بحث عن " ثقافة التسامح بين السيرة الشعبية والمسرح " ا.د / أمانى فهيم *
مجلة الفنون المسرحيةبحث عن "ثقافة التسامح بين السيرة الشعبية والمسرح "
ثقافة التسامح بين السيرة الشعبية والمسرح
السيرة الشعبية كما تم تعريفها هى قصص مستقاة من التراث العربي تمجد فيها الأخلاق العربية الأصيلة كقوة العربى وكرمه وشهامته وتنكر فيها الأخلاق السيئة كالخيانة والغدر(*).
ونظراً لطبيعة السيرة الشعبية التى تعتمد على البطولة ومزجها بتاريخ الشعوب فقد استقى الأدب منها مادته وعمد إلى اعتبارها مصدراً أساسياً في بعض الأحيان إلى قضاياه الفكرية التى يناقشها في الشعر والرواية والمسرح. كما لجأ بعض الكتاب إلى استخدامها في أعمالهم عن طريق استخدام تقنية الإسقاط السياسى هرباً من المساءلة والرقابة في مجتمعاتهم كما فعل عبد الله ونوس في بعض أعماله المسرحية.
ولعل ما يميز السير الشعبية هى أنها تناقش قضايا إنسانية ممتزجة ببعض القضايا السياسية بملامح شعبية تجعلها قريبة من وجدان الشعوب مثل سيرة أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد.
إنها البطولة الممتزجة بالأخلاق، التى تجعل من أبطال هذه السير علامات في تاريخ الشعوب، تتعلم منها وتستند إليها في طريقها للحياة من خلال الحكم والمواعظ التى تحفل بها هذه السير.
ولهذا حاول الفن الإستفادة من هذه السير الشعبية كى يرسخ بعض القيم الأخلاقية ويستهجن ويرفض بعضها الآخر، وذلك إيماناً من الكتاب بدور الأدب في المجتمع كما أشار ألفريد فرج في مقال له بعنوان "المسرح والأخلاق".
"عرفت المسرح فناً أخلاقياً سياسياً ينشد الإنسجام الاجتماعى ويعبر عن التطلعات الاجتماعية والسياسية ويحبذ بالضرورة سياقاً من الأفكار وأنماط السلوك الاجتماعى ويندد بأضدادها". ()
ولذا قدم ألفريد فرج في مسرحية "الزير سالم" المستقاة من السيرة الشعبية للزير سالم - نموذجاً لبطل هوى من طلب العدل إلى طلب المستحيل . حينما قرر أن ينتقم من قاتل أخاه "كليب" ملك العرب الذى قتله ابن عمه "جساس" وامتد الإنتقام من انتقام من شخص واحد إلى الإنتقام من قبيلة كاملة، أحالت حياته وحياة عائلته إلى بحر من الدم، ومنهم الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال، فيما عرفت في التاريخ بحرب البسوس(*).
ولقد أختار ألفريد فرج هذه الواقعة لأنها كانت مضرب الأمثال لفكرة الأخذ بالثأر، مستنداً إلى السيرة الشعبية لسيرة الزير سالم، التي تمزج بين البطولة وعبثية الفكرة، فكرة الإنتقام.
فالزير سالم – على الرغم من عدالة مطلبه - وهو القصاص كان يكفيه أن يقتل "جساس" الذي قتل أخاه، ولكن شطح في خياله وأراد أن يسفك دم قبيلة بأكملها مقابل قتل أخيه متناسياً أنهم أبناء عمومته، وأن قتل أبناء هذه القبيلة لن يعود بأخيه حياً أبداً، فتحول انتقامه منهم إلى نوع من العبث، عبث بحياته وبحياة الآخرين من أجل طلب المستحي.
إنها فكرة الثأر التى تناقض التسامح والعفو، والتى يستهجنها ألفريد فرج في بداية مسرحيته "ولكن ماهو العدل الذى يطلبه هو ؟ كليب حياً، لا مزيد" طلب مضحك ومؤس، إلا أن ظاهره عدل ولعل باطنه عدل كذلك، عدل لا معقول، إلا أنه عدل، كما أنه لا معقول، فلم يكن الزير سالم يطلب إلا معجزة غير أنها غير عادلة، أيعقل أنه كان يطلب من البكريين، من القاتل ومن عشيرته؟ لا، کان یطلبها من الطبيعة، من السماء والأرض والنجوم، لا شك. ()
في رسمه لشخصية الزير سالم استطاع ألفريد فرج أن يصور بطله بصفات تتسق وعبثية فكرة الثأر التي يرفضها المؤلف "فلما كان سالم عربيداً في الحب لا يطلب إلا اللذة الكاملة، عربيداً في الشعر لا يطلب إلا الكلمة الكاملة، فقد كان عربيداً فى الفكر. ()
إنه أبو ليلى المهلهل الأمير سالم زير النساء وبطل الملحمة المعروفة بالزير سالم، عرف بحبه الشديد للهو والمتع الحسية ولكنه يتعرض للنفى فى الصحراء نتيجة مكيدة دبرتها له زوجة أخيه وأبنة عمه جلیلة کی تبعده عن كرسي الحكم، حتى جاءه نبأ مقتل أخيه كليب فحمل السلاح واستمر في حربه مع أبناء عمومته قبيلة بكر لمدة تقارب الأربعين عاماً وهي ما يطلق عليها حرب البسوس بين قبيلة تغلب وقبيلة بكر.
وهو ما جاء حتى في وصف غرفته في القصر الملكى "نحن الآن في غرفة سالم الزير بالقصر الملكى، صخب وفوضى وهرج، رجال ونساء في حالة سُكر وغناء غير واضح، يسكتون ساعة يقف الزير وكان متكئاً على الأريكة بيده كأسه".()
وهنا يتضح أن الزير سالم كان يحيا حياة مجون وعبث جعلته يحيا بعيداً عن أية التزامات أو ارتباطات بالحياة اليومية الروتينية، يحيا بروح شاعر هائم يؤكدها روايته لقصة صيده للأسد ولقاءه مع الجنية التي دافعت عنه فى صراعه مع الأسود، وعندما تريد الجنية الزواج منه يرفض لأنه يرفض الأشكال التقليدية في الحياة مثل الملك والزواج، ويربط بين نفسه وبين الشمس والقمر كأنه قد تحول إلى عنصر من عناصر الطبيعة "يحتضن الأسد والجنية كل بذراع – يا رفيقى، يا صديقي، المشكلة هي أني أحب الشمس ولا أستطيع أن أتزوجها (ضحك ) وأن الشمس تحب القمر ولا تستطيع أن تتزوجه (ضحك ) ولذا ندور نحن الثلاثة في فلك المستحيل".()
إنها السير الشعبية التي تضفى عناصر البطولة الخارقة على أبطالها فتمزج الحقيقة بالخیال کی تستميل المتلقي لها، فيبحر مع أبطالها في جو أسطورى خيالى، تجعله يمجد أبطاله وينظر إليهم نظرة المتطلع إلى بطل خارق .
ولكن ألفريد فرج لم يشأ أن يترك هذه الصورة على حالها، ويقرر أن شطط خيال هذا البطل أودى بحياة الآلاف، ودمر قبيلته وقبيلة أبناء عمومته عندما صمم على طلب الثأر ولكن بشكل عبثي أيضاً.
رفض سالم الإنصياع لقوانين المنطق جعلته يطلب المستحيل، فقد كان يكفيه أن يقبل الدية ويتسامح مع قاتل أخيه مقابل حقن الدماء، ولكنه أراد المتسحيل، طلب إعادة أخيه للحياة، ولهذا قدم المؤلف لشخصية سالم في بداية المسرحية بشكل يبرر طلبه الغير منطقى "أعلم أن الكون يعبث بك، ومعناها أنه يتحداك، فلنحطم العالم ولنمزقه حتى يجيب على سؤالنا". ()
إنه يعترف لأخيه كليب أنه يمتلك ما يطلق عليه "شرفه الخاص" ألا وهو أنه يفعل ما يحب بدون التقيد بأية تقاليد أو أعراف، إنه يعيش مثل أى عنصر من عناصر الطبيعة في حرية بوهيمية ولا يستطيع أن يتنازل عن أفكارة هذه التي يستهجنها أقرب الناس إليه، وهو أخيه كليب.
وهنا تتضح وجهة نظر ألفريد فرج فى استلهامه لهذه السيرة الشعبية، فهو لا ينفى عن بطله صفات البطولة والعزة والصدق، ولكنه يستهجن طلب المستحيل إعلاء صفة الإنتقام على التسامح، وقد لجأ ألفريد فرج إلى استلهام هذه الأسطورة التي يحتفى بها العرب ليؤكد أن صفات البطولة والذكاء لا يمكن أن تغفر لبطلها شطحاته وطلبه الإنتقام الذي أدى إلى هلاك الآلاف من أهله "هذا الدور الذى لعبه الرواة القدماء، في توظيف التراث لاحتياجات زمنهم، اشتغل عليه الروائيون المعاصرون، وهم يعيدون كتابة التاريخ الرسمي، أو يستحضرون تراثه الشعبي كل حسب رؤيته وغايته".()
لقد آثر سالم أن يفني عمره في طلب الثأر، وفقد حياته وهو يسعى للمستحيل، فقدها لأنه لم يستطع التخلى عن أفكاره :
كليب : الحقيقة إنى أحبك، ولا يعجبنى مجونك فأبغضك لأني أتمنى لك الكمال .
أسأل نفسى : لم لا يكون أخي مثلى ؟
سالم : "لا أستطيع ".()
"في هذه الكلمة (لا أستطيع) تتجسد لنا مأساة البطل التراجيدي الذي جبل عن طبيعة معينة لا يملك لها دفعاً، فالمجون يسرى في دم سالم ".()
إنه يعيش بروح شاعر متحرر تكبله القيود ويتعطش للثورة، الثورة التى لا تبقى على الأرض ولا تتعقل نتائج ما تفعل فهو يؤكد "عندى وفاء وحشي للدم"، هذا الوفاء للدم الذى جعله يحتفى بقتل الآلاف في شعره :
أکثرت قتل بني بكر بربهم
حتى بكيت وما يبكى لهم أحد
آليت بالله لا أرضى بقتله
حتى أبهرج بكراً أينما وجدوا
لقد أخلص سالم لوصية أخيه كليب - الذي قتل على يد ابن عمه جساس - بأن يأخذ بثأره وألا يتصالح مع أعدائه مما يشعر سالم بأن هناك واجباً يقع على عاتقه :
كليب: أخي سالم يا أمير تغلب من بعدي قتل كليب، لا تصالح على دم أخيك بإمرأة وكأس، لا تصالح على دم أخيك، لا تصالح على دم أخيك بدم رخيص أثم بحق شكة سلاح الخائن في قلبه، لا تصالح بحق ما سقط الملك في التراب، لا تصالح".()
هنا يهب سالم الثائر ويمتشق السيف للأخذ بثأر أخيه كليب انتقاماً لأخيه ودمه المهدر لأن دم أخيه هو دمه.
فيحاول مرة أبو جساس أن يدفع الدية لسالم كوسيلة للقصاص وحقن الدماء، فيحيل سالم الأمر إلى اليمامة ابنة كليب التى ترد "أريد أبى حياً"، فيؤكد لها مرة أنه يستطيع أن يقدم لها ألفي ناقة أو رقبتى اثنين من أولادى، اختاروا ما تشاؤن من أولادى، مع الألفى ناقة وحياة جساس. ()
ولكن اليمامة تصر على مطلبها ويتحد معها عمها سالم نظراً لأن فكرها يتفق مع فكره الجامح، الذي طالما كان يطلب المستحيل، هذا الفكر الذي يرفض الاعتدال والتعقل كما يؤكد أحمد العشرى "لو أن الزير سالم شخصية عادية تقيس الأمور والظواهر بمقياس العقل وحده لقبل القصاص العادل وهو قتل جساس، ولكن الزير سالم شخصية تتسم بالجموح العاطفى والجنوح نحو المطلق، والذي يعد نوعاً من الغطرسة أو الصلف الذى يستولى على الإنسان نتيجة إحساسه بتفوقه في القوة أو المعرفة أو الجاه، بحيث ينتج عنه عجز البطل عن إدراك الحقيقة ووقوعه في الإثم نتيجة عناده وغطرسته. ()
وهكذا يقرر سالم أن مطلبه هو "كليب حياً لا مزيد" وهو مطلب مستحيل الكثير من العبث لأن الزمن لا يعود إلى الوراء كى يرجع الأموات أحياء، فهو مطلب به من الظلم أكثر من العدل "ذلك هو القانون الطبيعي الصارم الحاسم وبه يبطل كل أثر رجعي للعدل ".()
لقد طلب سالم الدم وسار في طريقه، وأحال حال القبيلتين إلى جحيم مستمر حينما رفض القصاص وبدأ بهمام ابن عمه وزوج أخته أسماء، مطيحاً بكل صلات الدم والرحمة.
أسماء : أتعلم أن سيفك يضرب في لحمك، أن دمك ينزف على دمك؟!" . ()
ولكنه لا يتراجع ولا يكتفى بقتل إبن عمه قصاصاً لقتل أخيه، ويستمر طريق الثأر والإنتقام، فكان كما وصفه ألفريد فرج "هو نسخة شعبية من أمرؤ القيس بن حجر الكندى الشاعر الجاهلى الكبير بن ملك كنده الذي تصعلك معربداً في الجزيرة العربية لا يرعى حرمة ولا عرضاً حتى طرده أبوه فهام على وجهه مع أصحابه أهل المجون والبدوات ... فلما أتاه نبأ مقتل أبيه قال قولته المشهورة المأثورة : ضيعني أبي صغيراً وحملنى وزر الثأر كبيراً .. اليوم خمر وغداً أمر، ثم عبأ الأنصار والأعوان للانتقام لأبيه في حروب فاشلة لم يحرز فيها نصراً يشفى الغليل".().
وبالمثل نجد سالم يتمادى في القتل لإحساسه بالواجب تجاه أخيه "حى أخي وملكى كليب، قتلت في ثأرك اليوم ألف مقاتل من أولاد العم، لتعلم أني لا أضمر براً ولا رحمة لأحد في حقك، فهل شفيت ؟ ". ()
إنه الشاعر الثائر يحلم بالحصول على العدل على أنقاض جثث من لا حول لهم ولا قوة، ويحيل حياته وحياة القبيلتين إلى بحر من الدم، مندفعاً بطلب إبنة أخيه المندفعة بحبها لأبيها :
يمامة : فكم قتلت في ثأر أخيك ؟
سالم : أقل من القليل
يمامة : وهل يشفى أبي إلا الكثير ؟!
سالم : فلنزهق أرواح الأطفال . يا رجال تغلب إلى إلى. ()
لقد أراد إزهاق أرواح الأطفال غير عابئ بصلات الرحم حتى خاطبته أخته أسماء وهي تحمل عل يديها رضيعاً قتيلاً تصيح كالمجنونة "أين أخى الكافر، أين أخى العربيد ؟" فما أن رأته ورأها حتى بصقت عليه ورماها بلسان لهب من عينه الساخطة وصرخت فيه " أرفع سيفك عن أطفالنا ألا يصيب أبن أخيك".()
إنه الإنتقام الذى سرى في دماء هذا الشاعر العربيد فاندفع دون وعي أو إدراك طلباً للثأر، فسار فوق جثث أهله وعشيرته.
جليلة : لقد نلت كفايتك من الإنتقام.
سالم : ليس الإنتقام بغيتى.
جليلة : ما بغيتيك ؟
سالم : كليب حياً.
جليلة : أيرجع الزمن ؟! أترتد الريح ؟!
سالم - حيث يكن سالم، يحدث هذا مرة واحدة ".() (3) .
استطاع ألفريد فرج من خلال شخصية الزير سالم الذي تصوير شخصية المنتقم الذي يسعى للثأر ضارباً عرض الحائط بكل معايير الإنسانية والمنطق وظهر ذلك في حوار سالم وجليلة، فسالم يريد الإنتقام والإبادة بينما تريد جليلة السلام والتعايش من أجل غد لا تلوثه بقاع الدم، ولهذا شعرت جليلة بأن عليها واجب تجاه إبنها هجرس، ألا وهو حمايته وإبعاده عن طوفان الدم الذي يريد عمه أن يلقيه فيه، ولهذا عملت جاهدة على إبعاده عن متناول ید عمه کی تحميه من تطلعاته العبثية، فأرسلته ليعيش في بيت الأمير منجد.
لقد رفضت جليلة أن يقوم مُلك ابنها هجرس على جثث أبناء عمومته وإخوانه، وقررت أن تتناسى الأمس وتفكر فى الغد فهى " إنى أدخره للحياة لا للموت".()
أما عن سالم فاستمر في عجزه وصراعه العبثي من أجل المستحيل، إنه يشعر بأن دم أخيه الطاهر لا تعادله دماء قبيلة بكر كلها أو ألف شاعر أو آلاف الدنانير، إنه يراها صفقة غير متعادلة بل وظالمة.
سالم : أفيمكن أن أقتل وأقتل وأقتل، فلا يكون كليب من جديد إلى آخر الزمن ؟! يا ضيعة الجهد والعمر والمخاطرة، يا فساد كل الأفعال إذاً، يا بوار كل النوايا وخفقات القلوب والدم ودموع اليتيمة والسخط والغضب والإقدام ".()
إنه الصراع النفسى الذى يجسده ألفريد فرج من خلال هذه المناجاة، لقد أدرك سالم بعد فوات الأوان أنه كان يعيش في حالة عشية وأنه قام بمصارعة الزمن مثل دون كيشوت في محاربته لطواحين الهواء، عبث لا طائل من ورائه.
لقد دخل سالم في غیبوبة دامت لمدة سبع سنوات جراء محاولة جساس قتله، وهى الفترة التي ربما كانت تعبر عن إنهياره نفسياً.
وبعد استفاقته من الغيبوبة يحيا سالم فاقداً للذاكرة بروح منزهة عن أحاسيس الضغينة والإنتقام، حتى يلقاه جساس فيتقاتلان، ويطعن كل منهما الآخر فيسأله هجرس " هل شفيت ؟" فرد سالم بعد أن يسلم سيفه "بعض كليب، بعض العدالة ".()
مات سالم بعد أن أيقن عبثية وجهة نظره، وأن الكون يحتاج إلى بعض الرحمة والتسامح، فالعدل لا يتحقق كله في الدنيا، والدم لا يجلب إلا الدم " فالزمن يبطل العدل، حيث يمكن أن يكون ما لم يكن ألا يكون ما قد وقع، إلا أن معجزة واحدة تحقق العدل الصميم. معجزة ما أصغرها، أن يرتد الواقع لحظة ليبطل جريمة وينقذ مجنياً عليه".()
طلب سالم الثأر فتحول إلى طاغية متعطش للدماء، فقضى حياته عبثاً ومات دون أن يستريح "ومن يقتل الناس ظلماً وعدواناً، ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم ويقتلهم فمن المحتم أن ينتهى به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب"."()
لقد انتصرت جليلة في النهاية بعد أن استمعت لصوت العقل، بعد أن نزعت عن نفسها روح الثأر والإنتقام، وأدخرت أبنها للحكم بعيداً عن بحيرة دماء عمه وخاله :
هجرس : لقد طلبتم العدل ولكن بلا تعقل، الآن انظروا أمامكم لحظة لتروا بأعينكم العدل خارج الزمن، ذلك أننا من الممكن أن يسفك دم أجيال كثيرة لمجرد أننا ربطنا أنفسنا كالبهائم إلى أوتار لحظة واحدة وقعت فيها خطيرة. ()
بينما كان سالم ينشد العودة للوراء، سعی هجرس للأمام، أدرك أن طريق الدم لا نهاية له.
وهي الحكمة التي لم يدركها سالم، لم يدرك أن التسامح والعفو هما طريق الحياة، أما الثأر والإنتقام فيهما أسلحة دمار لا تؤتى بأرواح ذهبت ولا تبنى واقع حقيقي .
لم يقر ألفريد فرج بطولة الزير سالم التى تحدث عنها الموروث الشعبي وجعله صورة كبطل تراجدى به خطأ يؤدى إلى هلاكه "لقد أسند النقاد إلى ألفريد فرح فضل ابتكار الشخصية التراجيدية في المسرح المصرى".()
ولذا لجأ إلى استخدام تقنية المناجاة والمونولوج المسرحي كي يصور صراعه الداخلى بين إحساسه بالواجب تجاه أخيه القتيل، وعبثية فكرة الثأر أو الإنتقام "أنا وحيد لأنى حولى فراغاً".()
ولذا لجأ الفريد فرج إلى استخدام صوت الجنود للتعليق على عبثية فكرة الثأر "كانت حرب الأهل واللحم والدم، المهزوم فيها يبكي شرف إخوته، والمنتصر يبكي شرف أولاد عمه، حرب الفوضى والضياع حملنا عبأها على سواعدنا".()
*استاذ النقد و الدراما كلية الاداب جامعة حلوان
المراجع
أولاً : المراجع الأولية :
1- ألفريد فرج : الزير سالم - القاهرة - الهيئة العامة للكتاب – 1988.
ثانياً : المراجع العربية :
1- أحمد العشري : البطل في مسرح الستينيات بين النظرية والتطبيق - القاهرة - الهيئة العامة للكتاب – 1991 .
2- زكي نجيب محمود : الثورة على الأبواب - القاصرة - مكتبة الأنجلو المصرية – ١٩٨٧.
3- شكرى عياد: تجارب في الأدب والنقد - القاهرة - دار الكتاب العربي للطباعة .
4- نبیل راغب : لغة المسرح عند ألفريد فرج - القاهرة - الهيئة العامة للكتاب - 1986.
ثالثاً : المراجع المترجمة :
1 - أفلاطون : الجمهورية - دراسة وترجمة فؤاد زکریا - القاهرة - الهئية المصرية العامة للكتاب – ١٩٨٥.
رابعاً : مقالات نقدية :
1- ألفريد فرج : المسرح والأخلاق - مجلة فصول – القاهرة – 1983.
2- نزيه أبو نضال : الأساطير الشعية في الدراما العربية - الزير سالم (المهلهل) معاصراً - الأردن - صحيفة الرأى الأردنية – 20 / 12 / 2004.
0 التعليقات:
إرسال تعليق