحلم به ؟
ناصر الدولة : أن أكون الحاكم الأوحد لهذه البلاد ، وأن تكونين الملكة .
أفين : قد يغفرون لك كل شيء إلا هذا .
ناصر الدولة : ( متعجبا ) ماذا تقصدين ؟ ومن هؤلاء الذين تتحدثين عنهم .
أفين : أعداؤك وأصدقاؤك .
ناصر الدولة :( مندهشا ) أفهم أن أعدائي لا يغفرون لي أن كسرتهم وهزمتهم وأذلتهم ...ولكن ما بال أصدقائي ؟!
أفين : أتظن أنهم يقبلون حاكما عليهم من أنفسهم ؟
ناصر الدولة : لم لا إذا كانوا سيحصلون على مكاسب جمة ..أموال ومناصب ومكانة .
فوزي وانتصاري سيجنون ثماره معي وبي . ..فأنا اليوم قائدهم وغدا سأكون خليفتهم .
أفين : والحسد والغيرة .
ناصر الدولة : النصر سيسكرهم ويجعلهم يخضعون لي ويجبرهم على أن يبتلعوا حسدهم وغيرتهم .
افين : نسيت أهم شيء .
ناصر الدولة : ما هو ؟
أفين : أنهم يقبلون يد خليفتهم ويسجدون له .
ناصر الدولة : ( متعجبا ) ولم لا يفعلون معي ما كانوا يفعلونه مع غيري ؟!
أفين : يفعلونه مع غيرك أما معك فلا ؟
ناصر الدولة : ( مندهشا ) لماذا ؟!
أفين : لأنك لست منسبا ...أنت مثلهم وهم مثلك .
ناصر الدولة : ( حزينا ) بعدكل ما فعلته !
أفين : ( معتذرة ) لا تؤاخذني ...ولكنك ...
ناصر الدولة : ( مقاطعا في غضب ) ولكني انتصرت على من يجلس هناك في القصر ..وأجريت عليه أموالا رحمة به وشقفة عليه .
أفين : نعم انتصرت على خصم لك في ميدان المعركة ..ولكنك لم تنتصر على مكانته ومنزلته في قلوبهم وصدروهم .
ناصر الدولة : ماذا تقصدين ؟
أفين : الرسول الذي أرسلته كي يحذر المستنصر ويترك قصره ..لم يستطع أن يوجه له كلمة ..وسجد بين يديه وجاءك يبكي مما حل به من هوان وذلة ..أنت نفسك لم تستطع ان تواجهه ..وأقطعته مالا .مازالوا لا ينادونه إلابأميرهم .أمير المؤمنين .
ناصر الدولة : ( مفكرا ) معك حق وهذا ما فكرت فيه ؟
أفين : قيم فكرت ؟
ناصر الدولة : إن لم أكن منسبا فسأستظل بالمنسبين .
افين : تقصد من ؟
ناصر الدولة : العباسيين في بغداد .
أفين : وهل يرتضونك ؟
ناصر الدولة : كما كان حلم الفاطييين أن يبسطوا سلطانهم على بغداد ، حلم العباسيين ان يبسطوا سلطانهم على القاهرة .
أفين : ( ساخرة) وماذا فعلت ؟! كنت تسير في ظل الفاطيين الأمس وغدا ستسير في ظل العباسيين ..والظل ليس له صفة الدوام فحالما ينقشع ويتبدد وتبقى مكشوفا عاريا
ناصر الدولة : ( مشيرا إلى صدره ) إلا إذا كان ظلي أنا .
أفين : أفهم من ذلك ..
ناصر الدولة : سأستعين بقوة العباسين من الجيوش التي سيرسلونها واستغل مكانتهم في قلوب الناس هنا وبعد أن أقوى سأتخلص من كل المعارضين والمنافسين ولا يبقى إلا ناصر الدولة ...ناصر الدولة فقط وبذلك أمهد الطريق لأبننا ولأحفادنا ستقام الدولة الحمدانية هنا في القاهرة .
أفين : ( تقترب منه وتربت على يده ) الم أقل لك إني أخاف منك وأخاف عليك .
ناصر الدولة : ( ينهض محتضنا إياها ) لتترك مليكتي كل تلك الأمورولا تشغل بالها بأي شيء إلا ما يخص ابننا وأمور الحريم ...
الحارس : ( مستأذنا ) لقد حضر القادة وينتظرونك في القاعة الكبرى يا سيدي .
ناصر الدولة : ( متذكرا ) حديثي معك أنساني لقاء هاما مع رجالي
أفين : ( خارجة ) أعانك الله على ما هو قادم .
ناصر الدولة : ( يستوقفها ) ما الذي يخيفك مما هو قادم ؟
أفين : ( شاردة ) أحلام أراها ..وطالع أخبرتني به (برجيس) .
ناصر الدولة : ( ضاحكا ) القصر امتلأ بمن يطالعن النجوم !
أفين : تقصد من ؟
ناصر الدولة : فرح ناز .
أفين : ( محتدة ) إنها تسمعك ما تحب سماعه ، أنت تعطيها أذنك كما تعطيها أشياء أخرى .
ناصر الدولة : ( ممتعضا ) أتصدقين ما تخبرك به ( برجيس ) تلك الجارية الحمقاء التي استولت على عقلك واهتمامك .
أفين : لا تنس أن كثيرا ما أخبرتني به قد حدث وما تنبأت به قد وقع وفيما يخصك بصفة خاصة ..وليست مثل ( فرح ناز ) التي لا تجيد سوى الغناء والرقص بينما ( برجيس ) ..
ناصر الدولة : ( متعجبا ) أنى لها العلم بذلك ؟!
أفين : تقول إنها من قوم في فارس مهروا في قراءة الطالع وما تقول به النجوم.
ناصر الدولة : أو أن هناك من يخبرها بكل ما تقول به .
أفين : من ؟
ناصر الدولة : ( متطلعا إلى الباب ) لا أدري ...لقد أبطأت عن لفاء الرجال ..
أفين : ( منصرفة ) لا تطيل السهر فأنت لم تنم من أول أمس .
ناصر الدولة : (ينهض منصرفا) أيها الحارس ...أخبر القادة بقدومي .
(إظلام )
الفصل الأول
المشهد الرابع
قاعة مربعة الشكل في كل جانب منضدة كبيرة عليها العديد من المجسمات الحجرية والخشبية تشكل خرائط ميدانية ، لمواقع قتال جيوش (ناصر الدولة) ويتصدر القاعة خريطة كبيرة تغطي أغلب الجدار المتصدر القاعة ، مرسوما عليها الصعيد ومديني الفسطاط و القاهرة ومدن الوجه البحيري ،ودوائر حول مدينة الأسكندرية والبحيرة ودمياط ، الجدران معلق عليها أنواع وأشكال من الآت القتال ، كرسي كبير في صدر القاعة وعلى يمينه ويساره العديدةمن الكراسي دونه في الحجم ، قائد الجيش الكردي ( تاج الملوك شادي ) وقائدي الجيش العربي (ابن كيغلغ) و ( العز بن سنان ) والأخوين لناصر ( فخر العرب ) و ( تاج المعالي ) والصديق المقرب ( أبو جعفر النجاري ) الجميع متفرقون حول الخرائط الميدانية يتحدثون تارة في حدة وأخرى في هدوء يتفقون ويختلفون ، الجمييع في زيه الحربي ، العبيد والجواري يقدمون لهم الشراب والفاكهة ، وبين الحين والاخر الجميع يتطلع نحو الباب الرئيسي ينتظرون مقدم قائدهم ( ناصر الدولة ) .
تاج الملوك شادي : ( مشيرا إلى الخرائط الميدانية مخاطبا الجميع ) يا ترى ما هي الخطرة القادمة للقائدنا ( ناصر الدولة ) .
ابن كيغلغ : جيوشنا منتصرة في أغلب المعارك .
ابن سنان : وحتى المعارك التي لم نخضها بعد نتيجتها مضمونة .
فخر العرب : ( يفرغ الكأس في جوفه ) الانتصارات تجلب بعضها البعض .
تاج المعالي : عن قريب ستصبح البلاد كلها جنوبها وشمالها في قبضتنا .
تاج الملوك شادي : كل هذا بفضل قوة وشجاعة وجرأة قائدنا .
فخر العرب : بارك الله فيه ، يقودنا من نصر إلى نصر .
ابن كيغلغ : لا تسوا أن ثمن تلك الانتصارات كان فادحا فأعداؤنا أقوياء وكثر .
ابن سنان : ومنذ متى لم يكن للانتصارت تضحيات جمة ؟!
ابن كيغلغ : على رأيك فقد فقدنا الكثير من زهرة شبابنا .
تاج المعالي : لأننا خضنا الكثير من المعارك في مدة وجيزة .
تاج الملوك شادي : ( ملتفتا إلى أبو جعفر النجاري ) مالي أراك مهموما يا أبا جعفر .
أبو جعفر النجاري : ( منتبها ) أنا لست مهموما ، ولكن هناك ما يشغلني .
تاج الملوك شادي : ( ضاحكا ) الآن بعد ما حقننا ما حققناه .
أبو جعفر النجاري : إذا فكرت فيما هو قادم ، فقد يتبدد كل ما حققناه من نصر وظفر .
تاج الملوك شادي : ( مستنكرا ) لأنك لست قائدا عسكريا ولم تخوض المعارك بنفسك تستخف بما حققناه وسنحققه .
أبو جعفر النجاري : ( ينهض مشيرا إلى المناضد والخريطة على الحائط ) أتفق معك أننا ما حققنا عظيما ولا أحد ينكر ذلك لكن أظن أننا بعدكل هذا لم نبدأ بعد ، وليس كل من يخوض المعارك يكون ملما بما يحدث خارج ميدان المعركة ، وما يحدث خارج الميدان وبعيد عن نظر القواد قد يكون له أثر ، وأثر كبير في تغيير مصير المعركة .
تاج الملوك : والذي لم يخض المعارك ويصطلي بنارها أني يكون له التقدير الصائب ، وغالبا تكون نتيجة المعركة لها تاثير كبير فيما يحدث وسيحدث خارج الميدان .
أبو جعفر النجاري : ( يمسح على لحيته ) لا أخالفك الرأي في هذا ، وإن كنت لا أتفق معك كثيرا .
تاج الملوك شادي : ( متعجبا ) إذا كنت لا تخالفني الرأي ، معنى هذا أنك تتفق معي .
أبو جعفر النجاري : لا أخالفك الرأي في أن نتيجة المعارك قد تؤثر في تغيير أمور كثيرة ولكنها لا تحسم ولا يكون لها الحكم النهائي .
تاج الملوك شادي : وما الدليل على كلامك هذا ؟ !
أبو جعفر النجاري : أننا خضنا ونخوض معارك كثيرة وانتصرنا ومع ذلك مازال (بلدكوز) و ( إلذكر ) والوزير ( ابن كدينة ) يحاربون تحت راية المستنصر بالله ومن قبلهم الوزير ( خطير الملك ) وأظن أن الحرب ستظل سجالا بيينا إلى أمد طويل و ..
تاج الملوك شادي : ( رافعا قبضته في الهواء ) تمنيت أن قتلت ( إلذكر ) مثلما قتلت الوزير ( خطير الملك ) ولكنه استجار بالمستنصر بالله فأجاره
[ يدخل رئيس الحرس من الباب الرئيسي ووراء العديد من الحراس ]
رئيس الحرس : ( بحماس ) قائد الجيوش ناصر الدولة وسيفها ذي المجدين نصر الدين الحسين بن حمدان التغلبي .
ناصر الدولة : ( جالسا على كرسيه بعد أن حيا الجميع ) فيم كنتم تتحدثون ؟
تاج الملوك شادي : ( ساخرا ) البعض لم يدخل معركة ولم يخض حربا ومع ذلك يقلل من قيمة ما حققناه في ميادين المركة ، بل يقول إن كل تلك الانتصارات لم يكن لها كبير تأثير .
أبو جعفر النجاري : ( محتدا ) هذا ما لا أقوله ، ولعلك لم تفهم ما قصدته و..
تاج الملوك شادي : (مقاطعا في غضب ) أأنا لم أفهم و..
ناصر الدولة : ( مشيرا إلى تاج الملوك شادي ) على رسلك يا (شادي ) أنت محق في ما قلته ..أن (النجاري ) لم يدخل معركة ولم يخض حربا ، ومع ذلك فنحن في مسيس الحاجة إلى رأيه ، كثيرا ما يلهينا صليل سيوف المعركة وقعقة السلاح عن سماع أصوات العقل ، وتشغلنا التحركات داخل ميدان المعركة والمناورات عن تحركات الآخرين ومؤامراتهم خارج الميدان ، وأنا اليوم اجتمعت بكم لأننا مقبلون على مرحلة خطيرة ودقيقة ( يقف ويتحرك نحو الخريطة التي تتصدر جدران القاعة مشيرا إلى أماكن بصولجان في يده ) فكما تعلمون هزمنا جيش العبيد وطردناهم إلى آخر الصعيد ، وهنا جيوشنا حاصرت القاهرة والفسطاط والوجه البحري والإسكندرية ودمياط في أيدينا وقبل أن نتقدم أو نخطو خطوة أو نتخذ قرارا مصيريا لابد أن نراجع أو ننظر إلى الوراء
تاج الملوك شادي : تقصد الصفوف الخلفية لجيوشنا .
ناصر الدولة : والأمامية أيضا .
الأعز بن سنان : وماذا تقصد بالقرار المصيري ؟!
ناصر الدولة : دعه لوقته المناسب فما زلت أفكر في رد فعله وتأثيره .
ابن كيغلغ : تأثيره على من ؟
ناصر الدولة : علينا كلنا .
ابن كيغلغ : ولماذا لا نعرف هذا القرار الآن ؟
ناصر الدولة : هناك امور كثيرة لا أجرأ حتى بالبوح لها لنفسي .
فخر العرب : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .
تاج المعالي : وللقائد حساباته ..وفي الوقت المناسب سنعرف كل شيء .
النجاري : ( يقف ويتقدم من ناصر الدولة ) لقد أمرت مؤخرا بإقامة الخطبة للخليفة العباسي ( القائم بأمر الله ) في الإسكندرية ودمياط .
ناصر الدولة : وفي المستقبل إذا سارت الأمور مثلما نريد ستقام في القاهرة والفساط .
النجاري : ألم نتسرع في ذلك ؟
ناصر الدولة : ماذا تقصد ؟
النجاري : أي نحن نفذنا ما يريدون بدون أن نتلقي ثمن ذلك .
ناصر الدولة : تقصد أن يرسلوا لنا عددا وعتادا ؟
النجاري : نعم .
ناصر الدولة : وكيف يعرفون أننا جادون في هذا الأمر ، فإرسال جيشا من قبلهم بدون أن نظهر لهم رغبتنا الجادة في إقامة الخلافة العباسية هنا نوع من المجازفة .
النجاري : وإقامة الإمامة لهم بدون أن يصلنا منهم شيء نوع من المغامرة .
تاج الملوك شادي : ( متدخلا في الحديث بحدة ) وما حاجتنا لجيش من العباسيين ؟!
ابن كيغلغ : نحن لدينا ما يكفينا من عدة وعتاد وقد حققنا انتصارات كما وضحت على الخريطة في اغلب المواقع .
ابن سنان : ونحن لا نعرف هؤلاء القادمين لمن سيكون ولاؤهم ؟
تاج الملوك شادي : ( غاضبا ) وانا لا ادري رغبتك الجامحة في أن نضع أعناقنا تحت سيوف العباسيين بعد ان تحررنا من سطوة وهيمنة الخليفة الفاطمي المستنتصر ؟
ابن كيغلغ : وما الفائدة التي ستعود علينا من استبدال العباسيين بالفاطميين ؟
فخر العرب : ( محاولا تهدئة من حوله ) أكيد هناك فائدة من الاستعانة بالعباسيين وقائدنا ناصر الدولة لن يفكر ويتصرف إلا فيما يفيدنا .
تاج المعالي : وهناك أمور يناقش فيها القائد فقد يقصر فهمنا عما يفكر فيه .
تاج الملوك شادي : نحن لا ننكر ذلك ، ولكن لابد أن نكون على بينة من الأمر وأن ينفرد أحدنا بقرارت مصيرية أو يحجب عن الاخرين نواياه فيما هو قادم ..
ناصر الدولة : ( يتقدم إلى وسط القاعة مقاطعا في غضب ) لا تنسوا أنني القائد الأول هنا ، وأنا الآمر الناهي .. وأول شيء تعاهدنا عليه السمع والطاعة لي والانصياع لما أمر به ، ولولاي لما أصبحتم قواد النصر يسير في ركابكم ويشار إليكم بالبنان والكل يهابكم ويعمل لكم ألف حساب .
تاج الملوك شادي : ( واقفا كاظما غيظه ) إذا كنت تتحدث عن الانتصارات التي أحرزتها فأنا شريكك فيها وكنت اقاتل كتفي في كتفك وضحيت بالآف الجنود من بني جلدتي الأكراد ،وقتلت أعدى اعدائك الوزير ( خطير الملك ) واظن أقل جندي من جنودي لن يقبل أن يقلل أحد مما بذله من عرق ودم ، وانا تاج الملوك شادي الجميع يعرف بلائي ولا ادين لأحد بالفضل ، فقط ذراعي وسيفي وجنودي .
ناصر الدولة : ( واقفا ) لا ترفع صوتك في حضرتي يا شادي .
تاج الملوك شادي : ( متجها نحو الباب ) إذن سأخرج من حضرتك ليظل صوتي مرفوعا ( ناظرا إلى الباقين ) ومن يريد ان يتبعني فليلحق بي .
ابن كليغلغ : ( يتبعه ) خذني معك يا شادي .
الأعز بن سنان : ( يتبعهما ) وفيما بقائي ..خذوني معكما .
النجاري : ( مفزوعا ) ما هذا الذي قلته واقدمت عليه ..لم اعهدك من قبل بمثل هذا الغضب الذي دفعك لتخسر أهم قوادك والمخلصين لك ...ليس هذا فحسب بل السند الأكبر والأقوى لجيشنا .
ناصر الدولة : هم لا شيء بدوني .
النجاري : ولكن ماذا سيكون وضعنا حينما يعرف اعدائنا أن جيش الأكراد والعرب قد انسحبوا وحدث خلاف .
ناصر الدولة : ليذهبوا إلى الجحيم .
النجاري : ليتهم يذهبون إلى الحجيم ولا يذهبون إلى مكان أخر .
ناصر الدولة : ماذا تقصد ؟
النجاري : قد ينضمون إلى أعدائنا ..حينئذ لن نستطيع ان نقف أمامهم .
ناصر الدولة :أويفعلون ؟!
النجاري : ما الذي سيمنعم ؟
فخر العرب : رغبة في الكيد لك .
تاج المعالي : وحين يعرف اعداؤنا إنشقاقهم عنا سيعرضون عليهم أن ينضموا إليهم .
ناصر الدولة : وبما تشيرون على .
النجاري : أن يلحق بهم فخر العرب وتاج المعالي محاولين تهدئتهم وترضيتهم كي يرجعوا .
ناصر الدولة : وحينما يعودون ؟
النجاري : ( يقترب منه ويسر إليه ) الحرب خدعة ...وليس هذا الوقت المناسب للتخلص منهم ..ووجودالآلاف من الأكراد والعرب في الجيش من شأنه أن يقلل من جرأة وغرور الجنود الأتراك ...ثم لا تنس أن كل ما أرسله الخليفة العباسي( القائم بأمر الله ) عددا من الخلع والكثير من الأموال ومعهما وعد ، ولا ندري أيصدق في وعده أم لا .
ناصر الدولة : ولماذا لا يفي بوعده ؟
النجاري : لقد تحدثت مع رسول ( القائك بأمر الله ) محاولا ان أسبر غوره فيما يخص أرسال رجال إلينا ، ففهمت من تليمحاته أن ( القائم بامر الله ) متردد في إرسال قوات .
ناصر الدولة : مترددا وليس ممتنعا .
النجاري : المتردد لا يحزم أمره ، ويضيع فرصة ، وأخشي إذا ضاعت الفرصة أن نضيع معها .
ناصر الدولة : ( مخاطبا أخويه ) فيما وقوفكما اسرعا وحاولوا أن تقنعوهم ليعودوا فما حدث مجرد خلاف في الرأي .
فخر العرب : ( متجها نجو الباب ) ألن تاتي معنا .
النجاري : اذهبا أنتما ..(شادي) لا يطيق رؤيتي أوسماع صوتي .
( إظلام )
الفصل الأول .
المشهد الخامس :
في مخدع الجارية المقضلة لناصر الدولة ( فرح ناز ) في قصر (اللؤلؤة) بالقاهرة ، منضدة في جانب الحجرة عليها كؤوس الشراب وأطباق الفاكهة ، وعلى الجدران العديد من االأرفف موضوعة عليها عدد من الألات الموسيقية المختلفة ، وفي صدر القاعة اريكة وثيرة يجلس عليها ناصر الدولة وبجواره ( فرح ناز ) وبجوارها آلة العود ، السدائل مسدلة على النوافد ، ومبخرة يتصاعد منها الأبخرة في ركن من أركان الحجرة .
فرح ناز : ( تقدم له كأسا) هذا ما تقول به الكتب وتبوح به النجوم يا مولاي .
ناصر الدولة : ( يتناول الكأس ضاحكا )ألا فلتعلمي أيتها الجارية الفارسية الحمقاء أني لست بمصدق ما تبئك به كتبك ، ولست بمؤمن بما تطلعه عليك أنجمك .
فرح ناز : ( تطوق عنقه بزراعيها ) وبما تفسر حديثي لك وكللك أذان مصغية ؟
ناصر الدولة : ( يمس على شعرها ) أروح عن نفسي ،وأجد فيك وعندك ما لا أجده عند الأخريات ألجأ إليك لأريح هذا الذهن المثقل بأعباء لا تتحملها الجبال ، وهموم تضيق بها الآفاق .
فرح ناز : أنا أمتك وجاريتك المحبة المخلصة ، ولو لم احبك كل هذا الحب ما قلت لك ذلك .
ناصر الدولة : ( يوليها ظهره ) كلكلم تخوفنني أنت و(أيفين) وأصدقائي .
فرح ناز : قد نرى ما لا تراه .
ناصر الدولة : ( يلفت إليها محتدا ) إن كنتم لا ترون انتصاراتي ونفوذي الذي ينبسط على البلاد ، وقدمي التي تثبت وتترسخ كل يوم فأنتم بلا أعين ، إن كنتم لا تسمعون صيحات الانتصار التي ترتفع من حناجر عشرات الآلوف من الجنود في ميادين القتال فأنتم بلا أذان ، إن كنتم لا تشعرون بما أشعر به من ثقة ورجاء بما تعدني به الأيام فأنتم بلا عقول .
فرح ناز : ( تتقدم وتنناول يده مقبلة ) ومن يثق بما تعد به الأيام يا مولاي و ..
ناصر الدولة : ( يضع يده على كتفها مقاطعا ) لا أنكر أني هُزمت في عدد من المعارك ، وطًعنت غيلة وكنت على وشك الموت ، ولكن ها هي انتصاراتي تتوالى ، وها أنا جلدٌ على الأيام أنتظر أجمل ما تأتي به .
فرح ناز : ( تلثم أطراف أصابعه ) يامولاي وسر سعادتي وسروري أنا ادعو ليل نهار أن ينصرك الله ويخذل أعداءك و ..
ناصر الدولة : ( مشيرا إلى العود على بجوارها ) دعك من كل هذا وأسمعيني أجمل الألحان وأبدع الأشعار بصوتك الملائكي .
فرح ناز : ( تأخذ العود وتجلس تحت قدميه ) سأسمعك أجمل ما تسمعه أذن ، وسأريك أبدع ما تراه عين بشر ..لو تعلم ما يحمله لك القلب من حب وإخلاص يزداد من الأيام .
ناصر الدولة : ( ضاحكا ) أعلم مقدار حبك لي ، ولكن لا تطالبين بشيء فأنت تعلمين فلبي مع من .
فرح ناز : ( تعبث بأوتار العود) وما شأني بقلبك وما يهوى ، يكفيني أني احبك ..بل أني أحب مولاتي أيضا ، لأنك تحبها .
ناصر الدولة : ( يجذبها من شعرها ) ذكاؤك وهذا اللسان المعسول هما ما جعلانك مميزة عن
الأخريات.
فرح ناز : ( تقف واضعة يديها حول خصرها ) ذكاء ولسان فقط يا مولاي .
ناصر الدولة : ( ضاحكا ) إن كنت نسيت شيئا فذكريني به .
فرح ناز : ( تلف وشاحا حول خصرها ) سأريك رقصا لم تره ولم يره بشر من قبل .
ناصر الدولة : ( متذكرا ) دعيه لوقت آخر فقد تذكرت شيئا هاما .
فرح ناز : ( معاتبة في دلال ) أهكذا تحرمنى من أن أدخل عليك السرور والبهجة .
ناصر الدولة : ( منصرفا ) أدخريهما لوقت أخر فلدي ما هو أهم .
( إظلام )
الفصل الثاني
المشهد الأول :
في قيسارية (ابن ميسر ) بسوق (القشاشين) بجوار زقاق القناديل وفي قاعة بالدور الأول يجلس الطبيب أبو الحسن بن رضوان مستقبلا المرضى من حي زقاق القناديل وما حوله من أحياء وأسواق ودروب . القاعة بها العديد من المقاعد الخشبية وفي جانب منضدة مستطيلة الشكل عليها زجاجات وقناني من محتلف الأشكال والأحجام والألوان وبجوارها بعض الألآت المعدنية اللامعة .وكميات كبيرة من القطن والأربطة والأطباق النحاسية . .يُسمع أصوات وضوضاء مختلكة لرجال ونساء وصبية صادرة من خارج القاعة .
أبو شامه : ( يدخل مشيرا إلى الباب ) أتسمع دعاءهم لك يا سيدي احمد ..لا يصدقون أنهم فحصوا وحصلوا على دوائهم بدون أن يدفعوا حتى دينارا
بن رضوان : (يجف يديه في قطعة قماس ) ألا يكفي أنهم يتحملون الجوع والعري . .أيتحملون أيضا ثمن الفحص والدواء ؟!
أبو شامه : ( ينظف المكان ) لو تعرف ماذا يقول عنك أهل (زقاق القناديل) يا سيدي .
بن رضوان : ( يتناول جرعة ماء ) ماذا يقولون يا أبو شامه ؟
أبو شامه : ( متحمسا ) أولا لا يصدقون أنك كنت تعيش في الزقاق ، ولا يصدقون أنك طبيب أمبر المؤمنين ، ولا يصدقون ...
بن رضوان : وما الذي يصدقونه يا أبو شامه ؟
أبوشامه : ( منبهرا ) يصدقون أنك ملاك من الملائكة ، أو ولي من أولياء الله الصالحين
بن رضوان: ( متأثرا ) ليتني أستطيع أن أقدم لهم شيئا أكثر مما أقدمه .
أبو شامه : (محرجا ) هناك من ينتظر مقابلتك مع أنها جاءت مبكرا إلا أنها فضلت أن تبقى بعد أن تنتهي فحص كل من جاءك .
بن رضوان : ( يقف ) من ؟
أبو شامه : ( ناظرا نحو الباب ) تلك الأرملة التي تعيش في حارة برجوان بجوار الجامع العتيق ومعها ابنتها الصغيرة .
بن رضوان : ( متهللا) تقصد أم مليكة... فتجعلها تدخل فورا .
أبو شامه : سأدعوها .
بن رضوان : ( يستوقفه) يا أبو شامه ..مع من تعيش تلك الأرملة ؟
أبوشامه : مع والدها بعدما مات زوجها .
بن رضوان : والدها هو من ينفق عليها ؟
أبو شامه : بل هي التي تنفق عليه .
بن رضوان : ( متعجبا ) كيف ؟!
أبو شامه : تعمل حائكة للنساء وتغزل وتبيع غزلها في الأسواق .
بن رضوان : ولماذا لم تتزوج مع انها مازالت صغيرة .
أبو شامه : وجميلة .
بن رضوان : ( معاتبا ) أيها العفريت
أبو شامه : مع أنها رفضت كل من تقدموا لها بالزواج ، ومنهم تجار أثرياء .
بن رضوان : لماذا ؟
أبو شامة : ( حائرا) لا أدري .
بن رضوان : دعها تدخل .
أم مليكة : ( تدخل ومعها ابنتها ) السلام عليكم يا سيدي أحمد .
بن رضوان : ( يحمل الصغيرة ويضعها على الأريكة امامه ) وعليكم السلام . ما بك يا
مليكة ؟
أم مليكة : عادت تشكو من عبنيها .
بن رضوان : ( يفحص عينيها ) ماذا تضعين في عينيها ؟
أم مليكة : كحلا من عند العطار .
بن رضوان : ( معاتبا) ألم اخبرك أنه حينما ينفد الدواء تأتين لي لإعادة فحصها
وإعطائها الدواء ( يقدم لها زجاجة ) اعطيها من هذا الدواء ولا تعطيها شيئا أخر .
أبوشامه : ( يدخل ويقترب منه ) الشريفة (مجيدة )بالخارج ومعها جاريتها .
بن رضوان : وفيما إنتظارها لتدخل .
الشريفة مجيدة : ( تدخل ووراءها جاريتها ) سلام الله عليكم .
بن رضوان : ( مشيرا إلى كرسي) فلتتفضل السيدة الأميرة بالجلوس .
أم مليكة : ( تأخذ ابنتها محاولة تقبيل يد احمد ) كل الشكر والحمد للطبيبنا وسيدنا أحمد بن رضوان : ( جاذبا يده ) لتصحبكما السلامة والأمن .
الشريفة مجيدة : ( مشيرة إلى جاريتها ) لقد شعرت بألم مبرح منع عنها النوم الليلة الماضية .
بن رضوان : ( متوددا ) لوكانت أرسلت إلي الأميرة لكنت حضرت إليها على جناح
السرعة .
الشريفة مجيدة : ( تتامل ماحولها بدون اكتراث) من تلك المرأة ؟
بن رضوان : كما رأيت .تعالج ابنتها منذ فترة ..وهي امرأة مكافحة .
الشريفة مجيدة : ( تتطلع إلى سقف القاعة ) ليس هناك إلا تفسيرا واحد لامرأة تحاول تقبيل يد
رجل .
بن رضوان : (يشير للجارية بالجلوس أمامه ) ماهو إلا تعبير عن الشكر والامتنان .
الشريفة مجيدة : ماذا بينك وبين الناس حتى أسمعهم في الطريق ليس لهم من حديث إلا عنك .
بن رضوان : ( يحدق في وجه الجارية ) هم في حاجة إلى من يحنو عليهم في وقت الشدة
ويطببهم في وقت العسر والمحنة ..
الشريفة مجيدة : ( تقف وتدور في المكان ) الحياة هنا لم تعد تطاق ..الجميع يرحلون .
بن رضوان : وأنت ؟
الشريفة مجيدة : ( تلتفت إليه ) لاأدري لماذا أرحل و لماذا أبقى .
بن رضوان : ( ساخرا ) ترحلين لأن الحياة هنا لم تعد تطاق كما تقولين ولذلك الجميع
يرحلون .
الشريفة مجيدة : ( تنحي الجارية بعيدا ونجلس مكانها ) وأنت ..أتريد مني الرجيل ام البقاء ؟!
بن رضوان : ( محرجا ) وما شأني ببقائك أو رحيلك أيتها الأميرة .ما أنا إلا طبيبب من
أطباء القصر .
الشريفة مجيدة : لم يعدهناك قصر ولا بعلم إلا الله مامصير صاحب القصر في الأيام المقبلة
.وبالأخص بعد أن أستولى (ناصر الدولة) على قصر اللؤلؤة وطرد أم أمير المؤمنين منه ؟
بن رضوان :(مستفسرا ) ألم يكن من رجال أمير المؤمنين المقربين ؟!
الشريفة مجيدة : ( تنهض متجهة نحو الباب ) دوام الحال من المحال ...وأنا لا أشغل بالي
بمثل تلك الأمور .. وأنت ألم تفكر في الرحيل .
بن رضوان :لا .
الشريفة مجيدة :(مندهشة ) لماذا ؟!
بن رضوان : أني ولدتُ هنا .
الشريفة مجيدة : وأنا ولدتُ هنا أيضا .
بن رضوان :وهل يجعلنا هذا متساويين ؟!
الشريفة مجيدة : يجب أن تنسى أنك ...
بن رضوان : (مقاطعا في حدة) قد أنسى من أنا ...ولكن أمور كثيرة تجعلني لا أنسى من
أنت .
الشريفة مجيدة : (منصرفة ) قد تكشف لك الأيام أنني لا أقل عنك حبا لهذا البلد وكراهية لمن
يضرونه .
بن رضوان : ( يمد يده ) لا تنصرفي وأنت على تلك الحالة أيتها الأميرة
الشريفة مجيدة : ( تتجاهل يده الممتدة وتخرج) سلام الله عليكم .
أبو شامه : ( يدخل ) هناك من ينتظر بالخارج .
بن رضوان : من ؟
أبو شامة : ثلاثة رجال من علية القوم يا سيدي .
بن رضوان :(يتقدم من الباب ) ليدخلوا .
العنابي : ( يدخل ومعه رجلان ) لقدأوشكت تلك المواكب الملكية أن تختفي من الفسطاط فما يكاد الناس يرونها إلا ويحيطون بها ويلقون بأنفسهم تحت أرجل العبيد والخيل .ليفوزوا بدرهم
بن رضوان : إحدى الأميرات جاءت بجاريتها لتعالجها وأصف لها الدواء .
العنابي : ( مشيرا إلى الرجلين ) كنا أنا والنجاري عند صديقنا أبو الفتح المنصوري إمام الجامع العتيق
بن رضوان :(مشيرالهم بالجلوس ) حللتم أهلا وسهلا .
العنابي : ( يربت علي يده ) لقد فاتتك الخطبة التي ألقاها اليوم أبو الفتح .
بن رضوان : ( مخاطبا أبا الفتح ) وماذا كان موضوعها .
أبو الفتح : ( متباهيا ) الصبر والتحمل في أوقات الشدة
العنابي : لقد سمعت من خطباء كثيرين في نفس الموضوع ولكن لم تكن مثل خطبة أبي الفتح بارك الله فيك يا أبا الفتح
بن رضوان : ( محتدا ) أكل دوركم أن تدعوا الناس إلى مزيد من الصبر والتحمل ؟! ثم
إلى متى سيصبرون لقد مضت سنوات والوضع يزداد سوءا .
أبو الفتح : (مندهشا ) إنه قدر ولابدأن نتقبل القدر بالصبر والدعاء وانتظارأن يأتي الله بالفرج من عنده !
بن رضوان : ما يعانيه الناس وماصارت إليه البلاد ليس قدرا .
أبو الفتح : ( غاضبا ) استغفر الله مابك أيها الطبيب كل ما يحدث قدر ومن صنع الله ..أتشك في ذلك ؟
بن رضوان :لاأشك في ذلك ولكن إذاكان ما يحدث لنا شر فهو من صنع أيدينا نحن .
أبو الفتح : ( متحمسا ) حتى هذا فهو قدر .
بن رضوان : ( بإصرار ) لا.
العنابي : ( متدخلا في الحديث ) وماذا تريد من إمامنا أبي الفتح وغيره أن يتحدثوا يا أحمد ؟
بن رضوان : على الأقل أن يرعفوا الناس ان ما يحدث لهم من صنع البشر ويتكلما عن
الفساد والرشوة والطمع والجشع و...
أبو الفتح : ( مستنكرا ) أتريد منا أن نقول ذلك صراحة ؟!
بن رضوان :على الأقل يعرف الناس الحقيقة ..حقيقة ما يحدث لهم أنه ليس قدرا مقدورا .
أبو الفتح : (ساخرا ) ونققص مياه النيل أليس قدرا . وأن تشح السماء بالمطر أليس قدرا
بن رضوان : لايتحمل كلهذا إلا عامة الناس والفقراء منهم ، أما الغنياء والأمراء وقادة
الجند والمفسدين فقد إزدادوا غنى وثراء .
أبو الفتح : وبعد أن يعرف الناس الحقيقة .
بن رضوان : يعبرون عما يشعرون به ..يضجون .يشكون . يبكون يكون لهم صوت لا
يموتون في صمت ...الناس يساقون إلى مصيرهم كما تساق الخراف إلى المذبح .
العنابي : أنا معك يا أحمد ...ولكن الناس لا وزن لهم ، البلد مقسمة بين جيوش أمير المؤمنين وجيوش ناصر الدولة وجيوش العبيد وكل جيش من تلك الجيوش مقسم إلى فرق وفئات .وكل هؤلاء ينهبون البلد .أتصدق أن مكتبة القصر أصبحت حقا مستباحا .
بن رضوان : (مندهشا ) والحراس ؟!
العنابي : إنهم أول من ينهبون القصر .
بن رضوان : وأين جيش أمير المؤمنين ؟!
العنابي : يطالبون أمير المؤمنين بزيادة رواتبهم وهولا يملك ما يدفعه لهم بعد ما أعطاهم كل شيء حتى سجاد القصر أخذوه
بن رضوان : أين ناصر الدولة من كل ما يحدث ؟!
العنابي : ( مشيرا إلى النجاري ) أما ناصر الدولة فخير من يحدثك عنه ( النجاري ) فهو من اصحابه .
بن رضوان : ( منتبها إليه ) إنه لم ينطق بكلمة منذ حضرتم إلى هنا .
العنابي : ( ضاحكا ) إنه كعادته قليل الكلام ولكن إذا تحدث فيجب أن تصغى له .
أبو الفتح : ( ساخرا ) وإذا أصغيت له ستسمح ما لم تسمعه من أحد .
النجاري : أهذا مدح أم ذم يا أبا الفتح ؟
أبو الفتح : لا هذا ولا ذاك ولكنه الحق .
بن رضوان : إذن لم أنت ضنين علينا بالحدث إذا كان لديك من العلم بالأمور ما ليس عند
غيرك ..وبحكم قربك كما يقول (العنابي) من أقوى رجل في البلد قد تزيدنا معرفة بما يجري .
النجاري : (متهيبا ) هذاالكلام لم أقله من قبل ، ولا أحد يعرفه سوانا ..
العنابي : إذن أخبرنا ..لقد شوقتنا أن نسمع منك .
النجاري : ( رافعا إصبعه) ناصر الدولة أصبح قاب قوسين من الانفراد بالأمر في البلد وبدون أن يشركه أحد في ذلك .
بن رضوان : وماذا يمنعه ..على الأقل يعيد النظام والأمن ويخرج الناس من تلك الغمة
التي يعيشون فيها سنوات .
النجاري : ( يمسح على لحيته ) في حاجة إلى من يعضده لتحقيق ذلك .
بن رضوان : ( متعجبا ) الذي أعرفه أنه محاط بالمعاونين والقواد والأصدقاء !
النجاري : هذا الزمن يتحول فيه الأصدقاء إلى أعداء في طرفة عين .
العنابي دعنا من الأعداء و الأصدقاء ...وتجيبنا على سؤال هام.. أويقدر ناصر الدولة أن ينفرد بالأمر دونا عن الباقين ؟
النجاري : أولا الدولة في أضعف حالاتها وكذلك (المستنصر بالله) ، و(ناصر) الآن هو الأقوى وهو في قمة الذكاء والشجاعة والجرأة ، وتلك الصفات نادرا ما تتوافر في شخص واحد وإذا توافرت فهو قادر على تحقيق المعجزات . .ولكن كما أن تلك الصفات تعد مميزات فهي عيوب .
بن رضوان : (مندهشا ) مميزات تتحول إلى عيوب ..كيف هذا ؟!
النجاري : انتصارات (ناصر) أشعلت مشاعر الحقد والغيرة في قلوب من حوله وفجرت الخوف والفزع في قلوب أعدائه ، وزادته ثقة وغرورا
بن رضوان : معك حق فيما قلته وكل هذا قديضعف موقف ناصر الدولة أو على الأقل
يبطئ من وصوله إلى هدفه .
العنابي : أوقد يكون فيه نهايته
النجاري : ناصر الدولة وصل إلى مستويات عليا من التدبير والتفكير .
بن رضوان : كيف ؟
النجاري : أرسلني منذ شهور إلى الخليفة العباسي في بغداد يطلب قوات يستعين بها في تنفيذ أهدافه .
العنابي : ( متعجبا ) ولكنك لن تخبرني بهذا ؟
النجاري : قد كان الأمر سرا وطلب منى ألا أخبر به أحدا .
بن رضوان : والآن ؟
النجاري : الجميع يعرف بذلك .
العنابي : وماذا كان جواب العباسيين ؟
النجاري : أرسلوا الهدايا والألطاف والأموال ورحبوا من حيث المبدأ بالفكرة .
بن رضوان : وقوات الجند ؟
النجاري :لم يرسلوا أي منهم للآن .
أبو الفتح : ( متدخلا في الحديث ) ولكن العباسيين سنة والفاطميين شيعة .
بن رضوان : ( ضاحكا ) أهذا كل ما يشغلك يا أبو الفتح ؟!
النجاري : أبو الفتح لمس بكلامه أخطر ما في الأمر .
بن رضوان : كيف ؟
النجاري : ناصر استخدم نفس السلاح الذي كان يستخدمه الفاطميون ضد العباسيين وبرعوا فيه .إلى درجة أن الخليفة العباسي في وقت ليس بالبعيد كان محاصرا بالنفوذ الشيعي حتى في بغداد .وولايات عديدة تحولت إلى تبعية الفاطميين . .
أبو الفتح : ولكن ما فائدة كل هذا ولم يتلق (ناصر الدولة) أي عون من العباسيين ؟
النجاري : إن لم يجاب لما طلب فإنه لم يرفض ، وإن لم يعاونوه في الحاضر فقد لا يخذلوه في المستقبل ..المهم أنه توافر له الجرأة أن يعلن تحديه صراحة (للمستنصر) بل للدولة كلها .
بن رضوان : لايهمنا من كل تلك الأمور والتفاصبل إلا قدرته على إخراج البلد من تلك
الغمة والمحنة طالما الخليفة الفاطمي عاجز كل هذا العجز .
النجاري : نأمل أن يوفقه الله لذلك فحالة البلد وصلت ...
بن رضوان : ( مقاطعا ) وما دورنا نحن ؟
النجاري : ( متعجبا ) ماذا تقصد من نحن ؟!
بن رضوان : أنا وأنت والعنابي والشيخ أبو الفتوح و ..
العنابي : ( مقاطعا ) وهل لنا دور فيما يحدث وفيما سيحدث .؟!
بن رضوان : أظن أن الأمر يخصنا فالبلد بلدنا والناس أهلنا .
النجاري :ولكن ما بأيدنا أن نفعله .
أبو الفتح : بل قل ما بأيدي الناس أن يفعلوه ؟
بن رضوان : الناس بأيديهم الكثثير والكثير هذا إذا وجدوا من ينبههم ويدفعهم إلى الفعل
وهذا هو دورنا .أليس كذلك يا أبو الفتح ؟
أبو الفتح : ( ينهض متاهبا للإنصراف ) من الآن أنا لدي درس في الجامع العتيق سيكون عنوانه عدم السكوت على الظلم ، وسوف أحرض الناس أن يرفعوا أصواتهم وبضجون بالشكوى ويطالبون ولي الأمر بالإصلاح والضرب على يدي المفسدين ولن أكتفي بذلك بل سأتقدمهم في الحواري والأزقة والأسواق والميادين .
العنابي : كان يجب أن يكون هذا حال الناس منذ بدأت الشدة واستفخلت المحنة ، الناس وحدهم والفقراء منهم والمعدمون هم الذي يصطلون بنيرانها .
بن رضوان :وإن لم نسارع بإطفاء تلك النيران ستصل إلينا وتحرقنا كلنا
أبو الفتح : وحينئذ لا ينفع ندم .
النجاري : كل ما تقولون به عظيم ، ولكن كم من الناس ستقدرون على إقناعهم ،وهل سيستمع لهم أحد وهل سيكون لهم تأثير في مجريات الأمور و...
بن رضوان : ( مقاطعا ) أعلم أنه شيء جديد على الناس ، ولم يألفوه مع أنه شيء بديهي
وفطري .
أبو الفتح : ( مقاطعا ) بل إنه واجب شرعي .
بن رضوان : أما هل سيتمع أحدٌ لشكوى الناس أو سيكون لهم تأثير ، فقد قاموا بما يجب
أن يقوموا به .
العنابي : ونحن أيضا قمنا بما يجب أن نقوم به .
أبو الفتح : ( متجها نحو الباب ) لقد سرقنا الوقت من يصحبني إلى المسجد ؟
العنابي : (يربت على كتف أحمد ) سنذهب أنا و(النجاري) ستأتي معنا أم ستبقى ؟
بن رضوان : اذهبوا أنتم سأبقى لأعد بعض الأدوبة .
أبوشامة : لقد انصرف الجميع أتريد أن أحضر لك شيئا قبل أن تعود إلى بيتك يا سيدي
بن رضوان : ( مفكرا ) أجلس يا أبا شامة ..أريد أن أسألك عن القاطنين في زقاق
القناديل ..ما ظروفهم وأحوالهم ؟
أبو شامة :( مستفسرا ) من أي ناحية يا سيدي أحمد ؟
بن رضوان : ( يقترب منه ) من كل النواحي يا أبا شامة ...ماذا يعملون ..ماذا يأكلون
كيف يعيشون ..هل أهل زقاق القناديل كلهم من نفس نوعيات الناس الذين يحضرون هنا لأفحصهم وأعطيهم الدواء مجاني ؟
أبو شامة : منذ بدأت الشدة يا سيدي وحالة أهل الزقاق كل يوم تسوء ..التجار البعض أغلق حانوته وجلس في بيته والموجودون بالكاد يبيعون القليل والآطفال والصبية يعملون حمالين في الأسواق حتى يحصلوا على الخبز أما النساء فأغلبهم يعملن إن وجدن عملا .
بن رضوان : ( متعجبا ) يعملن ..ماذا يعملن يا أبو شامه ؟!
ابو شامة : كل ما يخطر على البال يا سيدي .
بن رضوان : ( مستنكرا ) كل ما يخطر على البال ...كيف هذا ؟!
أبوشامه : من تعمل دلالة ومن تعمل خاطبة وماشطة وعدادة وداية ومن تخدم في البيوت ومن تعمل مرضعة .
بن رضوان : ( مندهشا ) والرجال ؟!
أبو شامه : منهم من ترك البلد وهاجر ومن بقى جالس في البيت لا يجد عملا وإن عمل فهو عمل لا يكاد يكفيه ثمن الخبز وإن حصلوا عليه الجيمع يتقاسمون فيه .
بن رضوان : كيف يتقاسمون فيه ؟
أبو شامه : الزقاق كالأسرة الواحدة إن حصل واحد علي رغيف خبز يقسمه بين أهل الزقاق ويتقاسمون كل شيء بينهم
بن رضوان : ( يقترب منه مربتا على كتفه ) الذي أعرفه عنك أن لك مكانة ومنزلة عند
أهل الزقاق .
أبو شامه : (ينهض متحمسا ) ليس مثل مكانتك ومنزلتك عندهم يا سيدي الطبيب إنهم لا ينقطعون عن ذكرك بكل خير . و ...
بن رضوان : ( مقاطعا ) منذ بداية الشدة أهل الزقاق لا يشكون لا يغضبون ؟
أبوشامة : البعض كان يفعل ذلك في بداية الشدة ولكن مع مرور الوقت أهل الزقاق تعودوا ولم يعودوا حتى يتبرموا وكما يقولون الصبر طيب .
بن رضوان : لا يا أبو شامة ..الصبر على الأذى ليس طيبا .
أبو شامه : إذن ماذا يفعلون يا سيدي أحمد؟
بن رضوان : نساء ورجال واطفال وصبية أهل الزقاق يجب أن يخرجو إلى الأزقة
المجاورة والدروب والحواري والأسواق ويمرون أمام الوكالات والقياسر والفنادق والمساجد والكنائس والصوامع ..كل مكان ..كل مكان في الفسطاط با أبو شامة
أبوشامه : ( مندهشا ) لماذا ؟! وماذا يقولون ؟
بن رضوان : ( مفكرا ) يقولون أي شيء ..الجوع ..نريد طعاما ..نريد خبزا ...يا (ناصر
الدولة ) أغثنا ...ياا ناصر الدولة أعنا ..
أبو شامة : ( مستفسرا ) من (ناصر الدولة) هذا ؟!
بن رضوان : ( يربت على كتفه ) من بيده أمور الدولة ؟
أبوشامة : وأمير المؤمنين ..ألا نستغيث به ؟!
بن رضوان : لتستغيثوا بمن تشاءون .. المهم جميع أهل الزقاق يخرجون ويطوفون بكل
مكان .
أبو شامة : ( شاردا ) ولكن قد يتعرض لنا المحتسب ونقباؤه .
بن رضوان : لتستغيثوا به هو الآخر ....
أبو شامه : (متجها نحو الباب ) سأذهب على الفور أطلب منهم ذلك ...ولكن ...
بن رضوان : لماذا توقفت ؟!
أبو شامه : قد يقتنع البعض ويخرج ، وقد لا يقتنع الآخرون ويتخلفون ...
بن رضوان : عندما انتهي ستجدني فوق رأسك في زقاق القناديل .
أبو شامه : ( مسرعا نحو الباب ) سيخرج زقاق القناديل عن بكرة أبيه حينما يعرفون أن
سيدي أحمد سيحضر بنفسه إلى الزقاق .
إظلام .
الفصـــــل الثـــــــاني .
المشهد الثاني :
مقر دار الوزراة بالقاهرة الفاطمية ، الوزير (ابن أبي كدينة) القائد التركي ( بلدكوش ) منهمكان في لعب الشطرنج يتابعهما كل من ( عزيز الدولة ) قائد جيش السودانيين و ( إلدكر ) القائد التركي . الجواري والصبيان يدخلون بالشراب والفاكهة ويخرجون . يعلن الحارس عن قدوم القائد ( تاج الدين شادي ) .
تاج الدين شادي :( ساخرا ) لكم أن تلعبوا وتلهوا والدنيا مقلوبة بالخارج .
بلدكوش : ( يشير له بمجسم الوزير ) ومتى كانت الدنيا معتدلة يا( شادي) ؟!
عزيز الدولة : ( يشير له بالجلوس ) تعال لتشاهد ..إنها مباراة حامية .
إلدكر :(يتقدم منه ) ما الذي يحدث (يا شادي) ؟!
الوزير : ( يلوح لهما ) استعد يا (شادي) لقد أوشكت أن أقضي على الملك وأغلب ( بلدكوش ) ..استعد لأبدأ معك دورا جديدا ..وأنا أثق أني سأغلب هذه المرة .
شادي :( يطيع بقطع الشطرنج غاضبا ) استهتاركم واستخفافكم بما يحدث هو الذي سيقضي علينا أيها الوزير ومعك قادة الجيش .
إلدكر : ( يربت على كتفه مهدئا ) لم أرك غاضبا هكذا من قبل ..ما الذي يزعجك هكذا ؟ّ
شادي :(يخلع قلنسوته ويضعها جانبا ) لقد حذرتكم أكثر من مرة .
إلدكر : ( مندهشا ) ماذا تقصد ؟ّ!
شادي : ( منفعلا ) الناس في الأسواق وفي الحواري والأزقة وأمام الفنادق والقياسر والوكالات والجوامع يستعيثون ويهتفون باسم (ناصر الدولة) ..كان الأمر مقصورا على الفساط والآن امتد وزاد ووصل إلى القاهرة ..وإذ لم نتحرك بسرعة قد تجدهم تحت نوافذ وأمام أبواب دار الوزارة يا وزير الشطرنج بل وعلى أبواب قصر أمير المؤمنين .
بلدكوش : ( ساخرا ) أي ناس الذين تتحدث عنهم ؟! إن حفنة من الدراهم تجمعهم كالفراش المبثوث وفرقة سوط تفرقهم أشتاتا ..إنهم يلهون ويعبثون أيها القائد الهمام .
إلدكر : ( يقضم تفاحة ) بل قل أنهم يستجدون في الطرقات ما يسدون به رمقهم إنهم كالظلال الواهنة لا يبقون على حال .
عزيز الدولة : ( ساخرا ) لقد رأيتهم ذات مرة مجموعة من الغوغاء وواللصوص والصبيان والنساء والسفلة لا يحسب لهم أي حساب .
شادي : ( يتقدم من نافذة القاعة ويعود ) ما رأيته وما سمعته يجعلني أحسب لهم ألف حساب ، إنهم مجموعات هادرة غاضبة تزداد كل يوم وفي كل مكان من الفساط والقاهرة والأهم أنها تستغيث وتهتف باسم (ناصر الدولة) .
بلدكوش :وأيضا يستغيثون ويهتفون باسم أمير المؤمنين .
شادي : أن يُذكر (ناصر الدولة) مع اسم أمير المؤمنين هذا شيء لا ينذر بخير
الوزير : ( يسير مختالا مقتربا من شادي ) لا تخش شيئا سآمر رئيس الشرطة بالقبض عليهم وسجنهم وتعذيبهم ولن ترى أحدامنهم لا في الفساط ولا هنا في القاهرة بعد ذلك
شادي :(ساخرا ) قد تنجح في سجن الناس وتعذيبهم .ولكن ماذا ستفعل مع (ناصر الدولة) ؟
الوزير : ( غاضبا ) وما بيدي أن أفعله ؟! أنتم بجمعكم قد هُزمتم أمامه في كل معركة ضده .
شادي : (ينهض مرتيدا قلنسوته ) أخشى أن أكون قد راهنتُ على الحصان الخاسر .
إلدكر : ( يربت على كتفه ) أفهم من ذلك أنك تفكر في الصلح وصديقك القديم ؟
شادي : وبأي وجه أعود إليه بعد أن وقفت ضده في ميدان المعركة .
عزيز الدولة : الحظ يوافقه ، و يعلو نجمه حتى بين عامة الناس و ..
شادي : ( مقاطعا ) المسألة ليست حظا ..ولكنه تدبير وتفكير .(ناصر الدولة) ليس سهلا كما تصورنا .
بلدكوش : على رأيك ..كنا نظن أن بإنسحابك ومن معك ستضعف من شوكته ويجعله هذا الضعف يعقد صلحا أو هدنه مع أمير المؤمنين .
عزيز الدولة : بدلا من ذلك زادت قوته وتعددت انتصاراته وخضعت الصعيد والإسكندرية ودمياط والفسطاط له وبدأ يدعو له من فوق المنابر .
شادي : (ناصر الدولة) لا يبدد وقته في لعب الشطرنج والارتماء في أحضان الجواري وسماع القيان ...إنه لا ينام ولا يتوقف عن التفكير في كل كبيرة وصغيرة ...ويتقدم جيشه في خوض معاركه ..أني أشهد له ، رغم أني لا أكره رجلا كما أكرهه
بلدكوش : كل يوم تزداد خطورته ، ولا ندري ما سوف يصير إليه أمره في المستقبل .
إلدكر : لولم نفعل شيئا فقد تتحول الأمور كلها في صالحه ..وبالأخص بعد الخطوة الجريئة التي اتخذها مؤخرا .
عزيز الدولة : تقصد مراسلته للعباسين وإلبب رسلان ؟
بلدكوش : ولكنهم لم يرسلوا له جنديا واحدا .
إلدكر : ونحن لن نسمح بدخول أي جندي غريبا إلى البلاد .
شادي : مجرداحتمال إرسال العباسيين له جبشا ..هذا في حد ذاته يقوي جانبه ويضعفنا .
الوزير : ( يسير أمامهم رافعا يده ) إن لم تنفع الحرب مع (ناصر الدولة) فهناك طريقة أخرى غير المواجهة .
شادي : ماذا تقصد ؟!
الوزير : ( بإصرار ) الاغتيال .
الجميع : ( في صوت واحد ) الإغتيال ؟!
الوزير : ( يعود إلى مجلسه ) نعم ..نفكر في مكيدة لنخلص منه ونستريح .
شادي ( متهيبا ) نقتله غيلة ؟
الوزير : ليس أمامنا غير ذلك . ولو كان عند أحدكم رأي آخر فليتفضل .وأنا لست بممانع
إلدكر : وكيف نصل إليه وهو محمي ومحتمي بالآف الجنود والقواد .
الوزير : ( يمسح على لحيته ) المال له فعل السحر ..يغير الولاءات ويبدل الانتماءات ويفسد الضمائر ويبتر العلاقات .
شادي : ما تقوله حسن ..ولكن كيف ننفذه ؟
الوزير : ( يقترب منه ويضع يده على صدره ) لقد كنت قريبا منه .ورجالك رجاله ..فلن تعدم فئة من رجاله قد يضيقون به كما ضقت أنت به أو قد لا يحبونه أو قد لا يمانعون ان يفوزوا بالأموال الطائلة في سبيل قتله .
شادي : ( شاردا ) ولكن ..
الوزير : ( مقاطعا ) أعلم ان المهمة صعبة بل قد تكون مستحيلة ..ولكن لماذا لا تحاول ومن جانبي سأجهز لك الأموال والجواري والهدايا .
بلدكوش : ( ضاحكا ) والمناصب .
شادي : ( مندهشا ) مناصب !!
الوزير : مراسيم تتضمن موافقة أمير المؤمنين أن يحتلوا مناصب هامة في الدولة ..هذا بعد أن ينفذوا المهمة .
عزيز الدولة : مناصب ومراكز لم يكونوا يحلمون بها .
بلدكوش : ( ضاحكا ) ليتني استطيع قتله لأفوز بالمال والمناصب .
شادي : أحقا ما تقول ؟
الوزير : ( يصفق على يديه ) أيها الحارس .
الحارس : ( يدخل ) سمعا وطاعة سيدي الوزير .
الوزير : بلغ الحاجب أن يأتي بالصندوق .
الحجاب : ( يدخل وخلفه حارسان يحملان صندوقا ) تفضل يا سيدي .
الوزير : ( مشيرا إلى الصندوق ) هذا الصندوق داخلة الآلاف من الدنانير الذهبية سوف أرسله خفية إلى بيتك لتفرقه على من يقوم بتنفيذ المهمة .
شادي : ( زائغ العينين ) وهل يعلم أمير المؤمنين بما ننوي فعله ؟
الوزير : (صائحا ) وما شأن أمير المؤمنين بما ننوي فعله ؟!
شادي : ( مشيرا إلى الصندوق ) إذن من أين أتيت بكل هذه الأموال ؟
الوزير لا شأن لك بذلك ..ولتعلم أن أمر اغتيال( ناصر الدولة) قد أُعد له من قبل ولكن أمير المؤمنين رفضه .
شادي : والآن قبله ؟!
الوزير : ( يدور حول شادي واضعا يده على عاتقه ) ليس أمامنا من سبيل لإنقاذ أمير المؤمنين إلا بالتخلص من (ناصر الدولة ).
إلد كر : ( يضع يده على الصندوق )ألايمكن أن يأخذوا المال ويهربون به ولا ينفذون المهمة ؟
بلدكوش : أو يأخذونها ويسلمونها (لناصر الدولة) ؟
عزيز الدولة : أو لا تصل بأكملها إلى أيديهم ؟
شادي ( غاضبا ) فهمت ما تلمحون إليه أيها اللئام .أنتم لا تأتمنوني على هذا المال ولا تثقون بي ..لذلك لن أخذ المال ولن أفعل شيئا .
الوزير ( مشيرا إليهم مربتا على كتف شادي ) من قال هذا ؟! نحن نثق بك ثقة عمياء ..هم يقصدون أن تختار من تثق فيهم.فتلك المهمة لو فشلت وعرف( ناصر الدولة ) ما كنا ندبره له فقل علينا كلنا يا رحمان يا رحيم ..تلك المهمة إما تحدد بدايتنا أو تحدد نهايتنا ..مصيرنا كلنا ومصير البلد معلق بالسيف الذي سيقطع عنق (ناصر الدولة) ، وهو نفسه السيف الذي سيقطع أعناقنا إن السيف نبا ونجا ناصر الدولة ..( يلتفت للجميع ) فليصافح الجميع القائد الهمام (تاج الدين شادي) ونشد على يده .
الجميع : ( يتقدمون معانقيين شادي في صوت واحد)
إظلام .
الفصــــل الثاني .
المشهد الثالث :
في قصر اللؤلؤة ، تضجع ( ألفين ) على أريكة وثيرة في غرفتها ، وعلى يمينها تجلس جاريتها ( فرح ناز ) وعلى يسارها جاريتها ( برجيس ) .
أفين : ( ضاحكة ) أصدق أي منكما أيتها الحمقاوتان ؟!
فرح ناز : ( تدفع برجيس بيدها من وراء ظهر أفين ) تصدقينني أنا يا مولاتي .
برجيس : ( متضرعة ) بل تصدقينني انا ..أنا الأصدق يا مولاتي .
فرح ناز : ( متباهية ) أنا صاحبة البشريات ...فكل ما أخبرتُ به مولاتي من انتصار مولاي قد حدث ...وكل مخاوفك وتحذيراتك لمولاي لم تحدث ...أيتها الحمقاء كما تقول مولاتي .
برجيس : ولم لا تقوليين أن مخاوفي وتحذيراتي هي التي جنبت مولاي المهالك وأخذ الحيطة والحذر .
فرح ناز : ( تقلدها ساخرة ) مولاي ليس في حاجة إلى مخاوفك وتحذيراتك كي يأخذ الحيطة والحذر ..فالنصر يسير في ركابه أينما سار .
أفين : ( تجذب شعر فرح ناز ) كلامك المعسول هذا هو الذي أعطاك المكانة والمنزلة بين جواري القصر ..وجعل سيدك يستمع إليك أيتها الماكرة .
فرح ناز : ( تقبل يدها ) ليس كلاما معسولا ، ولكنه الحب لك ولامولاي يفيض من قلبي على لساني .
برجيس : ( غاضبة ) وهل أنا لا أحب مولاتي ومولاي ؟! بل أنا أحبهما أكثر منك ، والحب الصادق ليس في حاجة إلى دليل وبرهان من اللسان المعسول والكلام المزين .
فرح ناز : اللسان يخبر عما في القلب ، وأنت لسان حاد وقلبك قاس .
برجيس : لا أستطيع أن أزيف مشاعري وأبالغ في كلامي كما تفعلين .
فرح ناز : ( توكز برجيس ) أنا أزيف مشاعري يا وجه البومة .
برجيس : ( تجذب شعرها ) ما وجه بومة إلا أنت أيتها ..
أفين : ( صائحة في غضب ) أتتشاجران أمامي ...كفا أيتها الحقاوتان !
برجيس : ( تبكي ) هي التي بدأت .
فرح ناز : ( تسوي شعرها ) بل أنت التي بدأت
أفين : ( تدفعهما بعيدا عنها صائحة ) قلت أكففا وإلا أخبرت مولاكما بالتخلص منكما .
ناصر الدولة : ( واقفا بالباب مندهشا) ماهذا الصياح الذي أسمعه ؟!
افين : ( تومئ إلى الجاريتين بالإنصراف ) لا يكفان عن التشاحن كلما اجتمعا .
ناصر الدولة : ( جالسا بجوارها ) علام يتشاحنان ؟
أفين : على قراءة طالعك ..فرح ناز تبشرك وبرجيس تحذرك من حلم رأته .
ناصر الدولة : ( مندهشا ) حلم رأته ؟!
أفين : إنك صعدت فوق القصر ، ورفعت سيفك فطارت طيورسوداء ، ثم سقط سيفك وحمله عدد من حراسك وصعدوا به إليك وأشاروا بالسيف للطيور السوداء فعادت وغطت القصر بأجنحتها ..ونظرت حيث كنت واقفا فوجدت نقطة دم كبيرة .
ناصر الدولة : ( ساخرا ) إنها جارية حمقاء ، وأحلامها اشد حمقا منها .
أفين : ( تحدق في وجهه ) أهناك ما يسوء ؟
ناصر الدولة : ( يحتضنها ) بل هناك ما يسر القلب ويسعد النفس .
أفين : ( تتخلص منه ) هذا الحنان الطاغي تخفي وراءه شيئا ...أهناك ما تخشاه ؟
ناصر الدولة : ( يهرب من نظراتها ) المنابر تدعو لي ،والناس في الشوارع والأسواق والحواري والأزقة يهتفون باسمي ويستغيثون بي .
أفين : ( مندهشة ) وما يقلقك في هذا ؟!
ناصر الدولة : (يسير خطوات في أرجاء المكان مفكرا ) لم أتوقع ان تسير الأمور بتلك السرعة .
أفين : ( تمسك يده ) أليست في صالحك ؟ّ
ناصر الدولة : بلى ...ولكن سبقت كل حساباتي وتفكيري . ..لذلك تجديني في حيرة من أمري .
أفين : أي حيرة تقصد ؟ !
ناصر الدولة : ( محدقا في عينيها ) الخطوة القادمة .
أفين : ( متعجبة ) وما الذي يمنعك أن تخطوها ؟
ناصر الدولة : ( خالعا عباءته ) لأنها الخطوة الأخيرة التي ليس بعدها خطوات .
أفين : ( تأخذ العباءة محتضنه إياها ) لا أفهم ما تقصده ؟
ناصر الدولة : ( جالسا على الأريكة ) لو كان العباسيون أرسلوا جيشا ربما تغير الأمر وأعلنتُ دخول مصر في حكم العباسيين بعض الوقت ثم أنفرد بالأمر بعدذلك .
أفين : ( تجلس بجواره ) والآن ؟
ناصر الدولة : سأعلن نفسي حاكما منفردا على البلد .
أفين ( مطرقة ) ألا ترى أن الأمر سابق لأوانه بعض الشيء ؟
ناصر الدولة : ( مشبكا أصابع يديه في بعضهما ) أخشى أن أقدم عليه فيحدث ما لا أتوقعه ، وأخشى أن أنتظر فتفوت الفرصة وتضيع من يدي .
أفين : وما الذي تخشاه إن جلست على دست الحكم وقد صارت إليك كل مقاليد الأمور في البلد ؟
ناصر الدولة : ( منكسا رأسه ) تهيبت الموقف .
أفين : لماذا ؟
ناصر الدولة : ( يدور واضعا يدديه خلف ظهره) حينما كنتُ أسير اليوم محاطا بالجنود في القسطاط تجمع الناس من كل مكان حولنا بالألوف وأخذوا يهتفون باسمي ويلوحون لي وأرادوا اختراق الصفوف ليصلوا إلى وكأنني أمير المؤمنين ..لقد انتابتني قشعريرة وشعرت بشعور غريب نحو الناس ملك على كل جوانحي .
أفين : وبم تفسر ذلك ؟
ناصر الدولة : ( يقف في مواجهتها ) إحساس بالضاءلة والناس يشيرون إلى من النوافد ومن على الأسطح وفي الشوارع والميادين نساء ورجال وأطفال .
أفين : أتظن أنهم يحبونك ؟
ناصر الدولة : ( يمس على رأسه ) أنا لم أقدم لهم شيئا ليحيوني و لم أضعهم في حسباني بل لم يخطروا على بالي ليس هذا فحسب بل أنني سببت لهم أذى كبيرا .
أفين : ( مندهشة ) كيف هذا ؟
ناصر الدولة : كل معاركي مع أمير المؤمنين كان الناس أكير المتضررين من تلك المعارك هدم جسور وتبوير أراضي ونهب ممتلكات وفرض ضرائب ، بل أني كنت اتعمد الإضرار بهم وأخلي بينهم وبين جنودي ليفعلوا بهم الأفاعيل كيدا وأنتقاما من (المستنصر )، كنت وهو كثورين هائجين ندهس الناس تحت أرجلنا ونسحقهم بقروننا .
أفين : أنت الآن في قدرتك أن تعوضهم عن كل هذا .
ناصر الدولة : ( شاردا ) هل الأمل هو الذي يحركهم نحو شيء لم يعرفوه ..أم اليأس والقنوط والإحباط مما عرفوه وخبروه أم شيء آخر .
أفين : ماذا تقصد ؟
ناصر الدولة : إنه مجرد إعجاب وانبهار بقائد منتصر .
أفين : ربما يرون في هذا القائد المنتصر القدرة على أن ينتشلهم مما هم فيه من بؤس وفقر ومرض ...يحقق لهم وعدا بحياة عزيزة .
ناصر الدولة : ( شاردا ) ربما .
أفين : ( تطوق عنقه بزراعيها ) ماذا ستفعل لهم ؟
ناصر الدولة : ( مفكرا ) سأبطل الضرائب التي تثقل كاهلهم ...وأطهر البلد من الوزراء الفاسدين والمسؤلين المرتشين ..وسأوفر لكل من لا يجد عملا يعيش منه وسأبني الجسور والترع وأصلح الأرض وأوفر الخبز و...
أفين : ( تبتعد عنه مقاطعة ) والجنود ...سيتركونك تفعل ذلك ؟
ناصر الدولة : ( مندهشا ) ولم لا ؟!
أفين : أليس لهم طلبات ..بل أن طلباتهم لا حد لها ؟
ناصر الدولة : صلاح الناس والبلد هو صلاح لأحوالهم ، لأنهم فئة من الناس .
أفين : لا أظن أنهم سيتسامحون معك إذا اعتبرتهم فئة من الناس .
ناصر الدولة : سأحاول أن أرضيهم وأكافئهم عما بذوله .
أفين : سترضيهم على حساب الناس ..ولن يشبعوا وليس لطلياتهم حدود ..أنت نفسك عودتهم على ذلك ، بل دفعتهم حينما طالبت بل أمرت المستنصر بزيادة رواتبهم ، لقد عجز أن يوفر لهم ما طلبوه فكيف بك وأنت الآن ليس بيدك شيء .
ناصر الدولة : ( يدور في المكان مطرقا ) لا ..الجنود الذين كانوا يحاربون معي يفدونني بارواحهم ..أنا أثق فيهم ثقة كبيرة ..لن ينظروا إلى الأمر كما تنظرين .
أفين : ( تواجهه ) يؤتى الحذر من مأمنه .
ناصر الدولة : ( يقترب منها ممسكا بيدها ) أخائفة ؟
أفين : (تقبل يده ) حذرة ..الآن فقط عرفت أن الأمر ليس بالسهولة التي كنت أتوقعها .
ناصر الدولة : طالما أنت معي فكل صعب يسير يا مليكتي .
أفين : ( تحتضنه ) لا حرمني الله منك يا مليكي .
إظلام .
الفصل الثالث
الفصـــــــــــل الثــــــالث
المشهد الأول :
زقاق القنديل .
الزقاق خال من المارة على غير عادته ، يجلس إصحاب الحوانيت والدكاين متجمعين أمام حانوت حسين العطار ، وصبي (فرج الخماري) يحضر لهم المشروبات من المقهى المجاور ،
حسين العطار : (ينش الذباب بالمذبة متلفتا حوله )الحمدلله ، الزقاق هدأ من يوم مابدأ الغجر يخرجون في الصباح ولا يعودون إلا في المساء .
فاروق الكحال : ( متطلعا إلى النوافذ والمشربيات )استرحنا من أم خوخة العداداة واكمل الماشطة ونعمات الدلالة .
فرج الخماري : ( متناولا كوبا من الشراب ) على رأيك لا يكففن طوال النهار عن الشجار
والمشاحنات مع كل من هب ودب .
حسين العطار : وما يفعله الولد زغلول ومجموعة الصبيان الذي يتبعونه كظله .
الصرماتي : ( يتلفت حوله أسفا ) الزقاق كئيب من غيرهم ، إنهم من يجعلون للزقاق حياة وروح والله يا جماعة .
فاروق الكحال : ( ضاحكا ) هذا الولدغريب الأطوار ..يختفى وفجأة يظهر ومعه أخبار الفسطاط كلها، ما من وكالة أو قيسارية أو فندق أو سوق أو حارة إلا ويعرف مايدور فيها من أحداث .
فرج الخماري : ( يجمع أكواب الشراب ) سمعت أن له أصدقاء في جميع حواري وأزقة الفسطاط ينتشرون في جميع الأماكن في الصباح ثم يلتقون ويخبر كل منهم الأخر بما عرفه .
حسين العطار : (متلفتا حوله ) تقصد لصوصا ..أنتم تعلمون أنه يسرقنا ليلا ، ولكنكم تخشون
من لسان أبو شامة .
فاروق الكحال : نحن لا نخشاه ولكننا نحترمه .
حسين العطار : ( ساخرا ) نحترمه ..ومن أين جاء هذا الاحترام يا كحال ؟!
فرج الخماري : ( متحمسا ) لأن ما من محتاج في الزقاق إلا ويمد له يد العون ..سواء كان امرأة أو رجلا أو طفلا ..وبخاصة نساء الزقاق ..إنه يحمل همهن كالابن الذي يرعى أمه .
حسين العطار : ( ضاحكا )ألم تسمع شجارهن معه بالأمس القريب حينما أرسل العداداة إلى أهل
عرس والماشطة إلى أهل ميت ؟!
فاروق الكحال : ( ضاحكا ) لن أنسى ما حييت هذا الموقف .
فرج الخماري : الخطا ليس خطأ أبو شامة لقد يدلا الورقتين اللتين أعطاهما لهما .
حسن العطار : لا تنسيا أن الطبيب أحمد بن رضوان هو الذي يوصيه بأهل الزقاق وكل المساعدات التي يقدمها أبو شامة من الطيبيب أحمد .
فاروق الكحال : إنه رجل خير ..أفضاله وإحسانه تشمل أهل الزقاق كلهم .
حسين العطار : نعلم ذلك ولكن لا نعلم ما يقدمه لأهل الزقاق وما يستبقيه لنفسه .
فرج الخماري : لا.. أبو شامه لا يستحل شيئا لنفسه .
حسين العطار : ( محتدا ) وهل أحد منا يعرف كم من المال يعطيه الطبيب .
فرج الخماري : ( منفعلا ) أنت لا تحب أبو شامه ولا تحب زغلول ولا تحب أحدا من أهل الزقاق ، وتتمنى أن يختفي الجميع من الزقاق في لمح البصر .
حسين العطار : ( يقف غاضبا ) أنت تعلم أنني أستطيع أن أنقل تجارتي إلى القاهرة ، ولكنني
فضلت أن أبقى في الزقاق لأن عشرتكم لا تهون على .
فرج الخماري : (يحول بينهما ) أهدأا .ليس هذا محل خلاف ..ألا يكفيكما ما نحن فيه من وقف
الحال والكساد وبوار كل بضائعكما ؟!
فاروق الكحال : وليت الأمر يقف عند هذا، ولكن الضرائب والمكوس المفروضة على كل
شيء تزداد كل حين .
فرج الخماري : ومن أين (للمستنصر) أن ينفق على جيوشه وجواريه وغلمانه إلا من دمائنا .؟!
حسن العطار : أي جيوش تلك التي تنهزم مرارا أمام جيش (ناصر الدولة بن حمدان) ؟
فاروق الكحال : كلهم ينهشون في لحم البلد
فرج الخماري : ( متعجبا ) أنا لا أدري لم لا يكون الجيش من أهل البلد ؟!
حسين العطار : وهل نعرف شيئا من فنون القتال ؟
فاروق الكحال : لا نعرف إلا أن نخبزونطبخ ونزرع ونقلع ونبيع ونشتري أما الحرب ...
الصرماتي : ( يبسط يديه ) وهل وضع أحد السيف في أيدينا ونحن رفضنا ..كل حاكم يأتي إلينا ومعه جيشه أو يكوًن جيشا من جميع أجناس الأرض إلا من أهل البلد
حسين العطار : أنتم لا تفهمون شيئا ..أهل البلد لا يجندون في الجيش .أهل البلد موجودون من
أجل أن يدفعوا الضرائب والمكوس فقط تلك مهمتهم الأساسية .
فرج الخماري : وما علينا نحن إلا أن ننفق على تلك الجيوش .
فاروق الكحال : ونسيت قصور الخليفة وجواريه والعبيد والوزراء والموظفين
حسين العطار : أتعرفون أن ما نحن فيه من شدة ومحنة ومجاعة بسبب تلك الجيوش الجرارة
من كل جنس ونوع ؟
الصرماتي : وكلهم يطحنون في بعض .
الكحال : الغريب أن الناس في الأسواق والحواري والأزقة يهتفون للقائد ( ناصر الدولة ) ويستغيثون به ، مع أنه يحارب أمير المؤمنين وينشر الفساد والدمار في البلد كلها .
حسين العطار : ( مشيرا إلى بداية الزقاق ) أليس هذا إبراهيم الخياط ؟
الكحال : ( مندهشا ) وما باله مضطربا ويسرع الخطى هكذا ؟!
الصرماتي : ( متجها إليه ) ما بك يا (خياط) ؟! أحدث ما يسوء ؟
الخياط : ( يجفف عرقه ) أنتم جالسون هنا والفسطاط كلها مقلوبة .
حسين العطار : ( يسرع بغلق باب دكانه ) ماذا حدث أخبرنا . لقد جف الدم في عروقنا ؟!
الخياط : الشرطة والجيش يضربون الناس في الشوارع والأسواق والحواري . ووجثث القتلى والمصابين تملأ الشوارع والطرقات .
الكحال :( مشيرا إلى بداية الزقاق)ما هذا الذي أراه ؟! أليس هؤلاء من أهل الزقاق ؟!
حسين العطار : ( مسرعا إليهم ) إنهم كلهم جرحي وملوثة ثيابهم بالدماء ، البعض محمولا على الاكتاف والبعض الآخر محمولا على الحمير ..لا حول ولا قوة إلا بالله
الكحال : ( مذعورا ) ماذا حدث يا أبوشامة ...وماذا فعلتم حتى يهاجمكم الشرطة وعساكر الجيش ؟!.
أبو شامة : ( يجلس على أريكة ممسكا رأسه ) كنا نمر بسوق (العيارين) وسوق (الفاميين ) وسوق (بربر) وسويقة (دار فرج) وقبل أن ندخل سويقة( يعقوب بن كلس) وجدنا الدكاكين والحوانيت مكسورة ومنهوبة وأصحابها يصيحون علينا ، وفجأة وجدنا العساكر يحيطون بنا من كل جانب ومن نجا من الوقوع تحت سنابك الخيل لم ينج من عصيهم ومقارعهم وسياطهم .ولم يرحموا امرأة أو طفلا أو شيخا .
الخياط إنهم وحوش ضارية لا قلب لهم ، كان النساء يصحن عليهم من النوافذ والمشربيات ومن فوق أسطح البيوت ويرمين عليهم ما يصل إلى أيديهن ، كان المنظر يدمي القلوب .
الصرماتي : ( يتحسس جروح أبو شامة ) أنتم تمرون بالأسواق والحواري والميادين فماذا حدث اليو م ؟!
أبو شامة : مجموعة من اللصوص والنهابة سبقونا ونهبوا الحوانيت والدكاكين والوكالات والفنادق وحينما وصلنا كانوا اللصوص قد فروا وظن الشرطة أننا من فعل ذلك
حسين العطار : ولماذا لم تقبض الشرطة على اللصوص والنهابة ؟!
الكحال : ولماذا لم لم تخبروهم أنكم لستم لصوصا ؟!
أبو شامة : ( متوجعا ) سمعت أحدهم يقول أن اللصوصو والنهابة كانوا يحطمون ويسرقون على عين الشرطة .
الكحال : إذن كان هذا كمينا نُصب لكم .
حسين العطار : ( محتدا ) ما هذا الكلام الذي تقوله ، الشرطة وعساكر الجيش ينصبون للنساء والصبية كمينا ؟!
أبو شامة : كنا أعددا غفيره .اليوم جميع الحواري والأزقة والدروب خرجت بخروجنا وتبعونا حيث نذهب ولولا ...
الصرماتي : (مقاطعا مشيرا إلى المصابين والجرحي الموجودين وسط الزقاق وبجوار جدران البيوت ) هل سنقف نتحدث ونترك النساء والأطفال ينزفون حتى الموت .هيا يا (كحال) وأنت يا (خماري) أجلبا لنا أقمشة ومطهرات كي نضمد الجرحى .
الخماري : ( مشيرا إلى مجموعة من الرجال قادمين إلى الزقاق ) ها هو الطبيب الحسن بن رضوان ووراءه عدد من الرجال يحملون الأربطة و المطهرات
الخياط : لابد أنه عرف بما حدث لأهل الزقاق فأسرع ومعه النجدة .
بن رضوان : ( مشمرا عن ساعديه مشيرا إلى ما حوله) ما كل تلك الأعداد من
المصابين والجرحي يا أبو شامه ؟! ما الذي حدث ؟
أبو شامه : كان من الممكن أن يكونوا أضعافا لولا جنود (ناصر الدولة) تدخلوا ومنعوا عنا الشرطة وعسكر الجيش لصرنا كلنا في عداد الموتى .
بن رضوان : (مندهشا) جنود ناصر الدولة ...أحدث هذا حقا ؟!
أبوشامة : قيل لي إنه أمر بعض جنوده بحمل عدد من الجرحي إلى قصره لمعالجتهم
بن رضوان : ( متأثرا) هيا أيها الرجال احملوا من ترون حالته سيئة لتسعفه
الخماري : لدي في المقهى متسع للجرحي والمصابين .
بن رضوان : ( متجها إلى المقهي ) بسرعة أحملوا الجرحي إلى المقهى
حسين العطار : تملهوا حتى نغلق الحوانيت والدكاكين .
الخياط : ( يجذبه من يده ) هيا يا عطار أترك كل شيء على حاله الدماء أغلى من الحوانيت والدكاكين .
بن رضوان : ( صائحا على من حوله ) مروا بالحواري والأزقة المجاروة ولتأتوني
بالجرحي في مقهى الخماري .
غرام : ( صارخة ) ماذا فعلوا بك يا أبو شامه ..يا حبيبي يا نور عيني ؟
أبو شامه : ( واضعا يده على فمها ) ما هذا الذي تقولينه9 يا حمقاء ؟! ثم من هو حبيبك ونور عينيك ؟!
غرام : ( تبعد يده ) ألست خطيبي ؟! وكل من في الزقاق يشهدون على ذلك ؟
أبو شامه : ( ساخرا ) كل أهل الزقاق ما بين مصاب وقتيل ..بدلا من حبيبك ونور عينك حاولي أن تسعفي النساء الجرحي في الزقاق والحواري المجاورة .
غرام : ( تشير إلى أول الزقاق ) أترى يا أبو شامه ..كل هؤلاء المكارية يحملون الكثير من الجرحي قاصدين الزقاق .
بن رضوان : ( مذعورا ) وما كل تلك الأعداد المحمولة على أكتفا ف الرجال وعلى
ظهور الحمير .
مكاري 1 : حينما عرفنا بوجودك في الزقاق حملنا كل المصابين إلى هنا أما القتلى فحملناهم إلى بيوتهم .
بن رضوان : ( مندهشا) أيوجد قتلى ؟!
مكاري 2 : أعداد لا حصر لها من النساء والأطفال دُهسن تحت الأرجل وسنابك الخيل
الخياط : ( يمسح الدماء من على يديه ) لا حول ولا قوة إلا بالله ..ماذا فعلوا حتى يموتوا تلك الميتة البشعة .
الصرماتي : ( يمسح دمعه ) ما تلك المصائب التي تحيط بالناس من كل جانب ؟!
الكحال : ( يربت على كتفه ) مجاعة وفقر وظمأ ومرض ودمار في كل مكان ..ماذا بقى من مصائب لم تحدث ؟
الصرماتي : عقاب من الله ينزله على الفاسدين والعاصيين .
الخياط : وما ذنب هؤلاء الضحايا المساكين الذي لا يجدون ما يأكلونه من خبز ولا ما يشربونه ولا ما يستر أجسادهم منذ سنوات .
زغلول : ( يدخل مسرعا قادما من نهاية الزقاق ووراءة مجموعة من الصبية وفي أيديهم قطع من الخبز ) يا أهل زقاق القناديل شجار بالأسلحة بين عساكر أمير المؤمنين وعساكر ناصر الدولة .
الصبية : ( في صوت واحد ) ناصر الدولة .
الخياط : ( مذعورا ) أين يتشاجرون يا جلاب المصائب ؟
زغلول : ( يراقب الجرحي حزينا ) في سوق (الطباخين) وسوق (بربر) وهم الآن أمام الجامع العتيق .
أم زغلول : ( تشير إليه من النافذة ) حرام عليك يا زغول ...لقد انفطر قلبي عليك تعال يا ولد الموت يخطف النساء والأطفال ..أصعد وإلا سوف أنزل وأكسر رقبتك .
زغلول : ( ملوحا إليها ) لا تخشي علي ..أنا لست طفلا ...سأذهب لأساعدهم في حمل الجرحي .
[ يسمع صوت صهيل الخيول وصليل السيوف وصياح وصرخات الناس
مجموعة من الرجال والنساء والأطفال والكلاب يدخلون من أول الزقاق ويخرجون من نهايته مسرعين ، البعض يتعثر ساقطا على الأرض ]
الصرماتي : ( ممسكا بأحد الذين سقطوا ) مما تهربون ؟ وماذا يحدث في الجوار ؟
الرجل : ( محاولا التخلص منه ) عسكر أمير المؤمنين وعسكر ناصر الدولة يتقاتلون في الحواري والأزقة المجاورة ..أهربوا قبل أن يصلوا إليكم .
الصرماتي : ( مذعورا ) إذن سيمرون من الزقاق .
الكحال : وإذا مروا على مكان سيدمرونه تدميرا .
بن رضوان : ( مسرعا إلى وسط المكان ) بسرعة أيها الرجال انقلوا الجرحي إلى المقهى
وليغلق كل منكم باب داره وحانوته ودكانه حتى تنجلي تلك الغمة على خير .
إظلام .
الفصل الثالث .
المشهد الثاني :
قصر اللؤلؤة ،القائد( ناصر الدولة بن حمدان) وأخواه( فخر العرب ) و ( تاج المعالي ) وصديقه ( أبو جعفر النجاري ) يتجاذبون أطراف الحديث .
فخر العرب : نحن نثق في قرارت وسداد رأيك وبعد نظرك وأحيانا تغم علينا الحكمة والقصد فيما تقرره .
تاج المعالي : مثل تخلصك من ( تاج الملوك شادي ) و( ابن كيغلغ ) و( ابن سنان ) .
فخر العرب : فقد ظهر بعد ذلك هدفهم وميلهم لأمير المؤمنين .
تاج المعالي : وإن كنا أعتبرنا تصرفك نوعا من التسرع وإنسحابهم من صفوفنا سيضعفنا ويفل عزيمتنا .
فخر العرب : ولكن الأحداث بعد ذلك أثبتت أنك تقرأ الرجال وتعرف حقيقتهم .
تاج المعالي : فأنت رفضت نفعهم القريب المشكوك فيه ، لأن ضررهم البعيد المؤكد كنت تراه ، بينما نحن لم نكن نراه بالمرة ، فالنفع القريب حجب عنا رؤية الضرر البعيد .
فخر العرب : بارك الله فيك وزادك قوة وأنار بصيرتك .
ناصر الدولة : ( يمس لحيته مفكرا ) أعلم ان تلك مقدمة لما تريدان أن تقولاه ، فهاتا ما عندكا ، فأنتما وزيراي ، ولا أثق في أحد قدر ثقتي فيكما .
أبو جعفر النجاري : (شير إليهما ) أنتما خير سند لقائدنا وأستطعنتما ان تسدا كل خلل تركه
إنسحاب ( شادي ) ومن تبعه .
فخر العرب : تقربك من للناس في الفسطاط وفي القاهرة ، وحرصك في جلب رضاهم .
تاج المعالي : إلى درجة أنك أمرت رجالنا ان يتعرضوا لرجال المستنصر ويقاتلوهم في الأسواق والحواري والأزقة دفاعا عن الناس
فخر العرب : نحن لا نتحدث عن عدد الرجال الذي فقدناهم .
تاج المعالي : فقد قتلنا منهم أضعاف من قتلوا منا .
فخر العرب : ولكن متى كان للناس وزن أو رجحان في أي أمر من الأمور ؟!
تاج المعالي : إنهم لن يقاتلوا عنا ، ولن يدفعوا عنا أي ضرر .
فخر العرب : ليس هذا فحسب ، سيكونون عبئا .
تاج المعالي : وها هي باحة القصر قد امتلأت بالجرحي منهم ، أعداد غفير تقصد القصر لتلبي مطالبهم والتي تزداد كل يوم .
فخر العرب : ومن المؤكد أننا لن نستطيع أن نلبي كل مطالبهم .
تاج المعالي : وأخشى ما نخشاه أن ينقلبوا علينا .
فخر العرب : ( يقف ويسير خطوات في المكان ومشبكا أصابعه فوق صدره ) الأهم من كل هذا ...
ناصر الدولة : ( مقاطعا ) أهناك شيء آخر ؟
تاج المعالي : نعم ، جنودنا .
ناصر الدولة : ( محتدا ) ما بهم ؟!
فخر العرب : لم يصدر عنهم شيء صريح وإنما هي مجرد همهمات وإيماءات ونظرات .
تاج لمعالي : إنما تدل على أن هناك شيئا يحاك في الصدور ، وظنون تثور في العقول .
فخر العرب : ونحن أذانك التي تسمع كل ما يقال .
تاج المعالي : وعيونك التي ترى كل ما يدبر .
ناصر الدولة : ( يقف ويسير خطوات مشبكا ذراعيه خلف ظهره ) جنودنا غاضبون من إلتفاف الناس حولي ، وتعاطفي معهم . ..أليس هذا ما تريدان تبليغه لي ؟
فخر العرب : أوعرفت ؟!
ناصر الدولة : (يعودإلى كرسيه ) أنا أمضي ساعات من الليل متخفيا بين خيام وثكنات الجنود ، وجزء من النهار متجولا بين الأزقة والأسواق بدون أن يعرفني أحد ، وأعرف كل ما يدور بين هؤلاء وهؤلاء ..الناس يريدون من يخلصهم من الغمة والشدة التي تطبق على صدورهم من سنوات عديدة ، رأوا في الرجل القوى الذي انتصر على المستنصر ورجاله وزرائه الذين كانوا السبب الأول فيما يعانونه ، أخذوا يهتفون باسمي في جميع أنحاء الفساط والقاهرة ، ويدعون لي على منابر مساجدهم ، وإذا رأوني أسير في الشوارع والميادين يصرخون ويبكون باسطين أيديهم لي وكاشفين صدورهم وحاسرين رؤوسهم ..
تاج المعالي : ( مقاطعا ) هم ضعفاء يريدون من يتقون به .
فخر الدولة : بينما الجنود هم سيفك الذي تضرب به ، ودرعك الذي تصد به .
ناصر الدولة : لا ، الجنود ليسوا بسيف ولا درع ، نعم سيوفهم ودرعوهم هنا بينما قلوبهم
وعقولهم هناك في بلادهم ، إن لم تعطهم ما يريدون ولم يجدوا ما يطلبون سيرحلون إلى موطنهم في أقرب فرصة ، لقد خذلوا المستنصر وانفضوا من حوله ، بينما الناس قلوبهم وعقولهم هنا تلك بلادهم وهم على استعداد أن يضحوا بأرواحهم من أجلها ، كل الذين جاءوا إلى هنا وحكموا لم يدركوا تلك الحقيقة .
تاج المعالي : أنت الآن في حاجة إلى السيف أكثر من الحقيقة .
فخر الدولة : وحقيقة بلا سيف ظل لا بقاء له .
ناصر الدولة : ولم لا يكونان معا ..الحقيقة والسيف ؟
تاج المعالي : لن يجتمعا .
ناصر الدولة : لماذا ؟
فخر الدولة : لأنهما متعارضان ...على الأقل الآن ، ومعك .
ناصر الدولة : ( متحمسا ) سأزيل التعارض بينهما وأجعلهما يتصالحان .
تاج المعالي : لن يتم هذا إلا في حالة واحدة ..أن تأتي بقلوب وعقول الجنود من موطنهم
الأصلي إلى هنا وهذا محال .
فخر الدولة : وأن يصير الناس في قوة الجنود أي يكونوا لك سيفا ودرعا وهذا أيضا محال .
ناصر الدولة : أي أجعل من الناس جنودا ومن الجنود ناسا ..ألا استطيع أن أفعل ذلك ( ملتفتا
إلى النجاري غاضبا ) منذ أن بدأنا الحديث وأنت صامت ، ألست معنا فيما نخوض فيه ؟! أم أن الأمر لا يعينك ؟
النجاري :( منتبها ) أنا أفكرطوال الوقت فيما قالاه وفيما قلته .
ناصر الدولة : وأينا على حق ؟
النجاري : كلاكما على حق .
ناصر الدولة : كيف هذا ؟ !
النجاري : هما يتحدثان بلسان الواقع ويحسبان ما يحكم وضعنا الدقيق الآن ، وأنت تتحدث بلسان ما يمكن أن يتحقق مستقبلا ، أو ما تتمنى أن تحققه للناس .
ناصر الدولة : أو يحققه الناس معي ؟
النجاري : كما قلت كل من جاء وحكم هنا لم يلتفت إلى الناس ، ولم يصل إلى القناعة التي وصلت إليها ، أن يضع الناس في الاعتبار ، لأنهم قوة ، وتلك القوة يستمدونها من أن تلك البلد بلدهم ولا بديل لهم عنها ، فهم ولدوا هنا وسيموتون هنا ، وهم على استعداد أن يقدموا كل ما لديهم ويضحون بأرواحهم ..وهذا ما لا يتوافر في الجنود .
فخر الدولة : لا تنس يا نجاري أن ناصر الدولة ليس هن هؤلاء الناس فنحن غرباء ومجلبون
إلى هنا كما تعلم .
ناصر الدولة : إذا عملت لمصلحة الناس سيعتبرونني واحدا منهم ، ولست غريبا عنهم ، ما
أيسر أن تستعبد قلوب الناس هنا .
تاج المعالي : تقصد تخدعهم .
ناصر الدولة : ( مستنكرا ) أخدعهم ؟!
تاج المعالي : لأن كل من كان قبلك لم يقدموا سوى وعودا ، ووعودا كاذبة ، لأننا لا ننوي أن
نبني مجدا للناس وأنما مجدا لأنفسنا ، كما فعل كل من حكم هذا البلد ، الناس كانوا في ذيل اهتماماتهم ، بل استغلوا الناس أسوأ استغلال ليحققوا أهدافهم هم وليس اهداف الناس .
ناصر الدولة : أنا قادر على أن أغير ما فعله من كان قبلي ، و وأن أجعل من الناس سيفا
ودرعا .
فخر الدولة : لن يسمح لك الجنود بفعل ذلك .
ناصر الدولة : وماذا بيدهم أن يفعلوا ؟!
تاج المعالي : ( صائحا ) يقتلونك .
ناصر الدولة : ( مندهشا ) يقتلونني .
فخر الدولة : ( مستدركا ) يقصد يخذلونك فيما تريد تنفيذه .
ناصر الدولة : ( يقترب منه مربتا على كتفه ) أو تظنني أخشى الموت ..ألم تسأل نفسك عن
سبب الانتصارات التي أحرزتها ..أنني أحمل روحي على كفي ، وكثيرا ما شعرت أن الموت يهابني ..يتجنبني ..كلما اقتربت منه يبتعد عني ...( ضاحكا ) أتصدقونني إن قلت لكم ان الموت يخاف مني .
تاج المعالي : ولكن .
ناصر الدولة : ( مقاطعا في غضب ) سوف أبدأ عهدا جديدا ، أصافح الناس في الطرقات
ويصافحونني ، سأصلح ما أفسده من كان قبلي ، وسأعمل بكل وسعي لكشف الغمة التي تحصد الناس حصدا ، لن أخيب رجاءهم ، وأنا أعلم أن هذا ليس من اليسير تحقيقه ، وأني قد أقدم روحي ثمنا لذلك ، ولن أتراجع ومن منكم يخشى على نفسه فليبحث من الآن عن مأمنه وهو في حل عن أي لوم أو تثريب .
النجاري : ( يشد على يديه ) نحن معك إنها غاية نبيلة وسيوفقك الله فيها طالما تنشد الخير والنفع والصلاح للناس .
تاج المعالي : ( يشد على يده ويعانقه ) نصرك الله على أعدائك .
فخر الدولة : ( يعانقه ) وأيدك بنصره ، وأعانك على كشف الغمة وإزاحة الشدة .
إظلام .
الفصل الثالث
المشهد الثالث :
في قاعة من قاعات بيت القائد التركي ( تاج الملوك شادي ) ، عدد من أصدقائه جالسون حوله ، والمغنيات يغنين ويعزفن على الآتهن الموسيقية والراقصات يرقصن ، والجواري يجالسن الأصدقاء ، والخادمات والغلمان يحملن الشراب وأطباق الفاكهة من كل صنف ونوع ويطفن بها على الجالسين .
شيراز : ( يتجرع كأس الخمر ) من يصدق أننا كل يوم نسهر عند القائد العظيم ( ناج الدين شادي )
نيار : ( يحتضن جارية ) كي نمضي ساعات الليل في جنته .
مهيار :( يقضم تفاحة ضاحكا ) بل قل جهنم الحمراء
شيراز : ( يقف راقصا ) أي جهنم تلك التي تمتلئ بالطعام والشراب والغناء والرقص
نيار :ما اتعس ليلنا حينما نقضيه هناك مع جنود تاصر الدولة
شيراز : ( يطوج بالكأس ) لا تذكرنا ، ودعنا نعيش أجمل وأمتع ساعات ليلنا .
مهيار : ( مقبلا جارية ) ما رأيكم أن تنترك خدمة ناصر الدولة ونلتحق بخدمة القائد العظيم
(تاج الملوك شادي ) ؟
شادي : ( ضاحكا ) لا أريد منكم أن تتركوا ناصر الدولة .
شيراز : ( متعجبا ) ولكنك سبق وأن تركته .
شادي : تركته لأنه حدث خلاف بيني وبينه ، أما أنتم فلماذا تتركونه ؟
مهيار : لسنا وحدنا من نود تركه .
شيراز : الكثيرون قد ضاقوا به وبرموا بتصرفاته في الآونة الأخيرة .
شادي : ( متعجبا ) لماذا ؟
مهيار : صار يقضي أغلب أوقاته مع الناس .
شيراز : وغل ايدينا من التعرض لهم .
نيار : ليس هذا فحسب بل أمرنا أن نقاتل جنود المستنصر من أجلهم ودفاعا عنهم .
مهيار : والقصر ملئ بهم يتجولون فيه ليل نهار .
شيراز : أتصدق أني سمعته ذات مرة أنه ينوي أن يتخذ من شبابهم جنودا يحملون السلاح .
نيار : ( مستنكرا ) ومتى كانوا يعرفون استخدام السلاح ؟!
مهيار : أو يعرفون أي شيء عن فنون الحرب والكر والفر ؟!
شيراز : إنهم يجيدون فعل أي شيء إلا القتال .
نيار : لا تنسوا أنهم في غاية الذكاء ولو تتدربوا جيدا ربما تفوقوا علينا .
شادي : ( ساخرا ) وأنتم ماذا ستفعلون ؟!
مهيار : ( ضاحكا ) نمارس أنواع التجارة ..نبيع ونشتري .
نيار : نطحن ونخبز ونسير في الأسواق ونقف في الدكاكين والحوانيت
شيراز : لذلك الأفضل لنا أن نترك جيش ناصر الدولة ونعود إلى بلادنا .
مهيار : ولم ..فلننضم إلى جيشك ...ألن تقبل بنا ؟
شادي : ( يشير إلى المغنيات والراقصات والجواري لينصرفن ) لن تتركوا ناصر الدولة ولن
تعودوا إلي بلادكم .
نيار : ( مندهشا ) لماذا أمرت المغنيات والراقصات بالإنصراف ؟!
شيراز : ( متأهبا للإنصراف ) هذا آذان لكل ننصرف نحن أيضا ..هيا يا أصدقاء فقد أوشك أن
يبزغ الفجر .
شادي : ( يشير له بالجلوس ) لثد صرفتهن لأني أريدكم في أمر هام وخطير ..أأنتم في وعيكم
أم ذهبت الخمر بعقولكم ؟
شيراز : ( جالسا مشيرا إلى رأسه ) لا هناك بقية من العقل .
مهيار : بل الخمر ذهبت بنصف عقلي والمغنيات والراقصات أذهبن النصف الآخر
نيار : ( يقترب منه ) ما الأمر الهام والخطير الذي تريد أن تخبرنا به ؟
شادي : ( مشيرا إلى الصندوق في ركن القاعة ) أترون هذا الصندوق ؟
شيراز : ( ضاحكا ) نعم ، لا شك أنه ملئ بزجاجات الخمر المعتقة .
شادي : أذهبوا وأنظروا ماذا بداخله .
الجميع :( صائحين في صوت واحد ) ذهب !
شادي : ( يسير مختالا أمامهم ) منذ تلك اللخظة أنتم تملكون كل هذا الذهب .
الجميع : ( في صوت واحد ) نملكه !
شادي : ( يضع يده على الصندوق ) بشرط .
شيراز : ( مبهورا ) مهما كان الشرط ..أنا لا أصدق عيني ولا عقلي أن كل هذا الذهب ملكي.
ميار : ( يربت على كتفه ) ملكنا نحن الثلاثة يا هذا .
مهيار : لابد أنه شرط مستحيل التنفيذ
شادي : ( يدق على الصندوق ) حتى لو كان مستحيل التنفيذ وثمنه هذا الذهب .
شيراز : ( زائغ العينين ) يقصد ممكن التنفيذ .
ميار : بل ينفذ ..والآن وفورا .
تشادي : لا ..الأمر في حاجة إلى تخطيط متقن وتدبير محكم .
شيرا ز : ( متلهفا ) إذن أخبرنا ما هو الشرط ؟
شادي : ( جاسا على كرسيه مشبكا أصابع يديه على صدره ) تقتلون ناصر الدولة .
الجيمع : ( في صوت واحد مذعورين ) نقتل ناصر الدولة !!
شادي : ( متجها إلى الصندوق جالسا فوقه ) كأني لم أقل شيئا ، ولم تسمعوا شيئا .
شيراز : ولكنك قلت وسمعنا .
شادي : أوهام وتخاريف من أثر الخمر .
نيار : ( متعجبا ) قد نقنع أنفسنا بأن ما سمعناه وما قلته أوهام وتخاريف من أثر الخمر ، ولكننا أبدا لن ننسى منظر الذهب .
شيراز : نعم ، ولكننا قد نقتل .
ميار : وماذا أفادنا الذهب حينئذ ؟
نيار : مؤكد سنقتل ، أنه محاط بحرسه الخاص ليل نهار .
شيراز : إن هذا الأمر محال التنفيذ .
شادي : ومن قال إنكم من ستنفذونه ؟
الجميع : ( في صوت واحد ) إذن من ؟
شادي : ( يدق بيده فوق الصندوق ) الذهب كما ترون كثيرا جدا ، أنتم تقولون أن كثيرا من
الجنود غاضبون وناقمون من مصيرهم ...كما أن هناك كثيرا لا يقاومون منظر وسلطان الذهب .
شيراز : تقصد ..
شادي : ( مقاطعا ) أنتم أدري بأصناف الجنود ، هناك من يُشترى بالجواري ، وهناك من
يُشترى بالذهب وهناك من يُشترى بالمناصب .
شيراز : ( مندهشا ) مناصب !!
شادي : من سيقوم بالتنفيذ سيتولى مناصب هامة في الدولة .
مهيار : ( مندهشا ) وما شأن الدولة بهذا الأمر ؟!
شادي : ( يربت على أكتفافهم ) المستنصر لم يستطع التغلب على ناصر الدولة في ميدان
المعركة ، فليس أمامه إلا أن يتغلب عليه بطريقة أخرى ، ، ولن ينسى المستنصر هؤلاء الذين خلصوه من عدوه اللدود .
شيراز : ( شاردا ) ألا يمكن أن تترك لنا وقتا نقلب الأمر على كل وجوهه .
شادي : لا ...الوقت ليس في صالحكم بالمرة .
مهيار : ( مندهشا ) ما معنى هذا ؟!
نيار : أشم من كلامك برائحة التهديد .
شيراز : أنت بهذا تأمرنا ولا تعرض علينا .
شادي : أنتم منذ مدةة تمضون معي مثل تلك السهرات الماجنة وسط المغنيات والراقصات
والجواري والغلمان وتمرون على الحراس ، فاخشى أن أمركم يصل إلى ناصر الدولة وأنتم تعلمون ما بيني وبينه من عداء ...فإذا سألكم فماذا تجيبون ؟
شيراز :معنى هذا أننا ليس أمامنا خيار إلا أن ننفذ ما تطلبه منا ؟
شادي : فليقم غيركم بالتنفيذ ..والذهب كثير ..يكفي العشرات .
شيراز : ( يومئ إلى رفيقيه ) نحن موافقون .ولكن كيف نضمن اننا سنحصل على هذا الذهب ؟
شادي : الدم في مقابل الذهب .
شيراز : قد نقدم الدم ولا نحصل على الذهب .
نيار : على رأيك ...من يضمن لنا أننا سنحصل على الذهب ؟
شادي : ( مشيرا إلى صدره ) ألا تثقون في ؟
شيراز : نحن نثق فيك ..ولكن من نشركهم معنا لا يعرفونك .
مهيار : وبالتالي لا يثقون فيمن لا يعرفونه .
شادي : ليكن الوزير (ابن كدينه) .
شيراز : ( ساخرا ) لا قيمة للوزراء في تلك الأيام .
شادي : ( غاضبا ) إذن من نريدون ضامنا ؟
الجميع : ( في صوت واحد ) المستنصر .
شادي : ( مندهشا) أجننتم !!
شيراز : ( مشيرا إلى رفيقيه ) لن نرضى بديلا عن المستنصر .
شادي : ما تطلبونه مستحيلا !
مهيار : ( مشيرا إلى الصندوق ) إذن أعطنا الذهب الآن .
شادي : بعد التنفيذ .
شيراز : إما الذهب وإما وعد من المستنصر نفسه .
نيار : وعد المستنصر كالذهب .
مهيار : بل هو أغلى .
شادي : ( مفكرا ) في هذا أعطوني وقتا لأدبر هذا الأمر وإن تمت الموافقة فمن منكم سيقابل
المستنصر ؟
الجميع : ( في صوت واحد ) نحن الثلاثة مجتمعين
شادي : فلينب واحد منكم عن الباقيين .
الجميع : ( في صوت واحد بإصرار ) نحن الثلاثة مجتمعين ..
شادي : ( مهددا ) فليبق الأمر سرا بيننا وإلا ستطير رقابكم .
شيراز : من الذي سيطير رقابنا ؟
شادي : وهل هناك أحدغير ناصر الدولة ؟
شيراز : لا تنس أن رقبتك قد تطير قبل رقابنا .
شادي : ( مشيرا إلى رقابهم ) إذن ليحافظ كل منا على رقبة الأخر ...ولتخرجوا من هنا
متفرقين حتى لا يشعرن بكم أحد .
إظلام .
الفصل الرابع .
المشهد الأول :
في قيسارية (ابن ميسر ) بسوق (القشاشين) وفي قاعة الطبيب أبي الحسن بن رضوان ، تلجس الشريفة مجيدة في صدر القاعة ، وبجوارها يقف الطبيب بن رضوان .
الشريفة مجيدة : كنت قد قررت أن اترك البلد بدون أن أعلمك بذلك .
بن رضوان : ( مندهشا ) لماذا ؟!
الشريفة مجيدة : ( تمسح وجهها بمنديل حريري ) لأن الأمر بالنسبة لك وبالنسبة لي سواء .
بن رضوان : ( مترددا ) دائما ..دائما تعطي لنفسك الحق في الحكم على مواقفي .
الشريفة مجيدة : أكان يفرق معك لو علمت ؟
بن رضوان : وما أدراك ؟
الشريفة مجيدة : أكنت ستعترض مثلا وتطلب مني البقاء أو تقرر أن ترحل معي ؟
بن رضوان : ( مفكرا ) ....
الشريفة مجيدة : ( ساخرة ) ألم أقل لك أن الأمر سواء معك ...أنت حتى لم
تكلف نفسك أن تجيب على سؤالي ...ولم تسألني لماذا أرحل ؟
بن رضوان : ( منتبها ) أكيد هناك سبب قوي جعلك لا ترحلبين .
الشريفة مجيدة : نعم ..والأمر متعلق بك
بن رضوان : ( مندهشا ) متعلق بي ...كيف ؟!
الشريفة مجيدة : ( تقف وتسير خطوات مولية ظهرها له ) قبل أن أرحل شعور ما دفعني
لأقلبل (أم مليكة) لا تسألني لماذا ؟ جئت إلى هنا في زقاق القناديل وقابلتها وجلست معها ، وأمضيت اليوم كله معها ، أكلنا وشربنا وتحدثنا وسرنا سويا في الزقاق وفي الأسواق ..ومنذ ذلك الوقت إما أن أمضى اليوم عندها هنا أو تمضي اليوم عندى هناك في القصر .
بن رضوان : ( متعجبا ) أوصرتما صديقتين ؟!
الشريفة مجيدة : ( تعود إلى مجلسها ) أشياء كثيرة من الصعب أن تسميها بأسمائها ، وتظل
تلك الأشياء حائرة تبحث عن اسم لها .
بن رضوان : مثل ماذا ؟
الشريفة مجيدة : مثل علاقتك بأم مليكة مثلا .
بن رضوان : ( مندهشا ) أنا !!
الشريفة مجيدة : لنقل علاقتك بها أو علاقتك بي . ..أأنت على يقين أن هناك علاقة تربطنا
سويا ؟.أنت حتى لم تعلن حبك لي !
بن رضوان : ( مندهشا ) أنا ...أنا !!
الشريفة مجيد : أو حتى تطلبني للزواج .
بن رضوان : ( مترددا) أعلم أنك سترفضين .
الشريفة مجيدة : أليس الرفض من حقي؟
بن رضوان : وما جدوى أن أتقدم إليك وأنا أعلم مقدما أنك سترفضين ؟!
الشريفة مجيدة : الكثير من الأشراف طلبوا يدي ولكنني رفضت .
بن رضوان : لأنهم أشراف وعرفكم ألا تتزوجوا إلا من بعض
الشريفة مجيد : ألا ترى أن تلك الأعراف تغيرت وتبدلت مع كل شيء تغير وتبدل في البلد ؟
بن رضوان : ( محرجا ) خشيتُ ..
الشريفة مجيدة : ( مقاطعة ) خشيت ماذا ؟!
بن رضوان : تظنيني أنى أستغل الموقف .
الشريفة مجيد : إذن كوني من الأشراف منعك ، وكوني ليس من الأشراف منعك كذلك .
بن رضوان :ولكنني ..
الشريفة مجيدة : ( مقاطعة ) لماذا لم تتزوج من أم مليكة مع أنها تحبك ؟
بن رضوان :أهي أخبرتك بذلك ؟
الشريفة مجيدة : من تحب حبا صادقا لا تخبر أحدا بحبها ..ولكنني عرفت وعرفت سر مآساتنا
كلنا .
بن رضوان : ( ساخرا ) كلنا .. وما هو ؟
الشريفة مجيدة : لانعرف ماذا نريد ...وإذا عرفنا ما نريده لا نستطيع تحقيقه ..وإذا حققناه لا
نحققه بالشكل الذي كنا نتمناه .
بن رضوان : لقد تغيرت كثيرا عن ذي قبل .
الشريفة مجيدة : تقصد كغيري من النساء .
بن رضوان : ( معتذرا ) أنا لا أقصد ..
الشريفة مجيدة : ( مقاطعة ) لماذا تعتذر ؟! أنا بالفعل شعرت أنني تغيرت كثيرا وبالأخص في
الأونة الأخيرة .
بن رضوان : تقصدين منذ خرجت ومعك نساء وإماء القصر ونساء زقاق القناديل .
الشريفة مجيدة : ( ضاحكة ) هذا من أسعد أيام حياتي ولن أنساه أبدا ما حييت .
بن رضوان : (متعجبا ) ولكن ما الذي ألجأك إلى هذا ؟!
الشريفة مجيدة : وأنا في زقاق القناديل ، رأيت رغبة النساء والبنات في الخروج لرفع شكواهن
ولكنهن يخشين الإعتداء عليهن كما حدث من قبل ، فرأيت إن خرجت أنا ونساء وإماء القصر معهن فلن يجرؤ أحد على التعرض لنا .
بن رضوان : وخرجن أغلب نساء وبنات الفسطاط حتى قال البعض أنه لم يبق أحد منهن في بيوتهن .
الشريفة مجيدة : لم أكن أصدق عيني وأنا أرى أعدادهن تتزايد حتى ضاقت الأسواق والطرق
بنا .
بن رضوان : أتظنين أن تلك الأمور سيكون لها أي جدوى .
الشريفة مجيدة : على الأقل ستجعل أصوات الناس والجائعين تصل بقوة إلى الخليفة .
بن رضوان : وهل بيده أي شيء يفعله ؟
الشريفة مجيدة : وبيد من تقصد ؟
بن رضوان : الرجل القوي في البلد الآن .
الشريفة مجيدة : تقصد ناصر الدولة ؟ وهل تظن أنه سينجح في مسعاه ؟
بن رضوان : ( متحمسا ) لا شك في هذا .
الشريفة مجيدة : ألا ترى أنك تتحدث بلسان الأماني ؟
بن رضوان : وأنت ما رأيك ؟
الشريفة مجيدة : لن ينجح .
بن رضوان : ( ضاحكا ) أنت أيضا تتحثين بلسان الأماني .
الشريفة مجيدة : ( محتدة ) ولم تعتبر فشله أمنية لي ؟!
بن رضوان : ( محرجا ) ألا يحارب المستنصر ؟
الشريفة مجيدة : وما شأني بالمستنصر الآن ؟! لقد خرجت أنا ونساء القصر في الطرقات نعلن
غضبنا وعدم رضانا عما صارت إليه البلد من شدة ومجاعة لم ينج منها غنى أو فقير .
بن رضوان : وناصر الدولة هو من بيده تغيير الأوضاع التي جرت البلاد إلى ما نحن فيه من بؤس وفاقة .
الشريفة مجيدة : إلتفاف الناس حول ناصر الدولة اختيار اليائس والقانط .
بن رضوان : ( محتدا ) وما أدراك أنه اختيار اليائس والقانط ؟
الشريفة مجيدة : ( تدق بيدها على المنضدة ) لأن الذي دفعهم إلى ذلك الأزمة والشدة التي
يعانون منها ، هم يلقون بأنفسهم إلى المجهول ، وقد يكون أسوأ مما هم فيه الآن
بن رضوان :( منفعلا ) وهل هناك اسوأ مما وصل إليه الناس الآن ؟! الناس لا يجدون الخبز الذي هو قوتهم الأساسي واليومي .
الشريفة مجيدة : لكي يكون اختيار الناس صوابا وسديدا لابد أن يكونوا في حاالة طبيعية ،
ليسوا معرضين لأي ضغط أو واقعين تحت أي خوف .
بن رضوان : إذن بما تسمين استغاثة الناس بناصر الدولة ؟
الشريفة مجيدة : الناس لا يختارون ناصر الدولة ، ولكنهم يهربون إليه
بن رضوان :وما الفرق ؟
الشريفة مجيدة : الاختيار حرية والهروب استسلام .
بن رضوان : ولكنك خرجت ، ولا تقولي إنك فعلت ذلك مجاملة لنساء زقاق القناديل .
الشريفة مجيدة : ( تتلتقت حولها ) المستنصر فقد شرعية ومبرر وجوده كحاكم ، ليس لأنه
هُزم أمام ناصر الدولة ولكن لأنه فشل في القيام بدوره والمهمة التي من أجلها ارتضاه الناس كحاكم عليهم .
بن رضوان :وما هي مهمته ؟
الشريفة مجيدة : أنه حام للناس ، ومدبر لأمور معاشهم ، وقائع وأحداث كثيرة أكدت فشل
المستنصر في ذلك
بن رضوان : وناصر الدولة .
الشريفة مجيدة : لم يقدم دليلا واحدا على نجاحه فيما فشل فيه المستنصر .
بن رضوان : على الأقل سيخلصهم من هذا الفاشل كما تقولين .
الشريفة مجيدة : وما أدراك ..قد يكون أشد فشلا من المستنصر ، وقد يندم الناس ويتمنون
العودة إلى أيام المستنصر .
بن رضوان : ( متعجبا ) يتمنون العودة إلى الشدة والغمة وإلى ما هم فيه ؟!
الشريفة مجيدة : ( تقف متهيأه للإنصراف ) لو اطلعتم على الغيب لأخترتم الواقع .
بن رضوان : (ينهض ليصحبها إلى الباب ) إلى القصر أم إلى زقاق القناديل ؟
الشريفة مجيدة :( تغادر المكان ) لقد أصبح زقاق القناديل هو قصري .
النجاري : ( يدخل واضعا يديه على أنفه ) تلك المرأة التي خرجت تضع عطرا فواحا وأظن أنه غال الثمن .
بن رضوان : ألا تعرفها ؟
النجاري : أظن أنها من عليه القوم من ثيابها وعطرها .
بن رضوان : إنها الأميرة مجيدة من شريفات قصر المستنصر .
النجاري : ( مندهشا ) لقدسمعت عنها ، ألسيت هي التي قادت نساء وبنات زقاق
القناديل وطافت بهن الشوارع والميادين ، وتتردد كثيرا على الزقاق ؟
بن رضوان : إنها تقريبا تقيم في الزقاق .
النجاري : ( متعجبا ) أميرة وتقيم في زقاق القناديل ، أكيد أنت الذي أقنعتها أن تخرج بنساء الزقاق وتقيم فيه ، وإلا ما الذي يدفع أميرة لتفعل ذلك ؟!
بن رضوان : أنت تعلم أن الأزمة التي تمر بها البلد دفعت كل الأميرات بترك البلد هربا من الجوع ، ومن بقى فإنه يعاني الأمرين ، وهي بحكم موقعها في القصر تعلم الكثير من الأسباب التي أوصلت البلد إلى ما صارت إليه ، وقد ضاقت بالقصر وبمن فيه ، ففضلت مساعدة الناسء في رفع شكواهن من أن تترك البلد .
النجاري : ( متياهيا ) إنه تصرف أميرات بحق ولكن مازلت مصرا أنك من دفعتها إلى ذلك ، ألست أنت من أقنعت الشيخ أبا الفتوح وغيره وكل من في زقاق القناديل أن يخرج رافعا شكواه ، وبقية الأزقة والحواري والشوارع حذوا حذو أهل زقاق القناديل ؟
بن رضوان : لولا ماوفره ناصر الدولة من حماية ورعاية ما خرج أحد خوفا من الشرطة وجنود المستنصر واللصوص وقطاع الطرق .
النجاري : من أجل ذلك إلتف الناس حوله ويرون فيه أنه من سيخرجهم من الشدة والغمة
بن رضوان : ( متعجبا ) وهل هو قادر بالفعل أن يخرج الناس من تلك الشدة ؟ هل سينجح فيما فشل فيه المستنصر ؟!
النجاري : كأنك ترى أن المستنصر حاول أن يخرج الناس من تلك الشدة التي يعانون منها سنوات وتزداد وطأتها كل يوم على الناس ، وتعددت كل الحدود حتى وصلت إليه وإلى قصره .
بن رضوان : أتريد أن تقنعني أن المستنصر لم يحاول أن يقضى على تلك الشدة ؟!
النجاري : هذا إن لم يكن هو المتسبب والمسؤول الأول والأخير عنها .
بن رضوان : لأنه فكر في كل شيء إلا الناس .
النجاري : وتفكيريه في كل شيء ألا يشفع له ؟
النجاري : الحاكم وأي يحاكم كالساري في الصحراء لابد أن يكون معه البوصلة التي تحدد وترسم طريقه وتجعله لا يضل ولا يهلك ..أتدري ما هي تلك البوصلة ؟
بن رضوان : ماهي ؟
النجاري : الناس ...الحاكم الذكي هو الذي لا يحكم ، ولكن يجعل الناس هم من يحكمون .
بن رضوان : بمعنى ؟
النجاري : بمعنى أن يشركهم في كل شيء ، يكونون محور تفكيره يعرف ماذا يريدون قبل أن يطلبوه ، يتقدمهم ويسبقهم حتى في أحلامهم .
بن رضوان : ( ضاحكا ) وهل هذا ينطبق على ناصر الدولة وأنت من المقربين له ؟
النجاري : ( يسوى من عمامته ) ناصر الدولة كان سيخطئ خطأ المستنصر ، أنه استعان بجنود من الترك وعدد من الأجناس الأخرى واعتمد علبهم اعتمادا كاملا في كل شيء ، وقاده ذكاؤه إلى أن يستعين بقوى خارجية ليقضى على المستنصر وعلى الخلافة الفاطمية ويقوم بعملية إحلال ، أرسلني ( إلى الخليفة العباسي ) وإلى السلطان السلجوقي ( ألب أرسلان ) ولكنه لم يوفق في ذلك بسبب عدم تحمس الأخرين ، حتى لو وفق ونجح في مسعاه فقد أزال راية ورفع راية أخرى ، وفي هذه المرة تفوق (ناصر) على نفسه ، حينما هداه تفكيره أن يستعين بالناس ، وأعظم ما لدى الناس أنهم أهل البلد ، وأنهم ليسوا مرتزقة أو أجراء كل همهم النفع والمال وبعد ذلك لتحترق البلد على من فيها ، فبدأ كما تعرف يتقرب منهم ، يحميهم ، يفتح باب قصره لهم ، يتحدث معهم ، الشيء الذي لم يسبقه أحد أنه بدأ يتخذ منهم جنودا ويدربهم على حمل السلاح .
بن رضوان : ( مندهشا) أوتقول الحق ؟!
النجاري : نعم ..وإن كان مسعاه هذا قوبل بالغضب من جنوده الأتراك ، فأنت تعرف نظرتهم لأهل البلد ، وأيضا هم لم يعجبهم اهتمامه بأهل البلد وأمره برفع صور من الظلم والمعاناة عنهم .
بن رضوان : ألا يمكن أن يكون ( ناصر الدولة) يستغل الناس لصالحه الشخصي حتى يحقق ما يريده ؟
النجاري : ربما هو يستخدم وسيلة لم يستخدمها أحد قبله ، ولكن في تلك اللحظة أو المرحلة الناس عبء ليس عون ، وأظن ستكثر المعارضة لناصر الدولة أو على أقل تقدير عدم التأييد بسبب موقفه من الناس .
بن رضوان : إذن هو يواجه تحديا .
النجاري : أكبر وأخطر تحدي له ، كيف يحول الناس من عبء وحمل ثقيل قد يعوقه ويعطله ، إلى عون يساعده ويدفعه .
بن رضوان : لا تنس أن الكثيرين يعتبرونه متمردا وخارجا عن طاعة المستنصر على الأقل الكثير من أعيان البلد والعلماء .
النجاري : وأظن أن هذا ما يدفعه أن يفكر أن يعلن من نفسه حاكما على البلاد ، وأظن أن إلتفاف الناس حوله قد يكسبه شيئا من الشرعية .
بن رضوان : والمستنصر ؟
النجاري : الخوف ليس من المستنصر .
بن رضوان : إذن ممن ؟
النجاري : من هم حوله ووراءه ، وكثير غيرهم الذين يرون في فعل ناصر الدولة تغييرا كاملا
بن رضوان : حتى من أعوان ناصر الدولة ؟
النجاري : حتى من أقرب المقربين له .
بن رضوان : إذن هو في خطر ؟
النجاري : ومتى لم تكن الأخطار تحدق به من جميع الجوانب لدرجة أنه في بعض المرات أصيب وكان على وشك الموت ،إنه رجل شجاع .
بن رضوان : شجاع أم متهور ؟
النجاري : لنقل جريئا .
بن رضوان : أظن لو نجح في مسعاه لتغير هذا البلد تغييرا كاملا .
النجاري : ويخرج الناس من تلك الشدة والفقر والقحط الذي يعيشون فيه سنوات .
أبو شامة : ( يدخل ) سيدى .. أتريد شيئا قبل أن أنصرف .
بن رضوان : إلى أين يا أبا شامة ؟
أبو شامة : إلى زقاق القناديل .
بن رضوان : ( ينهض جامعا بعض أدواته ) خذني معك لأطمئن على بعض أهلنا في الزقاق .
النجاري : ( ينهض ) سأصحبكما لأرى أهل أشهر زقاق في البلد .
بن رضوان : ( يربت على كتفه ) سيشرف الزقاق بزيارتك يا نجاري ...هيا .
إظلام .
الفصل الرابع
المشهد الثاني :
في قصر اللؤلؤة – القاعة الرئيسية ،(ناصر الدولة) وزوجته ( أفين )
ناصر الدولة : ( محتدا ) كنت تسانديني في كل خطوة أخطوها بل كنت تدفعنني وتباركين كل
أنتصاراتي ، فما بالك اليوم تكسرين كل مجاديفي ..أتتخلين عني في وقت أنا في حاجة إلى كل عون وسند ؟!
أفين : ( تمسك يديه تقبلهما ) حبيب قلبي وتوأم روحي ، ما تخليت عنك لحظة ولا فكرت في خذلانك ..أنت أعظم رجلا بصرته عيناي ..ولكن ما أنت مقدم عليه في قمة الخطورة ، لم يسبق لأحد أن جال حتى بخاطره .
ناصر الدولة : (يخلص يديه من يديها متباهيا ) ولم يسبق لأحد أن فعل ما فعله( ناصر الدولة التغلبي )
إيفن :(تعاود إحتضان يديه ) نعم انتصرت في معارك كثيرة وهزمت أعداءك ، وصار اسمك يتردد في كل مكان في الأسواق والحوارى والأزقة وعلى منابر المساجد وفي قاعات الدرس ، وعلى ألسنة الصبية قبل الكبار ، ولكن كل هذا لا يجعلك تفكر أن تعلن نفسك حاكما على البلاد وتجلس على عرش المستنصر !
ناصر الدولة : ( يخلص يديه من يدها مبتعدا عنها ) ألست أقوى منه ، ؟! ألم انتصر عليه في كل معركة حاربته فيها ..إذن أنا أحق منه .
إيفن : . أنت أقوى منه ، ولكن تلك القوة لا تمنحك الأحقية .
ناصر الدولة : نحن في عالم الحق مع القوة ، فماذا يعطى الحق للضعيف ؟
إيفن : ( تلاحقه وتواجهه ) فيما مضى كنت تفكر في الاستعانة بالخليفة العباسي أو إلب أرسلان ، وكنت ستقيم خلافة عباسية مكان خلافة فاطمية ، وهؤلاء كانوا سيساندونك بالرجال والعتاد ، وسيكون الصراع بين دولة ودولة بين خلافة وخلافة وبينمها بلدان ومسافات ، ولكنك أنت الآن فرد أمام خلافة أنت واحد أمام دولة وتعيش بين ظهرانيهم ، أنت مكشوف الصدر وعار الظهر ..لا تغضب مني إن صارحتك بالحقيقة والتي قد لا تسمعها إلا مني .
ناصر الدولة : ( غاضبا ) الحقيقة تسمعينها في الأسواق والميادين ..الناس الآن يعلقون الزينات
ويهتفون باسمي ويستغيثون بي ويدعون لي ، الناس يملأون باحات القصر ويحيطون به من كل جانب ( يذهب نحو النافذة ويفتحها ) اسمعى هتافاتهم ، حتى الشعراء ينظمون القصائد والمغنون يغنون لي وقواد الجيش يعدون موكب الخلافة و ..
إيفن : ( مقاطعة ) لو عرف الناس بخروج موكب المستنصر الآن سيتسابقون في الذهاب إليه والالتفاف حوله ..أتنكر ذلك ؟ الناس جبال من الرمال في لحظة واحدة قد تنهار وتتساوى بالأرض .
ناصر الدولة : ( جالسا على كرسيه ) لن يجرؤ المستنصر في الخروج في موكب الآن .
إيفن : ( تواجهه ) إن خرج المستنصر في موكب خلافي الآن ماذا تظن الناس فاعلين ؟
ناصر الدولة : ( مفكرا ) قد يلتفون حوله ، ولكن هذا لأنه مازال الحاكم والخليفة .
إيفن : ( تضع يدها على يده ) وسيظل .
ناصر الدولة : ( ينحيها من أمامه ، ويسير إلى منتصف القاعة ) حينما أعلن نفسي حاكما لن يكون هناك إلا ناصر الدولة بن حمدان التغلبي ، وسأسير بين الناس مئات الآلاف يحيطون بي من كل جانب ، هتافاتهم ستزلزل الأرض من تحت أعدائي و ..
إيفن : ( مقاطعة ) الناس الناس ، إنهم بمثابة الخمر التي أسكرتك فصرتت تتخيل الأوهام حقائق والحقائق أوهاما ، هذا الحجاب الذي وضعته على عينيك فلم تعد ترى إلا ما تحب أن تراه ، وهذا المديح الذي تسمعه من المتزلفين حولك ..أنت تقترب من الغرور وسيقودك هذا إلى الجنون أو الهلاك .
ناصر الدولة : ( مهددا ) لن أسمح لك أن تتلفظي بلفظ آخر ..أول مرة تتجاوزين حدودك أنت تخاطبين الأمير ...ومن الآن سيكون هناك حدود الجميع يلتزم بها وأولهم أنت .
إيفن : ( منكسرة ) معذرة إن إندفعت وراء مشاعر خوفي عليك وزل لساني بكلمة ما كان يجب أن أتلفظ بها ..ولكني صرت كأي فرد هنا يلتزم بقواعد ولا يتحدث إلا بأمر .
ناصر الدولة : ( معتدا بنفسه ) نعم ...من الآن أنا الحاكم لكل تلك البلاد والأمير والخليفة .
إيفن : ( متضرعة ) هذا الكلام لي ..وحاكم وخليفة وأمير على أنا ؟!
ناصر الدولة : ( مصرا ) عليك وعلى غيرك .
رئيس الحرس :( يدق على الباب ) إن أذنت لي بالدخول سيدي القائد .
ناصر الدولة : ( متجها نحو الباب ) ما الأمر يا قائد الحرس .
رئيس الحرس : ( يسر له بكلمات ) ..
ناصر الدولة : أخبرهم لينتظروا حتى آذن لهم .
رئيس الحرس : أتأمر بشيء سيدي القائد ؟
ناصر الدولة : ألم ينصرف الناس من حول القصر ؟
رئيس الحرس : لقد احتشدوا في كل الشوارع والطرق المؤدية إلى القصر حتى أننا عجزنا على
أن نسير دوريات الحراسة ، وهم ينتظرون أن تخرج إليهم .
ناصر الدولة : بلغ جميع الحرس والجنود أن يحسنوا معاملتهم .
رئيس الحرس : سمعا وطاعة سيدى القائد .
ناصر الدولة : ( ملتفتا إلى إيفن ) أتريدين أن ترعفي بماذ اخبرني قائد الحرس .
إيفن : ( تجفف دمعها ) بماذا أخبرك ؟
ناصر الدولة : ( متباهيا ) مجموعة من قوادي أحضروا لي رمح وسيف الخلافة من قصر المستنصر ليقدموه هدية لي وليتقدم موكب الخلافة لي ، ولو شئتُ لأمرتهم أن يأتوا بالمستنصر مقيدا بالحبال تحت قدميك لفعلتُ .
إيفن : ( مذعورة ) السيف لا ..استحلفك بالله ( تهوي على قدميه ) أقبل قدميك السيف لا ..
ناصر الدولة : ( يرفعها إليه مندهشا ) كأن أفعي لدغتك حينما طرق أذنيك كلمة السيف .
إيفن : إنه حلم ( برديس ) أفعل كل ما يروق لك ولكن السيف لا ..إنه لعنة
ناصر الدولة : ( متعجبا ) أمن أجل حلم رآته أمة خرقاء تريدين مني أن أظهر أمام قوادي بمظهر الخائف من سيف ؟!.
إيفن : ( متضرعة ) لتسمع كلامي في هذه المرة ، ولتكن آخر مرة ..السيف لا ..ما جدواه ؟ لن ينقصك شيئا ولن يزيدك ...وإن كنت مصرا على أخذه فلتدع أحد قوادك يأخذه منهم ،ولكن لا تقترب من السيف ولا تجعل السيف يقترب منك .
ناصر الدولة : ( مندهشا ) أجننت يا إيفن ..أحلم يجعلني أرفض هدية من قوادي ؟!.ثم أنه بمثابة تتويج لي وسط قوادي
إيفن : لا ..ليس من أجل حلم ..ليكن من اجل طلب لي توسل مني ..تضرع .استحلفك بأغلى شيء لديك بابنك ..وإن كنت مصرا دعني أقف بجانبك وهم يقدمونه لك .
ناصر الدولة : ( يحيط وجهها بيديه ) أتخافين أن أقتل ؟!
إيفن : نعم أخاف عليك ...وهل لي في الدنيا سواك ؟
ناصر الدولة : ( يددعاب ذقنها ) أأقتل وسط قوادي وجنودي ؟!
إيفن : ( تمسك بيديه ) يؤتى الحذر من مأمنه .
ناصر الدولة : إذا كان ناصر الدولة سيقتل وسط قواده وجنوده وفي قصره المحاط بمئات الآلوف المحتشدين في الشوارع والطرقات يهتفون باسمى ، وإذا لم آمن وسط كل هؤلاء فمتى آمن ؟! أنا لم أشعر بالأمان والسلام إلا الآن ..مليكك وزوجك وحبيبك لا خوف عليه ..الجميع ينتظرون تلك اللحظة ..إنها لحظة فارقة في تاريخ هذا البلد ..أول مرة أهل البلد يختارون حاكمهم وخليفتهم .
إيفن : ( أسفة ومستسلمة ) إذن ليقض الله أمرا كان مفعولا .
إظلام .
الفصل الرابع
المشهد الثالث
زقاق القناديل ، زينات متواضعه تعلو واجهات المنازل وتتدلى من الشرفات والنوافذ وبعض واجهات المحلات ، وحركة نشطة بين أهل الزقاق والطارئين عليه ، يتوسط الزقاق مجموعة كبيرة من الصبية ، يرتدون سسيورمن جلد حول نطاقهم وأغطية على رؤوسهم ويحملون سيفوفا خشبية ، البعض يبارز الآخر ، ومجموعة تطارد مجموعة بين مداخل البيوت وفي زوايا الزقاق ،ويسمع اسم القائد ( ناصر الدولة ) يتردد بحماس على ألسنة الصبية .
حسين العطار : (يتأمل ما حوله ) ما كل هذه الزينات ؟! وكأننا في عيد ...وكأن الغمة قد
انزاحت من على البلد ..ماذا جرى لأهل الزقاق ؟
إبراهيم الخياط : ( ينفض جلبابه من الغبار ) لقد أصبح أشهر زقاق في الفسطاط ، وصار
مزارا للجميع .
حسين العطار : ( يمسك بصبي ويضربه على قفاه) وأهله الشحاتين المعدمين صاروا حديث
الناس .
فارق الكحال : ( يبعد الصبيان بعصا في يده ) البلد كلها تعلق الزينات ، وكأنهم نسوا ما هم فيه
من كرب وغم .
فرج الخماري :لولا (ناصر الدولة) ووقوفه أمام جنود المستنصر وأمره بتخفيض الضرائب
وتوزيعه الخبز كل صباح على الفقراء لكان حال الناس من سيء إلى أسوأ .
حسين العطار : وماذا بيد (ناصر الدولة) أن يفعله ...ثم ألم يكن قائد من قواد المستنصر ؟
أبراهيم الخياط : هو وجنوده من أسباب الغمة التي نحن فيها .
فاروق الكحال : على رأيك المعارك التي حدثت بينه وبين السودان وبينه وبين جنود المستنصر
هي التي اوصلت البلد إلى ما وصلت إليه .
فرج الخماري : ( يتقدم بكرسيه إلى الوسط ) ألم تسمعوا أخر خبر ؟
الجميع : (في صوت واحد ) ما هو ؟
فرج الخماري : ( يتلفت حوله ) ناصر الدولة سيعلن من نفسه حاكما على البلاد .
حسين العطار : ( ضاحكا ) أهناك حاكم غيره الآن ، أترى جنود غير جنوده ، والدعاء له في
كل مكان وعلى المنابر ؟
فرج الخماري : أتعلمون أيضا أنهم يعدون له ليخرج في موكب يطوف البلد من شرقها إلى
غربها .
حسين العطار : ( مندهشا ) تقصد موكب خلافي ؟!
فاروق الكحال : ( يمسح على رأسه مندهشا ) أول مرة يكون في البلد خليفيتن ..المستنصر وناصر الدولة .
إبراهيم الخياط : ( ضاحكا ) ماذا يحدث لو تقابلا في طريق ؟
فاروق الكحال : ( ضاحكا ) ربما يقسمون البلد بينهما .
إبراهيم الخياط : هي بالفعل مقسمة بينهما .
حسن العطار : ( مشيرا إلى فرج الخماري ) ألا تطلب من صبيك أن يأتي لنا بمشروب نشربه
يا خماري ؟
الخماري : ( مشيرا إليهم ) من الذي سيحاسب ؟
إبراهيم الخياط : ( ضاحكا ) طبعا العطار هو من سيحاسب لأنه هو من طلب .
فاروق الكحال : ( مشيرا إلى ناحية من الزقاق ) أليس هذا الصرماتي؟.ولكن ما هذا الذي
يحمله؟
حسين العطار : كمية من السيور الجلدية وأغطية للرأس ..
إبراهيم الخياط : إنه يبيعها للصبية كملابس للحرب التي يصدعون بها رأسنا طوال النهار .
الصرماتي : ( وضعا كمية السيور على الأرض ) ألا يريد أحد منكم شيئا من هذا ..إن ثمنها
سيرتفع .
الكحال : أتسخر منها يا صرماتي ...أتريد منا أن نفعل مثلما يفعل صبية الزقاق ؟
الخماري : ( ضاحكا ) ويحضر كل منا سيفا خشبيا ورمحا ويطارد الناس في الزقاق .
الصرماتي : أنا لا أسخر منكم ..أنا قصدت تشترون لأطفالكم ...فما من زقاق أو حارة دخلتها إلا والصبية يرتدون ما ترونه .
حسين العطار : ( مشيرا إلى كمية السيور والأغطية ) لقد بدأ الدرهم يلعب في يديك يا
صرماتي
الصرماتي : ( ينهض ) لقد خاصم يدي سنوات ، فما الغرابة أن يصالح يدي ساعات .
الكحال : أجلس يا صرماتي لتشرب معنا .
الخماري : ( مشيرا إلى عدد من الفرسان يدخلون إلى الزقاق ) من هؤلاء الفرسان ؟
الكحال : ومن هذا الفارس الذي يتقدمهم ..إنه يتجه نحونا ؟
الفارس : ( يخلع الخوذة ) هل ملابس الفارس غيرني لتلك الدرجة ؟
الجميع : ( في صوت واحد مندهشين ) أبو شامه !
حسين العطار : ( يدور حوله مندهشا متحسسا ملابسه) من إذن لك في إرتداء تلك الملابس ؟
ومن هؤلاء الذين يقفون وراءك ؟
أبو شامه : ( مشيرا إلى الفرسان خلفه ) إنهم أصدقائي من الحواري والأزقة المجاورة ..وقد
انضممنا لجيش القائد المبجل ( ناصر الدولة ) .
الصرماتي : ( يتحسس ملابس أبو شامه ) تلك الملابس مصنوعة من الجلد الفاخر ..إنها غالية
الثمن .
الكحال : ( ضاحكا ) طبعا ليس مثل الجلد الذي تبيعه لصبية الزقاق .
إبراهيم الخياط : ( متفحصا للفرسان ) ولكني لا أرى معكم أسلحة .
حسين العطار : ( ضاحكا ) ربما يخشون عليهم أن يجرحوا بها أنفسهم .
أبو شامه : بعد أن نجتاز التدريب سوف نستلم أسلحة لنحضر بها الموكب الخلافي للقائد ( ناصر الدولة ) .
الخماري : ( مندهشا ) ما الذي يجري في الدنيا !! موكب خلافي لغير الخليفة ...وشباب
من أهل البلد يصيرون فرسانا ويتدربون على السلاح .
إبراهيم الخياط : على رأيك أول مرة نسمع ونرى شباب من أهل البلد يصيرون فرسانا .
حسين العطار : ربما تكون من علامات يوم القيامة .
الصرماتي : وما في هذا.؟ وهل الأتراك أو المغاربة أو السودانيين أفضل أو أحسن من
شباب أهل البلد ؟ هاهم صبية الزقاق يجرون ويقفزون كالعفاريت ويتخيلون أنفسهم فرسانا .
فاروق الكحال : ليس الأمر من الأفضل ومن الأحسن ...لم نر من قبل من يتخذ من أهل البلد
جنودا وفرسانا .
الصرماتي : ها هو ناصر الدولة قد فعلها .
إبراهيم الخياط : ولكن إذا دوام على فعل ذلك فأين سيذهب الأتراك والمغاربة ؟
الصرماتي : يرجعون إلى بلادهم التي جاءوا منها .
حسين العطار : لو وجدوا في بلادهم ما يجدونه هنا ما حضروا أصلا ، إنهم يحلبون البلد لآخر
قطرة .
أبوشامة : ( يشير للصبية ومعهم زغلول ) يا زغول ألا تراني ؟
الصرماتي : هو يراك ولكنه لا يعرفك فلا أحد يتخيل أن يكون شباب زقاق القناديل ومن حوله من أزقة وحواري أن يكونوا فرسانا .
زغلول : ( يعانقه ) أبو شامه فارس الفرسان ياولاد نور الزقاق .
الصبية : ( في صوت واحد ) أبو شامه فارس الفرسان يا ولاد نور الزقاق .
زغلول : ( يشير إلى أمه في النافذة ) زغردي يا أم زغلول ، أبو شامة صار فارس الفرسان .
الصبية : ( يتقافزن في صوت واحد ) زغردي يا أم زغلول ، أبو شامة صار فارس الفرسان .
أم زغلول : ( تزغرد ) يانساء وبنات الزقاق ، زغردن ابنكم أبو شامة فارس الفرسان .
أم خوخة العوادة : ( خارجة من بيتها تزغرد ) يا حلاوة يا ولاد عندنا فارس في الزقاق .
أكمل الماشطة : ( تحتضن أبا شامه وتقبله ) اسم النبي حارسك وصاينك ، أصبح لنا فارس يدافع عنا .
أم فكرى الخاطبة : ( ترش على رأسه قليلا من الملح ) من شر حاسد إذا حسد ،ربنا يحرسك
من عيون نساء وبنات الزقاق .
مبروكة المرضعة : ( توكز أم فكري ) من يا امرأة سيحسد أبو شامة ؟! إنه ابننا ، لقد رضع من
كل نساء الزقاق ..تعالي يا أبا شامه لأقبلك ، أنت في معزة أولادي.
غرام : ( تجري في اتجاه أبو شامه ) انتهيتن يا نساء الزقاق ..هيا اتركن خطيبي ، وكل واحدة منكن تعود إلى بيتها ، وإلا أسكب على نفسي زيتا واشعلنى نار .
الصبية : ( في صوت واحد ) وإلا تسكب على نفسها زيتا وتشعلها نارا .
أبو شامه : ( يبعدها عن نفسه ) من قال إنك خطيبتي ؟!
غرام : ( تشير إلى أم فكرية الخاطبة ) أم فكري الخاطبة قالت إنك خطبتني منها فهي خالتي .
أبو شامة : ( متضرعا إلى أم فكري) أأنا خطبتها منك ؟!
أم فكري الخاطبة : ( تمسك رأسها ) في الحقيقة يا بني لا أتذكر ...فلا أتذكر ماذا أكلت اليوم .
أبو شامه : دعينا من مسألة الأكل والشرب ..أنا لم أخطب أي واحدة في الزقاق ..وهل هذا زمن يخطب فيه أحدا ؟! نحن لا نجد الخبز الشنكار .
غرام : ( تمسكه من نطاقه ) أهل الزقاق حاضرون نساء ورجال هيا أعلن خطبتي الآن .فأنا لا آمن عليك بعدما صرت فارسا تملأ العين والقلب ...لا بل تزوجني الآن أعقد علي .
أبو شامه : ( يشير إلى رفقائه ) سأذهب وأحضر تدريبا مع رفقائي ، وأستلم السلاح وأعود إليك
غرام : ( تلتفت إلى النساء ) زغردن يا نساء الزقاق .أبو شامه سيعود ومعه السلاح .
الصبية : ( في صوت واحد ) زغردن يا نساء الزقاق ، أبو شامه سيعود ومعه السلاح .
زغلول : ( يمسك به ويشير إلى الصبية خلفه حوله ) قبل أن تنصرف يا فارس الفرسان علمنا مما تعلمت فنحن نود أن نكون فرسانا مثلك ، وهاهي سيوفنا معنا مشرعة ونرتدي الأغطية الجلدية حول صدورنا وفوق روؤسنا .
ابو شامه : ( يرفع يده ) اذن لتجعلهم يصطفوا خلفك صفا واحدا ويسرون كما أسير ..هيا .
زغلول : ( متحمسا ) هيا يا فرسان ليصطف كل منكم ويرفع سيفه ونسير كلنا خلف قائدنا العظيم قاهر الأعداء أبو شامه .
أم زغلول : ( تزغرد )اسم النبي صاينكم وحارسكم يا فرسان زقاق القناديل .
إظلام
ا
الفصل الرابع
المشهد الرابع
في مبنى الوزاراة ، تاج الملوك شادي والوزير ( ابن أبي كدينة )
الوزير : ( مهددا ) كل يوم يمر يزداد ( ناصر الدولة )قوة إلى قوته ، الشيء الوحيد الذي لم يفعله للآن ، وأظن أنه سيفعله إن لم نتحرك هو أن يعلن نفسه خليفة على البلاد ويسجن (المستنصر) أو يأمر بقتله ، عند ذلك لن يكون لنا مكان في البلد ، ليس هذا فقط بل قد لا نستطيع الهروب من البلد .
شادي : ( مفكرا ) والذي زاد من قوته إلتفاف الناس حوله بشكل لم يسبق له مثيل ، وصل الأمر أن أغلب المساجد في الفسطاط والقاهرة تدعو له ، ولم يعد هناك ذكر للمستنصر
. ..بل أن سمعت بأذني الناس يدعون عليه ولولا الحرس حول قصره ربما احاطوا به
وقذفوه بالحجارة .
الوزير : ناصر الدولة قلب كل الموازين وعرف كيف يملك قلوب أهل البلد .
شادي : أجاد استغلال الحالة التي يمر بها الناس وفتح أبواب قصره للفقراء والمحتاجين ، ودافع عن هؤلاء الذين حرضت الشرطة ضدهم ، وصاروا لا أحد يجرؤ من الاقتراب منهم الذين قلت عنهم إن دينارا يجمعهم وسوط يفرقهم .
الوزير : ( ساخرا ) وأصدقاؤك للآن لم ينفذوا ما كلفتهم به والوقت ليس في صالحنا كما ترى
شادي : ( غاضبا ) أولا هم ليسوا أصدقائي ، ثانيا نحن لم ننفذ ما طلبوه منا .
الوزير : مقابلة المستنصر لهم من رابع المستحيلات ، وأنت كنت على خطأ حينما وعدتهم بذلك
شادي : هم لا يثقون بنا ، ونحن لا نستطيع أن نعطيهم الذهب إلا بعد قتل (ناصر الدولة) ، فظنت أن مقابلة المستنصر ..
الوزير : ( مقاطعا في حدة ) قلت لك إن المستنصر لا علم له بهذا الأمر ، ثم بأي حجة سأقنعه
بمقابلتهم ؟
شادي : ( يمسح على لحيته ) لقد وصلنا إلى طريق مسدود.
الوزير : إذن لماذا طلبوا مقابلتك الآن ؟!
شادي : ( مفكرا ) لا أدري .
الوزير : ( يشبك أصابع يديه ) أيمكن أن يكونوا انحازوا لناصر الدولة وأخبروه بكل ما كلفناهم
به ؟
شادي : ( محتدا ) أذن لماذا جاءوا ليقابلوني الآن ؟!
الوزير : ( مشيرا إلى رأسه ) ليقدموا رأسك إلى( ناصر الدولة).طالما لم يستطيعوا أن يقدموا
رأس ناصر الدولة لك .
شادي : لا ..أنت لم ترهم كيف كان حالهم حينما رأوا صندوق الذهب ..ولم الحيرة لقد حان
موعد مجيئهم .
الحارس : ( يدخل ) هناك من ينتظر ليقابلك سيدي القائد .
شادي : جردوهم من أسلحتهم وليقف الحراس بالباب يتنظرون أي إشارة .
الحارس : سمعا وكاعة سيدي القائد .
الوزير : ( متجها إلى باب جانبي ) سأنتظر خلف هذا الباب لأسمع ما يدور بينكم .
شادي : لتبق .
الوزير : إن رأيت الأمر يستدعي وجودي سأتدخل في الوقت المناسب
[ يدخل مهيار وشيراز ونيار ومعهم رابع ]
شادي : ( متجهما ) تفضلوا .. على الرحب والسعة .
شيراز : ( مشيرا إلى رابعهم ) (أميد) من أصدقائنا الموثوق فيهم .
شادي : ( بدون إكتراث ) خيرا إن شاء الله .
مهيار : ( يتلفت حوله مخاطبا أصدقائه ) أتشاركونني شعور بعدم الترحيب بنا ؟
نيار : ( واقفا ) وأنا أرى ذلك .
شيراز : ( مشيرا إلى من حوله ) كما جئنا ننصرف .
مهيار : لقدحظينا برؤية القائد تاج الدين شادي ..هيا .
شادي : ( معتذرا ) فيما جئتم وفيما ستنصرفون ؟!
شيراز : جئنا لأنه كان هناك اتفاق ، وسننصرف لأن على ما يبدو نقضت الاتفاق .
شادي: الاتفاق مازال قائما ...ولكنكم لم تفعلوا شيئا .
نيار : أنت الذي لم تنفذ ما أتفقنا عليه .
شادي : لقد طلبيتم شيئا محال تحقيقه ..وأظن أنني أعلمتكم بذلك .
شيراز : وما التصرف الآن ؟
شادي : التصرف في أيديكم أنتم ...أطلبوا شيئا يمكن تحقيقه . ..وكفى ما أضعتموه من وقت .
شيراز : لم نضيع وقتا ..والفترة السابقة كنا نفكر كيف سننفذ الأمر ، ومع أننا أشركنا العديد من
الرجال معنا ، إلا أننا رأينا استحالة ذلك
شادي : (مندهشا) لماذا ؟!
شيراز : ناصر الدولة محاط برجال مخلصين له ، وفي الفترة الأخيرة كثف من الحراسة حوله
بشكل ملحوظ .
شادي : مع أنه يقابل الكثير من عامة الناس ويسير في الأسواق والميادين .
نيار : الناس من حوله يحمونه أكثر من الحرس .
شادي : ( ساخرا ) كلامكم هذا يوحي أنكم فشلتم .
شيراز : ( مشيرا إلى أميد ) لولا (أميد) هو من فكر في طريقة التنفيذ ولكن التنفيذ يتوقف عليك
شادي: ( مندهشا ) كيف ؟!
شيراز : ألم تسأل أولا عن طريقة التنفيذ ؟
شادي: ( نافد الصبر ) فليكن..كيف سيتم التنفيذ وإن كان لا يعينيني ..المهم تنفذوا الأمر.
شيراز : أنت خير من يعلم أن التخلص من( ناصر الدولة )ليس بالأمر اليسير ، فلابد أن تمد في حبال الصبر إنه الآن أقوى رجلا في البلاد وعلى وشك الجلوس على العرش .
شادي: ( ممتعضا ) نعلم كل ما تقوله ، ولذلك رصدنا ما رصدناه من ذهب .
سيراز : الأمر في حاجة إلى أكثر من الذهب يا قائدنا المبجل ...وصديقنا العزيز (أميد) سيطرح
عليك الفكرة .
أميد : ( يقف ويسير خطوات نحو شادي ) نحن في حاجة إلى سيف ورمح المستنصر .
شادي: ( مندهشا ) سيف ورمح المستنصر ...لماذا؟!
أميد : ( يدق على يد كرسي شادي) عن قريب جدا سيعلن ناصر الدولة نفسه حاكما مطلقا على
البلاد .
شادي : ( يقف منفعلا ) وما دخل سيف ورمح المستنصر في ذلك ؟!
أميد : ( يعود إلى مقعدة ويمس على حاجبه ) بعد أن يعلن ناصر الدولة نفسه حاكما سيسير في
موكب الخلافة يطوف القاهرة والفسطاط وسط الناس كما كان يفعل الخلفاء قبله ،وكما تعلم كان يتقدم الموكب حامل المظلة وحامل السيف والرمح ..الرمز الذي توارثه الخلفاء عن (المعز لدين الله الفاطمي )أول الخلفاء ، وتلك أهم مظاهر الأبهة والعظمة التي يحرص عليها الخلفاء ، ليس هذا فقط بل تعود الناس والأعيان والأمراء وعلية القوم على رؤية السيف والرمح في مقدمة الموكب ، والأهم من كل هذا أن السيف والرمح لهما معنى ودلالة عند ناصر الدولة .
شادي: ( غاضبا ) أأنتم هنا لتساعدوا ناصر الدولة على الجولس على كرسي العرش أم
التخلص منه ..ما أصاب عقولكم ؟!
شيراز : ( ممسكا بيده ) حينما يكون معنا السيف والرمح لنقدمه هدية له سيسمح لنا بالدخول
عليه ونقتله بسيف المعز .
شادي: ( مذهولا ) أنتم شياطين ...أبالسة ...ولستم بشرا !
شيراز : ( مشيرا إلى أميد ) لولا هذا الشيطان ما كان يخطر على بالنا مثل هذا التدبير
الشيطاني .
شادي: ( حائرا ) ولكن كيف سنحصل على سيف ورمح المعز أقصد المستنصر ؟.ثم أنهما من
الذهب الخالص .
الحارس : ( يدخل ) سيدى القائد .
شادي: ( مندهشا ) ما وراءك أيها الحارس ؟!
الحارس : ( مترددا )أمر هام أريد أن أبلغك إياه .
شادي : ( متجها نحو الحارس ) ما الأمر ؟!
الحارس : ( يسر إليه بكلمات ) أيأمر سيدى القائد بشيء ؟
شادي : ( مفكرا ) انصرف الآن .
شيراز : أهناك شيء ؟
شادي: متى ستنفذون الخطة ؟
شيراز : بعد أن تحضر لنا ما طلبناه .
شادي: كفى ما ضيعتموه من وقت ...ستحصلون السيف والرمح في أقرب وقت .
شيراز : هناك شيء آخر .
شادي: ( نافد الصبر ) لم يبق إلا أن تطلبوا المستنصر نفسه .
شيراز : لا نريد المستنصر وإنما ذهب المستنصر .
شادي: لا أفهم ما تقصدون ؟
شيراز : انضم لنا عدد من الرجال ، ونريد أن نشعل حماسهم وهمتهم معنا .
شادي: ( ضاحكا ) ولا يشعل حماس الرجال مثل الذهب .
شيراز : بل قل لا يضعف مقاومة الرجال مثل الذهب .
شادي : سأرسل ما يكفيك أنت ورجالك من ذهب مع السيف والرمح ...ولكن متى ستنفذ الأمر ؟
شيراز : ( مشيرا إلى ( أميد ) ) أظن كل الأمور الآن مع صديقنا ( أميد )
أميد : ( مشيرا إلى رأسه ) النجاح معلق بحسن الإعداد وجودة التمهيد .
شادي: على الأقل خبرونا بموعد التنفيذ
شيراز : ( مشيرا إلى من حوله ) أنت معنا في كل خطوة نخطوها أيها القائد المبجل ..والآن
أسمح لنا بالإنصراف
شادي: ولكني لم قم بواجب الضيافة ..ترحيبا بمقدم صديقكم ( أميد )
شيراز : أنت عنوان الجود والكرم ...ولنا ليالي أنس نقضيها هنا بعد ان ننتهي مما اتفقنا
عليه ...هيا يا رجال .
الوزير : ( يخرج من خلف الباب ) حسنا فعلت يا شادي .
شادي : لم أقل سوى ما بلغت به الحارس
الوزير : خشيت أن ترفض طلبهم ، لاسيما وأنك كنت جافا معهم في البداية .
شادي: ( يربت على كتفه ) ولكن أخبرني كيف ستحصل على سيف ورمح المستنصر ؟
الوزير : لقد تنازل المستنصر طواتعية عن كل ذخائرة في الفترة الأخيرة حينما عجز عن دفع
مرتبات جنوده من الأتراك ..وعلى ما أظن لم يحن الدور بعد على رمح وسيف الخلافة .
شادي: ولكن السيف والرمح لهما ما لهما أنهما ميراث توارثه الخلفاء عن المعز نفسه ، وأظن
أنهما من الذهب .
الوزير : كل ما في القصر الآن أصبح مباحا لمن يمد يده ويمتلك الجرأة ...أظن أن الأيام
القادمة ستكون حبلى بالأحداث الجسام ...
شادي: ( شاردا ) نعم ..نعم .الأمر كما تقول .
الوزير : ( ممسكا بيده ) أراك مستغرقا في التفكير ..أهناك ما يشغلك .
شادي: ( منتبها ) لقد سمعت كل ما دار ...لا أدرى ...أشعر بعدم اطمئنان .
الوزير : لا ..أنت تفكر في شيء آخر .
شادي: صراحة ...نعم و ..
الوزير : ( مقاطعا ) أنت تفكر في التخلص منهم بعد أن ينفذوا العملية .
شادي: ( منبهرا ) كأنك اخترقت رأسي وأطلعت على ما أفكر فيه .
الوزير : ( يتناول كوبا من الشراب ويسير خطوات في القاعة ، ويعود مواجها شادي ) إلم
تلحظ شيئا ؟
شادي: ( مفكرا ) تقصد ( أميد ) ؟
الوزير : ماذا لاحظت ؟
شادي: إنه هو الذي تحدث وهو الذي فكر وهو الذي خطط .
الوزير : وماذا أيضا ؟
شادي:ماذا تقصد ؟
الوزير : على ما أظن أن خلف (أميد) هذا مجموعة دخلت على الخط ، و( أميد ) ينفذ خطط
المجموعة ويستعين أو يستغل الرجال ، وأظن أن تلك المجموعة سوف تتخلص من رجالك فور تنفيذ الخطة .
شادي: ولماذا يتخلصون من الرجال أليس هدف الجميع التخلص من ناصر الدولة ؟ لا يعنينا
كل تلك التفصيلات شيء واحد يجب ألا يغيب عن بالنا .
الوزير :ماهو ؟
شادي : موقعنا أو موقفنا بعد التخلص من ناصر الدولة.
الوزير : ( مفكرا ) معك حق لماذا لم نفكر في هذا ؟
شادي: أرى أن نعد قوة كبيرة من الجيش بالقرب من قصر ناصر الدولة وفورعلمنا القضاء
عليه نهجم على القصر .ونتخذه مقرا لنا .
الوزير : قد يكون هذا التصرف استفزازا لأنصاره وجيشه وبتصرفنا هذا سنؤكد للجميع أننا
نحن من قضينا عليه .
شادي: أليس هذا في صالحنا وإعادة الهيبة والقوة للمستنصر ؟
الوزير : قد يخرج الأمر عن سيطرتنا ..لندع الأخرين ينفذون ما نريده ونظل نحن خلف الستار
أيدينا نظيفة من دم ناصر الدولة ..وأظن مقتل ناصر سيحدث زلزالا شديدا في البلد .
شادي: ( مندهشا ) زلزالا شديدا ؟!
الوزير : ( واقفا متاهبا للإنصراف ) ولكن سيعقبه هدوء واستقرار فقد تخلصنا من أكبر وأذكي
وأمهر أعدائنا ....غدا سأرسل لك السيف والرمح ...ولا تبخل بالذهب على الرجال ..طابت ليلتك .
إظلام .
الفصل الرابع.
المشهد الخامس :
زقاق القناديل:
النساء متشحات بالسواد ، ويجلسن باكيات امام أبواب بيوتهن ، والرجال أغلقوا أبواب دكاكينهم وحوانيتهم ، ووقفوا يتلقون العزاء .
أم زغلول : ( تبكي ) أهكذا تفعل بأحبابك يا أبو شامه ، تتركنا وليس لنا سواك .
أم خوخة العدادة : ( تجفف دموعها ) كان ابننا وأخونا ورجلنا .
أكمل الماشطة : وكان حامل همنا كلنا .
مبروكة المرضعة : الله يرحمك يا أبو شامة ..كان لا يذهب إلى نومه إلا بعد أن يمر علي في
غرفتي ويسأل إذا كنت تناولت العشاء أم لا .
أم فكري الخاطبة : (تبكي ) أنه ابني الذي لم تحمله بطني لا بل هو أعز وأغلى أبنائي .
نعمات الدلالة : ما ذنبه ، إنه لم يؤذ أحدا في حياته ، بل كان السند للمحتاجين والبسمة للمحزونين وكسرة الخبز للجوعي وشربة الماء للظمانين .
غرام : ( تسير أمامهن ) ماذا تقلن ..أبو شامة لم يمت ، مثله لا يموت ، بعد قليل سيحضر مرتديا ثياب الفرسان راكبا جوادا أبيض وسيخطبني ..هو وعدني بذلك أمامكن ، وأنتن تعرفن أبو شامه حقا ما خلف وعده لواحده منكن ، ما رأت عيني شابا جميلا مثل أبو شامه ، كنت أراه في أحلامي ، كما رأيته آخر مرة ، لا تنظرن إلى هكذا ..صدقنني أبو شامه سيحضر سأنتظره في أول زقاق القناديل ، يحمل كل ما طلبتنه منه ، في تلك المرة سأحضنه وأخذه بين ذراعي كي لا يهرب مني ثانيا ، ولماذا انتظره ، سأذهب أبحث عنه في الحوراي والأزقة والشوارع والميادين ..وسأجده ..إني أسمع صوته ألا تسمعونه إنه يناديني ..نعم يا أبو شامه إني أسمعك انتظرني ..انتظرني .
مبروكة المرضعة : ( تنهض لتحق بها ) تعالي أيتها المجنونة أبو شامه مات ولن يعود .
أكمل الماشطة : ( تمسك بها ) أتركيها تفضض عما بها من حزن وأسى .
مبروكة المرضعة : وهل هي وحدها الحزينة على موته .
ام خوخة العدادة : لقد قطع بنا كلنا .
حسين العطار : لا حول ولا قوة إلا بالله الحزن على أبو شامه يكاد يقتلهن .
إبراهيم الخياط : وهل كان أحد يتصور أن يحدث ما حدث .
فاروق الكحال : البلد كلها حزينة على قتلهم لناصر الدين ومن معه ، وأبو شامه كان من ضمن
العشرات الذين أخذوا غدرا ومعه شباب كالورد .
الصرماتي : كانوا في قمة الفرح والسعادة أنهم صاروا فرسانا وأنهم سيدافعون عن البلد وأهلها ويحمونها من الغرباء المرتزقة .
إبراهيم الخياط : وكأنهم كانوا يسعون إلى حتفهم ، لقد قتل الكثير من الشباب ، على أبواب
قصر ( ناصر الدولة ) الذي كان يدافع عن الضعفاء والفقراء .
فرج الخماري : كلنا كنا نأمل أن ينصلح الحال على يديه ، وتخرج البلد من شدتها ، ولكن البلد
مكتوب عليها أن تظل في تلك الشدة سنوات وسنوات .
حسين العطار : وكل من بحاول أو يفكر في إصلاح حال البلد سيقتلونه ويتخلصون منه .
إبراهيم الخياط : (مندهشا ) أيقتل لأنه يحاول أن يصلح من حال البلد ؟
حسين العطار : لا ندري فهؤلاء بينهم حسابات لا نعرفها ..ماذا تقصد ؟
فرج الخماري : ( مشيرا إلى مدخل الزقاق ) ألا ترون من القادم ومعه عدد من الرجال ؟
فاروق الكحال : ( متجها نحوه ) إنه الطبيب (أبو الحسن بن رضوان ) جاء ليعزينا في موت
أبو شامه .
فرج الخماري : طبعا فأبو شامه لم يكن يفارقه منذ أن استقر في الزقاق وبدأ يعالج الفقراء
والمحتاجين .
بن رضوان : ( يصافح الوقفين ومعه رفقاؤه ) لقد أحزننا موت ابننا أبو شامه وللأسف ماتت
معه أمانينا ورجاؤنا في أن يتبدل حال البلد .استطاعوا أن يقتلوا الأمل ويسرقوا الغد ، إنهم أقوى مما كنا نتخيل .
فرج الخماري : ( يشد على يديه ) الله الأقوي
فاروق الكحال : ولن يرضى بالظلم والفساد .
بن رضوان : ويجب أن ننفذ إرادة الله بأن لا نرضى بالظلم والفساد .
إبراهيم الخياط : وماذا بأيدينا ...حتى الشباب الذين كنا نظن أنهم سيرفعون رأسنا حصدوهم
كالزرع الخضر .
[ يسمع صيحات وجلبه من مدخل الزقاق ]
الصرماتي : ( يتطلع نحو الصوت مندهشا ) ما هذا ؟!
حسين العطار : ( متعجبا ) إنه زغلول وراءه صبية الزقاق ومعهم صبية الحوارى والأزقة
الأخرى .
فرج الخماري : ( متعجبا ) إن عددهم كبير جدا ، وكلهم حاملون السيوف الخشبية ويرتدون
القبعات والسيور الجلدية التي صنعها لهم الصرماتي .
إبراهيم الخياط : إنهم يسيرون ويتحركون كالفرسان .
فاروق الكحال : إنها طريقة السير والحركات التي علمهم إياها أبو شامه .
جعفر الصرماتي : إن صفوفهم المنتظمة المتلاحمة تكاد لا تنتهي ..من أين جاء كل هؤلاء
الصبية .
بن رضوان : ( مشيرا إليهم ) إن منظرهم يدعو للفخر والإعجاب
نساء الزقاق : ( يحطن بهن ويزغردن ) ....
غرام : ( تسير بينهم ) ذهب (أبو شامه) ورجع ألف (أبو شامه) ...ألم أقل لكم أنه سيعود ..
إظلام .
(ستار الختام )
ســــيرة ذاتــــية
الاسم : محمود محمد محمود القليني .
المؤهل : ليسانس في الآداب والتربية جامعة الإسكندرية- شعبة: لغة عربية عام 1979.
الإيميل : elkellenymahmoud@yahoo.com
الهاتف :0201061414124- 0201025544856
الوظيفة : مدير عام بالتربية والتعليم سابقا .
العنوان : جمهورية مصر العربية – محافظة البحيرة – دمنهور – شارع السيدعمر مكرم –برج الفتح .
الأعمال المنشورة :
أولا : في المسرح :
مسرحية : ( إخناتون والكهنة ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1994
مسرحية : ( مصرع الخُرساني ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام2002.
مسرحية :(محنة الإمام أحمد بن حنبل) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة عام 1997
مسرحية : ( بلد راكبها عفريت ) جهة النشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة عام 2010.
مسرحية : ( غائب لا يعود ) جهة النشر : الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة – تاريخ النشر 2019.
كتاب : ( الأدب في مسرح الطفل ) جهة النشر : العلم والإيمان للنشر والتوزيع بدسوق عام 2015.
مسرحية : ( محاكمة الحمير ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار )
مسرحية : ( البلطجية اشتكوا ) جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية –مدير الموقع الفنان : ( محسن النصار )
مسرحية : ( ليلة وحشية ) مونودراما – جهة النشر : مجلة الفنون المسرحية – مدير الموقع : ( محسن النصار )
مسرحية : ( الأرجواني السماوي ) خيال علمي – جهة النشر – المسرح نيوز – مؤسس ومدير الموقع : ( صفاء البيلي )
مُثلت مسرحية (بلد راكبها عفريت ) على مسرح مركز ثقافة المحلة الكبرى بطنطا .
ثانيا : في الروايات والقصص :
رواية :(الإسكندرية عناقيد العشق والغضب) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2011.
رواية :(الجنوب الهادئ ) جهة النشر :الهيئة العامة لقصور الثقافة عام : 2014
رواية : ( الدجال والشيطان ) جهة النشر : مكتب معروف للنشر والتوزيع عام 1985
( إنهم يذهبون ) مجموعة قصص قصيرة ، جهة النشر : دار الشعب بالقاهرة عام 1983.
ثالثا : في الكتب :
(الفكر الإسلامي ومستجدات العصر) جهة النشر :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة عام 2005 .
( أمير الصحافة العربية ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2009
( العمرية ..في رحاب عمر بن الخطاب ) جهة النشر: مكتبة دار العلم والإيمان عام 2007
( عش حياتك سعيدا ولا تحزن ) جهة النشر: مكتبة بستان المعرفة عام 2004 .
( الثورة في وجدان المصريين ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2012.
( الباحثون عن الله ) جهة النشر مكتبة دار العلم والإيمان عام 2013.
(شخصية موسى النبي) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2011 .
(شخصية المسيح) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014.
( شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) جهة النشر : مكتبة بستان المعرفة عام 2014
10-(قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015.
11-( الذاتية والقيم الوجودية في أدب إبراهيم عبد القادر المازني ) جهة النشر : مكتبة دار العلم والإيمان عام 2015.
12- (النساء فقدن عروشهن) جهة النشر :مكتبة العلم والإيمان بالمنصورة .
13- الخليل – عليه السلام – رحلة في المكان وسياحة في الزمان . دار العلم والإيمان عام 2018 .
14- نحو تفسير علمي للأحلام – الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة - 2022
الجوائز الحاصل عليها :
1-جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد )
جائزة ( ملتقى جائزة أبها ) بالمملكة العربية السعودية عن مسرحية ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ) عام 1417هجرية .
جائزة التأليف المسرحي من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( إخناتون والكهنة ) .
جائزة التأليف المسرحي من مجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية ( مصرع الخرساني ) .
جائزة من نادي القصة بالقاهرة عن رواية بعنوان : ( قوس قزح ) عام 2002
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( قيم ومعايير في أدب يوسف إدريس ) من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة الدراسات النقدية عن دراسة بعنوان ( الذاتية والقيم الوجودية في أدب المازني )
جائزة المقالة النقدية عن دراسة في قصة ( الطريق ) لنجيب محفوظ ،من المجلس الأعلى للثقافة .
جائزة التأليف المسرحي للكبار – الشارقة – الهيئة العامة للمسرح – عن نص مسرحي بعنوان ( غائب لا يعود ) 2016
الوصول إلى القائمة القصيرة في مسابقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الخيال العلمي للأطفال عن مسرحية بعنوان ( الأرجواني السماوي ) 2017
الوصول إلى القائمة القصيرة في مسابقة الهيئة العامة للمسرح بالشارقة في مجال الكتابة المسرحية للطفل عن مسرحية بعنوان ( القرية الذكية )
0 التعليقات:
إرسال تعليق